الفاشية وليدة شرعية ل-الديمقراطية الغربية- في عصر الأزمة


مشعل يسار
2015 / 7 / 7 - 20:42     

الفاشية وليدة الإمبريالية، أعلى مراحل الرأسمالية. وهي مثابة رد فعلها الدفاعي في زمن الأزمات، بما في ذلك الأزمات السياسية التي تهدد بتدمير النظام الرأسمالي من أساسه. لذلك، لم يأت هجوم ألمانيا النازية على الاتحاد السوفيتي - الدولة الأولى في العالم التي دمرت الرأسمالية وبنت الاشتراكية، من قبيل الصدفة، بل كان ذاك الهجوم أمراً طبيعياً بالنسبة إليها. وهتلر تولى رعايته وشجعه ودفعه إلى هذه الحرب العالم الغربي بأسره.
وقد جلبت النصر الذي طال انتظاره بطولة الشعب السوفيتي في جبهات القتال وفي العمق، والقوة التنظيمية الملهمة للحزب الشيوعي، ونظام الاشتراكية كله برئاسة ستالين. وهذا النصر أظهر أفضلية وقدرة النظام الجديد بمقابل فشل النظام المبني على أساس سيادة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. وإن كان نصراً كلف ثمناً باهظاً جدا.
خلال الحرب العالمية الثانية التي كانت مثابة حرب وطنية عظمى للشعب السوفيتي أظهر هذا الشعب نكراناً للذات، ورغبة مستميتة ليس فقط في الدفاع عن الوطن، بل عن المكاسب الاشتراكية من دون أن تفصل الوطن عن هذه المكاسب. ولم يخطئ لينين حين قال إن كل أمة هي أمتان في الواقع: أمة الرأسماليين المستغِلين، وأمة الشعب المستغَل. وهذا الفهم ضروري لكيلا يقع الشعب والشباب خاصة اليوم وغدا وفي كل آن في شرك تأجيج النزعة الوطنية الخالية من أي مجتوى طبقي، فيذهب إلى الحرب ليدافع عن مصالح الراسماليين وأطماعهم وتنافسهم على الغنائم والثروات عند الشعوب المستضعَفة باسم الذود عن حياض الوطن. ولقد قاد الشعب السوفياتي في أواسط القرن الماضي كفاح الشعوب في العالم أجمع من أجل تحرير البشرية من أشد إفرازات الراسمالية والديكتاتورية البرجوازية رجعية ألا وهي النازية الفاشية. ونظم المعركة تلك الحزب البلشفي بشحذه إرادة الملايين من الكادحين السوفيات لسحق الوحش الفاشي في عرينه.
لكن فقدان اليقظة من قبل البروليتاريا وإهمالها للمبادئ الأساسية للعلم الماركسي اللينيني بعد وفاة ستالين أديا ابتداء من انقلاب خروشوف وصولا إلى انقلاب غورباتشوف إلى هزيمة مؤقتة للاشتراكية. وها هي الإمبريالية وأحلافها الرجعية في ظل قيادة الولايات المتحدة لا تتوقف عند أي شيء لحماية مصالح الأوليغارشيا العالمية. فتعد وتشن الحروب، وتستولي على الموارد الطبيعية، وتنهب الشعوب، وتزرع الأنظمة الفاشية هنا وهناك.
اليوم، في عصر الأزمة المستمرة عملياً والتي اجتاحت العالم باسره تعيد الامبريالية العالمية بعث القوى الفاشية. بل توقظها إذ هي موجودة دائما في ظل الإمبريالية.
