مدافعون عن الحكم الإستعماري الجديد - صحيفة - جينمينجباو - و مجلّة - العلم الأحمر- – بيكين 1963


شادي الشماوي
2015 / 7 / 17 - 19:50     

( الفصل الرابع من كتاب " نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفيّة السوفياتية 1956- 1963 : تحليل و وثائق تاريخية " - " الماوية : نظرية و ممارسة " عدد 20 – ماي / جوان 2015 )

لقد إنتشرت عاصفة ثوريّة عظمى منذ الحرب العالميّة الثانية فى كلّ من آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية . و قد أعلن الإستقلال فى أكثر من خمسين قطرا آسيويّا و أفريقيّا ، و إنطلقت الصين و الفيتنام و كوريا و كوبا فى طريق الإشتراكية . و هكذا تغيّر وجه آسيا و أفريقيا وأمريكا اللاتينية تغييرا هائلا .
وبينما أصيبت الثورة فى المستعمرات و أشباه المستعمرات بنكسات خطيرة بعد الحرب العالميّة الأولى بسبب قمع المستعمِرين و عملائهم ، تغيّر الوضع تغيّرا أساسيّا بعد الحرب العالميّة الثانية . و لم يعد بإستطاعة المستعمِرين أن يطفئوا نيران التحرّر الوطني الكاسحة . إنّ نظام حكمهم الإستعماري القديم يتحلّل بسرعة . و أصبحت مؤخّرتهم جبهة أماميّة تشتعل بالنضالات المعادية للإستعمار و قد أطيح بسيطرة الإستعمار فى بعض المستعمرات و البلدان التابعة . و فى البعض الآخر أصيبت بضربات قويّة أخذت تتأرجح من هولها . وممّا هو محتّم أن يضعف حكم الإستعمار بفعل هذا و يهتزّ فى أقطاره نفسها .
إنّ إنتصارات ثورات الشعوب فى آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية ، إلى جانب ظهور المعسكر الإشتراكي ، تزفّ أنشودة النصر فى أيامنا و عصرنا الراهن .
إنّ عاصفة ثورة الشعوب فى آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة تتطلّب من كلّ قوّة سياسية فى العالم أن تتّخذ تجاهها موقفا . وبينما تبعث هذه العاصفة الثوريّة العظمى الرعب فى قلوب المستعمِرين و الحكّام الإستعماريين فيرتجفون هلعا تبعث السرور و الفرح فى قلوب الشعوب الثورية فى العالم . يقول المستعمِرون و الحكّام الإستعماريون " إنّ هذه مخيفة ، مخيفة ! " و تقول الشعوب الثورية " إنها جميلة ، جميلة ! " . إنّ المستعمِرين و الحكّام الإستعماريّين يقولون " إنّها تمرّد، و ممنوعة ". و لكن الشعوب الثوريّة تقول " إنّها ثورة ، وهي من حق الشعب ، كما أنّها تيّار تاريخي لا يقاوم ".
إنّ احد الخطوط الفاصلة الهامّة بين الماركسيّين اللينينيّين من جانب و المحرّفين المعاصرين من الجانب الآخر هو الموقف الذى يتّخذه كلّ من الجانبين تجاه هذه القضيّة التى أصبحت فى أقصى درجات الحدّة فى السياسة العالميّة المعاصرة ؟ إنّ الماركسيين الليننيين يقفون بحزم إلى جانب الأمم المضطهّدة ، و يؤيّدون حركة التحرّر الوطني تأييدا نشيطا . أمّا المحرّفون المعاصرون فهم يقفون فى الواقع مع المستعمِرين و الحكّام الإستعماريّين و ينكرون و يقاومون حركة التحرّر الوطني بكلّ وسيلة ممكنة .
إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي لا يجرءون فى أقوالهم على نبذ شعارات التأييد لحركة التحرّر الوطني نبذا تاما ، و فى بعض الأحيان يذهبون إلى درجة إتّخاذ إجراءات معيّنة من شأنها أن تخلق مظهرا للتأييد خدمة لمصالحهم الخاصة . و لكن إذا فحصنا جوهر آراءهم و سياساتهم خلال عدد من السنين لوجدنا أن موقفهم تجاه نضالات التحرّر للأمم المضطهَدة فى آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية إمّا هو موقف سلبي أو موقف إستخفاف أو إستنكار ، و أنّهم يخدمون كمدافعين عن الحكم الإستعماري الجديد .
فى الرسالة المفتوحة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي فى 14 يوليو ( تموز) عام 1963 و فى عدد من المقالات و التصريحات ، بذل رفاق الحزب الشيوعي السوفياتي جهودا كبيرة للدفاع عن آراءهم الخاطئة ، و لمهاجمة الحزب الشيوعي الصيني حول مسألة حركة التحرّر الوطني . و لكن الحصيلة الوحيدة لذلك كانت برهانا جديدا على موقف قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ، المعادي للماركسية اللينينية و المعادي للثورة حول هذه المسألة .
لننظر إلى " نظرية " قادة الحزب الشيوعي السوفياتي و أعمالهم فيما يتعلّق بحركة التحرّر الوطني .

إلغاء مهمّة مناهضة الإستعمار و الحكم الإستعماري

لقد أحرزت حركة التحرّر الوطني فى آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة إنتصارات ذات أهمّية تاريخية عظمى حتى الآن . و هذا ما لا يستطيع أحد ان ينكره . و لكن هل يستطيع أحد القول إنّ شعوب آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية قد أدّت مهمّة مناهضة الإستعمار و الحكم الإستعماري و عملائهما أداءا تاما ؟
إنّ جوابنا هو ، لا. إنّ هذه المهمّة الكفاحية لا تزال بعيدة عن الأداء التام .
و مع ذلك فإنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي قد نشروا مرارا الرأي القائل بأنّ الحكم الإستعماري قد إختفى او انّه أخذ فى الإختفاء من عالم اليوم . و هم يؤكّدون " أنّ هناك شعوبا تعدادها خمسون مليونا على وجه الأرض لا تزال تئنّ تحت سيطرة الحكم الإستعماري "، و أنّ بقايا الحكم الإستعماري توجد فقط فى أماكن مثل أنغولا و موزابيق البرتغاليّتين فى أفريقيا ، و أنّ إلغاء الحكم الإستعماري قد دخل فعلا " المرحلة النهائية " .
فما هي الحقائق ؟
تفحّصوا أولا الوضع فى آسيا و أفريقيا . فهناك مجموعة من البلدان قد أعلنت إستقلالها و لكن العديد من هذه البلدان لم يتخلّص تماما من سيطرة و عبودية الإستعمار و الحكم الإستعماري ، و لا يزال هدفا للنهب و العدوان الإستعماريّين و حلبة الصراع بين الحكام الإستعماريين القدامي و الجدد. ففى بعض هذه البلدان تغيّر الحكّام الإستعماريّون القدامي إلى حكام إستعماريّين جدد، و ما زالوا يحافظون على حكمهم الإستعماري عن طريق عملائهم المدرّبين . وفى البعض الآخر، خرج الذئب من الباب الأمامي ، و لكن النسر دخل من الباب الخلفي ، إذ إستبدل الحكم الإستعماري القديم بالجديد أي الحكم الإستعماري الأمريكي الأكثر قوّة و الأكبر خطرا . إنّ مخالب الحكم الإستعماري الجديد ، ممثّلا بالإستعمار الأمريكي ، تهددّ شعوب آسيا و أفريقيا تهديدا عظيما.
ثم إستمعوا إلى شعوب أمريكا اللاتينية .
يقول بيان هافانا الثاني : " إنّ أمريكا اللاتينيّة اليوم ترسف فى أغلال إستعمار هو أقوى بكثير من الإمبراطورية الإستعماريّة الإسبانيّة و أشدّ منها قسوة و وحشية ".
و يضيف :
" منذ أن وضعت الحرب العالميّة الثانية أوزارها... تجاوزت الأموال التى توظّفها الولايات المتّحدة العشرة مليارات من الدولارات ، إضافة إلى أن أمريكا اللاتينيّة هي مورد للمواد الأوّلية الرخيصة و سوق للمنتجات الغالية الثمن ".
ثم يستطرد البيان القول :
" ... تتدفّق أموال أمريكا اللاتينية بإستمرار إلى الولايات المتّحدة بنسبة تبلغ حوالي 4000 دولار فى الدقيقة ، 5 ملايين دولار فى اليوم ، أو ملياري دولار فى السنة ، فيكون المجموع 10 مليار دولار فى كلّ خمس سنوات ، و مقابل كلّ ألف دولار ينهبونها منّا يخلفون لنا جثّة واحدة . جثّة بألف دولار . هذا هو ثمن ما يسمّى بالإستعمار ."
إنّ الحقائق واضحة . و لم يتخلّ المستعمِرون ، بعد الحرب العالميّة الثانية ، عن الحكم الإستعماري بكلّ تأكيد ، و لكنّهم فقط تبنّوا شكلا جديدا هو الحكم الإستعماري الجديد . إنّ إحدى المميّزات الهامّة لمثل هذا الحكم الإستعماري الجديد هي أن المستعمِرين قد أجبروا على تغيير أسلوبهم القديم – أسلوب الحكم الإستعماري المباشر فى بعض المناطق و إتباع أسلوب جديد فى الحكم و الإستغلال الإستعماريين بالإعتماد على العملاء الذين إختاروهم و درّبوهم لهذا الغرض . إنّ المستعمِرين برئاسة الولايات المتحدة يسيطرون أو يستعبدون البلدان المستعمَرة و البلدان التى أعلنت إستقلالها و ذلك عن طريق تنظيم الكتل العسكرية ، وإنشاء القواعد العسكرية ، و إقامة " الإتحادات " أو " المجموعات " و تدعيم الأنظمة القرقوزية . كما أنّهم ، عن طريق " المعونة " الإقتصادية او الأشكال الأخرى ، يبقون هذه البلدان أسواقا لبضائعهم ، و مصادر المواد الأولية ، و منافذ لتصدير رؤوس أموالهم كما ينهبون ثرواتها و يمتصّون دماء شعوبها . و بالإضافة لذلك يستخدمون الأمم المتّحدة كأداة هامة للتدخّل فى الشؤون الداخليّة لمثل هذه البلدان و لممارسة العدوان العسكري و الإقتصادي و الثقافي عليها . و عندما يعجزون عن مواصلة حكمهم لهذه البلدان بالوسائل " السلميّة " يلجأون إلى تدبير الإنقلابات العسكرية . و يقومون بالأعمال الهدّامة إلى حدّ اللجوء إلى التدخّل و العدوان المسلّحين المباشرين .
إنّ الولايات المتّحدة أشدّ نشاطا و مكرا فى الحكم الإستعماري الجديد . و بهذا السلاح يحاول المستعمِرون الأمريكيون جاهدين الإستيلاء على مستعمرات المستعمِرين الآخرين و مناطق نفوذهم ، و بسط سيطرتهم العالمية .
إنّ الحكم الإستعماري الجديد هو حكم إستعماري أشدّ وبالا و شرّا .
إننا نودّ أن نسأل قادة الحزب الشيوعي السوفياتي كيف يمكن القول فى مثل هذه الأحوال إنّ إلغاء الحكم الإستعماري قد دخل فعلا " المرحلة النهائية " ؟
لقد بلغ التهوّر بقادة الحزب الشيوعي السوفياتي درجة أنّهم أصبحوا ينشدون العون من بيان 1960 فى محاولتهم دعم هذه الأكاذيب . فهم يقولون ، ألا يذكر بيان 1960 عملية التحلّل العنيفة لنظام الحكم الإستعماري ؟ و لكن هذا الإستنتاج الوارد فى البيان حول التحلّل السريع للحكم الإستعماري القديم لا يمكن بأيّ حال أن يخدم حجّتهم حول إختفاء الحكم الإستعماري. فالبيان يشير بوضوح إلى أنّ " الولايات المتّحدة الأمريكية هي الحصن الرئيسي للحكم الإستعماري الراهن " ، و إلى أنّ " المستعمِرين و على رأسهم الولايات المتحدة ، يبذلون جهودا يائسة للحفاظ على الإستغلال الإستعماري لشعوب المستعمرات القديمة بأساليب جديدة و بأشكال جديدة " ، و إلى أنّهم " يحاولون إبقاء قبضتهم على شرايين السيطرة الإقتصادية و النفوذ السياسي فى بلدان آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية ". و بهذه العبارات يفضح البيان بالضبط ما يبذل قادة الحزب الشيوعي السوفياتي جهدهم لستره.
لقد إبتكر قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ايضا " النظرية " التى تقول بأنّ حركة التحرّر الوطني قد دخلت " مرحلة جديدة " محورها المهمّات الإقتصادية . و حجّتهم هي أنّه بينما " كان النضال فى السابق أساسا فى المجال السياسي " أصبحت القضية الإقتصادية اليوم " المهمة المركزيّة " و " الحلقة الأساسيّة فى دفع تطوّر الثورة ".
نعم ، إنّ حركة التحرّر الوطني قد دخلت مرحلة جديدة ، لكنّها ليست بأي حال " المرحلة الجديدة " التى وصفها قادة الحزب الشيوعي السوفياتي . ففى هذه المرحلة الجديدة إرتفع مستوى الوعي السياسي للشعوب الآسوية و الأفريقية و الأمريكية اللاتينية إلى درجة لم تسبق من قبل ، كما أن الحركة الثورية تندفع اليوم قدما بقوّة لم يسبق لها مثيل ، و أنّ هذه الشعوب تطالب ملحّة بإستئصال قوى الإستعمار و عملائه فى بلدانها إستئصالا تاما ، و تكافح فى سبيل إستقلال سياسي و إقتصادي تامين . إنّ المهمّة الأوّلية و الملحّة التى تواجه هذه البلدان لا تزال هي دفع تطوير النضال ضد الإستعمار و الحكم الإستعماري القديم و الجديد و عملائهم . و لا يزال هذا النضال جاريا بعنف فى الميادين السياسيّة و الإقتصاديّة و العسكريّة و الثقافيّة و الإيديولوجيّة و غيرها . و لا تزال النضالات فى هذه الميادين تجد أقوى تعبير لها فى النضال السياسي ، الذى كثيرا ما يتطوّر لا محالة إلى نضال مسلّح عندما يلجأ المستعمِرون إلى القمع المسلّح المباشر أو غير المباشر . من المهمّ جدّا للبلدان المستقلّة حديثا أن تطوّر إقتصادها المستقلّ و لكن يجب ألاّ يفصل هذا الواجب أبدا عن النضال ضد الإستعمار و الحكم الإستعماري القديم و الجديد و عملائهم .
إنّ نظرية " المرحلة الجديدة " هذه التى يدافع عنها قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ، مثل نظرية " إختفاء الحكم الإستعماري " التى يروّجونها ، يقصد بها بوضوح تبييض النهب والعدوان اللذين يباشرهما الحكم الإستعماري الجديد المتمثّل بالولايات المتحدة فى آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية ، و ستر التناقضات الحادة بين الإستعمار و الأمم المضطهَدة ، و شلّ النضال الثوري لشعوب القارات .
و وفقا لنظريّتهم هذه ، فإنّ الكفاح ضد الإستعمار و الحكم الإستعماري القديم و الجديد و عملائهم ، لم يعد بالطبع ضروريّا ، لأنّ الحكم الإستعماري أخذ يختفى و أصبح التطوّر الإقتصادي الواجب الرئيسي لحركة التحرّر الوطني . و إذا إتّبع المرء هذا المنطق ألا يصل إلى نتيجة أنّه يمكن الإستغناء تماما عن حركة التحرّر الوطني ؟ لهذا السبب فإنّ مثل " المرحلة الجديدة " التى وصفها قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ، و التى تحتلّ فيها المهام الإقتصاديّة مركز الصدارة لا تعنى بوضوح غير عدم مقاومة الإستعمار و الحكم الإستعماري القديم و الجديد و عملائهم ، إنّها مرحلة لم تعد فيها حركة التحرّر الوطني مرغوبا فيها .
وصفات لإلغاء ثورة الأمم المضطهَدَة

لقد إبتكر قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ، تمشّيا مع نظرياتهم المغلوطة و بعد جهد جهيد ، عددا من الوصفات ( الروشتات ) لعلاج جميع علل الأمم المضطهَدة . فدعنا نتفحّصها الآن .
تسمى الوصفة الأولى بالتعايش السلمي و المباراة السلميّة .
كثيرا ما عزا قادة الحزب الشيوعي السوفياتي جميع الإنتصارات الكبرى لحركة التحرّر الوطني التى أحرزتها الشعوب الآسيوية والأفريقية و الأمريكية اللاتينية بعد الحرب إلى ما يدعونه ب " التعايش السلمي" و " المباراة السلميّة " . فالرسالة المفتوحة للجنة المركزيّة للحزب الشيوعي السوفياتي تقول :
" فى ظروف التعايش السلمي ، سجّلت إنتصارات هامّة جديدة خلال السنوات الأخيرة فى النضال الطبقي للبروليتايا و فى نضال الشعوب من أجل الحرّية الوطنيّة . إنّ التطوّر الثوري العالمي يسير بنجاح ".
ويقولون أيضا إنّ حركة التحرّر الوطني تتطوّر فى ظروف التعايش السلمي بين البلدان ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة و فى ظروف المباراة الإقتصادية بين النظامين الإجتماعيين المتعارضين . و إنّ التعايش السلمي و المباراة السلمية " تساعدان على تعجيل عمليّة تحرّر الشعوب المكافحة لتحرير نفسها من السيطرة الإقتصادية للإحتكارات الأجنبية " ، و إنّهما تستطيعان توجيه " ضربة ساحقة " إلى " نظام العلاقات الرأسمالية بأسره ".
على جميع الأقطار الإشتراكية أن تمارس السياسة اللينينية للتعايش السلمي بين الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة. و لكن التعايش السلمي و المباراة السلميّة لا يمكن قط أن يحلاّ محلّ النضالات الثوريّة للشعوب . إنّ إنتصار الثورة الوطنية لجميع المستعمرات والبلدان التابعة يجب كسبه فى الأساس عن طريق النضال الثوري لجماهير هذه البلدان نفسها، هذا النضال الذى لا يمكن أن يستعاض عنه بأي نضال للبلدان الأخرى .
إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي يعتقدون بأنّ إنتصارات الثورة التحرّرية الوطنية لا تنتج فى الأساس عن النضالات الثورية للجماهير، و أن الشعوب لا يمكن أن تحرّر نفسها ، و أنّه يجب عليها أن تنتظر الإنهيار الطبيعي للإستعمار عبر التعايش السلمي و المباراة السلميّة . و يعادل هذا فى الواقع مطالبة الأمم المضطهَدة أن تسكت على النهب و الإستعباد الإستعماريين إلى الأبد و أن لا تنهض للمقاومة و الثورة.
أمّا الوصفة الثانية فتسمّى بمساعدة البلدان المتخلّفة .
إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي يفاخرون بالدور الذى تلعبه مساعدتهم الإقتصادية للأقطار المستقلّة حديثا . فقد قال الرفيق خروتشوف إنّ بوسع مساعدة كهذه أن تجعل هذه البلدان " تتجنّب خطر إستعباد جديد " ، و أن " تدفع تقدّمها و تساهم فى تطوّرها الطبيعي و حتى فى دفع سرعة العمليّات الداخلية التى قد تأخذ هذه البلدان فى الطريق الرئيسي الذى يقود إلى الإشتراكية ".
من الضروري والمهمّ بالنسبة إلى البلدان الإشتراكيّة أن تقدّم للبلدان المستقلّة حديثا مساعدة إقتصاديّة على أساس الأممية . و لكن لا يجوز بأيّة حال أن يقال إنّ إستقلال هذه البلدان الوطني و تقدّمها الإجتماعي يعزيان فقط للمساعدة الإقتصادية التى تتسلّمها من الأقطار الإشتراكية و لا يعزيان بشكل رئيسي للنضالات الثوريّة لشعوبها بالذات .
لنقل بصراحة ، إنّ سياسة المساعدة للبلدان المستقلّة حديثا التى سار عليها قادة الحزب الشيوعي السوفياتي فى السنوات الأخيرة و الغرض منها هما موضع شكّ و ريبة. إذ أنّهم كثيرا ما يتّخذون موقف تعصّب الدولة الكبيرة ، و موقف الأنانيّة القوميّة فى المسائل المتعلّقة بمساعدة البلدان المستقلّة حديثا ، و يضرّون بالمصالح الإقتصادية و السياسية للبلدان التى تتسلّم مساعدتهم ، الأمر الذى حطّ بسمعة الأقطار الإشتراكية . امّا بالنسبة لمساعدتهم للهند فهنا تتّضح على وجه الخصوص دوافعهم الخفيّة . إنّ الهند تأتي فى رأس قائمة البلدان المستقلّة حديثا التى يقدّم لها الإتحاد السوفياتي مساعدة إقتصاديّة ، هذه المساعدة يقصد بها بوضوح تشجيع حكومة نهرو فى سياستها الموجّهة ضد الشيوعية و ضد الشعب و ضد الأقطار الإشتراكية . و حتى المستعمِرين الأمريكيّين قد ذكروا ان مثل هذه المساعدة السوفياتية " تتّفق جدّا و مصلحتنا ( أي مصلحة الولايات المتحدة ) ".
و بالإضافة إلى ذلك يقترح قادة الحزب الشيوعي السوفياتي علنا التعاون مع الإستعمار الأمريكي فى " تقديم المساعدة للبلدان المتخلّفة " ، فقد قال خروتشوف فى خطاب ألقاه فى الولايات المتّحدة فى شهر سبتمبر ( أيلول ) عام 1959 :
" إن نجاحاتكم و نجاحاتنا الإقتصاديّة سيثنى عليها كلّ العالم الذى يتوقّع من دولتينا العظيمتين مساعدة الشعوب المتخلّفة قرونا فى تطوّرها الإقتصادي لتنهض على أرجلها بسرعة أكثر ".
أنظروا ! إنّ الحصن الرئيسي للحكم الإستعماري المعاصر ( على وجه التحديد الإستعمار الأمريكي ) سيساعد الأمم المضطهَدَة " لتنهض على أرجلها بسرعة أكثر"! إنّه لشيء يثير الدهشة حقّا . ألا يريد قادة الحزب الشيوعي السوفياتي فقط أن يكونوا شركاء مع الحكم الإستعماري الجديد بل يفتخرون فى أن يصبحوا كذلك .
و تسمى الوصفة الثالثة بنزع السلاح .
لقد قال خروتشوف :
" إنّ نزع السلاح يعنى نزع سلاح قوى الحرب و إزالة العسكريّة و إستعباد التدخّل المسلّح فى الشؤون الداخلية لأيّ بلد و القضاء تماما و نهائيّا على جميع أشكال الحكم الإستعماري ".
و قال أيضا :
" إنّ نزع السلاح سيخلق ظروفا مناسبة لزيادة هائلة فى نطاق المساعدة للدول الوطنية التى تأسّست حديثا . و إّن ما خصّص لغرض هذه المساعدة مجرد ثمانية إلى عشرة بالمئة من ال120 مليارا من الدولارات التى تصرف على الأغراض العسكرية فى العالم قاطبة فسيكون من الممكن القضاء على الجوع و المرض و الأمّية فى المناطق الفقيرة فى الكرة الأرضية خلال عشرين عاما ."
لقد كان رأينا دائما أنّ النضال من أجل نزع السلاح العام يجب أن يشنّ من أجل فضح و مقاومة توسّع التسلّح الإستعماري و الإستعدادات الحربية الإستعمارية . و لكن لا يجوز لأحد أن يقول إنّ الحكم الإستعماري سيستأصل عن طريق نزع السلاح .
إنّ خروتشوف يردّد هنا كالواعظ : ايتها الشعوب المغلوبة على أمرها فى العالم ، بورك فيك ! و لتهبط عليك شآبيب الرحمة ! لو أنّك فقط تذرعين بالصبر و تنتظرين حتى يلقى المستعمرون سلاحهم ، فلا شكّ أنّ الحرّية ستهبط عليك . إنتظري حتى يبدى المستعمرون الرحمة فتصبح مناطق العالم المنكوبة بالفقر جنّة على الأرض تفيض لبنا و عسلا !...
إنّ هذا ليس دعما للأوهام و حسب ، بل أفيون لتخدير الشعوب .
و تسمى الوصفة الرابعة بإستئصال الحكم الإستعماري عن طريق الأمم المتّحدة .
إنّ خروتشوف يعتقد بأنّ الأمم المتّحدة لو إتّخذت إجراءات لإجتثاث نظام الحكم الإستعماري ، " لمكّنت الشعوب التى تقاسي الآن من الإذلال الناتج عن السيطرة الأجنبيّة من أن تحرز مستقبلا باهرا و قريبا فى التحرّر السلمي من الإضطهاد الأجنبي ".
لقد تساءل خروتشوف فى خطابه فى الجمعيّة العامة لهيئة الأمم المتّحدة فى شهر سبتمبر ( أيلول ) عام 1960 ، " و من غيرُ هيئة الأمم المتّحدة بوسعه أن يقف فى مقدّمة المناضلين لإزالة الحكم الإستعماري ؟ ".
إنّ هذا سؤال غريب يوجه ! فوفقا لرأي خروتشوف لا يجب على الشعوب الثوريّة فى آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية ، و ليس فى وسعها ، أن تستأصل بنفسها الحكم الإستعماري بل عليها أن تتطلّع إلى الأمم المتّحدة للمساعدة .
لقد قال خروتشوف أيضا فى الجمعيّة العامة للأمم المتّحدة :
" وهذا هو ما يحدونا لأنّ نهيب بحكمة و بعد نظر شعوب الأقطار الغربية ، و بحكوماتها و ممثّليها فى هذه الجمعيّة المهيبة للأمم المتّحدة . دعونا نتّفق على خطوات معيّنة لإلغاء نظام الحكم الإستعماري ، و بذلك ندفع بعمليّة تحلّله التاريخيّة الطبيعيّة إلى أمام ".
من الواضح أن ما يعنيه حقّا بالتطلّع إلى الأمم المتّحدة للمساعدة هو تطلّع إلى مساعدة المستعمِرين . إنّ الحقائق تظهر أنّ الأمم المتّحدة التى لا تزال تحت سيطرة المستعمِرين تستطيع فقط صيانة و تعزيز سيطرة الحكم الإستعماري ، و لكنها لا تستطيع أبدا إلغاءه .
و بإيجاز ، إنّ وصفات قادة الحزب الشيوعي السوفياتي المقدّمة لحركة التحرّر الوطني قد إستنبطت لحمل الشعوب على الإعتقاد بأنّ المستعمرين سيتخلّون عن الحكم الإستعماري و يهبون الحرية و التحرّر للأمم و الشعوب المضطهَدَة و لذلك فإنّ جميع النظريّات و المطالب و النضالات الثوريّة قد فات أوانها و ليست ضروريّة و ينبغى بل يجب أن يتخلّى عنها و تطرح جانبا .
مقاومة حروب التحرّر الوطني

إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ، مع أنّهم يتحدّثون حول تأييد حركات و حروب التحرّر الوطني ، ظلّوا يحاولون بكلّ الوسائل حمل شعوب آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة على التخلّى عن نضالاتها الثوريّة ، لأنّهم أنفسهم يرتجفون خوفا و هلعا فى وجه العاصفة الثوريّة .
إنّ لقادة الحزب الشيوعي السوفياتي " النظرية " الشهيرة التى تقول " و حتى شرارة صغيرة بمقدورها أن تسبّب حريقا عالميّا " و أنّ أي حرب عالميّة لا بدّ و أن تكون حربا حراريّة نوويّة ، الأمر الذى يعنى فناء الجنس البشري . و لهذا يجأر خروشوف بأنّ " الحروب المحلية " فى عهدنا الحاضر خطيرة جدّا "، و أنّ " علينا أن نعمل جاهدين... لنطفئ الشرارات التى يحتمل أن تشعل لهيب الحرب ". و هكذا فإنّ خروتشوف لا يميّز قط بين الحروب العادلة و غير العادلة و يخون الموقف الشيوعي ، موقف تأييد الحروب العادلة .
إنّ تاريخ الثمانية عشر عاما منذ الحرب العالميّة الثانية قد أظهر أن حروب التحرّر الوطني لا يمكن تجنّبها طالما أن المستعمِرين و عملاءهم يحاولون المحافظة على حكمهم الوحشي بحرابهم و يستخدمون القوّة لقمع ثورة الأمم المضطهَدَة . إنّ هذه الحروب الواسعة النطاق و الضيّقة النطاق ضد المستعمِرين و عملائهم ، و التى لم تتوقّف أبدا ، كانت ضربات قويّة وجهت لقوى الحرب الإستعمارية ، و عزّزت القوى التى تدافع عن السلام العالمي ، و منعت المستعمِرين بشكل فعّال عن تحقيق خطّتهم لشنّ حرب عالميّة . و إذا تحدّثنا بصراحة ، فإنّ تقوّلات خروتشوف حول ضرورة " إطفاء" شرارات الثورة من أجل السلام هي محاولة لمقاومة الثورة بإسم صيانة السلام .
إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ، إنطلاقا من آرائهم و سياساتهم المغلوطة هذه ، لا يطالبون جميع الأمم المضطهَدَة بأن تتخلّى عن نضالها الثوري للتحرّر ، و أن " تتعايش سلميّا " مع المستعمِرين و الحكام الإستعماريين و حسب ، بل بلغ بهم الحدّ درجة الوقوف إلى جانب المستعمِرين ، و إستخدام مختلف الأساليب لإطفاء شرارات الثورة فى آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية .
خذوا مثلا حرب الشعب الجزائري الوطنية التحرّرية . إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي لم يمتنعوا عن تقديم التأييد لحرب الشعب الجزائري الوطنية التحرّرية لفترة طويلة و حسب بل وقفوا فى الواقع إلى جانب الإستعمار الفرنسي . فقد إعتبر خروتشوف إستقلال الجزائر الوطني " قضية داخليّة " فرنسيّة . لقد قال متحدّثا عن القضية الجزائرية فى 3 أكتوبر ( تشرين الأول ) عام 1955 " لقد إعتبرت و لا أزال أعتبر قبل كلّ شيء أن الإتحاد السوفياتي لا يتدخّل فى الشؤون الداخليّة للدول الأخرى " و قال لدى إستقباله لمراسل صحيفة " فيغارو" الفرنسية فى 19 مارس ( آذار ) عام 1958 : " إنّنا لا نريد أن تصبح فرنسا ضعيفة ، إنّنا نريدها أن تصبح أعظم ممّا هي عليه ".
إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي من أجل التزلّف إلى المستعمِرين الفرنسيّين لم يجرءوا على الإعتراف بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية لفترة طويلة . و لم يسارعوا بالإعتراف بالجزائر إلاّ بعد أن تحقّق نهائيّا إنتصار حرب مقاومة الشعب الجزائري ضد العدوان الفرنسي و أجبرت فرنسا على الموافقة على إستقلال الجزائر . إنّ هذا المسلك غير المشرّف قد جلب العار للأقطار الإشتراكية . و مع ذلك ، فإنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي يمجدون عارهم و يزعمون بأنّ نصر الشعب الجزائري الذى دفع دمه ثمنا له يجب أن يعزى أيضا لسياسة " التعايش السلمي" .
دعنا نتفحص مرّة أخرى الدور الذى لعبه قادة الحزب الشيوعي السوفياتي فى مسألة الكونغو . فهم لم يرفضوا منح التأييد النشط لنضال الشعب الكونغولي المسلّح ضد الحكم الإستعماري و حسب ، بل كانوا توّاقين " للتعاون " مع الإستعمار الأمريكي فى إطفاء الشرارة فى الكونغو .
ففى 13 يوليو ( تموز ) عام 1960 ، إنضمّ الإتحاد السوفياتي إلى الولايات المتحدة فى التصويت على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة حول إرسال قوّات الأمم المتّحدة إلى الكونغو ، و هكذا ساعد المستعمِرين الأمريكيين على إستخدام علم الأمم المتّحدة فى تدخّلهم المسلّح فى الكونغو ، و فضلا عن ذلك زوّد الإتحاد السوفياتي قوّات الأمم المتّحدة بوسائل النقل . و قد قال خروتشوف فى برقية بعث بها إلى كازافوبو و لوممبا فى 15 يوليو ( تموز ) : " إنّ مجلس الأمن للأمم المتّحدة قد قام بعمل مفيد " و من ثمّ إندفعت الصحافة السوفياتية فى سيل من المدح تكيله للأمم المتّحدة " لمساعدتها حكومة جمهورية الكونغو للدفاع عن إستقلال و سيادة البلاد "، و عبّرت عن الأمل بأن تتّخذ الأمم المتحدة " إجراءات حازمة ". و واصلت الحكومة السوفياتية فى بيانيها فى 21 أغسطس ( آب) ، و 10 سبتمبر ( أيلول ) مدح الأمم المتّحدة التى كانت تقمع الشعب الكونغولي .
و فى عام 1961 أقنع قادة الحزب الشيوعي السوفياتي جيزنجا بحضور إجتماع البرلمان الكونغولي المنعقد تحت " حماية " قوّات الأمم المتّحدة و بالإنضمام إلى الحكومة القرقوزية . و قد إدّعت قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي كذبا و بهتانا أنّ إنعقاد البرلمان الكونغولي كان " حدثا هاما فى حياة الجمهورية الفتيّة " و " نجاحا للقوى الوطنية " .
و هكذا يظهر بوضوح أنّ هذه السياسات الخاطئة لقيادة الحزب الشيوعي السوفياتي قد قدّمت للإستعمار الأمريكي خدمة كبرى فى عدوانه على الكونغو . فقد قُتل لومومبا ، و سجن جيزنجا ، و إضطُهد العديد من الوطنيّين الآخرين ، كما أنّ النضال الكونغولي فى سبيل الإستقلال الوطني قد أصيب بنكسة . أفلا تشعر قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي بأي مسئولية تجاه كلّ هذا ؟
المناطق التى تتركّز فيها التناقضات العالميّة الراهنة

إنّه لأمر طبيعي محض أن رفضت الشعوب الثوريّة فى آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية أقوال و أفعال قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ضد حركات و حروب التحرّر الوطني . و لكن قادة الحزب الشيوعي السوفياتي لم يستخلصوا الدرس اللازم و لم يغيّروا خطّهم الخاطئ و سياساتهم المغلوطة . و بدلا من ذلك ، فقد إستشاطوا غيظا للإهانة التى لحقت بهم ، فشنّوا سلسلة من الهجمات و الإفتراءات ضد الحزب الشيوعي الصيني و الأحزاب الماركسية اللينينية الأخرى .
إنّ الرسالة المفتوحة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي تتّهم الحزب الشيوعي الصيني بأنّه يدفع قدما " نظرية جديدة " و تقول :
" ... و وفقا للنظريّة الجديدة فإنّ التناقض الأساسي فى عصرنا هو ، على ما يظهر ، التناقض لا بين الإشتراكية و الإستعمار ، بل بين حركة التحرّر الوطني و الإستعمار . و فى رأي الرفاق الصينيّين أن القوّة الحاسمة فى النضال ضد الإستعمار ليست النظام الإشتراكي العالمي و لا نضال الطبقة العاملة العالمية ، بل حركة التحرّر الوطني إيّاها ."
إنّ هذا تزييف فى المقام الأوّل . فقد أشرنا فى رسالتنا المؤرخة فى 14 يونيو( حزيران) إلى أنّ التناقضات الأساسية فى العالم المعاصر هي التناقض بين المعسكر الإشتراكي و المعسكر الإستعماري و التناقض بين البروليتاريا و البرجوازية فى القطار الرأسمالية و التناقض بين الأمم المضطهَدَة و الإستعمار و التناقضات فيما بين الأقطار الإستعمارية و فيما بين الجماعات الرأسمالية الإحتكارية .
و قد أشرنا كذلك إلى أنّ التناقض بين المعسكر الإشتراكي و المعسكر الإستعماري هو تناقض بين النظامين الإجتماعيّين المختلفين أساسا- الإشتراكي و الرأسمالي وهو بدون أدنى شكّ تناقض حاد جدّا . و لكن يجب على الماركسيين اللينينيين ألاّ يعتبروا أن التناقضات فى العالم تتكوّن ببساطة من التناقض القائم بين المعسكر الإشتراكي والمعسكر الإستعماري فقط.
إنّ رأينا لبيّن واضح جدّا.
لقد أوضحنا فى رسالتنا فى 14 يونيو ( حزيران ) الوضع الثوري فى آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية و أهمّية و دور حركة التحرّر الوطني و هذا ما قلنا :
1- " إنّ مناطق آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية الواسعة هي المناطق التى تتجمّع فيها مختلف أنواع التناقضات فى العالم المعاصر ، و الإستعمار أضعف ما يكون سيطرة فى هذه المناطق . وهي مراكز عواصف الثورة العالميّة التى تسدّد الآن الضربات المباشرة إلى الإستعمار ".
2- " إنّ الحركة الوطنية الديمقراطية الثورية فى هذه المناطق و حركة الثورة الإشتراكية العالمية هما التيّاران التاريخيّان العظيمان فى عهدنا الحاضر ".
3- " إن الثورة الوطنية الديمقراطية فى هذه المناطق هي جزء هام من الثورة البروليتارية العالمية المعاصرة ".
4- " إنّ النضالات الثورية المعادية للإستعمار التى تخوضها شعوب آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية تدك و تقوَض أسس سيطرة الإستعمار و الحكم الإستعماري القديم و الجديد بقوّة و هي الآن قوّة جبّارة لصيانة سلام العالم ."
5- " لذلك و بمعنى محدّد ، فإنّ قضية البروليتاريا العالمية برمّتها تدور على النضالات الثوريّة لشعوب هذه المناطق التى تشكّل الأغلبية الساحقة من سكّان العالم ".
6- " لذلك فإنّ النضالات الثورية المعادية للإستعمار التى تخوضها شعوب آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية ليست قطعا أمرا ذا مغزى إقليمي ، و لكنّها أمر ذو أهمّية عامة بالنسبة إلى قضيّة الثورة البروليتارية العالمية بأكملها " .
هذه هي الإستنتاجات الماركسية اللينينية و الأحكام التى تمّ التوصّل إليها بواسطة التحليل العلمي إنطلاقا من حقائق عصرنا .
لا يستطيع أحد أن ينكر أن وضعا ثوريّا مؤاتيا للغاية موجود اليوم فى آسيا و أفريقيا و أميركا اللاتينية . إنّ ثورات التحرّر الوطني فى آسيا و أفريقيا و أميركا اللاتينية اليوم هي أهمّ القوى التى تكيل ضربات مباشرة للإستعمار . كما أنّ التناقضات فى العالم تتركّز فى آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية .
إنّ مركز التناقضات العالميّة و النضالات السياسية العالميّة ليس ثابتا بل يتنقّل مع التغيّرات فى النضالات العالميّة و الوضع الثوري . و نحن نعتقد أنّه مع تطوّر التناقض و النضال بين البروليتاريا و البرجوازية فى أوروربا الغربية و أميركا الشمالية - معاقل الرأسمالية و مواطن قلب الإستعمار، سيحين اليوم الحاسم فى المعركة . وعندما يحلّ ذلك اليوم ستصبح أوروبا الغربيّة و أميركا الشماليّة بدون شكّ مركز النضالات السياسية العالميّة و التناقضات العالميّة .
لقد قال لينين فى عام 1913 : " ... إنّ مصدرا جديدا للعواصف العالمية الكبرى قد ظهر فى آسيا... إننا نعيش اليوم فى عصر العواصف هذا و " إنعكاساتها " على أوروبا ".( المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين، المجلّد 18).
و قال ستالين عام 1925 :
" إنّ البلدان المستعمَرة تشكّل المؤخرة الأساسية للإستعمار . و إندلاع الثورة فى هذه المؤخرة لا بدّ له أن يقوّض الإستعمار ليس بمعنى أن الإستعمار سيجرد من مؤخّرته و حسب بل بمعنى أن إندلاع الثورة فى الشرق كذلك لا بدّ أن يكون له أثر قويّ على تشديد الأزمة الثوريّة فى الغرب ". ( المجموعة الكاملة لمؤلفات ستالين ، المجلد 7 ).
من الممكن أن تكون أقوال لينين و ستالين هذه خاطئة ؟
هذه الإستنتاجات التى وضعاها كانت منذ أمد طويل من أبجديّات الماركسية اللينينية . و من الواضح أنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي الذين يصمّمون على التقليل من شأن حركة التحرّر الوطني ، لا بدّ أن يتجاهلوا تماما أبجديات الماركسية اللينينية و الحقائق الواضحة التى هي تحت أبصارهم .

تشويه الرأي اللينيني حول القيادة فى الثورة

تهاجم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي ، فى رسالتها المفتوحة فى 14 يوليو ( تموز ) أيضا رأي الحزب الشيوعي الصيني حول مسألة القيادة البروليتارية فى حركة التحرّر الوطني . فهي تقول :
"... إنّ الرفاق الصينيّين يريدون " تصحيح " لينين و البرهان على أن القيادة فى النضال العالمي ضد الإستعمار يجب أن لا تكون للطبقة العاملة ، بل للبرجوازية الصغيرة أو البرجوازية الوطنية ، و أحيانا حتى ل " بعض الملوك و الأمراء و الأرستقراطيين ذوى الأفكار الوطنية ".
إنّ هذا لتشويه مقصود لآراء الحزب الشيوعي الصيني .
فعند مناقشة ضرورة إصرار البروليتاريا على قيادة حركة التحرّر الوطني تقول رسالة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني فى 14 يونيو ( حزيران ) :
" إنّ التاريخ ألقى على عواتق الأحزاب البروليتارية فى هذه المناطق ( أي آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية ) رسالة مجيدة هي أن ترفع عاليا راية النضال ضد الإستعمار و ضد الحكم الإستعماري القديم و الجديد و فى سبيل الإستقلال الوطني و الديمقراطية الشعبية ، و أن تقف فى مقدّمة الحركة الوطنية الديمقراطية الثوريّة ، و أن تكافح من أجل مستقبل إشتراكي ." ...
" و ينبغى للبروليتاريا و حزبها أن يوحّدا على أساس التحالف بين العمّال و الفلاّحين جميع الفئات التى يمكن توحيدها و أن ينظّما جبهة متّحدة واسعة ضد الإستعمار و أتباعه . و من أجل تعزيز و توسيع هذه الجبهة المتّحدة من الضروري أن يحتفظ الحزب البروليتاري بإستقلاله الإيديولوجي و السياسي و التنظيمي و أن يصرّ على قيادة الثورة ".
و لدى التطرّق إلى ضرورة إقامة جبهة متّحدة واسعة و معادية للإستعمار فى حركة التحرّر الوطني تقول رسالة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني :
" تواجه الأمم و الشعوب المضطهَدَة فى آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية المهمّة الملحّة ، مهمّة مكافحة الإستعمار و أتباعه "...
" إنّ أقساما واسعة جدّا من السكّان فى هذه المناطق ترفض أن تصير عبيدا للإستعمار ، و هي لا تشمل العمّال و الفلّاحين و المثقّفين و البرجوازيّين الصغار و حسب ، بل تشمل أيضا البرجوازيين المحلّيين الوطنيّين و حتى بعض الملوك و الأمراء و الأرستقراطيين الوطنيين " .
إنّ آراءنا واضحة تماما . فمن الضروري فى حركة التحرّر الوطني الإصرار على كلّ من قيادة البروليتاريا ، و إقامة جبهة متّحدة واسعة معادية للإستعمار . فما وجه الخطأ فى هذه الآراء ؟ و لماذا تشوّه و تهاجم قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي هذه الآراء الصحيحة ؟
لسنا نحن الذين تخلّينا عن آراء لينين حول قيادة البروليتاريا فى الثورة بل قادة الحزب الشيوعي السوفياتي هم الذين تخلّوا عنها .
إنّ الخطّ المغلوط لقادة الحزب الشيوعي السوفياتي يتخلّى عن واجب مكافحة الإستعمار و الحكم الإستعماري تخلّيا تاما و يعارض حروب التحرّر الوطني معارضة تامة . و هذا يعنى أنّه يتطلب من البروليتاريا و الأحزاب الشيوعية للأمم والبلدان المضطهَدَة أن تطوي رايتها الوطنية للنضال ضد الإستعمار و فى سبيل الإستقلال الوطني و أن تسلمها للآخرين. و إذا كان هذا هو الحال فكيف يمكن للمرء أن يجرؤ على الحديث عن جبهة متّحدة معادية للإستعمار أو عن قيادة بروليتارية ؟
و هناك فكرة طالما دعا لها قادة الحزب الشيوعي السوفياتي مرارا وهي أنّه بوسع قطر ما أن يبني الإشتراكية تحت أي قيادة كان نوعها حتى إذا كانت تشتمل على قومي و رجعي كنهرو . وهذا أمر بعيد كلّ البعد عن فكرة القيادة البروليتارية.
إن الرسالة المفتوحة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي تفسّر تفسيرا خاطئا العلاقة الصحيحة للتأييد المتبادل التى يجب أن تقوم بين المعسكر الإشتراكي و حركة الطبقة العاملة فى القطار الرأسمالية من جهة و بين حركة التحرّر الوطني من الجهة الأخرى مدعية أن الأقطار الإشتراكية و حركة الطبقة العاملة فى الأقطار المتروبوليتانية يجب أن " تقود " حركة التحرّر الوطني . و قد بلغت بها الجرأة درجة الإدعاء بأن هذا " يقوم على أساس " آراء لينين حول القيادة البروليتارية . و من الواضح أنّ هذا تشويه كامل و تحريف تام لأفكار لينين ، و يكشف أن قادة الحزب الشيوعي السوفياتي يريدون فرض خطّهم القاضي بإلغاء الثورة على الحركة الثوريّة للأمم المضطهَدة .

