الاختلاف بين طروحات زايتجايست والشيوعية

ھيپآ تيآ
2015 / 7 / 24 - 22:50     



التكنولوجيا : إحدى نقاط الاختلاف بين طروحات زايتجايست والشيوعية..

إصرار البعض على الربط بيننا وبين تلك الإيديولوجيا ينم عن جهله بالحركة وقلة إطلاعه عليها.

لعل “فائض القيمة” من أهم المصطلحات التي ترتكز عليه الشيوعية حيث يعتبر عمودا من أعمدة الاقتصاد السياسي الماركسي، وقد كرس ماركس جزءا كبيرا من وقته من أجل توضحيه وشرحه.

يعتبر ماركس أن الربح بالتبادل التجاري أمر صعب، فلو قام التاجر برفع سعر ما يبيعه من خضار، سيقوم الفلاح الذي يزوده بالخضار برفع أسعاره ليقوم بائع الأسمدة بنفس الشيء وهكذا دواليك.. مما ينجر عنه عدم حصول التاجر أو الفلاح على ربح. إلا أن جشع الرأسمالي يجعله يبحث عن طريقة أخرى للربح. فكل ساعة يعملها العامل دون أن يستلم أجره، تعتبر ربحا للرأسمالي وبهذه الطريقة يتراكم رأس المال. مثلا، العامل الذي يتقاضى 8 دولارات خلال دوام مدته 8 ساعات يستهلك وقتا أقل لإنتاج 8 دولارات أما باقي ساعات العمل فهي ربح خالص للرأسمالي. “إن فترة النشاط التي تتجاوز حدود العمل الضروري تكلف العامل، في حقيقة الأمر، جهدا واستنفاذا لطاقته إلا أنها لا تنتج له أية قيمة. بل تخلق للرأسمالي فائض قيمة له كالجاذبية التي يتمتع بها الخلق من العدم. إني أسمي هذا الجزء من يوم العمل: الوقت الزائد، وأسمي العمل المبذول خلاله: فائض العمل … ماركس رأس المال/ المجلد الأول”.

إذن فالعلاقة بين الأجير والرأسمالي هي علاقة بيع و شراء، حيث يبيع الأجير جهده ليشتريه الرأسمالي في ظل عدم توازن القوى..

لكنَّ هذه العلاقة باتت تتآكل يوما بعد يوم لصالح الرأسمالي، ليس بسبب الدولة والقوانين الجائرة، بل نتيجة التكنولوجيا. فالتطور التقني والأتمتة (التشغيل الآلي) أصبحت تكتسح كل المجالات، الشيء الذي سيؤدي إلى فقدان العامل لعمله. ولعل الأخبار التى تطالعنا كل يوم كفيلة بأن تعكس لنا المستقبل، حيث تشهد طوكيو أول مطعم سياحي إلكتروني في العالم أي مطعم من دون عمال يعتمد على تقديم الطلبات عبر الحاسب الآلي والساحب الإلكتروني، أيضا هناك مصانع السيارات الذكية التي نتج عنها تخفيض عدد العمال إلى 90% (الصين/ الولايات المتحدة…). فالتكنولوجيا قد وفرت للرأسمالي ما كان يحلم به منذ زمن، آلات تعمل بتكلفة أقل دون احتجاج أو مطالب اجتماعية .. وبالتوازي مع ذلك، ازدادت أعداد البطالة كما أصبح الكثير من العمال مهددين بفقدان أعمالهم بين لحظة وأخرى خاصة مع بزوغ فجر الثورة الصناعية الثالثة من برمجيات ذكية، روبوتات بارعة، الإنترنت والطابعة ثلاثية الأبعاد التي وفرت لنا صناعة ما نريد بكبسة زر دون الحاجة لمصانع ضخمة أو عمال.. حتى أن شركة “لوكال موتورز” تمكنت من صناعة أول سيارة كهربائية بالاعتماد على الطابعة الثلاثية الأبعاد في ظرف 44 ساعة.

