بوخارين..كوبا/الهرطوقي الرجيم والمفتش الاعظم!!!(4-12)


ماجد الشمري
2015 / 6 / 22 - 23:19     

"طالما بقينا في اسمالنا.يمكن ان يهزمنا الكولاك اقتصاديا.ولكنه لن يفعل ذلك اذا سمحنا له بأيداع توفيراته في مصارفنا.سوف نساعده،ولكنه سيساعدنا ايضا.وفي النهاية،سيعترف حفيد الكولاك بجميلنا لاننا عاملنا جده بهذه الطريقة".
-بوخارين-
لم يكل بوخارين عن اصراره وعناده في توضيح وتبيان طروحاته وافكاره في اغلب ما كتبه من مقالات بهذا الشأن.
ففي واحدة من تلك المقالات،قال بوخارين وبوضوح:"ان الرفاق مع ضخ الموارد بشكل فوق المعقول،ومع الضغط القوي على الفلاحين،وهو من الناحية الاقتصادية غير عقلاني،ولايمكن القبول به من الناحية السياسية.ان وجهة نظرنا لاتعني اننا نرفض هذا الضخ،ولكننا نحسب الامور بوعي.ان الامور التي تحسب وتدرس هي التي تكون موفيه بالغرض من الناحية الاقتصادية والسياسية".
ان هذه التحليلات والاستنتاجات التي بينها بوخارين في كل ماكتب،لم تلق معارضة او استنكار من جانب ستالين في البدء!.وحتى ماكتبه بوخارين عام1925:"قد يظهر غريبي الاطوار ويقترحون القيام بقتل "الفلاحين البرجوازيين"وقد يأتون بأدلة تبرهن ان مايقومون به يتماشى مع الخط الطبقي،ويمكن تحقيقه،ولكن هنا تكمن المصيبة:فهذا سيكون غباءا شديدا،ولا يجب فعله على الاطلاق،ولن نحصل على شيء من وراء هذا مطلقا،بينما سنخسر كثيرا جدا.نحن نفضل السماح للفلاح بالعمل في مزرعته،ولكن بالمقابل نأخذ منه اكثر بكثير مما نأخذ من الفلاح متوسط الدخل".
لم يثر ذلك ايضا معارضة او رفض لدى الامين العام!.
لقد كان بوخارين يعتقد بأن عملية جمع الفلاحين على اساس طوعي تعاوني،وقبول به عن قناعة-وهذا اساسي-هو الامكانية العملية في تحديد تأثير الفلاح البرجوازي،ولكن ليس من الناحية الادارية،بل الاقتصادية.فمن حيث الجوهر كانت رؤية بوخارين،هي التجسيد المطابق لمنهج لينين حول قيام التعاونيات الزراعية،ودون اكراه او قسر،او مصادرة او قمع.ولكن نظرة ستالين لاراء وافكار بوخارين في عام1928 ومابعده انقلبت وتغيرت وتقاطعت معه.!.فقد اعتبرها ستالين-المتذبذب يسارا ويمينا!-لاتراجعا سافرا عن(اللينينية)فحسب!بل عد ذلك توجها تحريفيا مخربا للتوجه (الاشتراكي)!وذو نزعة نزعة (يمينية)معادية،وارتدادا موغلا في انتهازيته،ودعما مباشرا للعناصر المعاديةلل(الاشتراكية)!.
حاول بوخارين ومن جانبه ان يبرهن لستالين على ان روسيا السوفيياتية لم تعد توجد فيها اي قوى سياسية منظمة وكبيرة تشكل خطرا حقيقيا وراهنا ومؤكدا على الدولة السوفياتية.وان العنف والقمع تجاه الفلاحين سيقود حتما الى نتائج خطيرة-وقد كان تنبيه بوخارين وحدسه وتحذيره المسبق بالكارثة المقبلة صائبا جدا،فقد اثبت التاريخ صحة توقعاته-.
