عاشت اللينينيّة ! – بيكين 1960


شادى الشماوي
2015 / 6 / 22 - 00:23     

عاشت اللينينيّة !
كتبت إحياء للذكرى التسعين لمولد لينين
لهيئة تحرير مجلة " خونغتشى" ( العلم الأحمر ) العدد الثامن ، 16 نيسان " ابريل" 1960
دار النشر باللغات الأجنبية – بيكين 1960
نسخ هذه الوثيقة و أعدّها للنشر على الأنترنت شادي الشماوي
( الفصل الثاني من كتاب " نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفيّة السوفياتية 1956- 1963 : تحليل و وثائق تاريخية " - " الماوية : نظرية و ممارسة " عدد 20 – ماي / جوان 2015 )

-1-
يصادف الثاني والعشرين من نيسان ( أبريل ) هذا العام الذكرى التسعين لمولد لينين .
وقد شهد عام 1871 ، العام الذى تلا مولد لينين ، الإنتفاضة البطولية لكومونة باريس . لقد كانت كومونة باريس ثورة عظمى تصنع العصر و أوّل مسعى ذا أهمية عالميّة فى محاولة البروليتاريا للإطاحة بالنظام الرأسمالي . و عندما كانت الكومونة على أبواب الهزيمة نتيجة هجوم أعداء الثورة الفرسايليّين قال ماركس :
" إذا كانت الكومونة ستدمّر فمعنى ذلك أنّ النضال سيؤجّل فقط . إنّ مبادئ الكومونة خالدة لا تفنى و ستعرض هذه المبادئ نفسها مرّة أثر مرّة أخرى حتى تتحرّر الطبقة العاملة ".( " خطاب لماركس حول كومونة باريس ".)
فما هو أعظم مبادئ الكومونة اهمّية ؟ إنّه ، طبقا لما قال ماركس ، إنّ الطبقة العاملة لا تستطيع مجرّد الإستيلاء على جهاز الدولة القائم و إستخدامه لأغراضها الخاصة . و بكلمة أخرى ، إنّ على البروليتاريا ان تستخدم الأساليب الثوريّة للإستيلاء على سلطة الدولة و أن تسحق الجهاز العسكري و البيروقراطي للبرجوازية و تقيم ديكتاتورية البروليتاريا لتحلّ محلّ ديكتاتورية البرجوازية . وأي شخص ملمّ بتاريخ نضال البروليتاريا يعلم أنّ هذه المسألة الأساسيّة على وجه التحديد، هي التى تشكّل الخطّ الفاصل بين الماركسيين من جهة ، و الإنتهازيّين و المحرّفين من جهة أخرى ، و أنّه بعد وفاة ماركس و إنجلز لم يكن أحد سوى لينين من خاض نضالا لا يعرف المساومة أبدا ضد الإنتهازيّين و المحرّفين من أجل الدفاع عن مبادئ الكومونة .
إنّ القضية التى لم تنجح فى كمونة باريس ، قد إنتصرت اخيرا بعد ستّة و أربعين عاما فى ثورة أكتوبر العظمى تحت قيادة لينين المباشرة . و كانت تجربة السوفييتات الروسيّة إستمرارا و تطوّرا لتجربة كومونة باريس . لقد أصبحت مبادئ الكومونة التى شرحها ماركس و إنجلز بصورة متواصلة ، و أغناها لينين على ضوء التجربة الجديدة للثورة الروسيّة ، واقعا حيّا لأوّل مرّة على سدس الكرة الأرضية . و كان ماركس صائبا تمام الصواب عندما قال إنّ مبادئ الكومونة خالدة لا تفنى .
لقد قامت الذئاب الإستعمارية ، بالتواطؤ مع القوى الروسية المعادية للثورة فى ذلك الوقت ، بالتدخّل المسلّح ضد الدولة السوفيياتية الفتيّة فى محاولة لخنقها . و لكن الطبقة العاملة الروسية البطلة و شعوب مختلف قوميّات الإتحاد السوفياتي طردت العصابات الأجنبيّة ، و سحقت العصيان المعادي للثورة داخل البلاد ، و وطّدت بذلك أوّل جمهورية إشتراكية عظمى فى العالم .
و تحت راية لينين ، تحت راية ثورة أكتوبر ، بدأت ثورة عالمية جديدة تلعب فيها الثورة البروليتارية الدور القيادي ، و أطلّ عصر جديد فى تاريخ الإنسانية . و عبر ثورة أكتوبر تردّدت بسرعة أصداء صوت لينين فى جميع جنبات العالم . و جاءت حركة الرابع من أيار ( مايو) – جاءت كما وصفها الرفيق ماو تسى تونغ " تلبية لنداء الثورة العالمية فى ذلك الوقت ، و نداء الثورة الروسية و نداء لينين ".( " حول الديمقراطية الجديدة " )
إن ّ نداء لينين جبّار لأنّه صائب . ففى ظلّ الظروف التاريخية لعصر الإستعمار ، كشف لينين عن سلسلة من الحقائق التى تدحض فيما يتعلّق بالثورة البروليتارية وديكتاتورية البروليتاريا .
لقد أشار لينين إلى أنّ أصحاب رأس المال الأوليغاركيّين فى عدد قليل من الدول الرأسمالية القويّة ، أي المستعمِرين ، لا يستثمرون جماهير الشعب فى بلدانهم فحسب ، بل يضطهِدون و ينهبون العالم أجمع ، محوّلين معظم البلدان فى العالم إلى مستعمرات و بلدان تابعة لهم . إنّ الحرب الإستعماريّة هي إستمرار للسياسات الإستعمارية . و الحروب العالمية قد أشعلها المستعمِرون بسبب من جشعهم النهم للإستيلاء على الأسواق العالمية و مصادر المواد الخام و حقول الإستثمار و لإعادة تقسيم العالم . و طالما بقي الإستعمار الرأسمالي فى العالم فستبقى مصادر و إمكانيّة الحرب قائمة. و على البروليتاريا أن ترشد جماهير الشعب لمعرفة مصادر الحرب و للنضال من أجل السلم و ضد الإستعمار .
لقد أكّد لينين أنّ الإستعمار هو رأسمالية إحتكارية طفيليّة أو متعفّنة محتضرة ، و أنّه المرحلة الأخيرة من مراحل تطوّر الرأسمالية ، و لهذا فإنّه عشيّة الثورة البروليتارية . و يمكن الوصول إلى تحرّر البروليتاريا عن طريق الثورة فقط و ليس عن طريق الإصلاح بالتأكيد . و على حركات تحرّر البروليتاريا فى البلدان الرأسمالية أن تتحالف مع حركات التحرّر الوطني فى المستعمرات و البلدان التابعة ، و هذا التحالف يمكنه سحق تحالف المستعمِرين مع قوى الإقطاع و الكمبرادور و الرجعية فى المستعمرات و البلدان التابعة ، و لهذا فإنّه سيضع لا محالة حدّا نهائيّا للنظام الإستعماري فى العالم أجمع .
و على ضوء قانون التطوّر الإقتصادي و السياسي غير المتساوي للرأسمالية ، توصّل لينين إلى أنّه بسبب أن الرأسماليّة تتطوّر بصورة غير متساوية إلى أقصى حدّ فى مختلف البلدان، ستحقّق الإشتراكية النصر أوّلا فى بلد واحد أو عدّة بلدان، و لكنّها لا تستطيع تحقيق النصر فى جميع البلدان فى آن واحد . و لهذا فعلى الرغم من إنتصار الإشتراكية فى بلد أو عدّة بلدان فستبقى البلدان الرأسماليّة الأخرى موجودة و سيكون هذا مبعثا لا للإحتكاك فقط ، بل و للنشاطات الإستعمارية التخريبيّة ضد الدول الإشتراكية . و من ثمّ سيكون النضال طويل الأمد . و سيستغرق النضال بين الإشتراكية و الرأسمالية عصرا تاريخيّا بأكمله . و على البلدان الإشتراكية أن تحافظ على يقظة مستمرّة ضد خطر الهجوم الإستعماري و أن تبذل كلّ جهودها لإتّقاء هذا الخطر .
إنّ المسألة الأساسيّة فى جميع الثورات هي مسألة سلطة الدولة . فقد أظهر لينين بصورة شاملة و نفاذة أن المسألة الأساسيّة فى الثورة البروليتارية هي ديكتاتورية البروليتاريا . و ديكتاتورية البروليتاريا التى تقام بواسطة سحق جهاز الدولة لديكتاتورية البرجوازية بالوسائل الثوريّة هي تحالف من نوع خاص بين البروليتاريا و بين الفلاّحين و جميع الشغّيلة الآخرين . إنّها إستمرار للنضال الطبقي بشكل آخر فى ظلّ ظروف جديدة ، و هي تتضمّن نضالا دائبا ، دمويّا و غير دموي ، عنيفا و سلميّا ، عسكريّا و إقتصاديّا ، ثقافيّا و إداريّا ، ضد مقاومة الطبقات المستغلّة ، و ضد العدوان الأجنبي و ضد قوى و تقاليد المجتمع القديم . و بدون ديكتاتورية البروليتاريا ، و بدون حشدها الشغّيلة حشدا تاما فى هذه الجبهات لخوض هذه النضالات التى لا يمكن تجنّبها بعناد و إصرار ، لا يمكن أن تكون هناك إشتراكية و لا يمكن أن يكون هناك إنتصار للإشتراكية .
لقد إعتبر لينين إنشاء البروليتاريا حزبها السياسي ، حزبها الثوري الحقيقي الذى ينبذ الإنتهازيّة نبذا تاما ، أي حزبها الشيوعي ، أمرا ذا أهمّية رئيسية إذا ما أريد للثورة البروليتارية أن تتحقّق و لديكتاتورية البروليتاريا أن تقام و تتوطّد . و الحزب الشيوعي هذا متسلّح بنظرية المادية الديالكتيكية و المادية التاريخية الماركسيّتين . و برنامجه هو تنظيم البروليتاريا و جميع الشغيلة المضطهَدين من أجل النضال الطبقي و إقامة حكم البروليتاريا والمرور عبر الإشتراكية للوصول إلى الهدف النهائي وهو الشيوعية . و على هذا الحزب السياسي أن يرتبط بالجماهير إرتباطا وثيقا ، و يعير أهمّية كبرى لمبادراتها الخلّاقة فى صنع التاريخ ، و عليه أن يعتمد بصورة وثيقة على الجماهير فى الثورة ، و كذلك فى البناء الإشتراكي و الشيوعي .
لقد بيّن لينين بإستمرار هذه الحقائق قبل و بعد ثورة أكتوبر . و إعتبر الرجعيّون و السذّج الجهلة فى العالم ، فى ذلك العصر ، حقائق لينين هذه رهيبة ، أمّا نحن فنرى هذه الحقائق تحرز النصر بعد النصر فى الحياة العمليّة فى العالم .



- 2 -
و فى الأربعين عاما ونيف التى مرّت على ثورة أكتوبر طرأت تغيّرات جديدة هائلة على العالم .
فقد حوّل الإتحاد السوفياتي نفسه ، عبر منجزاته العظمى فى البناء الإشتراكي و الشيوعي ، من بلد متخلّف جدّا إقتصاديّا و تكنيكيّا أيّام روسيا القيصريّة إلى دولة ذات الدرجة الأولى من أعظم التكنولوجيا تقدّما فى العالم كلّه . و خلف الإتّحاد السوفياتي ، بقفزاته الإقتصادية و التكنيكية ، البلدان الأوربيّة الرأسمالية وراءه بعيدا ، كما خلّف الولايات المتحدة وراءه أيضا فى التكنولوجيا .
وحطّم الإنتصار العظيم فى الحرب ضد الفاشست ، هذه الحرب التى كان فيها الإتحاد السوفياتي القوّة الرئيسية ، سلسلة الإستعمار فى أوربا الوسطى و الشرقية . و حطّم الإنتصار العظيم للثورة الصينيّة الشعبيّة سلسلة الإستعمار على البرّ الصيني . و وُلدت مجموعة من البلدان الإشتراكية الجديدة . و يحتلّ كلّ المعسكر الإشتراكي الذى يقف على رأسه الإتحاد السوفياتي ربع مساحة الأرض ، و يبلغ عدد سكّانه أكثر من ثلث عدد سكّان العالم . و قد كوّن المعسكر الإشتراكي الآن نظاما إقتصاديّا عالميّا مستقلاّ مقابل النظام الإقتصادي العالمي الرأسمالي . و تبلغ قيمة مجمل الإنتاج الصناعي فى البلدان الإشتراكية الآن ما يقارب أربعين بالمئة من القيمة العالمية ، و لن يمرّ وقت طويل حتى تتخطّى هذه القيمة قيمة مجمل الإنتاج الصناعي فى جميع البلدان الرأسمالية معًا .
إنّ نظام الحكم الإستعماري الإمبريالي قد إنهار ، وهو فى طريقه إلى الإنهيار التام . و للنضال ، بطبيعة الحال ، منعرجاته و منعطفاته ، و لكن ، على وجه العموم ، تجتاح عاصفة حركات التحرّر الوطني قارات آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية على نطاق متزايد يوميّا . و تتطوّر الأشياء نحو أضدادها : فالمستمرون يسيرون خطوة فخطوة من القوّة إلى الضعف ، بينما تسير الشعوب خطوة فخطوة من الضعف إلى القوّة .
و قد إنتهى منذ مدّة طويلة الإستقرار النسبي للرأسمالية الذى وُجد لوقت ما بعد الحرب العالمية الأولى . و مع تكوّن النظام الإقتصادي العالمي الإشتراكي بعد الحرب العالمية الثانية تقلّصت السوق العالمية الرأسمالية إلى حدّ كبير . و أصبح التناقض بين القوى المنتجة و علاقات الإنتاج فى المجتمع الرأسمالي أكثر حدّة . و لم تعد الأزمات الإقتصادية الدوريّة للرأسمالية تأتي ، كما كانت من قبل ، مرّة كلّ عشر سنوات أو مثل ذلك ، بل أصبحت حدث كلّ ثلاث أو أربع سنوات تقريبا . و قد إعترف مؤخّرا بعض ممثلي البرجوازية الأمريكية بأنّ الولايات المتحدة عانت من ثلاث " ردّات إقتصادية " فى عشر سنوات ، و أنّ لديهم الآن دلائل " ردّة إقتصادية " جديدة بعد أن تخلّصوا لتوهّم من ردّة عامي 1957- 1958. إنّ قصر الفترة الدوريّة بين الأزمات الإقتصادية الرأسماليّة هو ظاهرة جديدة ، إنّه دلالة أخرى على أنّ النظام الرأسمالي العالمي يقترب أكثر فأكثر من فنائه المحتوم .
أمّا عدم التساوي فى تطوّر البلدان الرأسمالية فهو أسوأ ممّا مضى . و مع إنحصار المستعمِرين فى منطقة نفوذهم المتقلّصة و تزاحمهم فى هذه الرقعة الضيّقة يقوم الإستعمار الأمريكي ، بإستمرار، فإغتصاب الأسواق و مناطق النفوذ من المستعمِرين البريطانيّين و الفرنسيّين و المستعمِرين الآخرين . و قد ظلّت البلدان الإستعمارية ، و فى طليعتها الولايات المتّحدة ، تقوم بتوسيع نطاق التسلّح و الإستعدادات الحربيّة منذ أكثر من عشر سنوات ، فى الوقت الذى نهضت فيه العسكريّتان : الألمانيّة الغربيّة و اليابانيّة ، اللتان فى الحرب العالمية الثانية – نهضتا ، مرّة أخرى ، بمساعدة عدوّهما السابق : الإستعمار الأمريكي . و يتشدّق من جديد مستعمرو هذين البلدين الذين قدّموا لينضمّوا إلى المتزاحمين حول السوق العالمية الرأسماليّة ، عن " صداقتهم التقليديّة " و ينهمكون فى نشاطات جديدة لإنشاء ما يدعى " محور بون- طوكيو مع واشنطن كنقطة بداية ". و بدأ الإستعمار الألماني الغربي يتطلّع بصفاقة حوله بحثا عن قواعد عسكريّة فى الخارج . و هذا ما يشدّد النزاعات الحادّة داخل الإستعمار ، و يزيد فى نفس الوقت من الخطر على المعسكر الإشتراكي و جميع البلدان المحبة للسلام . و الوضع الراهن يشبه إلى حدّ كبير جدّا الوضع بعد الحرب العالمية الأولى ، عندما رعي المستعمِرون الأمريكيون و البريطانيون إنبعاث العسكريّة الألمانية ، و ستكون النتيجة مرّة أخرى " إلتقاطهم الصخرة لإسقاطها على أقدامهم ". إنّ خلق المستعمرين الأمريكيين التوتّر العالمي بعد الحرب العالمية الثانية هو إشارة لا إلى قوّتهم بل إلى ضعفهم ، وهو يعكس ، على وجه التحديد ، عدم الإستقرار الذى لم يسبق له مثيل فى النظام الرأسمالي .
إنّ المستعمِرين الأمريكيِّين ، من أجل تحقيق مطمعهم فى الإستئثار بالسيطرة على العالم ، لا يلجأون فقط ، و بصورة مستشرية ، إلى جميع أنواع الهدم و التخريب ضد البلدان الإشتراكية ، بل يلجأون ايضا ، تحت ستار مقاومة " الخطر الشيوعي " إلى حشد قواعدهم العسكرية فى جميع أنحاء العالم ، و إغتصاب المناطق الوسطيّة ، و القيام بالإستفزازات العسكرية ، قائمين بالدور الذى حدّدوه لأنفسهم ، دور دركي العالم ، الذى يتولّى قمع الثورة فى مختلف البلدان . و كالجرذ يركض عبر الشارع بينما يصرخ الكلّ " إرموه بأي شيء " يتلقى المستعمِرون الأمريكيون فى كلّ مكان الضربات و اللكمات ، و على عكس ما يهدفون ، يثيرون فى كلّ مكان نهوضا جديدا فى نضال الشعوب الثوري . و قد أصبحوا الآن ، هم أنفسهم ، يحسّون بأنّ " نفوذ الولايات المتّحدة كدولة كبيرة فى العالم يتردّى" على النقيض من الإزدهار المتزايد فى العالم الإشتراكي الذى يقف على رأسه الإتحاد السوفياتي . و يمكن للمرء أن يرى عندهم " إنحطاط و سقوط روما القديمة فقط ".
و تدلّ التغيّرات التى طرأت على العالم فى الأربعين عاما و نيف الماضية ، على أنّ الإستعمار يتداعى كلّ يوم ، بينما تسير الإشتراكية أحسن فأحسن كلّ يوم . إنّه عصر عظيم جديد ذاك الذى يواجهنا اليوم ، و ميزته الأساسيّة أن قوى الإشتراكية تخطّت قوى الإستعمار و أن قوى يقظة الشعوب فى العالم تخطّت قوى الرجعية .
من الواضح أنّ الوضع العالمي الراهن قد مرّ بتغيّرات هائلة منذ زمن لينين ، و لكن هذه التغيّرات لم تبرهن على أنّ اللينينيّة قد فات أوانها ، بل على العكس ، اكّدت بوضوح ، أكثر فأكثر ، الحقائق التى كشفها لينين و جميع النظريّات التى قدمها أثناء النضال من أجل الدفاع عن الماركسية الثوريّة و لتطوير الماركسيّة .
و فى الظروف التاريخيّة لعصر الإستعمار و الثورة البروليتارية ، تقدّم لينين بالماركسية إلى مرحلة جديدة ، و أبان لجميع الطبقات و الشعوب المضطهَدة الطريق الذى تستطيع عبره أن تتخلّص حقّا من واقع عبوديّة الإستعمار الرأسمالي و الفقر .
لقد كانت هذه الأعوام الأربعون هي أعوام إنتصار اللينينية فى العالم ، أعوام شقّت فيها اللينينيّة طريقها بشكل أعمق إلى قلوب شعوب العالم . و لم تحرز اللينينيّة ، و تتابع إحراز الإنتصارات العظيمة فى البلدان التى أنشىء فيها النظام الإشتراكي فحسب ، بل إنّها تحقّق إنتصارات جديدة بإستمرار أيضا فى نضالات جميع الشعوب المضطهَدة .
إنّ إنتصار اللينينيّة قد هلّلت له شعوب العالم أجمع ، و فى نفس الوقت لا يمكن إلاّ أن يستثير حقد المستعمِرين و جميع الرجعيَين . و قد شنّ المستعمِرون ، لإضعاف نفوذ اللينينيّة و شلّ الإرادة الثوريّة للجماهير الشعبيّة ، أشدّ الهجمات و الإفتراءات بربرية و حقارة ضد اللينينيّة ، و أكثر من ذلك ، إشتروا و إستغلّوا المتذبذبين والمرتدّين داخل الحركة العمّالية، و وجّهوا هؤلاء لتشويه و تمييع تعاليم لينين . و عند نهاية القرن التاسع عشر ، عندما هزمت الماركسية مختلف الإتجاهات المعادية لها ، و إنتشرت بإتّساع فى الحركة العمّالية ، و إحتلّت مكان الصدارة ، قام المحرّفون الذين كان يمثّلهم برنشين بتحريف تعاليم ماركس تلبية لحاجات البرجوازية . و الآن حيث أرشدت اللينينية الطبقة العاملة و جميع الطبقات و الأمم المضطهَدة فى العالم ، فى المسيرة ضد الإستعمار و جميع أنواع الرجعيين ، و أحرزت إنتصارات كبرى ، قام المحرّفون المعاصرون الذين يمثّلهم تيتو بتحريف تعاليم لينين ( أي التعاليم الماركسية العصرية )، تلبية لحاجات المستعمِرين . و كما أشار البيان الذى صدر عن إجتماع مثّلي الأحزاب الشيوعية و العمّالية فى البلدان الإشتراكية الذى عقد فى موسكو فى تشرين الثاني ( نوفمبر) عام 1957، فإنّ " وجود التأثير البرجوازي هو مصدر داخلي للتحريفية بينما مصدرها الخارجي هوالإستسلام للضغط الإستعماري ". و بينما حاولت التحريفيّة القديمة فى ذلك العهد أن تثبت أنّ الماركسيّة أصبحت لا تلائم العصر ، فإنّ التحريفية المعاصرة تحاول إثبات أنّ اللينينية أصبحت لا تلائم العصر . لقد جاء فى بيان إجتماع موسكو :
" تسعى التحريفية المعاصرة للطعن فى التعاليم العظمى للماركسية - اللينينية ، و تزعم أنّها " غير ملائمة للعصر" ، كأنّها فقدت الآن أهمّيتها بالنسبة للتقدّم الإجتماعي . و يحاول المحرّفون بكلّ جهدهم إفساد الروح الثوريّة للماركسيّة و تخريب الإيمان بالإشتراكية بين الطبقة العاملة و الشغّيلة " .
لقد وضعت هذه الفقرة من البيان الأمور فى نصابها ، و هذا هو الوضع تماما .
فهل التعاليم الماركسية – اللينينية قد أصبحت الآن " غير ملائمة للعصر" ؟ و هل التعاليم المتكاملة كلّها التى أتى بها لينين حول الإستعمار و حول الثورة البروليتارية و ديكتاتورية البروليتاريا و حول الحرب و السلم ، و حول بناء الإشتراكية و الشيوعية ما زالت تحتفظ بحيويّتها الدافقة ؟ و إذا كانت ما تزال صالحة و تحتفظ بحيويّتها الدافقة فهل ينطبق هذا على جزء معيّن منها أو عليها كلّها ؟ لقد إعتدنا أن نقول إنّ اللينينيّة هي ماركسيّة عصر الإستعمار و الثورة البروليتارية ، ماركسية عصر إنتصار الإشتراكية و الشيوعية ، فهل ما يزال هذا الرأي صحيحا ؟ و هل يمكن القول إنّ إستنتاجات لينين الأصليّة و ما إعتدنا أن نعتقده حول اللينينية قد فقد صحّته و صوابه ، و لهذا فعلينا أن نرتدّ على أعقابنا و نقبل هذه الإستنتاجات التحريفيّة الإنتهازية التى مزّقها لينين منذ مدّة طويلة شذر مذر ، والتى أفلست بصورة مشينة فى الحياة الواقعية؟ إنّ هذه الأسئلة موضوعة الآن أمامنا و يجب الإجابة عليها . و على الماركسيين – اللينييين أن يفضحوا تماما سخافات المستعمِرين و المحرّفين المعاصرين حول هذه المسائل ، و يستأصلوا نفوذهم من بين الجماهير ، و يوقظوا أولئك الذين خدعوا مؤقّتا ، و يزيدوا من مضاء العزيمة الثورية لدى الجماهير الشعبية .
- 3 -
إنّ المستعمِرين الأمريكيين و الممثّلين المكشوفين للبرجوازية فى بلدان كثيرة ، و المحرّفين المعاصرين الذين تمثّلهم طغمة تيتو ، و الديمقراطيّين الإجتماعيّين اليمينيّين يعملون كلّ ما يستطيعون لرسم صورة مشوهة كلّيا للوضع العالمي المعاصر فى محاولة لتأكيد هذيانهم حول " أنّ الماركسية أصبحت غير ملائمة للعصر" و " أنّ اللينينية اصبحت أيضا غير ملائمة للعصر" و ذلك لتضليل شعوب العالم .
لقد أشار تيتو فى خطاب ألقاه فى نهاية العام الماضي ، بصورة متكرّرة ، إلى ما يدعوه المحرّفون المعاصرون ب " العصر الجديد " فقال : " لقد دخل العالم اليوم عصرا جديدا تستطيع فيه الأمم أن تأخذ راحة ، و أن تكرّس نفسها بإطمئنان لمهام البناء الداخلي فيها ". و اضاف لقد دخلنا عصرا وضعت فيه مسائل جديدة فى جدول الأعمال ، ليست مسائل حرب و سلم بل مسائل تعاون فى الحقول الإقتصاديّة و الحقول الأخرى . و عندما يكون التعاون الإقتصادي معنيّا فهناك أيضا مسألة المباراة الإقتصادية ". ( خطاب تيتو فى زغرب ، 12 كانون الأوّل ( ديسمبر ) عام 1959 ).
إنّ هذا المرتدّ يشطب تماما مسألة التناقضات الطبقية و النضال الطبقي فى العالم ، فى محاولة لنفي التفسير الثابت للماركسيين- اللينينيين بأنّ عصرنا هو عصر الإستعمار و الثورة البروليتارية ، عصر إنتصار الإشتراكية و الشيوعية .
و لكن ما هو الوضع الحقيقي فى العالم ؟
هل تستطيع الشعوب المستثمَرة و المضطهَدة فى البلدان الإستعمارية أن " تأخذ راحة " ؟ هل تستطيع شعوب جميع المستعمرات و أشباه المستعمرات التى مازالت تحت نير الإضطهاد الإستعماري أن " تأخذ راحة " ؟
و هل أصبح التدخّل المسلّح الذى قاده المستعمِرون الأمريكيون فى آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية " ساكنا " ؟ و هل هناك " هدوء " فى مضائق تايوان ؟ و هل هناك " هدوء " فى القارّة الأفريقيّة فى الوقت الذى يتعرّض فيه شعب الجزائر و شعوب أجزاء أخرى عديدة من أفريقيا للقمع المسلّح من جانب المستعمِرين الفرنسيّين و البريطانيين و المستعمِرين الآخرين ؟ و هل هناك " هدوء " فى أمريكا اللاتينية فى الوقت الذي يحاول فيه المستعمِرون الأمريكيون تحطيم ثورة الشعب فى كوبا بوسائل القذف بالقنابل و الإغتيالات و التخريب ؟
و ما نوع " البناء" الذى يعنيه القول " تكرّس نفسها لمهام البناء الداخلي " ؟ يعلم الجميع أنّ هناك أنواعا مختلفة من البلدان فى العالم اليوم ، و بصورة رئيسية هناك نوعان من البلدان ذوا نظامين إجتماعيين مختلفين بصورة أساسيّة من حيث طبيعتهما : النوع الأوّل يتبع النظام العالمي الإشتراكي ، و الآخر يتبع النظام العالمي الرأسمالي . فهل الذى يشير إليه تيتو هو " البناء الداخلي " لتوسيع التسلّح الذى يقوم به المستعمِرون من أجل إضطهاد شعوب بلدانهم و العالم أجمع ؟ أم هذا " البناء الداخلي" الذى تقوم به الإشتراكية من أجل تعزيز سعادة الشعوب ، و تلمّسا لسلم عالمي أبدي؟
و هل مسألة الحرب و السلم لم تعد مسألة بعد الآن ؟ هل المسألة أنّ الإستعمار لم يعد قائما و أنّ نظام الإستغلال لم يعد قائما و لهذا فمسألة الحرب لم تعد قائمة ؟ أو ندع الإستعمار و نظام الإستغلال يعيشان أبدا و من ثمّ لا يمكن أن تكون هناك مسألة حرب ؟ الحقيقة أنّ الحرب ظلّت مستمرّة منذ الحرب العالمية الثانية . فهل الحروب الإستعماريّة لقمع حركات التحرّر الوطني ، و الحروب الإستعماريّة للتدخّل المسلّح ضد الثورات فى عدّة بلدان لا تعدّ حروبا ؟ و حتى مع أنّها لم تتطوّر إلى حروب عالمية ، فهل لا تعدّ هذه الحروب المحليّة حروبا ؟ و حتى مع أنّها لم تستخدم فيها الأسلحة النوويّة فهل لا تعدّ الحروب التى يستخدم فيها ما يدعى بالأسلحة التقليديّة حروبا ؟ و هل تخصيص المستعمِرين الأمريكيين نحوا من ستين بالمئة من ميزانية عام 1960 لتوسيع التسلّح و الإستعدادات الحربيّة لا يعدّ سياسة تعطّش للحرب من جانب الإستعمار الأمريكي ؟ و هل لا تواجه البشرية بخطر حرب كبرى جديدة بإنعاش العسكريتين فى ألمانيا الغربية و اليابان ؟
وما نوع " التعاون" المقصود هنا ؟ هل هو " تعاون " شعوب المستعمرات و أشباه المستعمرات مع المستعمرين لحماية الإستعمار ؟ هل هو " تعاون " البلدان الإشتراكية مع البلدان الرأسمالية لحماية النظام الإستعماري فى إضطهاده شعوب البلدان الرأسمالية و قمع حروب التحرّر الوطني ؟
بكلمة واحدة ، إنّ مزاعم المحرّفين المعاصرين حول ما يدعى ب " العصر" هي تحدّيات عديدة للينينيّة فيما يتعلّق بالقضايا الآنفة الذكر . إنّ هدفهم هو طمس التناقضات بين الجماهير الشعبية و الطبقة البورجوازية الإحتكارية فى البلدان الإستعمارية ، و طمس التناقض بين الشعوب المستعمَرة و شبه المستعمَرة و بين المعتدين الإستعماريين و التناقض بين النظام الإشتراكي و النظام الإستعماري ، و التناقض بين الشعوب المحبّة للسلام فى العالم و الكتلة الإستعمارية المتعطّشة للحرب .
لقد قيلت أقوال مختلفة فى تمييز مختلف " العصور " . و عموما هناك قول هو مجّرد ثرثرة و هراء و يقوم على تلفيق كلمات غامضة مبهمة ، و التلاعب بها للتستّر على جوهر العصر، و هذه هي الحيلة القديمة للمستعمِرين و البرجوازيين و المحرّفين فى الحركة العمّالية . و هناك قول آخر هو تحليل الظروف الخاصة بالوضع الشامل للتناقضات الطبقية و النضال الطبقي تخليلا محدّدا ، و وضع التعاريف العلميّة بصورة دقيقة ، ممّا يضع جوهر العصر أمام الأضواء بصورة كاملة ، إن هذا هو عمل كلّ ماركسي جدّي .
و حول الخصائص التى تميّز عصرا ما قال لينين :
" ... نحن نتكلّم هنا عن العصور التاريخية الكبرى ، ففى كلّ عصر كان هناك ، و سيكون هناك ، حركات منفصلة جزئية إلى الأمام أحيانا و إلى الوراء أحيانا أخرى ، و كانت هناك ، و ستكون هناك ، إنحرافات مختلفة عن النوع العادي و السرعة العادية للحركات . و نحن لا نستطيع أن نعرف سرعة تطوّر مدى نجاح بعض الحركات التاريخيّة فى عصر ما ، و لكنّنا نستطيع أن نعرف ، و أن نعرف حقّ المعرفة ، أيّ الطبقات تحتلّ المكانة الرئيسية فى هذا العصر أو ذاك ، و تقرّر محتواه الرئيسي و الإتّجاه الرئيسي لتطوّره ، و الميزات الرئيسية للوضع التاريخي فى ذلك العصر إلخ . و على هذا الأساس فقط ، أي بإعتبار ، أوّلا و قبل كلّ شيء ، الخصائص الأساسيّة المميذزة " لعصور " مختلفة ( و ليس أحداثا منفردة فى تاريخ بلدان منفردة ) نستطيع رسم تكتيكاتنا بصورة صحيحة..." . ( " تحت علم الآخرين " )
إنّ مسألة العصر هي كما يشير لينين هنا ، مسألة ما هي الطبقة التى تحتلّ المكانة الرئيسية فيه و تقرّر فيه محتواه الأساسي و إتجاهه الرئيسي فى التطوّر . و لم يتخلّ لينين أبدا و لو للحظة واحدة ، إخلاصا منه للديالكتيك الماركسي ، عن موقف تحليل علاقات الطبقات . و كان يعتقد بأنّ " الماركسية تقدر " المصالح " عن طريق التناقضات الطبقية و النضالات الطبقية التى تعرض نفسها فى ملايين الحقائق فى الحياة اليومية " . ( " إفلاس الأممية الثانية " ).