طريق القومية الضيّقة والتحلّل

إن قادة الحزب الشيوعي السوفياتي يحاولون فى رسالتهم المفتوحة فى 14 يوليو ( تموز) إلصاق تهمة " عزل حركة التحرّر الوطني عن الطبقة العاملة العالمية و وليدها النظام الإشتراكي العالمي " بالحزب الشيوعي الصيني . و هم يتّهموننا أيضا ب " فصل " حركة التحرّر الوطني عن النظام الإشتراكي و حركة الطبقة العاملة فى الأقطار الرأسمالية الغربية و ب " وضع " الأولى فى مجابهة الأخيرتين . و هناك شيوعيّون آخرون ، أمثال قادة الحزب الشيوعي الفرنسي ، يردّدون بصوت مرتفع أقوال قادة الحزب الشيوعي السوفياتي .
و لكن ما هي الحقائق ؟ إنّ الذين يضعون حركة التحرّر الوطني فى موضع معارض للمعسكر الإشتراكي و حركة الطبقة العاملة فى الأقطار الرأسمالية الغربية ليسوا غير قادة الحزب الشيوعي السوفياتي و أتباعهم ، الذين لا يمتنعون عن تأييد حركة التحرّر الوطني و حسب بل يقاومونها أيضا .
لقد كان رأي الحزب الشيوعي الصيني دائما هو أن النضالات الثوريّة لجميع الشعوب تؤيد بعضها البعض . و نحن ننظر دائما لحركة التحرّر الوطني من وجهة النظر الماركسية اللينينية و الأممية البروليتارية و من وجهة نظر الثورة البروليتارية العالميّة ككلّ . و نحن على يقين بأن التطوّر المظفّر لثورة التحرّر الوطني أمر فى أعظم درجات الأهميّة للمعسكر الإشتراكي و لحركة الطبقة العاملة فى القطار الرأسمالية و لقضيّة صيانة السلم العالمي .
و لكن قادة الحزب الشيوعي السوفياتي و أتباعهم يرفضون الإعتراف بهذه الأهمّية . فهم يتحدّثون فقط عن التأييد الذى يمنحه المعسكر الإشتراكي لحركة التحرّر الوطني و ينكرون التأييد الذى تمنحه حركة التحرّر الوطني للمعسكر الإشتراكي . إنّهم يقصرون حديثهم على دور حركة الطبقة العاملة فى الأقطار الرأسمالية الغربيّة فى توجيه الضربات للإستعمار و يقلّلون من دور حركة التحرّر الوطني فى هذا الصدد أو ينكرونه إنكارا تاما . إنّ موقفهم هذا يناقض الماركسية اللينينية و لا يعتبر الحقائق و لهذا فهو خاطئ .
إنّ مسألة أي موقف يُتّخذ تجاه العلاقة بين الأقطار الإشتراكية و ثورة الأمم المضطهَدة و تجاه العلاقة بين حركة الطبقة العاملة فى القطار الرأسمالية و ثورة الأمم المضطهَدة تتضمّن مبدأ هاما هو ما إذا كان يجب التمسّك بالماركسية اللينينية و الأمميّة البروليتاريّة أم لا .
فوفقا للماركسية اللينينية و الأممية البروليتارية ، يجب على كلّ قطر إشتراكي أحرز النصر فى ثورته أن يؤيد ويساعد بنشاط نضالات التحرّر التى تخوضها الأمم المضطهَدة . كما يجب على الأقطار الإشتراكيّة أن تغدو قواعدا لتأييد و تطوير ثورة الأمم و الشعوب المضطهَدة فى جميع أنحاء العالم ، و أن تشكّل أوثق تحالف معها و تسير بالثورة البروليتارية العالمية قدما حتى النهاية .
و لكن قادة الحزب الشيوعي السوفياتي يعتبرون فعلا أن إنتصار الإشتراكية فى قطر واحد أو عدّة أقطار هو نهاية للثورة البروليتارية العالمية . إنّهم يريدون أن يخضعوا ثورة التحرّر الوطني لخطّهم العام للتعايش السلمي ، و المصالح القوميّة لبلادهم نفسها .
فعندما حارب ستالين فى عام 1925 دعاة التصفية الذين كان يمثّلهم التروتسكيون و الزينوفيافيون ، أشار إلى أن إحدى المميّزات الخطيرة لنزعة التصفية هي :
"... فقدان الثقة بالثورة البروليتارية العالمية ، و فقدان الثقة بنصرها . و موقف الريبة و التشكّك إزاء حركة التحرّر الوطني فى المستعمرات و البلدان التابعة ... و العجز عن فهم المطلب الأولى للأمميّة الذى يقضى بأنّ إنتصار الإشتراكية فى بلد واحد ليس نهاية فى حدّ ذاته ، بل هو وسيلة لتطوير و تأييد الثورة فى البلدان الأخرى". ( المجموعة الكاملة لمؤلفات ستالين ، المجلد 7 ).
و أضاف :
" إن هذا هو طريق القومية الضيّقة و التحلّل ، طريق التصفية التامة للسياسة الأمميّة للبروليتاريا ، لأنّ الناس المصابين بهذا المرض يعتبرون أن بلدنا ليس جزءا من الكلّ الذى يطلق عليه الحركة الثورية العالمية و لكن يعتبرونه بداية و نهاية هذه الحركة ، معتقدين أنّه تجب التضحية بمصالح جميع البلدان الأخرى فى سبيل مصالح بلادنا." (نفس المصدر السابق )
و قد وصف ستالين خطّ تفكير دعاة التصفية كما يلى :
" هل نؤيد حركة التحرّر فى الصين ؟ لكن لماذا ؟ أولن يكون ذلك محفوفا بالمخاطر؟ أولن يجلب هذا لنا الدخول فى نزاع مع البلدان الأخرى ؟ أولن يكون من الأفضل لو أنّنا أقمنا " مناطق نفوذ " فى الصين بالإتّفاق مع الدول " المتقدّمة " و إختطفنا بعض الشيء من الصين لمصلحتنا الخاصة ؟ إنّ هذا سيكون مفيدا و مأمون الجانب فى نفس الوقت ... و هكذا دواليك ."( نفس المصدر السابق )
و قد إستنتج :
" و مثل هذا النوع الجديد " لإطار التفكير" القومي الضيّق الذى يحاول تصفية السياسة الخارجيّة لثورة أكتوبر ، كما يخلق عناصر التحلّل ". ( نفس المصدر السابق )
لقد ذهب قادة الحزب الشيوعي السوفياتي الحاليّون أبعد من دعاة التصفية القدامى . و فخورين بذكائهم يختارون ما هو " مفيد ومأمون الجانب " فى نفس الوقت . و قد صمّموا ، إذ أنّهم يخافون خوف الموت من الدخول فى نزاع مع الأقطار الإستعمارية ، صمّموا على معارضة حركة التحرّر الوطني . لقد أسكرتهم فكرة إقامة " الدولتين العظيمتين" مناطق نفوذ فى أنحاء العالم قاطبة .
إنّ نقد ستالين لدعاة التصفية هو وصف جيّد لقادة الحزب الشيوعي السوفياتي الحاليين . إذ أنّهم ساروا على هدى دعاة التصفية وعمدوا إلى تصفية السياسة الخارجية لثورة أكتوبر و سلكوا طريق القومية الضيقة و التحلّل.
لقد حذّر ستالين وقتذاك :
" من الواضح أنّه ليس بوسع أوّل قطر أحرز النصر أن يحافظ على دور حامل لواء الحركة الثوريّة العالميّة إلاّ على أساس التمسّك بالأمميّة تماما ، و على أساس السياسة الخارجية لثورة أكتوبر . إنّ طريق أدنى حدّ من المقاومة و طريق القوميّة الضيّقة فى السياسة الخارجية ما هو إلاّ طريق عزلة و تحلّل أوّل قطر أحرز النصر ". ( نفس المصدر السابق )
إنّ تحذير ستالين هذا ذو مغزى عملي خطير بالنسبة إلى قادة الحزب الشيوعي السوفياتي الحاليين .

مثال للتعصّب الإجتماعي

و بالمثل ، و تمشّيا مع الأممية البروليتاريّة ، يجب على بروليتاريا و شيوعيّي الأمم المضطهَدة أن يقوموا تأييدا نشطا لكلّ من حقّ الأمم المضطهَدة فى الإستقلال الوطني و نضالاتها فى سبيل التحرّر ، و بتأييد الأمم المضطهَدة تصبح بروليتاريا الأمم المضطهَدة فى وضع مؤات أكثر لكسب ثورتها .
لقد وضع لينين النقاط على الحروف عندما قال :
" إنّ الحركة الثورية فى الأقطار المتقدّمة ستكون فى الواقع محض أكذوبة إذا لم يتّحد تماما عمّال اوروبا و أميركا بشكل وثيق فى غمرة نضالهم ضد رأس المال مع ملايين الملايين من عبيد " المستعمرات " الذين يضطهِدهم رأس المال ." ( المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين ، المجلّد 31)
و مع ذلك فإنّ بعض من يسمّون أنفسهم ماركسيين لينينيين قد تخلّوا عن الماركسية اللينينية حول هذه القضية ذات الأهمّية المبدئية الأساسيّة. و قادة الحزب الشيوعي الفرنسي هم خير مثال فى هذا الصدد :
فمن جهة تخلّى قادة الحزب الشيوعي الفرنسي خلال فترة طويلة عن النضال ضد الإستعمار الأمريكي ، رافضين خوض كفاح حازم ضد سيطرة الإستعمار الأمريكي على فرنسا و تقييداته لها فى الميادين السياسية و الإقتصادية و العسكرية ، و مسلّمين راية النضال الوطني الفرنسي ضد الولايات المتّحدة إلى أناس كديغول؛ و من الجهة الأخرى ، ظلّوا يستخدمون شتّى الوسائل و المبرّرات للدفاع عن المصالح الإستعمارية للمستعمِرين الفرنسيين ، و رفضوا تأييد حركات التحرّر الوطني فى المستعمرات الفرنسية ، و قاوموها فعلا و لا سيما الحروب الثوريّة الوطنية ؛ وهكذا غرقوا فى مستنقع التعصب القومي .
لقد قال لينين : " إنّ الأوروبيّين كثيرا ما ينسون أن شعوب المستعمرات هم أيضا أمم ،و لكن السماح بهذا " النسيان " بمثابة السماح بالتعصّب القومي ". ( المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين ، المجلد 23 ) و مع ذلك فإن قيادة الحزب الشيوعي الفرنسي التى يمثّلها الرفيق توريز لم تسكت على هذا " النسيان " و حسب بل إعتبرت بصراحة شعوب المستعمرات الفرنسية " رعايا فرنسيين من دم أجنبي " ؛ و رفضت الإعتراف بحقّ هذه الشعوب فى الإستقلال الوطني و الإنفصال عن فرنسا، و ايّدت علنا سياسة " المزج الوطني " التى إتّبعها المستعمِرون الفرنسيّون .
إنّ قادة الحزب الشيوعي الفرنسي قد إتّبعوا لأكثر من عشر سنوات خلت سياسة المستعمِرين الفرنسيين الإستعمارية ، و خدموا كذيل للرأسمال الإحتكاري الفرنسي . ففى عام 1946، عندما لعب الحكّام الرأسماليّون الإحتكاريّون الفرنسيّون حيلة الحكم الإستعماري الجديد بإقتراحهم تشكيل إتّحاد فرنسي ، تبعوا خطاهم و أعلنوا " لقد تخيلنا دائما أن الإتحاد الفرنسي هو إتّحاد حرّ لشعوب حرّة " و أنّ " الإتحاد الفرنسي سيسمح بتنظيم العلاقات على أساس جديد بين شعب فرنسا و شعوب ما وراء البحار التى ضُمّت لفرنسا فى الماضي ". و فى عام 1958، عندما إنهار الإتّحاد الفرنسي و إقترحت الحكومة الفرنسية إقامة " المجموعة الفرنسية " للمحافظة على نظامها الإستعماري ، تبعها قادة الحزب الشيوعي الفرنسي مرّة أخرى و أعلنوا " إنّنا نعتقد أنّ إقامة مجموعة حقيقية ستكون حدثا إيجابيّا ".
وبالإضافة لذلك حاول قادة الحزب الشيوعي الفرنسي فى مقاومتهم لمطلب شعوب المستعمرات الفرنسية بالإستقلال الوطني ، حاولوا حتى تخوينها ، قائلين إنّ " أيّة محاولة للإنفصال عن إتّحاد فرنسا ستقود فقط إلى تعزيز الإستعمار ، و مع أنّ الإستقلال يمكن أن يكسب ، إلاّ انّه سيكون مؤقتا و إسميّا و مزيّفا " . و قد أعلنوا بصراحة أكثر : " إنّ المسألة هي : ما إذا سيصبح الإستقلال الذى لا يمكن تجنّبه الآن مع فرنسا ، أو بدون فرنسا ، أو ضد فرنسا . إنّ مصلحة بلدنا تتطلّب أن يكون هذا الإستقلال مع فرنسا ".
و فيما يتعلّق بمسألة الجزائر يتّضح أكثر موقف التعصّب القومي لقادة الحزب الشيوعي الفرنسي . لقد حاولوا مؤخّرا تبرير أنفسهم بالقول إنّهم " قد إعترفوا بالمطلب العادل لشعب الجزائر فى الحرّية " منذ أمد طويل. و لكن ما هي الحقائق؟
لقد رفض قادة الحزب الشيوعي الفرنسي لفترة طويلة الإعتراف بحقّ الجزائر فى الإستقلال الوطني . فقد تبعوا الرأسماليين الإحتكاريّين الفرنسيّين صائحين إنّ " الجزائر جزء لا يتجزّأ من فرنسا " و أنّ فرنسا " يجب أن تكون دولة إفريقية عظمى الآن و فى المستقبل " . إنّ توريز و غيره كانوا مهتمّين أشدّ الإهتمام بحقيقة أن الجزائر يمكن أن تزوّد فرنسا ب " مليون رأس من الغنم " و بكمّيات كبيرة من القمح سنويّا لتحلّ مشكلتها فى " نقص اللحوم " و ل" سدّ عجزها فى الحبوب ".
يا للعجب ! و يا له من تعصب قومي محموم لدى قادة الحزب الشيوعي الفرنسي ! هل يظهرون أي ذرّة من الأمميّة البروليتارية ؟ و هل لديهم أيّة ذرّة من الثورية البروليتاريّة ؟ إنّهم بإتّخاذهم موقف التعصّب القومي هذا خانوا المصالح الأساسيّة للبروليتاريا العالميّة . و المصالح الأساسيّة لبروليتاريا الفرنسيّة و المصالح الحقيقة للأمّة الفرنسية .

دحض " نظرية العنصرية " و " نظرية الخطر الأصفر"

بعد أن إستخدم قادة الحزب الشيوعي السوفياتي جميع طلاسمهم لمقاومة حركة التحرّر الوطني ، إنحطّوا الآن إلى درجة طلب العون من العنصرية التى هي أشدّ النظريّات الإستعمارية رجعيّة . إنّهم يصفون الموقف الصحيح للحزب الشيوعي الصيني فى تأييده الحازم لحركة التحرّر الوطني بأنّه " يخلق الحواجز العنصرية و الجغرافية " ، و " يحلّ وجهة النظر العنصرية محلّ وجهة النظر الطبقيّة "، و " يستخدم التحيّز القومي و حتى العنصري لدى الشعوب الآسيوية و الأفريقية ".
كان بوسع هذه الأكاذيب أن تخدع الناس ، لو أن الماركسية اللينينية لم تكن موجودة ، و لكن من سوء حظّ مختلقي هذه الأكاذيب أنّهم يعيشون فى عصر لا يناسبهم لأنّ الماركسية اللينينية وجدت طريقها إلى سويداء قلوب الناس . فكما قال ستالين بحقّ ، فإنّ اللينينية " قد حطّمت الجدار بين البيض و السود و بين الأوروبيين و الآسيويين ، و بين " المتمدّنين " و " غير المتمدّنين" من عبيد الإستعمار". ( المجموعة الكاملة لمؤلفات ستالين م المجلد 9). فعبثا يحاول قادة الحزب الشيوعي السوفياتي إعادة بناء جدار العنصرية هذا من جديد .
و فى التحليل النهائي ، فإنّ المسألة الوطنية فى العالم الراهن هي قضية نضال طبقي و نضال معاد للإستعمار . فقد شكّل اليوم العمّال ، و الفلاّحون ، و المثقّفون الثوريّون ، و العناصر البرجوازية الوطنية المعادية للإستعمار ، و المتنوّرون الوطنيّون المعادون للإستعمار الآخرون من جميع الأجناس – الأبيض ، و الأسود ، و الأصفر ، و الحنطيّ ، شكّلوا جبهة متّحدة عريضة ضد المستعمِرين و على رأسهم الولايات المتّحدة و ضد أتباعهم . إنّ هذه الجبهة المتّحدة تّتسع و تتزايد قوّة . و ليست المسألة هنا هي مسألة الوقوف إلى جانب البيض أو الملوّنين ، بل مسألة الوقوف إلى جانب الشعوب و الأمم المضطهَدة أم إلى جانب حفنة من المستعمِرين و الرجعيِّين .
وفقا للموقف الطبقي الماركسي اللينيني يجب على الأمم المضطهَدة أن ترسم خطّا واضحا فاصلا بينها و بين المستعمِرين و الحكام الإستعماريّين . إنّ طمس هذا الخطّ هو بمثابة وجهة نظر تعصّب قومي تخدم الإستعمار و الحكم الإستعماري .
لقد قال لينين :
" و هذا بالتحديد هو السبب الذى يجب أن تكون من أجله النقطة الرئيسية فى برنامج الإشتراكيين- الديمقراطيين هي مسألة التمييز بين الأمم المضطهِدة و المضطهَدة ، و التى هي جوهر الإستعمار ، هذه المسألة التى يتجنّبها كذبا أصحاب التعصّب الإجتماعي و كاوتسكي ." ( المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين ، المجلد 21 )
إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ، بتحقيرهم لوحدة شعوب آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية فى النضال المعادي للإستعمار و وصفها بأنّها قائمة " على أساس المبادئ الجغرافية و العنصرية " ، وضعوا أنفسهم بوضوح فى موقف دعاة التعصّب الإجتماعي و كاوتسكي .
إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي بترويجهم " نظرية العنصرية " و وصفهم حركة التحرّر الوطني فى آسيا و أفريقيا و أميركا اللاتينية بأنّها حركة يقوم بها الملوّنون ضد الجنس الأبيض – إنّما يرمون بوضوح إلى إثارة البغض العنصري بين البيض فى أوروبا و أمريكا الشمالية ، و إلى صرف شعوب العالم عن النضال ضد الإستعمار و إلى صرف حركة الطبقة العاملة العالميّة عن النضال ضد التحريفيّة المعاصرة .
لقد أثار قادة الحزب الشيوعي السوفياتي الضجيج حول " الخطر الأصفر" و " الخطر الوشيك الوقوع لجنكيز خان " . إنّ هذا فى الواقع لا يستحقّ الدحض . فنحن لا ننوى فى هذا المقال التعليق على الدور التاريخي لجنكيز خان ولا على تطوّر الأمم المنغوليّة و الروسية و الصينيّة حتى أصبحت دولا . و لكنّنا نودّ أن نذكر فقط قادة الحزب الشيوعي السوفياتي بحاجتهم إلى مراجعة دروسهم التاريخية قبل إختلاق مثل هذه الأساطير ، لقد كان جنكيز خان خانا لمنغوليا ، و فى عهده تعرّضت كل من الصين و روسيا للعدوان المنغولي . و قد غزا جزءا من الشمال الغربي و شمال الصين فى عام 1215، كما غزا روسيا فى عام 1223. و بعد وفاته أخضع خلفه روسيا فى عام 1230 و قهر بعد تسع و ثلاثين سنة من ذلك أي فى عام 1279 الصين بأسرها .
إنّ للأديب الصيني المشهور لوسين فقرة حول جنكيز خان فى مقال كتبه عام 1934 ، و نحن نسوقها هنا كمرجع لكم إذ يبدو أنّه مفيد لكم .
لقد كتب ما يلي : عندما كنت شابا فى العشرين من عمرى
" ... قيل لى إنّ " جنكيز خاننا " قد قهر أوربا و أدخل أروع فترة فى " تاريخنا ". و لم أكتشف إلاّ عندما بلغت الخامسة و العشرين من عمرى أنّ ما يدعى بأروع فترة فى " تاريخنا " لم تكن فى الواقع غير الفترة التى قهر فيها المنغوليّون الصين و أصبحنا عبيدا . و لم أكن لأكتشف حتى شهر أغسطس ( آب) الماضي ، عندما كنت أبحث فى ثلاثة كتب عن التاريخ المنغولي عن قصص تاريخية ، أن قهر المنغوليين " لروسيا " ، و غزوهم للمجرّ و النمسا قد سبقا فى الواقع قهرهم لكلّ الصين ، و أنّ جنكيز خان ذلك الزمان لم يكن بعد خانا لنا . لقد إستعبد الروس قبلنا و بالتالي فخليق بهم أن يقولوا " إنّه عندما أخضع جنكيز خاننا الصين ، أدخل أروع فترة فى تاريخنا " ". ( المجموعة الكاملة لمؤلفات لوسين ، المجلّد 6 ، ص 109، الطبعة الصينية ).
إنّ أيّ فرد ذى إلمام بسيط بتاريخ العالم الحديث يعرف أن " نظرية الخطر الأصفر" التى يثير حولها قادة الحزب الشيوعي السوفياتي مثل هذه الضجّة ليست إلاّ تركة للأمبراطور الألماني ويليام الثاني . قال ويليام الثاني قبل نصف قرن، " إننى أؤمن بالخطر الأصفر" .
لقد كان غرض الأمبراطور الألماني فى الدعوة ل " نظرية الخطر الأصفر" هو المزيد من تقسيم الصين ، و غزو آسيا ، وقمع الثورة فى آسيا ، و صرف إنتباه شعوب أوروبا عن الثورة ، و إستخدامها كستار لإستعداداته النشطة للحرب الإستعمارية العالميّة و لمحاولته لكسب زعامة العالم . و عندما نشر ويليام الثاني " نظرية الخطر الأصفر" هذه ، كانت البرجوازية الأوروبية فى تفسّخ عميق و رجعية للغاية ، كما كانت الثورات الديمقراطية تكتسح الصين ، و تركيا ، و بلاد الفرس و تؤثر فى الهند ، حوالي الوقت الذى إندلعت فيه ثورة عام 1905 الروسيّة . لقد كانت تلك الفترة ، أيضا هي التى وضع لينين فيها ملاحظته المشهورة حول " أوروبا المتأخّرة و آسيا المتقدّمة ".
لقد كان ويليام الثاني رجلا عظيما ، فى زمانه ، و لكنّه قد أثبت فى الواقع أنّه لم يكن غير رجل من الثلج تحت الشمس إذ إختفى هذا الزعيم الرجعي عن المسرح فى وقت قصير جدّا مع نظريّته الرجعيّة التى إبتكرها . أمّا لينين العظيم فيعيش مع تعاليمه النيّرة إلى الأبد .
لقد مضت خمسون سنة و غدا الإستعمار فى أوروبا الغربية و أميركا الشمالية أكثر إحتضارا و رجعيّة . و أصبحت أيّامه معدودات . و فى الوقت ذاته أصبحت العاصفة الثوريّة التى تزأر فوق آسيا و أفريقيا و أميركا اللاتينية أقوى أضعاف ما كانت عليه فى عهد لينين . إنّه ليصعب التصديق أنّه لا يزال هناك اليوم أناس يرغبون فى أن يتّبعوا خطوات ويليام الثاني. إنّ هذه حقّا لسخرية للتاريخ .
إنبعاث التحريفية القديمة فى زيّ جديد

