مابعد بغداد:انقلاب البيئة الاقليمية –


محمد سيد رصاص
2005 / 9 / 28 - 13:56     

- حصل تغيير جذري في البيئة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط , بعد سقوط العراق بيد واشنطن ,أدى إلى اختلاف الوضع عما كان عليه في فترة الربع قرن الأخيرة: كما حصل في فترة ما بعد سقوط كابول بيد الأمريكان عام 2001 من أخذ واشنطن لحرية حركة أكبر تجاه الجوار الإقليمي لأفغانستان ( باكستان – إيران – الصين – روسيا ) بعد التغييرات الجغرافية - السياسية الحاصلة (عقب سيطرة الأمير كان على آسيا الوسطى السوفيتية السابقة و منطقة القوقاز بالترافق مع العملية الأفغانية ) على حساب دول الجوار الإقليمية تلك – فإن سقوط بغداد ( 9 نيسان 2003 ) قد عزٌز من الاندفاعية العدائية الأمريكية حيال ايران باتجاه إضعاف دورها الإقليمي (رغم أن طهران قد كانت من الكاسبين الكبار من العملية التي أسقطت فيها واشنطن حكم صدام حسين وأفضت إلى تولي الشيعة الموالين لايران زمام الأمور في بلاد الرافدين) و دشن نظرة جديدة من الأمريكان تجاه كلٍ من سوريا والسعودية و دورهما في المنطقة .
بدأ ذلك تجاه الرياض مباشرة بعد( 11 أيلول 2001 ) عندما تم الربط الاميركي بين ارهاب بن لا دن مع المذهب الوهابي، و البيئة الدينية و الجو الثقافي – التعليمي الموجودان في السعودية‘ فيما يبدوا أن سحب الأمريكان لقواتهم من السعودية عقب سقوط العراق في أيديهم , يحمل أكثر من المعنى العملياتي ليصل إلى رمزية سياسية تؤشر إلى تناقص وزن السعودية الوظيفي في إستراتيجية الولايات المتحدة للمنطقة بعد احتلالها العراق ،إضافة إلى كون الأخير يقوم على بئر نفطي يوازي ( إذا لم يفوقه كاحتياطي وفق دراسات غربية عديدة ) ما هو موجود في السعودية من بترول‘ و هو أمر منطقي من الناحية الجيوسياسية حيث لم تأخذ السعودية وزنها الإقليمي الفاعل في الإستراتيجية الغربية و بالذات ضد عبد الناصر إلا بعد أن ذهبت بغداد بعيداً عن الغرب في 14 تموز 1958 و ما بعده , بعد أن كانت الأخيرة قائمة بهذا الدور في عهد نوري السعيد .
لم يكن التعويم للدور الإقليمي السوري منذ عام 1976 , في الإستراتيجية الغربية ( و إلى حد " ما " السوفيتية )‘ بعيداً عن العين الأمريكية الساهرة تجاه إمكانية العراق على خلافة مصر عبد الناصر في الزعامة العربية و خاصة بعد تحرره في آذار 1975 من الهم الإيراني و الجرح الكردي بعد أن استعمل الأخير كثيراً من قبل كيسنجر ضد بغداد في النصف الأول من السبعينيات و خاصة بعد الدور العراقي في حرب 1973 : في هذا الإطار , كان واضحاً للمخططين الاستراتيجيين الأمريكان ( و من خلفهم مستشاريهم الإنكليز والإسرائيليين) بأن فعالية العرب , بعد ذهاب مصر و انكفائها مع ( كمب دافيد ) , تقوم على لقاء " ما " بين بغداد و دمشق , و هو ما فشل لأسباب ذاتية تتعلق بالنظامين الحاكمين في عامي 1978- 1979 , ليعودا إلى التصادم و الصراع عبر دعم العراق للمعارضة السورية المسلحة في أعوام 1979-1982 ,و عبر دعم النظام السوري للإيرانيين في حربهم ضد العراق , الشيء الذي تفاقم في لبنان 1989 عبر دعم العراق للعماد ميشال عون , وصولاً إلى مشاركة النظام السوري في التحالف الدولي ضد العراق في حرب 1991.
عنى احتلال العراق من قبل واشنطن، في عام 2003 , انتهاءً لتلك الوظيفية الإقليمية التي قامت بها دمشق تجاه بغداد , و بالتالي فقدان النظام السوري لإحدى أهم أوراقه الإقليمية في ربع القرن السابق لذلك , بعد أن فقد الورقة الفلسطينية ( 1993 ) وورقة أكراد تركيا (1998) بالترافق مع اهتزاز الورقة اللبنانية بين يديه منذ عام 2000 .
لا يمكن تفسير التوترات الأمير كية تجاه دمشق , في الأسبوعين اللاحقين لسقوط بغداد، من دون ذلك , فيما كانت عودة واشنطن إلى تحريك التوتر مع دمشق في أيلول 2003 , بعد هدوء حصل عقب زيارة الوزير باول لدمشق في أيار 2003 , تعبيراً عن وجود رؤية جديدة لدور النظام السوري بالمنطقة باتجاه التحجيم قياساً على دوره السابق , و هو ما عبر عنه ليس فقط الضوء الأخضر الذي أعطته إدارة بوش لقانون " محاسبة سوريا " بعد ممانعة استمرت عاماً و نصف , و إنما أيضاً الغطاء الأمير كي الواضح للغارة الإسرائيلية على عين الصاحب (5ت 1/2003).