و يعتقد لينين :
" إنّ أسلوب ماركس يتضمّن ، قبل كلّ شيء الأخذ بعين الإعتبار المحتوى الموضوعي للعمليّة التاريخيّة فى اللحظة المحدّدة ، و فى الوضع المحدّد ، لأجل إدراك ، قبل كلّ شيء ، ما هي الطبقة التى يمكن أن تشكّل حركتها قوّة محرّكة رئيسيّة للتقدّم الإجتماعي فى هذا الوضع المحدّد " . (" تحت علم الآخرين " )
و طالب لينين دائما بأن نتفحّص الطريق المحدّد للتطوّر التاريخي على أساس التحليل الطبقي بدلا من التحدّث بصورة غامضة عن " المجتمع عموما " ، أو " التقدّم عموما " . و علينا نحن الماركسيّين أن لا نضع السياسة البروليتاريّة على أساس مجرّد بعض الأحداث العابرة أو التغيّرات السياسيّة الدقيقة ، بل على أساس الوضع الشامل للتناقضات الطبقية و النضالات الطبقية فى عصر تاريخي بأكمله . إنّ هذا موقف نظري اساسي للماركسيين . و عن طريق الوقوف موقفا حازما حول هذه المسألة توصّل لينين ، فى الفترة الجديدة من التغيّرات الطبقية ، فى الفترة التاريخية الجديدة ، إلى أن أمل الإنسانية يكمن كلّيا فى إنتصار البروليتاريا ، و أنّ على البروليتاريا أن تعدّ نفسها لإحراز النصر فى هذه المعركة الثورية الكبرى و أن تقيم ديكتاتورية البروليتاريا . و بعد ثورة أكتوبر ، و فى المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الروسي ( البلشفيك ) عام 1918 صرّح لينين :
" علينا أن نبدأ بالأساس العام لتطوّر إنتاج السلع و الإنتقال إلى الرأسمالية و تحوّل الرأسمالية إلى الإستعمار ، و بذلك نحتلّ و نوطّد ، نظريّا ، الموقع الذى سوف لا يحاول أحد ، لم يخن الإشتراكية ، أن يزحزحنا عنه . و فى الوقت نفسه يمكننا من هذا أن نتوصّل إلى إستنتاج مساو فى حتميته وهو : إنّ عصر الثورة الإجتماعية قد بدأ ".
هذا هو إستنتاج لينين ، وإنّه إستنتاج لم يزل حتى الآن يتطلّب بحثا عميقا من جانب جميع الماركسيين .
إنّ نظرية الماركسيين الثوريين بأنّ عصرنا هو عصر الإستعمار و الثورة البروليتارية ، عصر إنتصار الإشتراكية و الشيوعية ، هي نظرية لا يمكن تفنيدها ، لأنّها تستحوذ بصورة صائبة تماما على الخصائص الأساسيّة لعصرنا العظيم الراهن . و النظريّة القائلة بأنّ اللينينيّة هي إستمرار و تطوّر للماركسيّة الثوريّة فى هذا العصر العظيم ، و بأنّها نظرية و سياسة الثورة البروليتارية و ديكتاتورية البروليتاريا ، هي أيضا نظرية لا يمكن تفنيدها، لأنّ اللينينية ، على وجه التحديد ، هي التى كشفت عن التناقضات فى عصرنا العظيم : التناقضات بين الطبقة العاملة و الرأسمال الإحتكاري ، التناقضات بين البلدان الإستعمارية ذاتها ، التناقضات بين الشعوب المستعمَرة و شبه المستعمَرة من جانب ، و الإستعمار من جانب آخر ، التناقضات بين البلدان الإشتراكية حيث إنتصرت البروليتاريا من جانب ، و البلدان الإستعمارية من جانب آخر . و لهذا فقد أصبحت اللينينيّة راية إنتصارنا . و لكن على العكس من هذه السلسلة من نظريّات الماركسيّة الثوريّة ، لم يعد فى الواقع فيما يدعوه التيتويّون ب " العصر الجديد " إستعمار و لا ثورة بروليتارية ، ناهيك عن نظرية و سياسة الثورة البروليتارية و ديكتاتورية البروليتاريا . و بإختصار ، فإنّ نقاط التمركز الأساسي للتناقضات الطبقيّة و النضالات الطبقية فى عصرنا غير مرئية أبدا بالنسبة إليهم ، كما أنّ المسائل الأساسيّة فى اللينينيّة مفقودة لديهم و ليست هناك أية لينينية .
و يزعم المحرّفون المعاصرون أن " النظريّات القديمة " لماركس و لينين لم تعد قابلة للتطبيق فيما يدعونه ب " نحن لسنا جامدين عقائديّا ، فماركس و لينين لم يتنبأا بالصاروخ يصل القمر و لا بالقنابل الذرّية و لا بالتقدّم التكنيكي الكبير" ( خطاب تيتو فى زغرب ، 12 كانون الأول ( ديسمبر ) عام 1959). إنّهم ليسوا جامدين عقائديّا ، هذا جميل ، و من الذى يريدهم أن يكونوا جامدين عقائديّا ؟ و لكن الإنسان يستطيع مقاومة الجمود العقائدي للدفاع عن الماركسية - اللينينية أو يستطيع ، فى الحقيقة ، أن يقاوم الماركسية - اللينينية بإسم مقاومة الجمود العقائدي . و إنّ التيتويّين هم من الفئة الأخيرة . وهناك أشخاص يحملون آراء غير صحيحة حول مسألة أثر التقدّم العلمي والتكنولوجي على التطوّر الإجتماعي، وذلك بسبب أنّهم غير قادرين على معالجة المسألة من وجهة النظر الماديّة التاريخيّة ، و هذا أمر يمكن إدراكه ، و لكن المحرّفين المعاصرين يخلقون عن عمد الإرتباك حول هذه المسالة فى محاولة يائسة لإستخدام تقدّم العلوم و التكنولوجيا لإلقاء الماركسية – اللينينية فى مهبّ الرياح .
لقد كانت منجزات الإتحاد السوفياتي ، فى السنوات القليلة الماضية ، فى حقلي العلوم و التكنولوجيا ، المنجزات الأولى فى العالم . و المنجزات السوفياتيّة هي حصيلة ثورة أكتوبر الكبرى . و هذه المنجزات البارزة تدلّ على بداية عصر جديد فى غزو الإنسان للطبيعة ، وهي ، فى الوقت نفسه ، تلعب دورا هاما جدّا فى الدفاع عن سلام العالم . و لكن ، فى الظروف الجديدة التى جلبها تطوّر التكنولوجيا الحديثة ، هل تزعزع الجهاز النظري للماركسية – اللينينية كما يقول تيتو بسبب " وصول الصاروخ إلى القمر، و القنابل الذرّية و التقدم التكنيكي الكبير" الأمور التى " لم يتنبّا بها " ماركس و لينين ؟ و هل يمكن القول إنّ النظرة الماركسيّة - اللينينية للعالم ، و النظرة الإجتماعية التاريخية ، و النظرة الأخلاقيّة و المعتقدات الأساسيّة الأخرى قد أصبحت ، لذلك ، ما يدعونه " عقائد جامدة " بالية ، و من ثمّ فإنّ قانون النضال الطبقي لم يعد قائما ؟
إنّ ماركس و لينين لم يعيشا حتى يومنا هذا ، و بطبيعة الحال لم يستطيعا رؤية بعض التفصيلات المعيّنة للتقدّم التكنولوجي فى عالم اليوم ، و لكن ماذا ينبئ ، على وجه التحديد ، تطوّر العلوم الطبيعيّة و تقدّم التكنولوجيا بالنسبة للنظام الرأسمالي ؟ لقد إعتقد ماركس و لينين بأنّ هذا ينبء فقط بثورة إجتماعية جديدة ، و لكنّه لا ينبئ بالتاكيد بإضمحلال الثورة الإجتماعية .
ونحن نعلم أن كلاّ من ماركس و لينين إبتهج بالإكتشافات الجديدة و التقدّم فى العلوم الطبيعية و التكنولوجيا فى غزو الطبيعة ، و قال إنجلز فى " الخطاب على قبر ماركس " :
" لقد كان العلم فى نظر ماركس قوّة ثوريّة محرّكة تاريخيّا . و مهما كان كبيرا الإبتهاج الذى يستقبل به أي إكتشاف جديد فى أي علم من العلوم النظرية ، حتى الإكشافات التى ربّما كان تطبيقها العملي مستحيل التصوّر بعد ، فإنّه كان بنوع آخر تماما من البهجة عندما يتضمّن الإكتشاف تأثيرات ثوريّة فوريّة فى الصناعة و فى التطوّر التاريخي عموما ".
و أضاف إنجلز : " يجب أن نعلم أنّ ماركس كان ثوريّا قبل كلّ شيء ". إنّ هذا قول جدّ جيد ! لقد نظر ماركس دائما إلى جميع الإكتشافات الجديدة فى غزو الطبيعة من وجهة نظر الثوري البروليتاري ، و ليس من وجهة نظر من يعتقد بأنّ الثورة البروليتارية ستضمحلّ .
و كتب ولهالم ليبكنخت فى مقاله " ذكريات عن ماركس " :
لقد هزأّ ماركس بالقوى الرجعية الأوروبية المنتصرة التى تخيّلت أنّها خنقت الثورة ، و لم يخطر ببالها أنّ العلوم الطبيعيّة كانت تعدّ ثورة جديدة . وإنّ الملك – البخار الذى أدخل العالم فى ثورة فى القرن السابق يقترب اليوم من نهاية حكمه ، و أنّ هناك قوّة ثورية أعظم بصورة لا تقارن ستحلّ محله ، وهي شرارة الكهرباء .
" ... إنّ نتائج هذا الأمر لا يمكن التنبؤ بها . و الثورة الإقتصاديّة تتلوها حتما ثورة سياسية حيث أنّ الأخيرة ليست إلاّ تعبيرا عن الأولى .
إنّ ماركس حين بحث تقدّم العلوم و الميكانيكا ، عبّر بوضوح عن نظرته للعالم ، و بوجه خاص عمّا يسمّى الآن بالنظرة الماديّة للتاريخ ، لدرجة أنّ بعض الشكوك التى كانت ما تزال تراودنى فى ذلك الوقت قد ذابت ذوبان الثلج تحت شمس الربيع " .
هكذا شعر ماركس بأنفاس الثورة فى تقدّم العلوم و التكنولوجيا . و كان ماركس يعتقد أن التقدّم الجديد فى العلوم و التكنولوجيا سيؤدى إلى ثورة إجتماعية تطيح بالنظام الرأسمالى . إنّ تقدّم العلوم الطبيعية و التكنولوجيا ، فى نظر ماركس ، يعزّز أكثر فأكثر موقف النظرة الماركسية للعالم بأكملها و النظرة الماديّة للتاريخ ، وهو بالتأكيد ، لا يزعزعه ، و إنّ تقدّم العلوم الطبيعية و التكنولوجيا يعزّز مركز الثورة البروليتارية و كفاح الأمم المضطهَدة ضد الإستعمار أكثر فأكثر ، وهو بالتأكيد ، لا يضعفه .
و نظر لينين أيضا ، مثله مثل ماركس ، إلى التقدّم التكنولوجي على أنّه مرتبط بمسألة الثورة فى النظام الإجتماعي . و هكذا إعتقد لينين " أنّ عصر البخار هو عصر البرجوازية و عصر الكهرباء هو عصر الإشتراكية " ( " حول عمل اللجنة التنفيذية المركزية لجميع روسيا و مجلس ممثلي الشعب ".)
ولنلاحظ هنا الفارق بين روح ماركس و لينين الثوريّة هذه و بين الموقف المشين للمحرّفين المعاصرين فى خيانة الثورة !
إنّ فى المجتمع الطبقي ، و فى عصر الإستعمار ، ليس بإمكان الماركسين – اللينينيين إلاّ أن يعالجوا ، دائما ، مسألة تطوّر و إستخدام التكنولوجيا من وجهة نظر التحليل الطبقي .
و بما أنّ النظام الإشتراكي تقدّميّ و يمثّل مصالح الشعب ، فإنّ البلدان الإشتراكية تريد إستخدام مثل هذا التكنيك الجديد كالطاقة الذرّية و الصواريخ لخدمة البناء الداخلي السلمي و غزو الطبيعة . و كلّما سيطرت البلدان الإشتراكية على قدر أكبر من مثل هذا التكنيك الجديد ، و كلما طوّرته بسرعة ، كان تحقيقها لهدف التطوّر العالي السرعة لقوى الإنتاج الإجتماعيّة من أجل تلبية حاجات الشعب أفضل ، و زادت فى الوقت نفسه من تعزيز قوى ردع الحرب الإستعمارية و من إمكانية الدفاع عن السلام العالمي . و لهذا فعلى البلدان الإشتراكية ، من أجل مصلحة شعوبها و لمصلحة سلام شعوب العالم اجمع ، أن تسيطر أكثر فأكثر، حيث كان ذلك ممكنا ، على مثل هذه التكنيكات الجديدة التى تخدم مصلحة الشعوب . و فى الوقت الحاضر ، يحتلّ الإتحاد السوفياتي الإشتراكي ، بصورة واضحة، المكانة العليا فى تطوير التكنيكات الجديدة . و يعلم الكلّ أنّ الصاروخ الذى هبط على القمر قد أطلق من قبل الإتحاد السوفياتي و ليس من قبل الولايات المتّحدة – البلد الأكثر تطوّرا فى الرأسمالية . و هذا يظهر أنّه ، فى البلدان الإشتراكية فقط ، يمكن أن توجد آفاق غير محدودة للتطوّر الواسع النطاق للتكنيكات الجديدة .
و على العكس ، بسبب أنّ النظام الإستعماري رجعي و ضد الشعب ، تريد الدول الإستعمارية إستخدام مثل هذه التكنيكات الجديدة للأغراض العسكرية ، أغراض العدوان على البلدان الأجنبيّة و التهويل على شعوبها نفسها ، و لصنع السلاح من أجل تذبيح بنى الإنسان . إنّ ظهور مثل هذه التكنيكات الجديدة ، بالنسبة للدول الإستعمارية ، يعنى فقط دفع التناقضات بين تطوّر القوى المنتجة الإجتماعية و علاقات الإنتاج الرأسمالية إلى مرحلة أكثر حدّة ، إن ما يجلبه هذا ليس بصورة من الصور تخليد الرأسمالية ، بل المزيد من شحذ ثورة الشعوب فى تلك البلدان و تدمير النظام الراسمالي القديم الإجرامي الذى يقوم على أكل لحوم البشر ليس إلاّ .
و يستخدم المستعمِرون الأمريكيون و شرطاؤهم أسلحة مثل القنابل الذرّية للتهديد بالحرب و لإعتصار العالم كلّه ، و هم يعلنون أنّ كلّ من لا يخضع لسيطرة الإستعمار الأمريكي سيدمّر . و تردّد طغمة تيتو هذا اللحن فتستخدم اللحن الإستعماري الأمريكي لنشر الفزع من الحرب الذرّية بين الجماهير الشعبيّة . و يستطيع الخداع الإستعماري الأمريكي و تطبيل طغمة تيتو أن يضلّلا ، مؤقتا فقط ، أولئك الذين لا يدركون الوضع الحقيقي ، ولكنّهما لا يستطيعان إرهاب الشعوب التى إستيقظت. و حتى أولئك الذين لا يدركون ، حتى الآن ، الوضع الحقيقي فإنّهم سيدركون تدريجيّا ذلك الوضع بمساعدة العناصر المتقدّمة .
لقد إعتقد الماركسيون – اللينينيون دائما أنّه ، فى تاريخ العالم ، ليس التكنيك بل الإنسان ، جماهير الشعب ، هي التى تقرّر مصير البشريّة . و كانت هناك نظريّة سارية لوقت ما بين بعض الناس فى الصين قبل و خلال حرب مقاومة العدوان الياباني تعرف بنظرية " السلاح يعنى كلّ شيء ". تزعم هذه النظرية أن أٍسلحة اليابان كانت جديدة و تكنيكها متقدّما ، بينما كانت أسلحة الصين قديمة و تكنيكها متأخّرا ، فإستنتجوا من ذلك ان " الصين ستخضع لا محالة " . و قد فنّد الرفيق ماو تسى تونغ فى كتابه " حول الحرب الطويلة الأمد " الذى نشر فى ذلك الوقت ، مثل هذا الهراء ، و قدّم التحليل التالي : إنّ حرب المستعمِرين اليابانيين العدوانيّة ضد الصين مصيرها الفشل لأنّها رجعيّة ، غير عادلة ، و حيث أنّها غير عادلة فهي لا تحظى بالتأييد ،أمّا حرب المقاومة التى يخوضها الشعب الصيني ضد اليابان فستنتصر بالتأكيد لأنّها تقدّمية ، عادلة ، و حيث أنّها عادلة فهي تحظى بتأييد وافر . و أشار الرفيق ماو تسى تونغ إلى أن أوفر مصدر للقوّة فى الحرب يكمن فى الجماهير ، وأنّ جيشا شعبيّا تنظمه جماهير مستيقظة متّحدة من الشعب هو جيش لا يقهر فى جميع انحاء العالم . إنّ هذا تحليل ماركسي لينيني . و ماذا كانت النتيجة ؟ لقد كانت النتيجة أن التحليل الماركسي اللينيني إنتصر و هزمت " نظرية الخضوع " و أمثالها فى نهاية الأمر . و خلال الحرب الكوريّة ، بعد الحرب العالمية الثانية ، أثبت إنتصار الشعبين الكوري و الصيني على المعتدين الأمريكيين ، المتفوّقين كثيرا فى الأسلحة و العتاد ، صحّة هذا التحليل الماركسي اللينيني مرّة أخرى .
إنّ الشعب الواعي يجد دائما طرقا جديدة للردّ على تفوّق الرجعيين فى السلاح و لإحراز النصر . لقد كان هذا صحيحا فى التاريخ الماضي ، وهو كذلك فى الوقت الحاضر، و سيبقى كذلك فى المستقبل. و بسبب أنّ الإتحاد السوفياتي الإشتراكي قد أحرز التفوّق فى التكنيك العسكري و أنّ المستعمِرين الأمريكيين قد فقدوا بذلك إحتكارهم للأسلحة الذرّية و النوويّة ، و نتيجة ليقظة شعوب العالم و شعب الولايات المتحدة نفسها فى الوقت ذاته ، فإنّ ثمة فى العالم الآن إمكانية عقد مثل هذه الإتّفاقية . و خلافا للمستعمِرين المتعطّشين للحرب ، تقف البلدان الإشتراكية و الشعوب المحبّة للسلام فى العالم أجمع بنشاط و حزم من أجل تحريم و تدمير الأسلحة الذرّية و النوويّة . إنّنا نناضل دائما ضد الحرب الإستعمارية و من أجل تحريم الأسلحة الذرّية و النوويّة و للدفاع عن سلام العالم . وكلّما إتّسع و تعمّق هذا النضال، و كلّما كان فضح الوجوه الفظيعة للمستعمِرين الأمريكيين و المستعمرين الآخرين المتعطّشين للحرب تاما و شاملا ، كنّا قادرين على عزل هؤلاء المستعمرين عن شعوب العالم ، و إزدادت إمكانية غلّ أيديهم و أرجلهم ، و كان الوضع أفضل بالنسبة لقضية السلام العالمي و على العكس ، إذا فقدنا يقظتنا ضد خطر شنّ المستعمرين للحرب ، و إذا لم نعمل لإثارة شعوب مختلف البلدان للنهوض ضد الإستعمار ، بل غللنا أيدى الشعوب و أرجلها ، فسيستطيع الإستعمار الإستعداد للحرب كما يحلو له . و ستكون النتيجة الحتميّة زيادة شنّ المستعمِرين للحرب ، و عندما تنشب الحرب ربّما لن تكون الشعوب قادرة على إتّخاذ موقف صحيح بسرعة إزاءها بسبب الإفتقار التام ، أو غير الكافى ، للإستعداد ، و هكذا تكون غير قادرة على ردع الحرب بقوّة . و بطبيعة الحال ، لا يمكننا نحن تقرير ما إذا كان المستعمِرون سيشنّون حربا أم لا . إنّنا ، على كلّ حال ، لسنا رؤساء أركان حرب للمستعمِرين . و ما دامت شعوب جميع البلدان ترفع وعيها و تستعدّ إستعدادا تاما ، مع تملّك المعسكر الإشتراكي أيضا للأسلحة الحديثة ، فإنّ النتيجة ستكون حتما الدمار السريع جدّا للمستعمِرين الوحوش الذين تطوّقهم شعوب العالم ، و لن تكون النتيجة ، بالتأكيد ، إبادة الجنس البشري ، و ذلك إذا رفض المستعمِرون الأمريكيون او المستعمِرون الآخرون الوصول إلى إتّفاقية حول تحريم الأسلحة الذرّية و النوويّة ، و جرؤوا على معاندة إرادة الإنسانية كلّها بشنّ حرب يستخدمون فيها السلاح الذرّي و النووي . إنّنا نقاوم بثبات شنّ حروب إجرامية من جانب المستعمرين ، لأنّ الحرب الإستعمارية تفرض ضحايا هائلة على شعوب مختلف البلدان ( بما فيها شعوب الولايات المتحدة و البلدان الإستعمارية الأخرى ). و لكن إذا فرض المستعمِرون مثل هذه التضحيات على شعوب مختلف البلدان ، فإنّنا نعتقد ، تماما كما أظهرت تجربة الثورة الروسية و الثورة الصينية ، أنّ مثل هذه التضحيات ستعوّض . فعلى أنقاض الإستعمار الميّت ، ستخلق الشعوب الظافرة ، بسرعة كبيرة جدّا ، حضارة ارقى ألف مرّة من حضارة النظام الرأسمالي ، و مستقبلا جميلا حقّا لنفسها .
ولا يكون الإستنتاج إلاّ كما يلى فقط : كيفما نظرنا إلى الأمر ، فلن نجد شيئا من التكنيكات الجديدة مثل الطاقة الذرّية و الصواريخ و هلمجرّا قد غيّر ، كما يزعم المحرّفون المعاصرون ، الخصائص الأساسيّة لعصر الإستعمار و الثورة البروليتارية الذى أشار إليه لينين . و لن يسقط نظام الإستعمار الرأسمالي من تلقاء نفسه بالتأكيد ، بل سيطاح به من قبل ثورة البروليتاريا داخل البلد الإستعماري المعني ، و من قبل الثورة الوطنية فى المستعمرات و أشباه المستعمرات . و لا يستطيع التقدّم التكنولوجي المعاصر إنقاذ نظام الإستعمار الرأسمالي من الفناء ، بل هو يقرع فقط ناقوسا جديدا مؤذنا بوفاته .
- 4 -
و يحاول المحرّفون المعاصرون ، منطلقين من إستنتاجهم السخيف حول الوضع العالمي المعاصر، و من إستنتاجهم السخيف حول ما يزعمون من أن النظرية الماركسية – اللينينية للتحليل الطبقي و النضال الطبقي قد فات أوانها ، الإطاحة كلّيا بالنظريات الأساسية للماركسية – اللينينية حول سلسلة من المسائل مثل العنف ، و الحرب ، و التعايش السلمي و هكذا .
و هناك أيضا بعض الناس ليسوا محرّفين بل حسنو النيّة ، يريدون مخلصين أن يكونوا ماركسيّين ، و لكنّهم يرتبكون أمام بعض الظواهر التاريخية الجديدة ، و هكذا يحملون بعض الأفكار غير الصائبة ، فبعضهم يقول مثلا ، إنّ فشل سياسة المستعمرين الأمريكيين فى الخداع الذرّي يدلّ على نهاية العنف ، و فى الوقت الذى نفنّد فيه تفنيدا تاما سخافات المحرّفين المعاصرين علينا أيضا أن نساعد ذوى النيّة الحسنة هؤلاء على تصحيح أفكارهم الخاطئة .
ما هو العنف ؟ لقد قال لينين الكثير حول المسألة فى كتابه " الدولة و الثورة ". إنّ ظهور و وجود الدولة بحدّ ذاته هو نوع من أنواع العنف . لقد أورد لينين التوضيح التالي الذى جاء به إنجلز:
" تألّف هذه السلطة لا من مجرد رجال مسلّحين ، بل و من ملحقات ماديّة كالسجون و المؤسسات القسريّة من جميع الأنواع ..."
و يعلّمنا لينين أنّ علينا أن نرسم خطّا مميّزا بين نوعين من أنواع الدولة يختلفان فى طبيعتهما : دولة ديكتاتورية البرجوازية و دولة ديكتاتورية البروليتياريا ، و بين نوعين من العنف يختلفان فى طبيعتهما : العنف المعادي للثورة و العنف الثوري ، فطالما كان هناك عنف معاد للثورة فمن المحتّم أن يكون هناك عنف ثوري لمقاومته . و من المستحيل سحق العنف المعادي للثورة بدون عنف ثوري . إنّ الدولة التى تمسك بزمام السلطة فيها الطبقات المستغِلّة هي عنف معاد للثورة ، هي قوة خاصة لقمع الطبقات المستغَلة لمصلحة الطبقات المستغِلة. و قبل أن يمتلك المستعمِرون قنابل ذريّة و أسلحة صاروخية ، و منذ أن إمتلكوا هذه الأسلحة الجديدة ، كانت الدولة الإستعمارية دائما قوّة خاصة لقمع البروليتاريا فى الداخل و شعوب مستعمراتها و أشباه مستعمراتها فى الخارج ، و كانت دائما مؤسسة للعنف على هذا الشكل ، و حتى لو أجبر المستعمِرون على عدم إستخدام هذه الأسلحة الجديدة فستبقى الدولة الإستعماريّة ، بطبيعة الحال ، مؤسّسة إستعمارية للعنف طالما لم يطح بها و لم تستبدل بدولة شعبيّة ، بدولة ديكتاتورية البروليتاريا فى ذلك البلد .
و لم تكن هناك أبدا منذ فجر التاريخ مثل هذه القوى الواسعة النطاق ، قوى العنف هذه البالغة غاية الشرّ و الفظاعة ، التى يمتلكها المستعمِرون الرأسماليون فى الوقت الحاضر . و خلال السنوات العشر و النيف الماضية ، إتّبع المستعمِرون الأمريكيون ، دون أيّة مبالاة ، وسائل إضطهاد أوحش مئة مرّة من تلك التى إتّبعت من قبل دائسين أفضل أبناء الطبقة العاملة ، و الشعب الزنجي و جميع التقدّميين فى البلاد و ظلّوا يعلنون بطيش ، زيادة على ذلك ، أنّهم ينوون وضع العالم أجمع تحت حكمهم الذى يقوم على العنف . و هم يوسّعون ، بإستمرار، قوى عنفهم ، و يشترك ، فى الوقت نفسه ، المستعمِرون الآخرون أيضا فى السباق لزيادة قوى العنف الذى يمارسونه .
إنّ الجهاز العسكري المتضخّم للبلدان الإستعمارية ، و فى طليعتها الولايات المتّحدة ، قد ظهر أثناء الأزمة العامة الخطيرة التى ألمّت بالرأسمالية بشكل لم يسبق له مثيل . و كلّما قام المستعمِرون بتوسيع قواتهم العسكرية حتى القمّة ، و بصورة محمومة ، إقتربوا من نهايتهم . و قد أصبح الآن لدى حتى بعض ممثّلي الإستعمار الأمريكي دلائل على الفناء الحتمي للنظام الرأسمالي . و لكن هل يضع المستعمِرون بأنفسهم حدّا لعنفهم ؟ و هل يتخلّى أولئك الذين يمسكون بزمام السلطة فى البلدان الإستعماريّة ، بطيب خاطر ، عن العنف الذى أقاموه ، بسبب أن الإستعمار يقترب من ملاقاة حتفه ؟ و هل يمكن القول إنّ المستعمِرين ، بالقياس إلى الماضي لم يعودوا مدمنين على العنف ، أو أنّ هناك إنخفاظا فى درجة إدمانهم ؟
لقد أجاب لينين على مثل هذه الأسئلة فى عدّة مناسبات منذ مدّة طويلة . فقد أشار فى كتابه " الإستعمار أعلى مراحل الرأسمالية " : " ... يحاول الإستعمار دائما و بكلّ جهوده ، فى الناحية السياسية أن يلجأ إلى العنف و الرجعية ". و بعد ثورة أكتوبر أشار لينين فى كتابه " ثورة البروليتاريا و المرتدّ كاوتسكي " إشارة خاصة إلى حوادث التاريخ مقارنا الفروق بين الراسمالية قبل مرحلة الإحتكار و بين رأسمالية الإحتكار ، أي الإستعمار ، فقال :
" كانت الرأسمالية قبل مرحلة الإحتكار ، ( التى وصلت أوجها فى السبعينات من القرن التاسع عشر ) بسبب خواصها الإقتصادية الأساسية ( التى كانت أكثر تميّزا فى أنكلترا و أمريكا ) متميّزة بإرتباطها النسبيّ بالسلم و الحرّية . أمّا الإستعمار، أي الرأسمالية الإحتكارية التى نضجت أخيرا فى القرن العشرين فقط ، فإنّه متميّز بأقلّ إرتباط بالسلم و الحرّية و بأعظم تطوّر و أشمله للعسكرية فى كلّ مكان بسبب خواصه الإقتصادية الأساسية ".
لقد تفوّه لينين بهذه الكلمات فى الفترة الأولى من ثورة أكتوبر بطبيعة الحال ، عندما كانت دولة البروليتاريا قد وُلدت حديثا ، و عندما كانت قواها الإقتصادية ما تزال فتيّة و ضعيفة ، و قد طرأت ، بعد إنقضاء أربعين عاما و نيف ، تغيّرات هائلة على وجه الدولة السوفياتية ذاتها و على وجه العالم أجمع كما ذكرنا سابقا . والآن ، هل يمكن القول إنّ طبيعة الإستعمار قد تغيّرت بسبب بأس الإتحاد السوفياتي و قوى الإشتراكية و قوى السلام ، و إن الرأي السابق للينين قد فات أوانه نتيجة لذلك ، أو إنّ الإستعمار ، مع أنّ طبيعته لم تتغيّر ، لم يعد يلجأ إلى العنف ؟ و هل تتّفق هذه الأفكار مع الوضع الحقيقي ؟
لقد أحرز النظام العالمي الإشتراكي ، بصورة واضحة ، اليد العليا فى صراعه مع النظام العالمي الرأسمالي . و لقد أضعفت هذه الحقيقة التاريخية العظمى مكانة عنف الإستعمار فى العالم بأسره . و لكن هل تجعل هذه الحقيقة المستعمِرين يقلعون منذ اليوم عن إضطهاد شعوب بلدانهم مرّة أخرى ، و عن الإنهماك فى النشاطات التوسعية العدوانية فى الخارج مرّة أخرى و إلى الأبد ؟ و هل تستطيع أن تجعل الأوساط المتعطّشة للحرب بين المستعمِرين " تلقى سكين الجزار" و " تبيع سكاكينها و تشتري الثيران " ؟ هل تستطيع أن تجعل مجموعات تجار الذخائر الحربيّة فى البلدان الإستعمارية يغيّرون مهنتهم و يتحوّلون إلى مزاولة مهن السلم ؟
إنّ هذه المسائل جميعها تعترض كلّ ماركسي – لينيني جدّي و تتطلّب منه بحثا عميقا . و من الواضح أن النظر إلى هذه المسائل و معالجتها بصورة صحيحة أو غير صحيحة مسألة لها إرتباط وثيق بنجاح أو فشل قضيّة البروليتاريا و مصير الإنسانية فى العالم أجمع .
إنّ الحرب هي أكثر أشكال التعبير عن العنف حدّة . و أحد أنواعها هو الحرب الأهليّة ، و النوع الآخر منها هو الحرب الخارجية . و العنف لا يعبّر عنه دائما بالحرب ، وهي أكثر أشكاله حدّة ، ففى البلدان الرأسمالية تكون الحرب البرجوازية إمتدادا لسياسة البرجوازية فى الأوقات العادية ، بينما يكون السلم البرجوازي إمتدادا لسياسة البرجوازية زمن الحرب . و البرجوازيون يروحون و يجيئون دائما بين الشكلين ، الحرب و السلم ، فإستمرارهم فى حكم الشعب و من أجل نضالهم الخارجي . ففى الوقت الذى يسمّى وقت سلم ، يعتمد المستعمِرون على القوّة المسلّحة لمعاملة الطبقات و الأمم المضطهّدة بأشكال من العنف مثل الإعتقال و السجن و الحكم بالأشغال الشاقة و التذبيح إلخ ... بينما يقومون فى الوقت ذاته بإستعدادات لإستخدام أكثر أشكال العنف حدّة - الحرب - لقمع ثورة الشعب فى الداخل ، و لممارسة النهب فى الخارج ، و للتغلّب على المنافسين الأجانب ، و لكبح الثورات فى البلدان الأخرى ، أو يلجأون فى وقت واحد إلى السلم فى الداخل و إلى الحرب فى الخارج .
و فى الفترة الأولى من ثورة أكتوبر لجأت الدول الإستعماريّة إلى العنف بشكل الحرب ضد الإتّحاد السوفياتي – الأمر الذى كان إستمرارا لسياساتها الإستعماريّة . و فى الحرب العالميّة الثانية إستخدم المستعمِرون الألمان العنف بشكل حرب واسعة النطاق لمهاجمة الإتحاد السوفياتي – الأمر الذى كان إستمرارا لسياستهم الإستعمارية . و لكن المستعمِرين يقيمون من جهة أخرى أيضا علاقات دبلوماسية للتعايش السلمي مع الإتحاد السوفياتي فى فترات مختلفة ، الأمر الذى هو أيضا بطيبعة الحال إستمرار للسياسة الإستعمارية بشكل آخر فى ظلّ ظروف معيّنة .
حقّا لقد ظهرت الآن بعض المسائل الجديدة تتعلّق بالتعايش السلمي . فأمام الإتحاد السوفياتي الجبّار و المعسكر الإشتراكي الجبّار ، لا بدّ للمستعمِرين ، على أيّة حال ، أن ينظروا بعناية فيما إذا كانوا سيعجّلون بفنائهم ، كما فعل هتلر ، أو يجلبون أوخم العواقب للنظام الرأسمالي نفسه إذا هم هاجموا الإتحاد السوفياتي و البلدان الإشتراكية الأخرى .
" التعايش السلمي" – هذه فكرة جديدة ظهرت فقط بعد ظهور البلدان الإشتراكية فى العالم إثر ثورة أكتوبر ، إنّها فكرة جديدة تكون فى ظلّ ظروف تنبّأ بها لينين قبل ثورة أكتوبر عندما قال :
" لا تستطيع الإشتراكية تحقيق النصر فى جميع البلدان فى آن واحد ، إنّها ستحقّق النصر أوّلا فى بلد أو عدّة بلدان ، بينما ستبقى البلدان الأخرى لبعض الوقت برجوازية أو فى مرحلة ما قبل البرجوازية " ( " المنهاج العسكري للثورة البروليتارية ".)
