قرأنة ماركس، شكل لإلغاء طابع الثورية في الماركسية


عذري مازغ
2015 / 5 / 11 - 18:59     

الثورة في الفكر الماركسي، تعني قلب النظام الإجتماعي برمته، هو قلب سياسي وتحول السيطرة السياسية من طبقة اجتماعية إلى أخرى، بغض النظر عما إذا كان هذا القلب سلميا (وهو لا يتم إلا في دولة قطعت مراحل من وعي حضاري ينبذ العنف ) أو دمويا وهو ما يتم في دول أنظمة الحكم فيها تحكم بالعنف وقطع الأرقاب. لكن في كل الأحوال لا تسمى ثورة بدون هذا التحول الذي في قاعدته المادية تحول لنمط الإنتاج من علاقات إنتاج سائدة إلى اخرى تتشكل للسيادة، معنى هذا ان العلاقات الجديدة تتشكل لتعطي تميزا لمرحلة جديدة لذلك التحول هو مثلا نمط الإنتاج الإشتراكي الذي ميزناه سابقا في مقال خاص على أنه تحول للرأسمال الإقتصادي من يد الخواص إلى رأس مال الدولة، لقد قلنا بأن الدولة في نظام البلدان الرأسمالية باعتبارها شخص معنوي ليست دولة رأسمالية، بل هي دولة فيها الرأسماليون باعتبارهم أشخاص معنيون هم من يملكون وسائل الإنتاج يسيطرون في هذه الدولة، فهي دولة قمعية باعتبارها أداة سياسية في يد هؤلاء الرأسماليون منها يستمدون سلطتهم السياسية، لذلك ولتقريب الفهم ميزنا تلك الدول بكونها دول للرأسماليين بينما اعتبرنا الدول الإشتراكية، بما أنها تملك وسائل الإنتاج وتراكم الرأسمال كشخص معنوي هي الدولة الرأسمالية..باعتبار أن الدولة في هذا النظام هي من يملك الرأسمال، هذا الأمر ليس جديدا عند الماركسيين حتى ياخذه منتقدي الماركسية كما لو كان اكتشافا عظيما، بل انه لو أردنا مزايدة سديمة في الامر لاعتبرنا بوصف هجين رائع ما وقع في الإتحاد السوفياتي بأنها رأسمالية الطبقة البيروقراطية وليس حتى رأسمالية الدولة بدليل هذه السرعة الكبيرة في وجود رأسماليين خاصين بمجرد انهيار الإتحاد السوفياتي، إن حركة النقد من داخل الفكر الماركسي نفسه هي من كشفت الأمر وليس براعم البرجوازية العربية المبهورة..
وعودة إلى مقالنا حول " قرأنة ماركس"نشير إلى أن شكل إثارة الضرورة في تحجر فكر ماركس بإعادة كل انتاج الفكر الماركسي إلى نقطة الصفر، إلى ماركس بالتحديد في قراءات فقهية بئيسة تتأول نصوص ماركس لتنطلق من تأويلاتها الى التشكيك في مضمون الثورة في الفكر الماركسي، إن هذه القراءة بدئيا تهدف إلى إلغاء كل التراكم المعرفي وكل الإنتاج المعرفي الماركسي بكل اخطائه وبكل حسناته، انها تهدف تاليا إلى وضع ماركس موضع الشبهة (كونه وضع في كتابات خاصة موضع قديس او نبي أو ما إلى ذلك..)حيث يهدف هذا الإلغاء نفسه للجم كل ما هو متحرك في الفكر الماركسي.. إن مضمون هذه التهجمات هو إلغاء الطابع الثوري في الفكر وتحنيطه في قوة غيبية هي الإقتصاد، أي إلغاء السياسي برمته باعتباره هو الآلية المحركة في الصراع السياسي، وحينما يثار موضوع السياسي كونه يلعب الدور الرئيسي في الصراع الإجتماعي، ينظر للأمر كما لو كان تحريفا في الفكر الماركسي، بمعنى أن الحركة التحريفية نفسها بنزوع برجوازي تريد أن تكون تمثل أئمة التفسير في الفكر الماركسي بتمتين المكانة الإقتصادية، لا احد يشك في دور الإقتصادي، إنه يكثل قاعدة التحديد، إن التوجه السياسي نفسه هو انعكاس لبنية التحديد التي هي الإقتصاد، فهي تحدد السياسي بالشكل الذي هي نفسها تتحدد به، إن نمط الإنتاج هو المحدد لكل البناء الإجتماعي، إنه أيضا هو الموجه السياسي لهذا البناء، لكن الذي يحافظ على هذا النمط هو أيضا السياسي، هذا ما نقصد به بأنه يحدد السياسي بالشكل نفسه الذي هو يتحدد به، ومعنى هذا أن مثلا في نمط الإنتاج الرأسمالي الذي يحدد وجود طبقات متفاوتة قاعدتها العامة هي طبقات مالكة لوسائل الإنتاج وأخرى بائعة لقوتها العملية، تسعى الطبقة المالكة إلى تأبيد تملكها لوسائل الإنتاج كشكل من سيطرتها الطبقية