مقدّمة كتاب - نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفيّة السوفياتية 1956 - 1963 : تحليل و وثائق تاريخية


شادي الشماوي
2015 / 5 / 25 - 23:43     

مقدّمة كتاب :
نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفيّة السوفياتية 1956 - 1963 :
تحليل و وثائق تاريخية

" الماوية : نظرية و ممارسة " عدد 20 – ماي / جوان 2015

شادي الشماوي

" يحدث الآن لتعاليم ماركس ما حدث أكثر من مرّة فى التاريخ لتعاليم المفكّرين الثوريّين و زعماء الطبقات المظلومة فى نضالها من أجل التحرّر . ففى حياة الثوريّين العظام كانت الطبقات الظالمة تجزيهم بالملاحقات الدائمة و تتلقّى تعاليمهم بغيظ وحشيّ أبعد الوحشيّة و حقد جنونيّ أبعد القحّة . و بعد وفاتهم تقوم محاولات لجعلهم أيقونات لا يرجى منها نفع أو ضرّ ، لضمّهم ، إن أمكن القول ، إلى قائمة القدّسيّين ، و لإحاطة أسمائهم بهالة ما من التبجيل بقصد " تعزية " الطبقات المظلومة و تخبيلها ، مبتذلة التعاليم الثوريّة بإجتثاث مضمونها و ثلم نصلها الثوري . و فى أمر " تشذيب " الماركسيّة على هذا النحو تلتقى الآن البرجوازيّة و الإنتهازيّون داخل الحركة العمّاليّة . ينسون ، يستبعدون ، يشوّهون الجانب الثوريّ من التعاليم ، روحها الثوريّة . و يضعون فى المقام الأوّل و يطنبون فى إمتداح ما هو مقبول للبرجوازية أو يبدو لها مقبولا ."
هذا ما قاله لينين فى بداية الفصل الأوّل من كتابه العظيم " الدولة و الثورة " و هي كلمات تعكس حقيقة ما إنفكّت تتأكّد يوما بعد يوم .
و لم تطل تلك السياسة المعادية للثورة البرولتاريّة العالمية و رموز علم الشيوعية الأوائل كماركس و إنجلز و حسب بل طالت أيضا لينين ذاته الذى جرت شيطنته غالبا و تحويله إلى ديمقراطي برجوازي أحيانا . أمّا ستالين ، من بعده ، فصبّ عليه الإمبرياليّون و الرجعيّون جام غضبهم و لعناتهم جميعها مصوّرينه فى الغالب الأعمّ مجرما سفّاكا للدماء و أحيانا فاقدا لقدراته العقليّة أو قوميّا متعصّبا .
و تمّ الإفتراء على ماو تسى تون خاصّة إثر مفارقته الحياة سنة 1976 و نسبت إليه جرائم لم تحدث أصلا و أعمال لم يرتكبها و لفّقت له التهم العديدة و المتنوّعة . هذا من جهة و من الجهة الأخرى ، صيّره البعض قوميّا فى حين صيّره آخرون ديمقراطّا برجوازيّا ...
ولم تأت الضربات من منظّري الإمبريالية و الرجعيّة العالميّة وأبواق دعايتها و مأجوريها و حسب بل كال التحريفيّون من كلّ رهط ، بما هم ماركسيّون مزيّفون ، و منهم التحريفيون الصينيون أو البرجوازيّة الجديدة الصينية التى أعادت تركيز الرأسمالية فى الصين بعد إنقلاب 1976 ، كافة أنواع الإفتراءات و نظّموا حملات تشويه و خاضوا حروبا شعواء ضد الشيوعيّة الثوريّة و رموزها خدمة للإمبرياليين و الطبقات الرجعيّة المحلّية .