هذه الفكرة الجديدة فكرة تقدّم بها لينين بعد تغلّب الشعب السوفياتي العظيم على التدخّل الإستعماري المسلّح . و كما أشرنا آنفا ، لم يكن المستعمِرون فى البداية راغبين فى التعايش سلميّا مع الإتحاد السوفياتي . لقد أجبر المستعمرون على " التعايش " مع الإتحاد السوفياتي فقط بعد أن فشلت حرب التدخّل ضدّه ، و بعد أن مضت عدّة سنوات من إختبار القوّة واقعيّا ، و بعد أن غرست الدولة السوفياتية أقدامها راسخة فى الأرض ، و بعد أن ظهر بعض توازن القوى بين الدولة السوفياتية و البلدان الإستعمارية . قال لينين عام 1920 :
" لقد كسبنا ظروفا لأنفسنا نستطيع فيها أن نعيش جنبا إلى جنب مع الدول الرأسمالية القويّة التى أجبرت الآن على الدخول فى علاقات تجارية معنا ".( " وضعنا الداخلي و الخارجي و مهمّات الحزب ").
و من هذا نرى أن تحقيق اوّل دولة إشتراكية فى العالم التعايش السلمي لفترة معيّنة بينها و بين الإستعمار قد تمّ إحرازه كلّيا عن طريق النضال . و قبل الحرب العالمية الثانية كانت فترة 1920 – 1940 ، قبل هجوم المانيا على الإتحاد السوفياتي ، فترة تعايش سلمي بين الإستعمار و الإتحاد السوفياتي . و خلال هذه العشرين عاما بقي الإتحاد السوفياتي مخلصا للتعايش السلمي . و لكن هتلر ، عام 1941، لم يعد راغبا فى التعايش سلميّا مع الإتحاد السوفياتي ، و شنّ المستعمِرون الألمان بغدر هجوما وحشيّا على الإتحاد السوفياتي . و نظرا للنصر فى الحرب ضد الفاشست التى كان الإتحاد السوفياتي العظيم القوّة الأساسية فيها ، فقد رأي العالم ، مرّة أخرى ، وضعا من التعايش السلمي بين البلدان الإشتراكية و الرأسمالية . و مع ذلك لم يتخلّ المستعمِرون عن مكائدهم . فقد أنشأ المستعمِرون الأمريكيّون شبكات من القواعد العسكرية و قواعد القذائف الموجّهة فى كل مكان حول الإتحاد السوفياتي و المعسكر الإشتراكي كلّه . و ما زالوا حتى الآن يحتلّون أرضنا تايوان و يقومون ن بإستمرار، بإستفزازات عسكرية ضدّنا فى مضائق تايوان . و قد قاموا بالتدخّل المسلّح فى كوريا مشعلين حربا واسعة النطاق ضد الشعبين الكوري و الصيني على الأرض الكورية ، لم تنتج عنها إتفاقية الهدنة إلاّ بعد أن هزموا ، و لكنّهم ما زالوا حتى الآن يتدخّلون فى مسألة توحيد الشعب الكوري . و قدّموا الأسلحة معونة لقوات الإحتلال الفرنسية الإستعمارية فى حربها ضد الشعب الفيتنامي ، و ما زالوا حتى الآن يتدخّلون فى مسالة توحيد الشعب الفيتنامي . و دبّروا العصيان المعادي للثورة فى هنغاريا و ما زالوا حتى الآن يقومون بإستمرار بجميع انواع المحاولات للتخريب فى بلدان أوربا الشرقية الإشتراكية و البلدان الإشتراكية الأخرى . إنّ الحقائق ما زالت تماما كما قدّمها لينين إلى مراسل أميركى فى شباط ( فبراير) عام 1920 بقوله : حول مسالة السلم " لا يوجد أي عائق من جانبنا . إنّ العائق هو إستعمار الرأسماليين الأمريكيين ( و الآخرين جميعهم )" ( " جواب على أسئلة مندوب " جريدة النيويورك المسائية" " ).
إنّ السياسة الخارجية للبلدان الإشتراكية لا يمكن أن تكون إلاّ سياسة سلم .و النظام الإشتراكي يقرّر أنّنا لا نحتاج للحرب ، و لن نشعل حربا إطلاقا، و لن نسمح لأنفسنا أبدا ، و لا يجوز إطلاقا ، كما لا يمكن ، أن نعتدي على بوصة واحدة من أراضي بلد مجاور . لقد تمسّكت جمهورية الصين الشعبية بإستمرار ، منذ وجودها ، بسياسة خارجية سلميّة . و وضعت بلادنا ، مع بلدين مجاورين : الهند و بورما ، المبادئ الخمسة المعروفة للتعايش السلمي ، و أقرّت بلادنا ، فى مؤتمر باندونغ عام 1955 مع مختلف البلدان الآسيوية و الأفريقية ، المبادئ العشرة للتعايش السلمي . و أيّد الحزب الشيوعي و الحكومة فى بلادنا ن بإستمرار ، فى السنوات القليلة الماضية ، نشاطات النضال من أجل السلم التى قامت بها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي فى الإتحاد السوفياتي و الحكومة السوفياتية برئاسة الرفيق نيكيتا خروتشوف ، إعتبارا منهما بأنّ هذه النشاطات من جانب اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي و الحكومة السوفياتية قد دلّلت أكثر لشعوب العالم على رسوخ السياسة الخارجية السلمية للبلدان الإشتراكية ، و على حاجة الشعوب لإيقاف المستعمِرين عن شنّ حرب عالمية أخرى ، و للنضال من أجل سلم عالمي دائم .
وقد نصّ بيان مؤتمر موسكو عام 1957 على ما يلى :
" إنّ الذى يصون قضية السلم هو هذه القوى الجبّارة لعصرنا : معسكر البلدان الإشتراكية الذى لا يقهر ، و على رأسه الإتحاد السوفياتي ؛ و بلدان آسيا و أفريقيا الشغوفة بالسلم و التى تأخذ موقفا معاديا للإستعمار و تشكّل سويّة مع البلدان الإشتراكية منطقة سلم واسعة ؛ و الطبقة العاملة العالمية ، و فوق كلّ شيء طليعتها – الأحزاب الشيوعية ؛ و حركة تحرّر شعوب المستعمرات و أشباه المستعمرات ؛ و حركة السلم الجماهيرية لشعوب العالم . إنّ القوى التى تقاوم بحزم مشاريع حرب جديدة هي ، إلى جانب القوى المذكورة آنفا ، شعوب البلدان الأوروبية التى أعلنت الحياد ، و شعوب اميركا اللاتينية ، و الجماهير الشعبية فى البلدان الإستعمارية . و إنّ تحالف هذه القوى الجبارة يستطيع منع الحرب ".
و طالما كان هناك تطوير مستمرّ لهذه القوى الجبّارة فمن الممكن المحافظة على وضع التعايش السلمي ، أو حتى الحصول على بعض انواع الإتفاقيات الرسمية حول التعايش السلمي أو عقد إتّفاقية حول حظر الأسلحة الذرّية و النوويّة . و هذا سيكون شيئا ممتازا يتّفق تماما مع مطامح شعوب العالم . و لكن ، حتى فى ظلّ هذه الظروف ، طالما لم يزل النظام الإستعماري قائما ، فإنّ أكثر اشكال العنف حدّة ، أي الحرب ، لم تنته من العالم بصورة من الصورة . إنّ الحقيقة ليست كما يصفها المحرّفون اليوغسلافيون الذين يعلنون أن تعريف لينين بأنّ " الحرب إستمرار للسياسة " وهو التعريف الذى أوضحه لينين بصورة متكرّرة و تمسك به فى محاربته للإنتهازية ، قد فات أوانه .( أنظر " التعايش الفعّال و الإشتراكية " ناروندا أرميجا اليوغسلافية ، 28 تشرين الثاني ( نوفمبر ) عام 1958).
إنّنا نؤمن بالصواب المطلق لتفكير لينين : الحرب هي النتيجة الحتميّة لنظم الإستغلال ، و مصدر الحروب الحديثة هو النظام الإستعماري . و حتى ينتهى النظام الإستعماري و الطبقات المستغِلة ستحدث حروب ، من نوع أو آخر ، دائما . و ربّما كانت حروبا بين المستعِمرين و الأمم المضطهَدة ، أو حروبا أهليّة نتيجة الثورة و معاداة الثورة بين الطبقات المستغَلة و المستغِلة فى البلدان الإستعمارية ، و يحتمل ، بطبيعة الحال ، أن تكون حروبا يهاجم فيها المستعمِرون البلدان الإشتراكية و تكون فيها البلدان الإِشتراكية مجبرة على الدفاع عن نفسها . إنّ جميع أنواع الحروب هذه تمثّل إستمرارا لسياسة طبقات معينة : و على الماركسيين – الليينيين أن لا يغرقوا إطلاقا فى حمأة المسالمة البرجوازية ، و لا ينبغى لهم إلاّ أن يقدروا جميع أنواع الحروب هذه بإتباع أسلوب التحليل الطبقي المادي . و طبقا لذلك يستخلصون الإستنتاجات للسياسة البروليتارية . و قد وصف لينين هذه الحروب فى مقاله " المنهاج العسكري للثورة البروليتارية " فقال : " إنّه لمن الخطّأ الفادح ، نظريّا ، أن ننسى أنّ كلّ حرب ليست إلاّ إستمرارا للسياسة بوسائل اخرى ".
و للمستعمِرين دائما نوعان من التكتيك من أجل تحقيق هدفهم فى النهب و الإضطهاد : تكتيكات الحرب و تكتيكات " السلم " ، و لهذا ، فعلى البروليتاريا و الشعوب فى جميع البلدان ان تسخدم أيضا نوعين من التكتيك للردّ على المستعمرين : تكتيك فضح خدعة السلم الإستعمارية فضحا تامّا ، و النضال بصورة فعّالة من أجل سلم عالمي حقيقي ، و تكتيك الإستعداد لإستخدام الحرب العادلة لوضع حدّ للحرب الإستعمارية غير العادلة عندما يشنّها المستعمِرون .
و جملة القول أنّه ، لمصلحة شعوب العالم ، يجب علينا أن نحطّم تماما سخافات التحريفية المعاصرة و نتمسّك بوجهة النظر الماركسية - اللينينية حول مسائل العنف ، و الحرب ، و التعايش السلمي .
و ينكر المحرّفون اليوغسلافيون الصفة الطبقية الملازمة للعنف و بهذا يطمسون الفروق الأساسيّة بين العنف الثوري و العنف المعادي للثورة ، و ينكرون الصفة الطبقية الملازمة للحرب و بهذا يطمسون الفروق الأساسية بين الحرب العادلة وغير العادلة ، و ينكرون أنّ الحرب الإستعمارية إستمرار للسياسات الإستعمارية ، و ينكرون خطر شنّ المستعمِرين لحرب كبرى أخرى ، و ينكرون أن من الممكن القضاء على الحرب فقط بعد القضاء على الطبقات المستغِلّة ، و حتى انّهم يدعون ، دون خجل ، المسئول الإستعماري الأمريكي الأوّل - " أيزنهاور- " الرجل الذى وضع حجر الزاوية للقضاء على الحرب الباردة و إقامة سلم دائم مع المباراة السلمية بين مختلف النظم السياسية " ( أنظر " أيزنهاور يصل روما ، بوربا اليوغسلافية، 4 كانون الأوّل ( ديسمبر) عام 1959). و ينكرون أنّه ، فى ظلّ ظروف التعايش السلمي ، ما تزال هناك نضالات معقّدة حادّة فى الميادين السياسة و الإقتصادية و الإيديولوجية و غيرها. إنّ كلّ هذا الجدل من جانب المحرّفين اليوغسلافيين يهدف إلى تسميم عقول البروليتاريا و الشعوب فى مختلف البلدان ، وهو يساعد السياسة الإستعمارية الحربيّة .
- 5 –
إنّ المحرّفين المعاصرين خلطوا السياسة الخارجية السلميّة للبلدان الإشتراكية بالسياسة الداخلية للبروليتاريا فى البلدان الرأسمالية . و هم يعتقدون لذلك أنّ التعايش السلمي بين البلدان ذات النظم الإجتماعية المختلفة يعنى انّ الرأسمالية يمكن أن تتقدّم سلميّا إلى الإشتراكية و أنّ البروليتاريا فى البلدان التى تحكمها البرجوازية يمكن أن تتخلّى عن النضال الطبقي و تدخل فى " تعاون سلمي" مع البرجوازيين و المستعمرين ، و أنّ البروليتاريا و جميع الطبقات المستغلّة أن تنسى حقيقة انّها تعيش فى مجتمع طبقي و هكذا. إنّ جميع هذه الآراء على طرفي نقيض أيضا مع الماركسية – اللينينية . إنّهم يهدفون حماية الحكم الإستعماري و إبقاء البروليتاريا و كلّ الشغيلة الآخرين تحت عبوديّة الرأسمالية إلى الأبد .
إنّ التعايش السلمي بين الأمم ، و الثورات الشعبيّة فى مختلف البلدان هما شيئان مختلفان بذاتهما ، و ليسا شيئا واحدا بذاته ، و هما مضمونان مختلفان و ليسا ضمونا واحدا ، و نوعان مختلفان من المسائل و ليسا نوعا بذاته .
فالتعايش السلمي مسألة تتعلّق بالعلاقات بين البلدان ، و الثورة تعنى الإطاحة بالمضطهَدين كطبقة من قبل الشعب المضطهَد داخل كلّ بلد ، بينما هي فى حالة البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة ، أوّلا وقبل كلّ شيء ، مسألة الإطاحة بالمضطهِدين الأجانب أي المستعمِرين . و قبل ثورة أكتوبر لم تكن مسألة التعايش السلمي بين البلدان الإشتراكية و البلدان الرأسمالية قائمة فى العالم ، حيث لم تكن هناك بلدان إشتراكية بعد ، بل كانت هناك ، فى ذلك الوقت ، مسائل الثورة البروليتارية و الثورة الوطنية ، حيث أنّ شعوب مختلف البلدان ، وفقا لظروفها الخاصة ، وضعت ، منذ مدّة طويلة ، الثورات من هذا النوع او ذلك فى جدول أعمالها لتقرير مصائر بلدانها .
إنّنا ماركسيون – لينينيون ، و قد آمنّا دائما بأنّ الثورة هي من شؤون كلّ أمّة بذاتها . و إعتقدنا دائما بأنّ الطبقة العاملة تستطيع أن تعتمد فقط على نفسها فى تحرّرها ، و بأنّ تحرّر شعب أي بلد يعتمد على وعيه هو، و على نضوج الثورة فى ذلك البلد . و الثورة لا يمكن تصديرها و لا إستيرادها . و لا يستطيع أحد أن يمنع شعب بلد أجنبيّ من القيام بثورة ، كما لا يستطيع أحد خلق ثورة فى بلد أجنبيّ بإستخدام اسلوب " مساعدة شتول الرز على النموّ بسحبها إلى أعلى ".
لقد كان لينين على صواب عندما قال فى حزيران ( يونيو) عام 1918 :
" هناك أناس يعتقدون أنّ الثورة يمكن أن تنشب فى بلد أجنبي حسب الطلب أو بموجب إتّفاقية . إنّ هؤلاء الناس إمّا مجانين أو دسّاسين . لقد خبرنا ثورتين فى الإثني عشر عاما الماضية . و نحن نعلم أنّ الثورات لا يمكن أن تصنع حسب الطلب أو بموجب إتّفاقية ، فهي لا تحدث إلاّ عندما تتوصّل عشرات الملايين من الشعب إلى أنّها من المستحيل أن تعيش بالطريقة القديمة بعد ذلك." ( " المؤتمر الرابع للنقابات و لجان المصانع فى موسكو".)
ألا تعتبر تجربة الثورة الصينية ، بالإضافة إلى تجربة الثورة الروسيّة ، من أفضل البراهين على ذلك ؟ لقد جرّب الشعب الصيني ، تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني ، عدّة ثوارت . و زعم المسعمِرون و جميع الرجعيِّين دائما ، مثلهم مثل المجانين ، أنّ ثوراتنا كانت بناء على طلب من الخارج أو وفقا لإتّفاقيات أجنبيّة . و لكن الشعوب فى العالم أجمع تعلم أن ثوراتنا لم تستورد من الخارج ، بل حدثت لأنّ جماهير شعبنا لم تستطع أن تواصل العيش فى الصين القديمة . و لأنّ شعبنا أراد أن يخلق حياة جديدة لنفسه .
إذا إضطرّ بلد إشتراكي ، أمام هجوم إستعماريين إلى شنّ حرب دفاعية و هجمات مضادة و تخطى حدوده لمطاردة أعدائه من الخارج و القضاء عليهم كما فعل الإتحاد السوفياتي فى الحرب ضد هتلر ، فهل يمكن تبرير ذلك ؟ يمكن ذلك بالتأكيد ، فهو أمر ضروري إطلاقا و عادل تماما. و طبقا لمبادئ الشيوعيّين الصارمة ، فإنّ مثل هذه العمليّات من جانب البلدان الإشتراكية يجب أن تكون مقصورة ، بصورة حازمة ، على الوقت الذى يشنّ فيه المستعمِرون حربا عدوانيّة ضد تلك البلدان . و البلدان الإشتراكية لا تسمح لنفسها أبدا ، و لا يجوز لها مطلقا ، كما لا يمكنها أبدا إرسال قواتها عبر حدودها ما لم تتعرّض لعدوان من عدوّ خارجي . و حيث أنّ القوات المسلّحة للبلدان الإشتراكية تحارب من أجل العدالة ، فهي عندما تضطرّ إلى تخطىّ حدودها للردّ على هجوم عدوّ أجنبي ، فسيصبح لها تأثير بالطبع ، و ستكون فعّالة حيثما ذهبت ، و لكن حتى فى ذلك الوقت ، فإنّ ظهور الثورات الشعبيّة و إقامة النظام الإشتراكي فى الأماكن و البلدان التى تذهب إليها ، ما يزال يعتمد فقط على إرادة جماهير الشعب هناك .
إنّ إنتشار الأفكار الثوريّة لا يعرف حدودا قوميّة قط . و لكن هذه الأفكار لا يمكنها أن تثمر ثمارا ثوريّة إلاّ على أيدى جماهير الشعب نفسها ، و فى ظلّ ظروف معيّنة فى بلد معيّن . و هذا صحيح لا فى عصر الثورة البروليتارية فحسب ، بل هو صحيح كلّ الصحّة فى عصر الثورة البرجوازية أيضا . لقد إتّخذت البرجوازية زمن ثورتها فى عدّة بلدان " العقد الإجتماعي " لروسو كإنجيل لها ، بينما إتّخذت البروليتاريا الثوريّة فى مختلف البلدان ، كإنجيل لها ، " البيان الشيوعي" و" رأس المال " لماركس و كتابي لينين ،" الإستعمار أعلى مراحل الرأسمالية " و " الدولة و الثورة " ، و أعمال أخرى لهما. و الأزمنة تختلف ، و لكن أحدا لا يستطيع أن يحول دون الثورة فى أي بلد إذا كانت هناك رغبة فى تلك الثورة ، و عندما تنضج الأزمة الثورية فى هذا البلد . إنّ النظام الإشتراكي سيحلّ فى النهاية مكان النظام الرأسمالي . هذا قانون موضوعي مستقلّ عن إرادة الإنسان . فمهما حاول الرجعيّون منع تقدّم عجلة التاريخ فستحدث الثورة عاجلا أم آجلا و ستنتصر بالتأكيد . و نفس الشيء ينطبق على إستبدال مجتمع بآخر طيلة تاريخ الإنسانيّة . فقد حلّ النظام الإقطاعي محلّ نظام العبودية ، و حلّ النظام الرأسمالي بدوره محلّ النظام الإقطاعي . و هذا أيضا يسير حسب قوانين مستقلّة عن إرادة الإنسان . و قد جرت جميع هذه العمليّات عن طريق الثورة .
لقد قال المحرّف القديم السيء الصيت برنشتين مرّة : " تذكّروا روما القديمة ، فقد كانت هناك طبقة حاكمة لم تعمل و لكنّها عاشت عيشة حسنة ، و نتيجة لذلك ضعفت تلك الطبقة . فمثل هذه الطبقة يجب أن تتخلّى عن سلطتها تدريجيّا ". ( أنظر " الأشكال المتعدّدة للحياة الإقتصادية " لبرنشتين ) أمّا حقيقة أن ملاك الرقيق " قد ضعفوا كطبقة " فهذه حقيقة تاريخية لم يستطع برنشتين المؤرّخ السفيه الدعي ستر أهمّ الحقائق الأساسيّة فى تاريخ روما القديمة ، وهي أن ملاك الرقيق لم " يتخلوا عن السلطة " بمحض إختيارهم ، و أنّ حكمهم قد أطيح به عن طريق ثورات العبيد الطويلة الأمد المتكرّرة و المتواصلة .
و الثورة تعنى إستخدام العنف الثوري من قبل الطبقة المضطهَدة ، تعنى الحرب الثورية. و هذا صحيح بالنسبة لثورة العبيد ، و صحيح أيضا بالنسبة للثورة البرجوازية . لقد وصفها لينين بصورة صحيحة فقال :
" يعلّمنا التاريخ أنّه ما من طبقة مضطهَدة نالت السلطة أبدا ، و لا إستطاعت نيلها ، بدون المرور بفترة ديكتاتورية مثل إنتزاع السلطة السياسية و إستخدام العنف فى قمع أكثر المقاومة يأسا و حنقا ، التى يبديها المستثمِرون... ما جاءت البرجوازية إلى السلطة فى البلدان المتقدّمة إلاّ عن طريق سلسلة من الإنتفاضات و الحروب الأهلية و إستخدام القوّة لقمع الملوك و الإقطاعيين و ملاك العبيد و قمع محاولاتهم لإستعادة السلطة " . ( " المؤتمر الأوّل للأممية الشيوعية ").
و لماذا تتمّ الأشياء بهذه الطريقة ؟
للإجابة على هذا السؤال علينا أن نرجع إلى لينين مرّة أخرى .
فاوّلا كما قال لينين ، " لا توجد هناك بعد طبقة حاكمة فى العالم تخلّت عن السلطة دون نضال" ( " خطاب فى مؤتمر العمال فى منطقة برسنييا " )
و ثانيا كما أوضح لينين ، " الطبقات الرجعية نفسها هي البادئة دائما فى إستخدام العنف ، و إشعال الحرب الأهلية ، و هي البادئة فى " وضع الحراب فى جدول الأعمال" ". ( "خطّتان للحزب الديمقراطي الإجتماعي فى الثورة الديمقراطية " )
فعلى ضوء هذا ، كيف نفهم الثورة الإشتراكية البروليتارية ؟
فلإجابة على هذا السؤال علينا أن نرجع مرّة أخرى إلى لينين.
لنقرأ الفقرة التالية له :
" لا توجد ثورة عظمى واحدة فى التاريخ أبدا تمّت دون حرب أهليّة ، و لا يوجد ماركسي حقيقي يعتقد أنّ بالإمكان الإنتقال من الرأسمالية إلى الإشتراكية دون حرب أهلية ". ( " نبوءة " )
لقد فسرت كلمات لينين هذه المسألة بوضوح جليّ .
إليكم ههنا مقتطفا آخر من لينين :
" حبّذا لو ولدت الإشتراكية سلميّا ، و لكن السادة الرأسماليين لم يرغبوا فى تركها تولد هكذا . ليس بكاف تماما أن نصفها بهذا الشكل . فحتّى لو لم تكن هناك حرب فإنّ جميع السادة الرأسماليين سيكونون قد عملوا ما بإستطاعتهم لمنع مثل هذا التطوّر السلمي . و الثورات الكبرى ، حتى عندما تبدأ سلمياّ بمثل الثورة الفرنسية الكبرى ، فإنّها تنتهى بحروب يائسة تبدأ بها البرجوازية المعادية للثورة ". (" المؤتمر الأوّل لكلّ روسيا حول الثقافة الإجتماعية " ).
و هذا أيضا واضح وضوحا جليّا.
إنّ ثورة أكتوبر العظمى هي أفضل شاهد مادي على صحّة إفتراضات لينين هذه . و كذلك ثورتنا الصينيّة . و لن ينسى الناس أنّه فقط بعد إثنين و عشرين عاما من الحرب الأهلية الضارية ، تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني ، أحرز الشعب الصيني و البروليتاريا الصينية الإنتصار على نطاق البلاد ، و إستوليا على سلطة الدولة .
و ينبئنا تاريخ الثورة البروليتارية فى الغرب بعد الحرب العالمية الأولى أنّه : حتى عندما لا يمارس السادة الرأسماليون السيطرة المباشرة المكشوفة على سلطة الدولة ، بل يحكمون عن طريق صنائعهم – الديمقراطيين الإجتماعيين الخونة – فإنّ هؤلاء المرتدّين الحقيرين سيكونون ، بالطبع ، على إستعداد فى أي وقت ، طبقا لما يمليه البرجوازيون ، لستر عنف الحرس الأبيض البرجوازي و إغراق المكافحين البروليتاريين الثوريّين فى بحر من الدم . فهذا ما حدث تماما فى ألمانيا فى ذلك الوقت. لقد أسلمت البرجوازية الألمانية الكبيرة ، و هي مغلوبة ، سلطة الدولة للديمقراطيين الإجتماعيين . و بادرت الحكومة الديمقراطية الإجتماعية ، إثر مجيئها إلى السلطة ، إلى قمع دموي للطبقة العاملة الألمانية فى شهر كانون الثاني (يناير) عام 1919 . و لنتذكّر كيف بذل كارل ليبكنخت و روزا لوكسمبورغ و غيرهما الذين دعاهم لينين " أفضل ممثّلين للأممية البروليتارية العالمية " و " القادة الخالدين للثورة الإشتراكية العالمية " دماءهم الزكية نتيجة عنف الديمقراطيين الإجتماعيين فى تلك الأيام ! و لنتذكّر أيضا ، كلمات لينين عن " دناءة و خسّة جرائم القتل هذه "( " رسالة إلى عمّال أوربا و أميركا " ) التى إقترفها هؤلاء المرتدّون – هؤلاء الذين يدّعون أنفسهم " إشتراكيّين" بغية المحافظة على النظام الرأسمالي و مصالح البرجوازية ! فلنتفحّص ، على ضوء الحقائق الدامية فى التاريخ الماضي و فى العالم الرأسمالي الحديث ، جميع الأباطيل و الأكاذيب التى لفّقها المحرّفون القدامى و أشباههم المعاصرون حول ما يدعى " تقدّم الرأسمالية السلمي إلى الإشتراكية " !
و هل ينتج عن ذلك إذن أنّنا نحن الماركسيين – اللينينيين سنرفض إتّباع سياسة الإنتقال السلمي حتى عندما توجد إمكانية التطوّر السلمي ؟ كلاّ حتما .
و كما نعلم جميعا فإنّ إنجلز ، وهو من أعظم مؤسسى الشيوعيّة العلمية ، أجاب فى كتابه الشهير " مبادئ الشيوعية " على السؤال التالي " هل يمكن القضاء على الملكيّة الخاصة بالوسائل السلمية ؟ " فكتب يقول :
" إنّ المرء ليرغب فى أن تكون الحال هكذا ، و الشيوعيّون بطبيعة الحال سيكونون آخر من يعترض على ذلك . و يعلم الشيوعيون جيّدا أنّ جميع المؤامرات ليست عقيمة فحسب بل و حتى مضرّة . و هم يعلمون جيدا جدّا أن الثورات لا يمكن صنعها كما يرغب المرء ، و لا يمكن صنعها حسب الطلب ، و إن الثورات كانت دائما و فى كلّ مكان النتيجة الضرورية للظروف القائمة التى لم تعتمد إطلاقا على إرادة و قيادة أحزاب منفردة و طبقات بأكملها . و لكنّهم يرون ، فى نفس الوقت، أن تطوّر البروليتاريا فى جميع البلدان المتحضّرة تقريبا قد قمع بعنف و أنّ خصوم الشيوعيين يعلمون بهذه الطريقة كأنّهم يحاولون جهدهم إثارة الثورة ... ".
لقد كتب هذا قبل أكثر من مئة عام ، و لكنّه كم يبدو حديثا عندما نقرأه ثانية !
و نحن نعلم أيضا أن لينين إتّبع ، لوقت ما اثر ثورة شباط ( فبراير) الروسية ، و نظرا لظروف خاصة فى ذلك الوقت ، سياسة التطوّر السلمي للثورة . و إعتبرها " فرصة إستثنائية نادرة فى تاريخ الثورات" ( " مهام الثورة " ) و إغتنمها بإحكام . و لكن الحكومة البرجوازية المؤقتة و الحرس الأبيض دمّروا هذه الإمكانيّة للتطوّر السلمي للثورة ، و هكذا لطخوا شوارع بتروغراد بدم العمّال و الجنود فى مظاهرة جماهيرية سلميّة فى شهر تموز ( يونيو) ، و لهذا أشار لينين إلى ما يلى :
" لقد أصبح المجرى السلمي للتطوّر مستحيلا . لقد بدأ مجرى غير سلمي و مؤلم أشدّ الألم ". ( " حول الشعارات ").
و نحن نعلم أيضا أنّه عندما إنتهت حرب المقاومة الصينيّة ضد العدوان الياباني ، وكانت هناك رغبة حارة فى السلم لدى الشعب بأسره فى البلاد ، قام حزبنا بمفاوضات سلميّة مع الكومنتانغ ساعيا لإجراء إصلاحات إجتماعية و سياسية فى الصين بالطرق السلمية ، و فى عام 1946 تمّ التوصّل مع الكومنتانغ الى إتّفاقية لتحقيق السلم فى جميع أنحاء البلاد . و لكن طغمة الكومنتانغ الرجعية ، تحدّيا لإرادة الشعب بأسره ، مزّقت تلك الإتفاقية ، و شنّت حربا أهليّة على نطاق البلاد بتأييد المستعمِرين الأميركيين تاركة الشعب الصيني دون خيار سوى الردّ عليها بحرب ثورية . و حيث أنّنا ، فى نضالنا من أجل الإصلاح السلمي ، لم نخفف من يقظتنا ابدا و لم نتخلّ عن القوات المسلّحة الشعبيّة ، بل كنّا على إستعداد تام ، فإنّ الشعب لم يرهب الحرب ، و لكن الذين شنّوا الحرب جنوا ثمراتها المُرّة .
إنّه سيكون من أفضل مصالح الشعب لو إستطاعت البروليتاريا الحصول على السلطة و القيام بالإنتقال إلى الإشتراكية بالطرق السلمية . و سيكون من الخطأ عدم الإستفادة من مثل هذه الفرصة عندما تسنح . فعندما تسنح فرصة " التطوّر السلمي للثورة " يجب على الشيوعيّين أن يغتنموها بإحكام ، كما فعل لينين ، و ذلك لتحقيق هدف الثورة الإشتراكية . و لكن هذا النوع من الفرصة هو دائما ، كما جاء فى كلمات لينين ،" فرصة إستثنائية نادرة فى تاريخ الثورات " . و عندما تكون سلطة سياسية محلّية معيّنة فى بلد ما محاطة فعلا بقوّات ثوريّة ، أو عندما يكون بلد رأسمالي ما فى العالم بأسره محاطا فعلا بالإشتراكية ، ففى مثل هاتين الحالتين ، ربّما كانت هناك إمكانيّات أكبر لفرص التطوّر السلمي للثورة . و لكن حتى عند ذلك ، يجب أن لا يعتبر التطوّر السلمي للثورة أبدا بأنه الإمكانيّة الوحيدة ، و لهذا فمن الضروري أن نكون على إستعداد فى نفس الوقت للإمكانيّة الأخرى ، أي للتطوّر غير السلمي للثورة . فبعد تحرير البرّ الصيني ، على سبيل المثال ، كانت بعض المناطق المحكومة من قبل ملاك العبيد و ملاك الأقنان محاطة فعلا بالقوّات الثوريّة الشعبيّة السائدة سيادة مطلقة ، و مع ذلك فإنّ " الوحوش- كما يقول المثل الصيني القديم – تحارب و لو كانت محصورة ". ذلك أنّ حفنة من أشدّ ملاك العبيد و ملاك الأقنان رجعية ضربت ضربتها الأخيرة رافضة الإصلاحات السلميّة ، و شنّت عصيانات مسلّحة ، و فقط بعد قمع هذه العصيانات كان من الممكن القيام بإصلاح النظم الإجتماعية .
و فى الوقت الذى تسلّحت فيه البلدان الإستعماريّة و المستعمِرون حتى الأسنان ، و أكثر من أي وقت مضى ، بغية حماية نظامهم الوحشي الذى يقوم على أكل لحوم البشر ، فهل يمكن القول إنّ المستعمِرين قد أصبحوا ، كما يدّعى المحرّفون المعاصرون ، " سلميين " جدّا إزاء البروليتاريا و الشعوب فى بلدانهم و الأمم المضطهَدة فى الخارج ، و لهذا فإنّ " الفرصة الإستثنائية النادرة فى تاريخ الثورات " التى تحدث عنها لينين بعد ثورة شباط ( فبراير) ستصبح بعد اليوم امرا طبيعيّا للبروليتاريا و جميع الشعوب المضطهَدة فى العالم ، بحيث يصبح ما أشار إليه لينين على أنّه " فرصة نادرة " متوفّر بسهولة للبروليتاريا فى البلدان الرأسمالية ؟ إنّنا نعتقد أن هذه الآراء ليس لها أساس إطلاقا .
و على الماركسيّين - اللينينيّين أن لا ينسوا أبدا هذه الحقيقة : إنّ القوّات المسلّحة لجميع الطبقات الحاكمة تستخدم اول ما تستخدم إضطهاد الشعوب فى بلدانها نفسها . و يستطيع المستعمِرون ، فقط على أساس إضطهاد شعوبهم فى بلدانهم ، إضطهاد البلدان الأخرى و شنّ عدوان و إثارة حروب غير عادلة . و من أجل إضطهاد شعوبهم يحتاجون للمحافظة على قواتهم المسلّحة الرجعيّة و تعزيزها . و قد كتب لينين مرّة فى مجرى الثورة الروسية عام 1905 : " إنّ الجيش الدائم لا يستخدم ضد العدوّ الخارجي بقدر ما يستخدم ضد العدوّ الداخلي " .( " الجيش و الثورة " ). فهل هذا الإستنتاج سار مفعوله على جميع البلدان التى تسيطر فيها الطبقات المستغِلة و على جميع البلدان الرأسمالية ؟ وهل يمكن القول إنّ هذا كان صحيحا فى ذلك الوقت و لكنّه أصبح غير صحيح الآن ؟ إنّ هذه الحقيقة ، فى رأينا ، لا تزال حتى يومنا هذا صحيحة لا يمكن تفنيدها ، و الوقائع تؤكّد صحّتها أكثر فأكثر . و إذا تكلّمنا بدقّة فإنّ البروليتاريا فى أي بلد ، إذا فشلت فى رؤية هذا بوضوح ، فلن تتمكّن من الإهتداء إلى طريق التحرّر .
