المناضل المثال والمناضل الانتهازي أو جدلية البناء والهدم في الإطار المناضل.....2


محمد الحنفي
2015 / 4 / 27 - 23:22     

ونحن عندما نطرح ظاهرة (المناضل) الانتهازي للنقاش، نجد أن هذه الظاهرة، تفشت في معظم الإطارات، التي تعتبر نفسها (مناضلة)، بسبب الفساد الذي امتد إليها، والتي صارت في واقعها، الذي يعرف تفشي أمر الانتهازيين، الذين صاروا مسؤولين عن معظم إطاراتها، محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا، نظرا لعدم تفعيل مبادئ المركزية الديمقراطية، والنقد، والنقد الذاتي، والمحاسبة الفردية، والجماعية، والديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، والوحدوية، والكونية، والشمولية؛ لأن عدم تفعيل المبادئ المذكورة، يخدم مصالح (المناضل) الانتهازي المسيطر على التنظيم، في أي مستوى من مستوياته، ويساهم في تحقيق تطلعاته الطبقية. وعدم تفعيل المبادئ المذكورة، يحافظ على تكريس كل أشكال الفساد، في الإطارات الجماهيرية، والحزبية، وباسمها، وفي العلاقة مع العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ومع ا|لإدارة في القطاعين: العام، والخاص.

فما هي العلاقة القائمة بين المناضل المثال، و(المناضل) الانتهازي؟

وما هي الأهداف التي يسعى كل منهما إلى تحقيقها؟

إن العلاقة القائمة بين المناضل المثال، و(المناضل) الانتهازي، هي علاقة تناقض على المستوى العام، وعلى المستوى الخاص، مما يجعل ما يجمع بينهما غير وارد، وما يفرق بينهما هو القائم في الواقع، وفي التنظيمات الجماهيرية، والحزبية. وهذا التناقض تجسد في:

1) أن المناضل المثال، مناضل مبدئي، محترم للمبادئ المعتبرة في التنظيم، وملتزم ببرنامجه النضالي، وبنظامه الأساسي، والداخلي، ويسعى إلى تحقيق الأهداف النضالية المسطرة، ويرتبط بالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يستفيدون من الأهداف، في حال تحققها.

2) أن (المناضل) الانتهازي، لا مبدئي، ولا يحترم مبادئ التنظيم، ولا يحترم برنامجه، ونظامه الأساسي، والداخلي، ولا يسعى إلى تحقيق أهداف التنظيم، ولا يرتبط بالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يصيرون محرومين من تحقيق أهداف التنظيم.

3) أن المناضل المثال، يناضل في إطار التنظيم، من أجل خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، مقدما في سبيل ذلك كل التضحيات المادية، والمعنوية، التي يقتضيها النضال، متناسيا مصالحه الخاصة، التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من مصالح الكادحين.

4) أن (المناضل) الانتهازي، لا يناضل في إطار التنظيم، الذي يصير موظفا لخدمة مصالحه الخاصة، متنكرا، بذلك، لمصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين لا يبذل من أجلهم أي شكل من أشكال التضحية، التي تتناقض مع خدمة مصالحه الخاصة.

5) أن المناضل المثال، يلتزم بمبادئ المركزية الديمقراطية، والنقد والنقد الذاتي، والمحاسبة الفردية، والجماعية، والديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، والوحدوية، والكونية، والشمولية، باعتبارها هي التي تمكن المناضلين الأوفياء، من تحصين التنظيم الجماهيري، والحزبي، من الانحلال، والتشرذم، وبصيرورته مجالا لممارسة كافة أشكال الانتهازية، التي تهدد وجوده، وفي نفس الوقت، تحافظ على الوحدة التنظيمية، التي تقف وراء قوة التنظيم، وقدرته على الفعل في الواقع المعني، ولصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

6) أن (المناضل) الانتهازي، لا يلتزم بأي مبدإ من المبادئ المذكورة، التي يدوسها جملة، وتفصيلا. والمبدأ الحاضر عنده، هو كيف يوظف التنظيمات الجماهيرية، والحزبية، لخدمة مصالحه الخاصة، وكيف يجعلها مطية لتوظيف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين من أجل ذلك، وكيف يمكن أن يؤدوا دورهم في خدمته، وفي قيامه بالتأثير على الإدارة في القطاعين: العام، والخاص، حتى تخضع لمطالبه التي تحقق تطلعاته الطبقية، مهما كانت طبيعتها، بما في ذلك المطالب الدنيئة، والمنحطة، من قبيل الحصول على الرشاوى، في مقابل ما يقوم به من توظيف للإطارات الجماهيرية، والحزبية، ومن قيام مسؤولي الإدارة في القطاعين: الخاص، والعام، ممن اشتهروا بقيامهم بالانتهاكات الجسيمة في حق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

7) أن المناضل المثال، يحرص على خدمة مصالح التنظيم، ومصالح المعنيين بالتنظيم، الذي وجد في الأصل من أجلهم، وعلى تفعيل التنظيم، من أجل تحقيق المطالب الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وعلى جعل حقوق الإنسان، في متناول الجميع، حتى تصير جميع المطالب، وكافة الحقوق، في متناول الجميع، ومن أجل أن يتغير الواقع الذي يعتبر في خدمة الكادحين.

