ماركس ينتقد شيوعية إنغلز الشترنرية


أنور نجم الدين
2015 / 7 / 22 - 11:57     

مقدمة: ما أساس تناقض ماركس وإنغلز؟

يقول ماركس: "ان سيسموندي يقول: الأزمات ممكنة لأن الصانع يجهل الطلب؛ وهي محتومة لأنه لا يمكن في الإنتاج الرأسمالي أن يوجد توازن بين الإنتاج والاستهلاك (أي أن النتاج لا يمكن أن يحقق)". ويقول إنغلز "أن الأزمات ممكنة لأن الصانع يجهل الطلب؛ وهي ليست محتومة لأن النتاج لا يمكن، عامة، أن يحقق". ان ذلك خطأ: فالنتاج يمكن أن يحقق. والأزمات محتومة لأن الطابع الجمعي للإنتاج يقع في التناقض مع الطابع الفردي للتملك" (ماركس، رأس المال، الكتاب الثاني، ترجمة انطون حمصي، ص 331).
يتبع إنغلز نفس الخطأ الاقتصادي الذي وقع فيه سيسموندي. ولكن في محاولته لتعديل خطأ سيسموندي، وقع هو نفسه في خطأ اقتصادي أكبر. وهذه الأخطاء يبين كم كان إنغلز جاهلا بأصل الحركة الجمعية للإنتاج المعاصر ونتائجه وتناقض الإنتاج مع الطابع الخاص للتملك. فنتيجة لعدم فهم قوانين وجود الرأسمالية آنذاك، لم يدرك إنغلز قوانين التناقضات المحتومة في هذا الإنتاج ثم كيفية نموها المحتوم نحو نهاية هذا الشكل الإنتاجي.
كان ديفيد ريكاردو، يعترف بحدوث الأزمات في المجتمع الرأسمالي، رغم أنه كان يعيد أسباب الأزمات إلى الطبيعة التي لا يمكنها حسب ريكاردو، تأمين موارد رزق البشر. كما لم ينكر مالتوس في وقته ظهور الأزمات في المجتمع. ولكن التعارض بين الزيادة السكانية وحتمية النقص في المواد الغذائية في الطبيعة، هو سبب الأزمات، حسب مالتوس ايضا.
وهذا القانون -قانون نمو السكان وتعارضه مع الثروة- هو الذي أصبح ميدان أبحاث ماركس المادية التاريخية. ووصل ماركس إلى أن قانون الأزمات، هو نتاج حتمي للفيض في الإنتاج لا النقص فيه. فعكس إنغلز، النتاج يحقق، ويخلق بالضرورة حده الخاص نتيجة لفوضى الإنتاج والمنافسة المحتومة في الإنتاج الرأسمالي. وهذا الحد أمام الإنتاج؛ يضعه قانون معدل تثمير رأس المال الكلي، أي قانون معدل العام للربح، وهو حافز الإنتاج الرأسمالي. فإن هبوط معدل العام للربح، سيبطئ بالضرورة من تكوين رؤوس أموال جديدة، الأمر الذي يهدد نمو سلسلة أفاعيل الإنتاج. فهذا القانون ينشط الفائض في الإنتاج مع الفائض في أيدي العاملة، ثم الأزمات. والسبب هو أن القوانين الاقتصادية، تتحرك بصورة طبيعية في المجتمع الرأسمالي، ولا يخضع للاشراف الجماعي للمنتجين أنفسهم، حسب ماركس. لذلك، فكلما زاد التناقض بين القوى المنتجة المتطورة مع أساس الضيق لعلاقات التوزيع والاستهلاك، سيظهر التناقض في السطح في شكل الأزمات، يعني في شكل إفلاس الشركات، وحِدَّة التنافس بين الرأسماليين، ثم الازدياد في الفقر والبطالة، وأخيرا الاصطدامات في السوق العالمية لأجل الوصول إلى الأسواق الخارجية.
أما النزاع الفكري هذا بين ماركس وإنجلس، تتسع حدوده إلى حد تناقضات جذرية بينهما. فالاستنتاجات المختلفة بخصوص الدارات الاقتصادية والنوبات الدورية للاقتصاد الرأسمالي العالمي، أي الأزمات الشاملة في حينه، هو أساس كثير من التناقضات الفكرية بين ماركس وانجلس فيما تخص نتائج الأزمات، والثورات التي تلحقها، ومهمات البروليتاريين في التنظيم اللاحق للمجتمع. فحسب استنتاجات ماركس، لا يمكن أن تكون الثورة سوى ثورة أممية، ومهمتها تتلخص في محو الإدارة السياسية والاستعاضة عنها بإدارة الإنتاج من قبل المنتجين أنفسهم.
ولكن لو رجعنا إلى البيان الحزب الشيوعي، فلرأينا العكس بالضبط، فالبيان يقر علنا بـ: "اختلاف التدابير في الأقطار المختلفة ومركزة الإنتاج في أيدي الدولة". وهذا هو أساس السياسي والأيديولوجي للاشتراكية - الديمقراطية الروسية (البلاشفة والمناشفة)، في تشويهاتها التي لا حدود لها.
إن المهمات التي حددها البيان الشيوعي بوصفها مهمات بروليتارية، مهمات شترنرية غامضة (نسبة إلى الفيلسوف الألماني شترنر). فإذا رجعنا إلى كراس إنغلز "ما الشيوعية؟"، فلوجدنا إلى أن إنغلز نقل فصل كامل من كراسه إلى البيان الشيوعي وعرضه بوصفه مهمات بروليتارية.
فلنقارن الآن بين "البيان الشيوعي" وكراس إنغلز: "ما الشيوعية؟".