و منذ عقود كانت هيمنة التحريفيّة و الإصلاحيّة على الحركة الشيوعية فى البلدان العربيّة شبه مطلقة و قد نال خاصّة لينين و ستالين و ماو تسى تونغ ما نالوا من طلقات المدفعيّة الثقيلة للتحريفيين المتقدّمين للجماهير فى زيّ ماركسي و هم أعداء الروح الثوريّة للماركسيّة . و قد إنخرطنا منذ سنوات الآن عن وعي تام بجسامة المهمّة العسيرة للصراع المبدئي على الجبهة النظريّة بمشروع مجلّة " الماويّة : نظريّة و ممارسة " و كان هدفنا و لا يزال دحض التخريجات التحريفية و الدغمائيّة إعلاء لراية الحقيقة و الترويج لعلم الشيوعية و نشره حتّى تشقّ النظريّة الثوريّة طريقها نحو بناء حركة ثوريّة كجزء لا يتجزّأ من الثورة البروليتاريّة العالمية و غايتها الأسمى الشيوعية و تحرير الإنسانيّة .
و اليوم و قد رصدنا تهافت تحريفيّين أو دغمائيّين ذوى نزعات خروتشوفيّة و تروتسكيّة و خوجيّة وسعيهم الحثيث و الخبيث إلى تزوير تاريخ الماويّة بكلّ فجاجة جاعلينها معادية للماركسية – اللينينية أو لما يطلقون عليه " البلشفيّة " أو ما شابه و واصمينها بالتحريفيّة وهم بهذا النعت أولى و أحقّ ؛ و الحال أنّ الحزب الشيوعي الصيني و على رأسه ماو تسى تونغ هو الذى كان وراء بعث الحركة الماركسيّة – اللينينية العالمية التى نشأت فى خضمّ إنشقاق داخل الحركة الشيوعية العالمية نتيجة صراع حياة أو موت ضد التحريفية المعاصرة و فى مقدّمتها التحريفية السوفياتية ؛ وأنّ الماويّين الصينيّين هم الذين مثّلوا رأس حربة الحركة الماركسية – اللينينية و الذين دافعوا بمبدئية و إستماتة عن المبادئ اللينينية و عن ستالين و التجربة الإشتراكيّة فى الإتحاد السوفياتي زمن لينين و ستالين فى وجه عواصف الإفتراء و التشويه اليمينية و " اليسراويّة " .
لذلك إرتأينا المساهمة فى هذه المعركة الحامية الوطيس من أجل مزيد وضع الأمور فى نصابها و وضع النقاط على الحروف إعتمادا على وثائق تاريخيّة كأدلّة قطعيّة نادرة باللغة العربيّة فى أيّامنا هذه . و من ثمّة فتّشنا و نقّبنا هنا و هناك و تمكّننا من الحصول على بضعة وثائق غير منشورة على النات غاية فى الأهمّية بشأن نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفيّة السوفياتية من 1956 إلى 1963 ، فإجتهدنا لنسخها و إعدادها للنشر على شبكة الأنترنت لتضاف كوثائق تاريخيّة إلى " حول التجربة التاريخيّة لدكتاتوريّة البروليتاريا " ( أفريل 1956 ) و " مرّة أخرى حول التجربة التاريخيّة لدكتاتوريّة البروليتاريا " ( ديسمبر 1956 ) " الثورة البروليتاريّة و تحريفيّة خروتشوف " و " حول مسألة ستالين " ( 1963) و هي وثائق متوفّرة بالعربيّة على موقع " الصوت الشيوعي " بمكتبة ماو للعرب . و نعوّل على الرفيقات و الرفاق و الأصدقاء و محبّى الحقيقة أن يمدّوا يد العون لنشر بقيّة وثائق صراع الماركسيّين – اللينينيّين الصينيين ضد التحريفيّة السوفياتية إن كانت لديهم تلك الوثائق باللغة العربيّة أو عثروا عليها بأيّة صورة من الصور ( و خاصة منها " أصل الخلافات و تطوّرها بين قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي و بيننا " و " هل يوغسلافيا قطر إشتراكي ؟ " و " خطّان مختلفان حول مسألة الحرب و السلم " المنشورة سنة 1963 و " شيوعية خروتشوف المزيفة و الدروس التاريخية التى تقدمها للعالم " سنة 1964 ) .
