الوطنية والاممية والعولمة الانسانية في عصر العولمة


سعاد خيري
2005 / 10 / 12 - 10:45     

جاءت هذه المفاهيم لتجسد واقع المجتمع البشرية المتطور ابدا. فهي لم تظهر في المراحل الاولى من تطور المجتمع البشري . فلا يعرف النظام العبودي مفهوم الوطنية ولا الاممية وانما طور نظام العشائر والقبائل الى نظام الامبراطوريات مثل الامبراطورية الرومانية والبزنطية، لحماية مصالح الاسياد واستعباد البشر. وظهرت الديانة اليهودية كاول ايديولوجية لخدمة الاسياد والتمييز بين البشر بشعاراتها "اليهود شعب الله المختار ويجب ان يخضع كل البشر لهذه السيادة. هذه الايديولوجية التي تستخدمها اليوم العولمة الراسمالية وبعد الاف السنين لتمزيق وحدة البشرواستعبادهم . كما لم يعرف النظام الاقطاعي ورغم تطور العلاقات التجارية مفهوم الوطنية او الاممية بل عرف مفهوم الاقطاعيات والامارات والامبراطوريات الدينية المسيحية والاسلامية، دون ان يقضي على مفاهيم ومنظمات المجتمع السابق التي ترسخت في ضمير وسايكولوجية مختلف فئات المجتمع كما ابقى على بعضها لاحكام قبضة الاقطاعيين وممثليهم على المجتمع. ورغم كل ما قدمه النظام الاقطاعي من تطوير للمجتمع في فجره ولا سيما تحريره من النظام العبودي، فانه سخربعض تلك المفاهيم والايديولوجيات لحماية مصالح الاقطاعيين وكبار التجار واخضاع المجتمع لسيطرتهم واستغلالهم . ومع بزوغ النظام الراسمالي وتطوره ومع كل ما قدمه للبشرية من تقدم حضاري اوجد مفهوم الحرية والاخاء والمساواة التي جسدتها الثورة الفرنسية لتوحيد المجتمعات لخدمة مصالحه المنسجمة مع مصالج البشرية في القضاء على النظام الاقطاعي. ولكن بعد ان حرر الشغيل من الاستغلال الاقطاعي الذي يقوم ليس فقط على تملك نتاج طاقاته بل تملكه ككيان ، عمل وبعد تجريده من كل وسائل الانتاج التي استطاع امتلاكها لممارسة بعض الحرف ، ترك له حريته في الاختيار بين الموت جوعا او بيع طاقاته ليستغلها الراسمالي مالك وسائل الانتاج لزيادة ارباحه واعادة انتاج علاقات الانتاج الراسمالية . وفي مراحلها الاولى القائمة على المنافسة الحرة بين اقطابها ومن اجل توسيع نطاق استغلالها احتاجت الى تكوين الدول واقامة الجيوش وبناء الاساطيل على حساب المجتمع فاستغلت مشاعر المجتمع في تعلقه بطبيعة محيطه وبامجاد مجتمعه، لظهور مفهوم الوطنية و استغلته لخدمة مصالحها بربط مصالح المجتمع بالتطور والرفاه بتحقيق اهدافها في اخضاع الشغيلة في الوطن واستخدام كل خيراته التي انتجتها الشغيلة لخدمة مصالحها في مقاومة المنافسين المحليين والخارجيين .