ولكن من الناحية الاخرى،لم يفكر بوخارين:بأن مشكلة قيام التعاونيات بترج بطيء كان سيضع التوجه(الاشتراكي)على المحك،وفي مأزق قلق،ومرحلة انتقالية طويلة الامد ستمتد لعشرات السنين القادمة-كما افترض لينين لسياسية النيب-وان التصنيع الثقيل كان يتطلب فعلا وبألحاح موارد ضخمة وسريعة-وهذا اكد عليه بريو برجنسكي-وكان الريف المصدر الوحيد لتلك الموارد.وكان الحل لمسألة الجماعية الزراعية،والتصنيع المكثف والسريع يتطلبان مرونة عالية،وموازنة دقيقة،وحسابات واعية ومتزنة،لهذا وتلك.
كان بوخارين يمتلك تلك الميزة التي يفتقر اليها ستالين،وهو ذلك الميل الاخلاقي الانساني العالي والجدير بالاعتبار والاكبار،وكان لديه ذلك الوعي والحس المرهف لمبدأ لينين حول ديكتاتوريا البروليتاريا،وسياسة النيب،وكل هذا غير متوفر لدى ستالين!.
بين عام1925و1927 كان بوخرين منحازا الى جانب ستالين،اكثر قياديي البلاشفة نفوذا وسيطرة بعد تهميش تروتسكي وزينوفييف وكامينيف.وكان دعمه لستالين هو الذي رجح كفة ستالين في ميزان القوى داخل المكتب السياسي،وفي صراعه مع المعارضة اليسارية داخل الحزب.اي صراعه مع تروتسكي وزينوفييف وكامينيف وغيرهم من القادة المعارضون.رغم انه حافظ على شبه علاقة مع رفاقه،وحاول ان يمون لمينا ومخلصا للتراث البلشفي.
وكنتيجة لطرد تروتسكي وزينوفييف وكامينيف من المكتب السياسي واللجنة المركزية،ترسخ دور بوخارين وستالين في مركزية القرارات والقضايا المطروحة والتحكم فيها.-ومن المؤسف ان بوخارين حرق البخور لستالين ولفترة طويلة معتبرا اياه صديق الفلاح الصغير الحقيقي!وحارس(اللينينية)!ووقف بشراسة ضد المعارضة،وتشفى بهزيمتها،ولكنه لم يدرك انه كان مجرد بيدقا في رقعة شطرنج كوبا!وانه دعم ليس جلاد خصومه فقط،ولكن جلاده ايضا بعد حين!وسخريته اللاذعة من كامينيف،ستتحول بعد اقل من سنتين الى استغاثة وطلب نجدة مرعوبا من جنكيز خان الجديد!!-..
عندما كان المعارضون ليمينية بوخارين يهاجمونه،كان ستالي يتصدى لهم ليقف الى صفه مدافعا عنه ضد خصومه بشراسة وحدة!.وفي واحدة من المواقف قال ستالين مدافعا عن بوخارين:"اتريدون دم بوخارين؟.لن نعطيكم دمه،فلتعلموا هذا"!!.-ولكن ستالين وبعد ان لم يعد بحاجة اليه سيطالب هو نفسه بدم بوخارين،ثم يهدره ببرود القتلة!!-.ان مايثير الانتباه في ستالين،هو ليس اعلانه الحماية الكاملة لبوخارين،بل هو تلك الاستعارة اللغوية"الدموية"التي استقاها من معجمه البربري،واستخمها في كلامه،والتي كان يستبطنها حتما في اغوار لاوعيه المظلم!.
هل كانت مجرد زلة لسان؟!.ام نية عقلية ونفسية مضمرة لتصفية الخلافات والخصومة الفكرية داخل الحزب بالابادة الجسدية للرفاق
كان بوخارين وستالين يشكلان ثنائي يكمل احدهما الاخر داخل المكتب السياسي.وكان ستالين يحرص دوما على معرفة راي وتوجه بوخارين اثناء التصويت على القرارات والتوصيات،وكان ستالين يسأ دوما:هل بوخارين مع او ضد؟وينظم اليه في التصويت:مع او ضد دون تفكير او اختيار!!
كان ستالين بارعا في المسائل التنظيمية والسياسية،في حين كان بوخارين المساهم الاول في وضع وتحضير المباديء النظرية لسياسة الحزب الاقتصادية،وهو ايضا كان المساهم الابرز في صياغة دستور الاتحاد السوفيتي عام1936،وساعد ستالين وبطلب من لينين في كتابة النص حول مسألة القوميات عام1912...
