محتال وكذاب من يزعم أنه خارج السياسة - في ذكرى الأكاديمي يفغيني بريماكوف


ترجمة مشعل يسار
2015 / 7 / 18 - 21:48     

في 29 من الشهر الماضي جرت في مقبرة نوفوديفيتشي المخصصة للمميزين من الناس في موسكو جنازة ولا أبهى للمتوفي الأكاديمي المستعرب المعروف والسياسي المخضرم والقيادي في الحزب الشيوعي السوفياتي خلال عهد غورباتشوف ورئيس الوزراء الروسي خلال عهد يلتسين يفغيني بريماكوف.
جميع وسائل الإعلام راحت تستعرض ذكريات الأحياء عن الأكاديمي بريماكوف باعتباره الرجل الذي كان يحظى باحترام الكل - اليمين واليسار، الديمقراطيين والمحافظين، القوميين والأمميين، وهلم جرا، وباعتبار ان السيد بريماكوف كان محترفا من الفئة الأولى ورجلاً حظي بتقدير واحترام الجميع. وربما ذهب أبعد من الجميع قادة الحزب الشيوعي الروسي الذين اقترحوا لتخليد ذكرى بريماكوف تسمية واحد من شوارع موسكو ومعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية باسمه.
والسؤال هو: لماذا يعجب السادة زيوغانوف وشركاؤه مثل هذا الإعجاب بيفغيني بريماكوف، ويمنحونه هذا الشرف الرفيع؟ ألصفاته الإنسانية أم لنشاطه السياسي الدؤوب؟
درجت العادة على ألا يذكر الأموات إلا بالخير وبالصفات الحميدة، ولنضع لذا الصفات الإنسانية جانبا، ولنعرض لنشاطه السياسي فقط. فقد كان بريماكوف عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي ورجل دولة مرموقاً، ورفيق درب وحليفاً لقائد البيريسترويكا ميخائيل غورباتشوف و صديقاً لعرابها الرئيسي ألكسندر ياكوفليف، اتبع باستمرار ومثابرة سياسة رسملة البلاد، وكان رئيساً لمجلس السوفيات الأعلى لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية وذا باع ويد طولى في تأمين انهيار الاتحاد. إلا أن إنجازه الرئيسي الذي أدخله التاريخ كان ترؤسه الحكومة الروسية في عام 1998 التي أنقذت يلتسين والرأسمالية الروسية بعد الانهيار المالي المريع. فحكومة بريماكوف – ماسلوكوف التي لقيت الدعم من جانب الحزب الشيوعي لعبت ورقة التضامن الوطني أمام الشعب، وسدت الثقوب الناجمة عن دين مترتب للشعب كرواتب بمليارات الروبلات من خلال خفض قيمة الروبل إلى ربع قيمته الأصلية وإخماد موجات نضال الشعب العامل. وبريماكوف هو من قال آنذاك إن الكلام عن "انتقام أحمر"، وعن "نهاية الإصلاحات" تافه لا أساس له.
لذلك عندما تبدأ اليوم المعارضة اليسارية تنتقد الحالة الراهنة لروسيا وقذارات الرأسمالية ، وتغضب من جراء تدهور البلاد وانهيار الصناعة والعلوم الروسية واستشراء الفقر والظلم بين الناس، عليها أن تتذكر أن من ساعد على تأمين الحفاظ على هذا النظام كان يفغيني بريماكوف.
أما التنهد والتحسر والتعجب في شأن إنسانية الأكاديمي بريماكوف وآدميته، فقد أعطاها تفسيرا شاملاً في موضوع مماثل فلاديمير لينين في عام 1907 في مؤلفه الصغير المعنون "لمناسبة ذكرى الكونت هايدن"، والذي أشار فيه، بين جملة أمور أخرى، إلى أن جماعة "المئة السود" الإرهابية العنصرية اليمينية قد أهاجت بموقفها الفظ مشاعر الكراهية والازدراء بها فقط، وكانت غير قادرة على أي تأثير أيديولوجي ذي خطورة على عامة السكان. لكن هذا التأثير كان من شأن المثقفين الليبراليين الشرعيين والديمقراطيين والاشتراكيين أن يمارسوه: "وهنا يظهر السادة المرتدون اللباس المحترم، المتنورون والمتعلمون، وعلى شفاههم عبارات عن الليبرالية والديمقراطية والاشتراكية، ومن أفواههم تترى خطابات التعاطف مع قضية الحرية وقضية نضال الفلاحين في سبيل الأرض ضد الملاك . السادة الذين يحتكرون صفة المعارضة المشروعة في الصحافة والنقابات والاجتماعات والانتخابات، ويعظون الشعب والأسى في عيونهم: "قدر نادر وسعيد! ..قدر المرحوم الكونت أن يكون قبل أي شيء آخر إنساناً".