ومع تطور وسائل واساليب استغلال الشغيلة نمى وتطور الصراع الطبقي وتطورت وسائل نضال الشغيلة من اجل حقوقها في ثمار عملها . ونشأت الماركسية كنظرية ونهج وممارسة ، وظهر مفهوم الاممية كتجسيد لشعار "يا عمال العالم تحدوا" ومع تطور الراسمالية الى مرحلة الاحتكار و الامبريالية واستخدام الحرب لاعادة اقتسام العالم نتيجة التطور غير المتناضر للمراكز الراسمالية طرح لينين شعار "يا عمال العالم وشعوب المستعمرات اتحدوا". واذ مكنت الماركسية من تحويل الاشتراكية من احلام الى واقع في بلد واحد او عدة بلدان لفترة محدودة سواء في كومونة باريس او الاتحاد السوفيتي عند توفر العامل الذاتي ، وهو الحزب الشيوعي الذي استطاع ان تسترشد بالماركسية كنهج ونظرية وممارسة لفترة ، فان عدم تمكنه من تطوير الماركسية وفقا لتطور متطلبات المرحلة الجديدة ادى الى تغلل علاقات الانتاج الراسمالية مرة اخرى ونخرها للمجتمع والحزب، الامر الذي ادى الى انهيار التجربة التارخية العظيمة دون ان تستطيع الراسمالية حرمان البشرية من تجاربها ودروسها ونتائجها الايجابية على عموم البشرية بما وطدته من منظمات وقوانين ومواثيق دولية ووطنية . ولذلك ورغم الازمة التي مرت بها الحركة الشيوعية العالمية والتطور الذي حققته الراسمالية بفضل الثورة العلمية التكنولوجية وبلوغها مرحلة العولمة ، فان ماكنة اعلام الراسمالية الجبارة واسلحتها الايديولوجية في محاربة الشيوعية وتشويه الماركسية تتصاعد. وبعد شعارات نهاية الشيوعية وعقم الماركسية وتصنيع عدو للبشرية هو الارهاب لخدمة اهدافها في الهيمنة على العالم من خلال اثارة الرعب واليأس والدمار . فانها تعمل باستمرار من خلال مؤدلجيها لتشويه تجارب البشرية ولا سيما تجربة بناء الاشتراكية بمختلف المفاهيم . ففي اخر تحريف لاسباب فشل تلك التجربة هو تفضيل الحزب الشيوعي السوفيتي الوطنية على الاممية وليس تخليه عن تطوير الماركسية الامر الذي ادى الى استعادة العلاقات الراسمالية نفوذها في المجتمع والحزب، والتي حتى وان حصلت فهي نتيجة وليس سببا’. وثانيا العمل على خلق التناقض المصيري بين الوطنية والاممية وقد اثبتت الماركسية بل وتجارب جميع الشعوب الترابط المتين بين الوطنية والاممية ، بل ان وجود الوطنية حتم وجود الاممية ، بهدف توحيد الشغيلة اولا و جميع الشعوب.
واذ يبرر هؤلاء المؤدلجون ادانتهم للشيوعيين في عصر العولمة بتمسكهم بالوطنية في عصر العولمة فان اقطاب العولمة الراسمالية لم يتخلوا عن اساليبهم القديمة في الهيمنة على العالم من خلال الحروب وفرض الاحتلال ، الامر الذي يجعل من قضية تحرير الوطن من الاحتلال المهمة الاولى التي تمكن من تحقيق الاممية ، التي تسعى البشرية الى تطويرها الى مفهوم العولمة الانسانية لمواجهة العولمة الراسمالية التي على مصيرها وتطويرها وتطوير وسائل كفاحها يتوقف مصير البشرية. ويغدق التحريفيون على العولمة الراسمالية صفة العولمة بدون تمييز أي توحيد البشرية في حين انها لا تعولم سوى الراسمال وجميع تناقضاته وازماته وكوارثه ، و تعمل في نفس الوقت على تمزيق الشعوب على اساس قومي او اثني او ديني او طائفي او بكل هذه الاسس سوية كما جرى لصربيا وما يجري في العراق لتركيع الشعوب واحكام يهمنتها عليها.
فالشيوعون في عصر العولمة الراسمالية العاملون على توحيد البشرية في النضال ضد العولمة الراسمالية ، يدركون ان العولمة الراسمالية في استخدامها الحروب والاحتلال المباشر وسيلة لهيمنتها على العالم يميزون بين الوضع في البلدان المحتلة والتابعة وبين البلدان الراسمالية . ولذلك يضعون في البلدان المحتلة والتابعة الشعارات الوطنية في مقدمة شعاراتهم ويربطونها دائما بنضالهم وشعاراتهم الاممية او العولمية الانسانية التي بدونها لا يمكنهم لوحدهم التحرر من الاحتلال والمساهمة الفعالة في العولمة الانسانية.. وفي البلدان المتحررة و الراسمالية يضعون المطالب الانية لشعوبهم في مقدمة اهدافهم ويربطونها بالعولمة الانسانية والا كيف يمكنهم تعبئة شعوبهم وتطوير وعيهم وكفاحهم الوطني والعولمي. والشيوعيون في عصر العولمة لايحد افقهم استشراس اعداء البشرية، لادراكهم قرب نهاية نظامهم ، يجدون اليوم في الوطن بيتهم الذي يجب تحريره لكي يستطيع الشعب تحرير طاقاته ووعيه، وبالعولمة الانسانية التي ينتمي اليها ضمان تحرره مع جميع شعوب العالم والكرة الارضية ، وفي الطبيعة المجال الحيوي للبشرية، فانهم يتطلعون الى المجتمع الانساني الحقيقي الخالي من جميع اشكال الاستغلال لتصبح الكرة الارضية بيت البشرية الجميل والكون اللامحدود محيطها الحيوي.
سعاد خيري في 11/10/2005