و فى كتاب " الدولة و الثورة " ركّز لينين مشكلة الثورة على سحق جهاز الدولة البرجوازية . و إقتطف أهمّ فقرات كتاب ماركس " الحرب الأهلية فى فرنسا " فكتب :
" بعد ثورة 1848- 1849 أصبحت سلطة الدولة " سلاح حرب على نطاق البلاد فى يد الرأسمال ضد العمّال ". إنّ الجهاز الرئيسي فى سلطة الدولة البرجوازية لشنّ حرب ضد العمّال هو جيشها الدائم . و لهذا ، " فإنّ أوّل مرسوم للكومونة كان إلغاء الجيش الدائم و إستبداله بالشعب المسلّح ".
و هكذا تجب معالجة هذه المسألة ، لدى التحليل النهائي ، على ضوء مبادئ كومونة باريس التى ، كما وصفها ماركس ، هي مبادئ خالدة لا تفنى .
و فى السبعينات من القرن التاسع عشر إعتبر ماركس بريطانيا و الولايات المتّحدة إستثنائين ، معتقدا أنّ فى هذين البلدين إمكانية الإنتقال " السلمي " إلى الإشتراكية ، لأن العسكريّة و البيروقراطية فى هذين البلدين كانتا فى مرحلة أوّلية من التطوّر . و لكن فى عصر الإستعمار، أصبح " هذا التقييد من جانب ماركس غير ساري المفعول" ، كما يقول لينين ، حيث أنّ هذين البلدين قد " غرقا اليوم تماما فى قذارة أوربا كلّها ، و فى مستنقع المؤسسات البيروقراطية العسكرية الدمويّة التى جعلت كلّ شيء تابعا لها ، و داست كلّ شيء تحت أقدامها ". ( " الدولة و الثورة " ) . لقد كانت هذه نقطة من النقاط التى تركّز عليها النقاش بين لينين و إنتهازيي تلك الأيّام . لقد شوّه الإنتهازيون الذين يمثّلهم كاوتسكي ، هذا الإستنتاج " غير الساري المفعول" لماركس فى محاولة لمقاومة الثورة البروليتارية و ديكتاتورية البروليتاريا، أي مقاومة حاجة البروليتاريا إلى القوّات المسلّحة الثورية و الثورة المسلّحة ، فى سبيل تحريرها . و كان ردّ لينين على كاوتسكي كما يلى :
" إنّ ديكتاتورية البروليتاريا الثورية هي عنف ضد البرجوازية ، و ضرورة مثل هذا العنف موجودة بصورة خاصة ، نظرا لوجود العسكرية و البيروقراطية ، كما أوضح ماركس و إنجلز بالتفصيل بصورة متكرّرة ... و لكن العسكرية و البيروقراطية ، على وجه التحديد ، هما اللتان كانتا غير موجودتين فى إنكلترا و أميركا فى السبعينات من القرن التاسع عشر ، عندما وضع ماركس ملاحظاته ( و لكنّهما موجودتان فى إنكلترا و أميركا الآن ) " . ( " ثورة البروليتاريا و المرتدّ كاوتسكي " ).
و يمكن ، بهذا ، أن نرى أنّ البروليتاريا مجبرة على اللجوء إلى وسائل الثورة المسلّحة . و الماركسيون يرغبون دائما فى إتّباع الطريقة السلمية فى الإنتقال إلى الإشتراكية ، و طالما كانت الطريقة السلميّة موجودة يمكن إتّباعها ، فالماركسيون – اللينينيون لا يمكنهم أن يتخلّوا عنها . و لكن هذه الطريق بالذات هي التى يسعى البرجوازيّون إلى إغلاقها عندما يملكون الجهاز العسكري البيروقراطي الجبّار لممارسة الإضطهاد .
لقد كتب لينين الفقرة السابقة فى تشرين الثاني ( نوفمبر ) عام 1917 ، فكيف تجري الأمور الآن ؟ و هل كانت كلمات لينين صحيحة تاريخيّا و لكنّها لم تعد هكذا فى ظلّ الظروف الراهنة كما يزعم المحرّفون المعاصرون ؟ يستطيع كل إمرء ان يرى ان البلدان الرأسمالية اليوم ، دون إستثناء تقريبا ، و بوجه خاص الدول الإستعمارية الكبيرة القليلة التى تقف فى طليعتها الولايات المتّحدة ، تحاول بقصاري جهدها تعزيز جهازها القمعي العسكري البيروقراطي ، و خاصة جهازها العسكريّ .
و ينصّ بيان إجتماع موسكو لممثّلي الأحزاب الشيوعية و العمّالية فى البلدان الإشتراكية فى تشرين الثاني ( نوفمبر ) عام 1957 على ما يلى :
" علّمتنا اللينينيّة و أكّدت التجربة التاريخية ، انّ الطبقات الحاكمة لا تتخلّى عن السلطة أبدا عن طواعيّة . و فى هذه الحال لا تتوقّف ضراوة و أشكال النضال الطبقيّ على البروليتاريا ، بقدر ما تتوقف على مدى المقاومة التى تبديها الأوساط الرجعيّة إزاء إرادة الغالبيّة العظمى من الشعب ، و على إستخدام هذه الأوساط للقوّة أو عدم إستخدامها فى مرحلة او أخرى من مراحل النضال من أجل الإشتراكية " .
هذا تلخيص جديد لتجربة نضال البروليتاريا الأمميّة فى العقود القليلة التى مضت على وفاة لينين .
و المسألة ليست هي ما إذا كانت البروليتاريا راغبة فى القيام بالتغيير السلمي ، بل هي فى الواقع ، ما إذا كانت البرجوازية ستقبل مثل هذا التغيير السلمي . هذه هي الطريقة الوحيدة الممكنة التى يعالج بها تلاميذ لينين هذه المسألة .
و هكذا ، خلافا للمحرّفين المعاصرين الذين يسعون لشلّ العزيمة الثورية لدى الشعب بواسطة الحديث الأجوف عن الإنتقال السلمي إلى الإشتراكية يمكن إثارتها فقط على ضوء الظروف المعيّنة فى كلّ بلد ، فى وقت معيّن . و على البروليتاريا ألاّ تقيم أبدا ، بشكل وحيد الطرف و بدون أساس ، أفكارها و مبادئها السياسية و جميع اعمالها على إعتبار انّ البرجوازية راغبة فى قبول التغيير السلمي. بل عليها أن تستعدّ لشيئين فى وقت واحد : أحدهما هو التطوّر السلمي للثورة، و الآخر هو التطوّر اللاسلمي للثورة . و سواء كان الإنتقال سيجري بطريق الإنتفاضة المسلّحة او بالوسائل السلميّة فهذه مسالة منفصلة ، أساسا ، عن مسألة التعايش السلمي بين البلدان الإشتراكية و الرأسمالية ، إنّه شأن من الشؤون الداخلية لكلّ بلد ، شأن تقرّره فقط علاقات نسبة القوى بين الطبقات فى ذلك البلد فى فترة ما ، شأن يقرّره ، فقط الشيوعيّون فى ذلك البلد بأنفسهم .
- 6 –
تحدّث لينين عام 1919 بعد ثورة أكتوبر عن الدروس التاريخيّة التى يمكن إستخلاصها من الأمميّة الثانية . و قال عن نموّ الحركة البروليتارية خلال فترة الأمميّة الثانية ، " كان يتّجه نحو الإتّساع ، ممّا أدّى إلى هبوط مؤقت فى المستوى الثوري، و إزدياد مؤقت فى قوّة الإنتهازية ، و كانت النتيجة هي الإفلاس المشين لهذه الأممية . " ( " الأممية الثانية و مكانها فى التاريخ " ).
ما هي الإنتهازية ؟ وفقا لما قاله لينين " الإنتهازية هي تضحية المصالح الأساسيّة من أجل مكاسب مؤقتة و جزئية " . ( " خطاب فى مؤتمر الملاكات النشطة فى منظمة موسكو للحزب الشيوعي الروسي ( البلشفي ) " ).
و ماذا يعنى الهبوط فى المستوى الثوري؟ إنّه يعنى أن الإنتهازيّين يحاولون بكلّ الوسائل تركيز إنتباه الجماهير على مصالحها اليوميّة المؤقتة الجزئيّة و جعلها تنسى مصالحها البعيدة المدى ، الأساسيّة ، الشاملة . بينما يعتقد الماركسيون – اللينينيون أن مسألة النضال البرلماني يجب النظر إليها على ضوء المصالح البعيدة المدى الأساسيّة الشاملة .
و أنبأنا لينين عن الآفاق المحدودة للنضال البرلماني ، ولكنّه حذّر الشيوعيّين أيضا من ضيق الأفق و الأخطاء الإنعزالية ، و فى كتابه المعروف " مرض الطفولة " اليسارية " فى الحركة الشيوعية " فسّر لينين تجربة الثورة الروسيّة فبيّن فى ظلّ أية ظروف تكون مقاطعة البرلمان صحيحة ، و فى ظلّ أية ظروف تكون خاطئة . لقد إعتبر لينين أنّ كلّ حزب بروليتاري يجب أن يستفيد من كلّ فرصة ممكنة للإشتراك فى النضالات البرلمانية الضروريّة . إنّه لخطأ اساسي و سيلحق الأذى فقط بقضيّة البروليتاريا الثوريّة أن ينشغل عضو الحزب الشيوعي فى الحديث الأجوف فقط حول الثورة بينما يكون غير راغب فى العمل بمثابرة و إصرار و معرضا عن النضالات البرلمانية الضروريّة . و إنتقد لينين حينذاك أخطاء الشيوعيّين فى بعض البلدان الأوروبية لرفضهم الإشتراك فى البرلمان فقال :
" إنّ طفولة أولئك الذين " يرفضون " الإشتراك فى البرلمان تكمن ، على وجه التحديد ، فى حقيقة أنّهم يحاولون " حلّ " المشكلة الصعبة ، مشكلة محاربة النفوذ البرجوازي الديمقراطي داخل الحركة العمّالية ، عن طريق مثل هذه الأساليب " البسيطة" " السهلة " التى تبدو كأنها أساليب ثوريّة ، و هم فى الحقيقة إنّما يهربون من ظلّهم ، و يغمضون أعينهم عن الصعوبات و يحاولون تحاشيها بمجرد الكلمات ".
و لماذا نعتبر المساهمة فى النضال البرلماني ضرورية ؟ إنّ ذلك ، فى رأي لينين ، من اجل مكافحة التأثيرات البرجوازية داخل صفوف الحركة العمّالية ، أو كما أشار فى مكان آخر " على وجه التحديد من أجل تثقيف الفئة المتأخّرة من طبقتها نفسها ، و على وجه التحديد من أجل إنهاض و تنوير الجماهير الريفيّة غير المتطوّرة ، المقهورة ، الجاهلة ".
و بكلمة اخرى، من أجل رفع المستوى السياسي و الإيديولوجي للجماهير و لتوحيد النضال البرلماني مع النضال الثوري، و ليس من أجل تخفيض مستوياتنا السياسية و الإيديولوجية و فصل النضال البرلماني عن النضال الثوري .
الإندماج مع الجماهير و عدم تخفيض المستويات الثوريّة ، هذا هو المبدأ الأساسي الذى علّمنا إيّاه لينين و الذى يجب التمسّك به بحزم فى نضالنا البروليتاري .
إنّ علينا أن نشترك فى النضالات البرلمانيّة ، و لكن علينا أن لا نحمل أيّة أوهام حول النظام البرلماني للبرجوازية ، لماذا؟ لأنّه طالما بقي جهاز الدولة العسكري البيروقراطي للبرجوازية غير ممسوس فليس البرلمان سوى حلية تتزيّن بها ديكتاتورية البرجوازية ، حتى لو كان حزب الطبقة العاملة يمتلك الأكثرية فى البرلمان ، أو أصبح اكبر حزب فيه . و زيادة على ذلك ، فطالما بقي جهاز الدولة هذا غير ممسوس فإنّ البرجوازية قادرة تماما ، فى أي وقت ، طبقا لحاجات مصالحها نفسها ، على حلّ البرلمان عند الضرورة ، أو إستخدام مختلف الأحابيل المكشوفة و الخفيّة لتحويل حزب الطبقة العاملة ، الذى هو أكبر حزب فى البرلمان ، إلى أقلية ، أو تخفيض مقاعده فى البرلمان ، حتى و لو أحرز أصواتا أكثر من قبل فى الإنتخابات . و لهذا فمن الصعب التصوّر أن تغيّرات ستحدث فى ديكتاتورية البرجوازية نفسها نتيجة التصويت فى البرلمان ، و كذلك من الصعب تماما التصوّر أنّ فى إمكان البروليتاريا إتّخاذ تدابير فى البرلمان للإنتقال السلمي إلى الإشتراكية لمجرّد أنّها أحرزت عددا معيّنا من الأصوات فى البرلمان . و قد أثبتت التجربة فى مجموعة من البلدان الرأسمالية منذ مدّة طويلة هذه النقطة تماما ، و قدّمت تجربة مختلف البلدان فى اوربا وآسيا بعد الحرب العالميّة الثانية براهين جديدة على ذلك .
قال لينين :
" لا تستطيع البروليتاريا أن تنتصر ما لم تكسب إلى جانبها غالبيّة السكاّن . و لكن تحديد عمل الكسب هذا أو تقييده بجمع أكثر الأصوات فى الإنتخابات ، فى الوقت الذى تبقى فيه البرجوازية مسيطرة ، هو أكبر حماقة مطبقة أو خداع للعمّال " . ( " إنتخابات الجمعية التأسيسية و ديكتاتورية البروليتاريا ".)
و يعتقد المحرّفون المعاصرون أن كلمات لينين هذه قد أصبحت بالية ، و لكن الحقائق الحيّة أمام اعيننا تبرهن أن كلمات لينين هذه ما تزال أفضل علاج ، مع أنّه مرّ المذاق ، للثوريّين البروليتاريّين فى أي بلد .
و يعنى تخفيض المستويات الثوريّة ، تخفيض المستويات النظرية للماركسية – اللينينية ، و يعنى تخفيض النضالات السياسية إلى مستوى النضالات الإقتصادية ، و تقييد النضالات الثوريّة ضمن حدود النضالات البرلمانيّة . إنّه يعنى مقايضة المبادئ بالمنافع المؤقتة .
و فى بداية القرن العشرين لفت لينين الأنظار فى كتابه " ما العمل ؟ " إلى مسألة انّ " إنتشار الماركسية الواسع كان يرفقه بعض الهبوط فى المستويات النظرية ". و أورد لينين رأي ماركس الوارد فى رسالة حول " منهاج غوتا " و القائل بأنّ بإمكاننا أن ندخل فى معاهدات لتحقيق الأهداف العملية للحركة ، و لكننا يجب أن لا نتاجر أبدا بالمبادئ و نقدم " التنازلات " فى النظريّة . و قد أضاف لينين بعد ذلك الكلمات التالية المعروفة الآن جيدا لجميع الشيوعيين تقريبا :
" بدون نظرية ثورية لا يمكن ان تكون هناك حركة ثورية . و هذا ما يجب علينا الإصرار عليه بشدّة كبيرة فى وقت يندمج فيه وعظ الإنتهازية الدارج بالولع بأضيق أشكال النشاط العملي ".
ما أهمّه من إلهام للماركسّيين الثوريّين ! لقد أحرزت الحركة الثوريّة كلّها فى روسيا النصر فى تشرين الأوّل ( أكتوبر ) عام 1919، على وجه التحديد ، بإرشاد هذا الفكر الماركسي الثوري الذى تمسّك به بحزم الحزب البلشفي برئاسة لينين العظيم .
و أحرز الحزب الشيوعي الصيني أيضا خبرة فيما يتعلّق بالمسألة المذكورة آنفا فى مناسبتين : الأولى كانت خلال فترة عام 1927 الثوريّة . فقد كانت السياسة التى إتّخذتها إنتهازية تشن تو شي وفى ذلك الوقت إزاء جبهة حزبنا المتّحدة مع الكومنتانغ مغايرة للمبادئ و المواقف التى يجب على الحزب الشيوعي أن يتمسّك بها . فقد كان من رأيه إنزال الحزب الشيوعي من حيث المبدأ إلى مستوى الكومنتانغ ، و كانت النتيجة هزيمة الثورة . و المناسبة الثانية كانت خلال فترة حرب المقاومة للعدوان الياباني ، فقد تمسّكت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بحزم بالموقف الماركسي- اللينيني و كشفت الخلافات ، فى المبدأ ، بين الحزب الشيوعي والكومنتانغ فيما يتعلّق بموقفيهما إزاء الحرب ضد اليابان ، و كانت ترى أن على الحزب الشيوعي أن لا يقدّم أبدا تنازلات للكومنتانغ فى المبدأ حول هذه المواقف . و لكن الإنتهازية اليمينية ممثّلة فى وانغ منغ كرّرت الأخطاء التى إقترفها تشن تو شيو قبل عشر سنوات ، و أرادت الهبوط بالحزب الشيوعي فى المبدأ على مستوى الكومنتانغ و لهذا خاض حزبنا كلّه نقاشا واسعا مع الإنتهازيّين اليمينيّين ، و قال الرفيق ماو تسى تونغ :
"... إذا نسي الشيوعيّون هذه النقطة المبدئية فإنّهم لن يكونوا قادرين على توجيه الحرب ضد اليابانيين بصورة صحيحة ، و سيكونون لا حول لهم و لا قوّة للتغلّب على تحزّب الكومنتانغ ، و سيهبطون بأنفسهم إلى موقف يفقدون فيه مبادئهم ، و يهبطون بالحزب الشيوعي إلى مستوى الكومنتانغ ، و سيقترفون عند ذلك جريمة ضد القضية المقدّسة – قضية الحرب الوطنية الثورية و الدفاع عن الوطن ".(" الوضع فى حرب المقاومة ضد العدوان الياباني بعد سقوط شانغهاي و تاييران و مهماتنا " ).
و بسبب أنّ اللجنة المركزيّة لحزبنا رفضت أن تقدّم أدنى تنازل حول مسألة المبدأ ، و إتّبعت سياسة الوحدة و النضال فى جبهة حزبنا المتّحدة مع الكومنتانغ ، إستطعنا أن نوطّد و نوسّع مراكز الحزب فى الميدانين السياسي و الإيديولوجي ، و نوطّد و نوسّع الجبهة المتّحدة للثورة الوطنية ، و بالتالى ، إستطعنا أن نعزّز و نوسّع قوّات الشعب فى حرب المقاومة ضد العدوان الياباني ، و تمكنّا كذلك من سحق الهجمات الواسعة النطاق التى شنّها رجعيو تشيان كاي شيك بعد إنتهاء حرب المقاومة ضد العدوان الياباني ، و من إحراز نصر على نطاق البلاد فى الثورة الشعبية الكبرى .
و إنطلاقا من تجربة الثورة الصينية فقد كان من المحتمل وقوع أخطاء الإنحراف اليميني فى حزبنا ، عندما تدخل البروليتاريا فى تعاون سياسي مع البرجوازية ، بينما يحتمل وقوع أخطاء الإنحراف " اليساري" فى حزبنا ، عندما تنفصل هاتان الطبقتان عن بعضهما سياسيا . و فى مجرى قيادة الثورة الصينية ، شنّ حزبنا نضالات ضد المغامرة " اليسارية " فى عدّة مناسبات . و لم يكن المغامرون " اليساريون " قادرين على معالجة العلاقات الطبقيّة المعقّدة فى الصين بصورة صحيحة من وجهة النظر الماركسية - اللينينية . و فشلوا فى فهم كيفيّة إتباع سياسات صحيحة مختلفة إزاء مختلف الطبقات فى مختلف الفترات التاريخية ، و لكنّهم إتّبعوا ، بأسلوب بسيط ، السياسة الخاطئة – سياسة النضال بدون وحدة . و لو لم يتمّ التغلّب على خطيئة المغامرة " اليسارية " هذه لكان من المستحيل سير الثورة الصينيّة نحو النصرّ
و تمشّيا مع وجهة النظر اللينينية فإنّ البروليتاريا فى أي بلد ، إذا أرادت إحراز النصر فى الثورة ، يجب أن يكون لها حزب ماركسي لينيني حقيقي ، يحذق توحيد ما بين الحقائق الكلّية للماركسية - اللينينية و التطبيق الثوري المحدّد فى بلادها ، و يقرّر بصورة صحيحة فى مختلف الفترات ، من الذين تقف الثورة ضدّهم ، و يسوّى مسألة تنظيم القوّة الرئيسية وحلفائها ، و مسالة من الذين يمكنها الإعتماد عليهم ، و من الذين يجب الإتّحاد معهم . و على الحزب البروليتاري الثوري أن يعتمد إعتمادا وثيقا على جماهير طبقته وعلى شبه البروليتاريا فى المناطق الريفية ، أي الجماهير الواسعة من الفلاحين الفقراء ، و يقيم تحالف العمّال و الفلاحين بقيادة البروليتاريا . و عند ذلك فقط يصبح بالإمكان، على أساس هذا التحالف ، الإتّحاد مع جميع القوى الإجتماعية التى يمكن الإتّحاد معها ، و إقامة الجبهة المتّحدة من الشغيلة مع جميع الناس غير الشغيلة الذين يمكن الإتّحاد معهم ، طبقا للظروف الخاصة فى مختلف البلدان و فى مختلف الفترات. و إذا لم يكن الأمر كذلك ، فلن تتمكّن البروليتاريا من تحقيق هدفها بإحراز النصر فى الثورة فى مختلف الفترات .
و يحاول المحرّفون المعاصرون و بعض ممثّلي البرجوازية جعل الناس يؤمنون بإمكانية تحقيق الإشتراكية دون حزب ثوري للبروليتاريا ، و دون سلسلة السياسات الصحيحة المذكورة أعلاه لحزب البروليتاريا الثوري . إنّ هذا مجرد خرف و تضليل واضح . لقد أشار " البيان الشيوعي " لماركس و إنجلز إلى أنّه كانت هناك أنواع مختلفة من " الإشتراكية " ، هناك " إشتراكية " البرجوازية الصغيرة ، و " إشتراكية " البرجوازية و" إشتراكية " إقطاعية إلخ . والآن ، و نتيجة لإنتصار الماركسية – اللينينية و تصدّع النظام الرأسمالي ، تطمح جماهير اكثر فأكثر من الشعوب فى مختلف بلدان العالم إلى الإشتراكية ، كما ظهر المزيد من الأشكال الملّونة المختلفة مما يدّعى ب" الإشتراكية " من بين الطبقات المستثمِرة فى بعض البلدان . و كما قال إنجلز تماما، إنّ من يدعون ب " الإشتراكيين " هؤلاء أيضا ، " يريدون القضاء على المساوئ الإجتماعية عن طريق مختلف الوصفات التى تشفي كلّ الأمراض و جميع أنواع الترقيع ، دون إلحاق أي اذى برأس المال و الربح " . إنّهم " يقفون خارج حركة العمّال و يفضلون طلب تأييد الطبقات " المثقّفة " ".( " مقدّمة الطبعة الألمانية الصادرة عام 1890 " البيان الشيوعي" ".) إنّهم يرفعون فقط شارة الإشتراكية و لكنّهم فى الواقع يطبّقون الرأسماليّة . وفى هذه الظروف ، ليعتبر فى غاية الأهمّية ، التمسّك بحزم بالمبادئ الثورية للماركسية – اللينينية ، و خوض نضال لا يعرف المساومة ضد جميع الإتجاهات المؤدّية إلى الهبوط بالمستويات الثورية ، و خاصة ضد التحريفية و الإنتهازية اليمينية .
وفيما يتعلّق بمسألة صيانة السلم العالمي فى الوقت الحاضر ، يوجد أيضا بعض من الناس يزعمون أن النزاعات الإيديولوجية لم تعد ضروريّة ، أو أنّه لم يعد هناك أي خلاف فى المبدأ بين الشيوعيّين و الديمقراطيّين الإجتماعيّين . إنّ هذا بمثابة الهبوط بالمستوى الإيديولوجي و السياسي للحزب الشيوعي إلى مستوى البورجوازية و الديمقراطيين الإجتماعيين . إنّ هؤلاء الذين يصرّحون بمثل هذه التصريحات قد تأثّروا بالتحريفية المعاصرة و حادوا عن موقف الماركسية – اللينينية .
إنّ النضال من أجل السلم و النضال من أجل الإشتراكية نوعان مختلفان من النضال . و من الخطأ ألاّ نميّز تمييزا ملائما بين هذين النوعين المختلفين من النضال . فالعناصر الإجتماعية التى تشترك فى حركة السلام أكثر تعقيدا بطبيعة الحال ، و من بين هذه العناصر المسالمون البرجوازيون . و فى الخطوط الأماميّة تماما لمقاومة الحروب الإستعمارية و للدفاع عن التعايش السلمي و مقاومة الأسلحة النوويّة . و فى هذه الحركة سنعمل مع عدّة عناصر إجتماعية معقّدة ، و ندخل معها فى إتّفاقيات ضروريّة لتحقيق السلم . و لكن علينا ، فى نفس الوقت ، أن نتمسّك بمبادئ حزب الطبقة العاملة ، و أن لا نهبط بمستوياتنا السياسية و الإيديولوجية ، و ألاّ نهبط بأنفسنا إلى مستوى المسالمين البرجوازيّين فى نضالنا من أجل السلم . و هنا ، فى هذا المجال ، تبرز مسألة الإتّحاد و النقد .
إنّ " السلم " على ألسنة المحرّفين المعاصرين، يقصد منه تبييض واجهة الإستعدادات الحربيّة التى يقوم بها المستعمِرون، و عزف لحن ما يدعى ب " فوق الإستعمار" مرّة أخرى ، لحن الإنتهازيين القدامى ، الذى فنّده لينين منذ مدّة طويلة ، و تشويه سياستنا نحن الشيوعيّين فيما يتعلّق بالتعايش السلمي بين البلدان ذات النظامين المختلفين ، بأنّها سياسة القضاء على ثورة الشعوب فى داخل مختلف البلدان . لقد كان ذلك المحرّف القديم برنشتين هو الذى أدلى بالتصريح المشين السيء الصيت التالي : " الحركة هي كلّ شيء ، أمّا الهدف فلا شيء ". و للمحرّفين المعاصرين تصريح يشبهه : حركة السلم هي كلّ شيء ، أما الهدف فلا شيء . و لهذا فإنّ " السلم " الذى يتحدّثون عنه هو عمليّا مقصور على " السلم" الممكن قبوله من جانب المستعمِرين فى ظلّ ظروف تاريخية معيّنة . إنّه محاولة للهبوط بالمستويات الثورية لشعوب مختلف البلدان و تدمير عزيمتها الثورية .
و نحن الشيوعيّين نناضل للدفاع عن السلم العالمي ، من أجل تحقيق سياسة التعايش السلمي . و فى نفس الوقت نؤيد الحروب الثورية التى تشنّها الأمم المضطهَدة ضد الإستعمار، و نؤيد الحروب الثوريّة التى تشنّها الشعوب المضطهَدة من أجل تحرّرها و تقدمها الإجتماعي ، لأنّ جميع هذه الحروب الثورية حروب عادلة . و بطبيعة الحال ، علينا أن نستمرّ فى أن نوضّح للجماهير فكرة لينين القائلة بأنّ نظام الإستعمار الرأسمالي ، هو مصدر للحرب الحديثة ، و علينا أن نستمرّ فى أن نوضّح للجماهير الرأي الماركسي اللينيني ، حول إستبدال الإستعمار الرأسمالي بالإشتراكية و الشيوعية كهدف نهائي لنضالنا . إنّ علينا الا نخفي مبادئنا عن الجماهير .
- 7-
إنّنا نعيش اليوم فى عصر جديد عظيم يتسارع فيه تداعي النظام الإستعماري أكثر فأكثر ، و يصبح إنتصار الشعوب فى مختلف أنحاء العالم و وعيها فى تقدّم مطرد أكثر فأكثر .
إنّ شعوب مختلف البلدان فى العالم بأسره ، أسعد حظّا الآن من أي وقت مضى ، و ذلك بسبب حقيقة انّه ، فى الأربعين عاما و نيف منذ ثورة أكتوبر ، حرّر ثلث البشريّة نفسه من إضطهاد الإستعمار الرأسماليين و أنشأ مجموعة من الدول الإشتراكية حيث تبنى ، حقيقة ، حياة من السلم الداخلي الدائم ، إنّ هذه الدول لها تأثيرها على مستقبل البشرية كلّها ، و ستسرّع إلى حدّ كبير فى قدوم اليوم الذى سيسود فيه سلم شامل دائم جميع أنحاء العالم .
وفى طليعة جميع البلدان الإشتراكية و المعسكر الإشتراكي بأسره يتقدّم الإتّحاد السوفياتي العظيم ، اوّل دولة إشتراكية أوجدها العمّال و الفلاحون بقيادة لينين و الحزب الشيوعي السوفياتي . ففى الإتحاد السوفياتي قد تحقّقت أفكار لينين ، و الإشتراكية قد بنيت فيه منذ مدّة طويلة ، و بدأت فيه فعلا الآن ، تحت قيادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي فى الإتحاد السوفياتي و الحكومة السوفياتية برئاسة الرفيق خروتشوف ، فترة عظيمة من البناء الشامل للشيوعية . و أثار العمّال و الفلاّحون و المثقّفون البواسل ذوو العقول الجبّارة فى الإتحاد السوفياتي اليوم نهوضا عظيما جديدا للعمل فى نضالهم من أجل هدفهم العظيم هدف إنجاز بناء الشيوعية .
و نحن ، الشيوعيّين الصينيّين ، والشعب الصيني ، نهتف و نهلّل لكلّ منجز جديد للإتحاد السوفياتي ، البلد الذى هو مسقط رأس اللينينية .
و الحزب الشيوعي الصيني ، موحّدا ما بين الحقائق الكلية للماركسية - اللينينية و الواقع المحدّد للثورة الصينية ، قد قاد شعب البلا د كلّها و أحرز الإنتصارات الكبرى فى الثورة الشعبية ، و يسير على الطريق الفسيح المشترك ، طريق الثورة الإشتراكية و البناء الإشتراكي الذى رسمه لينين ، مواصلا الثورة الإشتراكية حتى نهايتها الكاملة ، و قد بدأ فعلا إحراز الإنتصارات الكبرى فى مختلف جبهات البناء الإشتراكي . و وضعت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ، للشعب الصيني ، بصورة خلاّقة ، و طبقا لمبادئ لينين و على ضوء الظروف فى بلادنا ، المبادئ الصحيحة للخط العام من أجل بناء الإشتراكية و القفزة الكبرى إلى الأمام و الكومونات الشعبية ، تلك المبادئ التى ألهمت مبادرات الجماهير و روحها الثورية فى جميع أنحاء البلاد ، وهي تحدث ، يوما فيوما ، تغيّرات جديدة على وجه بلادنا .
وتحت رايتنا المشتركة – راية اللينينيّة – حققت البلدان الإشتراكية فى أوربا الشرقية و البلدان الإشتراكية الأخرى فى آسيا ايضا ، قفزات كبرى فى البناء الإشتراكي .
إنّ اللينينية راية مظفّرة أبدا. إنّ رفع شغّيلة العالم هذه الراية العظمى بقوّة و حزم ، يعنى التمسّك بالحقيقة و فتح طريق الإنتصار المتواصل لنفسها .
سيحيا لينين دائما فى قلوبنا . و عندما يحاول المحرّفون المعاصرون تلطيخ اللينينية ، الراية العظمى للبروليتاريا الأمميّة ، فإنّ مهمّتنا هي الدفاع عن اللينينيّة .
و كلّنا يتذكّر ما كتبه لينين فى كتابه الشهير " الدولة و الثورة " عمّا حدث لتعاليم المفكّرين و القادة الثوريّين فى النضالات السابقة لمختلف الطبقات المضطهَدة من أجل التحرّر . لقد قال لينين إنّ التشويهات تلت وفاة هؤلاء المفكّرين و القادة الثوريين ، " مميّعة محتوى التعاليم الثورية ، ثالمة حدّها الثوري و مبتذلة إياها ". و أضاف لينين قائلا :
" و فى الوقت الحاضر ، يلتقى البرجوازيّون و الإنتهازيّون ، داخل الحركة العمّالية فى هذا " الصقل" للماركسية . و هم يقطعون و يشوّهون و يتناسون الناحية الثوريّة فى هذه التعاليم ، و روحها الثورية ، و يدفعون إلى الصدارة و يمجّدون ما هو ، أو ما يظهر بأنّه مقبول ، لدى البرجوازيين ."
و هكذا تماما فى الوقت الحاضر ، إذ يواجهنا بعض ممثّلي الإستعمار الأميركي الذين يلبسون ، مرّة أخرى ، لباس القساوسة ، و حتّى أنّهم يعلنون أن ماركس كان " مفكّرا عظيما من مفكّري القرن التاسع عشر" ، و حتى أنّهم يعترفون بأنّ ما تنبّأ به ماركس فى القرن التاسع عشر من أن أيّام الرأسمالية معدودة هو تنبؤ " يقوم على أساس" و " صحيح " ، و لكنّهم يواصلون القول إنّه بعد حلول القرن العشرين ، و بوجه خاص فى العقود الأخيرة ، اصبحت الماركسية غير صحيحة لأنّ الرأسمالية أصبحت شيئا مضى عهده و لم تعد توجد ، فى الولايات المتّحدة على الأقلّ . و بعد سماع مثل هذا الخرف من قساوسة الإستعمار ، لا يسعنا إلاّ أن نشعر بأنّ المحرّفين المعاصرين يتحدّثون نفس اللغة ، و لكن المحرّفين المعاصرين لا يقفون عند تشويه تعاليم ماركس ، بل يذهبون إلى أبعد من ذلك، إلى تشويه تعاليم لينين ، المكمّل و المطوّر العظيم للماركسية .
لقد أشار بيان إجتماع موسكو إلى أنّ " الخطر الرئيسي فى الوقت الحاضر هو التحريفية أو ، بكلمة اخرى ، الإنتهازية اليمينية ". و يقول البعض إنّ حكم إجتماع موسكو هذا لم يعد صالحا فى ظلّ الظروف الراهنة . و نحن نعتقد أنّ هذا القول خطأ . فهو يجعل الناس يهملون أهمّية النضال ضد الخطر الرئيسي- التحريفية - كما أنّه مضرّ جدّا بالقضية الثوريّة للبروليتاريا . و منذ السبعينات فى القرن التاسع عشر كانت هناك فترة من التطوّر " السلمي" للرأسمالية ، ظهرت خلالها تحريفية برنشتين القديمة ، و هكذا تماما فى ظلّ الظروف الراهنة ، عندما يجبر المستعمِرون على قبول التعايش السلمي ، و عندما يوجد نوع من " السلم الداخلي " فى كثير من البلدان الرأسمالية ، تجد الإتّجاهات التحريفيّة سهولة فى النموّ و الإنتشار . و لهذا فعلينا دائما أن نحافظ على درجة عالية من اليقظة ضد هذا الخطر الرئيسي فى الحركة العمّالية .