البيان الشيوعي

تتلخص مهمات البيان في الآتي: "نزع الملكية العقارية وتخصيص الريع العقاري لتغطية نفقات الدولة، ضريبة تصاعدية مرتفعة، مصادرة ملكية جميع المهاجرين والعُصاة، مركزة التسليف في أيدي الدولة بواسطة مصرف وطني رأسماله للدولة والإحتكار له وحده، مركزة وسائل النقل في أيدي الدولة، تكثير الفبارك الوطنية وأدوات الإنتاج، واستصلاح الأراضي وتحسين الأراضي المزروعة، وفق تخطيط عام" (البيان الشيوعي).

كراس إنغلز: ما الشيوعية؟

ان المهمات التي حددها إنغلز، وهي نفس المهمات الدارجة في البيان الشيوعي، تتكون من: "الحد من الملكية الخاصة بواسطة الضرائب التصاعدية، المصادرة التدريجية لأملاك كبار العقاريين والصناعيين وأصحاب خطوط السكك الحديدية والبواخر وذلك بواسطة منافسة القطاع العام، مصادرة أملاك جميع المهاجرين والمتمردين تنظيم العمل وتشغيل العمال في ممتلكات ومصانع ومؤسسات الدولة، إلزامية العمل لجميع أفراد المجتمع حتى القضاء التام على الملكية الخاصة، مضاعفة عدد المصانع والمشاغل والسكك الحديدية والسفن التابعة للقطاع العام واستصلاح الأراضي, مركزة جميع وسائل النقل في أيدي الدولة" (إنغلز، النسخة الالكترونية)
وليست المهمات هذه سوى "شيوعية شترنرية"، ينتقدها ماركس بعمق في "الايديولوجية الألمانية".

الايديولوجية الألمانية

يقول ماركس: " ان القديس ماكس (يقصد شترنر) يرجع الشيوعية بأسرها، على اعتبارها المشاركة العمومية في العمل .. ويتحدث عن ضريبة عمومية في المجتمع الشيوعي"، "وفقا للقديس سانشو (ٍشترنر)، فان اولئك الذين يظلمهم المجتمع يبحثون عن المجتمع العادل .. ووفقا له انهم يسعون إلى الدولة العادلة ..
ان "الدولة"، التي يعرف جميع الناس انها واحدة في بروسيا وأميركا الشمالية، يجب أن تلغى ..
إنَّ تحوی-;-ل الملكی-;-ة الخاصة إلى ملكی-;-ة الدولة، ی-;-رتد في آخر تحلی-;-ل إلى فكرة أنَّ البرجوازي لا ی-;-تملك إلاَّ بوصفه نموذجاً للنوع البرجوازي الذي تسمى خلاصته الدولة، والذي ی-;-منح الأفراد حقوق الملكی-;-ة (ماركس، الايديولوجية الألمانية، ص 217، 218، 223، 386)
"ان الضرائب هي ينبوع الحياة بالنسبة للبيروقراطية والجيش والكهان والبلاط، وبالاختصار بالنسبة لجهاز السلطة التنفيذية بأسره. ان الحكومة القوية والضرائب الباهضة هما شيء واحد" (ماركس، 18 من برومير)
وهكذا، فالشيوعية التي يبحثها ماركس في دراساتها المادية التاريخية، ليست إطلاقا "شيوعية إنغلز الشترنرية" التي تتحق من خلال دولة مثل دولة لينين.
ورب فرد يسأل: لماذا لم ينقطع ماركس عن هؤلاء الذين يجمعهم البيان الشيوعي حوله؟
جوابنا هو أن "الأممية الأولى"، حسب ماركس، كانت تمثل كثيرًا من المنظمات العمالية لا هذا التنظيم أو ذاك، هذه الفكرة أو تلك. وكانت مشاركة ماركس في كتابة البيان الشيوعي، تشمل الجانب النظري فقط.
المصدر/الكومونة: http://www.alkomona.com

ملاحظة:
في أواخر عام 1844، كتب إنغلز رسالة إلى ماركس، ذكر فيها انه أكمل كتاب شترنر الجديد. وفي الرسالة وعد إنغلز ماركس بأن يرسل له نسخة من نفس الكتاب. ووصف فيه شترنر في رسالته ويقول: لكن الحقيقي في مبدأه، إننا يجب أن نقبل. ولاحقا ركز ماركس على نقد شترنر ضمن نقد الأيديولوجية الألمانية عمومًا، وعكس إنغلز سماه "جاك المغفل" و"القديس ماكس" ورغم ذلك، فلم ينقطع إنغلز عن "الشيوعية الشترنرية"، بل أصبحت الماركسية الروسية في النهاية، خليط من الشيوعية الشترنرية والهيغلية-الفيورباخية.
المصدر/الكومونة: http://www.alkomona.com