إن الثورة التكنولوجية التي يشهدها عالمنا تلغي علاقة العامل والرأسمالي، وهو ما يجعل غالبية الشيوعيين يقفون موقف التوجس من التطور التكنولوجي فهم يرون أن التطور التقني يؤثر سلبا على العامل دون أن يخدمه.

“مادامت الصناعة الكبيرة مستمرة في تطورها، فإن خلق الغنى الحقيقي لم يعد مرهونا بزمن العمل وبكمية العمل المستخدمة بقدر ما يغدو منوطا بقوة الأدوات المستخدمة أثناء زمن العمل. وهذه الأدوات ودرجة فعاليتها ليست مرتبطة بزمن العمل المباشر الذي يتطلبه إنتاجها، وإنما تتعلق فعاليتها بالأحرى بالمستوى العام للعلم والتقدم التكنولوجي. بعبارة أخرى، إن فعاليتها تتعلق بتطبيق هذا العلم على الإنتاج… وفي هذه الشروط لا يعود العمل البشري مندرجا في صيرورة الإنتاج، وإنما يمسي الإنسان مرتبطا بصيرورة الإنتاج حيث أنه مراقب ومنظم… فيصبح خارج صيرورة الإنتاج بدلا من أن يكون عاملها الرئيسي… إن سرقة زمن عمل الغير التي ما تزال أساس الغنى اليوم تبدو أساسا واهنا إذا ما قورنت بالأسس الجديدة التي شيدت عليها الصناعة الكبيرة. و عندما يكف العمل البشري في شكله المباشر عن أن يكون المصدر الأول للغنى فإن زمن العمل سيكف عن أن يكون مقياس الغنى… لقد كف فائض عمل الجماهير عن أن يكون شرط تطور الثروة العامة …. كارل ماركس/ مقدمة في نقد الاقتصاد السياسي “.

إن التطور التكنولوجي أصبح يهدد بتحويل الملايين من الناس إلى مجرد أكوام من اللحم والعظم لا طائل منها خاصة مع وجود أقلية مهيمنة ومسيطرة على الأغلبية تحتكر التكنولوجيا لصالحها. ومع وجود فائض بشري، في ظل نمط حياتنا الحالي، أصبحت دعوة التخلص من هذا الفائض بالحروب أو بالأوبئة ذات صدى وإقبال لدى العديد من المستنفذين والرابحين من هذا النظام.

نحن في حركة زايتجايست نعتمد على المنهج العلمي، مع إدراكنا أن الماضي يحتوي على دروس لكنه لا يحتوي على حلول لمشاكل الحاضر والمستقبل، نحن نتعلم من الجميع دون أن نتمترس وراء إيديولوجيا معينة كما نعلم جيدا أن عجلة التطور لا يمكن إيقافها أو الإبطاء من سرعتها، لذا نود دفع هذه العجلة إلى أقصى مداها، فالإنسان لن يتحرر إلا بواسطة التكنولوجيا، و من أجل تحرير التكنولوجيا وإرجاعها إلى هدفها الأول فإننا نعمل على المطالبة بتغيير نمط حياتنا.

عوض الصراع والمنافسة ننادي بالتعاون، وعوض اقتصاد يقوم على عامل الندرة نقدم اقتصادا قائما على الموارد يعتمد على الوفرة، وركيزة هذا الاقتصاد الأخير هو التطور التكنولوجي.

من خلال ما تقدم، نجد أن إحدى نقاط الاختلاف بين طروحاتنا وطروحاتهم أننا لا نعيش الحاضر ولا نستشرف المستقبل بمعارف وأفكار الماضي، قد تكون الشيوعية حلاّ لكنها حلّ لزمن معين تجاوزناه منذ مدة. أما النقطة الثانية تتجلى في اختلاف مواقفنا ومنظورنا للتطور التكنولوجي، فإن كان أغلب الشيوعيين متوجسا من هذا التطور، فنحن هنا لنسانده كونه ركيزة لحركتنا ولِكون خلفيتنا معتمدة، من الأساس، على المنهج العلمي.


 تدقيق: ھيپآ تيآ