ثورة من نمط 1789 او من نمط 1848 ؟ ف .إ . لينين


سعيد العليمى
2015 / 5 / 30 - 13:37     

كتب لينين هذا المقال فى مارس – ابريل 1905 عقب اندلاع الثورة الروسية الاولى من نفس العام . ويظهر عمق لينين واستغراقه فى التحليل الملموس للوضع الملموس من خلال استعراضه - داخل وخارج روسيا - للجوانب المتناقضة للعملية الثورية واحتمالاتها الممكنة بدون اى قطعية وثوقية تتوهم خطا واحدا لمسيرة الثورة لامحيد عنه . ورغم ان لينين فى هذا المقال لم يكن قد توصل بعد للاقتناع بفكرة تواصل الثورة واستمرارها التى تبناها فيما بعد فى ابريل 1917 الا ان منهجه الجدلى الملموس وبعده عن الصراخ باسم الثورة هو خير مرشد للماركسيين الذين يسعون لادراك وفهم واقعهم موضوعيا كشرط اساسي لمحاولات تغييره . ولعلنا نحن الماركسيين المصريين – حتى وان بدا ذلك متأخرا- نتعلم ليس فقط من بعض النتائج التى بلغها لينين فى عمله النظرى وانما ان نستلهم منهجه واسلوبه فى التحليل والا نستخف باهمية ذلك مكتفين بحسن نوايانا الثورية .




