ولازلنا غرباء عن واقع العمل


جاسم محمد كاظم
2015 / 6 / 25 - 21:22     

حين لا يحقق العمل إنسانية العامل ويصنع له هويته التي يريد فان هذا المخلوق التائه يظل يبحث عن هذا الحلم في عالم الفراغ ويدخل في متاهات متعرجة تنتهي بتبني أيدلوجيات هوائية يملئها الفراغ .
لذلك فأننا نرى بأم العين مقدار هذه الكارثة وحجمها وكيف ينسى هذا الإنسان عملة ويتنكر له ويبحث عن أشياء ثانوية يحقق بها ذاته تكون هي ذاتها السبب الرئيسي في تدمير هذا الإنسان وتجريده بالتالي من إنسانيته وتمنعه بالتالي من تحقيق حلمة الكبير .
لا احد إلى اليوم يعرف دور العمل في العراق في بناء الشخصية ودورة الخلاق التقدمي في كل المجالات لذلك فان السبب الرئيسي في تدمير الطبقة العاملة هي الطبقة العاملة بنفسها لأنها لا تصنع أيدلوجيتها الخاصة من صميم الواقع بل تبحث عنها في أيدلوجيا الدين والطائفة والعشيرة .
وحين نبحث عن هذه الأشياء ونحللها من واقع العمل فإننا نرى أن كل قواعد العمل هي بالأساس نظام مفروض علينا من السماء .الطبقات الحاكمة .السلطات والإدارات العليا . التي نراها تتحكم بمصائرنا فلازال التاريخ مفتوح على الصراع الطبقي لكن وان اختلف شكل طرفي الصراع ..
ليست الدولة كما يفهمها كتاب البرجوازية والمولعين بالرأسمال هي الوريثة والناطقة لكل طبقات الشعب.
بل الدولة مازالت فئة أو طبقة سائدة لبرجوازية وضيعة متحكمة بفئات تفوقها عددا وكثرة تحتمي بأشياء واهنة وفقرات حقوقية اكسبها الزمن صبغة قدسية فارغة تحتمي بقتلة من نوع خاص من الحرس والشرطة وأفواج من الجلاوزة تنفذ لها إرادتها الحاكمة .
يكثر الحديث هذه الأيام أن الدولة بكل إشكالها قد أصبحت دولة الإنسان لكن هذا الإنسان ليس له وجود سوى في المقالات والكتب فمازال ينتقل بين أصناف العبوديات أخذت إشكالا متعددة في عالم اليوم الذي تحكمه برجوازية وضيعة و تسلط الإدارات العليا المهيمنة .والوزارات القبيحة
وحين تشتد غربة هذا الإنسان في عالمة الدنيوي فأنة لا يجد ملاذا للتنفيس عن أحلامه ألا بالصعود إلى عالم السماء كالبحث مابين الغيوم عن صور الأولياء والقديسين بدل النزول لعالم للأرض وتحقيق هذا الحلم .
يقول ماركس بان مشكلتنا ليست مع الإحياء بل مع الأموات كان هذا الكلام قبل قرنين من الزمان ولا اعتقد بان أوربا اليوم تعير وزنا للأموات .
لكننا في العراق نعيش بكل أحاسيس أجسامنا وثقلنا النوعي مع عالم الأموات الغريب ونستشعرهم بأنهم إحياء يشاركوننا زحمة المكان .
وأصبحت أيدلوجيا عالم الأموات تسيطر على التفكير العراقي بكل أطيافه بحيث تشله عن التفكير في عالم الإحياء والعمل .
ومشكلة عالم الأموات في العراق أنة عالم حي على صعيد الايدولوجيا فقط وليس على صعيد الموضوع الواقعي ..
فأموات العراق هم طواطم وملوك العدالة .الإنسانية ..الفضيلة.الحكمة وكل الصفات الفاضلة الأخرى وهم المتحكمين بكل شي .
لكن الذي يحصل في عالم الإحياء الموضوعي يكون منافيا لكل هذه الصفات بل ومعاكسا له بالاتجاه من قبل من يتحكم بهؤلاء الأموات ..
و تدعم السلطات الحاكمة هذه الايدولوجيا كثيرا وتغرزها في عقول القاطنين حتى يصبح هؤلاء لا حديث لهم عن الهم اليومي وثقل الحياة وأعبائها إلا عن طريق هؤلاء الأموات وربط مشاكلنا بهم واخذ الحلول الجاهزة منهم وكان العدالة لا تبزغ إلا من أبدانهم ..
ويصبح الحديث عن العدالة والفضيلة هو ذاته الحديث عن هؤلاء الطوطم .
وهكذا ضاع العمل والجهد الإنساني وأصبح عمل الإنسان بشقية خدميا كان أم بضاعيا منتجا أم مستهلكا ضائعا في بحر هذه الايدولوجيا التي أصبحت واقعا حقيقيا بدل الواقع .
وبنفس الوقت انتشر العمل الاستغلالي بكل أنواعه وقبحه وأصبح هذا العمل هو العمل الوحيد المسيطر على واقع العراق بدون أن يلقى أية صرخة احتجاج من قبل هذه الايدولوجيا التي تدعي الفضيلة بل ومدعوما من قبلها .
وهكذا أصبح الحديث عن الحقوق والطبقة العمالية وزيادة الرواتب والمخصصات وتحسين الأحوال المعيشية هذرا في بحر هذه الايدولوجيا الميتة الغريبة تماما عن واقع العمل الحي .

//////////////////////////////////////
جاسم محمد كاظم