8) أن (المناضل) الانتهازي، لا يحرص على خدمة مصالح التنظيم، كما لا يحرص على خدمة مصالح المعنيين به، ولا يعمل على تفعيله، حتى لا يعمل على تحقيق المطالب الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وحتى لا تصير حقوق الإنسان في متناول الجميع، ومن أجل أن يبقى الواقع، كما هو، لا يتغير، ويستمر في التدهور الذي لا حدود له، مما لا يخدم إلا مصالح (المناضل) الانتهازي، الذي يعتبر وجوده مظهرا من مظاهر تخلف الواقع على جميع المستويات.

وما أشرنا إليه من مفارقات بسيطة، بين المناضل المثال، و(المناضل) الانتهازي، إنما يتبين، وبالملموس، أن ما يجمع بينهما، هو التناقض المطلق، حتى وإن كانا ينتميان معا إلى نفس التنظيم الحزبي، أو الجماهيري، خاصة، وأن كلا منهما يسعى إلى تحقيق أهداف معينة، مما يجعل المناضل المثال، يحرص على تحقيق أهداف التنظيم المتماسك، بقيادة جماعية، في خدمة مصالح الجماهير الشعبية الكادحة، ويجعل (المناضل) الانتهازي في خدمة التنظيم المتفكك، وبقيادة فردية، حتى يصير الأمر كله بيد (المناضل) الانتهازي، الذي لا يستطيع فعل أي شيء، إلا بإذن منه، وبإرادته، وتنفيذا لأوامره، باعتباره القائد الذي لا يشق له غبار، كما يقولون.

والأهداف التي يسعى كل منهما إلى تحقيقها تتمثل في:

أولا: الأهداف التي يسعى المناضل المثال إلى تحقيقها في الواقع، والتي نذكر منها:

1) تقوية التنظيم، حتى يصير قادرا على أداء دوره تجاه الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، سواء كان هذا التنظيم جماهيريا، أو حزبيا؛ لأن أي تنظيم، إذا كان ضعيفا، لا يستطيع أن يقوم بدوره كاملا، وكما يجب.

2) إشاعة التنظيم في صفوف الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، من أجل الانخراط في التنظيم، والعمل على تفعيله، من أجل تحقيق أهدافه القريبة، والمتوسطة، والبعيدة.

3) تربية العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، على احترام مبادئ التنظيم، وعلى احترام الآليات الديمقراطية، وعلى خضوع الأقلية لإرادة الأغلبية.

4) جعل التنظيم وسيلة للتربية على الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يصير المعنيون بالتنظيم، وسيلة لإشاعة الديمقراطية بمضامينها المذكورة في المجتمع، وصولا إلى تربية جميع أفراد المجتمع، على الممارسة الديمقراطية.

5) تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وصولا إلى تحقيق السلم المتحرك، الذي يجعل الأجور منسجمة مع ارتفاع الأسعار المادية، والخدماتية.

6) تحقيق التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، مما يساهم، بشكل كبير، في تغيير الواقع لصالح الجماهير الشعبية الكادحة، وفي قلب موازين القوى لصالحها، حتى تستطيع فرض السيادة الشعبية، التي تمكن الشعب من تقرير مصيره الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

7) بناء الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية، باعتبارها دولة للحق، والقانون، ومن منطلق كونها إفرازا لواقع التغيير الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، لصالح الجماهير الشعبية الكادحة، ومن أجلها، حتى تقوم الدولة بدورها كاملا، في قيادة عملية التغيير الجذري، المؤدي بالضرورة إلى اجتثاث كل أشكال الفساد.

8) إقرار دستور ديمقراطي شعبي، تصير فيه السيادة للشعب، ويقر الفصل بين السلطات الثلاث، ويضمن إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، وتحت إشراف هيأة مستقلة، غير منحازة إلى أية جهة، على أساس القطع النهائي، مع كل اشكال الفساد، التي كانت تعرفها الانتخابات التي تديرها (الحكومة).

9) الإجراء العملي للانتخابات الحرة، والنزيهة، تحت إشراف هيأة مستقلة، بعيدا عن كل اشكال الفساد السياسي، التي عرفتها الانتخابات في العهود السابقة، تحت إشراف (الحكومة) المتمثلة في وزارة الداخلية، من أجل إيجاد مؤسسات تمثيلية، وجهوية، ووطنية، تعكس الاحترام التام للإرادة الشعبية، حتى تستطيع تلك المجالس القيام بدورها، في مراقبة المسؤولين، ومحاسبتهم، وفي تشريع القوانين، واتخاذ القرارات الضرورية، التي تقتضيها خدمة مصالح الجماهير الشعبية الكادحة.

10) إيجاد حكومة شعبية، تصير مهمتها تطبيق القوانين، التي تخدم مصالح الشعب الكادح، وتنكب على إيجاد الحلول الناجمة عن المشاكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، انطلاقا من الدستور الديمقراطي الشعبي، ومن القوانين المعمول بها، والتي لا تكون إلا متلائمة مع مضامين الدستور، ومع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى تصير الجماهير الشعبية الكادحة، متمتعة بكافة حقوقها العامة، والخاصة، في ظل قيام دولة وطنية ديمقراطية علمانية.

وهذه الأهداف، وغيرها مما لم نذكر، هي التي تجعل المناضل المثال، يقوم بدوره لصالح الجماهير الشعبية الكادحة، ومن أجلها.