قرن واحدى عشرة سنة، ظلما نافذا...


فهد المغربي
2015 / 6 / 20 - 08:46     

"أحرقوا طغم القمع من خلفكم
فالأساطيل والقمع شيء يكمل شيئا
كما يتنامى الكساد على عملة تالفة..."
مظفر النواب

كما هو متوقع، خرجت محاكمة المعتقلين السياسيين بعين قادوس بفاس يوم 18 يونيو 2015، بنتيجة الادانة، ولم تكن هنالك نتيجة ممكنة أخرى غير الادانة. وببداهة المنطق القانوني-الحقوقي وبلاهته، المختفية خلفه وخلفها مصالح الرجعية وأذنابها وجنون خوفها من حركة الجماهير، فانه قد تمت ادانة المعتقلين وتوزيع قرن واحدى عشرة سجنا نافذا عليهم، في نظر القانون البرجوازي و"حقوق الانسان"، توجد جريمة ومشتبه بهم وتهم ودلائل وشهود نفي واثبات ومرافعات ومداولات، وقضي الأمر. بحيث أفضل ما يمكن أن يلوح به هو المطالبة ب"محاكمة عادلة" للمتهمين وظروف اعتقال جيدة. لكن من الذي أدين بالفعل في محاكمة 18 يونيو، أهم حقا المعتقلون السياسيون بعين قادوس ؟ لنبحث الأمر من جديد.
لقد كانت مؤامرة 24 أبريل التي حاكها النظام القائم بتحالف مع القوى الظلامية، في سياق ترتيبه لضربة جديدة للحركة الطلابية التي ظلت عقدة تاريخية لنظام المعمرين الجدد لعقود، وخاصة بظهر المهراز - فاس حيث يبذل المحاولات تلو المحاولات لاغتيال تاريخها النضالي المسطرة معالمه بتضحيات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي يحاول النظام الرجعي مجددا اليوم كسر شوكته بل وحتى اقتلاعه من الجامعة المغربية بأساليب جديدة، بعدما حاول عبثا تركيع الحركة الطلابية، عبر ميليشيات "الأواكس" الفاشية، ثم عبر هجوم جحافل القوى الظلامية على الجامعة المغربية في التسعينيات، ثم عبر العصابات الاجرامية للقوى الشوفينية الرجعية. في وجه كل هذه الهجومات صمدت الحركة الطلابية، كما صمدت أمام المخططات الطبقية للنظام من اصلاح / تخريب سنة 1975 إلى الميثاق الطبقي للتركيع والتبضيع ونسخته الشوهاء "المخطط الاستعجالي" وصولا إلى المخطط الرباعي الذي يسابق النظام الزمن لينزل بنوده ضدا على حق أبناء الجماهير الشعبية في التعليم، وارضاء لسادته الامبرياليين والصهاينة.
وباعتبار موقع الحركة الطلابية من داخل الحركة الجماهيرية، فان الهجوم الذي يشنه النظام على الأولى له بالغ الأثر على الثانية. ومن الواضح أن الاعتقالات المتوالية في صفوف مناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في مختلف المواقع الجامعية (وجدة، فاس، مراكش، تازة، مكناس، القنيطرة، أكادير...) وكذا قمع النضالات الاجتماعية (حركة السكن، نضالات الباعة المتجولين، النضالات العمالية والفلاحية...) انما يؤشر لرغبة طوباوية لدى المعمرين الجدد في اسكات جميع الأصوات المناضلة والتنعم بجو من "الاستقرار"، وخاصة بعد الجزر النسبي للحركة الجماهيرية الذي تلا مدها مع حركة 20 فبراير، اذ هي لدى النظام فرصة لأجل تسييد جو من الارهاب والقمع وتضييق الخناق على الحريات السياسية والنقابية يمكن من الاستفراد بالحركة الطلابية بالشكل الذي يتيح له ضرب الحركة الجماهيرية ككل.
ان الهجوم الغادر على الحركة الطلابية بظهر المهراز عبر هدم الحي الجامعي ثم مؤامرة 24 أبريل، والذي تم بتوظيف دقيق لبيادق النظام الظلامية، انما يعد حلقة خطيرة جدا، لدرجة من الخطورة لا تزال غير مستوعبة ومتفهمة من طرف الجميع، في مسلسل المؤامرة الأكبر التي تحاك ضد الحركة الطلابية ككل، والمؤامرة الكبرى ضد الحركة الجماهيرية نفسها. فمهما يكن حجم الدعاية الاعلامية المغرضة، الموظفة من طرف أبواق النظام والظلام ضد المعتقلين السياسيين مناضلي اوطم بظهر المهراز، التي تستهدف بشكل مباشر تجريمهم واظهارهم مظهر القتلة والسفاحين، فان الهدف ليس اطلاقا هو تجريمهم. ان هدف النظام من وراء مؤامرة 24 أبريل - التي تتضمن فيما تتضمن، محاولة تجريم الرفاق المناضلين - انما هو توجيه ضربة قاصمة للحركة الطلابية بظهر المهراز تكون حلقة متقدمة في اضعاف الحركة الطلابية بصورة عامة والحركة الجماهيرية بصورة أعم. هنا تكمن الخطورة البالغة وحجم الاستهدافات في مؤامرة 24 أبريل، والتي تطرح على عاتق مختلف المناضلين، طلابا كانوا أم لا، مهمات في غاية الجسامة والجدية.
أما صمت القوى الاصلاحية وتواطؤها المخزي في هذه الظرفية، فيؤكد ما قلناه حول طبيعة الاستهدافات وحجمها، كما يجسد من جديد الممارسة الانتهازية لهذه القوى التي اختارت أن تدفن رأسها في التراب حتى تمر العاصفة، ولا زالت دماء الشهيد مصطفى مزياني شاهدة على هذا التواطؤ المريع بين أطراف معادلة النظام والقوى الظلامية والقوى الاصلاحية، وهاته الأطراف هي من أدين في محاكمة 18 يونيو من طرف المعتقلين السياسيين. نعم هو الأمر كذلك في منطق الصراع الطبقي، في منطق العلم والتاريخ : حوكم النظام فأدين كما كان متوقعا، بطبيعته اللاوطنية اللاديمقراطية اللاشعبية، وحوكمت القوى الظلامية فأدينت كما كان متوقعا، بطبيعتها الرجعية، وحوكمت القوى الاصلاحية فأدينت، كما كان أيضا متوقعا، بطبيعتها الاصلاحية وممارستها الانتهازية.
ان النظام الذي توهم وجر معه آخرين في هذا الوهم، أنه "حاكم" الرفاق ووزع عليهم قرنا واحدى عشرة سنة سجنا نافذا، انما قد حوكم هو على قرن ونيف من الاستغلال والقهر، منذ أن كان سلاطين الاقطاع يستعدون لمراسيم الزواج المقدس مع الامبريالية، والذي كانت ثمرته نظاما هو هذا الجاثم فوق صدورنا اليوم. فالعودة ب111 سنة إلى الوراء تلخيص لكل آلام شعبنا التي حاكم المعتقلون السياسيون بعين قادوس النظام القائم عليها فأدانوه هو وأسياده وعملاءه وأذياله، راسمين طريق الثورة بتضحياتهم ودمائهم، راسمينه عقابا أسودا.