و بصفتنا تلاميذ لينين ، و لينينيّين ، علينا أن نسحق تماما جميع محاولات المحرّفين المعاصرين لتشويه و تقطيع أوصال تعاليم لينين .
إنّ اللينينيّة هي التعاليم الثورية الكاملة للبروليتاريا ، إنّها نظرة إلى العالم ، ثورية كاملة لا تتجزّأ ، إستمرّت ، بعد ماركس و إنجلز، فى التعبير عن فكر البروليتاريا . و هذه التعاليم الثورية الكاملة و النظرة الثوريّة الكاملة إلى العالم التى لا تتجزّا يجب أن لا تشوّه أو تقطع أوصالها . إنّنا نعتقد بأنّ محاولات المحرّفين المعاصرين لتشويه و تقطيع أوصال اللينينية ما هي إلاّ دلالة على النضال اليائس الأخير الذى يخوضه المستعمِرون و هم يواجهون مصيرهم . فأمام الإنتصارات المتواصلة فى بناء الشيوعية فى الإتحاد السوفياتي ، و أمام التعزيز المطّرد لوحدة المعسكر الإشتراكي و على رأسه الإتحاد السوفياتي ، و أمام اليقظة المطّردة لشعوب العالم بأسره و النضالات الباسلة المتواصلة التى تشنّها سعيا وراء تحرير نفسها من أغلال الإستعمار الرأسمالي ، فإنّ المساعي التحريفيّة من تيتو و أشباهه هي مساع عقيمة تماما.
عاشت اللينينية العظيمة !
===============================================================

إلى الأمام على طريق لينين العظيم
هيئة تحرير " جينمينجيباو" ، صحيفة جينمينجيباو فى 22 نيسان " ابريل " 1960
إنّ الشغيلة الواعين فى العالم بأسره يحتفلون اليوم بالذكرى التسعين لميلاد ف . إ . لينين ، المعلّم الثوري العظيم للبروليتاريا .
لقد كان لينين مؤسس الحزب الشيوعي فى الإتحاد السوفياتي و باني أوّل دولة إشتراكية فى العالم ، الإتحاد السوفياتي ، و القائد الأعظم للحركة الشيوعية العالمية بعد ماركس و إنجلز . و قد طوّر لينين الماركسية ، فى النظريات المتعلّقة بالفلسفة ، والإقتصاد السياسي و الإشتراكية العلميّة ، إلى مرحلة جديدة ، مرحلة اللينينية . فاللينينية هي ماركسية عصر الإستعمار و الثورة البروليتارية .
إنّ إنتصار ثورة أكتوبر الإشتراكية بتوجيه لينين ، قد حرّر سدس مساحة الكرة الأرضيّة من الحكم الرأسمالي . و بعد حوالي ثلاثين عاما ولدت سلسلة من البلدان الإشتراكية الجديدة فى أوروبا و آسيا ، و تشكّل المعسكر الإشتراكي الجبّار. و بعد إنتصار الثورة الصينيّة ، أصبح المعسكر الإشتراكي اكثر من ربع مساحة الكرة الأرضيّة ، و أكثر من ثلث سكّان العالم . إنّ ميزان القوى الطبقيّة فى العالم قد تغيّر تغيّرا كبيرا لصالح البروليتاريا و الشغيلة .
و إنّ نظرية لينين و قضيّته عزيزتان جدّا على الشعب الصيني ؛ لأنّه فى اللينينية ، بالضبط ، وجد طريقه إلى التحرّر . لقد أشار لينين مرارا فى كتاباته ، فى الوقت الذى قلّ فيه من كان يعرفه فى الصين ، إلى الأهمّية العظمى و الآفاق الكبرى للنضال الثوري فى الصين . فمنذ عام 1913 ، وضع لينين فى مؤلفه " المصير التاريخي لتعاليم كارل ماركس" رأيه المشهور بأنّ آسيا " مصدر جديد لعواصف عالمية عظيمة جدّا ". و بعد ذلك " بعثت إلينا طلقات مدافع ثورة أكتوبر بالماركسية - اللينينية " كما قال الرفيق ماو تسى تونغ . دخلت الثورة الصينيّة مرحلة جديدة حين وجدت الماركسية – اللينينية و الحزب الثوري البروليتاري الماركسي – اللينيني .
لقد أشار لينين إلى أنّ الإستعمار هو عشيّة الثورة البروليتارية ، و أنّه سيفنى حتما فى النضالات المشتركة للبروليتاريا العالمية و الأمم المضطهَدة ؛ و أنّ الدولة هي جهاز للعنف يخدم الحكم الطبقي ، فعلى البروليتاريا أن تستخدم العنف الثوري للإطاحة بالعنف المعادي للثورة ، لسحق جهاز الدولة البورجوازي ، جهاز أمراء الحرب و البيروقراطيين ، و إقامة دولة جديدة قائمة على ديكتاتورية البروليتاريا ؛ و على البروليتاريا أن تسعى لتعزيز تحالفها مع الفلاحين ، و أن تحلّ بصورة تامة مسألة الأراضي الزراعيّة ، و أن تسعى للإستيلاء على زمام القيادة فى الثورة الديمقراطية ، و أن تحافظ على إستقلالها فى تحالفها مع البورجوازية الوطنية ( أو حسب التعبير الشعبي الصيني ، التحالف معها و النضال ضدّها ) ؛ و يجب أن تنشئ حزبا بروليتاريا ثوريّا من نوع جديد ، عليه أن يقاوم التحريفية التى تخون الماركسية ، و أن يدحر روح المغامرة اليسارية فى الحركة الشيوعية ، و أن يثق بقوّة بالجماهيرو يعتمد عليها . إنّ تعاليم لينين هذه قد سلّحت البروليتاريا فى العالم أجمع ، و سلّحت أيضا البروليتاريا فى الصين . إنّ السبب الرئيسي الذى من أجله لاقت الحقائق العامة للماركسية – اللينينية القبول بسرعة من جانب البروليتاريا و الشعب الثوري فى الصين ، هو أنّه لم يكن أمام الشعب الصيني الذى قاسى محنا فادحة أيّ مخرج إلاّ أن يكافح بحزم من أجل التحرّر . ففى الصين القديمة ، التى كانت تعاني أشدّ أنواع حكم الإستعمار و الإقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية قسوة و وحشيّة ، كيف كان يمكن ان تحمل البروليتاريا و الجماهير الشعبية أيّة أوهام عن " طيبة قلب " المستعمرين ؟ و كيف كان يمكن أن تتوهّم ان الطبقة الحاكمة الرجعيّة ستسلّم سلطة الدولة للشعب بمحض إرادتها ؟
لقد طبّق الحزب السياسي للبروليتاريا الصينيّة ، الحزب الشيوعي ، و قائده الرفيق ماو تسى تونغ ، بشكل خلاّق ، الحقائق العامة للماركسية – اللينينية ، و دمجاها بالواقع المحدّد للثورة الصينية ، و دفعا على الأمام ، وبدون توقّف ، النضال الثوري فى الصين . و عندما خان الرجعيّون البورجوازيون ، ممثلين بشيانغكاي شيك ، الثورة ، و أغرقوا الشعب بحمام من الدم ، لم يكن فى وسع البروليتاريا الصينية و حزبها السياسي إلاّ أن يستخدما العنف الثوري ليقاوما العنف المعادي للثورة ، و بعد إثنين و عشرين عاما من الحرب الثورية ، أطاحا أخيرا بالحكم المظلم للإستعمار والرجعيّين من الكومنتانغ ، و أقاما ديكتاتورية الشعب الديمقراطية تحت قيادة البروليتاريا ، و سارا بالشعب الصيني فى طريق الإشتراكية الرحب .
إنّ إنتصار الثورة الصينية هو إنتصار الماركسية - اللينينة فى الصين . و إنّ الإنتصارات الكثيرة التى أحرزها الماركسية – اللينينية فى جميع أنحاء العالم ، و فى الصين ، قد أوضحت بشكل متزايد أنّ حقائق الماركسية – اللينينية ، حقائق لا تدحض ، و أنّها البوصلة التى ترشد جميع الطبقات المضطهدة ، و جميع الشعوب المضطهدة فى العالم بأسره ، فى سيعها إلى التحرّر ، و التى ترشد شعوب العالم أجمع فى السير نحو الإشتراكية و الشيوعية.
فما هي المهمّات الرئيسية للشعب الصيني الآن ونحن نحتفل بالذكرى التسعين لميلاد لينين ؟ إنّنا نعتقد بأنّ هناك ثلاث مهمات رئيسية هي : بناء الإشتراكية ، و النضال من أجل السلم العالمي ، و الإتّحاد مع أصدقائنا فى مختلف الأقطار .
إنّ المهمّة الأولى للشعب الصيني فى الوقت الراهن هي تطوير بنائنا الإشتراكي تطويرا عالي الوتيرة ، و جعل بلادنا ، فى وقت غير طويل ، دولة إشتراكية عظمى ذات صناعة حديثة ، و علم و ثقافة حديثين متطوّرة كلّها تطوّرا عاليا . و إنّ تحقيق هذه المهمّة لن يكون ذا أهمّية حاسمة بالنسبة للشعب الصيني فقط ، و إنّما سيكون أيضا ذا أهمية واضحة هائلة بالنسبة لقضيّة السلم و الإشتراكية لشعوب العالم .
إنّ اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ، وعلى رأسها الرفيق ماو تسى تونغ ، فى دمجها الحقائق العامة للماركسية – اللينينية بالواقع المحدّد للثورة الإشتراكية و البناء الإشتراكي فى بلادنا ، قد رسمت الخطّ العام وهو : بذل أقصى الجهود و التطلّع إلى العلاء و تحقيق نتائج أعظم ، و أسرع ، و أفضل ، و أكثر إقتصادا فى بناء الإشتراكية . و إن الخطّ العام هو الضمانة الأكثر أهمّية فى تحقيق شعب بلادنا تحقيقا ناجحا لهذه المهمّة الكبرى .
و من أجل تحقيق هذه المهمّة الكبرى ، يجب على شعبنا ، كخطوة أولى ، أن يناضل للحاق ببريطانيا أو تجاوزها فى إنتاج المنتوجات الصناعية الرئيسية فى أقلّ من عشرة أعوام ، فيقيم ، بصورة أساسيّة ، نظاما صناعيّا كاملا ؛ و أن يعمل على تحقيق المنهاج الوطني للتطوّر الزراعي بين أعوام 1956 - 1967 قبل الموعد المحدّد ؛ فيتمّ بصورة أساسيّة تعميم المكننة الزراعيّة و منشآت حفظ المياه ، و إنجاز درجة لا بأس بها من الكهربة ؛ و يجب أن يناضل من أجل تنفيذ الثورة الثقافيّة و أن يعّم بصورة أساسية ، و فى وقت غير طويل ، التعليم المدرسي الإبتدائي و الثانوي ، و التعليم فى أوقات الفراغ ، و أن يناضل لإنجاز المشروع الطويل الأمد لتطوير العلم و التكنيك بين أعوام 1956 – 1967 قبل الموعد المحدّد . و فى الوقت نفسه ، يجب الإستمرار فى تحقيق الثورة الإشتراكية فى الجبهات الإقتصادية ، و السياسية ، و الإيديولوجية ، و تحقيق الإنتصار التام للإشتراكية على الرأسمالية فى كلّ ميدان ، و رفع الوعي الإشتراكي و الشيوعي للجماهير الشعبية إلى درجة كبيرة . و من أجل إنجاز و تجاوز مخطّط الإقتصاد الوطني لعام 1960 ، يشنّ شعبنا ، فى الوقت الحاضر ، حملة ناشطة لزيادة الإنتاج و ممارسة الإقتصاد ، تتركّز حول الإبتكارات التكنيكيّة ، و الثورة التكنيكيّة ، سعيا وراء رفع إنتاج هذا العام من سبائك الحديد على 27،5 مليون طن ، و الفولاذ إلى 18، 4 مليون طن ، و الفحم إلى 425 مليون طن ، و القوة الكهربائية إلى أكثر من 55500 مليون كيلوواط ساعي ، و ليزيد إنتاج كلّ من الحبوب و القطن بحوالي 10 بالمئة . و هكذا ستزداد القيمة الإجماليّة للإنتاج الصناعي و الزراعي هذا العام 23 بالمئة عن العام الماضي .
لقد بذل المستعمرون الأميركيّون قصاري جهودهم فى الهزء و الإفتراء حول ما إذا كان فى وسع الشعب الصيني إنجاز جعل بلاده بلدا إشتراكيّا قويّا بسرعة عالية . و لنأخذ مثلا بعيدا ؛ ففى تشرين الثاني ( نوفمبر) 1958 قال ناظر الخارجية الأميركية السابق ، جون فوستر دالس بأنّه " من الصعب التصديق بأنّ هذا المسعى سينجح أو سيواظب عليه ". و لنأخذ مثالا حديث العهد ؛ قال مساعد ناظر الخارجية الأميركية الحالي بارسونز فى شباط ( فبراير) من هذا العام بأن حملة الصين بزيادة سرعة تصنيعها " يمكن أن تؤدّى إلى إنهيار هذا الحكم من الداخل " . و لكن الغريب فعلا أنّه كلّما كانت إفتراءات المستعمرين قبيحة و ممجوجة ، كان الحماس الثوري لدى الشعب الصيني أعلى و كان أعظم نشاطا فى البناء . إنّ وضع الصين الإقتصادي ، و الوحدة السياسيّة لشعبنا يتطوّران أحسن فأحسن سنة بعد أخرى . و لا يشكّ أحد من الجماهير الواسعة اليوم ، بأنّنا ، بالتأكيد ، سنتمكّن من إنجاز مشروعنا العظيم فى البناء قبل الموعد المحدّد ، و من تجاوزه .
لقد أشارت الماركسية – اللينينية دائما إلى أن قوى المجتمع المنتجة يمكن أن تتحرّر فى ظلّ النظام الإشتراكي تحرّرا عظيما . و إعتقد لينين أنّ الحياة فى المجتمع الإشتراكي هي حركة جماهيرية حقّة تشارك فيها أغلبية السكّان أو حتى جميع السكّان ، حركة تظهر لأوّل مرّة فى التاريخ . فهو يعتقد أنّ القوّة الخلاّقة الهائلة للجماهير هي العامل الأساسي فى المجتمع الإشتراكي ؛ و أنّ ثمّة موردا لا ينضب من المواهب الخلاّقة بين العمّال و الفلاّحين . و قد وصف لينين أحد مبادئ الماركسية " الأكثر عمقا و فى الوقت نفسه الأكثر وضوحا " بالعبارات التالية :
" كلّما كان نطاق الحوادث ذات الأهمّية التاريخية و إتّساعها كبيرين ، كان عدد الجماهير التى تشترك فى هذه الحوادث أكبر، و بالعكس فكلّما كان التغيير الذى نرغب فى تحقيقه أكثر عمقا ، كان علينا أن نثير إهتمام الناس بهذا التغيير و نجعلهم يتّخذون موقفا واعيا إزاءه ، فنقنع الملايين و عشرات الملايين من الناس بأنّه ضروري . و إذا كانت ثورتنا قد خلّفت وراءها جميع الثورات الأخرى إلى مسافة بعيدة ، فإنّ سبب ذلك يعود أصلا إلى أنّها، عن طريق حكومة السوفيات، قد عبّأت عشرات الملايين من الناس الذين لم يكونوا يهتمّون فيما مضى ببناء الدولة ، للمشاركة بدور إيجابي فى هذا البناء " . ( " تقرير حول عمل مجلس ممثلي الشعب ، ألقي فى مؤتمر مجلس السوفيات الثامن لعامة الروسيا ". )
إنّنا مقتنعون بأنّ سرعة التطوّر فى بلادنا ، مثلها مثل سرعة التطوّر فى الإتحاد السوفياتي و البلدان الإشتراكية الأخرى ، ستتجاوز كثيرا أيّة سرعة بلغها البلدان الرأسمالية . و ذلك ، كما يقول الشيوعيون الصينيون ، يعنى أنّ فى وسعنا أن نتقدّم بسرعة القفز إلى أمام . ذلك لأنّنا ، كما قال لينين ، قد عبّأنا على أوسع نطاق ملايين و ملايين من الناس ليشاركوا فى بناء بلادنا بأعلى درجة من المبادرة والإبداع عن طريق الأمور التالية : الخطّ العام لحزبنا وهو : بذل أقصى الجهود و التطلّع إلى العلاء ، و تحقيق نتائج أعظم ، و أسرع ، و أفضل ، و أكثر إقتصادا فى بناء الإشتراكية ؛ و مجموعة السياسات التى ننفّذها الآن بأسرها ، المعروفة ب " السير على قديمن إثنين " – أي التطوير ، فى وقت واحد ، للصناعة و الزراعة ، للصناعات الثقيلة و الخفيفة ، للصناعات التى تدار من قبل الحكومة المركزيّة ، و التى تدار محلّيا ، للمشاريع الكبيرة و أيضا المتوسّطة و الصغيرة ، للوسائل الحديثة و للوسائل المحليّة للإنتاج ؛ و كذلك عن طريق الحركة الجماهيرية الناهضة التى تتّسع فى بلادنا حاليّا لإبتكارات التكنيكية والثورة التكنيكية لتحقيق المكننة أو شبه المكننة ، و الأتمتة أو شبه الأتمتة ؛ و تدعم تطوّر كوموناتنا الشعبيّة الريفيّة ؛ وتعميم الكومونات الشعبية الحضريّة حاليّا .إنّ الصين تطوّر بناءها الإقتصادي وفق القوانين العامة للبناء الإشتراكي شأنها فى ذلك شأن الإتحاد السوفياتي و البلدان الإشتراكية الأخرى ؛ و إنّ سلسلة السياسات المحدّدة التى إتّخذتها الصين فيما يتعلّق بمسائل البناء الإشتراكي هي ، بالضبط ، نتاج دمج الحقائق العامة للينينية بالواقع المحدّد للصين .
لقد أثار البورجوازيّون فى البلدان الغربيّة الذين قادهم جهلهم إلى الدهشة ، الصراخ حول الوتيرة العالية للإتحاد السوفياتي فى البناء الإشتراكي . و هم يرفعون الآن ، مرّة أخرى ، عقيرتهم بالصياح بدون نهاية حول بنائنا الإشتراكي السريع التطوّر ، و خطّنا العام ، و قفزاتنا الكبرى إلى الأمام ، و كوموناتنا الشعبية . و قد وجّه لينين العظيم منذ زمن طويل ضربة قاضية إلى هؤلاء المعتوهين فى مقاله المشهور " ثورتنا " الذى كتبه قبل عام من وفاته . فقد أشار لينين :
" إنّ روسيا التى تقف كما هي الآن ، على خطّ الحدود بين البلدان المتمدّنة و جميع البلدان الشرقية أو البلدان غير الأوروبية التى نقلتها هذه الحرب ( الحرب العالمية الأولى ) ، تماما لأوّل مرّة ن إلى طريق المدنيّة ، تستطيع ، بل يجب أن تكشف عن ظواهر معيّنة خاصة ، و هذه الظواهر و إن كانت لا تتعدّى الخطّ العام للتطوّر العالمي ، إلاّ أنها تميّز ثورة روسيا عن جميع الثورات السابقة فى البلدان الأوربية الغربية ، و تدخل إبتكارات جزئيّة معيّنة فى المرور إلى البلدان الشرقية ".
و يطرح لينين السؤال المعاكس التالي :
" و كيف يكون الأمر ما دام اليأس التام من الوضع قد زاد قوّة العمّال و الفلاّحين بمقدار عشرة أضعاف ، و جعل فى إمكاننا خلق المتطلّبات الأساسيّة لتطوير الحضارة بطريقة تختلف عن طريقة جميع البلدان الأوروبية الغربية ؟ "
تنبّأ لينين مرّة أخرى :
" إنّ أوروبيّينا السذّج لم يخطر ببالهم قط و لو فى الأحلام أن الثورات التالية فى البلدان الشرقيّة التى تملك عددا أكبر بكثير من السكّان ، و ظروفا إجتماعيّة أكثر تعقيدا بكثير ، ستظهر ، بدون شكّ ، صفات مميّزة أعظم ممّا فى الثورة الروسية ".
أليس ذلك ، بالضبط ، ما تدعمه الحقائق ؟ ألم يسبق الإتحاد السوفياتي ، بإستخدامه طريقة تختلف عن طرق جميع البلدان الغربية ، و فى حقبة قصيرة جدّا من الزمن و بسرعة خارقة ، جميع بلدان أوروبا الغربيّة الرأسمالية ، فى مستوى التطوّر الإقتصادي ، أو لم يلحق بالولايات المتّحدة و يبدأ بتجاوزها فى بعض الميادين المعيّنة ؟ و كذلك الأمر فى الصين ، أفلم تزد حقيقة كونها " فقيرة و قاحلة " ، و اليأس التام من الوضع ، و عشرات السنين من التمرّس بالنضال و التجربة المتراكمة ، بالإضافة إلى مساعدة المعسكر الإشتراكي الجبّار و على رأسه الإتّحاد السوفياتي ، و الفوائد التى تؤخذ من تجربة أربعين سنة من البناء فى الإتحاد السوفياتي - ألم تزد كلّ هذه الأمور أيضا قوّة العمّال و الفلاّحين الصينيّين إلى عشرة أضغاف ، و توفّر لنا إمكانيّة إستخدام طريقة تختلف عن طرق جميع البلدان الغربيّة ، لأن نسير قدما إلى الأمام بسرعة خارقة نحو صناعة حديثة ، و زراعة حديثة ، و علم و ثقافة حديثين ؟ لقد لعنتنا البورجوازية الغربيّة و حكمت علينا بالفشل ، و هناك ، بين صفوفنا ، فى الحقيقة ، بعض ببّغاواتها الذين يقولون بأنّ خطّنا العام و قفزاتنا الكبرى إلى الأمام و كوموناتنا الشعبيّة إنّما هي نتاجات الروح الثورية للماركسية - اللينينية . و لكن لندعهم ينتظرون و يرون ، لينتظروا عشرة أعوام ، مثلا ، و بعدها سيرون النتيجة . و بإختصار فإنّ السذّج الأجانب و الصينيّين برؤوسهم المحشوّة بالأفكار الميتافيزيكية لا يعرفون ، كما قال لينين ، إلاّ أن يعتبروا " طبيعة " العلاقات البورجوزية قاعدة ذهبيّة لا يمكن مسّها و " قد فشلوا تماما فى تفهّم ما هو الشيء الحاسم فى الماركسية ، ألا وهو ديالكتيكها الثوري" . و لهذا ، و كما كانوا عاجزين فى الماضي عن فهم التغيّرات العظيمة التى حدثت فى الإتّحاد السوفياتي ، فكذلك هم اليوم عاجزون عن فهم جميع الأمور القويّة الحيّة التى تحدث فى الصين .
و المهمّة الكبرى الثانية للشعب الصيني فى الإحتفال بالذكرى التسعين لميلاد لينين هي صيانة السلم العالمي ، و مقاومة الحرب الإستعمارية ، بالتعاون مع جميع البلدان الإشتراكية و على رأسها الإتّحاد السوفياتي ، و مع جميع قوى العالم المحبّة للسلم ، و جميع قوى العالم المعادية للإستعمار، و المعادون للعدوان .
إنّ الماركسية – اللينينية كانت دائما تقاوم الحرب الإستعماريّة .
فعشيّة الحرب العالمية الأولى ، و أثناءها ، كان الشعار الثوريّ للينينيّة ، و القادة اليساريّين الآخرين للطبقة العاملة الذين تمسّكوا بالموقف الماركسي ، هو تحويل الحرب الإستعمارية إلى حرب أهليّة ، و ذلك لوضع حدّ للحرب الإستعمارية ، و الوصول إلى السلم . و كان السلم أحد الشعارات الرئيسية لثورة أكتوبر . و بعد إنتصار ثورة أكتوبر ، أصدر لينين فورَا مرسوم السلام ، داعيا إلى سلم عادل . و أعلن لينين بعد ذلك مرارا سياسة التعايش السلمي بين الدولة السوفياتيّة و الأمم الأخرى . لقد قام الإتّحاد السوفياتي بجهود هائلة معروفة للعالم ، قبل الحرب العالميّة الثانية و بعدها ، لصيانة السلم العالمي و إقامة أمن جماعي و تعايش سلمي بين البلدان ذات الأنظمة الإجتماعيّة المختلفة .
و قد ناضلت جمهوريّة الصين الشعبية ، منذ تـاسيسها ، مع الإتحاد السوفياتي و البلدان الإشتراكية الأخرى ، بنشاط لصيانة السلم العالمي . فمن 1950 حتى 1953 أرسل الشعب الصيني متطوّعيه إلى الجبهة الكورية ، فكافحوا ببطولة إلى جانب الشعب الكوري ، بغية إيقاف عدوان الولايات المتحدة ، و قد أجبروا جيش العدوان الأمريكي فى كوريا على قبول إتّفاقية الهدنة ، و بذلك صانوا السلم فى الشرق الأقصى . و فى عام 1954 ، إشتركت الحكومة الصينية بنشاط فى مؤتمر جنيف الذى عقدت فيه إتّفاقية حول إعادة السلم إلى الهند الصينيّة . و فى نفس العام أعلن قادة الحكومة الصينيّة مع قادة الحكومتين الهنديّة و البورميّة ، واحدة بعد أخرى ، و بصورة مشتركة ، المبادئ الخمسة الشهيرة للتعايش السلمي التى ظلّت حجر الأساس فى سياسة الصين الخارجية تجاه جميع البلدان ذات الأنظمة الإجتماعية المختلفة . و فى عام 1955 إشتركت الحكومة الصينيّة بنشاط فى مؤتمر باندونغ للبلدان الآسيوية و الأفريقية الذى عقد فى أندونيسيا ، و الذى أعلن ، على أساس المبادئ الخمسة ، المبادئ العشرة التى تحدّد العلاقات بين البلدان الآسوية و الأفريقية . و فى عام 1958 سحبت الصين كلّ متطوّعيها الشعبيّين من كوريا . و إشترك الشعب الصيني دائما و بنشاط فى حركة السلم العالمية و الآسيوية ، و دعا مرارا إلى تحقيق الأمن الجماعي فى آسيا و منطقة المحيط الهادي ، و إلى إقامة منطقة فيهما مجرّدة من الأسلحة الذرّية . و تدعو الحكومة الصينيّة بإستمرار إلى تسوية النزاعات مع البلدان الأخرى ( بما فيها الولايات المتحدة ) بالوسائل السلميّة ، و ليس بوسائل الحرب ، و ما زالت حتى الوقت الحاضر تجري مفاوضات حول هذه المسألة مع الولايات المتّحدة التى تحتلّ أرض الصين ، تايوان .
لقد ناضلت البلدان الإشتراكية و الأحزاب الشيوعية لمختلف بلدان العالم بأسره نضالا ثابتا ، فى سبيل السلم العالمي والحفاظ عليه .
فقد دعا بيان موسكو الذى أُقرّ فى إجتماع الأحزاب الشيوعيّة و أحزاب العمّال فى البلدان الإشتراكية الذى عقد فى موسكو فى تشرين الثاني ( نوفمبر) من عام 1957، و كذلك بيان السلم الذى أقرّه أربعة و ستّون حزبا شيوعيا و عمّاليّا ، الطبقة العاملة ، و جميع الناس المحبّين للسلم فى العالم إلى العمل على صيانة السلم ؛ و أشار البيانان إلى أنّ هذا النضال هو أهمّ نضال فى العالم بأسره فى الوقت الراهن . و قد أشير فى بياني موسكو إلى أنّه توجد فى العالم الآن قوى جبّارة لصيانة السلم ، و أنّ تحالف هذه القوى الجبّارة قد وفّر الإمكانيّة العمليّة لمنع إنفجار الحرب . و منذ إجتماع موسكو ، تعزّزت قوى السلم أكثر . و ذلك ، قبل كلّ شيء ، لأنّ المعسكر الإشتراكي ، و على رأسه الإتحاد السوفياتي قد أصبح أكثر قوّة ، فقد سبق الإتحاد السوفياتي الولايات المتّحدة بصورة أوضح من قبل فى الناحية العسكرية ، و فى أكثر ميادين العلم و التكنيك أهمّية ، و قام رئيس مجلس وزراء الإتحاد السوفياتي الرفيق ن. س. خروشوف بسلسلة من الزيارات السلمية إلى الولايات المتّحدة و البلدان الرأسمالية الأخرى ، و قامت الحكومة السوفياتيّة بجهود هامّة جديدة حول مسائل نزع السلاح و إيقاف تجارب الأسلحة النوويّة و غيرها ، إنّ الجهود السلميّة التى يبذلها الإتّحاد السوفياتي ، و الصين ، و البلدان الإشتراكية الأخرى تعطى تأثيرا أعمق فأعمق فى أذهان الناس . و فى الوقت نفسه قد ظهرت تطوّرات هامة جديدة فى حركات الإستقلال الوطني فى آسيا، وأفريقيا ، و أميركا اللاتينية ، و نضالات الشعوب فى البلدان الرأسمالية فى سبيل الديمقراطية و الإشتراكية . و تتّسع بإستمرار التناقضات الداخلية فى المعسكر الإستعماري ، فجماهير الشعب الواسعة فى الولايات المتّحدة نفسها تظهر ، فى كلّ مكان ، إستياء و قلقا حول سياسة الحكومة الخارجية المعادية للسلم ؛ و يواجه المستعمرون الأميركيّون صعوبات متزايدة و عزلة متزايدة . و قد أجبرت جميع هذه الظروف الإستعمار الأمريكي ، المدبّر الرئيسي لحرب جديدة ، على قبول إقتراح محادثات الذروة بين الشرق و الغرب ، و على تغيير نغمته فى مناسبات معيّنة مدّعيا بأنّه أيضا " يرغب فى السلم " . و قد أثبتت الحقائق أن قوى السلم فى العالم تفوق قوى الحرب ، و هذا هو مظهر حقيقة أنّ " الريح الشرقية تتغلّب على الريح الغربية " كما يقول الرفيق ماو تسى تونغ .
إنّ الريح الشرقيّة تتغلب على الريح الغربيّة ، و هذا هو الوضع العالمي الجديد فى الآونة الراهنة . وهو يختلف ، بصورة أساسيّة ، عن الوضع فى حياة لينين ، و عن الوضع عشيّة الحرب العالمية الثانية . و من الضروري تماما إدراك هذا الوضع الجديد فى النضال ضد مشروع الحرب الجديدة الإستعماريّة . و هذا الوضع الجديد قد أعطى ثقة و شجاعة لم يسبق لهما مثيل لجميع القوى المحبّة للسلم ، و جميع القوى المعادية للإستعمار ، و المعادية للعدوان فى العالم بأسره . و لكن لا يمكن أن نقول مطلقا إنّ هذا التغيّر فى ميزان القوى قد غيّر طبيعة الإستعمار ، و لذلك فإنّه قد قضى تماما على إمكانيّة أيّ حرب فى حياة المجتمع الحديث ، أو أنّ البشرية قد دخلت عصر السلم الأبدي .
لقد أكّدت اللينينية دائما أن الإستعمار هو مصدر الحرب الحديثة . و قد قال لينين إنّ " الحرب الحديثة هي حصيلة الإستعمار" ( " مشروع قرار جناح زيمرفولد اليساري" ) و إنّ الحرب " تنبعث من طبيعة الإستعمار نفسه " ( " كلمة الختام حول تقرير منهاج الحزب فى المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الروسي".) و آراء لينين هذه ذات الأهمّية المبدئية الأساسية هي نتيجة تحليل علمي عميق للإستعمار؛ و قد أثبت حقائق تاريخيّة لا تحصى أنّ هذا التحليل العلمي حقيقة لا تتزعزع . و قد أورد إجتماع موسكو للأحزاب الشيوعية و أحزاب العمّال ، الذى عقد منذ أكثر من عامين ، آخر الحقائق لإثبات مبدأ لينين هذا . يقول بيان إجتماع موسكو :
" طالما يبقى الإستعمار فستكون هناك تربة للحروب العدوانية . و خلال سنوات ما بعد الحرب الماضية ، شنّ المستعمِرون الأميركيون و البريطانيون و الفرنسيون و المستعِمرون الآخرون و عملاؤهم، أو لا يزالون يشنّون ، حروبا فى الهند الصينيّة ، و أندونيسيا ، و كوريا ، و الملايو ، و كينيا ، و غواتيمالا، و مصر ، و الجزائر ، و عمان و اليمن . و فى نفس الوقت ترفض القوى الإستعمارية العدوانيّة بعناد نزع السلاح ، و تحريم إستخدام و إنتاج الأسلحة الذرّية و الهيدروجينية ، و التوصّل إلى إتّفاقية حول الوقف الفوري لتجارب هذه الأسلحة . و ما زال المستعمِرون يواصلون " الحرب الباردة " و سباق التسلّح ، ويبنون المزيد من القواعد العسكرية ، و يتّبعون السياسة العدوانيّة ، سياسة نسف السلم ، و قد خلقوا بذلك خطر حرب جديدة . فإذا ما إنفجرت حرب عالميّة قبل التوصّل على إتّفاقية حول تحريم الأسلحة النوويّة ، فإنّ من المحتّم انّها ستكون حربا نوويّة لم يسبق لها مثيل فى القوّة التخريبيّة .
" و فى ألمانيا الغربية يجرى إحياء العسكرية بمساعدة الولايات المتّحدة و بذلك خلق مصدر لخطر جدّي للحرب فى قلب أوروبا ...
" وفى الوقت نفسه يحاول المستعمرون فرض " مبدأ دالس- أيزنهاور" المشهور بسمعته السيّئة على شعوب الشرقين الأدنى و الأوسط المحبّة للحرّية ، خالقين بذلك خطرا على السلم فى هذه المنطقة ...
" و كتلة السياتو العدوانيّة خلقت خطرا للحرب فى جنوب شرقي آسيا ".
و يقول بيان السلام للأربعة و ستّين حزبا شيوعيا و عمّاليّا :
" إنّ قوى السلم قوى جبّارة ، و بإستطاعتها منع الحرب و صيانة السلم . و لكنّا نحن الشيوعيّين ، نعتقد بأنّه من واجبنا أن نحذّر جميع الناس فى العالم بأن خطر حرب مريعة مبيدة لم يزل .