إنّ سياسة قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي حول المسألة الوطنية ومسألة المستعمرات لتتّفق مع السياسة المفلسة لمحرّفي الأمميّة الثانية لا غير . و الخلاف الوحيد هو أنّ محرفي الأمميّة الثانية قد خدموا الحكم الإستعماري القديم للمستعمِرين، بينما يخدم المحرّفون المعاصرون الحكم الإستعماري الجديد للمستعمِرين .
لقد غنّى المحرفون القدامي على نغمة الحكّام الإستعماريين القدامي ، بينما يغنّى خروتشوف على نغمة الحكام الإستعماريين الجدد .
إنّ أبطال الأمميّة الثانية ، الذين يمثّلهم برنشتاين و كاوتسكي كانوا مدافعين عن الحكم الإستعماري القديم للمستعمرين . فقد صرّحوا علنا بأنّ الحكم الإستعماري كان تقدّميّا ، و أنّه " قد جلب حضارة عالية " للمستعمرات و " طوّر القوى المنتجة " هناك حتى أنّهم ذهبوا إلى درجة القول إنّ " إلغاء المستعمرات يعنى عملا بربريّا ".
وفى هذا المجال يختلف خروتشوف نوعا ما عن المحرّفين القدامي ، إذ بلغت به الشجاعة أن يشجب نظام الحكم الإستعماري القديم .
و لكن كيف بلغ خروتشوف مثل هذه الشجاعة ؟ لقد حدث هذا لأنّ المستعمِرين قد غيّروا نغمتهم .
فبعد الحرب العالميّة الثانية ، و تحت الضربات المزدوجة للثورة الإشتراكية و ثورة التحرّر الوطني ، أجبر المستعمِرون على الإعتراف بأنّه " إذا ما حاول الغرب إبقاء الوضع القائم للحكم الإستعماري ، فإنّ ذلك سيجعل الثورة العنيفة أمرا حتميّا و الهزيمة حتميّة ". إنّ أشكال سيطرة الحكم الإستعماري القديم " على النقيض ...هي تثبت " القرحات الطافحة بالصديد " التى تدمرّ كلاّ من النشاط الإقتصادي و المعنوي لحياة الأمّة ". و هكذا أصبح ضروريّا تغيير الشكل و ممارسة حكم إستعماري جديد .
و هكذا أيضا ، بينما يغنّى خروتشوف على لحن الحكام الإستعماريين الجدد ، يتبجّح ب " نظرية إختفاء الحكم الإستعماري " من أجل تغطية الحكم الإستعماري الجديد ، و أكثر من ذلك فهو يحاول أن ينصح الأمم المضطهَدة بإحتضان هذا الحكم الإستعماري الجديد . إذ يدعو بنشاط إلى الرأي القائل بأنّ " التعايش السلمي " بين الأمم المضطهَدة و المستعمِرين المتمدِّنين سيجعل " الإقتصاد الوطني ينمو بسرعة ، و يجلب " إرتفاعا فى قواها الإنتاجية " و يجعل بمقدور السوق المحلّي فى البلدان المضطهَدة أن " يصبح أعظم بشكل لا يقارن " و " يوفّر مواد أولية أكثر ، و منتجات و بضائع مختلفة يتطلّبها إقتصاد الأقطار المتطوّرة صناعيّا " ، و فى نفس الوقت " سيرفع مستوى معيشة السكان فى الأقطار الرأسمالية العالية التطوّر ، بصورة كبيرة . "
و لم ينس خروتشوف أن يجمع بعض الأسلحة البالية من جعبة محرفي الأممية الثانية .
و هنا بعض الأمثلة على ذلك :
لقد قاوم المحرّفون القدامي حروب التحرّر الوطني ، و إعتقدوا أنّ المسألة الوطنية " يمكن أن تسوّى فقط عن طريق الإتّفاقيات الدولية " و " أنّ تتقدّم فى جميع فنون السلام ". و فيما يتعلّق بهذه المسألة ، تناول خروتشوف تركة محرفي الأمميّة الثانية ، و هو يدعو إلى " دفن نظام الحكم الإستعماري بهدوء ".
لقد هاجم المحرّفون القدامي الماركسيّين الثوريّين ، و إنهالوا عليهم بالإفتراء قائلين إنّ " البلشفية هي فى جوهرها نوع من الإشتراكية الميّالة للحرب "، و إنّ " الأممية الشيوعيّة يراودها الوهم بأن تحرير العمّال يمكن أن يتحقّق عن طريق حراب الجيش الأحمر المنتصر وهي تعتقد أنّ حربا عالمية جديدة ضرورية بالنسبة إلى الثورة العالمية ". و قد نشروا أيضا قصّة أن هذا الوضع " قد خلق أكبر خطر لحرب عالمية جديدة " . إنّ اللغة التى يستخدمها خروتشوف اليوم للإفتراء على الحزب الشيوعي الصيني و الأحزاب الماركسية اللينينية الشقيقة الأخرى هي بالضبط نفس اللغة التى إستخدمها المحرّفون القدامى فى كيل الشتائم لبلشفيك . و من الصعب أن يجد المرء أي خلاف بينهما .
هذا و يجب أن يقال إنّ خروتشوف فى خدمته للحكم الإستعماري الجديد للمستعمِرين ليس أدنى شأنا عن المحرّفين القدامي فى خدمتهم للحكم الإستعماري القديم للمستعمِرين .
لقد أوضح لينين أن سياسة الإستعمار قد سبّبت إنشقاق حركة العمّال العالميّة إلى شقّين ، ثوري و إنتهازي . و قد وقف الشقّ الثوري إلى جانب الأمم المضطهَدة و قاوم المستعمِرين و الحكام الإستعماريين . و على النقيض من ذلك ، تغذّى الشقّ الإنتهازي على فتات الغنائم التى إعتصرها المستعمِرون و الحكام الإستعماريون من شعوب المستعمرات و أشباه المستعمرات ، و قد وقف إلى جانب المستعمِرين و الحكام الإستعماريين و قاوم ثورة الأمم المضطهَدة فى سبيل التحرّر .
إنّ نفس هذا النوع من الإنشقاق الذى أوضحه لينين بين الثوريين و الإنتهازيين فى صفوف حركة الطبقة العاملة العالميّة أخذ فى التكوّن الآن ليس فى صفوف حركة الطبقة العاملة فى الأقطار الرأسمالية و حسب بل و فى الأقطار الإشتراكية حيث تقبض البروليتاريا على زمام سلطة الدولة .
إنّ تجربة التاريخ تظهر أنّه إذا كان لحركة التحرّر الوطني أن تحرز إنتصارا تاما ، يجب عليها أن تشكّل تحالفا راسخا مع حركة الطبقة العاملة الثورية ، و أن ترسم خطّا واضحا فاصلا بين نفسها و المحرّفين الذين يخدمون المستعمِرين و الحكّام الإستعماريين ، و أن تستأصل آثرهم بحزم .
إنّ المحرفين هم عملاء للإستعمار ، خبّأوا أنفسهم بين صفوف حركة الطبقة العاملة العالمية . فقد قال لينين " إنّ الكفاح ضد الإستعمار يبقى أكذوبة إلاّ إذا إرتبط إرتباطا لا ينفصل مع الكفاح ضد الإنتهازية " ( المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين ، المجلد 22) و هكذا فمن الواضح أنّ الكفاح الحالي ضد الإستعمار و الحكم الإستعماري القديم و الجديد يجب أن يرتبط إرتباطا وثيقا مع الكفاح ضد المدافعين عن الحكم الإستعماري الجديد .
و مهما بالغ المستعمِرون فى إخفاء نواياهم و إستشاطوا يأسا ، و مهما بالغ المدافعون عن الحكم الإستعماري الجديد فى تبييضه و مساعدته ، فلا مناص للإستعمار و الحكم الإستعماري من مواجهة حتفيهما . إنّ إنتصار ثورة التحرّر الوطني لا يقاوم . و عاجلا أو آجلا سيفلس المدافعون عن الحكم الإستعماري الجديد إفلاسا تاما .
يا عمّال العالم و أممه المضطهَدة إتّحدوا !
---------------------------------------------------------------------------------------------------------


الفصل الخامس :

سياستان للتعايش السلمي متعارضتان تعارضا تاما
تعليق سادس على الرسالة المفتوحة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي
بقلم هيئتي تحرير صحيفة " جينمينجيباو " و مجلّة " العلم الأحمر" ، 12 ديسمبر ( كانون الأوّل) 1963
دار النشر باللغات الأجنبية ، بيكين 1964