دلََت توترات العلاقات السورية الأمير كية، في خريف عام 2003 , على أن السلطة السورية لم تستطيع، بعد، أن توجد معادلة للتكيف مع الحقائق الإقليمية الجديدة الناتجة عن تحول الولايات المتحدة إلى " جار حدودي " عند الحدود الشرقية لسوريا ,ليزيد ذلك عبر معركة التمديد للرئيس اللبناني,في صيف 2004, والتي عبرت عن حذر وقائي من د مشق , أخذ شكلا من التمسك السوري بالاستاتيكو اللبناني القائم, أمام العاصفة الأميركية التي اختارت تحجيم الدور الاقليمي السوري عبر بوابة بيروت تماماَ كما اختارت واشنطن,في صيف 1976,اعطائه حجماَ اقليمياَ كبيرأ من خلال نفس البوابة في ظرف تنامي قوة العراق الاقليمية واستقالة مصر من شؤون آسيا العربية .

أتى القرار 1559في هذا الإطا ر بعد سنة وخمسة أشهر من انتهاء الدور الاقليمي العراقي وتحول ذلك البلد العربي إلى ارض محتلة ,وكانت حوافزه المشجعة عدم التجاوب السوري مع المتطلبات الأميركية في العراق : لم يكن ماجرى في (بيروت مابعد 14شباط 2005) اكثر من استمرارية لذلك التوجه الأميركي ,الذي وجد ,بعد ذلك التاريخ,بيئة لبنانية محلية تتجه بغالبيتها إلى الميل نحو انهاءالوجود السوري في لبنان .
تعَدلت المواقف الأميركية كثيرا حيا ل السعودية في عام 2005 با لقيا س إلى ماظهرمن مواقف عدائية تجاه الرياض من أقطا ب المحافظين الجد د الحاكمين في واشنطن خلال النصف الثاني من عام 2003 , وساهم في ذلك ظهور المعارضة المسلحة بالسعودية التي كان واضحاً بصمات ابن لادن عليها ,إضافة إلى ان حقائق الصدام الأميركي-الايراني تفرض ثقلها على واشنطن باتجاه موقف أميركي مختلف عما أظهره ريتشارد بيرل ودوغلاس فا يث من مواقف أوحت بوجود سياسة أميركية جديدة بعد سقوط بغداد تختلف عن كل ماظهر إثر تلك القمة التي جمعت الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت في عام 1945 , وخاصة ان ذلك الصدام قد أتى عبر مبادرة هجومية ايرانية, بعد حسم الصراع الداخلي هناك لصالح المحافظين,انبنت على حسابات تحاول استثمار المصاعب الأميركية في العراق وتركيز واشنطن على استهداف دمشق عبر بيروت,للوصول إلى القنبلة النووية-بعد التراجع مع انتخاب الرئيس نجاد عن قرار طهران بايقاف تخصيب اليورانيوم المتخذ في شهر (ت2/2003)- والتي من الممكن ان تجعل العرب محصورين بين قنبلتين نوويتين في طهران وتل أبيب مثلما كان الاوروبيون بين موسكو وواشنطن في فترة الحرب الباردة.
يلاحظ في السنتين الماضيتين استمرار اميركي في تعزيز( اواصطناع) ادوار اقليمية لجيران صغار لدول اقليمية كبيرة ,مثل قطر واليمن والأرد ن,فيما حا فظت تركيا على مكانتها عند واشنطن .
السؤال الرئيسي الآن : هل سينطبق ماجرى لأنقرة على تل أبيب والقاهرة , أم لا؟ ...