" فمن أين يأتى التهديد لسلم و لأمن الشعوب؟ إنّ الذى يتحّمس للحرب و يحلم بها هو : الإحتكارت الرأسمالية التى كدّست ثروات لم يسبق لها مثيل من الحربين العالميّتين، و من سباق التسلّح الراهن . إنّ سباق التسلّح الذى يوفّر الأرباح الطائلة للرأسماليين الإحتكاريّين يرهق أكثر فأكثر كاهل الشغّيلة بالأعباء الثقيلة ، و يجعل إقتصاد كثير من البلدان سيّئا بشكل خطير . إنّ الأوساط الحاكمة لبعض البلدان الرأسمالية ، تحت ضغط الإحتكارات ، و خصوصا إحتكارات الولايات المتّحدة ، قد رفضت مقترحات نزع السلاح ، و تحريم الأسلحة النوويّة ، و التدابير الأخرى الرامية على درء حرب جديدة ...
" إنّ السلم يمكن الحفاظ عليه فقط إذا كان ، كلّ أولئك الذين يعزّ عليهم السلم ، يوحّدون جهودهم ، و يشحذون يقظتهم فيما يتعلّق بمكائد مثيري الحرب ، و يدركون تماما بأنّ واجبهم المقدسّ هو تشديد النضال من أجل صيانة السلم المهدّد " .
و يتّضح من هذا أنّ المبدأ اللينيني القائل بأنّ الإستعمار هو مصدر الحرب الحديثة ، ليس ، و لا يمكن أن يكون مطلقا ، " قد فات أوانه " . فطالما أنّ الإستعمار موجود ، فلا يمكن تخفيف اليقظة ضد خطر الحرب . و من هذا الموقع الأساسي يقوم الشعب الصيني بالنضال لصيانة السلم العالمي و مقاومة الحرب الإستعمارية . و إنّنا نرحب بكلّ خطوة فى إنفراج الوضع الدولي ، و نرحب بالجهود المخلصة للسلم من جانب أي بلد ( بما فى ذلك الولايات المتحدة ) ، و فى الوقت نفسه نطلع الأمّة بأسرها ، و نطلع الرأي العام العالمي ، فى حينه ، على النشاطات المنكرة للمستعمِرين الذين يواصلون تدبير المؤامرات لحروب جديدة ، ونثير إنتباههما ، و نشير إلى أنّه إذا ما توحّدت جميع قوى السلم فى العالم مع بعضها بعضا ، فإنّ بإستطاعتها أن تطغى على قوى الحرب ، و أنّ لنضالنا مستقبلا وضاءا . لقد قمنا بهذا فى الماضي ، و سنواصل العمل كذلك فى المستقبل .
إنّ الإستعمار الأميركي لا يضمر غير الحقد لمجهود المعسكر الإشتراكي ، و على رأسه الإتحاد السوفياتي ، من أجل السلم . وهو يعلن جهارا سياسة العداء لجمهورية الصين الشعبية ، و يهاجم بصفاقة الموقف العادل للشعب الصيني فى صيانة السلم العالمي و مقاومة الحرب الإستعمارية . وقد قام الشعب الصيني ، فى حينه ، بفضح حقيقة أنّ حكومة الولايات المتّحدة التى يرأسها أيزنهاور ، ما تزال منذ محادثات كامب دافيد بين الرفيق خروتشوف و أيزنهاور فى أيلول (سبتمبر ) الماضي ، تواصل العمل بنشاط لزيادة التسلّح و الإستعدادات للحرب ، و توسيع عدوانها . و قد نشر الناطقون بإسم الإستعمار الأميركي الإفتراء القائل بأنّ الشعب الصيني لا يبدو متحمّسا لإنفراج الوضع الدولي ، و لكن هذه الفرية شائنة أكثر من أن توصف بالكلمات . و لمّا كانت حكومة الولايات المتّحدة ، و أيزنهاور نفسه فى حقيقة الواقع ، غارقين فى زيادة التسلّح ، و الإستعدادات للحرب ، و توسيع العدوان ، الأمر الذى يتعارض مع مطلب إنفراج الوضع الدولي ، فما فائدة إخفاء هذا الأمر أو حتى تبييضه و تجميله و إطرائه بالنسبة إلى الوضع الدولي؟ إنّ هذا ، على العكس ، سيجعل مسبّبي التوتّر أكثر طيشا و جموحا .
إنّ الحقائق تغنى عن كلّ بيان . فلنلق فقط نظرة على أقصر موجز لأقوال حكومة الولايات المتحدة و أيزنهاور و أفعالهما ضد السلم منذ محادثات كامب دافيد فى أيلول ( سبتمبر ) الماضي :
ففى 16 تشرين الأوّل ( أكتوبر ) عام 1959 قال مساعد ناظر الخارجية الأميركية إندرو ه. بيردينغ ، فى خطاب له ، أنّ الولايات المتحدة لا تستطيع قبول التعايش السلمي ، لأنّ ذلك سيعنى قبول الحالة الراهنة للمعسكر الإشتراكي .
وفى 21 تشرين الأوّل ( أكتوبر) إستصدرت الولايات المتحدة بالضغط قرارا غير شرعي حول ما يدعى ب " مسألة التيبت " عن طريق الجمعيّة العموميّة للأمم المتّحدة ، متدخّلة بذلك فى شؤون الصين الداخليّة ، و مفترية على سحق الحكومة الصينيّة لعصيان الفئة الرجعية من مالكي الأقنان فى منطقة التيبت .
و فى 22 تشرين الأوّل ( أكتوبر ) أصدرت نظارة الخارجية الأمريكية بيانا بمناسبة مرور ثلاثة أعوام على العصيان المعادي للثورة فى المجرّ تطعن فيه بالحكومتين المجرّية و السوفياتيّة ، و " تمجّد " العناصر المعادية للثورة التى قامت بالعصيان .
و فى 3 تشرين الثاني ( نوفمبر ) و عندما تظاهر الشعب فى منطقة قناة باناما من أجل إستعادة سيادة باناما على منطقة القناة ، قمع جيش الإحتلال الأميركي الشعب المتظاهر و جرح أكثر من 120 من الباناميّين .
وفى 13 تشرين الثاني ( نوفمبر ) قال نائب رئيس الولايات المتّحدة نيكسون :" إنّ الدول الغربيّة لا تستطيع قبول ما يدعوه السوفيات التعايش السلمي " .
وفى 22 تشرين الثاني ( نوفمبر) نشر ناظر الخارجية الأميركية هيرتر مقالا فى مجلة " باريد " الأميركيّة يشنّع بالإتحاد السوفياتي زاعما أن له " نوايا عدوانيّة " و أنّه ينفّذ " حملة توسعيّة " .
و فى 27 تشرين الثاني ( نوفمبر) أصدرت نظارة الخارجية الأميركية بيانا تطعن فيه بألبانيا زاعمة بأنّها " خاضعة للسيطرة السوفياتية ".
و فى الأول من كانون الأوّل ( ديسمبر ) زار ايزنهاور أحد عشر بلدا فى أوروبا و آسيا و أفريقيا بغرض توسيع الحرب الباردة . و قد دقّ خلال زيارته و بكلّ قوّته الطبول لتعزيز الأحلاف العسكرية الغربيّة قائلا بأنّ " حلف شمالي الأطلسي يبقى حجر الزاوية فى سياستنا الخارجية "، و أنّ الولايات المتّحدة لا تستطيع التخلّى عن حلف السنتو، كما عمل بنشاط على توسيع شبكة قواعد القذائف الموجّهة الأميركية فى الخارج .
وفى 9 كانون الأول ( ديسمبر) إستصدرت الولايات المتّحدة بالضغط قرارا حول المسألة الكوريّة عن طريق الجمعيّة العموميّة للأمم المتّحدة . و بالرغم من النداء الذى أصدره المجلس الشعبي الأعلى للجمهورية الديمقراطية الشعبيّة الكوريّة فى 27 تشرين الأوّل ( أكتوبر) ، فإنّها رفضت سحب القوّات الأميركية من جنوبي كوريا و تحقيق توحيد سلمي للبلاد ، و أكثر من ذلك أصرّت على إجراء ما دعي " الإنتخابات الحرّة " فى كوريا تحت " إشراف " الأمم المتّحدة التى كانت أحد الطرفين المتحاربين .
و فى نفس اليوم إستصدرت الولايات المتّحدة بالضبط ، عن طريق الجمعيّة العمومية للأمم المتحدة قرارا حول ما يدعى " المسألة المجريّة " ، يشكّل تدخّلا فى شؤون المجرّ الداخلية .
و فى 15 كانون الأوّل ( ديسمبر ) قدّم هيرتر " مشروع عشر سنوات " إلى إجتماع مجلس حلف الناتو ( الأطلسي ) مطالبا كتلة الناتو أن تكون لها " القوّة الرادعة " لأنّ تشنّ حربا واسعة النطاق ، و" المرونة الكافية " لشنّ حروب محلّية .
وفى 24 كانون الأوّل ( ديسمبر) دفعت الولايات المتّحدة حفنة من أشدّ العناصر الموالية لها فى لاووس للقيام بإنقلاب عسكري و توسيع الحرب الأهليّة فى لاووس بشكل أكبر .
وفى 29 كانون الأوّل ( ديسمبر ) أعلن أيزنهاور بأنّه إبتداء من أوّل كانون الثاني ( يناير) 1960 ستصبح الولايات المتّحدة " حرة فى إستئناف تجارب الأسلحة النوويّة " .
و فى 7 و 18 كانون الثاني ( يناير) عام 1960 قدّم أيزنهاور رسالتيه عن دولة الإتّحاد و الموازنة مطالبا الولايات المتحدة ب " تخصيص أي حصة من مواردها " تكون ضروريّة لتأمين " قوّة رادعة " و حدّد النفقات العسكرية للسنة المالية 1961 بأكثر من 455000 مليون دولار، أي 57،1 بالمئة من مجموع الموازنة . و شنّع على البلدان الإشتراكية فى رسالته عن دولة الإتّحاد زاعما أنّها " دول بوليسية " ، و على الإتحاد السوفياتي بأنّه " الشيوعية الإستعمارية " ، و على المعسكر الإشتراكي بأنّه " نظام الأتباع المتجهّمين ".
و فى 15 كانون الثاني ( يناير) قال نيكسون " فى ظلّ أيّة ظروف ، لا يجوز للولايات المتّحدة و حليفاتها أن تخفض من قوّاتها ".
و فى 19 كانون الثاني ( يناير ) وقّعت فى واشنطن " معاهدة التعاون والأمن المتبادلين " بين اليابان و الولايات المتّحدة . و هذه المعاهدة العدوانية للتحالف العسكري ، موجّهة رأسا ضد الصين ، و الإتّحاد السوفياتي ، و الجمهورية الديمقراطية الشعبية الكوريّة ، وهي تهدّد سلم جميع البلدان الآسيويّة و أمنها .
و فى 3 شباط ( فبراير) أعلن ايزنهاور فى مؤتمر صحفي قائلا :" لا أعرف أي شيء عن روح كامب دافيد " و أشار أيضا إلى أن الولايات المتّحدة ستزوّد حليفاتها بالمعلومات السرّية حول الأسلحة النوويّة .
و فى 5 شباط ( فبراير) أصدرت نظارة الخارجية الأمريكية بيانا ترفض فيه مرّة أخرى إقتراح إجتماع أعضاء حلف وارسو ، القائل بأن توقّع منظمة معاهدة وارسو و كتلة الناتو معاهدة عدم إعتداء متبادل .
و فى 15 شباط ( فبراير ) أصدر هيرتر بيانا ذهب فيه إلى حدّ إثارة المطالبة بأن" تتمتّع مرّة أخرى بالإستقلال الوطني " ثلاث جمهوريات من جمهوريات الإتّحاد السوفياتي هي : ليتوانيا ، و لاتفيا، و إستونيا .
و فى 16 شباط ( فبراير ) قال أيزنهاور فى رسالته " الأمن المتبادل " أنّ حقيقة التخفيضات فى القوّات السوفياتية العسكرية ، إذا كانت حقيقة ، فإنّها لا تغيّر ضرورة الإحتفاظ بدفاعنا الجماعي " " و إنّها لحماقة كبيرة أن نتخلّى أو نضعف مركزنا للقوّة الرادعة المشتركة ". و قال أيضا : بالنسبة للولايات المتحدة فإنّها "...تحتاج إلى مثابرة راسخة ، صابرة ، و بغير ضجّة فى بذل جهودنا للتمسّك بدفاعاتنا المشتركة ". و أعلن أنّ 2000 مليون دولار هي مخصّصات المساعدة العسكرية الأجنبيّة للسنة المالية الجديدة، أي بزيادة 700 مليون دولار بالنسبة للسنة الفائتة .
و فى 17 شباط ( فبراير ) ذكر أيزنهاور فى تقريره عن الوضع فى الشرق الأوسط ، بأنّ الولايات المتّحدة ستواصل إحتلال أرض الصين ، تايوان ، وإنّه ما زال " يأمل" بأنّ الصين الجديدة " ستنهار" ، و أكثر من ذلك ، فقد ذكر بأنّ الولايات المتحدة ستتّبع " سياسة ترمى إلى معاكسة نموّ قوّة (الصين) هذه "، و " تتمسّك بالتدابير الرامية إلى مقاومة هذه القوّة ".
و بين 22 شباط ( فبراير ) و 3 آذار ( مارس ) قام أيزنهاور بزيارة أميركا الجنوبية مدافعا عن تعزيز " نظام القارّة الأميركية بكاملها " ، مادحا مؤتمر سانتياغو لوزراء خارجيّة منظّمة الدول الأميركيّة الذى عقد فى آب ( أغسطس) من العام الماضي ، و الذى كان يهدف إلى التدخّل فى كوبا . و أكثر من ذلك ، فقد ذكر بأنّ الولايات المتّحدة ستواصل التمسّك بما يدعى " مبدأ مونرو" الذى يعتبر أنّ القارة الأميركية تتبع الولايات المتّحدة .
و فى 26 شباط ( فبراير) و بعد إرسال القذائف الموجّهة بإستمرار إلى كوريا الجنوبية إنتهاكا لإتّفاقية الهدنة الكوريّة ، أطلقت الولايات المتّحدة علنا قذيفة موجّهة من نوع " ماتادور" فى أوزان فى كوريا الجنوبية .
و فى 29 شباط ( فبراير ) رفضت الولايات المتّحدة ، فى مذكّرة جوابيّة إلى الحكومة الكوبيّة ، طلب الحكومة الكوبيّة بأن تمتنع الولايات المتّحدة عن إتّخاذ التدابير التى يمكن أن تضرّ بالشعب الكوبي ، و ذلك كشرط ضروريّ لإستئناف المحادثات الأميركية – الكوبية . و مضت تهدّد معلنة أنّ الولايات المتحدة تبقي حرّة فى إتخاذ " أيّة خطوات " تراها ضروريّة . و قبل هذا و بعده كانت الطائرات الأميركية تضرب كوبا بالقنابل بإستمرار . و إستنادا إلى بيان 14 آذار ( مارس ) الذى أصدره رئيس الوزراء الكوبي ، كاسترو ، فإنّ الطائرات الأميركية أغارت على كوبا أكثر من أربعين مرّة .
و فى 9 آذار ( مارس ) قال مساعد ناظر الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية ج.س. ساترثوايت ، بأنّ الولايات المتحدة لها " مصالح سياسيّة و عسكريّة خاصة " فى شمال أفريقيا . و قال : " و من المهمّ جدّا أيضا أن تبقى الولايات المتّحدة على حقوقها فى إستخدام قواعد هامة معيّنة لها فى أفريقيا ؛ و أن تواصل الولايات المتّحدة و حليفاتها الحصول على موارد واسعة من المواد الهامة فى أفريقيا ، و بصورة رئيسية المواد المعدنيّة ". و ذكر أيضا أنّ ثمة حاجة " للتنسيق بين نهوض القومية ( فى أفريقيا ) و طرق الإنتقال المنظّم من الماضى إلى المستقبل ".
و فى 16آذار ( مارس) بدأت الولايات المتّحدة و طغمة شيانغ كاي شيك مناورات عسكرية واسعة النطاق فى مضائق تايوان إشترك فيها 50000 من القوّات الأميركية .
وقال أيزنهاور فى نفس اليوم ، و هو اليوم التالي لإصدار البيان المشترك بين أيزنهاور و أيدناور، " لقد إتّفقنا على أنّه لم يكن هناك تغيير فى السياسة من أي جانب من الجانبين " و قال " إنّنا لن نتخلّى عن حقوقنا فى برلين ".
و فى 21 آذار ( مارس ) إعتدت السفن الحربية الأميركية مرّة أخرى على مياه الصين الإقليمية . و أصدرت الحكومة الصينية تحذيرها الخطير ال93 للولايات المتّحدة . و فى الفترة منذ تشرين الأوّل ( أكتوبر ) 1959 حتى هذا الوقت إعتدت الولايات المتحدة على المياه و الأجواء الإقليمية للصين 21 مرّة .
و فى 30 آذار ( مارس ) أكّد أيزنهاور بأنّه حتى لو وافقت الولايات المتّحدة الآن على توقيع إتّفاق لإيقاف التجارب النوويّة بصورة مؤقّتة ، فإنّ هذا لا يلزم الرئيس الأميركي التالي . و قال بأنّ " أي خلف له الحقّ فى أن يمارس رأيه فى هذا الأمر". و سار هيرتر شوطا أبعد من ذلك فقال فى الثامن من نيسان ( ابريل ) إنّه من وجهة النظر القانونية فإنّ " مقدرة أيزنهاور على ربط الولايات المتّحدة بإلتزامات لفترة أطول من الزمن " " تبقى محصورة خلال فترة رئاسته فقط ".
و فى 4 نيسان (ابريل) صدق أيزنهاور رسميّا على مشروع التطوير العاجل للقذائف البالستيكية العابرة للقارات ، و الغواصات النوويّة التى تطلق القذائف الصاروخية من نوع " بولاريس" . و تفيد الأنباء أن حكومة الولايات المتحدة تستعدّ لزيادة عدد القذائف الصاروخية العابرة للقارات المقرّر إنتاجها خلال ثلاث سنوات من 270 قذيفة إلى 312 ، و عدد الغواصات النوويّة من 7 إلى 40.
و فى 9 نيسان ( أبريل) جعجع ر. س. بنسون ، قائد قوّة الغواصات التابعة للأسطول الأميركي فى المحيط الهادي ، بأنّ الولايات المتّحدة ستستخدم 30 غوّاصة من الغواصات النوويّة التى تطلق القذائف الصاروخيّة من نوع " بولاريس" لتطويق الإتحاد السوفياتي و البلدان الإشتراكية الأخرى .
و فى 14 نيسان (ابريل) عارض إيتون مندوب الولايات المتحدة فى إجتماع لجنة الدول العشر لنزع السلاح ، الإقتراح الذى تقدّمت به البلدان الإشتراكية ، بأن تتعهّد جميع الأمم التى تملك الأسلحة النوويّة بأنّ لا تكون البادئة بإستخدامها ، و أكّد مرّة أخرى بأنّ الولايات المتّحدة لا تستطيع أن تقبل الإقتراح السوفياتي لنزع السلاح العام الشامل .
و فى 20 نيسان ( ابيرل ) ألقى ديلون وكيل نظارة الخارجية الأمريكية خطابا هاجم فيه سياسة الإتحاد السوفياتي الخارجية ، و طعن بالإتّحاد السوفياتي زاعما بأنّه يبيّت " مطامع توسعية " . و قال " إن تعبير " التعايش" هو فى الحقيقة تعبير مخيف و مستهجن". و إنّه يجب أن " يقذف فى سلّة المهملات ".. و راح يهذى حول " إبقاء و تعزيز" قوّة الولايات المتحدة العسكرية و نظام كتلها العدوانيّة العسكريّة .
وفى نفس اليوم قام العصاة فى فنزويلا الذين تؤيّدهم الولايات المتّحدة بتمرّد مسلّح محاولين الإطاحة بالحكومة الفنزويليّة .
إنّ الحقائق المدوّنة هنا ، بالطبع ، بعيدة عن أن تستنفد ، وهي تستند فقط إلى معلومات نشرتها علنا حكومة الولايات المتحدة و الصحف و المجلات الأميركية . و مهما يكن من أمر ، فإنّنا نودّ أن نسأل : اليست كلّ هذه حقائق ؟ أوليست هذه هي الحقائق الأساسية لسياسة الولايات المتّحدة الراهنة ؟ و هل يمكن أن يقال بأن هذه الوقائع فى سياسة الولايات المتحدة ليست إلاّ مخلّفات تافهة غير مهمّة من العهود السابقة ؟ طبيعي أنّ الحقائق لا تؤيد هذا . فالحقيقة هي أنّنا ، حتى بعد محادثات كامب دافيد ، و حتى عشيّة مؤتمر الذروة بين الشرق و الغرب ، لا نرى أبدا أي تغيّر جوهري فى السياسة الحربيّة للإستعمار الأميركي ، و لا فى السياسة التى تتّبعها حكومة الولايات المتّحدة و أيزنهاور شخصيّا . فالإستعمار الأميركي ليس فقط يبذل قصاري جهوده لتوسيع قوّته العسكريّة العدوانيّة ، و لكنّه أيضا يساعد قوى العسكريّة فى ألمانيا الغربيّة و اليابان بشكل محموم ، و يحوّل هذين البلدين إلى بؤرة حرب جديدة . و يجب أن يفهم أنّ كلّ هذا يؤثّر على مصير الجنس البشري بأسره . و إنّها لضرورة لازمة ، مقاومة العسكريّة فى ألمانيا الغربيّة و اليابان ، و العسكرية التى تغذى من قبل الولايات المتحدة فى البلدان الأخرى ، و لكن سياسة الحرب التى ينتهجها الإستعمار الأميركي هي التى تلعب الآن و قبل كلّ شيء ، الدور الحاسم فى كلّ هذا. والتغاضي عن هذه النقطة ، هو تغاض عن جوهر الأمر و أصله . و لذلك ، فإن لم تركّز الشعوب المحبّة للسلم فى العالم بأسره قوّتها على مواصلة فضح سياسة الحرب التى تنتهجها سلطات الولايات المتحدة فضحا حازما ، و إذا لم تخض نضالا دؤوبا ضدّها ، فإنّ النتيجة ستكون حتما كارثة فادحةّ .
فكيف يحقّ للشعب الصيني الذى يقف فى الصفوف الأمامية للنضال من أجل السلم سويّة مع شعوب الإتحاد السوفياتي ، و البلدان الإشتراكية الأخرى، أن يلوذ بالصمت حول جميع هذه الحقائق ؟ و أي حق لنا فى أن ندع الأميركيين يقترفون ، و يقولون ، و يعرفون كلّ هذه الأمور ، و أن لا ندع شعوب الصين و البلدان الأخرى تعرف حقيقة الأمور؟ فهل ممّا يسيء إلى السلم ، و يزيد التوتّر ، أن نوضح الوضع الحقيقي للأمور إلى الرأي العام الصيني و العالمي ، و ممّا يساعد السلم و يخفّف التوتّر أن نخفي الحقيقة فقط ؟ و هل بهذه الطريقة " يصان " السلم حسب منطق المستعمِرين الأمريكيّين؟ أو هل هذا هو " السلم فى الحرّية " الذى أشار إليه أيزنهاور و من هم على شاكلته ؟
إن المستعمِرين الأميركيين ، الذين يدبّرون بنشاط حربا جديدة ، يأملون حقّا أن نخفي الوضع الحقيقي للأمور؛ و يأملون أن نتخلّى عن وجهة نظر الماركسية - اللينينية ، وأن نؤمن بأّنّ طبيعة الإستعمار يمكن أن تتغيّر، أو حتى أنّها قد تغيّرت ؛ و يأملون أن نفعل فى النضال لصيانة السلم العالمي كما يفعل المسالمون البورجوازيون تماما ، أي يأملون ألاّ نعبئ و لا نعتمد على أوسع الجماهير الشعبيّة التى تقف ضد الإستعمار ، و ضد الحرب الإستعماريّة ، و ضد العدوان الإستعماري ، و يأملون أن نبالغ قدر الإمكان فى تقدير إيماءات السلم التى أجبرت القوى الإستعمارية العدوانيّة على إظهارها ، و أن نجعل الجماهير غافلة ، أو أن نبالغ فى تقدير القدرة الحربيّة للقوى الإستعماريّة العدوانيّة ، و بذلك نوقع الجماهير الشعبية فى هلع . و بإختصار فإنّ المدبّرين لحرب جديدة يأملون أن نتظاهر مثلهم بأنّنا نريد السلم أو أن نريد سلما زائفا ، حتى يتمكّنوا فجأة من فرض الحرب على الشعوب ، تماما كما فعلوا فى الحربين العالميّتين الأولى و الثانية .
و لكن ، إسمعوا أيّها المدبّرون لحرب جديدة ! إنّ آمالكم لن تتحقّق أبدا . فطالما أنّنا نريد السلم حقّا ، و نريد سلما حقيقيّا ، فإنّنا لن نقع أبدا فى شرككم . و يجب علينا أن نواصل فضح جميع مؤامرات المستعمِرين الأميركيين و المستعمِرين الآخرين و مكائدهم التى تضرّ السلم ، و أن نبذل أقصى ما فى وسعنا لتعبئة الجماهير الواسعة التى تقف ضد الإستعمار و الحرب الإستعمارية و العدوان الإستعماري ، و كي تخوض نضالا عنيدا ضد المدبّرين لحرب جديدة ، ونجعلها تحتفظ، فى هذا النضال ، بيقظة عالية و ثقة قوّية ، و أن نكافح ، إلى النهاية ، لمنع حرب جديدة . و بهذا فقط نكون ، فعلا ، نرغب فى السلم ، و نحصل على سلم حقيقيّ . و بغير ذلك نكون مدّعين برغبتنا فى السلم ، أو أنّنا لا نحصل إلاّ على سلم زائف .
و مع أنّ طبيعة الإستعمار ، كما قلنا سابقا ، لا يمكن أن تتغيّر ، فإنّنا واثقون تماما بأنّه إمّا واصلت القوى الجبّارة المدافعة عن السلم خوض نضال موحّد حازم ، فإنّ بوسعها حتما أن تقيم صفّا من الحواجز يمنع المستعمِرين من إقتراف ما يريدون ، حسب ما تمليه عليهم طبيعتهم . و أكثر من ذلك ، ففى حالة الطوارئ ، كما جاء فى بيان موسكو :
" ... إذا ما غامر مجانين الحرب المستعمِرين ، بالرغم من كلّ شيء ، بشنّ حرب ، فإنّ الإستعمار سيحكم على نفسه بالدمار، لأنّ الشعوب لن تصبر بعد الآن على النظام الذى يسبّب لها تلك الآلام القاسية ويستلزم منها التضحيات الفادحة ".
و لقد كان من الضروري حتما ، أن يشير بيان موسكو إلى هذا . و لم يكن ذلك ليضعف أفق السلم بل ليعزّزه . لأنّه بهذا فقط لا تتجرّد شعوب مختلف البلدان من تسلّحها المعنوي ، و لا تخضع لتهويل مجانين الحرب وتهديدهم ، و لا تقع فى الذعر و الحيرة إذا ما إنفجرت الحرب ، لسوء الحظّ ، فى النهاية .
إنّ المرونة ، و الصبر ، و التفهّم المعيّن ، و المصالحة المعيّنة هي أمور ضرورية للتوصّل إلى التعايش السلمي بين البلدان ذات الأنظمة الإجتماعيّة المختلفة . و إنّ الشعب الصينيّ فى نضاله ضد الأعداء الداخليّين و الخارجيّين ، لم يرفض فى الماضي إجراء تسويات لا تضرّ بالمصالح الأساسيّة للشعب ، و لن يرفض القيام بذلك فى المستقبل . و إنّ الشعب الصيني يؤيّد بحرارة جهود الرفيق خروتشوف و الحكومة السوفياتية فيما يتعلّق بمحادثات الذروة بين الشرق و الغرب ، وهو أكثر من ذلك ، يأمل أن تغيّر الحكومة الأميركية الموقف المتعنّت الذى إتّخذته حتى الآن ، و بذلك جعل من الممكن للمحادثات أن تتوصّل إلى الإتّفاقيات التى تنتظرها الشعوب ، حول مسائل نزع السلاح ، و وقف تجارب الأسلحة النوويّة ، و مسألتي برلين الغربية و ألمانيا ، و مسألة إنفراج الوضع الدولي .
ولكن النضال من أجل السلم العالمي هو نضال طويل الأمد ، فالإستعمار لن يقبل بسهولة أيّة إتّفاقية مؤاتية للسلم . و أكثر من ذلك ، فإنّ ما لا يحصى من الحقائق التاريخيّة يثبت أن ما يوافق عليه المستعمِرون يمكن أن ينقضوه أيضا فى أيّ وقت يشاءون . و لذلك فالنضال ضروري سواء للتوصّل إلى إتّفاقيات فى صالح السلم ، أو التمسّك بهذه الإتّفاقيات لدى التوصّل إليها ، و قد أصاب لينين إذ قال :
" لقد إنتشر الآن النضال من أجل السلم ؛ و هذا نضال صعب . فمن يظنّ أنّ من السهولة إحراز السلم ، و من يظنّ أنّه ما علينا إلاّ أن نذكر السلم حتى يقدّمه لنا البرجوازيّون على طبق ، فهو شخص ساذج تماما . و من يحاول أن يعزو هذا الرأي إلى البلاشفة فإنّه يمارس الخداع . و الراسماليون يستميتون فى القتال بغية إقتسام الغنائم . فمن الواضح أن سحق الحرب هو قهر رأس المال . و بهذا المعنى بالضبط بدأت الحكومة السوفياتية النضال ". ( " خطاب فى المؤتمر الأوّل لممثّلى بحريّة عامة الروسيا ".)
و بسبب أن الحرب الحديثة هي حصيلة طبيعة الإستعمار ، وأنّ طبيعة الإستعمار لا يمكن أن تتغيّر ، لهذا السبب بالذات ، فإنّ النضال لتحقيق السلم العالمي وصيانته ، هو بالضرورة ، نضال مديد معاد للإستعمار . و لهذا فإنّ نشر نظريّة لينين عن الإستعمار بصورة متكرّرة ، و فضح جوهر الإستعمار ، و جميع حيله الخادعة ، أصبح مهمّة ملحّة فى قضيّة السلم فى الوقت الراهن .
فما دام الإستعمار هو مصدر الحرب الحديثة ، فإنّ من الضروري ، فى النضال من أجل السلم العلمي ، الإتّحاد مع جميع القوى التى تقف ضد الإستعمار ، و الحرب الإستعمارية ، و العدوان الإستعماري . و قد نصّ بيان موسكو :
" إنّ الذى يصون قضية السلم هو هذه القوى الجبّارة لعصرنا : معسكر البلدان الإشتراكية الذى لا يقهر ، و على رأسه الإتحاد السوفياتي ؛ و بلدان آسيا و أفريقيا الشغوفة بالسلم و التى تأخذ موقفا معاديا للإستعمار و تشكل سويّة مع البلدان الإشتراكية منطقة سلم واسعة ؛ و الطبقة العاملة العالمية ، و فوق كلّ شيء طليعتها – الأحزاب الشيوعية ؛ و حركة تحرّر شعوب المستعمرات و أشباه المستعمرات ؛ و حركة السلم الجماهيريّة لشعوب العالم . إنّ القوى التى تقاوم بحزم مشاريع حرب جديدة هي ، إلى جانب القوى المذكورة آنفا ، شعوب البلدان الأوروبية التى أعلنت الحياد ؛ و شعوب اميركا اللاتينية ، و الجماهير الشعبية فى البلدان الإستعماريّة . و إنّ تحالف هذه القوى الجبّارة يستطيع منع الحرب ".
إنّ المستعمِرين ، و خصوصا المستعمِرين الأميركيين ، لا يدعون حجرا إلاّ و يقبلونه ، فى محاولتهم لشقّ هذا النضال الموحّد . إنّهم يحلمون بوضع النضال من أجل السلم العالمي فى موضع مضاد لحركات الإستقلال الوطني فى آسيا و أفريقيا و أميركا اللاتينية ، و لنضالات الشعوب من أجل الحرّية و الديمقراطية و الإشتراكية . و يحاورون بأنّه طالما أن السلم مرغوب فيه ، فإنّ الأمم المضطهَدة يجب أن لا تقاوم العدوان ، و الشعوب المستغلّة يجب أن لا تهبّ إلى الثورة . حتى أنّهم يقولون إنّ من واجب البلدان الإشتراكية ، فيما يظهر ، أن تمنع شعوب البلدان الأخرى من القيام بالثورة . إنّ كلّ هذا محض هراء .إنّ الماركسيين - اللينينيّين ، كما يعرف كلّ إنسان ، قد آمنوا دائما بأنّ الثورة ، بالنسبة إلى الأمم المضطهَدة أو الشعوب المستغلّة ، لا يمكن أن تصدّر . و كذلك لا يقدر أحد و لا يحقّ له أن يمنع الثورة . فالثورات الحديثة تنبع بصورة أساسيّة من العدوان و الإضطهاد و النهب الإستعماري للأمم المتأخّرة و الجماهير الشغيلة داخل البلدان الإستعمارية نفسها . و لهذا و طالما أنّ الإستعمار لن يتخلّى عن عدوانه ، و إضطهاده ، ونهبه ، و طالما أن الإستعمار يبقى إستعمارا ، فإنّ الشعوب المضطهَدة فى مختلف البلدان لن تتخلّى عن ثوراتها الوطنية ، و ثوراتها الإجتماعية .