ظلّ خروتشوف و الرفاق الآخرون يتحدّثون منذ المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي عن مسألة التعايش السلمي أكثر من أيّ شيء آخر .
و يدّعى قادة الحزب الشيوعي السوفياتي المرّة تلو الأخرى أنّهم مخلصون لسياسة لينين فى التعايش السلمي ، و أنّهم قد طوّروها بشكل خلاّق . و ينسبون كلّ الفضل فى الإنتصارات التى كسبتها شعوب العالم فى نضالاتها الثوريّة الطويلة إلى سياساتهم فى " التعايش السلمي " .
إنّهم يروّجون الفكرة القائلة بأنّ الإستعمار ، و الإستعمار الأميركي بشكل خاص ، يؤيّد التعايش السلمي ، و يفترون بشكل مسعور على الحزب الشيوعي الصيني و جميع الأحزاب الماركسية اللينينية بأنّها تعارض التعايش السلمي . حتى انّ الرسالة المفتوحة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي تفتري على الصين بأنّها تحبذ " التنافس لشنّ حرب " مع المستعمِرين .
إنّهم يصفون الأقوال و الأعمال التى خانوا بها الماركسية اللينينية ، و الثورة البروليتارية العالميّة ، و القضيّة الثوريّة للشعوب و الأمم المضطهَدَة ، بأنّها تتّفق مع سياسة لينين فى التعايش السلمي . و لكن هل تستطيع كلمة " التعايش السلمي" أن تكون حقّا تميمة الوقاية لقادة الحزب الشيوعي السوفياتي فى خيانتهم للماركسية اللينينية ؟ كلاّ ، كلاّ مطلقا .
إنّنا نواجه الآن بسياستين للتعايش السلمي متعارضتين تعارضا تاما .
إحداهما سياسة لينين و ستالين للتعايش السلمي التى يدعو إليها الماركسيون اللينينيون بما فيهم الشيوعيّون الصينيّون . و الأخرى هي سياسة التعايش السلمي المعادية للينينيّة ، وهي ما يدعى بالخطّ العام للتعايش السلمي الذى يدعو إليه خروشوف والآخرون .
و لنتفحّص الآن سياسة لينين و ستالين للتعايش السلمي و سقط المتاع الذى يسمّيه خروشوف وآخرون بالخطّ العام للتعايش السلمي .
سياسة لينين و ستالين للتعايش السلمي
كان لينين هو الذى إبتكر فكرة أنّه على الدولة الإشتراكية أن تتّبع سياسة تعايش سلمي تجاه البلدان ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة . و قد سار الحزب الشيوعي السوفياتي و حكومة الإتحاد السوفياتي تحت قيادة لينين و ستالين على هذه السياسة الصحيحة لمدّة طويلة .
إن مسألة التعايش السلمي بين الأقطار الإشتراكية و الرأسماليّة ما كان من الممكن لها أن تظهر قبل ثورة أكتوبر ، لأنّه لم تكن هناك دولة إشتراكيّة . و مع ذلك فقد تنبّأ لينين فى عامي 1915 – 1916 ، على أساس تحليله العلمي للإستعمار ، بأنّ " الإشتراكية لا يمكنها أن تحقّق النصر فى جميع الأقطار فى نفس الوقت . إنّها ستحقّق النصر أوّلا فى قطر أو بعض الأقطار ، بينما تبقى الأقطار الأخرى بورجوازية أو فى مرحلة ما قبل البورجوازية لبعض الوقت ." ( " البرنامج العسكري للثورة البروليتارية " ، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين ، المجلّد 23 ) و بمعنى آخر ، فإنّ الأقطار الإشتراكية ستعيش فترة معيّنة من الزمن ، جنبا إلى جنب مع الأقطار الرأسمالية أو الأقطار فى مرحلة ما قبل الرأسمالية . إنّ طبيعة النظام الإشتراكي بالذات تقرّر أنّه يجب على الأقطار الإشتراكية أن تنهج سياسة خارجية سلميّة . و قال لينين : " إنّ الطبقة العاملة يمكنها وحدها ، عندما تنتزع السلطة ، أن تنتهج سياسة سلام لا بالأقوال ... بل بالأفعال ." ( " مشروع قرار حول الوضع السياسي الراهن " ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ن المجلد 25 ) و يمكن القول بأنّ آراء لينين هذه تشكّل الأساس النظري لسياسة التعايش السلمي .
و بعد إنتصار ثورة أكتوبر أعلن لينين للعالم فى مناسبات عديدة أنّ السياسة الخارجيّة للدولة السوفياتيّة هي سياسة سلميّة . و لكن المستعمِرين كانوا مصمِّمين على خنق الجمهورية الإشتراكية الحديثة العهد فى مهدها . فشنّوا تدخّلا مسلّحا ضد الدولة السوفياتية . و قد أشار لينين بصورة صحيحة إلى أنّه أمام هذا الوضع الذى يواجهنا " لن نستطيع أن نبقى فى الوجود ، إلاّ إذا دافعنا عن الجمهورية الإشتراكية بقوّة السلاح ". ( " تقرير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي - البلشفيك - فى مؤتمر الحزب الثامن " ، المجموعة الكاملة للمؤلفاتن المجلّد 29 ).
و فى عام 1920 هزم الشعب السوفياتي العظيم التدخّل الإستعماري المسلّح . و ظهر إلى حيّز الوجود توازن نسبيّ للقوى بين الدولة السوفياتية و الأقطار الإستعمارية . و قد ثبتت الدولة السوفياتية على أقدامها بعد إختبار القوّة خلال بضع سنوات . و بدأت تتحوّل من الحرب إلى البناء السلمي . و فى هذه الظروف بالذات تقدّم لينين بفكرة سياسة التعايش السلمي . والواقع أنّه منذ ذلك الوقت فصاعدا لم يكن أمام المستعمِرين من خيار غير أنّ " يتعايشوا " مع الدولة السوفياتية.
و خلال عهد لينين كان هذا التوازن على الدوام غير مستقرّ أبدا ، و كانت الجمهورية الإشتراكية السوفياتية عُرضة لحصار رأسمالي شديد. و قد أشار لينين حينا بعد آخر إلى أنّه بسبب الطبيعة العدوانيّة للإستعمار ، ليس هناك من ضمان لأن تعيش الإشتراكية و الرأسمالية فى سلام لمدّة طويلة .
وفى الظروف القائمة آنذاك ، لم يكن من الممكن للينين أن يحدّد بالتفصيل محتوى سياسة التعايش السلمي بين الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة . و لكن لينين العظيم قد وضع لأوّل دولة لدكتاتورية البروليتاريا السياسة الخارجية الصحيحة ، و تقدّم بالأفكار الأساسيّة لسياسة التعايش السلمي .
فماذا كانت أفكار لينين الأساسيّة حول هذه السياسة ؟
أوّلا : أشار لينين إلى أنّ وجود الدولة الإشتراكية هو على النقيض من إرادة المستعمِرين . و بالرغم من أنّها تمسّكت بسياسة خارجية سلميّة ، إلاّ أنّ المستعمِرين كانوا لا يرغبون فى العيش بسلام معها ، و سيبذلون كلّ ما يمكنهم و سينتهزون كلّ فرصة لمقاومة و حتى تدمير الدولة الإشتراكيّة .
و قال لينين :
" إنّ الإستعمار العالمي ... لم يستطع ...أن يعيش جنبا إلى جنب مع الجمهورية السوفياتية بسبب كلّ من موقفه الموضوعي و المصالح الإقتصادية للطبقة الرأسمالية الكامنة فيه ... " . ( " تقرير عن الحرب و السلم " ، ألقي فى المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الروسي – البلشفيك - المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلّد 27 ).
ثمّ قال بعد ذلك :
"... إنّ وجود الجمهورية السوفياتية جنبا إلى جنب مع الدول الإستعمارية لوقت طويل هو أمر لا يتصوّر . إنّ أحد الجانبين يجب أن ينتصر فى النهاية . و قبل أن تحلّ تلك النهاية سيكون من المحتّم وقوع سلسلة من الإصطدامات المخيفة بين الجمهورية السوفياتية و الدول البورجوازية ". ( " تقرير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي – البلشفيك - فى مؤتمر الحزب الثامن " ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلّد 29 ) .
و لذلك أكّد مرّة تلو الأخرى بأن على الدولة الإشتراكية أن تحافظ على يقظة تامة تجاه الإستعمار .
"... إنّ الدرس الذى يجب على العمّال و الفلاّحين أن يتقنوه هو أنّه يجب أن نكون على حذر و يقظة و أن نتذكّر أنّنا محاطون برجال و طبقات و حكومات تعبّر علنا عن كراهيّتها المتناهية لنا . و يجب علينا أن نذكر أنّنا دوما على قيد شعرة من جميع أنواع الغزو ." ( " حول السياسات الداخلية و الخارجية للجمهورية ، تقرير فى مؤتمر السوفيات التاسع لعموم روسيا " ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلّد 33) .
ثانيا، أشار لينين إلى أنّه ، عن طريق النضال فقط ، أصبح بمقدور الدولة السوفياتية أن تعيش فى سلام مع الأقطار الإستعماريّة . و كان هذا نتيجة المحاولات المتعدّدة لإختبار القوّة بين الأقطار الإستعمارية و الدولة السوفياتيّة التى تبنّت سياسة صحيحة ، و إعتمدت على تأييد البروليتاريا و الأمم المضطهَدة فى العالم ، و أفادت من التناقضات بين المستعمِرين .
لقد قال لينين فى نوفمبر ( تشرين الثاني ) 1919 :
" هذا هو الطريق دوما - عندما يغلب العدوّ يبدأ فى الحديث عن السلام . لقد قلنا لهؤلاء السادة ، المستعمِرين الأوروبيّين ، المرّة تلو الأخرى إنّنا نوافق على السلام ، و لكنّهم ظلّوا يحلمون بإستعباد روسيا . و لقد أدركوا الآن أن أحلامهم لن تتحقّق " . ( " خطاب فى المؤتمر الأوّل لعموم روسيا حول عمل الحزب فى الريف " ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلّد 30 ) .
و أشار فى عام 1921 :
"... إنّ الدول الإستعمارية مع كلّ كراهيّتها لروسيا السوفياتية و رغبتها فى الإنقضاض عليها ، كان عليها أن تتخلّى عن هذه الفكرة ، لأنّ إنحلال العالم الرأسمالي يتقدّم بإطّراد ، و وحدته آخذة فى التقلّص أكثر فأكثر ، و ضغط قوى الشعوب المضطهَدَة المستعمرة التى يبلغ تعدادها أكثر من ألف مليون نسمة يصبح أقوى فى كلّ سنة ، و فى كلّ شهر ، بل فى كلّ أسبوع..." . ( " خطاب فى إختتام المؤمر الوطني العاشر للحزب الشيوعي الروسي – البولشفيك " ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلّد 32 ) .
ثالثا فى تنفيذه لسياسة التعايش السلمي ، طبّق لينين مبادئ مختلفة بالنسبة لمختلف أنواع الأقطار فى العالم الرأسمالي .
فقد أولى إهتماما خاصا لإقامة علاقات ودّية مع الأقطار التى كان يتهدّدها المستعمِرون و يضطهدونها . و أشار إلى أنّ " المصالح الأساسيّة لجميع الأمم التى تعاني من نير الإستعمار منسجمة " و أنّ " السياسة العالميّة للإستعمار تؤدّى إلى إقامة علاقات أوثق و تحالف و صداقة بين جميع الأمم المضطهَدَة ". و قال إنّ السياسة السلميّة للدولة السوفياتيّة " ستفرض بشكل متزايد إقامة روابط أوثق بين جمهورية إتّحاد روسيا الإشتراكية السوفياتية و عدد متنام من الدول المجاورة ". ( " عمل مجلس مفوضى الشعب ، تقرير فى مؤتمر السوفيات الثامن لعموم روسيا " ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلّد 31 ) .
و قال لينين أيضا :
" إنّنا نضع لأنفسنا الواجب الأساسي التالي : قهر المستغلّين و كسب المتردّدين إلى جانبنا و هذا الواجب واجب على نطاق عالمي . و من بين المتردّدين سلسلة كاملة من الدول البورجوازية ، التى تكرهنا كدول بورجوازية ، لكنّها من الجهة الأخرى ، كدول مضطَهَدة ، تفضّل السلام معنا . " ( " تقرير عن عمل اللجنة التنفيذية المركزية لعموم روسيا و مجلس مفوضي الشعب"، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلّد 30 ) .
أمّا بالنسبة لأسس السلام مع الأقطار الإستعمارية ، مثل الولايات المتّحدة ، فقد قال : " ليمتنع الرأسماليّون الأميركيّون عن لمسنا " " ما هي العقبة لمثل هذا السلام ؟ " من جانبنا ، ليس هناك من عقبة ، بل من جانب الرأسماليّين الأميركيّين ( وجميع الرأسماليين الآخرين ) فالعقبة هي الإستعمار ." ( " جواب على أسئلة لمراسل الصحيفة الأميركية نيويورك إيفنج جورنال " ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلد 30 ).
رابعا ، لقد إبتكر لينين سياسة التعايش السلمي كسياسة تنتهجها البروليتاريا الحاكمة تجاه الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة . و لم يجعلها أبدا مجمل السياسة الخارجيّة لدول إشتراكية . فقد أوضح المرّة تلو الأخرى أن المبدأ الأساسي للسياسة الخارجيّة هذه هو الأمميّة البروليتاريّة .
و قال لينين :
" إنّ روسيا السوفياتيّة تعتبر أعظم فخر لها أن تساعد عمّال العالم قاطبة فى نضالهم الشاق للإطاحة بالرأسمالية ". ( " إلى المؤتمر العالمي الرابع للكومنترن و سوفيات بتروغراد لنواب العمّال و الجيش الأحمر" ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلّد 33 ).
و فى مرسوم السلام الذى صدر بعد ثورة أكتوبر ، دعا لينين ، عندما إقترح على جميع الدول المتحاربة سلاما فوريّا بدون إستقطاع جزء من أراضيها أو عقوبات ماليّة ، العمّال الواعين طبقيّا فى الأقطار الرأسمالية إلى المساعدة عن طريق أشدّ الأعمال شمولا و تصميما ، و " للسير بقضية السلم و فى الوقت نفسه للسير بقضيّة تحرير جماهير الشغّيلة المستغَلين من جميع أشكال العبوديّة و الإستغلال ، إلى نهاية ناجحة " . ( " خطاب حول السلم " ، ألقي فى المؤتمر الثاني لسوفيات نواب العمّال و الجيش لعموم روسيا ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلد 26 ) .
إنّ مشروع برنامج الحزب الذى خطّه لينين للمؤتمر السابع للحزب الشيوعي الروسي قد نصّ بوضوح على أن " تأييد الحركة الثورية للبروليتاريا الإشتراكية فى الأقطار المتقدّمة " و " تأييد الحركة الديمقراطية و الثورية فى جميع الأقطار بشكل عام و فى المستعمرات و البلدان التابعة بشكل خاص يشكّلان النواحي الهامّة لسياسة الحزب الدولية ". ( المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلد 27 ).
خامسا ، إعتقد لينين دائما أنّه من المستحيل للطبقات و الأمم المضطهَدة أن تتعايش سلميّا مع الطبقات و الأمم المضطهَدَة . إذ أشار فى " الإستنتاج حول المهمّات الأساسيّة للمؤتمر الثاني للأممية الشيوعية " إلى أنّه :
" ... حتى اكثر أقسام البرجوازية علما و ديمقراطية لا تتردّد الآن أبدا فى اللجوء إلى أي خدعة أو جريمة ، أو فى ذبح ملايين العمّال و الفلاّحين من أجل إنقاذ ملكيّتها الخاصة لوسائل الإنتاج " . ( المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلد 31 ) .
هذا و كانت إستنتاجات لينين كما يلي :
" ... إنّ مجرد التفكير فى إخضاع الرأسماليين سلميّا لإرادة أغلبية المستغَلين ، و فى الإنتقال السلمي الإصلاحي إلى الإشتراكية ، ليس فى أقصى درجات الغباء و حسب ، بل و أيضا خداع صريح للعمّال ، و تزيين لعبودية الأجر الرأسمالية و إخفاء للحقيقة ." ( نفس المصدر السابق ).
و قد أشار مرارا إلى نفاق ما أسماه المستعمِرون بالمساواة بين الأمم فقال :
" إنّ عصبة الأمم و كلّ سياسة الدول المتحالفة بعد الحرب تكشف هذه الحقيقة بوضوح و تمييز أكثر ممّا مضى ، إذ أنّها فى كلّ مكان تشدّد النضال الثوري لكلّ البروليتاريا فى الأقطار المتقدّمة و جماهير الشغيلة فى المستعمرات و البلدان التابعة ، و تعجّل إنهيار الوهم الوطني للبرجوازية الصغيرة بأنّ الأمم يمكن أن تعيش بعضها مع البعض فى سلام و مساواة فى ظلّ الرأسمالية ." ( " مشروع أولى للإستنتاج حول المسألة الوطنية و مسألة المستعمرات" ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلد 31 ).
إنّ ما سبق يشكّل أفكار لينين الأساسيّة حول سياسة التعايش السلمي .
لقد تمسّك ستالين بسياسة لينين للتعايش السلمي . و خلال الثلاثين عاما التى قاد ستالين خلالها الإتّحاد السوفياتي إنتهج بإستمرار سياسة التعايش السلمي هذه . و لم يحدث قط إلاّ عندما قام المستعمِرون و الرجعيّون بإستفزازات مسلحة و شنّوا حروبا عدوانية ضد الإتّحاد السوفياتي ، أن إضطرّ الإتحاد السوفياتي لخوض الحرب الوطنية الكبرى و القتال دفاعا عن النفس .
و قد أشار ستالين إلى أنّ " علاقاتنا مع الأقطار الرأسماليّة قائمة على الإفتراض بأنّ التعايش بين نظامين متعارضين هو أمر ممكن " و أنّ " الحفاظ على علاقات سلمية مع الأقطار الرأسمالية هو واجب مفروض علينا ". ( " تقرير اللجنة المركزية السياسي " الذى ألقي فى المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي السوفياتي – البلشفيك ، المجموعة الكاملة لمؤلفات ستالين ، المجلّد 10 ).
و أشار أيضا إلى أنّ :
" التعايش السلمي بين الرأسماليّة و الشيوعيّة ممكن تماما ، شريطة أن تكون هناك رغبة متبادلة فى التعاون ، و إستعداد لتنفيذ الإلتزامات التى يتعهّد بها ، و تقييد بمبدأ المساواة و عدم التدخّل فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى ." ( ستالين : " أجوبة على أسئلة محرّرين أميركيّين " ، البرافدا ، 2 ابريل – نيسان – 1952 ).
و بينما كان ستالين يتمسّك بسياسة لينين للتعايش السلمي ، كان يعرض بحزم الإمتناع عن تأييد ثورات الشعوب الأخرى من اجل التملّق للإستعمار . و قد أكّد بقوّة وجود خطّين متعارضين فى السياسة الخارجية و إلى أنّه لا مندوحة عن إتباع " هذا الخطّ أو ذاك ".
و الخطّ الأوّل هو أنّ " نواصل إتباع سياسة ثورية ، حاشدين بروليتاريي و مضطهَدى جميع الأقطار حول الطبقة العاملة فى الإتحاد السوفياتي – و فى هذه الحالة فإن الرأسمال العالمي سيبذل كلّ ما يستطيعه ليعرقل تقدّمنا ".
أمّا الخط الثاني فهو أنّ " ننبذ سياستنا الثورية ، و أن نوافق على القيام بعدد من التنازلات المبدئية تجاه الرأسمال العالمي – و فى هذه الحالة فإنّ الرأسمال العالمي بلا شكّ لن يرفض " مساعدتنا " على تحويل بلدنا الإشتراكي إلى جمهورية برجوازية " حسنة " ".
وقدّم ستالين مثلا هو " أن أميركا تطلب أن نتخلّى بشكل مبدئي عن سياسة تأييد حركة تحرّر الطبقة العاملة فى الأقطار الأخرى ، و هي تقول إنّه إذا ما قدّمنا هذا التنازل فإن كل شيء سيكون سهلا ... أفلا نقدّم هذا التنازل ؟ ".
و أجاب بالنفي قائلا : " ... إنّنا لا يمكن أن نوافق على هذه التنازلات أو ما يماثلها دون أن نكذب على أنفسنا ..." ( " عمل الإجتماع المشترك للجنة المركزية و لجنة الرقابة المركزية المنعقد فى أبريل – نيسان" ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلّد 11 ) .
إنّ ملاحظات ستالين هذه لا تزال على جانب كبير من الأهمية العمليّة . و فى الواقع ، هناك سياستان خارجيّتان متعارضتان تعارضا تاما ، و سياستان للتعايش السلمي متعارضتان تعارضا تاما . و الواجب الهام لجميع الماركسيّين اللينينيّين هو أن يعارضوا بحزم كلا من السياستين اللتين شجبهما ستالين ، سياسة الخيانة و الإستسلام و الإمتناع عن تأييد الثورة ، و السياسة التى تحوّل بلدا إشتراكيّا إلى جمهورية برجوازية " حسنة ".
الحزب الشيوعي الصيني يتمسّك بسياسة لينين للتعايش السلمي
تزعم الرسالة المفتوحة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي أن الحزب الشيوعي الصيني " ينقصه الإيمان بإمكانية التعايش السلمي " ، و تتّهمه إفتراء بأنّه يعارض سياسة لينين للتعايش السلمي .
فهل هذا صحيح ؟ لا بالطبع .
إنّ كلّ من يحترم الحقائق يستطيع أن يرى بوضوح أن الحزب الشيوعي الصيني و حكومة جمهورية الصين الشعبية قد إنتهجا بلا هوادة سياسة لينين للتعايش السلمي بنجاح كبير .
فمنذ الحرب العالميّة الثانية ، حصل تغيّر أساسي فى الميزان العالمي للقوى الطبقيّة . و قد إنتصرت الإشتراكية فى عدد من الأقطار ، و ظهر المعسكر الإشتراكي إلى عالم الوجود . و تنمو حركة التحرّر الوطني بسرعة ، كما ظهر عدد من الدول الوطنيّة التى حصلت حديثا على إستقلالها السياسي . أمّا المعسكر الإستعماري فقد ضعف كثيرا ، و أخذت التناقضات بين الأقطار الإستعمارية تزداد حدّة بإستمرار . و هذا الوضع يوفّر للأقطار الإشتراكية ظروفا أكثر ملاءمة لتطبيق سياسة التعايش السلمي تجاه الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة .
و فى هذه الظروف التاريخية الجديدة أغنى الحزب الشيوعي الصيني و الحكومة الصينية سياسة لينين للتعايش السلمي أثناء تطبيقها .
لقد قال الرفيق ماو تسى تونغ عشيّة ميلاد جمهورية الصين الشعبية :
" ... إننا نعلن للعالم أجمع أنّ ما نعارضه تمام المعارضة هو النظام الإستعماري و مؤامراته ضد الشعب الصيني . إنّنا على إستعداد للمفاوضة مع أيّة حكومة أجنبية حول مسألة إقامة علاقات دبلوماسية ، على أساس مبادئ المساواة و المنفعة المتبادلة و الإحترام المتبادل للوحدة و السيادة الإقليميّين ، شريطة أن تكون هذه الحكومة على إستعداد لفصم علاقتها مع الرجعيّين الصينيين ، وأن توقف التآمر معهم أو مساعدتهم و أن تتبنّى موقفا ودّيا حقيقيّا و ليس زائفا تجاه الصين الشعبية. إنّ الشعب الصيني يرغب فى أن يقيم تعاونا ودّيا مع شعوب جميع الأقطار و أن يستأنف و يوسّع التجارة الدوليّة من أجل تطوير الإنتاج و دفع الإزدهار الإقتصادي ". ( " خطاب فى اللجنة التحضيرية للمؤتمر الإستشاري السياسي الجديد " ، مجموعة المؤلفات المختارة ، المجلّد 4 ).
و وفقا لهذه المبادئ التى قدّمها الرفيق ماو تسى تونغ ، وضعنا سياستنا الخارجية السلميّة فى تعابير واضحة فى البرنامج المشترك الذى تبنّاه المؤتمر الإستشاري السياسي للشعب الصيني فى سبتمبر ( ايلول ) 1949، و من ثمّ فى دستور جمهورية الصين الشعبية الذى أجازه المجلس الوطني لنواب الشعب فى سبتمبر ( ايلول) 1954.
و قد إبتكرت الحكومة الصينية فى عام 1954 مبادئ التعايش السلمي الخمسة المشهورة ، وهي الإحترام المتبادل للوحدة و السيادة الإقليميين ، وعدم الإعتداء المتبادل ، و عدم التدخّل فى الشؤون الداخلية للآخرين ، و المساواة و المنفعة المتبادلة، و التعايش السلمي . و صغنا مع الأقطار الآسيوية و الأفريقية الأخرى المبادئ العشرة على أساس المبادئ الخمسة فى مؤتمر باندونغ عام 1955.
و قد لخّص الرفيق ماو تسى تونغ فى عام 1956 تجربة بلادنا الواقعية فى الشؤون الدوليّة و وضّح بصورة أكثر المبادئ العامة لسياستنا الخارجيّة و قال :
" من أجل تحقيق سلام عالمي أبدي ، يجب علينا أن نطوّر تطويرا أكثر صداقتنا و تعاوننا مع الأقطار الشقيقة فى المعسكر الإشتراكي و أن نعزّز تضامننا مع جميع الأقطار المحبّة للسلام . و يجب علينا أن نسعى لإقامة علاقات ديبلوماسية طبيعيّة على أساس الإحترام المتبادل للوحدة و السيادة الإقليميتين و المساواة و المنفعة المتبادلة مع جميع الأقطار التى ترغب فى أن تعيش معنا بسلام . و يجب علينا أن نقدّم تأييدا نشيطا لحركة الإستقلال الوطني و التحرّر فى آسيا و أفريقيا و أميركا اللاتينية و كذلك لحركة السلام و النضالات العادلة فى جميع الأقطار فى العالم ." ( " خطاب إفتتاحي فى المؤتمر الوطني الثامن للحزب الشيوعي الصيني" ).
و قال فى عام 1957 :
" إنّ سياستنا الأساسية ، حيث تكمن مصلحتنا الأساسية ، هي أن نعزّز وحدتنا مع الإتحاد السوفياتي ، وحدتنا مع جميع الأقطار الإشتراكية ."
" ثمّ ، هناك الأقطار الآسيوية و الأفريقية ، و جميع الأقطار و الشعوب المحبّة للسلام ، يجب علينا أن نعزّز و نطوّر وحدتنا معها ".
