شيوعي القرن الواحد والعشرين


محمد مسافير
2015 / 6 / 30 - 18:45     

إن الفشل الدريع، الذي يعانيه المشروع الاشتراكي، ناجم عن القصور الإدراكي لحامليه... وكفانا بهذه الجملة تقديما !
ينقسم معتنقي الفكر الشيوعي إلى صنفين:
الصنف الأول: المعتنقون من باب النضال الفكري، أي الاقتناع الفكري، وغالبا ما يتعلق الأمر هنا بخريجي الجامعات.
الصنف الثاني: المعتنقون من باب نضال القوت اليومي، أي العمال الذين ساهمت تجربتهم النضالية واحتكاكهم مع الشيوعيين، في تبنيهم للفكر الماركسي.
وغالبا ما يتشكل قادة الحزب من الصنف الأول، لأن فترة الجامعة، تمكنهم إلى حد عميق، من استيعاب النظرية الماركسية، عكس أولئك المنخرطين في علاقات الشغل لتحصيل قوت العيش.
وبهذا يحق لنا الخوض قليلا في تحليل الصنف الأول، وتبيان تجليات القصور !
إن الطالب الجديد، الذي يلج الجامعة، وغالبا ما يكون وافدا إلى المدينة الجامعية، يحس بنوع من الاستقلالية والمسؤولية، وإن كانت استقلالية نسبية، للارتباط المالي، إلا أن هذا الانتقال، يشكل طفرة نوعية في مسار حياته.
اعتناق فكر ما يكون عن طريق التأثر بجودة الخطاب، أو بفردانيته، أي الاستقطاب. إلا في حالة القرابة، فإن الطالب الجديد يصطدم بحقائق جديدة لم يألفها قبل الولوج إلى جامعة، فيصاب بحالة من الانبهار بالحقيقة، وإن بجزئيتها.
عندما يلتحق المتعاطفون بالتنظيم الماركسي، وعندما يقوم هذا الأخير باستنزاف طاقاتهم في قيادة المعارك النضالية، آنذاك، يكون قد ارتكب جرما حقيقيا في حق الطالب نفسه، وفي حق المشروع الاشتراكي ككل.
إن المدخل الرئيسي لبناء التنظيم، ليس الارتكان إلى ما كتب سالفا، ليس التصنيف في خانات معدة سلفا، وإلا سنكون بذلك كالرجعي الذي يرتدي زيا متحضرا، بينما المدخل الحقيقي نابع من التكييف.
جادلت أحدهم يوما في مسائل التنظيم اللينيني وبعض القضايا الملحة في الماركسية، قلت:
إنكم تعيبون على الإسلاميين منطق الشيخ والمريد، إلا أنكم لا تزالون أنتم تقتاتون على أفكار الموتى، لقد أحدث لينين قفزة نوعية في ماركسية ماركس، ومنذ وفاته، توقف الاجتهاد إلا في حالات ضئيلة غالبا ما تتعرض للتكفير، بمنطق الخروج عن النص، إنها الأرثوذكسية حقا"
رد قائلا: وهل تظن أن هناك من هو أذكى من لينين؟
إن ذلك ليس منطقا رجعيا فحسب، بل منطق استعبادي وتقديسي لشخصية نهشها التراب.
لقد بدأ العالم يتغير على نحو سريع، يتغير على جميع المستويات، إلا أن الماركسيين غدوا جد متخلفين غير مدركين.
إن الشيوعية هي شكل متقدم عن النظام الحالي، وهذه قولة معلومة، لكنها تؤخذ على أطراف اللسان دون أن تصفى في الميزان !
كانت الأفكار الشيوعية تعيش أوج انتعاشها في ريعان النظام الرأسمالي، في بداياته، وذلك كان نتيجة تخلف النظريات الرأسمالية إلى حد تستطيع فيه أن تدكها الأفكار الشيوعية دكا لولا عامل السلطة والمال الذي كانت تحتكره الرأسمالية.
إن عامل التخصص أو تقسيم العمل الذهني، الذي وازى على طول الخط تقسيم العمل اليدوي، كان عاملا حاسما في تضاعف المسافة ما بين الفكرين، لصالح الرأسمالية طبعا. بينما ظل الفكر الماركسي حبيس كتيبات حمراء باهتة اللون بفعل الزمن، دون أن يتجاوزها إلى اقتحام مختلف فروع العلوم التي ما فتئت تتكاثر.
طبعا، يمكن اعتبار ما أقدمت عليه الماركسية الأوربية من محاولات الإحاطة والتخصص، عملا جادا إلى حد ما، لكنه غير كاف إطلاقا، ويفتقر إلى التنظيم، لأنه غالبا ما تكون هذه المحاولات على هامش الحركة الشيوعية عموما.
لهذا السبب بالذات، كيف يمكننا أن نعترف برضا، على أن الشيوعية أكثر تقدما من الرأسمالية؟ ربما تبدوا متقدمة في عمومياتها، في شعاراتها، لكن علاقة الخاص بالعام تربك التقدير.
ما لم تكن التنظيمات الشيوعية، تحمل على عاتقها هم تحفيز الملتحقين الجدد، على العطاء والاجتهاد في المسار الدراسي، ما لم يكن التحفيز إحدى الجبهات التي يولي لها التنظيم أهمية بليغة، فإن الشيوعيين، سيكونون أعظم المتخلفين !
وحسبنا أن نتساءل، هل سنستعين بالخبراء الرأسماليين في مرحلة الإعداد لتشييد أسس النظام الاشتراكي؟ ربما، والتجارب السالفة بينت ذلك، هل السياسة وحدها كافية في تدبير شؤون مجتمعات متأهبة لقلب موازين القوى في أية لحظة؟ هل ستكتفي بالشعارات الحماسية على حساب تحسين ظروف عيش الشعوب؟
قد نتفق على أن المرحلة الانتقالية قد تكون مخاضا عسيرا تتكبده المجتمعات، إلا أن ما يجب إدراكه، هو أن الشيوعيون ثوار، طليعة في أغلب المراحل، وحالة الثائر تماثل حالة الفنان في المجتمع، لن نطالب جميع الأفراد بأن يكونوا فنانين، كذلك لن يكون إلا الشيوعيون وبعض القلائل ثوريون، أي مستعدون للتضحية، فماذا أعددنا للباقي؟ هل أعددنا لهم الموت جوعا حتى تستقيم الأمور، وينعم الأبناء بثمار الثورة؟
يجب أن ندرك جيدا طبيعة الثورة التي ننشدها، وندرك أيضا مدى حجم الأهداف التي نحملها، وهذا يدل على ملحاحية الاجتهاد النظري، والتخصص العلمي.
لنكن أولا التغيير الذي ننشده، لننزع عنا بقايا مخلفات البدو والإقطاع...