و لأنّ الوثائق التاريخيّة تحتاج بلا أدنى شكّ إلى تأطير وتحليل ، كان لا بدّ من تولّى مسؤوليّة صياغة هذا التأطير و التحليل إن لم نعثر على نصوص ماويّة تفى بالغرض . و مجدّدا كانت عمليّة البحث و التنقيب مثمرة إذ تكلّلت جهودنا بتوفير نصّ بالأنجليزيّة يتطرّق لموضوعنا بالذات فإنكببنا على ترجمته دون تأخير . و فى معرض مطالعاتنا و قراءاتنا لوثائق شتّى تتّصل بمحور هذا العدد من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " ، برزت أمامنا قراءة نقديّة ماويّة لإحدى أهمّ تلك الوثائق التى نضع بين أيدى القرّاء ، الوثيقة المنعرج العالمي فى ذلك الصراع ضد التحريفية السوفياتية ألا وهي " إقتراح حول الخطّ العام للحركة الشيوعية العالميّة " فلم نغادر مكاننا حتّى فرغنا منها و سرعان ما خرجنا بإستنتاج ضرورة تعريب القراءة النقديّة و تضمينها فى كتابنا هذا كمثال حيّ عن التعاطي النقدي المبدئي مع تراث الحركة الشيوعية العالمية من منطلق تطوير علم الشيوعية و تنقيته من الأخطاء فى صراع مستمرّ لا هوادة فيه من أجل الحقيقة التى تخوّل تفسير العالم تفسيرا علميّا صحيحا و تغييره من منظور الثورة البروليتارية العالمية وتحرير الإنسانيّة جمعاء .
و الوثيقتان التأطيريّة و النقديّة وردتا فى عدد من مجلّة " الثورة " ، مجلّة اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية ، صدر سنة 1979 و هي سنة مفصليّة فى دحض الماويّة للخوجيّة و تعميق تقييم التجارب الإشتراكية السوفياتية و الصينية بوجه خاص و مباشرة قطع الخطوات النضاليّة الأممية التى ستؤدّى إلى " بيان الحركة الأممية الثوريّة " لسنة 1984 كأساس لتجمّع نواة عالميّة للقوى الماويّة على الكوكب . و قد نهضت هذه النواة القياديّة الأمميّة الماويّة بمهام إيديولوجية و سياسيّة عظيمة إلى 2006 ، منها على سبيل الذكر لا الحصر إصدار 32 عددا من مجلّة " عالم نربحه " و تبنّى الماركسية – اللينينية – الماوية كعلم للثورة البروليتارية العالمية منذ 1993 ... و قد إنقسمت الحركة الأمميّة الثوريّة إلى إثنين و صراع الخطّين حول الخلاصة الجديدة للشيوعية التى تقدّم بها بوب أفاكيان رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية لم يخفت صوته على النطاق العالمي .
و بخصوص الوثائق التاريخية التى نسخنا و أعددنا للنشر على الأنترنت ، تجدر الإشارة إلى أنّنا لم ندخل ( و ما كان لنا أبدا أن ندخل ) تعديلات مهما كانت على كتب أو كتيّبات دار النشر باللغات الأجنبيّة بيكين حتّى حينما كانت مفردات مثل " إستعمار " مثلا لا تؤدّى المعنى المتداول حاليّا لكلمة " الإمبريالية " ، لا سيما فى الأوساط الماركسية . و قد يلاحظ القرّاء وجود تعابير فى تلك الوثائق لم تعد مستساغة الآن أو تراكيب جمل قد ينقدها البعض . و قد سعينا جهدنا هذه المرّة بوجه خاص لتفادي قدر المستطاع أخطاء النسخ التى أبلغنا مشكورين من أبلغونا بوجودها مبثوثة فى كتبنا السابقة التى لم تخضع للمراجعة و التصحيح . و إن تسرّبت ، مع ذلك ، أخطاء ما فنعوّل على سعة صدر القرّاء وتفهّمهم و نرحّب طبعا بتجشّمهم عناء تشخيص الأخطاء و إقتراح كيفيّة التصحيح ( و مراسلتنا فى الغرض ) . كما نرحّب ليس بنقد الشكل فحسب بل بنقد المضمون أيضا ، نرحّب بنقد تقديم الكتاب و أسلوب الكتابة و كذلك بنقد الأفكار التى وردت فى طيّاته .
