بوخارين..كوبا/الهرطوقي الرجيم والمفتش الاعظم!!!(1-12)


ماجد الشمري
2015 / 6 / 1 - 20:16     

"ليس الهرطوقي من يحترق بالنار،بل الهرطوقي من يشعل المحرقة"
-شكسبير-


محبوب الحزب الذي اصبح(عدو الشعب)على يد جنكيزخان البلاشفة!!!.

ولد نيكولاي بوخارين في 9 اكتوبر عام 1888 في موسكو . وهو من عائلة برجوازية . فقد كان والده مدرسا .وأنحدار بوخارين الطبقي من صفوف الطبقة الوسطى يؤكد من جديد أن معظم قادة الثورات و الفكر الثوري وبالذات قادة ثورة اكتوبر لم يخرجوا من صفوف الطبقة العاملة بل انحازوا اليها فكريا وسياسيا،وتبنوا اهدافها وتطلعاتها بعد انسلاخهم من طبقتهم ، فطليعة و انتلجنسيا الشغيلة كان يجب ان يكونوا على مستوى من الثقافة و المعرفة و ملمين بمنجزات الفكر الانساني من علم و فلسفة و ادب و تاريخ الخ. و هذا لم يكن متاحا الا لابناء الطبقة الوسطى،من طلبة واكاديميين لاسباب موضوعية و ذاتية. في عام 1906 اصبح بوخارين عضو في الحزب . وعن فترة شباب هذا المنظر المستقبلي ، كانت لدى صديقه و رفيقه في النضال الطلابي إيليا ايرنبورغ ذكريات ممتعة سردها في سيرته . بوخارين طالب القسم الاقتصادي بكلية الحقوق كان نشطا بين العمال والطلبة يمارس الدعاية والتحريض و كسب الانصار ، بقامته القصيرة النحيلة ، ولحيته الفتية ، وشعره الاشقر المحمر ، وجبهته الطويلة . ليس في الاجتماعات الطلابية في جامعة موسكو وحسب ، بل و اثناء النشاطات في منطقة " زاموسكفاربتسكايا" في موسكو. بعد اعتقاله عام 1910 - كان التنظيم مخترقا من الاوخرانا !- تمكن من الفرار من " اونيغي " و هي مدينة صغيرة في شمال روسيا . و بعد ذلك غادر روسيا الى الخارج و لم يعد اليها الا بعد ثورة شباط 1917، لقد كانت حياته في الخارج طيلة السنوات الست مثمرة و اكسبته التراكم المعرفي والخبرة السياسية . فهناك تعرف على لينين الذي كان يكن لبوخارين شعورا طيبا و وداً كبيراً . و لكن هذا لم يمنعه من الجدل معه و نقده بقسوة. لقد كان هذا المنظر المبتدئ يقضي جل وقته في المكتبات ، وتعلم بسرعة اللغات : الالمانية والفرنسية والانكليزية. وفي تلك المكتبات جمع مسودات و مخطوطات نتاجيه الكبيرين في التنظير هما :" الاقتصاد السياسي لاصحاب الدخل الثابت" و" الاقتصاد العالمي والامبريالية" . وفي وصفه للدولة الواقعة تحت سيطرة الطغيان الاستبدادي، استخدم بوخارين الاستعارة الغنية والمعبرة التي وجدها لدى جاك لندن-الروائي والسياسي الاشتراكي الامريكي، فقد تنبأ بأن مثل هذا الطغيان سيسحق ب" عقبه الحديدية" رؤوس الناس!. وكان تحذيرا من الانفراد بالسلطة والاستبداد و العسكريتاريا التي لاتعرف حدودا او محرمات . في نيويورك تعرف عام ١-;-٩-;-١-;-٦-;- على تروتسكي الذي شاركه في تحرير صحيفة نوفي مير( العالم الجديد) والتي كان يديرها بوخارين و كولنتاي و فولودارسكي. ومع اختلافهما في وجهات النظر السياسية والنظرية . فقد ربطت بين بوخارين و تروتسكي علاقة شخصية قوية و حميمية امتدت على مدار العشر سنوات القادمة . و في نيويورك و صل خبر اندلاع الثورة في روسيا شباط ( فبراير) 1917 الى بوخارين . وكان طريق عودته الى روسيا طويلا و شاقا ، فقداُعتُقِلَ في اليابان ثم وقع رهن الاعتقال ايضا في فلاديفوستوك في شرق روسيا ولم يستطع الوصول الى روسيا الا في ايار (مايو ) عام1917 ، بعدها عمل محررا بجريدة "البرافدا" ثم رئيسا لتحريرها بعد ثورة اكتوبر من عام 1918حتى عام 1929 . انتخب عضوا في اللجنة المركزية عام 1917 واستمر حتى عام1937 فيها . وانتخب عضوا في المكتب السياسي عام 1924 حتى عام 1929 ، وانتخب امينا عام للكومنترن عام 1926 وظل فيه ثلاث سنوات . و لكونه محررا في صحيفة الحزب الرئيسية شارك بفاعلية في وضع سياسة الحزب والدعاية والتعبئة. لم يكن بوخارين ماكرا او متصنعا ، بل كان مستقيما اخلاقيا و سياسيا ، وكان مندفعا في يساريته المتطرفة ففي عام 1918 و في اسبوع الصراع من اجل التوقيع على معاهدة الصلح مع المانيا ، كان بوخارين على رأس كتلة المعارضة " الشيوعيين اليساريين" ضد تلك المعاهدة و دعى للحرب الثورية ضد المانيا و وقف ضد لينين بشراسة . فلم يكن يجيد " اللعبة الدبلوماسية" و لمدة شهرين قاد مجموعات