" أمّا بالنسبة للأقطار الإستعمارية ، فعلينا أيضا أن نتّحد مع شعوبها ، و نكافح لنتعايش فى سلام مع هذه الأقطار، و أن نتاجر معها ، و أن نمنع وقوع أي حرب ممكنة ، و لكن يجب ألاّ تساورنا أيّة أفكار غير واقعية حول هذه الأقطار فى أي ظرف من الظروف ." ( " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين الشعب " ).
و قد تبنّينا فى شؤوننا الخارجيّة خلال الأربعة عشر عاما الماضية ، سياسات مختلفة تجاه الأنواع المختلفة من الأقطار ، و نوّعنا سياساتنا وفقا للظروف المختلفة فى الأقطار من نفس النوع .
فأوّلا ، نميّز بين الأقطار الإشتراكيّة و الرأسماليّة . و نحن نثابر على المبدأ الأممي البروليتاري للمساعدة المتبادلة بالنسبة للأقطار الإشتراكية . و نحن نتّخذ صيانة وحدة جميع الأقطار فى المعسكر الإشتراكي و تعزيزها كسياسة فى علاقاتنا الخارجية .
ثانيا : نميزّ بين الأقطار الوطنيّة التى حصلت حديثا على إستقلالها السياسي و بين الأقطار الإستعماريّة .
و مع أنّ الأقطار الوطنيّة تختلف أساسا عن الأقطار الإشتراكيّة فى أنظمتها الإجتماعية و السياسية ، إلآّ أنّ هناك تناقضا عميقا بينها و بين الإستعمار ، كما لها مصالح مشتركة مع الأقطار الإشتراكية ، هي مقاومة الإستعمار و صيانة الإستقلال الوطني و الدفاع عن السلام العالمي . و لذلك فمن الممكن و العملي تماما للأقطار الإشتراكيّة ان تقيم علاقات للتعايش السلمي و التعاون الودّي مع هذه الأقطار . إنّ إقامة مثل هذه العلاقات ذات أهمية عظيمة لتعزيز وحدة القوى المناوئة للإستعمار، و لدفع نضال الشعوب المشترك ضد الإستعمار .
لقد تمسّكنا دوما بسياسة توطيد و تطوير التعايش السلمي و التعاون الودّى مع أقطار آسيا و أفريقيا و أميركا اللاتينية . و فى الوقت نفسه ، خضنا نضالات مناسبة ضروريّة ضد أقطار ، مثل الهند ، نقضت أو حطّمت المبادئ الخمسة .
ثالثا : نميّز بين الأقطار الرأسمالية العادية و الأقطار الإستعمارية ، و كذلك بين الأقطار الإستعمارية المختلفة .
و لمّا أصبح ميزان القوى الطبقيّة على النطاق العالمي يرجّح بإطّراد لصالح الإشتراكية ، و أصبحت القوى الإستعمارية أضعف فى كلّ يوم ، و أصبحت التناقضات تتفاقم بينها ، فمن الممكن للأقطار الإشتراكية أن تجبر هذه الدولة الإستعمارية او تلك على إقامة نوع من التعايش السلمي معها ، و ذلك بالإعتماد على قوّتها المتنامية ، و توسّع قوى الشعوب الثورية و الوحدة مع الأقطار الوطنيّة ، و نضال جميع الشعوب المحبّة للسلام ، و بإستخدام التناقضات الداخلية للإستعمار .
بينما نثابر على التعايش السلمي مع الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة ، نؤدّى بثبات واجبنا الأممي البروليتاري . و نحن نؤيّد بنشاط حركات التحرّر الوطني فى آسيا و أفريقيا و أميركا اللاتينيّة ، و حركات الطبقة العاملة فى أوروبا الغربيّة وأميركا الشمالية و أوقيانوسيا ، و نضالات الشعوب الثوريّة و كذلك نضالات الشعوب ضد السياسات الإستعمارية العدوانيّة و الحربيّة و فى سبيل السلام العالمي .
إنّ لنا هدفا واحدا من كلّ ذلك ، ألا و هو أن نوحّد جميع القوى التى يمكن توحيدها ، بإعتبار المعسكر الإشتراكي و البروليتاريا العالميّة نواة لها ، و ذلك لتشكيل جبهة موحّدة عريضة ضد الإستعمار الأميركي و عملائه .
وعلى أساس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي ، أقامت الحكومة الصينيّة خلال العشر سنوات الماضية و نيف ، علاقات ودّية مع العديد من الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة ، وطوّرت معها تبادلات إقتصاديّة و ثقافيّة . و عقدت الصين معاهدات صداقة ، و معاهدات سلام و صداقة أو معاهدات صداقة و تعاون متبادل و عدم إعتداء متبادل مع اليمن و بورما و نيبال و أفغانستان و غينيا و كمبوديا و أندونيسا و غانا . و قد سوّت بنجاح مسائل حدودها مع بورما و نيبال و باكستان و أفغانستان إلخ ... تلك المسائل التى خلّفها التاريخ .
و ما من أحد يستطيع أن يطمس المنجزات الكبرى التى حصل عليها الحزب الشيوعي الصيني و الحكومة الصينيّة فى التمسّك بسياسة لينين للتعايش السلمي .
إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي بإختراعهم أكذوبة أن الصين تعارض التعايش السلمي ، إنّما تحدوهم دوافع خفيّة . و إذا تحدّثنا بصراحة فإنّ هدفهم هو ستر بشاعتهم فى خيانة الأممية البروليتارية والتواطؤ مع الإستعمار .
خطّ " التعايش السلمي " العام لقادة الحزب الشيوعي السوفياتي
لسنا نحن ، بل قادة الحزب الشيوعي السوفياتي هم الذين ينتهكون فى الواقع سياسة لينين للتعايش السلمي .
إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي قد طبّلوا لمفهومهم للتعايش السلمي بأضخم العبارات . فما هي وجهات نظرهم الأساسية حول مسألة التعايش السلمي ؟
أوّلا : يزعم قادة الحزب الشيوعي السوفياتي أن التعايش السلمي هو المبدأ الأعلى الذى لا يعلوه شيء لحلّ القضايا الإجتماعية المعاصرة . و يزعمون أنّ التعايش السلمي هو " البديل الأساسي فى الأزمنة المعاصرة " و " المطلب الملحّ للعهد الحاضر " ( بونوماريوف : " الراية الظافرة للشيوعيّين فى العالم " ، " البرافدا " ، 18 نوفمبر ( تشرين الثاني ) 1962. و هم يقولون إنّ " التعايش السلمي هو الطريق المقبول الأفضل و الوحيد لحلّ القضايا ذات الأهمّية الحيويّة التى تواجه المجتمع " . ( روميناتسيف : " سلاحنا الإيديولوجي المشترك " ، مجلة " قضايا السلم و الإشتراكية " ، العدد الأول عام 1962) ، و إنّ مبدأ التعايش السلمي يجب أن يصبح " القانون الأساسي لحياة المجتمع المعاصر بأسره " ( خطاب خروشوف فى الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة يوم 23 سبتمبر ( أيلول) 1960.)
ثانيا : يعتبرون أنّ الإستعمار قد أصبح مستعدّا لقبول التعايش السلمي ، و لم يعد عقبة له . و هم يقولون بأنّ هناك " عددا ليس قليلا من قادة الحكومات و الدول فى الأقطار الغربيّة يقفون الآن أيضا فى سبيل السلام و التعايش السلمي" ( خطاب خورشوف فى جامعة كادجياه مادا بجوغ جاركارتا ن أندونيسيا ، 21 فبراير ( شباط) 1960) و إنّهم " يدركون بجلاء أكثر و أكثر ضرورة التعايش السلمي " ( تقرير ألقاه خروشوف فى مجلس السوفيات الأعلى للإتحاد السوفياتي يوم 14 يناير ( كانون الثاني ) 1960 ) هذا و قد أعلنوا بصخب شديد على وجه الخصوص " إعتراف" رئيس للولايات المتّحدة ب"حكمة و واقعية التعايش السلمي بين الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة ".( مقال بقلم هيئة تحرير" الأزفستيا "، 4 ديسمبر ( كانون الأول) 1961 ).
ثالثا : إنّهم يدعون إلى " التعاون الشامل" مع الأقطار الإستعمارية ، و على الأخصّ مع الولايات المتّحدة . و هم يقولون إنّ الإتحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة " سيكون فى وسعهما إيجاد أساس لأعمال و جهود متّفق عليها لخير البشريّة بأجمعها " ( برقية التحية على كندي من خروشوف و بريجنيف ، 30 ديسمبر ( كانون الأول ) 1961) وأنّهما تستطيعان " أن تسيرا قدما يدا بيد من أجل توطيد السلام و إقامة تعاون دولي حقيقي بين جميع الدول". ( أنظر صفحة 21 رقم 3 ).
رابعا : و هم يقولون أيضا إنّ " مبدأ التعايش السلمي يقرّر الخطّ العام للسياسة الخارجية للإتحاد السوفياتي و أقطار المعسكر الإشتراكي " . ( خطاب خروتشوف فى حفلة الإستقبال التى أقامتها سفارة جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية فى الإتحاد السوفياتي يوم 5 يوليو ( تموز ) 1961 ).
خامسا : و يقولون ايضا إن " مبدأ التعايش السلمي يقرّر الخط العام للسياسة الخارجية للحزب الشيوعي السوفياتي و الأحزاب الماركسية اللينينية الأخرى " ( بونوماريوف : " بعض مشاكل الحركة الثوريّة " ، مجلة " قضايا السلم و الإشتراكية " ، العدد 12 عام 1962 ) ، و إنّه " أساس إستراتيجيا الشيوعية " فى عالم اليوم ، و إنّ جميع الشيوعيّين قد جعلوا النضال فى سبيل التعايش السلمي المبدأ العام لسياستهم" ( " الشيوعي " ( موسكو) ، العدد 2 عام 1962، صفحة 89 ) .
سادسا : إنّهم يعتبرون التعايش السلمي شرطا مسبّقا لإنتصار النضالات الثوريّة للشعوب . و يعتقدون أنّ الإنتصارات التى أحرزتها شعوب مختلف الأقطار قد أحرزت فى " ظروف التعايش السلمي بين الدول ذات الأنظمة الإجتماعيّة المختلفة " ( بونوماريوف : " مرحلة جديدة فى الأزمة العامة للرأسمالية " ، " البرافدا " ، 8 فبراير ( شباط) 1961 ). إنّهم يزعمون أنّه " على وجه التحديد فى ظروف التعايش السلمي بين الدول ذات الأنظمة الإجتماعيّة المختلفة ، إنتصرت الثورة الإشتراكية فى كوبا و أحرز الشعب الجزائري إستقلاله الوطني ، و أحرز أكثر من أربعين بلدا الإستقلال الوطني، كما تنامت الأحزاب الشقيقة عددا و قوّة ، و إزداد نفوذ الحركة الشيوعية العالمية " . ( رسالة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي المؤرّخة فى 30 مارس ( آذار ) 1963 إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ) .
سابعا : إنّهم يعتقدون أن التعايش السلمي هو " أفضل سبيل لمساعدة حركة العمّال الثوريّة العالميّة فى تحقيق أهدافها الطبقيّة الأساسيّة " ( الرسالة المفتوحة التى وجهتها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي بتاريخ 14 يوليو ( تموز) 1963 إلى المنظمات الحزبيّة و جميع الشيوعيّين فى الإتحاد السوفياتي ) . و هم يصرّحون بأنّ إمكانية الإنتقال السلمي إلى الإشتراكيّة قد نمت فى الأقطار الرأسماليّة فى ظلّ التعايش السلمي .
و بالإضافة لهذا يعتقدون أنّ إنتصار الإشتراكية فى المباراة الإقتصادية " سيعنى توجيه ضربة قاضية إلى نظام العلاقات الرأسمالية بأسره " ( أنظر بونوماريوف : " بعض مشاكل الحركة الثورية " ، مجلة " قضايا السلم و الإشتراكية " ، العدد 12 عام 1962 ). إنّهم يذكرون أنّه " عندما سيتمتّع الشعب السوفياتي ببركات الشيوعية ، سيقول مئات الملايين من الناس على الأرض " إننا نريد الشيوعية ! " " . ( " برنامج الحزب الشيوعي السوفياتي " ، الذى أجازه المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي ) ، و إنّ الرأسماليّين حينذاك قد " ينضمون إلى الحزب الشيوعي ".
أنظروا ، أيّة نقطة مشتركة بين هذه الآراء و سياسة لينين للتعايش السلمي ؟
إنّ سياسة لينين للتعايش السلمي هي سياسة تتّبعها دولة إشتراكية فى علاقاتها مع الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة ، إلاّ أن خروشوف يصف التعايش السلمي بأنّه أعلى مبدأ يتحكّم فى حياة المجتمع الحديث .
إنّ سياسة لينين للتعايش السلمي تشكّل مظهرا واحدا للسياسة الدولية للبروليتاريا الحاكمة ، إلاّ أن خروتشوف يمدّ نطاق التعايش السلمي و يحوّله إلى الخطّ العام للسياسة الخارجية للأقطار الإشتراكية ، و حتى أنّه يمدّ نطاقه أكثر و يحوّله إلى الخطّ العام لجميع الأحزاب الشيوعيّة .
إنّ سياسة لينين للتعايش السلمي كانت موجّهة ضد سياسات الإستعمار العدوانيّة و الحربيّة ، إلاّ أنّ تعايش خروتشوف السلمي يمشى مع حاجيات الإستعمار و يساعد السياسات الإستعماريّة العدوانيّة و الحربيّة .
إنّ سياسة لينين للتعايش السلمي تنطلق من المهمّة التاريخية للبروليتاريا العالميّة ، و لذلك فهي تتطلّب من الأقطار الإشتراكيّة أن تقدّم ، أثناء إتّباعها هذه السياسة ، تأييدا حازما للنضالات الثوريّة التى تشنّها جميع الشعوب و الأمم المضطهَدَة ، إلاّ أن تعايش خروشوف السلمي ينشد وضع المسالمة محلّ الثورة العالميّة البروليتاريّة ، و هكذا ينبذ الأمميّة البروليتاريّة .
لقد حوّل خروشوف سياسة التعايش السلمي إلى سياسة إستسلام طبقي . فهو تحت ستار التعايش السلمي نبذ المبادئ الثوريّة لتصريح عام 1957 و بيان عام 1960، و جرّد الماركسية اللينينية من روحها الثوريّة ، و أفسدها و شوّهها أيّما تشويه .
إنّ هذا لخيانة وقحة للماركسية اللينينية !
ثلاثة خلافات مبدئية
إن الخلاف حول مسألة التعايش السلمي بين قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي من جهة و بيننا و جميع الأحزاب الماركسية اللينينية و جميع الماركسيين اللينينيين من الجهة الأخرى ، ليس خلافا يكمن فى ما إذا كان على الأقطار الإشتراكية أن تتّبع سياسة التعايش السلمي ، بل هو خلاف مبدئي يتعلّق بالموقف الصحيح من سياسة لينين للتعايش السلمي . و يتجلّى هذا الخلاف بشكل أساسي فى ثلاث مسائل .
المسألة الأولى هي : هل من الضروري من أجل تحقيق التعايش السلمي خوض نضالات ضد الإستعمار و الرجعيّة البورجوازية أم لا ؟ و هل من الممكن عن طريق التعايش السلمي إلغاء التعارض و النضال بين الإشتراكية و الإستعمار أم لا ؟
إنّ الماركسيين اللينينيين يعتقدون دوما أنّه فيما يتعلّق بالأقطار الإشتراكية لا يوجد ثمّة عقبة لتطبيق التعايش السلمي بين الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة . إنّ العقبات تأتي دوما من جانب المستعمِرين و الرجعيّين البورجوازيّين .
إنّ المبادئ الخمسة للتعايش السلمي قد وُضعت لمكافحة السياسات الإستعماريّة العدوانيّة و الحربيّة . و تبعا لهذه المبادئ لا يسمح فى العلاقات الدوليّة بالإعتداء على أراضي و سيادة الأقطار الأخرى ، و التدخّل فى شؤونها الداخليّة ، و الإضرار بمصالحها و مركزها المتساوي ، أو شنّ حرب عدوانيّة ضدّها . و لكن من صميم طبيعة الإستعمار ذاتها إرتكاب العدوان ضد الأقطار و الأمم الأخرى و الرغبة فى إستعبادها . و ما دام الإستعمار موجودا فطبيعته هذه لن تتغيّر أبدا. و هذا هو بالتحديد ما يجعل المستعمِرين غير راغبين فى قبول المبادئ الخمسة للتعايش السلمي . وهم يحاولون ، كلّما كان ذلك ممكنا ، تحطيم الأقطار الإشتراكية و القضاء عليها ، و يرتكبون العدوان ضد الأقطار و الأمم الأخرى و يحاولون إستعبادها .
إنّ التاريخ يظهر أنّه نظرا لأسباب موضوعيّة غير مؤاتية فقط ، لا يجرؤ المستعمِرون على المخاطرة بحرب ضد الأقطار الإشتراكية أو أنّهم مجبَرون على الموافقة على هدنة و قبول نوع معيّن من التعايش السلمي .
و كما يدلّ التاريخ ، كانت دوما هناك أيضا نضالات حادّة معقّدة بين الأقطار الإستعماريّة و الإشتراكيّة ، و قد بلغت فى بعض الأحيان درجة صدامات عسكريّة مباشرة أو حروب . و عندما لا تكون هناك حروب فعليّة ، يشنّ المستعمِرون حروبا باردة ظلّوا يباشرونها بدون توقّف منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية ، و الواقع أنّ الأقطار الإستعماريّة و الإشتراكيّة قد ظلّت فى حالة تعايش حرب باردة . و فى الوقت الذى توسّع فيه الأقطار الإستعماريّة بنشاط تسلّحها و تستعدّ للحرب ، تستخدم كلّ وسيلة لمقاومة الأقطار الإشتراكية سياسيّا و إقتصاديا و إيديولوجيّا و حتى أنّها تقوم بالإستفزازات العسكريّة و التهديدات الحربية ضدّها . إنّ حرب المستعمِرين الباردة ضد الأقطار الإشتراكيّة و مقاومة الأخيرة لها تشكّلان مظاهر للنضال الطبقي العالمي .
إنّ المستعمِرين يدفعون بخططهم العدوانيّة و الحربيّة ليس ضد الأقطار الإشتراكية و حسب بل فى العالم بأسره ، و هم يحاولون قمع الحركات الثوريّة للشعوب و الأمم المضطهَدَة .
و فى هذه الظروف ، يجب على الأقطار الإشتراكية أن تكافح بحزم مع شعوب جميع الأقطار الأخرى ضد السياسات الإستعماريّة العدوانيّة و الحربيّة ، و أن تخوض نضالا يكيل الصاع بالصاع ضد الإستعمار . و هذا النضال الطبقي يستمرّ حتما ، تارة بشكل حاد ، و تارة بشكل أخفّ .
و لكن خروتشوف يصمّ أذنيه عن هذه الحقائق الدامغة. وهو يعلن فى كل مكان و على أوسع نطاق أنّ الإستعمار قد إعترف الآن بضرورة التعايش السلمي ، و يعتبر النضالات المناوئة للإستعمار التى تخوضها الأقطار الإشتراكية و شعوب العالم لا تتّفق مع سياسة التعايش السلمي .
و فى رأي خروشوف، أنّه على الأقطار الإشتراكية أن تقدّم التنازل تلو الآخر أمام المستعمِرين والرجعيِّين البورجوازيين، و تواصل الإستسلام لهم حتّى عندما يعرضونها للتهديدات الحربيّة و الهجوم المسلّح أو يتقدّمون إليها بمطالب مذلّة من شأنها أن تنهك سيادتها و كرامتها .
و وفقا لهذا المنطق يصف خروشوف تقهقره المستمرّ ، و إتّجاره بالمبادئ ، و إنقياده السهل لمطالب المستعمِرين الأميركيِّين المذلّة خلال أزمة الكاريبي بأنّه " إنتصار للتعايش السلمي " .
و وفقا لهذا المنطق يصف خروشوف تمسّك الصين بالمبادئ الصحيحة حول مسألة الحدود الصينيّة الهنديّة ، و الهجوم المضاد ضد هجوم الرجعيّين الهنود العسكري ، دفاعا عن النفس ، الذى قامت به الصين عندما أصبح الوضع لا يحتمل ، يصفه بأنّه " إنتهاك للتعايش السلمي " .
و فى بعض الأحيان يتحدّث خروشوف أيضا حول النضال بين النظامين الإجتماعيّين المختلفين ، و لكن كيف يرى هذا النضال ؟
لقد قال خروشوف : " إنّ النضال الحتمي بين النظامين يجب جعله قاصرا على إتّخاذ شكل تصارع للأفكار..." ( تقرير ألقاه خروشوف فى مجلس السوفيات الأعلى للإتحاد السوفياتي يوم 14 يناير ( كانون الثاني ) 1960 ).
و هنا إختفى النضال السياسي !
و قد قال أيضا :
" إنّ المبدأ اللينيني للتعايش السلمي بين الدول ذات الأنظمة الإجتماعية الإقتصادية و السياسية المختلفة لا يعنى مجرّد عدم وجود حرب ، و حالة مؤقتة لوقف غير مستقرّ لإطلاق النار . فهو يستلزم الحفاظ على علاقات إقتصاديّة و سياسيّة ودّية بين هذه الدول ، و يشتمل على إقامة و تطوير مختلف أشكال التعاون الدولي السلمي ".( خروشوف : " أجوبة على أسئلة البروفسور النمساوي هانس تيرين" ، " البرافدا " ، 3 يناير ( كانون الثاني ) 1962 ) .
و هنا إختفى النضال تماما !
و كالساحر ، يطلق خروشوف حيلة بعد أخرى ، فهو أوّلا يقلّل من شأن القضايا الصغيرة إلى درجة الصفر . إنّه ينكر التعارض الأساسي بين النظامين الإشتراكي و الرأسمالي ، و ينكر التناقض الأساسي بين المعسكرين الإشتراكي و الإستعماري ، و ينكر وجود النضال الطبقي العالمي . و هكذا يحوّل التعايش السلمي بين النظامين و المعسكرين إلى " تعاون شامل ".
أما المسألة الثانية فهي هل يمكن جعل التعايش السلمي الخطّ العام للسياسة الخارجية للأقطار الإشتراكية ؟
إنّنا نعتقد أنّ الخطّ العام للسياسة الخارجية للأقطار الإشتراكية يجب أن يتضمّن المبدأ الأساسي لسياستنا الخارجية و أن يتضمّن المحتوى الأساسي لهذه السياسة .
و ما هو هذا المبدأ الأساسي ؟ إنّه الأممية البروليتارية .
قال لينين : " إنّ التحالف مع ثوريي الأقطار المتقدّمة ومع جميع الأمم المضطهَدَة ضد أي من المستعمِرين و ضدّهم جميعا- هو السياسة الخارجية للبروليتاريا " ( " السياسة الخارجية للثورة الروسية " ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلد 25 ). إنّ هذا المبدأ الأممي البروليتاري الذى وضعه لينين يجب أن يكون المرشد للسياسة الخارجية للأقطار الإشتراكية .
كان على كلّ قطر إشتراكي ، منذ أن تشكّل المعسكر الإشتراكي، أن يعالج ثلاثة أنواع من العلاقات فى سياسته الخارجية، أي علاقاته مع الأقطار الإشتراكية الأخرى ، و مع الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة ، و مع الشعوب و الأمم المضطهَدَة .
و لذلك ، نرى أنّه يجب أن يكون التالى هو محتوى الخطّ العام للسياسة الخارجية للأقطار الإشتراكية : تطوير علاقات الصداقة و المساعدة المتبادلة و التعاون بين أقطار المعسكر الإشتراكي وفقا لمبدأ الأمميّة البروليتارية ؛ و الكفاح فى سبيل التعايش السلمي على أساس المبادئ الخمسة مع الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة ، و مقاومة السياسات الإستعمارية العدوانية و الحربية ؛ و تأييد و مساعدة النضالات الثوريّة التى تشنّها جميع الشعوب و الأمم المضطهَدَة . و هذه الأوجه الثلاثة متداخلة و لا يمكن حذف واحد منها.
إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي قد قصروا من جانب واحد الخطّ العام للسياسة الخارجية للأقطار الإشتراكية على التعايش السلمي . إنّنا نودّ أن نسأل : كيف يجب على دولة إشتراكيّة أن تعالج علاقاتها مع الأقطار الإشتراكية الأخرى ؟ و هل عليها أن تباشر مجرد علاقات تعايش سلمي معها ؟
بالطبع ، على الأقطار الإشتراكية ايضا أن تلتزم بالمبادئ الخمسة فى علاقاتها المتبادلة . و لا يسمح مطلقا لأيّ أحد منها أن يقوّض الوحدة الإقليمية لقطر شقيق آخر، و يضرّ بإستقلاله و سيادته ، و يتدخّل فى شئونه الداخليّة ، و يقوم بنشاطات تخريبيّة فى داخله ، أو أن ينتهك مبدأ المساواة و المنفعة المتبادلة فى علاقاته مع قطر شقيق آخر . و لكن مجرّد تطبيق هذه المبادئ بعيد عن أن يكون كافيا . فقد ورد فى تصريح عام 1957 :
" ... بيد أنّ هذه المبادئ الهامّة ليست بالمبادئ الوحيدة التى تحدّد جوهر العلاقات بين البلدان الإشتراكية . فالمساعدة المتبادلة الأخوية جزء لا يتجزّأ من علاقاتها . و هذه المساعدة المتبادلة هي التعبير الفعليّ عن مبدأ الأمميّة الإشتراكيّة ."
إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ، بجعلهم التعايش السلمي الخطّ العام للسياسة الخارجية ، قد صفّوا فى الواقع علاقات الأممية البروليتارية فى المساعدة المتبادلة و التعاون بين الأقطار الإشتراكية ، و وضعوا الأقطار الإشتراكية الشقيقة على نفس الصعيد مع الأقطار الرأسمالية . و هذا يعنى تصفية المعسكر الإشتراكي .
إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي قد قصروا من جانب واحد الخطّ العام للسياسة الخارجية للدول الإشتراكية على التعايش السلمي . و بودّنا أن نسأل : كيف يجب على قطر إشتراكي أن يعالج علاقاته مع الشعوب و الأمم المضطهَدة ؟ هل يجب أن تكون العلاقة بين البروليتاريا فى الحكم و بين إخوانها الطبقيّين الذين لم يحرّروا أنفسهم بعدُ ، أو بينها و بين جميع الشعوب و الأمم المضطهَدة ، مجرّد علاقة تعايش سلمي و ليس علاقة مساعدة متبادلة ؟
لقد أكّد لينين مرارا بعد ثورة أكتوبر أنّ وطن الإشتراكية الذى أسّس ديكتاتورية البروليتاريا ، هو قاعدة لتطوير الثورة البروليتارية العالمية . و قال ستالين أيضا : " إنّ الثورة التى إنتصرت فى قطر واحد يجب ألاّ تعتبر نفسها وحدة تكتفى بذاتها ، بل عونا و وسيلة للتعجيل بإنتصار البروليتاريا فى جميع الأقطار ." ( " ثورة أكتوبر وتكتيكات الشيوعيين الروس" ، المجموعة الكاملة للمؤلفات ، المجلّد 6 ) و أضاف : " إنها تشكّل ... قاعدة مانعة لتطوّرها تطوّرا أكثر، ( يعنى تطوّر الثورة العالمية )" ( نفس المصدر ) .