وذلك بإعادة إنتاج علاقات الإنتاج الرأسمالية التي تبقي تأبدها، الأمر نفسه حتى في النظام الإشتراكي، فهو ينتج إعادة إنتاج الوسائل التي يبقى بها مسيطرا، أي أنه ينزع إلى تأبيد ملكية وسائل الإنتاج في يد الدولة، إن السياس هو الذي يبقي هذه العلاقة من السيطرة الطبقية في هذا الشكل او ذاك باعتباره قوة واعية يمتلكها الناس، أي أن الناس، في انتمائهم الطبقي واستنادا إليه هم من يقررون بقاءه أو تغييره، إن الطبقة الرأسمالية في الأنظمة الرأسمالية تسعى دوما إلى تأبيد تملك علاقات الإنتاج في يدها، بينما الطبقة العاملة تنزع إلى نزعها، أو هي في أحوال اجتماعية اقتصادية معينة تسعى إلى نزع بعض منها في مرحلة تعرف سيطرة مطلقة للرأسمالية، بينما الأمر يختلف في وجود طبقة بيروقراطية كالأنظمة الشمولية، فهذه الطبقة، بما راكمته موضوعيا من خلال هيمنتها على القرار السياسي في الدولة الشمولية، بميل غريزي، تنزع أن تظهر على حقيقتها الرأسمالية حفاظا على ما راكمته خلال هيمنتها البيروقراطية، وهذا راجع أساسا لغياب الديموقراطية التشاركية في نظامها السياسي ، أي انها، عبر مسار تراكمي لهيمنتها على القرار السياسي، تجد في الديموقراطية التشاركية، باعتبارها ديموقراطية اشتراكية، القرار فيها للجماهير، تجد نفسها مهددة بضياع كل ما راكمته من امتيازات اجتماعية تضعها مهيمنة، وهنا عندما ننتقد، النظام الإشتراكي في الدولة السوفياتية، ننتقد بالتحديد هذا الشكل الذي فيه نخبة معينة هي من يسيطر في القرارات السياسية، وبالتالي ننتقد حتى هذا الشكل البنائي للحزب الشيوعي في هذا النظام استنادا إلى تفاوت الوعي السياسي بين فئات المجتمع بوجود طليعة واعية وطليعة غير واعية. هذا الشكل التاريخي للوعي، وهو حقيقي في الأمر الواقع، هو ما ادى إلى ظهور الدولة الشمولية في النظام السوفياتي، فهو عبر التراكم الموضوعي تاريخيا أدى إلى ظهور طبقة بيروقراطية تنزع ميليا، بفعل امتيازاتها، أن تظهر كمالكة للدولة من حيث هي دولة رأسمالية، أي دولة تملك وسائل الإنتاج استنادا إلى هذا التمييز الذي نفترضه نظريا بين دولة راسمالية ودولة رأسماليين كما في النظام الرأسمالي .
إن النزوع الإقتصادوي في فكر الذين يرون أن الإقتصاد هو المقرر، باعتبار فشل التجربة السوفياتية، استنادا على معطيات اقتصادية، ينكرون ببساطة هذه السيطرة البيروقراطية المتميزة في المجتمع السوفياتي بوضعها في قلب المشكلة، وبتحييدها من مساهمتها الفعلية التاريخية كطبقة متماثلة بالرأسمالية من حيث هي راكمت عبر القرار السياسي امتيازات اجتماعية جعلتها وريثة للدولة السوفياتية، أي وريثة لرأسمال الدولة. إن الإقتصاد أو بعبارة أخرى، المستوى الإقتصادي في بنية نظام الإتحاد السوفياتي، ليس هو المسؤول على انهياره، بل المسؤول الأول والأخير هو وجود طبقة تكونت خلاله، من حيث راكمت امتيازات بيروقراطية، بميل غريزي منها، وجدت انها ليست طبقة العمال عكس ما يدعيه الرفاق الستالينيون، بل هي طبقة رأسمالية حقيقية، ساعد على ظهورها بنية الحزب الشيوعي نفسه باعتباره حزب شمولي أفرز طبقة طليعية (بين قوسين طبعا) وطبقة غير طليعية، تلك الطبقة الطليعية هي من يشكل الآن طبقة الراسماليين في بلدان الإتحاد السوفياتي.
إن لينين كان ذكيا جدا، وكان يعرف من اين تؤكل الكتف، كان يعي تماما الدور الذي يلعبه السياسي في المجتمع، إن الثورة ببساطة هي تحويل بالعنف للمستوى الإقتصادي ، إن هذا التحول في ظروف خاصة، يراكم فيها الوعي السياسي مستوى عالي من التحضر، يمكنه أن لا يكون عنفا دمويا، بل في أحسن الحالات عنفا على وسائل الإنتاج بتحولها من ملكية خاصة إلى ملكية جماعية.. لكن هذه الحركة الثورية الغير العنيفة لا يريدها أقزام الفكر البرجوازي ممن يقتاتون على فتات الرأسماليين، هذا ببساطة هو كنه المشكلة