إنّ البلدان الإستعمارية لم تتوقّف حتى هذه اللحظة عن التدخّل فى الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى ، بما فيها البلدان الإشتراكية ، وهي مع ذلك تروّج كذبا أنّ البلدان الإشتراكية تتدخّل فى شؤون البلدان الأخرى الداخليّة . و بالطبع ، فإنّ البلدان الإشتراكيّة لا تتدخّل فى شؤون البلدان الأخرى ، بما فيها البلدان الإستعمارية . و مع ذلك ، فإن الدول الإستعمارية تحاول الآن إجبار أو إغراء البلدان الإشتراكية على مساعدتها للتدخّل فى شؤون البلدان الأخرى الداخليّة ، أليس هذا بطلان إلى أقصى الحدود ؟
و طالما أنّ الإستعمار باق ، و يواصل إنتهاج سياسات العدوان ، و الإضطهاد ، و النهب ، بوسائل العنف ، فإنّ البلدان الإشتراكية تأخذ دائما موقف العطف و التأييد للأمم المضطهدَة و الشعوب المستغلّة فى مقاومتها للإستعمار . ذلك لأنّ نضالها يمثّل إرادة الشعب ، و يضعف القوى الإستعمارية ، و لأنّه فى صالح السلم العالمي . أليس سخيفا إلى أقصى الحدود ، التفكير بأنّ تطوّر هذا النضال و التأييد المقدّم له ليسا فى صالح السلام ؟
إنّ البلدان الإشتراكية و شعوب العالم المعادية للإستعمار و الشغوفة بالسلم ، تناضل جميعها لوضع حدّ للحرب . و كلّما كانت قوّة البلدان الإشتراكية و القوّة المعادية للإستعمار و المحبّة للسلم فى دول العالم أعظم ، كانت إمكانية منع الحرب أكبر. و لهذا فإنّ تقوية البلدان الإشتراكية ، و حركة التحرّر الوطني ، و حركة تحرير البروليتاريا فى البلدان الرأسمالية ، و زيادة القوى المحبّة للسلام فى دول العالم ، تجعل من الممكن ، بصورة أكثر فعاليّة ، منع الحرب الإستعمارية و الدفاع عن السلم العالمي .
و المهمّة العظمى الثالثة للشعب الصيني فى الإحتفال بالذكرى التسعين لمولد لينين هي تقوية و تعزيز الصداقة و التضامن مع الشعوب الأخرى و بالدرجة الأولى مع البلدان الإشتراكية ، و على رأسها الإتحاد السوفياتي .
إنّ الماركسية - اللينينية ، هي الأممّية البروليتارية الحقيقية . و قد كانت منذ بدايتها ظاهرة أمميّة . فإنتصار الثورة الصينيّة و تقدّم البناء الإشتراكي فى جمهورية الصين الشعبيّة متعلّقان بشكل لا ينفصم بالتأييد الأممي البروليتاري . و إنّ الشعب الصيني يشكر إلى الأبد هذا التأييد ، و لن ينسى مطلقا ، واجبه فى أن يؤيّد ، بجهوده الخاصة ، البروليتاريا العالميّة ، و الأمم المضطهَدة . و لهذا السبب ، بالذات ، أشار الرفيق ماو تسى تونغ بقوّة عشيّة تأسيس جمهوريّة الصين الشعبيّة قائلا :
" إذا لخصنا تجاربنا و ركّزناها فى نقطة واحدة وجدناها : ديكتاتورية الشعب الديمقراطية بقيادة الطبقة العاملة ( عن طريق الحزب الشيوعي ) و على أساس تحالف العمّال و الفلاّحين . و هذه الديكتاتورية يجب أن تتوحّد مع القوى الثوريّة العالميّة. هذا هو صيغتنا ، و تجربتنا الرئيسية ، و منهاجنا الأساسي ."
و لهذا السبب ، بالذات ، يوجد أيضا ، كما هو معروف تماما ، شعاران مكتوبان بالحروف الكبيرة على الجدار فى تينآمن فى بيكين أحدهما " عاشت جمهورية الصين الشعبية ! " و الثاني " عاشت الوحدة العظمة لشعوب العالم ! ".
إن الشعب الصيني ، فى جميع الأوقات ، بحاجة إلى التمسّك بالصداقة و التضامن مع الشعوب الأخرى . و الشعب الصيني سعيد بأن يرى أن الوحدة الأخويّة بيننا و بين البلدان الأخرى فى المعسكر الإشتراكي ، على رأسه الإتّحاد السوفياتي العظيم ، تتنامي يوميّا ، و أنّ صداقتنا مع شعوب آسيا ، و أفريقيا ، و أميركا اللاتينيّة التى تحبّ السلم و تقاوم العدوان الإستعماري ، تتّسع من يوم إلى آخر ، و أنّ إتّصالاتنا الوديّة مع الشعوب فى البلدان الرأسمالية الأخرى ، تتزايد أيضا بمرور كلّ يوم . و على هذا الأساس ، سيعزّز الشعب الصيني بجهود لا تكلّ ، صداقتنا و تضامننا مع جميع الشعوب الأخرى ، و ذلك لخوض نضال مشترك من أجل المصالح المشتركة لجميع الشعوب .
إن المستعمِرين و خصوصا المستعمِرين الأميركيين فى محاولتهم نسف تضامن شعوب العالم ، يحرضون بشكل محموم على حملات معادية للصين فى بلدان معيّنة . ولكن هذه الحملات لم تحظ و لن تحظى أبدا بتأييد من الشعوب ، لأنّها حملات لا مبرّر لها أبدا . إنّ الشعب الصيني يبنى ، بكدّ ، حياة سلمية جديدة فى بيته ، و يعمل بما فى وسعه لأن يعيش بصداقة مع جيرانه ، فهو لم ينطلق إلى أي بلد أجنبي أو إلى ما وراء بحاره ليقيم قواعد عسكرية ، و قواعد للقذائف الموجّهة ، فلماذا يلقى العداء إذن ؟ و نحن نعلم أنّ الإتّحاد السوفياتي الذى خلقه لينين ، كان بلدا مسالما ، و مع ذلك تعرّض للطعن و الهجوم خلال فترة طويلة من الزمن ، من جانب أناس معادين للسوفيات لأغراض داخليّة معيّنة فى بعض البلدان الكبيرة و الصغيرة ( بما فيها بعض الدول التى ساعدها الإتحاد السوفياتي كالصين ، مثلا ، أثناء حكم الكومنتنغ ). و لكن هذا لم ينجح بإلحاق الضرر بالإتّحاد السوفياتي ، و إنّما فضح فقط حقيقة العناصر المعادية للسوفيات على أنّها ضد السلم و الشعب . و الحملات المعادية للصين التى يحرّض عليها المستعمِرون و الرجعيّون فى بلدان معيّنة ستنتهى حتما إلى نفس المصير .
إنّ المستعمِرين ، و التحريفيّين المعاصرين المتواطئين معهم ، و حفنة من الرجعيّين فى مختلف البلدان ، مسعورين بشكل خاص ، فى الوقت الحاضر ، فى محاولتهم لشقّ الوحدة الأخويّة التى لا تنفصم عراها بين الصين و البلدان الإشتراكية الأخرى بمختلف الوسائل الدنيئة ، و مثيرو الوقيعة هؤلاء هم خبثاء و أغبياء إلى أبعد الحدود . إنّهم لن يستطيعوا أن يفهموا أبدا أنّ وحدة البلدان الإشتراكية قد تشكّلت و تنامت تحت راية الماركسية – اللينينية العظيمة التى لا تتزعزع . يقول بيان موسكو :
" إنّ كون البلدان الإشتراكية متضامنة فى أسرة كبرى موحّدة يرجع إلى أّنّها تتّبع الطريق الإشتراكي المشترك ، و إلى الجوهر الطبقي المشترك لنظامها الإجتماعي و الإقتصادي و سلطة الدولة ، و إلى حاجتها للمساعدة و التأييد المتبادلين . و إلى مصالحها و أهدافها المشتركة فى النضال ضد الإستعمار و لتحقيق إنتصار الإشتراكية و الشيوعية ، و إلى إيديولوجية الماركسية – اللينينية المشتركة بينها جميعا ".
إنّ حقيقة أن المستعمِرين و التحريفيِين المعاصرين و حفنة من الرجعيين فى مختلف البلدان يحاولون بشراسة إيجاد هذا الشقاق ن لا تدلّ على مناعة موقعهم ؛ و لكنّها تظهر انّهم يقتربون من حتفهم . إنّ إنتصارات اللينينيّة السريعة فى نصف القرن الماضي ، و بصورة خاصة فى الخمس عشرة سنة منذ الحرب العالمية الثانية ، قد وضعتهم على نار . فأمام هذه الإنتصارات التى هزّت الأرض و التى تدعمها أوسع الجماهير ، لم يعد الإستعمار الذى يحاول عبثا السيطرة على العالم ، فى الحقيقة ، أكثر من " عملاق من طين " ، كما وصفه لينين فى مقاله " خلاصة أسبوع تجنيد أعضاء الحزب فى موسكو و مهمانا " . و من الطبيعي أن يكونوا معادين للتطوّر الكاسح و التضامن الراسخ للحركة الإشتراكية ، و حركة الإستقلال الوطني تحت راية لينين . و لكن كلّما أكثروا الشتم ، دلّ ذلك بوضوح اكثر على إنتصار اللينينية المحتّم . و قد كان لينين يبتهج عندما يهاجم من قبل أعداء الثورة ، لأنّ هذا يبرهن تماما على أنّه مصيب ، و أكثر من مرّة إقتبس فى كتاباته الأبيات التالية للشاعر الروسي الكبير نيكراسوف :
إن الإفتراءات تنهال عليه
وهو يريد سماع الإستحسان
لا فى أصوات المديح العذبة
بل فى حمأة الشتائم و الإنفعال !
فهل لا تثبت صحّة اللينينية بشتائم الأعداء الحانقة ، و إنّما بمديحهم ؟
إنّ الشعب الصيني فى جهوده لبناء الإشتراكية ، وصيانة السلم و مقاومة الحرب ، و تعزيز وحدة القوى الثوريّة فى مختلف الدول ، قد هوجم دائما و بشكل محموم من قبل أعداء الثورة . و لكن كلّ هذا قد برهن تماما على أنّ الطريق التى إختارها الشعب الصيني هي الطريق الصحيحة . و إنّ الشعب الصيني سيتقدّم دائما ببسالة فى طريق لينين العظيم نحو إنتصار قضية الإشتراكية فى جميع أنحاء العالم !
و لا شكّ مطلقا أنّ الماركسية – اللينينية ستحقّق حتما إنتصارات أعظم ، ليس فقط فى الإتّحاد السوفياتي ، و الصين ، و البلدان الإشتراكية الأخرى ، و إنّما أيضا فى جميع بلدان العالم الأخرى . بالطبع ، إنّ التاريخ يتطوّر بصورة غير متساوية . و مع ذلك فإنّ التعرّجات و الركود فى مجرى التطوّر الطويل للتاريخ الإنساني ليست إلاّ ظواهر جزئيّة و مؤقتة .
لقد أشرنا فى بدء هذا المقال إلى مقالة " المصير التاريخي لتعاليم كارل ماركس " التى كتبها لينين عام 1913 . فقد أشار لينين فى هذه المقالة ، بصورة خاصة ، إلى أنّ آسيا هي مصدر جديد لعواصف عالمية ، لأنّه ، فى ذلك الحين ، كان ركود نسبيّ فى تطوّر الثورة فى أوروبا . و إستنتج لينين إذّاك أنّ هذا الركود ليس إلاّ ظاهرة عابرة سطحيّة و أن الفترة التالية من التاريخ ستمكّن الماركسية ، مبدأ البروليتاريا ، من تحقيق إنتصارات أعظم .
و كتب لينين :
" عندما يكون الإنتهازيون ما يزالون يتغنّون بكلّ قوتهم ب" السلم الإجتماعي" و يطبّلون و يزمّرون بأنّ فى الإمكان تفادي العواصف فى ظلّ " النظام الديمقراطي " يكون مصدر جديد لعواصف عالمية عظمى قد إنبثق فى آسيا ... و بعد آسيا ، بدأت أوروبا تتحرّك أيضا . و لكن ليس بالأسلوب الآسيوي ... فسياق التسلّح المحموم و سياسة الإستعمار يحوّلان " السلم الإجتماعي" فى أوروبا الحديثة ، إلى شيء أشبه ببرميل من البارود . و فى نفس الوقت فإنّ عملية تفكّك جميع الأحزاب البرجوازية و نضوج البروليتاريا تسير قدما إلى أمام ".
إنّ نبوءة لينين العلميّة هذه تحقّقت فى روسيا فى عام 1917 ، ثمّ تحقّقت على نطاق أوسع بعد إنتهاء الحرب العالميّة الثانية . إنّ المصادر الجديدة لعواصف عالمية قد نبعت اليوم لا فى آسيا فقط ، بل فى أفريقيا و أميركا اللاتينية أيضا . فلم يعد للإستعمار مؤخّرة مأمونة على أي بقعة من بقاع هذه الأرض . و ما زالت توجد الآن درجة معيّنة من " السلم الإجتماعي " فى بعض بلدان أوروبا الغربيّة و أميركا الشمالية . و لكن تبعا لسياق التسلّح المسعور و السياسات الإستعمارية لهذه البلدان ، و بسبب قوّة المعسكر الإشتراكي ، و على رأسه الإتّحاد السوفياتي ، و نهوض حركات الإستقلال الوطني و الحركات الشعبية الثورية ، و تبعا للشعبيّة المتزايدة لحركة السلم ، فإنّ " السلم الإجتماعي " فى هذه البلدان الغربيّة يتحوّل فى الجوهر أكثر فأكثر إلى برميل من البارود ، كما وصفه لينين ، فليناضل الشعب الصيني و شعوب العالم الأخرى معا لتحرز اللينينيّة ، النظرية الماركسية لعصر الإستعمار و الثورة البروليتارية إنتصرات أعظم فى الفترة التاريخية المقبلة !
======================================================================

لنتّحد تحت راية لينين الثورية
التقريرالذى ألقي فى الإجتماع الذى عقدته اللجنة المركزية
للحزب الشيوعي الصيني فى بيكين فى 22 نيسان ( ابريل ) سنة 1960
للإحتفال بالذكرى التسعين لمولد لينين
بقلم : لو تنغ يي
أيها الرفاق و الأصدقاء :
يصادف اليوم 22 نيسان ( ابريل) الذكرى التسعين لمولد لينين العظيم .
لقد كان لينين معلّما ثوريّا عظيما ، بعد ماركس و إنجلز ، للبروليتاريا ، و الشغّيلة ، و الأمم المضطهَدة فى العالم بأسره . ففى ظلّ الظروف التاريخية لعصر الإستعمار ، و فى لهب الثورة الإشتراكية البروليتارية ، دافع لينين بحزم عن التعاليم الثورية لماركس و إنجلز و طوّرها . إن اللينينيّة هي ماركسية عصر الإستعمار و الثورة البروليتارية ، و إنّ إسم لينين فى نظر شغّيلة العالم بأسره ، رمز إنتصار الثورة البروليتاريّة ، رمز إنتصار الإشتراكية و الشيوعية .
و عندما وُلد لينين ، منذ تسعين عاما مضت ، كانت البشريّة ما تزال تحت حكم الرأسماليّة المظلم . و قد قاد لينين و الحزب البلشفي الروسي البروليتاريا و الشغّيلة الروس فحطّموا سلسلة الإستعمار العالمي ، وأطاحوا بحكم العنف البرجوازي ، بإستخدام العنف الثوري ، و أحرزوا النصر فى ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى ، و أسّسوا أوّل دولة لديكتاتورية البروليتاريا ، و فتحوا عصرا جديدا فى تاريخ البشريّة . لقد جعلت ثورة أكتوبر حلم الشغّيلة و البشريّة التقدّمية منذ آلاف السنين حقيقة واقعة ، فأقامت ، لأوّل مرّة فى التاريخ ، مجتمعا متحرّرا من إستثمار إنسان لإنسان ، فوق سدس الكرة الأرضيّة . و قد حاول المستعمِرون عبثا خنق هذه الدولة السوفياتيّة التى ُولدت حديثا . و قامت أربع عشرة دولة رأسمالية بالتدخّل المسلّح ، بالتواطؤ مع القوى المعادية للثورة فى روسيا آنذاك . و قد قاد لينين و البلاشفة ، الطبقة العاملة السوفياتية البطلة و الشغيلة السوفيات الأبطال ، فسحقوا التدخّل الإستعماري المسلّح و قضوا على العصيان المعادي للثورة فى الداخل . و قد أشار لينين إلى طريق البناء الإشتراكي ، و طريق التصنيع الإشتراكي ، و جماعيّة الزراعة . و بعد أن مات لينين قادت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي فى الإتّحاد السوفياتي و الحكومة السوفياتية و على رأسهما ستالين ، الشعب السوفياتي ، فى تنفيذ تعليمات لينين ، بحيث أن الإتّحاد السوفياتي ، الذى كان متأخّرا إقتصاديّا و تكنيكيّا ، أصبح بسرعة و فى فترة تاريخية قصيرة ، بلدا إشتراكيّا قويّا . و فى الحرب العالمية الثانية أصبح الإتحاد السوفياتي القوّة الرئيسية فى هزيمة العدوان الفاشستي ، و ساعد شعوب بلدان اوروبا الشرقية على تحقيق تحرّرها ، و ساعد شعوب البلدان الآسيوية على هزيمة الإستعمار الياباني ، مقوّيا إلى درجة كبيرة قضيّة الثورة البروليتارية ، و قضيّة التحرّر الوطني ، و مقدّما مساهمة عظيمة جدّا للسلم العالمي . و قد دخل الإتحاد السوفياتي الآن العصر التاريخي للبناء الشامل للشيوعية . فتحت قيادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي فى الإتحاد السوفياتي ، و الحكومة السوفياتية ، و على رأسهما الرفيق ن. س . خروشوف ، حقّقت فى الإتحاد السوفياتي إنجازات رائعة فى البناء الإقتصادي ، وتقدّم فيه العلم و التكنيك بقفزات و وثبات ، و أطلق الإتّحاد السوفياتي أوّل مجموعة فى العالم من الأقمار الصناعيّة الأرضيّة و الصواريخ الكونيّة ، فاتحا بذلك عصرا جديدا فى ترويض الإنسان للطبيعة . و قد حفّزت هذه الإنجازات الكبيرة شعوب العالم أجمع كثيرا فى نضالاتها ضد الإستعمار ، و من أجل التحرّر الوطني ، و الديمقراطية الشعبية ، و الإشتراكية ، و من أجل سلم عالمي أبدي .
إنّ حياة لينين كانت حياة ثوري بروليتاري عظيم ، أنفقت فى نضال عنيف ضد الإستعمار ، و ضد جميع أنواع الرجعيين و الإنتهازيين . و قد تطوّرت اللينينية فى النضالات ضد الإستعمار والإنتهازية . إنّ الميزة الخاصة للينينيّة ، لم تحي فقط، و بصورة تامة، المحتوى الثوري للماركسية الذى أضعفه محرّفو الأممية الثانية ، ولم تستعد فقط الحدّ الثوري للماركسية ، الذى ثلموه ، و لكنّها طوّرت أيضا المحتوى الثوري للماركسية تطويرا أكثر ، شحذت حدّها الثوري فى ظلّ ظروف تاريخية جديدة و على ضوء التجربة التاريخية الجديدة .
لقد تطوّرت الرأسمالية فى نهاية القرن التاسع عشر ، إلى مرحلة جديدة ، مرحلة الرأسماليّة الإحتكارية ، أو الإستعمار . و فى هذه المرحلة ظهرت جميع تناقضات الرأسمالية بصورة أكثر شمولا و عمقا . و وضع هذا مهمّة جديدة أمام الماركسيين ، تتطلّب أن يقوموا بتحليل جديد لهذه المرحلة الجديدة للرأسمالية . و لم يكن هناك غير لينين العظيم الذى حقّق هذه المهمّة .
فقد أعطى لينين تحليلا عميقا للطبيعة الجوهريّة للإستعمار ، و دحض بصورة تامة تبييض الإستعمار و الإعتذار له من قبل مرتدّي الطبقة العاملة كبرنشتين و كاوتسكي . و شرح لينين بصورة علميّة حقيقة أن الإستعمار هو الرأسماليّة الإحتكاريّة البالية المحتضرة ، و أنّه عشيّة الثورة الإشتراكية البروليتارية . ففى عصر الإستعمار تطوّرت التناقضات بين البورجوازيّة و البروليتاريا فى نفس البلد ، كما تطوّرت التناقضات بين البلدان الرأسمالية ، و التناقضات بين البلدان الرأسمالية الإستعمارية و المستعمرات و أشباه المستعمرات ، إلى درجة من الحدّة لم يسبق لها مثيل ، و هذه التناقضات لا يمكن أن تحلّ إلاّ بالثورات . و يحاول المستعمِرون أن يقضوا على سلسلة التناقضات ، المذكورة آنفا ، بإغراق الملايين و الملايين من الناس فى بحر من الدم فى الحروب بين القوى الإستعمارية ، و فى حروب الإعتداء على المستعمرات و أشباه المستعمرات ، و حروب القمع ضد البروليتاريا و الشغيلة فى بلدانهم أنفسها . و لكن على العكس من رغبة المستعمرين ، فإنّ الحروب الإستعمارية المعادية للثورة عاجزة عن القضاء على تناقضات الإستعمار، بل إنّها بالضبط ، تزيد من حدّة هذه التناقضات ، و تعجّل أكثر بإنفجار الثورة .
و كما هو معروف تماما ، فقد أشار لينين فى مؤلفه المشهور " رسالة من بعيد " بعد ثورة شباط (فبراير) الروسيّة فى عام 1917 ، فيما يتعلّق بمسألة الثورة الروسية إلى أنّ الحرب الإستعمارية التى شملت العالم كلّه حينذاك ، قد أصبحت " المخرج القدير" : ذلك أنّها كانت تزيد بشكل واسع من سرعة مجرى التاريخ العالمي ، مولّدة أزمات عالميّة ، إقتصادية و سياسية ، و وطنية ، و دوليّة ، متفاقمة تفاقما لا نظير له ؛ و قلبت فجأة عربة النظام القيصري الروسي القذرة الملطّخة بالدماء ، فى هذا الإنعطاف المفاجئ الذى لا مثيل له فى التاريخ العالمي ؟ ( " رسالة من بعيد " ، 7 آذار ( مارس) عام 1917، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلّد 23 صفحة 306 ).
إنّ الماركسيين – اللينينيين معارضون فى ظلّ أيّة ظروف للنظام الإستعماري و الحروب الإستعمارية . و يعتقدون بأنّ تناقضات نظام الإستعمار الرأسمالي نفسه ستسبّب ، بالضرورة و بصورة حتمية ، الثورة البروليتارية و ثورات المستعمرات و أشباه المستعمرات . إنّ إنتهازيي الأممية الثانية تملكهم ذعر قاتل من " قوّة " الإستعمار الظاهريّة فتركوا البورجوازيين يستأجرونهم و عملوا للإستعمار . و تمشّيا مع مصالح المستعمِرين روّجوا تأثيرات إصلاحية و إستسلامية بين جماهير العمّال و الشعب و قاوموا طريق الثورة . و عندما إنفجرت الحرب الإستعماريّة إنحدروا إلى الموقف المخزي ، موقف تأييد الحرب الإستعماريّة . و على النقيض من الإنتهازيين أخذ لينين دائما موقف الثوري البروليتاري و وقف فى الجبهة الأماميّة ضد الحرب الإستعماريّة . و قد فضح لينين الإنتهازيين و كشف عن وجههم الحقيقي كشركاء للمستعمِرين . و قاوم بقوّة و حزم الحرب الإستعمارية ؛ و عندما إنفجرت الحرب الإستعمارية دعا إلى وضع حدّ لها بشنّ حرب ثورية . و قد أشار لينين بأنّ " النظام الإشتراكي فقط يستطيع تحرير الإنسان من الحرب " ( " مهمّات جناح زيمرفولد اليساري فى الحزب الديمقراطي الإجتماعي السويسري" ، تشرين الأول ( أكتوبر ) – تشرين الثاني ( نوفمبر ) عام 1916، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلّد 23 صفحة 138. )
إنّ الروح الثورية للينينيّة تظهر بصورة بارزة فى تعاليم الثورة البروليتارية ، و ديكتاتورية البروليتاريا . فمن أجل تحطيم " النظريات " التحريفيّة لكاوتسكي و أشباهه الرامية إلى تبييض نظام الديمقراطية البورجوازية ، و تخدير الروح الثورية للبروليتاريا ، أشار لينين مرارا إلى أنّ على الثورة البروليتارية أن تسحق جهاز الدولة البرجوازية و تستعيض عنها بديكتاتورية البروليتاريا ، فقال :
" إنّ الثانية ( الدولة البرجوازية ) لا يمكن أن تستبدل بالدولة البروليتارية ( ديكتاتورية البروليتاريا ) فى مجرى عملية " الزوال الطبيعي" ؛ فكقاعدة عامة يمكن أن يحدث هذا فقط عن طريق ثورة عنيفة ". و " هذا بالذات هو أساس تعاليم ماركس و إنجلز بأسرها " ( " الدولة و الثورة " ، آب ( أغسطس) – أيلول (سبتمبر ) عام 1917، المجموعة الكاملة لمؤلات لينين – المجلد 25 صفحات 387- 388.)
وأشار لينين أكثر من ذلك إلى أنّ ديكتاتورية البروليتاريا هي إستمرار للصراع الطبقي بشكل آخر ، و فى ظلّ ظروف جديدة، و أنّها نضال دائب لقمع مقاومة الطبقات المستغِلّة ، و ضد العدوان الأجنبي ، و ضد القوى القديمة و تقاليدها . فبدون ديكتاتورية البروليتاريا لا يمكن أن يكون هناك إنتصار للإشتراكية . إنّ ديكتاتورية البروليتاريا هي نظام سياسي ديمقراطي أكثر بمليون مرّة من الديكتاتورية البورجوازية .
لقد طبّق لينين و طوّر بشكل نيّر الفكرة الماركسيّة عن الثورة المتواصلة و إعتبرها مبدأ أساسيّا موجّها للثورة البروليتارية . و بيّن لينين المبدأ القائل إنّ على البروليتاريا أن تستولي على قيادة الثورة الديمقراطية البورجوازية و تحوّل الثورة الديمقراطية البورجوازية ، بدون إنقطاع ، إلى ثورة إشتراكية . و أكثر من ذلك ، أشار لينين إلى أن الثورة الإشتراكية ليست الهدف النهائي ، بل يجب مواصلة التقدّم لتحقيق الإنتقال إلى المرحلة العليا من الشيوعية و قد قال :
" عندما نبدأ التحوّل الإشتراكي ، يجب أن نضع لأنفسنا ، بوضوح ، الهدف النهائي لهذا التحوّل ، أي هدف بناء المجتمع الشيوعي " ( " تقرير حول تعديل منهاج الحزب و تغيير إسمه " ، ألقي فى المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الروسي ( البلشفي ) ، 8 آذار ( مارس ) عام 1918، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلّد 27 ، صفحة 114).
و إعتمادا على القانون المطلق للتطوّر الإقتصادي و السياسي غير المتساوي للرأسمالية ، توصّل لينين إلى نتيجة أنّ الإشتراكية ستحقّق الإنتصار أوّلا فى بلد واحد او عدّة بلدان . و إنّ التقدّم ، من إنتصار الإشتراكية فى بلد او عدّة بلدان إلى إنتصارها فى بلدان العالم بأسره ، سيستغرق عصرا تاريخيّا كاملا . و كان لينين ، على ثقة تامة بمستقبل الثورة العالمية . فقد قال فى مقاله الأخير " الأفضل خير و إن كان أقلّ " :
" إنّ نتيجة النضال ، فى التحليل النهائي ، ستقرّرها حقيقة أن روسيا ، و الهند ، و الصين إلخ تشكّل الأغلبيّة الساحقة من سكّان العالم . و هذه الأغلبيّة ، بالضبط ، هي التى إندفعت أيضا بسرعة غريبة ، فى السنوات القليلة الماضية ، إلى النضال من أجل التحرّر ، بحيث لا يمكن أن يكون فى هذا المجال ، أدنى ظلّ من الشكّ ، حول ما ستكون عليه النتيجة النهائية للنضال العالمي . و بهذا المعنى فإنّ الإنتصار النهائي للإشتراكية مضمون بصورة تامة و مطلقة ".( " الأفضل خير و إن كان أقلّ " ، 2 آذار ( مارس) عام 1923، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلد 33 صفحات 453 -454 .)
إنّ النظام الرأسمالي سيقبر بالتأكيد ، و سيحلّ محله حتما النظام الإشتراكي و الشيوعي . فهذا قانون موضوعي مستقلّ عن الإرادة الإنسانيّة .
لقد شرح لينين ، بعد ماركس و إنجلز ، بصورة أوفى هذا القانون ، و مجّد كثيرا المبادرة الثوريّة لجماهير الشعب . و قد دلّ إنتصار ثورة أكتوبر العظمى بقيادة لينين ، البشريّة بأسرها إلى طريق التحرّر التام ، و إلى الأفق النيّر للإشتراكية و الشيوعية . و كما قال الرفيق ماو تسى تونغ : " إذا أردنا الكلام بصورة أساسيّة ، فإنّ طريق الإتحاد السوفياتي ، طريق ثورة أكتوبر ، هو الطريق المشرق المشترك لتطوّر الإنسانية جمعاء". ( " خطاب فى دورة السوفيات الأعلى للإتحاد السوفياتي إحتفالا بالذكرى الأربعين لثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى ".)
إنّ الثورة الصينية هي إستمرار لثورة أكتوبر . و الحزب الشيوعي الصيني و الرفيق ماو تسى تونغ قد دمجا الحقائق العامة للماركسية – اللينينية بالتطبيق المحدّد للثورة الصينية ، و من ثمّ فإنّ الثورة الصينية سارت فى الإتجاه الصحيح ، و ظهرت فى مظهر جديد برّاق .
إنّ الرفيق ماو تسى تونغ أظهر بصورة تامة الروح الثورية للماركسية – اللينينية ، و قد دافع عن الماركسية – اللينينية و طوّرها أكثر فى ظلّ ظروفنا . و قاد حزبنا الثورة الصينيّة فى الطريق الثوري الذى أشار إليه الرفيق ماو تسى تونغ ، و سار بها بإستمرار من نصر إلى نصر .
إنّ ثورة الديمقراطية الجديدة فى بلادنا ، كانت ثورة بقيادة البروليتاريا ، إشتركت فيها الجماهير الشعبية الغفيرة ، ضد الإستعمار ، و الإقطاعية ، و الرأسمالية البيروقراطية . و لم يتحقّق إنتصار هذه الثورة إلاّ بعد أكثر من عشرين عاما طوالا من الحرب الثورية .
و فى مجرى الثورة الطويل كان المستعمِرون العدو الأكبر الذى يجابه الشعب الصيني . و قبل أن تحرز الثورة الصينيّة النصر، لاقت الصين الضغط و السيطرة من جانب جميع الدول الإستعمارية فى العالم . و بعد إنتصار الثورة الصينية شنّ المستعمرون الأميركيون هجوما مسلّحا ضد الجمهورية الديمقراطية الشعبيّة الكوريّة ، و هدّدوا أمن بلادنا ، و إحتلوا ارضنا تايوان بالقوّة المسلّحة ، و حاولوا القضاء على الثورة الصينية بفرض الحصار و حظر النقل ، و إستخدام " الفردية الديمقراطية " المزعومة . و لكن الحزب الشيوعي الصيني عبّأ ، بالروح الثورية العالية للماركسية – اللينينية ، أوسع الجماهير الشعبية ، و إستأصل مشاعر " موالاة أميركا ، و عبادة أميركا ، و خشية اميركا " التى بثّها المستعمرون، و خدمهم و شنّ نضالا ضد الإستعمار و عملائه فى الصين ، و أطاح أخيرا بالضغط و السيطرة الإستعماريين فى الصين ، و صان بقوّة ثمار ثورتنا .
لقد تعاون حزبنا مرّتين مع الكومنتانغ - الحزب السياسي البرجوازي - و إنشقّ عنه مرّتين . و لذلك فإنّه يملك تجربة غنيّة جدّا حول مسألة الإتّحاد مع البرجوازية و النضال ضدّها . فليس لدى حزبنا تجربة غنيّة فى النضال المسلّح فقط ، بل أيضا فى النضال السلمي .
إنّ الحزب الشيوعي الصيني ، تحت قيادة الرفيق ماو تسى تونغ ، قد طبّق بصورة صحيحة و محدّدة ، الأفكار التى أوضحها لينين عن إضطلاع البروليتاريا بالقيادة فى الثورة الديمقراطية البورجوازية . و عن قيادة البروليتاريا لجماهير الفلاحين فى تنفيذ ثورة ديمقراطية بصورة شاملة ، و عن كون الثورة الديمقراطية حربا فلاحيّة و ثورة لتقسيم الأراضي ، و عن الثورة المتواصلة فى تحويل الثورة الديمقراطية إلى ثورة إشتراكية . و قد لعبت هذه الأفكار دورا موجّها فى إحراز إنتصارات مستمرّة فى ثورتنا .
لقد علّمنا لينين أنّ من المستحيل قهر الأعداء الأقوياء بدون حزب ثوري بروليتاري متمرّس بالنضالات المستمرّة . و يجب أن يتّخذ هذا الحزب الماركسية – اللينينية كأساس إيديولوجي له ، و يجب أن يكون له برنامج ثوري بروليتاري ، و أن تكون له روابط وثيقة بالجماهير الواسعة من الشغيلة . و حزبنا الشيوعي الصيني هو بالضبط حزب ثوري بروليتاري من هذا النوع . فقد بلغ حزبنا مرحلة النضج أثناء النضالات ضد الأعداء الأقوياء فى الداخل و الخارج ، و ضد الإنتهازية اليمينيّة و " اليسارية " . و لم تتوطّد بصورة راسخة القيادة الماركسية – اللينينية للجنة حزبنا المركزيّة بقيادة الرفيق ماوتسى تونغ، إلاّ بعد نضالات متكرّرة ضد إنتهازية اليمين و " اليسار". و بفضل وجود قيادة كهذه بالذات إستطاع حزبنا ، فى مرحلة الثورة الديمقراطية ، أن يضمن بشكل راسخ قيادة بروليتارية و سار بالثورة الديمقراطية إلى النصر التام ، و حول بسرعة إنتصار الثورة الديمقراطية إلى إنتصار للثورة الإشتراكية .
و فى نضالات حزبنا ضد إنتهازية اليمين و " اليسار" كانت مؤلفات لينين مثل " خطتان للحزب الديمقراطي الإجتماعي فى الثورة الديمقراطية " ، و " الدولة و الثورة " ، و " مرض الطفولة " اليساري" فى الحركة الشيوعية " ، و " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي " ، أكثر أسلحتنا الإيديولوجية اهمّية .
