هل تحولت روسيا الى دولة إمبريالية؟


رياض حسن محرم
2015 / 7 / 11 - 03:37     

مازل أغلبية اليساريين يحلمون بعودة الإتحاد السوفييتى الى الوجود مرّة أخرى ليصارع اذلك الوحش الإمبريالى الرأسمالى وإنفراده بالسوق وتغوله على شعوب الأرض التى ناءت بصور الإستغلال والقهر والإستلاب، وقد حلل "لينين" بعبقرية فى كتابه " الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية – 1916 - " الذى قدم فيه عرضا تفصيليا ممنهجا للإمبريالية فى سماتها الأساسية الخمس:
1- تركيز رأس المال والإنتاج ونشوء الإحتكارات التى تسم كل الحياة الاقتصادية للإمبريالية.
2- إندماج رأس المال المصرفى مع رأس المال الصناعى فى شكل واحد هو رأس المال المالى.
3- تحول رأس المال المالى الى قوة مستقلة عابرة للقارات فى صور قروض وضمانات بنكية وشركات متعددة الجنسيات.
4- تكون الشركات المتعددة الجنسيات العابرة للحدود وتقسيم العالم إقتصاديا بينها فى شكل حروب عالمية أو إتفاقيات شراكة.
5- إكتمال تقسيم العالم بين تلك الرساميل والكارتيلات الضخمة والهيمنة على أسواق الدول الفقيرة ذات الموارد الطبيعية الكبيرة وعلى سياستها الخارجية أيضا بنفس طبيعة الفيروس الذى يستوطن الخلية ويجعلها تعمل لحسابه.
فى ظل سياسات "العولمة" تستمر المنافسة بين الدول الإمبريالية ليس فى الصراع على الأسواق فقط ولكن فى نوعية السلع المعروضة وجودتها وفعاليتها وأسعارها خاصة أنواع الأسلحة الفتاكة وتحرص تلك الدول على إستمرار الصراعات المحلية وخلق أنواع جديدة من الصراعات لمزيد من بيع تلك الأسلحة وإعادة تقطيع أوصال تلك الدول الى دويلات متناحرة وتأجيج الصراعات الدينية والطائفية والحروب الأهلية لتسهيل نفاذ تلك الرساميل الى أسواقها وتسهيل إخضاعها لرغباتهم، لذا فإنها تهتم بالضرورة بتطوير الأبحاث العلمية والتقنيات الحديثة والإستيلاء على العقول لتظل متفردة على الأقل بمجموعة متميزة من المنتجات، بينما تعمل تلك الرأسماليات المتوحشة على إدارة أزماتها داخليا كما يلعق الوحش الجريح جراحه لتضميدها داخل نفس الإطار الرأسمالى باستخدام أدواتها من منظمة التجارة العالمية والبنك والصندوق الدوليين ونتذكر هنا مقولة "كارل ماركس" ( إذا إنتعش الربح لدى الرأسمالى تنتعش روحه، من ينعش من؟ ، الربح ينعش الرأسمالى والرأسمالى ينعش الربح..إنها سياسة جدلية)، وليس هناك ما يمنع من إستعارة بعض الحلول من النظرية الإشتراكية للإسراع فى تلك الحلول أى أن تلك الإستعارات هى فى الشكل والمظهر وليس العمق والجوهر، ووإذا كانت الرأسمالية قد تفوقت على المنظومة الإشتراكية فى إيجاد تلك الحلول فإن الأخيرة لم تكن على نفس المستوى من الديموقراطية السياسية فى تجديد نفسها ومراجعة أخطائها وتصحيح تلك الأخطاء الأمر الذى أدى بها أن تدور فى نفس مشاكلها وتخبطها فى ما سمى بالبروسترويكا والجلانوست وتقديم السياسة على الإقتصاد حتى غرقت تماما وإنتهى الأمر بانهيار الإتحاد السوفييتى والإنتقال من ذرى الإشتراكية الى مستنقع الرأسمالية ولكن بطابع مشوه وولادة مبتسرة.
لقد كان أهم الأسباب فى فشل التطبيق الإشتراكى هو دخوله فى منافسة غير متكافئه فى تطوير وصناعة الأسلحة والإلكترونيات والكمبيوتر والمعلوماتية وهندسة الجينات وإكتشاف الفضاء وتطوير الطاقة الأصيلة والبديلة، وبإنهيار الإتحاد السوفييتى فقد دخل النظام الروسى بكلتا قدميه دورة الإنتاج الرأسمالى ومن ثم الى مرحلة الإمبريالية الإقتصادية فالإمبريالية واحدة ولها نفس الصفات سواء جاءت من الغرب أو من الشرق تلك الخصائص التى حللها لينين كما ذكرنا، وهاهى روسيا فى ظل بوتين تلعب نفس الدور إقليميا وعالميا وخاصة تصدير الأسلحة فى حروب إقليمية تحاول بها اللحاق بما يمكنها من كعكة العالم، وتحاول لى ذراع الغرب فى الأزمة الأوكرانية والقرم وتعميق علاقتها مع إيران ولا مانع لديها أن تدخل فى منافسة مع الإمبريالية الغربية على أسواق السلاح فى الخليج أيضا، وعموما فتجارة السلاح لا تعرف الأيدولوجيا أو العواطف وفى هذا المجال يندمج رأس المال المصرفى الإحتكارى الروسى مع الرأسمال الصناعى الإحتكارى اللذان يشكلان رأس المال المالى ضمن رأسمالية الدولة ونفوذها وبهذا نتلمس نفس الصفات وهى ما نراه صراعا يعكس أقطاب شركات إمبريالية متعددة الجنسيات من أجل إستعادة تقسيم العالم، مستخدمة كونها الوريث الشرعى للإتحاد السوفييتى بسمعته العالمية السابقة وعلاقاته المتعددة مع دول الجنوب ومستفيدة من حق الفيتو فى مجلس الأمن الدولى.
