هل ستعيد موسكو في قلبها تمثال درجينسكي؟


فالح الحمراني
2015 / 7 / 20 - 20:34     



في البدء لابد من الإعراب عن الهواجس من عبادة الاصنام (التماثيل) فكريا وادراك ان التاريخ يتصف بالثراء والتعددية ويرفض جوهره الانحصار في تيار واحد وعامل واحد, والاشارة الى انها موروث لمرحلة تاريخية ويعكس ثراؤها الروحي ومستوياتها الثقافية، بيد انها قد تكون رمزا ايديولوجيا يكون محط صراع بين القوى المتصارعة في المجتمع وتصب في صالح مكون اجتماعي على حساب اخر. ولذا فان للتماثيل ليس فقط دورها الاثري التاريخي وانما العقائدي.
في موسكو استعر سجال حاد بين دعاة ومعارضي إعادة تمثال احد قادة اكتوبر الاشتراكية ، فيليكس ديرجينسكي( 1877ـ1926) الذي جرت الاطاحة به على مشارف انهيار الاتحاد السوفياتي باعتبار( وفقا لرؤية القوى الليبرالية) احد رجال التنكيل وملاحقة قوى المعارضة وسحق اصحاب الرأي الاخر ومؤسس ما يصفوها ب "آلة القمع للدولة الشمولية".
ووافقت لجنة الانتخابات لمدينة موسكو في 12 يونيو 2015 على اقتراح تكتل الحزب الشيوعي الروسي البرلماني، على إجراء استفتاء في موسكو حول استعادة تمثال "فيلكس ديرجينسكي" في ساحة "لوبيانكا".وابدت القوى الليبرالية المخاوف من ان تكون اعادة تمثال ديرجينسكي لقلب موسكو، مؤشرا لإعادة وسائل القمع وملاحقة المعارضة التي تبنتها اجهزة الأمن في الاتحاد السوفياتي السابق.
وحال الإعلان عن النية في إستعادة تمثال "فيلكس ديرجينسكي" الى ساحة "لوبيانكا " في مركز العاصمة الروسية والأهم مقابل مباني مقرات أمن الدولة التي كانت في زمن الاتحاد السوفياتي تسمى "الكي جي بي" واليوم هي دائرة "في اس بي" ، تحركت مختلف القوى المؤيدة والمعارضة لمشروع القرار. أحد المعسكرات ينظر له على انه رمز وطني دافع عن منجزات القوى العاملة والدولة الاشتراكية السوفياتية ضد قوى الثورة المضادة، وقوى اخرى تعتبره مؤسس ماكنة ابادة المعارضة وحملة الرأي الآخر حتى من بين صفوف المعسكر البلفشي. لقد اكتسب اعادة تمثال ديرجينسكي الى مركز العاصمة الروسية طابعا ايديولوجيا واندرج ضمن الصراع القائم في روسيا بين القوى الوطنية / المركزية والقوى الليبرالية الموالية للغرب.
خـلفيات
وكما جاء في معجم ثورة اكتوبر وموسوعات التواصل الاجتماعي فان ديرجينسكي ثوري ورجل دولة سوفيتي وعضو بارز في الحركات الثورية الروسية والبولندية، كان من المتعصبين للقضية شأنه في ذلك شأن الكثيرين من الشيوعيين المتياسرين، كما كان مؤمناً بقضية الثورة لحد العبادة، ومستعداً لتحقيق أهدافها مهما كان الثمن. كما كان عضواً في عدة لجان ثورية وشغل الكثير من المناصب في الدولة السوفيتية لعل أهمها هو منصب رئيس لجنة الطوارىء _ التشي كا ) وقد تولى رئاستها منذ أول يوم تأسيسها حتى عام 1922 كما أنه لعب دور مهم في الثورة البلشفية. تولى عدة مناصب في الدولة السوفيتية,يحظى فيليكس ديرجينسكي بسمعة كبيرة في صفوف رجال المخابرات السوفيت والروس الذين يعتبرونه مؤسس جهازهم الأمني ورمز الشرف المخابراتي وفارس السيف والترس - وهو شعار جهاز الأمن الروسي .ومازالت تماثيلة وصورة تزين العديد من مكاتب الأمن في روسيا. وفي عام 1958 تم اقامة تمثال لمؤسس جهاز الامن السوفياتي في الساحة التي اطلق اسمه عليها والمحاطة باجهزة المخابرات، ومن ثم جرى اعادة اسمهار التاريخي : ساحة " لوبيانكا".