و طبّق حزبنا فى تجربة الثورة الصينية ، التعاليم الماركسية – اللينينية عن الثورة المتواصلة و تطوّر الثورة على مراحل ، و حلّ بشكل صحيح و محدّد ، سلسلة من المشاكل فى تحويل الثورة الديمقراطية فى بلادنا إلى ثورة إشتراكية . و قد قال لينين فى الحديث عن العلاقة بين الثورة الديمقراطية و الثورة الإشتراكية :
" إنّ الثورة الأولى يمكن أن تتحوّل إلى الثورة الثانية . و الثورة الثانية فى مرورها ، يمكن أن تحلّ مسائل الثورة الأولى . و الثانية تدعم عمل الأولى . و النضال ، و النضال وحده ، يقرّر إلى أي حدّ تتفوّق الثورة الثانية على الثورة الأولى". ( " الذكرى الرابعة لثورة اكتوبر " ، 14 تشرين الأوّل ( اكتوبر عام 1921، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلد 33، صفحة 35).
و قال أيضا :
" كلّما كان تحقيق الثورة الديمقراطية أكثر كمالا كان تطوّر هذا النضال الجديد ( إشارة إلى الثورة الإشتراكية ) أسرع ، و أكثر إنتشارا ، و أنقى ، و أكثر حزما ". ( " خطّتان للحزب الديمقراطي الإجتماعي فى الثورة الديمقراطية " ، حزيران ( يونيو) – تموز ( يوليو) عام 1905 ، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينيني – المجلد 9 ، صفحة 115).
و تثبت الظروف فى بلادنا بشكل قاطع أنّه كلّما سارت الثورة الديمقراطية بصورة شاملة كان تطوّر الثورة الإشتراكية أسرع و أسهل ، و إن زيادة سرعة البناء الإشتراكي ستساعد حتما على تحقيق الشيوعية .
إنّ الإستمرار فى الثورة الإشتراكية حتى النهاية يعنى أنّنا يجب أن نحرز إنتصار الثورة الإشتراكية ، ليس فقط على الجبهة الإقتصادية ، و إنّما على الجبهتين السياسية و الإيديولوجية أيضا ، و أن نزيح بإستمرار التأثير البورجوازي السياسي و الإيديولوجي ، و أن نحلّ بإستمرار التناقضات بين علاقات الإنتاج و القوى المنتجة ، و بين البناء الفوقي و الأساس الإقتصادي التى تبرز فى مجرى البناء الإشتراكي . و بهذه الطريقة يكون من الممكن أن تعبّأ بصورة تامة المبادرة الثوريّة للجماهير ، و تشكّل فى البناء الإشتراكي " حركة جماهيرية ، حقيقية ، تشترك فيها أغلبية السكّان و حتى مجموع السكّان " ، ( " الدولة و الثورة " ، آب ( أعسطس) – ايلول ( سبتمبر ) عام 1917 ، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلّد 25 ، صفحة 459 ) كما وصفها لينين ) و بذلك نعجّل كثيرا بقفزة القوى الإجتماعية المنتجة إلى الأمام .
و ثمّة نوع من النظريّة يعتقد بأنّه لا توجد فى المجتمع الإنساني إلاّ تناقضات بين أنفسنا و العدوّ، و لا توجد تناقضات داخل الشعب ؛ و أنّ بين علاقات الإنتاج و القوى المنتجة ، و بين البناء الفوقي و الأساس الإقتصادي فى المجتمع الإشتراكي ، يوجد فقط وجه للمطابقة المتبادلة دون وجه للتناقض ؛ و أنّنا فى البناء الإشتراكي نحتاج فقط إلى الإعتماد على التكنيك ، و ليس على الجماهير ؛ و أن لا حاجة لتطوير النظام الإِشتراكي و إنّما تعزيزه فقط ، و لو كان من الضروري تطويره للتقدّم نحو الشيوعية ، فليست هناك حاجة أيضا إلى المرور بالنضال و المرور بقفزة نوعية ؛ و هكذا فإنّ مجرى الثورة المتواصلة للمجتمع الإنساني ينتهي إلى هذه النقطة و ليس إلى أبعد منها . و هذه فى إصطلاحات الفكر الفلسفي ، راي ميتافيزيكي ، و ليس رأيا ماديّا ديالكتيكيا .
و يطبّق الرفيق ماوتسى تونغ فى كتابه " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين الشعب " المادية الديالكتيكية للماركسية- اللينينية على مرحلة البناء الإشتراكي فى بلادنا ، مثيرا مسألة وضع خطّ بين تناقضاتنا مع العدوّ والتناقضات بين الشعب ، و مسألة المعالجة الصحيحة للتناقضات بين الشعب و مسألة المعالجة الصحيحة للتناقضات بين علاقات الإنتاج و القوى المنتجة ، و بين البناء الفوقي والأساس الإقتصادي ، فى ظلّ النظام الإشتراكي . و هذه النظرية الماركسية – اللينينية ، تختلف بصورة اساسية عن الرأي الميتافيزيكي المذكور آنفا . و على أساس هذه النظرية ، بالضبط ، و إستنادا إلى التجربة المتوّفرة فى ممارسة البناء الإشتراكي فى بلادنا ، وضع خط حزبنا العام : خطّ بذل أقصى الجهود و التطلّع إلى العلاء ، و تحقيق نتائج أعظم ، و أسرع ، و أفضل ، و أكثر إقتصادا فى بناء الإشتراكية .
و إسترشادا بالخطّ العام لحزبنا فى البناء الإشتراكي ، شهدت بلادنا قفزات كبيرة إلى الأمام فى الإنتاج الصناعي و الزراعي ، و ظهور الكومونات الشعبية الريفيّة و الحضريّة و حركة الإبتكارات التكنيكية و الثورة التكنيكية ، و ربط التعليم بالعمل المنتج ، و قفزات عظيمة إلى الأمام فى أعمال التجارة ، و البحث العلمي ، و الثقافة و الفنّ ، و الصحّة العامة ، و الرياضة البدينية .
إنّ خطّ حزبنا العام للبناء الإشتراكي لم يهاجم فقط من قبل المستعمِرين و المحرفين المعاصرين ، و إنّما تعرّض أيضا لإفتراء من جانب بعض السذّج الجهلة على أنّه " تعصّب البورجوازية الصغيرة " كما يزعمون . و لكن الحقائق تبقى حقائق . فخطّنا العام للبناء الإشتراكي هو خطّ عام ماركسي لينيني . و بتقدّم قضية بنائنا الإشتراكي ، بتوجيه هذا الخطّ العام ، يتعرّض وجه بلادنا لتغيّر سريع فى جميع الميادين .
لقد حلّل لينين الطابع الإنتقالي للمجتمع الإشتراكي فى " الدولة و الثورة " و غيره من المؤلفات . و أشار إلى أنّ الإشتراكية لم تستطع بعد أن تتحرّر ، كلّيا ، إقتصاديّا و سياسيا و إيديولوجيّا من تقاليد الرأسمالية و آثارها ، و إنّها لم تصبح بعد مجتمعا شيوعيّا كامل النموّ و النضج ، و إنّها ما تزال المرحلة الدنيا من الشيوعية و عليها ان تقوم بالإنتقال إلى المرحلة العليا من الشيوعية ، الشيوعية الكاملة النموّ و النضج . و أفكار لينين هذه ، ذات أهمّية كبيرة لنا . فما دمنا شيوعيّين وجب علينا ، إستنادا إلى المبادئ الماركسية – اللينينية عن الثورة المتواصلة ، و تطوّر الثورة على مراحل ، أن نخلق بنشاط الشروط لتحقيق الشيوعية و نحن نواصل البناء الإشتراكي . و قد أشارت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني إلى الشروط الضروريّة لتحقيق الشيوعية فى بلدنا بالمستقبل . وهذه الشروط هي :
" عندما يكون الإنتاج الإجتماعي قد أصبح وافرا للغاية ؛ و الوعي الشيوعي و الخلق الشيوعي للشعب بأسره قد إرتفع إلى درجة عليا ؛ و يكون التعليم العام قد تحقّق و إرتفع مستواه ؛ و تكون الفروق بين العمّال و الفلاحين ، بين المدينة والريف ، بين العمل الذهني و اليدوي ، تلك الفروق التى خلّفها المجتمع البائد و التى لم يكن بدّ من الإحتفاظ بها فى عصر الإشتراكية قد إختفت تدريجيّا ؛ و تكون بقايا الحقّ البرجوازي غير المتساوي الذى هو إنعكاس هذه الفروق قد إختفت أيضا تدريجيّا ؛ و أصبحت وظيفة الدولة مقصورة على حماية الوطن ضد عدوان خارجي ، و لم تعد تلعب أي دور على النطاق الداخلي . فى ذلك الوقت سيدخل المجتمع فى بلادنا عصر الشيوعية الذى يطبّق فيه مبدأ " من كلّ حسب قدرته و لكلّ حسب حاجته " .( " قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني حول إقامة الكومونات الشعبية فى الريف " ، آب ( أغسطس) عام 1958).
إنّ الإنتصارات التى أحرزها شعبنا فى ثورة الديمقراطية الجديدة ، و الثورة الإشتراكية ، و البناء الإشتراكي ، قد تحقّقت جميعا تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني ، و على رأسه الرفيق ماو تسى تونغ ، و إسترشادا بتفكير ماو تسى تونغ الذى يدمج الحقائق العامة للماركسية – اللينينية بالتطبيق المحدّد للثورة الصينية. و قد تلقّينا المساعدة من الحزب الشيوعي العظيم فى الإتحاد السوفياتي ، و من الحكومة السوفياتية ، و الشعب السوفياتي ، و من جميع البلدان الإشتراكية ، و من الأحزاب الشيوعية و أحزاب العمال ، و الشغيلة و التقدّميين فى مختلف البلدان فى العالم ، و الشعب الصيني سيحفظ دائما هذه الروح الأمميّة العظيمة ، و لن ينساها أبدا .
إنّنا نعيش اليوم فى عصر عظيم جديد ينهار فيه النظام الإستعماري بسرعة أعظم ، و تتوالي فيه إنتصارات الشعوب و يقظتها فى جميع أنحاء العالم .
و الماركسيون – اللينينيون ، و المحرّفون المعاصرون ، إنطلاقا من موقفين و رأيين مختلفين بصورة أساسيّة وصلوا إلى إستنتاجات مختلفة بصورة أساسيّة حول هذا الوضع . فالماركسيون – اللينينيون يعتبرون هذا العصر عصرا جديدا ومؤاتيا بشكل لا مثيل له للثورة البروليتارية فى بلدان العالم ، و للثورة الوطنية فى المستعمرات و أشباه المستعمرات . إنّ قوى السلم قد نمت نموّا عظيما و قد صارت ثمّة إمكانية عمليّة لمنع الحرب . فعلى شعوب العالم بأسره أن تشدّد بشكل أقوى النضال ضد الإستعمار، و أن تدفع تطوّر الثورة ، و تدافع عن السلم العالمي . و من جهة أخرى يعتبر المحرّفون المعاصرون هذا " عصرا جديدا " قد إختفت فيه من جدول أعمال العالم ، الثورة البروليتارية فى مختلف البلدان ، و الثورة الوطنية فى المستعمرات و أشباه المستعمرات . و يعتقدون بأنّ الإستعمار سينسحب عن مسرح التاريخ بمحض إرادته ، و بدون ثورة ؛ و أنّ سلما أبديّا سيخيّم من تلقاء نفسه بدون أن نشنّ نضالاتنا المعادية للإستعمار . و هكذا فإنّ مسألة ما إذا كان المرء يريد الثورة أم لا ، و ما إذا كان يريد أن يقاوم الإستعمار أم لا ، قد أصبحت الإختلاف الأساسي بين الماركسيين – اللينييين ، و المحرّفين المعاصرين .
إنّ الحجج الرئيسية للمحرّفين المعاصرين فى تحريف الماركسية – اللينينية الثورية و تشويهها وخيانتها ، هي إدّعاؤهم بأنّه فى ظلّ الظروف التاريخية للعصر الجديد ، فإنّ تحليل لينين للإستعمار قد " فات أوانه " ، و أنّ طبيعة الإستعمار قد " تغيّرت "، و أنّ الإستعمار قد " أقلع" عن سياساته ، سياسات الحرب و العدوان . و بحجّة ما يدّعى بالنظر " التاريخي ، غير الجامد " للتراث النظري الذى تركه لينين ، هاجموا المحتوى الثوري ، و الروح الثورية للماركسية – اللينينية .
و فى الظروف التى تتغلّب فيها الريح الشرقيّة على الريح الغربيّة ، و التى أصبحت فيها الغلبة لقوى الإشتراكية و السلم على قوى الحرب الإستعمارية ، توجد صعوبات جمّة بين صفوف المستعمِرين الذين يهوون على حالة أصعب فأصعب . إنّ المستعمرين يقومون بكلّ أشكال النضالات اليائسة فى مسعى لإنقاذ أنفسهم من الهلاك . و مؤخرا حاول المستعمِرون ، و خصوصا المستعمِرون الأميركيّون ، جهدهم إستخدام خطط اكثر مكرا و خداعا للإستمرار فى سياسات العدوان و النهب ، و تخدير شعوب العالم . و حتى المستعمِرون الأميركيون أنفسهم لا يخفون أحيانا عزمهم على إتّباع خطط أكثر " مرونة " كما يزعمون . فقد إستخدموا ، بوسائل متنوّعة ، طريقة الحرب و طريقة السلم ، بالتعاقب ، فبينما يكثرون من زيادة التسلّح ، و التحضيرات للحرب ، و يقومون بالتهديد بحرب نوويّة ، ينشرون فى الوقت نفسه ستارة من الدخان عن " السلم" و يستخدمون القنابل المعسولة فى محاولة لخلق إنطباع زائف بأن المستعمِرين يدعون إلى السلم . فمن جهة لجأوا إلى القمع القاسي للحركات الثوريّة ، و من جهة أخرى عمدوا إلى التضليل و الرشوة فى محاولة لتخفيف الحركات الثوريّة و شقّها . و قد لجأ المستعمِرون إلى هذه الوسائل الخادعة لغرض واحد هو إخفاء طبيعتهم العدوانية النهّابة ، و تغطية تحضيراتهم للحرب لتحقيق غرضهم فى تفكيك الحركات الثورية فى مختلف البلدان ، و الحركات الثورية فى المستعمرات و اشباه المستعمرات، و نضال شعوب جميع البلدان من أجل السلم العالمي ، و لإستعباد شعوب مختلف البلدان و دكّ البلدان الإشتراكية .
فلمكافحة الخطط المختلفة التى يتّبعها المستعمِرون ضد الشعوب ، يجب على شعوب مختلف البلدان فى كلّ انحاء العالم أن تستخدم أيضا فى كفاحها ضد الإستعمار خططا و وسائلا متنوّعة للنضال الثوري . لقد إعتقد الماركسيّون – اللينينيّون ، دائما ، أنّه فى النضال الثوري يجب أن تكون هناك صلابة فى المبدأ و مرونة فى الخطط . إنّ كلّ وسائل الثورة و أشكال النضال ، غير الشرعية منها و " الشرعية " ، خارج البرلمان و داخله ، الدامية وغير الدامية ، الإقتصادية والسياسية ، العسكرية و الإيديولوجية – كلّ هذه يقصد من ورائها فضح المستعمِرين فضحا أكثر و الكشف عن قناع المستعمِرين كمعتدين و رفع الوعي الثوري بإستمرار، و تعبئة جماهير الشعب على نطاق أوسع لمقاومة المستعمِرين و الرجعيِين ، و تطوير النضال من أجل السلم العالمي و التحضير للنصر و إحرازه فى الثورة الشعبيّة و الثورة الوطنيّة .
و قد إعتقد الماركسيون – اللينينيون دائما أيضا ، أنّ على البروليتاريا أن تتّحد مع إحتياطيها لكي تحرز إنتصار الثورة . يجب على البروليتاريا أن تدخل فى تحالف قوي مع الفلاّحين ، و الشغّيلة الآخرين ، و جماهير الشعب المضطهَدة فى المستعمرات و أشباه المستعمرات ، الذين هم حلفاؤها الأساسيّون . وبالإضافة إلى ذلك فعلى البروليتاريا ، فى مختلف الفترات أن تتّحد مع الآخرين الذين يمكن الإتّحاد معهم . فمن أجل مصالح الشعب ، بالطبع ، على البروليتاريا أن تستفيد بصورة كاملة من التناقضات بين المستعمِرين ، حتى لو كانت تناقضات مؤقّتة و جزئية . كلّ ذلك بغرض الإطاحة بالمستعمِرين و الرجعيّين .
و فى النضال ضد الإستعمار و سياسته العدوانيّة ، فإن من المسموح به تماما ، و من الضروري و فى مصلحة شعوب مختلف البلدان ، أن تقوم البلدان الإشتراكية ، كلّما أمكن ذلك ، بالمفاوضات السلميّة و تبادل الزيارات مع البلدان الإستعمارية ، و أن تناضل لتسوية النزاعات الدوليّة بالطرق السلمية بدلا من الحرب ، و أن تسعى إلى توقيع إتّفاقيات للتعايش السلمي أو معاهدات عدم إعتداء .
و قد بذلت الحكومة السوفياتية جهودا عظيمة لتخفيف التوتّر الدولي و الدفاع عن السلم العالمي . و إن الحزب الشيوعي الصيني ، و الحكومة الصينية ، و الشعب الصيني يؤيّدون تأييدا إيجابيّا المقترحات السلميّة التى قدّمتها الحكومة السوفياتية و على رأسها الرفيق ن. س . خروشوف لعقد إجتماع الذروة بين الشرق و الغرب ، و لنزع السلاح العام ، و تحريم الأسلحة النووية ... و ما إلى ذلك .
إنّ المحرّفين المعاصرين خانوا كلّية الروح الثورية للماركسية – اللينينية ، و خانوا مصالح شعوب العالم قاطبة ، و خضعوا و سلّموا للبرجوازيين و المستعمِرين . و هم يعتقدون بأن المستعمِرين قد غيّروا طبيعتهم ، و أقلعوا عن سياسة الحرب بمحض إختيارهم ؛ و أنّه لذلك لم تعد هناك حاجة للنضالات المعادية للإستعمار و لم تعد هناك حاجة للثورات . و يبذلون قصارى جهودهم لتغطية سياسات المستعمِرين الأميركيّين ، سياسات العدوان و الحرب ، و تجميل الإستعمار ، و أيزنهاور ، رأس المستعمِرين الأميركيين . و قد أصبح أيزنهاور ، على حدّ وصفهم له ، " مبعوث سلام " ، و لم يعد الإستعمار الأميركي عدوّا للسلم ، و لم يعد عدوّ حركات التحرّر الوطني للمستعمرات و أشباه المستعمرات ، و لم يعد ألدّ أعداء الشعوب فى العالم بأسره . و بإختصار ، فعلى رأي المحرّفين المعاصرين ، يبدو أنّه لم يعد هناك أي فرق بين الإستعمار و الإشتراكية ، و أنّ كلّ من يصرّ على النضال ضد الإستعمار ، و على الثورة ، سيعيق السلم ، و التعايش السلمي ، وهو " ذو جمود عقائدي متصلّب " .
إنّنا ، نحن الماركسيين – اللينينيين ، نعرف جيّدا ما هو الجمود العقائدي ، و قد ناضلنا بإستمرار ضدّه . و يملك حزبنا الشيوعي الصيني تجربة غنيّة فى كفاح الجمود العقائدي . إنّ الجموديّين يريدون الثورة ، و لكنّهم لا يدركون ضرورة دمج الحقائق العامة للماركسية – اللينينية بالتطبيق المحدّد للثورة فى بلدانهم أنفسها ، و لا إستغلال تناقضات العدوّ المحدّدة ، و تركيز القوى للنضال ضد العدوّ الرئيسي ، و الدخول فى تحالف مناسب مع مختلف القوى الوسطيّة ، و لا يعرفون كيف يطبّقون بمرونة خطط النضال و أساليبه ، و بذلك يتركون البروليتاريا فى وضع تحارب فيه بمفردها . إنّنا نعارض مثل هذا الجمود العقائدي لأنّه مضرّ بالثورة . و نعارض الجمود العقائدي من أجل أن ندفع بالثورة إلى الأمام ، و أن نطيح بالعدوّ . و المحرّفون المعاصرون يقومون بالعكس تماما . فمقاومة " الجمود العقائدي " بالنسبة إليهم مجرد حجّة ليعارضوا من ورائها الثورة ، و يحاولوا القضاء عليها و تشويه الماركسية – اللينينية و إفسادها . و بكلمات لينين فإنهم " يتناسون ، و يطمسون ، و يشوّهون الجانب الثوري لهذا المبدأ ، و روحه الثوريّة ، و يدفعون إلى المقدّمة ، و يمجّدون ما هو مقبول أو ما يبدو مقبولا للبرجوازيين " . ( " الدولة و الثورة " ، آب ( أغسطس) – ايلول ( سبتمبر ) عام 1917، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلّد 25 ، صفحة 373 ). إنّ التحريفيّين المعاصرين يفترون على الماركسية – اللينينية بانّها " الجمود العقائدي ". و هذه حيلة خسيسة يتخذها المرتدّون عن الطبقة العاملة ، لتفسيخ الروح الثورية للماركسية – اللينينية .
إنّ الثورة هي روح الماركسية – اللينينية . و قد وضع ماركس و إنجلز ، أمام بروليتاريا العالم بأسره ، المهمّة التاريخية العظيمة ، مهمّة القضاء على النظام الرأسمالي و تحرير البشرية جمعاء . و فى ظلّ ظروف تاريخيّة جديدة أيقظ لينين البروليتاريا العالميّة ، و جميع الشعوب المضطهَدة لخوض النضال الثوري المتّقد . لقد وُلدت الماركسية – اللينينية فى النضال البروليتاري الثوري ، و تطوّرت بإستمرار فى ذلك النضال . و قد تتغيّر الآراء الماركسية – اللينينية حول بعض المسائل الفرديّة بمرور الزمن و التغيّرات فى الوضع ، امّا الروح الثورية للماركسية - اللينينية فلا يمكن أن تتغيّر مطلقا . فقد غيّر لينين على ضوء الظروف التاريخية فى عصره آراء ماركس و إنجلز حول المسائل الفرديّة ، و أثار مسائل ، لم يكن بإستطاعة ماركس و إنجلز ان يثيراها فى أيّامهما . و لكن هذه التغيّرات لم تضعف ، فى أقلّ شيء ، الروح الثورية للماركسية ، بل زادت أكثر القوّة الكفاحية الثورية للماركسية . إنّ الثورة هي قاطرة التاريخ . و هذا هو الوضع فى المجتمع الطبقي ، و سيبقى كذلك فى المجتمع الشيوعي فى المستقبل ؛ و الفرق فقط ، فى أنّ ثورة ذلك العصر ستكون مختلفة فى الطبيعة و الأسلوب .
إنّنا نعرف بأنّ الإستعمار الأميركي هو ألدّ أعداء ثورة الشعوب فى مختلف البلدان ، و ألدّ أعداء حركة التحرّر الوطني و السلم العالمي و أشدّهم مكرا . و أيزنهاور هو زعيم الإستعمار الأميركي الآن . و قد أشار لينين منذ زمن بعيد إلى أنّ الإستعمار الأميركي هو ألدّ أعداء شعوب العالم أجمع وهو يلعب دور الدركي. و قد تمادي الإستعمار الأميركي الآن اكثر، مقيما نفسه دركيّا على العالم يخنق الثورة فى كلّ مكان ، و يقمع حركة التحرّر الوطني ، و النضال الثوري للبروليتاريا فى البلدان الرأسمالية ، و يخرّب حركة شعوب العالم من أجل السلم . والإستعمار الأميركي لا يحاول فقط ، فى كلّ دقيقة، أن يدكّ البلدان الإشتراكية و يقضى عليها ، و لكنّه تحت ستار مقاومة الشيوعية و الإشتراكية يبذل أيضا قصاري جهوده فى أن يتغلغل على المناطق المتوسّطة فى أمل عابث لتحقيق السيطرة على العالم . و سياسات العدوان و الحرب هذه ، التى يتّبعها الإستعمار الأميركي لم تتغيّر حتى هذا اليوم . و مهما كانت الخطط التضليليّة التى يتّبعها الإستعمار الأميركي، و أيّان كانت ، فإنّ طبيعته العدوانيّة النهّابة لن تتغيّر حتى موته . فالإستعمار الأميركي هو العماد الأخير للإستعمار الدولي . فإذا أرادت شعوب العالم أن تدافع عن السلم العالمي ، فإنّ رأس حربة النضال يجب أن يوجّه ضد الإستعمار الأميركي . أمّا ما إذا كان المرء يجرؤ أو لا يجرؤ على فضح المستعمِرين ، خصوصا المستعمِرين الأميركيين ، و أمّا ما إذا كان المرء يجرؤ أو لا يجرؤ على النضال ضدّهم ، فذلك هو المحكّ فيما إذا كان يريد أو لا يريد القيام بالثورة الشعبية، و إحراز التحرّر التام للأمم المضطهَدة و تحقيق سلم عالمي حقيقي .
فمن أجل مقاومة السياسة العدوانيّة للإستعمار الأميركي ، يجب الإتّحاد مع جميع القوى الثورية ، و القوى المحبّة للسلم فى العالم بأسره . فالسلم العالمي يمكن أن يدافع عنه بصورة أكثر ، و بصورة فعّالة ، فقط عن طريق ربط نضال شعوب البلدان الإشتراكية ، و النضال الوطني التحرّري لشعوب المستعمرات و أشباه المستعمرات ، و النضال الثوري البروليتاري فى البلدان الرأسمالية ، ونضال جميع الشعوب من أجل السلم ، و تشكيلها فى جبهة جبّارة معادية للإستعمار ، و تسديد ضربات صارمة لسياسات الإستعمار الأميركي ، سياسات العدوان و الحرب . إنّ المعسكر الإشتراكي ، و على رأسه الإتحاد السوفياتي ، هو القوّة الرئيسية فى الدفاع عن السلم العالمي . و نضالات التحرّر الوطني لشعوب المستعمرات و أشباه المستعمرات ، و النضالات الثوريّة للبروليتاريا و الشغّيلة فى البلدان الرأسمالية ، هي أيضا قوى عظيمة فى الدفاع عن السلم العالمي . و إنّ الإنفصال عن نضالات التحرّر الوطني للمستعمرات و أشباه المستعمرات ، و عن النضالات الثوريّة للبروليتاريا و الشغيلة فى البلدان الرأسمالية ، سيضعف إلى حدّ كبير القوى المدافعة عن السلم العالمي ، و يخدم مصالح الإستعمار .
و ما من قوّة تستطيع أن تعيق أو تحدّ من نهوض شعوب المستعمرات و أشباه المستعمرات إلى الثورة ، و سحق النير الذى ترزح تحته . فنضالاتها الثوريّة تلعب دورا فى زعزعة اساس النظام الإستعماري . و على جميع الماركسيين – اللينينيّين الثوريّين أن يدعموا هذه النضالات العادلة ، بحزم و بدون أدنى تحفّظ . و بالمثل ، فما من قوّة تستطيع أن تمنع أو تحدّ من نهوض البروليتاريا والشغيلة فى البلدان الرأسمالية إلى الثورة للإطاحة بالحكم الرجعي لرأس المال الإحتكاري. و إنّ نضالاتها الثورية تستطيع أن تقيّد ايدي الإستعمار و تمنعه من شنّ حرب عدوانية . فعلى جميع الماركسيين – اللينينيين ، أيضا، أن يدعموا هذه النضالات الثوريّة العادلة بحزم و بدون أدنى تحفّظ . و التأييد القوى لهذين النوعين من النضال يشكّل تعزيزا فعّالا للنضال دفاعا عن السلم العالمي . و يرى لينين أنّ البروليتاريا فى البلدان الإشتراكية يجب أن تدافع ، بمساعدة البروليتاريا و الجماهير الشغّيلة للأمم المضطهَدة فى العالم أجمع ، عن ثمار النصر الذى حقّقته الثورة البروليتارية ؛ و عليها فى الوقت نفسه ، أن تدعم قضيّة الثورة البروليتاريّة فى البلدان الأخرى لتتقدّم بإستمرار، و أن تضعف بإستمرار قوّة الإستعمار حتى تقبر الرأسمالية و تنتصر الإشتراكية فى جميع انحاء العالم . و كلينينيين ، يجب أن نتذكّر دائما هذه الأفكار الأساسية للينين .
إنّ التحريفية المعاصرة هي حصيلة السياسة الإستعمارية . لقد أصيب المحرّفون المعاصرون بهلع شديد من السياسة الإستعمارية ، سياسة التهديد بالحرب النوويّة . فتحوّلوا من الخوف من الحرب ، إلى الخوف من الثورة ، و إنتقلوا من عدم رغبتهم هم أنفسهم فى الثورة إلى معارضة قيام غيرهم بالثورة . و فى مسايرتهم لحاجات الإستعمار، يحاولون إعاقة تطوّر حركة التحرّر الوطني ، و حركة الثورة البروليتارية فى مختلف البلدان . ويحاول المستعمِرون جعل البلدان الإشتراكية تنحطّ إلى بلدان رأسمالية .
و المحرّفون المعاصرون ، أمثال تيتو ، قد كيّفوا أنفسهم وفق حاجة المستعمِرين هذه .
إنّ كون مقاومة التحريفية المعاصرة أمرا مهمّا يعود إلى أنّ المحرّفين المعاصرين يستطيعون ان يلعبوا ، بين جماهير العمّال و الشغّيلة دورا، لا يمكن أن يلعبه البرجوازيّون ، و الديمقراطيّون الإجتماعيّون اليمينيّون . فهم عملاء الإستعمار ، و أعداء البروليتاريا و شغّيلة جميع البلدان .
و يشير بيان إجتماع ممثّلي الأحزاب الشيوعيّة و أحزاب العمّال للبلدان الإشتراكية الذى عقد فى موسكو فى تشرين الثاني ( نوفمبر) 1957، إلى ضرورة الدفاع عن الماركسية – اللينينية فى الوضع الراهن .
يقول البيان :
" إنّ البرجوازية الإستعمارية تبذل قصارى جهودها لإفساد الجماهير من الناحية الإيديولوجية . فهي تشوّه الإشتراكية ، و تفتري على الماركسية – اللينينية ، و تضلّل الجماهير و تبلبلها . لذلك فإنّ تعميق التثقيف الماركسي- اللينيني للجماهير، ومحاربة الإيديولوجية البورجوازية ، و فضح الأكاذيب ، والإختلافات المفتراة للدعاية الإستعمارية ضد نظام الإشتراكية، و الحركة الشيوعية ، و نشر أفكار الإشتراكية ، و السلم و الصداقة بين شعوب البلدان على نطاق واسع و بأسلوب حي مقنع ، هي أمور ذات أهمّية أولية ".
و يقول البيان أكثر من ذلك :
" تسعى التحريفية المعاصرة للطعن فى التعاليم العظمى للماركسية – اللينينية ، و تزعم أنّها " غير ملائمة للعصر" ، كأنّها فقدت الآن أهمّيتها بالنسبة للتقدّم الإجتماعي . و يحاول المحرّفون بكلّ جهدهم إفساد الروح الثوريّة للماركسيّة و تخريب الإيمان بالإشتراكية بين الطبقة العاملة و الشغّيلة . فهم ينكرون الضرورة التاريخية للثورة البروليتارية ولديكتاتورية البروليتاريا خلال فترة الإنتقال من الرأسمالية على الإشتراكية ، و ينكرون الدور القيادي للحزب الماركسي – اللينيني ، و ينكرون مبدأ الأممية البروليتارية ، و يدعون إلى نبذ المبادئ اللينينيّة الأساسيّة حول تنظيم الحزب ، و قبل كلّ شيء ، نبذ المركزية الديمقراطية ، و ذلك لتحويل الحزب الشيوعي من منظمة ثوريّة كفاحيّة إلى نوع من جمعيّة للمجادلة ".
إنّ التحريفية المعاصرة هي ، فى الوقت الحاضر ، الخطر الرئيسي على الحركة الشيوعية العالمية ، و واجبنا المقدّس أن نظهر بشكل كامل روح لينين الثورية ، و أن نكشف بشكل تام الصورة الحقيقية لعميلة الإستعمار هذه ، التحريفية المعاصرة .
إنّ بيان إجتماع موسكو هو المنهاج للحركة الشيوعية العالمية لعصرنا . و قد إعترفت به الأحزاب الشيوعية و أحزاب العمّال لمختلف البلدان . و نحن ، الحزب الشيوعي الصيني ، جنبا إلى جنب ، مع الأحزاب الشيوعية و احزاب العمّال للبلدان الأخرى ، نحافظ بإخلاص على هذا المنهاج العظيم و نقوم بتنفيذه .
لقد كانت الحركة الشيوعية منذ البداية حركة عالمية . فالتضامن الأممي البروليتاري هو الضمانة الأساسيّة لإنتصار قضيّة الشعب الثوريّة فى مختلف بلدان العالم ، و لإنتصار قضيّة التحرّر الوطني للأمم المضطهَدة ، وإنتصار نضال الشعوب من أجل السلم العالمي . فخدمة لمصالح البلدان الإشتراكية ، و مصالح البروليتاريا و الشغّيلة فى مختلف البلدان ، و لأجل تحرّر الأمم المضطهَدة ، و الدفاع عن السلم العالمي ، يجب علينا ، فى جميع الأوقات ، أن نعزّز التضامن الأممي البروليتاري . إن الماركسيين – اللينينيين يحرسون دائما ، كما يحرسون حدقة عيونهم ، وحدة المعسكر الإشتراكي و على رأسه الإتحاد السوفياتي ، و وحدة صفوف الشيوعية العالمية ، و وحدة البروليتاريا العالمية ، و وحدة الشعوب فى العالم بأسره . و يعتبر المستعمِرون و المحرِّفون المعاصرون هذه الوحدة الأمميّة العظيمة ، أكبر عقبة أمام محاولتهم تفكيك الحركة الثوريّة لمختلف البلدان . فهم يخطّطون ليلا نهارا و يحاولون عبثا تخريب هذه الوحدة عن طريق احقر نشاطات التفرقة و بذر بذور الشقاق و الإشاعات الحقيرة و الإفتراءات ، و لكن هذه الدسائس الخبيثة مكتوب لها الإفلاس الذريع حتما .
إنّ القضيّة الإشتراكيّة للبروليتاريا ، إسترشادا بالتعاليم الثورية للماركسية - اللينينية ، ستحرز ، و تستطيع بالتأكيد أن تحرز ، النصر التام فى جميع انحاء العالم ، و سيسود الإنسانيّة حتما سلم أبدي .
فلنتّحد و لنتقدّم ببسالة تحت الراية الثورية لينين العظيم !
عاشت الماركسية – اللينينية !
================================================================
==============================++++++++++++++++++++++++++++++++