و بالمناسبة ، نلمح إلى أنّ الوثائق التاريخيّة للحزب الشيوعي الصيني المدوّنة فى هذا الكتاب تعكس مدى تطوّر أفكار ماو تسى تونغ و القيادات الماويّة الثوريّة الأخرى فى تلك الأيّام و من الأكيد أنّ بعضها قد وقع تجاوزه بالتعميق لاحقا ، على غرار فهم الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية . فمع تواصل البحوث و التقييمات الماويّة للتجربة الإشتراكيّة فى الإتّحاد السوفياتي و مع خوض الصراع ضد التحريفية المعاصرة من السوفياتية إلى الأمريكية مرورا باليوغسلافية و الفرنسية و الإيطالية ... و ضد التحريفية الصينيّة فى صفوف الحزب الشيوعي الصيني ذاته ، و فى أتون الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى ، طوّر ماوتسى تونغ نظريّة و ممارسة مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا و قد يستغرق شرحها عشرات الصفحات و هذه المقدّمة ليست مجالها . و فى إرتباط بذلك ، تطوّرت نظريّات أخرى متّصلة بفهم العلاقة بين الإشتراكيّة والشيوعية ودور الوعي و الجماهير و صراع الخطّين صلب الحزب الشيوعي و ما إلى ذلك من تطويرات الماويّة للفلسفة و الإقتصاد السياسي و الإشتراكية بما هي المكوّنات الثلاثة للماركسية ، الشيء الذى سمح للماركسيّة – اللينينيّة بأن تحقّق قفزة نوعيّة لتصبح ماركسية – لينينيّة – ماويّة ، و الماويّة هي المرحلة الثالثة فى تطوّر الماركسية و اللينينيّة مرحلتها الثانية .
و منذ سنوات الآن ، إنقسمت الماويّة إلى إثنين و يجرى صراع خطّين عالمي صلب الماويّين بصدد تطوير الماركسية - اللينينيّة - الماويّة و محوره الخلاصة الجديدة للشيوعية التى تقدّم بها بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة . و قد أفردنا عدّة كتب لهذا الصراع المصيري فى هذا الظرف العالمي المتّسم بمفترق الطرق الذى تعرفه الحركة الشيوعية العالمية . و لا يفوتنا أن نلمح إلى أنّ ناظم الماوي قد خصّص هو الآخر كتابين للموضوع ذاته ، إنبرى فيهما يدافع بحماس عن هذه الخلاصة الجديدة للشيوعية و يتصدّى لمناهضيها و مهاجميها بنصوص جداليّة تستحقّ الدراسة و التمحيص و النقد .
و يحتوى هذا الكتاب العشرين - نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفيّة السوفياتيّة 1956 - 1963 : تحليل و وثائق تاريخيّة - أو العدد العشرين من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " على فصول ستّة و ملحق :

الفصل الأوّل : نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد خروتشوف : 1956 - 1963

الفصل الثاني : عاشت اللينينية !
- عاشت اللينينية !
- إلى الأمام على طريق لينين العظيم
- لنتّحد تحت راية لينين الثوريّة
الفصل الثالث : إقتراح حولالخطّ العام للحركة الشيوعية العالمية
الفصل الرابع : مدافعون عن الحكم الإستعماري الجديد
الفصل الخامس : سياستان للتعايش سلمي متعارضتان تعارضا تاما
الفصل السادس : قراءة نقديّة ل " إقتراح حول الخطّ العام للحركة الشيوعيّة العالميّة " الذى صاغه الحزب الشيوعي الصيني سنة 1963 "
الملاحق :
1- أحاديث هامّة للرئيس ماو تسى تونغ مع شخصيّات آسيويّة و أفريقيّة و أمريكيّة – لاتينيّة
2- حقيقة تحالف قادة الحزب الشيوعي السوفياتي مع الهند ضد الصين
--------------------------------------------------------