و لذلك فإنّ الأقطار الإشتراكية فى سياستها الخارجية لا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تقصر نفسها على معالجة علاقاتها مع الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة ، بل يجب عليها ايضا أن تعالج بشكل صحيح العلاقات بين الأقطار الإشتراكية و علاقاتها مع الشعوب و الأمم المضطهَدَة . و يجب عليها أن تجعل من تأييد النضالات الثوريّة التى تخوضها الشعوب و الأمم المضطهَدة واجبها الأممي و جزءا هاما من سياستها الخارجيّة .
و على نقيض لينين و ستالين ، يجعل خروشوف التعايش السلمي خطّا عاما للسياسة الخارجيّة للأقطار الإشتراكية ، و بعمله هذا ، يستثنى من هذه السياسة الواجب الأممي البروليتاري لتأييد و مساعدة النضالات الثوريّة التى تخوضها الشعوب و الأمم المضطهَدَة . إنّ هذا بعيد عن أن يكون " تطويرا خلاّقا " لسياسة التعايش السلمي ، بل هو خيانة للأمميّة البروليتارية بحجّة التعايش السلمي .
أمّا المسألة الثالثة فهي هل يمكن أن تكون سياسة التعايش السلمي للأقطار الإشتراكيّة الخطّ العام لجميع الأحزاب الشيوعيّة و الحركة الشيوعيّة العالميّة ؟ و هل يمكن أن تحلّ محلّ ثورة الشعوب ؟
إنّنا نعتقد بأنّ التعايش السلمي يقصد به علاقة بين الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة أي علاقة بين الأقطار المستقلّة ذات السيادة . و بعد الإنتصار فى الثورة فقط يصبح من الممكن و من الضروري للبروليتاريا أن تنتهج سياسة التعايش السلمي . أمّا بالنسبة للشعوب و الأمم المضطهَدَة فإنّ مهمّتها أن تكافح من أجل تحرّرها و الإطاحة بحكم الإستعمار و عملائه ، و لا ينبغى لها أن تمارس التعايش السلمي مع المستعمِرين و عملائهم كما ليس من الممكن لها أن تفعل ذلك .
و لذلك ، فمن الخطأ تطبيق التعايش السلمي على العلاقات بين الطبقات المضطهَدَة و المضطهِدة ، و بين الأمم المضطهَدة و المضطهِدة أو مدّ نطاق سياسة التعايش السلمي للبلدان الإشتراكية لتغدو سياسة للأحزاب الشيوعية و الشعوب الثوريّة فى العالم الرأسمالي أو لجعل النضالات الثوريّة للشعوب و الأمم المضطهَدة خاضعة لسياسة التعايش السلمي للبلدان الإشتراكيّة .
إنّنا نعتقد دائما بأنّ التطبيق الصحيح لسياسة لينين للتعايش السلمي من جانب الأقطار الإشتراكيّة يساعد على تطوير قوّتها و فضح سياسات الإستعمار العدوانيّة و الحربيّة و توحيد جميع الشعوب و الأقطار المعادية للإستعمار، و لذلك فهو يساعد نضالات الشعوب ضد الإستعمار و عملائه . و فى الوقت نفسه تساعد النضالات الثوريّة التى تخوضها شعوب العالم ضد الإستعمار و عملائه ، بضربها و إضعافها بصورة مباشرة القوى العدوانيّة و الحربيّة و الرجعيّة ، تساعد قضيّة السلم العالمي و التقدّم الإنساني ، و لذلك فهي تساعد نضال قضيّة السلم العالمي و التقدّم الإنساني ، و لذلك فهي تساعد نضال الأقطار الإشتراكيّة فى سبيل التعايش السلمي مع الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعيّة المختلفة . و هكذا فإنّ تطبيق الأقطار الإشتراكيّة الصحيح لسياسة لينين حول التعايش السلمي ينسجم مع مصالح النضالات الثوريّة للشعوب فى جميع الأقطار .
و مع ذلك فنضال الأقطار الإشتراكية من أجل التعايش السلمي مع الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة و ثورة الشعوب فى مختلف الأقطار ، هما شيئان مختلفان تماما .
لقد جاء فى رسالة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني المؤرّخة فى يوم 14 يونيو ( حزيران ) ردّا على رسالة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي :
" ... أنّ ممارسة التعايش السلمي بين البلدان ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة أمر . لا يسمح للبلدان التى تمارس التعايش السلمي ، و لا يمكنها أبدا ، أن تمسّ و لو شعرة من الأنظمة الإجتماعيّة للبلدان التى تتعايش معها سلميّا . أمّا الصراع الطبقي و النضال من أجل التحرّر الوطني و الإنتقال من الرأسمالية إلى الإشتراكية فى البلدان المختلفة فأمر آخر . و تلك كلّها نضالات ثوريّة حادة نضالات حياة و موت ، تهدف إلى تغيير النظام الإجتماعي . و لا يمكن أبدا أن يحلّ التعايش السلمي محلّ النضالات الثوريّة لدى الشعوب . و الإنتقال من الرأسمالية إلى الإشتراكية فى أي بلد يمكن تحقيقه فقط عبر الثورة البروليتارية و ديكتاتورية البروليتاريا فى ذلك البلد " .
و فى المجتمع الطبقي ، من الخطأ تماما إعتبار التعايش السلمي " الطريق المقبول الأفضل و الوحيد لحلّ القضايا ذات الأهمّية الحيويّة التى تواجه المجتمع " و " القانون الأساسي لحياة المجتمع المعاصر بأسره ". إنّ هذا لمسالمة إجتماعية تنكر الصراع الطبقي ، و خيانة واضحة للماركسية اللينينية .
لقد ميّز الرفيق ماو تسى تونغ فى عام 1946 بين هاتين القضيّتين و ذكر بوضوح أن المساومات بين الإتّحاد السوفياتي و بين الولايات المتّحدة و بريطانيا و فرنسا على بعض المشاكل " لا تتطلّب من شعوب مختلف بلدان العالم الرأسمالي أن تلجأ إلى مثلها فى داخل بلدانها ، ذلك أن شعوب هذه البلدان ستواصل خوض نضالات مختلفة طبقا للظروف المختلفة ". ( " بعض التقديرات حول الوضع الدولي الراهن " فى كراس " حديث مع المراسلة الأميركية أنّا لويس سترونغ " ، دار النشر باللغات الأجنبية ، بكين ، 1962، الطبعة العربية ، صفحة 2 ).
و هذه هي سياسة ماركسية لينينية صحيحة . و إسترشادا بهذه السياسة الصحيحة للرفيق ماو تسى تونغ واصل الشعب الصيني الثورة بحزم و عزم حتى النهاية و أحرز إنتصارا عظيما لثورته .
وعلى النقيض من هذه السياسة الماركسية اللينينية يساوى قادة الحزب الشيوعي السوفياتي بين مظهر واحد للسياسة التى تنهجها البروليتاريا الحاكمة فى مجال علاقات دولتها مع الأقطار ذات الأنظمة الإجتماعيّة المختلفة ، و بين الخطّ العام لجميع الأحزاب الشيوعيّة ، و يحاولون أن يحلّوا الأوّل محلّ الأخير طالبين من جميع الأحزاب الشيوعيّة و الشعوب الثوريّة وجوب إتّباع ما يسمّونه بالخطّ العام للتعايش السلمي . و بينما لا يرغبون هم أنفسهم فى الثورة ، يمنعون الآخرين من القيام بها . و بينما لا يقاومون هم أنفسهم الإستعمار ، يمنعون الآخرين من مقاومته .
إنّ الرسالة المفتوحة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي و أقوال خروشوف مؤخّرا قد أنكرتا هذا بشدّة ، و قيل إنّ إتهام قادة الحزب الشيوعي السوفياتي بتوسيع نطاق التعايش السلمي حتى يشمل العلاقات بين الطبقات المضطهَدة و المضطهِدة ، و بين الأمم المضطهَدة و المضطهِدة هو " إفتراء شنيع ". حتى أنّهم ذكروا زيفا و بهتانا أن التعايش السلمي " لا يمكن توسيعه حتى يشمل النضال الطبقي ضد رأس المال فى داخل الأقطار الرأسمالية و حتى يشمل حركة التحرّر الوطني " .
و لكن هذه المراوغة عبث لا طائل منه .
و بودّنا أن نسأل قادة الحزب الشيوعي السوفياتي : ما دامت سياسة التعايش السلمي تشكّل فقط مظهرا واحدا للسياسة الخارجية للبلدان الإشتراكية فلماذا قلتم حتى الآن إنّها تمثّل " الخطّ الإستراتيجي لمرحلة الإنتقال من الرأسمالية إلى الإشتراكية بكاملها على نطاق العالم " ؟ ( " فى سبيل وحدة و تضامن الحركة الشيوعية العالمية " ، مقال بقلم هيئة تحرير " البرافدا " ، 6 ديسمبر ( كانون الأول ) 1963) . ألستم بمطالبتكم الأحزاب الشيوعية فى جميع الأقطار الرأسماليّة و الأمم المضطهَدة أن تجعل التعايش السلمي خطّها العام ، تهدفون إلى إحلال سياستكم " للتعايش السلمي" محلّ الخطّ الثوري للأحزاب الشيوعية ، و تهدفون إلى مدّ نطاق سياسة التعايش السلمي و تطبيقها عمدا على العلاقات بين الطبقات المضطهَدة و المضطهِدة ، و بين الأمم المضطهَدة و المضطهِدة ؟
كما نودّ أنّ نسأل قادة الحزب الشيوعي السوفياتي : ما دامت الشعوب تحرز الإنتصار فى ثورتها بالإعتماد بشكل رئيسي على نضالاتها الخاصة ، فكيف يمكن لهذا الإنتصار أن يعزى للتعايش السلمي أو أن يوصف كثمرة له ؟ أولا تعنى مزاعمكم هذه إخضاع النضالات الثوريّة للشعوب لسياستكم حول التعايش السلمي ؟
و نودّ أيضا أن نسأل قادة الحزب الشيوعي السوفياتي : إنّ المنجزات الإقتصادية للبلدان الإشتراكية و الإنتصارات التى أحرزتها فى المباراة الإقتصاديّة مع البلدان الرأسماليّة ستلعب بدون شكّ دورا و مثالا وهي حافز للشعوب و الأمم المضطهَدة . و لكن كيف يمكن أن يقال إنّ الإشتراكية ستنتصر على نطاق العالم عن طريق التعايش السلمي و المباراة السلميّة بدلا عن طريق النضالات الثوريّة للشعوب ؟
إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي يروّجون القول بأنّ الإعتماد على التعايش السلمي و المباراة السلميّة وحدهما كاف " لتوجيه ضربة ساحقة إلى نظام العلاقات الرأسمالية بأسره " ، و تمهيد الطريق لتحقيق الإنتقال السلمي إلى الإشتراكية على نطاق العالم . و هذا يعادل القول بأن جميع الشعوب و الأمم المضطهَدة لا تحتاج أبدا إلى خوض النضال و القيام بالثورة و الإطاحة بالحكم الرجعي للإستعمار و الحكم الإستعماري و عملائهما ، بل عليها أن تنتظر بهدوء حتى تتفوّق مستويات الإنتاج و مستويات المعيشة فى الإتّحاد السوفياتي على مثيلاتها فى البلدان الرأسماليّة الأكثر تطوّرا ، حيث سيكون بمقدور جميع العبيد المضطهَدين و المستغَلين فى العالم بأسره الولوج إلى الشيوعية مع مضطهِديهم و مستغلّيهم . أوليست هذه محاولة من جانب قادة الحزب الشيوعي السوفياتي لإحلال ما يسمّونه بالتعايش السلمي محلّ النضالات الثورية للشعوب و لتصفية مثل هذه النضالات ؟
إنّ تحليلا لهذه المسائل الثلاث يجعل من الواضح أن خلافنا مع قادة الحزب الشيوعي السوفياتي هو خلاف أساسي مبدئي . وهو فى جوهره يتركّز فيما يلى : إنّ سياسنا للتعايش السلمي هي سياسة لينينيّة تستند إلى مبدأ الأمميّة البروليتاريّة و تفيد قضيّة مقاومة الإستعمار و الدفاع عن السلم العالمي و تتّفق مع مصالح النضالات الثوريّة للشعوب و الأمم المضطهَدة فى العالم قاطبة . إلاّ أنّ الخطّ العام المزعوم للتعايش السلمي الذى ينتهجه قادة الحزب الشيوعي السوفياتي هو خطّ معاد للينينية يتخلّى عن مبدأ الأمميّة البروليتارية و يضرّ بقضيّة مقاومة الإستعمار و الدفاع عن السلام العالمي و يخالف مصالح النضالات الثوريّة للشعوب و الأمم المضطهَدة فى العالم قاطبة .
الخطّ العام للتعايش السلمي لقادة الحزب الشيوعي السوفياتي يفى بحاجيات الإستعمار الأميركي
إنّ الخطّ العام للتعايش السلمي الذى ينتهجه قادة الحزب الشيوعي السوفياتي قد رفضته بحزم جميع الأحزاب الماركسيّة اللينينيّة و الشعوب الثوريّة و لكنّه قُوبل بالثناء الحار من قبل المستعمِرين .
إنّ الناطقين بلسان الرأسمال الإحتكاري الغربي لا يكتمون إعجابهم بالخطّ العام للتعايش السلمي لقادة الحزب الشيوعي السوفياتي . ( " إلى أي حدّ يجب أن نتودّد إلى نيكيتا ؟ " ، مجلة " تايم "، 9 مارس ( آذار) 1962) . و يقولون إنّ " رئيس الوزراء السوفياتي نيكيتا خروتشوف يتصرّف كسياسي أميركي" ( خطاب هاريمان نائب وزير الخارجية الأميركية فى التلفزيون، 18 أغسطس ( آب) 1963) ويقولون إنّ " الرفيق خروشوف يعتبر بالنسبة للعالم الحرّ أفضل رئيس وزراء لدى الروس . إنّه يؤمن حقا بالتعايش السلمي ". ( " كندى يساعد خروشوف" ، مجلة " تايم أند تايد " ، الربيطانية ، 18- 24 ابريل ( نيسان) 1963 ) . و يصرّحون إنّ " إمكانيّة تحسين العلاقات السوفياتية الأميركيّة هذه قد جعلت دوائر وزارة الخارجيّة الأميركيّة تشعر بأنّه ينبغى للولايات المتّحدة أن تسهّل لخروتشوف مهمّته فى نطاق حدود معيّنة ." ( نبأ من وكالة أجانس فرانس من واشنطن فى 14 يوليو ( تموز) 1963 حول التعليق الرسمي للحكومة الأميركية على الرسالة المفتوحة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي ) .
لقد ظلّ المستعمِرون دوما معادين لسياسة التعايش السلمي للبلدان الإشتراكية صارخين بأنّ " عبارة " التعايش" بالذات مستهجنة و مكروهة " و " دعنا نلقى بفكرة التعايش المؤقّت القلق إلى كومة المهملات ". ( خطاب تيرون نائب وزير الخارجية الأميركية السابق حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة يوم 20 ابريل ( نيسان) 1960). فلماذا يظهرون الآن إهتماما كبيرا كهذا بخطّ خروتشوف العام للتعايش السلمي ؟ ذلك أنّ المستعمِرين واثقون بفائدته لهم .
لقد ظلّ المستعمِرون الأميركيّون يتبنّون بثبات التكتيك المزدوج للحرب و السلام من أجل تحقيق أهدافهم الإستراتيجية فى تصفية ثورات الشعوب و إزالة المعسكر الإشتراكي من الوجود و بسط سيطرتهم على العالم . و عندما يجدون أن الوضع الدولي يتطوّر فى غير صالحهم يضطرّون للجوء بشكل متزايد إلى حيل السلام بينما يواصلون توسيع تسلّحهم و إستعداداتهم الحربيّة .
لقد إقترح جون فوستر دالاس فى عام 1958 بأنّ على الولايات المتّحدة أن تكرس نفسها " لإستراتيجية نبيلة " " لإنتصار سلمي " ( خطاب دالاس فى الغرفة التجاريّة بولاية كاليفورنيا يوم 4 ديسمبر ( كانون الأوّل ) 1958 ).
و بعد أن تولى كندي زمام الحكم واصل و طوّر " إستراتيجية سلام " دالاس و تشدّق ب " التعايش السلمي" . و قال " ...إنّنا فى حاجة إلى سلاح أفضل كثيرا من القنبلة الهيدروجينيّة ... إنّ السلاح الأفضل هو التعاون السلمي ." ( خطاب كندي فى الجمعية العمومية لهيئة المم المتحدة يوم 20 سبتمبر ( أيلول) 1963 ).
فهل يعنى هذا أنّ المستعمِرين الأميركيّين يقبلون حقّا التعايش السلمي ، أو كما يقول قادة الحزب الشيوعي السوفياتي يعترفون ب " حكمة و واقعية التعايش السلمي" ؟ كلاّ بالطبع .
إنّ قليلا من البحث الجدّي يسهلّ على المرء إكتشاف المعنى و الغرض الحقيقيّين " للتعايش السلمي" الذى يدعو له المستعمِرون . فما معناه و غرضه الحقيقيان ؟
أوّلا : يحاول المستعمِرون الأميركيّون جهدهم ، بإسم التعايش السلمي ، أن يغلّوا أيدى الإتّحاد السوفياتي و الأقطار الإشتراكية الأخرى و يمنعوها من مساندة النضالات الثوريّة لشعوب العالم الرأسمالي .
لقد قال دالاس :
" إنّ حكومة الإتّحاد السوفياتي يمكنها أن تضع حدّا " للحرب الباردة " إذا ما حرّرت نفسها من الإتّجاه الذى حدّدته الشيوعيّة العالميّة و سعت أوّلا إلى رفاهيّة الأمّة الروسيّة و الشعب الروسي . و كذلك يمكن أن تنهي " الحرب الباردة " إذا ما خلّت الشيوعيّة العالميّة عن أهدافها العالمية..." . ( حديث كندي مع آجوبي رئيس تحرير " الأزفستيا " ، 25 نوفمبر ( تشرين الثاني ) 1961) .
و قال كندي : إذا أريد تحسين العلاقات الأميركيّة السوفياتيّة يجب على الإتّحاد السوفياتي أن يتخلّى عن برنامجه " لتعميم الشيوعيّة فى العالم بأسره " كما يجب عليه أن " يتطلّع فقط إلى مصلحته الوطنيّة و إلى توفير حياة أفضل لشعبه فى ظروف سلميّة ". ( حديث كندي مع آجوبي رئيس تحرير " الأزفيستيا " ، 25 نوفمبر ( تشرين الثاني ) 1961) .
و قال راسك بوضوح أكثر : " لن يكون هناك سلم دائم أكيد حتى يتخلّى القادة الشيوعيّون عن هدفهم فى الثورة العالميّة ". و قال أيضا إنّ هناك " دلائل تبرم " لدى القادة السوفيت " حول أعباء و مخاطر إلتزاماتهم تجاه الحركة الشيوعيّة العالميّة ". و حتّى أنّه طلب من القادة السوفيت علنا بأن " يتقدّموا من هنا ملقين جانبا الوهم بإنتصار شيوعي عالمي " . ( خطاب راسك فى المؤتمر الوطني لفيلق المتقاعدين الأميركيين، 10 سبتمبر ( أيلول) 1963 ) .
إنّ معنى هذه الكلمات واضح جدّا . فالمستعمِرون الأميركيّون يصفون النضالات الثوريّة التى تخوضها الشعوب و الأمم المضطهَدَة فى العالم الرأسمالي من أجل تحرّرها بأنّها حصيلة لمحاولات الأقطار الإشتراكية " تعميم الشيوعيّة فى العالم بأسره ". و هم يقولون للقادة السوفيت : هل تريدون أن تعيشوا بسلام مع الولايات المتّحدة ؟ حسنا جدّا ! لكن شريطة أن لا تؤيّدوا النضالات الثوريّة للشعوب و الأمم المضطهَدة فى العالم الرأسمالي ، و يجب أن تتعهّدوا بأنّها لن تهبّ بالثورة . و وفقا لأوهام المستعمِرين الأميركيّين ، فإنّ هذا سيطلق العنان لهم لإخماد الحركات الثوريّة فى العالم الرأسمالي و للسيطرة على سكّانه الذين يشكّلون ثلثي سكّان العالم و إستعبادهم .
ثانيا ، يحاول المستعمِرون الأميركيّون ، بإسم التعايش السلمي ، أن يندفعوا قدما بسياستهم فى " التحوّل السلمي" تجاه الإتّحاد السوفياتي و الأقطار الإشتراكية الأخرى و يعيدوا الرأسماليّة هناك .
لقد قال دالاس : " إنّ عدم إستخدام القوّة ... يعنى عدم الإحتفاظ بالوضع القائم ، بل يعنى تغييرا سلميّا ". ( خطاب دالاس فى مأدبة تقديم الجوائز لجمعيّة المحامين بولاية نيويورك ، 31 يناير ( كانون الثاني ) 1959) . " فلا يكفى أن تقف موقف الدفاع . إنّ الحرّية يجب أن تكون قوّة إيجابيّة تستطيع أن تتغلغل ". ( خطاب دالاس فى الغرفة التجارية بولاية كاليفورنيا يوم 4 ديسمبر ( كانون الأوّل ) 1958 ) . و " نحن نأمل فى تشجيع تحوّل داخل العالم السوفياتي". ( شهادة دالاس أمام لجنة الشئون الخارجية التابعة لمجلس النواب ، 8 فبراير ( شباط ) 1959 ) .
و قال أيزنهاور : إنّ كلّ ما تستطيع الولايات المتّحدة القيام به بالوسائل السلميّة سيجرى القيام به " من أجل أن تحصل فى النهاية تلك الشعوب التى تقع تحت عبوديّة ديكتاتوريّة طاغية على الحقّ فى تقرير مصائرها عن طريق الإنتخاب الحرّ ". ( خطاب ايزنهاور فى المؤتمر البولندي – الأميركي فى شيغاغو ، 30 سبتمبر ( أيلول ) 1960) .
و قال كندي : إنّ " الواجب هو أن نبذل كلّ ما بوسعنا لنرى أن التغيّرات التى تجرى ... فى الإمبراطوريّة السوفياتيّة و جميع القارات... تقود إلى حرّية أكثر لعدد أكبر من الناس و إلى السلام العالمي " .( كتاب كندي " إستراتيجية السلم "، صفحة 199) .
و صرّح بأنّه " سينتهج سياسة تشجيع الحرّية بصبر و الضغط على الطغيان بحذر" تجاه الأقطار الإشتراكيّة فى أوروبا الشرقيّة من أجل توفير " إنتخاب حرّ " لشعوب هذه الأقطار . ( خطاب كندى فى المؤتمر البولندي – الأميركي فى شيغاغو ، اليوم الأوّل أكتوبر ( تشرين الأوّل) 1960 ) .
إنّ معنى هذه الكلمات واضح جدّا أيضا . فالمستعمِرون الأميركيّون يفترون على النظام الإشتراكي بأنّه " ديكتاتوري " و " طاغ " ، و يصفون إعادة الرأسماليّة بأنّها " إنتخاب حرّ ". و هم يقولون للقادة السوفيت : هل ترغبون فى العيش بسلام مع الولايات المتحدة ؟ حسن جدّا ! و لكن هذا لا يعنى أنّنا نعترف بالوضع القائم فى الأقطار الإشتراكيّة . و على النقيض من ذلك ، يجب إعادة الرأسمالية هناك و بمعنى آخر ، فالمستعمِرون الأميركيّون لن يرضوا أبدا بحقيقة أنّ ثلث سكّان العالم قد إنطلق فى الطريق الإشتراكي ، و سيحاولون دوما القضاء على جميع الأقطار الإشتراكيّة .
و بإختصار ، فإنّ ما يسمّيه المستعمِرون الأميركيّون بالتعايش السلمي يعنى ما يلى : لا يسمح لشعب يعيش تحت السيطرة و العبوديّة الإستعماريّتين بأن يجاهد فى سبيل تحرّره ، و ينبغى لجميع أولئك الذين حرّروا أنفسهم ، أن يعودوا مرّة ثانية تحت السيطرة و العبوديّة الإستعماريّتين ، و يجب على العالم أجمع أن ينضمّ إلى " المجموعة العالمية ( الأمريكيّة ) للأمم الحرّة ".
و هكذا من السهل على المرء أن يرى لماذا يستسيغ المستعمِرون الأميركيون تماما خطّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي العام للتعايش السلمي .
فبحجّة التعايش السلمي ، يبذل قادة الحزب الشيوعي السوفياتي قصارى جهودهم ليتزلّفوا للإستعمار الأميركي ، و يخدموا سياسته السلميّة المخادعة عن طريق الزعم بإستمرار بأنّ ممثّلى الإستعمار الأميركي " يهتموّن بالسلام ".
و بحجّة التعايش السلمي ، يمدّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي نطاق سياسة التعايش السلمي و يطبّقونها على العلاقات بين الطبقات المضطهَدة و المضطهِدة ، و بين الأمم المضطهَدة و المضطهِدة ، و هم يعارضون الثورة ، و يحاولون تصفيتها . و هذا يستجيب بالضبط لمتطلّبات المستعمِرين الأميركيّين بأنّ على الدول الإشتراكيّة أن لا تؤيّد ثورات الشعوب فى العالم الرأسمالي .
و بحجّة التعايش السلمي ، يحاول قادة الحزب الشيوعي السوفياتي إحلال التعاون الطبقي الدولي محلّ النضال الطبقي الدولي ، و يدعون إلى " تعاون شامل " بين الإشتراكيّة و الإستعمار ، و هكذا يفتحون الباب للتغلغل الإستعماري فى الأقطار الإشتراكيّة . إنّ هذا يستجيب بالضبط لحاجات سياسة " التحوّل السلمي" الإستعماريّة الأميركيّة .
إنّ المستعمِرين دوما أفضل أساتذة لنا بمثالهم السلبي . فدعنا نسرد هنا مقطعين من خطاب ألقاه دالاس بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي .
" ... لقد قلت ... إن هناك دليلا على وجود قوى داخل الإتّحاد السوفياتي تتطلّع إلى مزيد من الليبرالية ... إذا ما إستمرّت هذه القوى فى النموّ و واصلت إستجماع قوّتها داخل الإتّحاد السوفياتي ، لأمكننا أن نعتقد ، و أن نأمل بحقّ ، كما قلت ، فى عقد من الزمن أو ربّما فى جيل واحد بتحقيق الهدف العظيم لسياستنا ، وهو ظهور روسيا حيث يحكم أناس يستجيبون لرغبات الشعب الروسي ، و قد تخلّوا عن مطامعهم الجشعة فى حكم العالم ، و يمتثلون لمبادئ الأمم المتحضّرة و تلك المبادئ التى تضّمنها ميثاق الأمم المتّحدة " . ( مؤتمر صحافي عقده دالاس فى يوم 15 مايو ( أيار ) 1956 ).
ثمّ إستطرد يقول : " ... إنّ المطمح البعيد المدى ، و حقّا أستطيع أن أقول اليقين البعيد المدى ، هو أنّه سوف يكون هناك تحوّل فى السياسات الراهنة للحكّام السوفيت بحيث أنّهم سيغدون قوميّين أكثر ، و أمميّين أقلّ ." ( مؤتمر صحافي عقده دالاس فى يوم 28 أكتوبر ( تشرين الأول ) 1958).
و الواضح أن شبح دالاس كان يلازم متلبّسا خونة الماركسية اللينينية و الأممية البروليتارية ، بحيث أنّهم أصبحوا مذهولين بالخطّ العام " للتعايش السلمي " حتى أنّهم لم يفكّروا ليروا كيف أنّ أعمالهم تستجيب لرغبات الإستعمار الأميركي .