نعم، لم يكن هايدن وحسب إنساناً، ولكنه كان أيضا مواطناً قادرا على الارتقاء إلى مستوى فهم المصالح المشتركة لطبقته والدفاع بذكاء عن هذه المصالح. أما أنتم، أيها السادة الديمقراطيون المتنورون فحمقى تذرفون الدموع لتغطوا بحماقتكم الليبرالية عدم قدرتكم على أن تكونوا أي شيء غير أذناب ثقافية لطبقة الملاّك تلك ذاتها.
إن تأثير ملاك الأراضي على الناس ليس مخيفاً. فهم لن يتمكنوا من خداع الجماهير الواسعة من العمال وحتى الفلاحين لفترة طويلة. لكن تأثير المثقفين الذين لا يشاركون مباشرة في استغلال هذه الجماهير، والمدربين على التلاعب بالعموميات والمفاهيم العامة وهي تقسم بشرفها "القسم العظيم" جاعلة عن غباء صادق في بعض الأحيان من موقعها ما بين الطبقات مبدأاً لأحزاب خارج الطبقات ولسياسةٍ غير طبقية - تأثيرَ المثقفين البرجوازيين هذا على الناس خطير . فهنا، وهنا فقط يظهر بوضوح للعيان تلويث وعي الجماهير الذي يمكنه أن يلحق ضررا حقيقيا، ما يتطلب مجهوداً مضاعفاً من قبل جميع القوى الاشتراكية لمكافحة هذا السم ".
شيوعيونا الرسميون ومعارضونا في مجلس الدوما معجبون كل الإعجاب بعلم وثقافة وإنسانية بريماكوف. وهو بهذه الصفات يشبه حرفيا الكونت الراحل، الذي كتب لينين عنه: "كان هايدن شخصاً متعلماً ومثقفاً وإنسانياً ومتسامحاً – هذا ما يقوله بلهفة المعجبين المشدوهين الليبراليون والديمقراطيون، وهم يتخيلون أنفسهم مترفعين عن أي "تحزب" وصولاً إلى وجهة النظر"الإنسانية العامة".
فأنتم على خطأ، أيها الأجلاء. فوجهة النظر هذه ليست "إنسانية عامة" بل هي وجهة نظر "عموم العبيد". فالعبد الذي يعي وضعه كعبد ذليل ويناضل للتخلص من وضعه هذا هو الثوري. والعبد الذي لا يعي عبوديته والغارق في حياة الرقيق الصامت الفاقد الوعي والأبكم هو مجرد عبد. العبد الذي يشطّ ريقه عندما يصف راضياً متآبياً مسرات حياة الاستعباد ومعجباً بسيده كم هو طيب ولطيف هو ذاك المنبطح النذل. أنتم بالذات أنذال كهذا، أيها السادة من جماعة "توفاريش" ("الرفيق"). أنتم تبدون رضى مثيراً للاشمئزاز حيال كون مالك الأرض الذي عادى للثورة ودعم الحكومة المعادية للثورة، متعلما وإنسانياً. أنتم لا تفهمون أنكم بدلا من أن تحولوا العبد إلى ثوري رحتم تحولون العبيد إلى متزلفين منبطحين. وكلامكم عن الحرية والديمقراطية سراب وبريق موهوم، أو عبارات حفظتموها عن ظهر قلب، أو ثرثرة مألوفة، أو نفاق ورياء. إنه يافطة مبهمة المعاني. أما أنتم فتوابيت قبور. نفسكم لحمتها وسداتها نفسُ أنذال، وكل ما حصّلتمونه من تعليم واستنارة وثقافة ما هو إلا نوع من دعارة موصوفة. لأنكم تبيعون روحكم وتبيعونها ليس فقط لعوز أو حاجة وإنما أيضا "حباًً بالفن"!"
في الأساس، المسألة واضحة تمام الوضوح. فقد كان بريماكوف حقا رجلاً ذكياً ومتعلما. حتى لنعترف ونقر بأنه كان أكثر ذكاء وعلماً بكثير من الرفاق في الحزب الشيوعي الروسي لأنه كان يدرك أفضل منهم مصالح طبقته ومصالح حركته الاجتماعية المناهضة للثورة. كان يدرك أفضل بكثير مما يدرك الرفاق في الحزب الشيوعي مصالح الطبقات الكادحة التي يزعمون أنهم يخدمونها.
كل تقريظ الحزب الشيوعي ومديحه لبريماكوف ونشاطه ليس سوى محاولة للانضمام الى السلطة البرجوازية في صورة مدافع رسمي مسموح به عن الشعب يتلقى لقاء هذا العمل راتباً جيداً. وان هذا ليتمكن منه السادة زيوغانوف وشركاه، وينبغي الاعتراف بذلك، خير تمكّن.
السكرتير الاول للجنة المركزية لحزب العمال الشيوعي الروسي فيكنور تولكين