في مساء 1991 وبعد إنهيار الحركة الإنقلابية من قبل بعض رؤساء المؤسسات السوفياتية التي اطلقت على نفسها "لجنة الدولة لحالة الطوارئ" التي استهدفت لعزل الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف عن السلطة ، جرى رفع تمثال "فيلكس ديرجينسكي" الرئيس السابق للجنة أمن الدولة السوفياتية التي تحولت الى "الكي بي جي" بواسطة رافعة بناء ( وقبل ذلك اصدر مجلس موسكو قرار برفع التمثال). وتم القاء التمثال في البداية قرب المبنى الجديد لمتحف "تريتيكوف" ومن ثم نقل لينصب في " حديقة الفن" القريبة. وأفادت وسائل الإعلام الروسية في اكتوبر 2013 بإن "مجلس برلمان موسكو" تبنى قرارا باستعادة تمثال ديرجينسكي وإعادته الى ساحة لوبياناكا.
موقف الكنيسة الروسية. قال رئيس قسم بطراركية موسكو لعلاقات الكنيسة والمجتمع فسيفولود تشابلين ان ليس كافة أهالي موسكو يبدون اهتماما بمسألة احتمال اجراء استفتاء بصدد اعادة تمثال ديرجينسكي الى ساحة "لوبيانكا".واضاف " لا ارى ان هذا هو الموضوع الاكثر راهنية لنظر اهالي المدينة. وقال بان اعادة ان تمثال ان الجيل الجديد لا يتذكر ديرجينسكي امل القديم فقد نساه. ولفت ايضا الى ان الكثيرين يحترمون ديرجينسكي باعتباره احد مؤسسي واضعي نظام حفظ النظام السوفياتي، ولكن ولكن هناك شريحة واسعة من المجتمع تتذكر بانه منظر وزعيم " الارهاب الاحمر" الذي حصد كثير من ارواح الابرياء. ومن المفهوم ان اسمه يرتبط بالنجاحات وبطولة الشرطة والجاسويسة ومحاربة التجسس، ولكن اسمه يرتبط ايضا باؤلئك الذي قاموا بممارسات تتنافي والقانون والاخلاق".
ويعارض ممثلو التيارات الليبرالية والديمقراطية اعادة تمثال درجينسكي الى قلب العاصمة الروسية خشية من احياء رموز الدولة السوفياتية وقواعد الحياة ونظام شمولية الدولة وكم الافواه والتعددية في الفكر.
ووفقا لمعطيات مركز " فتسيوم" لاستطلاعات الراي العام فان (45%) استقبلوابايجاب خبر اعادة تمثال ديرجينسكي في مكانه السابق بموسكو. واعرب (25%) عن موقفهم السلبي من ذلك .
ان الجدل حول اعادة تمثال درجينسكي دلالة على الصراع الدائر اليوم بين القوى التي تتجمع في المعسكر الوطني لروسيا ذات السيادة والخط والهوية الخاصة، والتجمعات الليبرالية والديمقراطية التي تتطلع لتكون روسيا بانتمائها وعقيدتها وذهنيتها الفكرية وتطورها الاقتصادية اوربية. لذلك فانها سيكون ايضا عامل لعميق الانقسام الاجتماعي ومهما كانت نتائج الاستفتاء حوله. انه الصراع الاجتماعي من اجل التجدد والتغير والوصول للشكل الجديد،الصراع الدائم الذي يتخذ اشكالا متعددة.