التعاون السوفياتي الأميركي هو قلب و روح الخطّ العام للتعايش السلمي لقادة الحزب الشيوعي السوفياتي
إن قادة الحزب الشيوعي السوفياتي بينما ظلّوا يتغنّون بالتعايش السلمي فى السنوات الأخيرة لم ينتهكوا فى الواقع مبدأ الأمميّة البروليتاريّة فحسب ، بل إنّهم لم يمتثلوا أيضا لمبادئ التعايش السلمي الخمسة فى مسلكهم تجاه الصين و عدد من الأقطار الإشتراكيّة الأخرى . و إذا تحدّثنا بصراحة فإنّ دعوتهم المستمرّة للتعايش السلمي كخطّ عام لسياستهم الخارجيّة يعادل الطلب بأنّ على جميع الأقطار الإشتراكيّة و الأحزاب الشيوعيّة أن تخضع لأمنيتهم العزيزة فى التعاون السوفياتي الأميركي .
إنّ قلب و روح الخطّ العام للتعايش السلمي الذى ينتهجه قادة الحزب الشيوعي السوفياتي هو التعاون السوفياتي الأميركي للسيطرة على العالم .
أنظروا إلى التصريحات العجيبة التى أطلقوها :
" إنّ أكبر دولتين معاصرتين – الإتحاد السوفياتي و الولايات المتحدة – قد خلّفتا بعيدا أي بلد آخر فى العالم " . ( ن.ن.ياكوفليف : بعد 30 عاما ..." ، الكرّاس الذى كتبه بمناسبة الذكرى السنوية الثلاثين لتأسيس العلاقات الديبلوماسية السوفياتية الأميركية ) .
" كلّ من هاتين الدولتين يقود مجموعة كبيرة من الدول ، فالإتحاد السوفياتي يقود النظام الإشتراكي العالمي ، و الولايات المتّحدة تقود المعسكر الرأسمالي " ( نفس المصدر السابق ) .
" إنّنا ( أي الإتحاد السوفياتي و الولايات المتحدة ) أقوى بلدين فى العالم ، و إذا ما إتّحدنا فى سبيل السلام فلن تكون هناك حرب . و بالتالى إذا ما أراد أي مجنون فى ذلك الوقت الحرب ، فما علينا إلاّ أن نهزّ أصابعنا إنذارا له " ( مقابلة صحافية لخروشوف مع مراسل أميركي س. ل. سولسبيرقر، 5 سبتمبر ( أيلول) 1961 ) .
" ... إذا ما كان هناك إتّفاق بين ن . س . خروشوف رئيس الحكومة السوفياتية ، و جون كندي رئيس الولايات المتّحدة ، فسيكون هناك حلّ للقضايا الدوليّة التى تعتمد عليها مصائر البشرية " ( خطاب غروميكو فى مجلس السوفيات الأعلى للإتحاد السوفياتي ، 13 ديسمبر ( كانون الأوّل) 1962 ).
إنّنا نودّ أن نسأل قادة الحزب الشيوعي السوفياتي : طالما كان تصريح عام 1957 و بيان عام 1960 يقولان بوضوح إن الإستعمار الأميركي هو ألدّ عدوّ لشعوب العالم و القوّة الرئيسيّة للعدوان و الحرب ، فكيف يمكنكم أن " تتّحدوا " مع العدوّ الرئيسي للسلام العالمي " لصيانة السلام " ؟
إنّنا نودّ أن نسألهم : هل من الممكن أن لا يكون هناك حقّ لأكثر من مائة بلد و أكثر من ثلاثة آلاف مليون من الناس فى تقرير مصيرهم ؟ و هل يجب عليهم أن يخضعوا ، سمعا و طاعة ، لسيطرة " العملاقين" و " أعظم دولتين" ، و الإتّحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة ؟ أو ليس هذيانكم المغرور هذا تعبيرا عن تعصّب الدولة الكبرى ظاهرا و باطنا و عن سياسات القوّة قلبا و قالبا ؟
إنّنا نودّ أن نسألهم كذلك : هل تتصوّرون حقّا أنّه إذا ما توصّل الإتّحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة وحدهما إلى إتّفاق ، و إذا ما توصّل " الرجلان العظيمان " إلى إتّفاق ، فإنّ مصير البشريّة سيتقرّر و جميع المشاكل الدوليّة ستسوّى ؟ إنّكم مخطئون ، و مخطئون أفدح الخطأ. ذلك أنّه منذ العهد المغرق فى القدم لم تكن الأمور تحدث بهذه الطريقة ، ناهيك عن إحتمال حدوثها على هذا النحو فى ستّينات القرن العشرين . إنّ العالم اليوم حافل بالتناقضات المعقّدة ، التناقض بين المعسكرين الإشتراكي و الإستعماري ، و التناقض بين البروليتاريا و البورجوازية فى الأقطار الرأسمالية ، و التناقض بين الأمم المضطهَدة و الإستعمار، و التناقضات فيما بين الأقطار الإستعماريّة . فهل سختفى هذه التناقضات إذا ما توصّل الإتّحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة إلى إتّفاق ؟
إنّ البلد الوحيد الذى يتطلّع إليه قادة الحزب الشيوعي السوفياتي هو الولايات المتّحدة . ففى سبيل تحقيق التعاون السوفياتي الأميركي ، لا يتورّعون عن خيانة حلفاء الشعب السوفياتي الحقيقيّين، بما فى ذلك إخوانهم الطبقيّون و جميع الشعوب و الأمم المضطهَدة ، التى لا تزال تعيش تحت النظام الإستعماري – الرأسمالي .
إنّ قادة الحزب الشيوعي السوفياتي يسعون جاهدين لتحطيم المعسكر الإشتراكي . ويستخدمون كلّ نوع من الأكاذيب و الإفتراءات ضد الحزب الشيوعي الصيني ، و يقومون بالضغط السياسي و الإقتصادي على الصين . أمّا بالنسبة لألبانيا الإشتراكية فلن يرضيهم شيء أقلّ من القضاء عليها . و قد قاموا بالضغط ، يدا بيد مع الإستعمار الأميركي ، على كوبا الثوريّة ، طالبين منها التضحية بسيادتها و كرامتها .
و يسعى قادة الحزب الشيوعي السوفياتي جاهدين لتخريب النضالات الثوريّة التى تخوضها الشعوب ضد الإستعمار و عملائه . هم يعملون كمبشّرين للإصلاح الإجتماعي ، و يشلّون الإرادة الكفاحيّة الثوريّة للبروليتاريا و حزبها السياسي فى مختلف الأقطار . و من أجل التمشّى مع حاجات الإستعمار ، يخرّبون حركة التحرّر الوطني ، و يصبحون أكثر فأكثر مدافعين وقحين عن الحكم الإستعماري الأميركي الجديد .
فما الذى حصل عليه قادة الحزب الشيوعي السوفياتي من الإستعمار الأميركي مقابل الجهود النشيطة التى بذلوها و الثمن المرتفع الذى دفعوه فى سبيل تحقيق التعاون السوفياتي الأميركي ؟
فمنذ عام 1959 ، أصبح خروشوف مشغول البال بإجتماعات الذروة بين الإتّحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة . فقد راودته أحلام عديدة محبّبة و نشر الكثير من الأوهام حولها . و إمتدح أيزنهاور بحرارة بأنّه " رجل عظيم " " يدرك السياسات الكبرى " ( خطاب خروشوف فى مأدبة أقامها عمدة نيويورك على شرفه ، 17 سبتمبر ( أيلول ) 1959) . و قد أثنى بحماس على كندي ك " رجل يتفهّم المسؤولية العظمى التى تقع على كاهل حكومتي دولتين قويّتين مثل هاتين الدولتين " ( خطاب خروشوف فى الراديو و التلفزيون يوم 15 يونيو ( حزيران) 1961) .
هذا و قد أقام قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ضجّة كبرى حول " روح كامب دافيد " ، و زعموا أن إجتماع فيينا " حدث ذو أهمّية تاريخيّة ". و قد إدّعت الصحافة السوفياتيّة أنّه إذا ما جلس رئيسيا الإتّحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة على نفس المنضدة ، سيصل التاريخ إلى " نقطة تحوّل جديدة " ، و أنّه إذا ما تصافح " الرجلان العظيمان " فإنّ مصافحتهما ستدشّن " عصرا جديدا " فى العلاقات الدوليّة .
و لكن كيف يعامل الإستعمار الأميركي قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ؟ لقد صرّح أيزنهاور بعد أكثر من شهر بقليل من محادثات كامب دافيد ، قائلا : " إنّنى لم أعرف أيّ روح لكامب دافيد " . و بعد سبعة أشهر من المحادثات أرسل طائرة التجسّس يوتو لتتوغّل فى الإتّحاد السوفياتي ، محطّما بذلك مؤتمر الذروة للدول الأربع . هذا و لم يمض وقت طويل على إجتماع فيينا ، حتى تقدّم كندي بالشروط المتعجرفة التالية لعشرين سنة من السلم بين الإتّحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة وهي إمتناع الإتّحاد لسوفياتي عن تأييد النضالات الثوريّة لأيّ شعب ، و إعادة الرأسماليّة إلى الأقطار الإشتراكيّة فى أوروبا الشرقيّة . و بعد عام أو أكثر من إجتماع فيينا ، أمر كندي بفرض حصار عسكري قرصني على كوبا و خلق أزمة الكاريبي .
و بعد البحث و التنقيب بين الأسافل و الأعالي ، و التنبيش بين الأحياء و الأموات ، أين يمكن للمرء أن يجد " روح كامب دافيد " و " نقطة تحوّل فى تاريخ البشرية " و " عصرا جديدا فى العلاقات الدولية " ؟
و بعد توقيع المعاهدة الثلاثيّة للحظر الجزئي للتجارب النوويّة ، قام قادة الحزب الشيوعي السوفياتي بدعاية كبيرة لما يسمّى بروح موسكو . فقد تحدّثوا عن الحاجة إلى " الضرب على الحديد الساخن " ، و قالوا " إنّ الشروط المؤاتية متوفّرة " لدى الإتّحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة للتوصّل إلى المزيد من الإتّفاقيات ، و أعلنوا أن إتّخاذ موقف " الإنتظار" و " ليس هناك من عجلة " أمر سيّء . ( مقال بقلم مراقب نشر فى " ألزفيستيا " ، 21 أغسطس ( آب) 1963) .
و ما هي " روح موسكو " ؟ دعنا ننظر إلى الأحداث الأخيرة : لقد عقد قادة الحزب الشيوعي السوفياتي إجتماعا فى موسكو من أجل خلق جوّ أرحب " للتعاون السوفياتي الأميركي " و ذلك إحتفالا بالذكرى الثلاثين لإقامة العلاقات الديبلوماسية بين الإتّحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة . و فى الوقت ذاته ، أرسلوا وفدا ثقافيّا إلى الولايات المتّحدة لحضور الإحتفالات هناك . و لكن ماذا كانت حصيلة حماس قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ؟ لقد رفض كافة موظّفي السفارة الأميركيّة فى موسكو حضور إجتماع موسكو ، و أصدرت وزارة الخارجيّة الأمريكيّة مذكّرة خاصة تطلب فيها من الرأي العام الأمركي مقاطعة الوفد الثقافي السوفياتي ، الذى شُجب أعضاؤه على أنّهم " أناس خطرون للغاية و مريبون ".
و بينما كان قادة الحزب الشيوعي السوفياتي يدعون إلى " التعاون السوفياتي الأميركي " أرسلت الولايات المتّحدة الجاسوس بارجورن ليقوم بالتجسّس فى الإتّحاد السوفياتي . و لكن بعد أن هدّد كندي بأن نجاح صفقة القمح بين الولايات المتّحدة و الإتّحاد السوفياتي " يعتمد على جوّ معقول فى كلا البلدين " ، هذا الجوّ الذى وصفه بأنّه قد " تضرّر كثيرا بإعتقال بارجورن " ، بادرت الحكومة السوفياتيّة إلى إطلاق سراح الجاسوس الأميركي بسرعة بدون أي محاكمة ، بسبب " قلق كبار المسؤولين الأميركيّين على مصير بارجورن " ، أي على مصير جاسوس " أكّدت التحقيقات ... أنّه قد قام بنشاطات تجسّسيّة ضد الإتّحاد السوفياتي " .
هل كلّ هذه المظاهر ل " روح موسكو " ؟ إذا كان الأمر كذلك ، فإنّه لمحزن جدّا .
موسكو العاصمة الباهرة لأوّل قطر إشتراكي ، و الإسم المجيد الذى تعزّه الملايين العديدة من البشر فى العالم قاطبة منذ ثورة أكتوبر العظمى ! إنّ هذا الإسم يستخدمه الآن قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ليستروا ممارستهم القذرة للتواطؤ مع المستعمِرين الأميركيّين . يا له من عار لم يسبق له مثيل !
كم من مرّة تفوّه قادة الحزب الشيوعي السوفياتي بكلمات معسولة عن المستعمِرين الأميركيّين و إستجدوهم الحسنات ، و كم من مرّة صبّوا غضبهم على الأقطار و الأحزاب الشقيقة و قاموا بالضغط عليها ، و كم من الحيل و الأحابيل العديدة قاموا بها حيال الشعوب الثوريّة فى مختلف الأقطار ! لم يكن كلّ ذلك إلاّ من أجل إستجداء " الصداقة " و " الثقة " من الإستعمار الأميركي . و لكن بينما تذبل الزهور من عطش الحبّ ، يواصل الجدول القاسي القلب خريره غير عابئ . إنّ كلّ ما تلقاه قادة الحزب الشيوعي السوفياتي من المستعمِرين الأميركيِّين هو الإهانة ثم الإهانة و الإهانة على الدوام !
بعض النصائح إلى قادة الحزب الشيوعي السوفياتي
هل حدث فى أيّة مناسبة خلال أيّام المقاومة القاسية للتدخّل الإستعماري المسلّح و وسط اللهيب المتأجّج للحرب الوطنيّة الكبرى ، تحت قيادة لينين و ستالين أن إنحنى الشعب السوفياتي العظيم أمام المصاعب ؟ وهل ركع مرّة واحدة أمام العدوّ؟ و اليوم ، قد أصبح الوضع العالمي أكثر ما يكون مؤاتاة للثورة ، و الإشتراكية أكثر منعة من أي وقت مضى ، و لم يكن الإستعمار ليواجه أبدا مثل هذه المصاعب ، و مع ذلك يا لها من صورة مخزية يرهب بها الإستعمار الأميركي أوّل دولة إشتراكية أسّسها لينين ، و يا لها من صورة مخزية يمتهن بها قادة الحزب الشيوعي السوفياتي المعسكر الإشتراكي ! هل من المعقول إذن لنا ، و لأيّ ماركسي لينيني ، أو شعب ثوريّ ألاّ يأسوا و يحزنوا لهذا ؟
و هنا نودّ أن نقدّم بعض النصائح المخلصة لقادة الحزب الشيوعي السوفياتي .
إنّ لدي الولايات المتّحدة ، أشرس بلد إستعماري ، هدفا إستراتيجيّا جنونيّا هو السيطرة على العالم ، فهي تقمع النضالات الثوريّة التى تخوضها الشعوب و الأمم المضطهَدَة بشكل مسعور ، و قد أعلنت صراحة عن نيّتها بإعادة أوروبا الشرقيّة إلى ما يسمى ب " المجموعة العالميّة للأمم الحرّة " ، فكيف لكم أن تتصوّروا أن أقسى ضربات المستعِمرين الأميركيّين خلال متابعتهم خطّطهم العدوانية للسيطرة على العالم بأسره ستنزل على رؤوس الآخرين فقط ، و ليس على رأس الإتّحاد السوفياتي ؟
إنّ الولايات المتّحدة بلد إستعماري ، و الإتّحاد السوفياتي بلد إشتراكي . فكيف يمكنكم أن تتوقّعوا " تعاونا شاملا " بين بلدين لهما نظامان إجتماعيّان مختلفان تماما ؟
إنّ هناك خداعا و تنافسا حتى بين الولايات المتّحدة و الدول الإستعماريّة الأخرى ، و لن تقنع الولايات المتّحدة إلاّ بعد أن تدوس هذه الدول بالأقدام . فكيف يمكنكم إذن أن تتصوّروا أنّ الولايات المتّحدة الإستعماريّة ستعيش فى وئام مع الإتحاد السوفياتي الإشتراكي ؟
أيّها الرفاق قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ! فكّروا فى الأمر مليّا بحكمة و رويّة . هل يمكن الإعتماد على الإستعمار الأميركي عندما تهب العاصفة فى العالم ؟ لا ! إنّ المستعمِرين الأميركيّين لا يُعتمد عليهم ، شأنهم شأن كلّ المستعمِرين و الرجعيّين . إنّ الحلفاء الذين يعتمد الإتّحاد السوفياتي عليهم هم فقط بلدان المعسكر الإشتراكي الشقيقة ، و الأحزاب الماركسية اللينينية الشقيقة ، و جميع الشعوب و الأمم المضطهَدَة .
إنّ قوانين التطوّر التاريخي تعمل مستقلّة عن إرادة أي شخص . و ليس من أحد يستطيع القضاء على المعسكر الإشتراكي و الحركة الثوريّة للشعوب و الأمم المضطهَدَة ، أو أن يمنعها من النموّ . إنّ الذى يخون شعوب المعسكر الإشتراكي و العالم ، و يحلم بالسيطرة على الكرة الأرضيّة ، بالتواطؤ مع الإستعمار الأميركي ، لا بدّ أن ينتهي إلى نهاية سيئة . و من الخطأ و الخطر جدّا لقادة الحزب الشيوعي السوفياتي أن يفعلوا ذلك .
إنّ الوقت لم يفت بعدُ على قادة الحزب الشيوعي السوفياتي ليكبحوا جماح أنفسهم على شفير الهاوية . لقد حان لهم الوقت لينبذوا خطّهم العام للتعايش السلمي و يعودوا إلى سياسة لينين للتعايش السلمي ، إلى طريق الماركسية اللينينية و الأمميّة البروليتارية .