لقد أخذ التوتر فى العلاقة بين روسيا ودول الغرب الإمبريالية منحى جديدا بعد تفجّر الأزمة الأوكرانية وظهور ما يشبه "الحرب الباردة" بعد العقوبات الإقتصادية الغربية على روسيا فى نفس الوقت الذى ترحب فيه تلك الدول على عكس ما يبدو بالدور الروسى فى إستضافة المعارضة السورية على أرضها وتشركها فى المفاوضات حول الملف النووى مع إيران ولا مانع لديها من إمكانية مشاركتها فى حل للأزمة اليمنية، إن ما يحقق نوعا من الإلتباس هومحاولة الدب الروسى تسويق نفسه كرأسمالية مستقلة تقاوم الهيمنة الأمريكية على العالم ولكن ليس تلك هى الحقيقة بكامل أبعادها فروسيا بوتين بكل الأحوال تخشى شبح العزلة بعد أن تشابك إقتصادها بالإقتصاد الرأسمالى العالمى الى حد بعيد وخصوصا أن هذا الإقتصاد يهيمن عليه الطابع الريعى نتيجة الإعتماد الكبير على تصدير النفط والغاز "(70%) من الناتج القومى" ويرتبط عضويا بالمراكز الإمبريالية التى يمكن أن تضغط بخفض أسعار النفط مثلا، علما بأن الولايات المتحدة تسعى للتحالف مع روسيا لإحساسها بالخطر تجاه تمدد الإسلام السياسى بأحدث نسخه "داعش" والأزمات المتعددة فى المنطقة التى تتمنى أن يتشاركا فى مواجهتها مع الإحتفاظ بدور تابع لروسيا وليس دورا مستقلا تماما ولهذا تعمل على الضغط والحصار عليها من أجل الوصول الى تحالف يخدم السياسة الإمبريالية الأمريكية فى الأساس ولا مانع من تساقط بعض الثمار فى سلة الرأسمالية الروسية وفى هذا الإطار فالمرجح أن توافق أمريكا على حل للأزمة الأوكرانية يتمثل فى الموافقة على ضم شبه جزيرة القرم وتشكيل فيدرالية أوكرانية بحيث يبقى لروسيا الهيمنة على الجانب الشرقى والتوافق على حل ما فى سوريا يشارك نظام الأسد فى تحديده والعمل المشترك فى مواجهة داعش وحل مشكلة النووى فى إيران، ولا شك أن عدم إستخدام روسيا للفيتو فى مواجهة قرار تحت البند السابع فى اليمن دليلا على ذلك، كما أن تكرار بوتين أن الحرب الباردة إنتهت ولا يمكن أن تعود ثانية يعد خطوة فى هذا الإتجاه.
للأسف فما زال الكثيرين وخصوصا بعض تيارات اليسار تتمحك فى أن روسيا الآن هى إمتداد للإتحاد السوفييتى بصورة أخرى وهى أمنيات أكثر منها حقائق ويرفضون بشدة إطلاق مصطلح إمبريالية عليها متمسكين بالمظهر العام حول معارضة روسيا للسياسة الأمريكية فى العالم ولكن المتمعن فى هذا الصراع سيكتشف بسهولة أن هذا الإنقسام ليس هو ذلك الصراع القديم بين الإمبريالية والإشتراكية ولكنه فى حقيقته صراع بين رأسمالية حديثة ورأسماليات تليدة يريد كل منهما السيطرة على أسواق السلاح والموارد الأولية والهيمنة السياسية وعلينا أن نعى جيدا أنه فى العصر الحالى لا توجد رأسمالية ليست إمبريالية فبعد إنتهاء الإستعمار التقليدى فقد أصبحت الرأسمالية هى إمبريالية بالضرورة ومن الطبيعى أن تسعى الرأسمالية بعد سيطرتها القومية أن تنزع الى التوسع العالمى ولا يمكن أن تبقى داخل حدودها الإقليمية فقط، والاّ فإنها ستتحول الى نارا تأكل بعضها ومن يرى عكس ذلك عليه مراجعة الماركسية من جديد .. أليس كذلك؟