استمر ستالين وحتى نهاية عام1928 معتمدا وبشكل كلي على بوخارين في معالجة وحل القضايا الاقتصادية الشائكة والكثيرة.وكان ستالين يتبنى طروحات بوخارين،ويصادق عليها،وهذا مايشير الى شخصية ستالين الفقيرة نظريا،والعاجزة عن الابداع والمبادرة على الصعيد الاقتصادي،وذيليته الفكرية في مايصدر عنه من اقتباسات من:لينين،وتروتسكي،وبوخارين،وبريو براجنسكي،وغيرهم من نخبة القادة البلاشفة.فقد كان يقتبس من هؤلاء القادة المنظرين افكارا ومباديء ثم ينسبها لنفسه!فالكثير من افكار وشعارات تروتسكي في مجال التصنيع اخذها ونسبها لنفسه دون اشارة الى مصدرها!واغنى معرفته بالمسألة الزراعيةبكثير من طروحات بوخارين!..
ولكن السؤال الذي يلح في طلب الاجابة،هو:لماذا وكيف،بدأ النفور وابتعاد ستالين عن بوخارين ومنذ نهاية عام1928؟!ولماذا اصبحت افكار بوخارين(يمينية)بعد ان كان هو ستالين نفسه يعتنقها ويؤمن ي-بها حتى ذلك الحين؟!.ولم تشنجت وتوترت العلاقة بينهما من صداقة متينة واتفاق في الايديولوجيا الى كراهية ورفض على الاقل من جانب ستالين؟!...انها حزمة من الاسباب تجمعت وتظافرت كغيوم مكفهرة لتصنع من بوخارين:غريما وخصما وبعبعا يمينيا لستالين!.الامر الذي يتطلب التحرك واتخاذ مايلزم لازاحته من مراكز القرار،تمهيدا لتصفيته لاحقا!!.
-كماجرى لبقية البلاشفة من الحرس القديم!-.ولكن يبقى الاساسي من تلك الدواعي والاسباب التي جعلت من محبوب الحزب(عدوا للشعب)!وهي:ازدياد شعبية بوخارين في اوساط الحزب،وبين الجماهير-كما اصبح كيروف بعده يتمتع بتلك الشعبية-اولا كمنظر اقتصادي وسياسي،وثانيا لكونه قياديا من طراز رفيع،ويتمتع بشخصية محبوبة،ويتسم بالتواضع والبساطة والطيبة،متعاطفا مع الجميع بروحه المرحة،وكان من السهل الوصول اليه والتحدث معه فقد كان بلا حراس ولاحجاب.وكان يتفوق على ستالين معرفيا ونظريا واخلاقيا،ولا مجال للمقارنة بينهما!.
بعد وفاة لينين كتب بوخارين مقالا جاء فيه:"بعد غياب لينين لايوجد لدينا شخص يستطيع ان يقول انه خال من الذنوب،ويستطع بشكل مطلق ان يفسر التعاليم اللينينية،كل منا يحاول ذلك،لكن من يدعي انه قام بذلك بشكل تام فأنه يعطي دورا كبيرا لشخصه".كان من الطبيعي ان تثير هذه الكلمات غيض وحفيظة ستالين طبعا!فقد كانت موجهة له بالذات،هذا مافهمه ستالين،فهي تهاجمه بشكل غير مباشر،وتغمز من قناته شخصيا!.فستالين واثناء القاءه لمحاضراته عن(اسس اللينينية)في جامعة سفردلوف،تحدث بتلك الصفة المزعومة:كخليفة ومفسر وامين على جميع (تعاليم اللينينية)-المفتش الاعظم للينينية!-وكان هذا واضحا جدا!!.اذا كيف يزعم بوخارين انه لايوجد شخصية بارزة وواحدة للقيادة تسد غياب لينين؟!.وماذا عن هيبته ومكانته هو كأمين عام للحزب؟!.
ستالين لاينسى!!.فقد وضع تلك الكلمات التي كتبها بوخارين في ارشيف ذاكرته المتحفزة لالتقاط ما يمسه ليصنفه في ملفات خصومه القادمين ليستخدمه في مابعد كدليل ادانة لمن يعتبرهم اعدائه!!.
وكان هذا المقال واحدا من المسامير التي دقت في النعش المقبل لبوخارين،والذي كان يعده له صديقه ورفيقه العتيد كوبا!!!!...
..................................................................................................
وعلى الاخاء نلتقي...