ثورة من نمط 1789 او من نمط 1848 ؟ ف . إ . لينين
احد الاسئلة الهامة التى تطرحها علينا الثورة الروسية هو التالى : الاول . هل ستستمر حتى الاطاحة النهائية بالحكومة القيصرية وتأسيس الجمهورية ؟ الثانى . ام انها ستقتصر على الحد من السلطة القيصرية ، وعلى نيل دستور ملكى ؟ بمعنى آخر ، هل سيكون لدينا ثورة من نمط1789 او من نمط 1848 ؟ ( 1 ) ( نقول نمط حتى نتخلص من الفكرة الخاطئة حول امكان اى تكرار للاوضاع الاجتماعية والسياسية والدولية لاعوام 1789 و1848 .)
مسألة ان على الاشتراكى الديموقراطى ان يريد وان يعمل من اجل الاول ، لايمكن ان يكون هناك حولها ادنى شك .
مع ذلك فإن طريقة مارتينوف فى طرح المسألة تختزل وتنتهى كلية الى رغبة ذيلية فى ثورة اكثر تواضعا . يستبعد فى النمط " الخطر" الرشيق ، المخيف للغاية عند المارتينوفيين ، ان تحوز البروليتاريا والفلاحين السلطة كليا . فى هذه الحالة ستبقى الاشتراكية الديموقراطية " بشكل لايمكن تفاديه فى المعارضة " – حتى تجاه الثورة ، هذا هو مايريده مارتينوف بالفعل – ان يبقى فى المعارضة حتى تجاه الثورة .
والسؤال اى النمطين هو الاكثر احتمالا ؟
لدينا فى صالح النمط الاول : ( 1 ) مخزون من السخط اعظم بما لايقاس وشعور ثورى لدى الطبقات الدنيا فى روسيا اكثر مما كان فى المانيا عام 1848 . هنا التغير اكثر حدة ، وهنا لم تكن هناك مراحل وسيطة بين الاوتوقراطية والحرية السياسية ( لاقيمة للزيمستفو ) وهنا مايزال الاستبداد آسيويا بعذريته الفظة . ( 2 ) هنا حرب تزيد احتمال انهيار شديد ، لانها ورطت الحكومة القيصرية تماما . ( 3 ) وبالنسبة لنا الوضع الدولى اكثر مواتاة ، لأن اوروبا البروليتارية سوف تجعل من المستحيل على الرؤوس المتوجة الاوروبية ان تساعد الملكية الروسية . ( 4 ) ويحسب لنا تطور الاحزاب الثورية الواعية طبقيا ، ادبها وتنظيمها ، وهو على مستوى اعلى بمالايقاس مما كان فى 1789 ، و1848 ، او 1871 . ( 5 ) تقدم لنا مختلف القوميات المضطهدة من القيصرية ، مثل البولنديين والفنلنديين ، دفعة قوية للهجوم على القيصرية . ( 6 ) معنا الفلاحون وهم فى حالة يرثى لها مفقرون لحد لايصدق وليس لديهم مايفقدونه على الاطلاق .
وبالطبع ، كل هذه التقديرات ليست مطلقة الى حد بعيد . وهناك تقديرات اخرى قد تناقضها : ( 1 ) لدينا بقايا ضئيلة من الاقطاع . ( 2 ) باتت الحكومة اكثر خبرة ولديها امكانات اكبر لاستشعار خطر الثورة . (3 ) تعقد الحرب عفوية الانفجار الثورى ، وهى تخلق مشكلات لاعلاقة لها بالثورة . تظهر الحرب ضعف الطبقات الثورية الروسية التى لم تكن لديها القوة لتنهض بغيرها. ( انظر ، كارل كاوتسكى فى كتابه الثورة الاجتماعية ) . (4 ) لاتمدنا البلدان الاخرى بحافز لثورة تقوم عندنا . (5 ) يحتمل ان تؤدى الحركات القومية التى تنزع الى تقطيع اوصال روسيا الى ابعاد كتلة البورجوازية الكبيرة والصغيرة عن ثورتنا . (6 ) ان التناحر عندنا بين البروليتاريا والبورجوازية هو اعمق بمالايقاس مما كان فى 1789 ، و1848 ، و1871 ، وعلى ذلك ، سوف تكون البورجوازية اشد خوفا من الثورة البروليتارية وسوف تلقى بنفسها عن طيب خاطر بين اذرع الرجعية .
التاريخ وحده بالطبع هو الذى يمكن له ان يزن حجج الموقفين ويقابلهما . واجبنا كاشتراكيين ديموقراطيين ان ندفع الثورة البورجوازية قدما الى اقصى حد يمكن ان تصل اليه ، دون ان نفقد الرؤية ابدا لمهمتنا الاساسية – التنظيم المستقل للبروليتاريا .
يتخبط مارتينوف فى هذا الامر. تعنى الثورة الكاملة ان تستولى البروليتاريا والفلاحين الفقراء على السلطة . وحالما تصل هاتان الطبقتان الى السلطة لايمكن لهما الا ان تكافحا من اجل الثورة الاشتراكية . اذن ، الاستيلاء على السلطة ، من كونه خطوة اولى فى الثورة الديموقراطية ، سوف يتحول بقوة الظروف ، وضد ارادة ( واحيانا حتى دون ادراك ) المشاركين فيها ، الى ثورة اشتراكية . وهنا الاخفاق محتوم ، وعلينا ( مثل ماركس فى عام 1871 ، حينما توقع الاخفاق المحتوم لانتفاضة باريس ) ان ننصح البروليتاريا الا تنتفض ، وانما ان تنتظر وتتنظم ، وان تتراجع خطوة الى الخلف حتى تقفز الى الامام بشكل افضل . (2)
هذه هى فى جوهر الامر فكرة مارتينوف ( وهى فكرة الايسكرا الجديدة ايضا ) ان كان قد استطاع ان يعللها حتى تصل الى نتيجتها المنطقية .
هوامش
(1 ) لاحظ ربما يضيف البعض هنا " او من نمط 1871 ؟ لابد وان نعد هذا اعتراضا محتملا يواجهنا به الكثيرين من غير الاشتراكيين الديموقراطيين – لينين .
(2 ) بالفرنسية فى النص الاصلى .reculer pour miex sauter
المصدر : لينين ، الاعمال الكاملة ، المجلد 8 ، ص ص 257 – 259 . دار اللغات الاجنبية ، موسكو ، 1962 .