ففي ظل الدعم النشط من جانب الولايات المتحدة ومعه الاتحاد الأوروبي أنشئ النظام الفاشي في أوكرانيا. ونتجت عن وليد الإمبريالية هذا الحرب في الدونباس. وها هما جمهوريتا دونيتسك ولوغانسك الشعبيتان تردان بمقاومة مسلحة على العدوان العسكري للطغمة الفاشية التي استولت على السلطة في كييف. وتدعم القوى التقدمية في العالم وتساعد منتفضي الدونباس على خوض هذه المعركة. لكن النضال ضد الفاشية هو اليوم معقد بسبب غياب الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي، فيما روسيا الرأسمالية مهتمة في المقام الأول بمعالجة الأمور بما يؤمن مصالحها الاقتصادية والسياسية. فبالنسبة إليها – البزنس أولا!!!! أما النضال ضد الفاشية فيحتل بين اهتمامات السلطات الروسية والأوليغارشيا الواقفة خلفها، المرتبة الثانية وربما المرتبة الثالثة. فقد تحتاج الرأسمالية الروسية هي أيضا، ذات يوم، إلى استخدام الفاشية لمحاربة استياء الناس المتزايد من جور اقتصاد النظام الرأسمالي ووحشيته الدائمة وليس الطارئة، كما يعتقد البعض ومن ضمنهم الشيوعيون.
فمن سوء الحظ أن الصراع مع الفاشية في إطار النظام الرأسمالي يجري وايدي الشرفاء مكبلة بالف قيد وقيد، وبعدم السماح لهم بتحقيق نتائج حاسمة. ولذا لا يمكن محاربة الفاشية إلا بالتزامن مع النضال ضد الرأسمالية. وبالتالي، هناك حرب مستمرة. فالرأسمالية هي الحرب بالذات. والخسائر الفادحة التي تكبدتها الشعوب السوفيتية وغيرها من الشعوب بإعادة الرأسمالية إلى المجال السوفياتي، لا يمكن أن توقف هذا النضال. ولن تضيع قضية حق ما دام هناك من يناضل في سبيل إحقاق هذا الحق.
أما عالمنا العربي فكانت له حصة الأسد من ثأر الإمبرياليين وأذنابهم العرب الرجعيين المرتبطين بهم مصلحيا من حركة التحرر العربية التي بلغت أوجها في عهد الرئيس عبد الناصر وما رافقه من حلول أنظمة حررت الكثير من البلدان العربية - ولو بقدر ما - من براثن الاستعمار السياسي والاقتصادي. فحولوا استياء الشعوب العربية من أنظمة الظلم والفساد التي استتبت لها الأمور مع بدء "العصر الأميركي" في عالمنا العربي والتي استمرت مدعومة أميركيا وغربيا طوال سنوات ما بعد هزيمة الـ67، هذا الاستياء الذي تمخض عما سمي بـ"الربيع العربي"، إلى موجة جامحة من التدخلات العسكرية، وتحت ستار قوى رجعية مختلفة، تمثلت تارة بالهجوم الإمبريالي والرجعي المباشر (العراق، ليبيا، اليمن)، وتارة بمحاولة إثارة حروب أهلية عبر الإتيان بقوى متخلفة (كالأخوان المسلمين في مصر وتونس)، وتارة بالنجاح في إثارتها وتدمير اقتصادات مستقلة عن نظام العولمة الرأسمالية (سوريا). ويبقى الوضع مترجرجاً في لبنان والأردن وبلدان عربية أخرى بفعل نسبة القوى غير المؤاتية بعد لإثارة الفتن المذهبية أو لإحداث انقلابات رجعية متخلفة على أيدي التكفيريين أمثال داعش والنصرة وما سبقهما وما قد يتلوهما من أسماء غير حسنى، هؤلاء الذين نشأتهم ورعرعتهم دوائر الاستخبارات الإمبريالية بغية المزيد من ترهيب الشعوب العربية ومقاصصتها على ما تجرأت عليه في الفترة السابقة من سعي للسير في معارج التقدم.
في ظل هذا القلق على مصير الإنسانية لا بد للعمال الواعين، ولجميع الناس الشرفاء في كل العالم، ومن ضمنه العالم العربي، والشيوعيون على رأسهم، من النضال من أجل تنظيم البروليتاريا في طبقة، وعبر تحالف مع كل الفئات الاجتماعية المتضررة، بحيث تصبح قادرة، وهي وحدها كما أظهرت دروس التاريخ، لا سيما دروس الحرب العالمية الثانية ضد الفاشية، على تحرير شعوب العالم من الرأسماليين الطفيليين ومن الاستغلال والقهر والفاشية وصولاً إلى الاشتراكية المتجددة الآخذة دروس الماضي، بهبواته وكبواته، بعين الاعتبار. ولنقل كما يقول المثل العربي: لا يضيع حق وراءه مُطالِب!