مختلفة للمعارضين لهذه الاتفاقية . فلم تكن اندفاعة بوخارين الشيوعية اليسارية و مشاعره المشتعلة بالثورة عابرة او صدفة فأثناء الحرب الاهلية كان بوخارين واحدا ضمن العديد من اكثر التيارات اليسارية تشددا وصلابة فقد كان واحدا اضافة للينين و تروتسكي من منظري" شيوعية الحرب" او " الشيوعية العسكرية" و كان طرحه حول نظرية " الشيوعية العسكرية" واضحا و معروفا خاصة في كتابه ذو الشهوة الواسعة تحت عنوان " ابجدية الشيوعية" والذي ساعده في كتابته المنظر الشاب اللامع و الموهوب بريو برجينسكي. و من الجدير بالذكر ان ستالين نفسه ثمن غاليا تلك التعاليم الموجهة للشيوعيين في " الفباء" الشيوعية . وكما في اي موسوعة دونت اهم تلك الاوضاع الخاصة بالثورة والصراع الطبقي و ديكتاتورية البروليتاريا و دور الطبقة العاملة، وبرنامج الشيوعيين و غير ذلك. لقد كان نجاح تلك " الابجدية" منقطع النظير و كان الاقبال واسعاً على قراءتها فقد اعيد طبع الكتاب عشرين مرة ، و وزع خارج الاتحاد السوفيتي ، و بفضل هذا الكتاب الذي حلل وناقش فيه بوخارين اكثر اشكاليات الحركة الثورية العمالية بمعالجة يسارية متطرفة . اصبح بوخارين علما بارزا و معروفا في اوساط الحزب والدولة السوفيتية اسوة بتروتسكي و بريو برجنسكي و زينوفييف و كامينيف . فقد نظرت النخب الفكرية والثقافية والسياسية الى بوخارين و لفترة طويلة ك( عراف الماركسية الكلاسيكية اوالتقليدية) . وقد كان هناك مايبرر هذا الانطباع و يؤكده فعلى سبيل المثال: كتب بوخارين في سلسلة من مقالاته النظرية و تحت عنوان " الهجوم" والتي صدرت تباعا عام 1924 قائلا" ان التحول العالمي الهائل الذي سيحدث يحمل في طياته حروبا دفاعية و هجومية من جانب البروليتاريا الظافرة . دفاعية من اجل الصمود أمام هجمات الامبريالية العالمية، وهجومية لدحر البرجوازيةالروسية . وأن الثورة العالمية ستنتشر من دولة الى اخرى و لن يتمكن من ايقافها" اي عصبة امم " !او غيرها من التفاهات التي تتشدق بها عصابات الاشتراكين الخونة" !. لقد طرح بوخارين نفسه و بيسارية طفولية في الثورة والحرب الاهلية كثوري راديكالي حالم و رومانطيقي جاهزا و مندفعا للقيام بأكثر الخطوات حسما بثوريتها اذا مادعت الحاجة لذلك- و كان هذا المزاج الواضح في يساريته الشيوعية والجامح في اندفاعه هو السائد في تلك الفترة . و ليس من مأخذ على ذلك فالمرحلة الثورية و مدها العاتي في بداية و منتصف العشرينات من القرن الماضي كانت تغلي و حبلى بالثورات والحركات والامل.- وكم من أفكار حلقت في الخيال الجامح قبل ان تتحول الى قوة مادية بالناس واعتبروها جزءا حيويا من حياتهم و وجودهم - هنا نتوقف للتأمل عند هذه الفقرة . لقد فرض التدفق التاريخي للاحداث و المد الثوري ، قيادات حزبية و حكومية ضعيفة و بدائية وجاهلة في المواضيع الاقتصادية والتخطيط . و وضع الحلول الناجعة للمشاكل الكثيرة المطروحة أمام الحزب - ستالين خير مثال ،و دليل على ذلك !- فقد كانت تلك القيادات لا تجيد سوى سن القوانين و المراسيم ، والاجراءات الادارية الموروثة والقاصرة ! واحيانا لا تعدوا التواقيع و رفع الشعارات الجوفاء و الساذجة مثل " الاقتصاد يجب ان يكون مقتصدا" !.و وضع الخطط ثم تأجيلها أو الغائها ، والتحكم البيروقراطي الارادوي بمصير الملايين من الناس . ولو تصفحنا اليوم كتب واعمال بوخارين المتميزة والتي كانت ممنوعة تحت طائلة التحريم - اسوة بمؤلفات تروتسكي !- على المواطنين السوفيات و كل الاحزاب الشيوعية في العالم التي كانت تحت الهيمنة الستالينية و ورثته ، طيلة اكثر من نصف قرن. سنجد و نشعر كيف كان هذا الرجل -بوخارين-يسعى مخلصا و أمينا الى تكوين فكر اقتصادي وسياسي تقدمي جديد وواقعي منطلقا من سياسة النيب (NEP)(السياسة الاقتصادية الجديدة) -التي وضع اسسها ،لينين ،وشرع للبدء بتنفيذها كمرحلة ضرورية وممتدة بعد انتهاء الحرب الاهلية،وفي المؤتمر العاشر - . وان هذا الانسان -الماركسي البلشفي-كان عالما في مجاله و واثقا من نفسه ، ويتطلع لمستقبل اكثر اشراقا لبلد العمال و الفلاحين . حتى وأن كان عليه ان يمضي بطيئا بسرعة السلحفاة!!.....
....................................................
وعلى الاخاء نلتقي...