مساهمات تفاعلية- موجز مصادر الماركسية وأقسامها المكونة الثلاث


أنيس سعدات
2015 / 4 / 13 - 23:52     

– ملاحظة هامة-
تأتي كتابتنا لهذه المساهمات كتفاعل منا مع الرفاق الراغبين في بناء ذواتهم الثورية، فلا يمكن تجاوز مرضيات الثقافة المُسيدَة والأفكار التحريفية، خارج بناء ذات ثورية مثقفة وملمة بنظام نظرات ومذهب ماركس – الماركسية -، بوصفها نظرية الحركات العمالية وبرنامجها في جميع بلدان العالم.
لذا فإننا نقدم لرفاقنا الماركسيين ورقات "مساهمات تفاعلية"، كلمحات موجزة لمؤلفات منظري الماركسية العظماء ( كارل ماركس، فريدريك انجلز، فلاديمير لينين، جوزيف ستالين، وماو تسي تونغ)، ومن الضروري على الرفاق إلى جانب هذه الورقات الإطلاع على النقاشات في نسختها الأصلية.

مصادر الماركسية وأقسامها المكونة الثلاثة
1- مصادر الماركسية:
الماركسية هي نظام نظرات ومذهب ماركس. وقد ولد مذهبه بعد مرحلة طويلة من صيرورة تطور الفكر الإنساني، بوصفه التتمة المباشرة والطبيعية لمذهب أعظم ممثلي الفلسفة الكلاسيكية الألمانية والاقتصاد السياسي الإنجليزي والاشتراكية الفرنسية، التي أبدعها القرن الثامن عشر ضد كل نفايات القرون الوسطى.
وإننا سنتناول بإيجاز مصادر الماركسية الثلاث، والتي هي في نفس الوقت أقسامها المكونة الثلاث.
- الفلسفة الكلاسيكية الألمانية
- الاقتصاد السياسي الإنجليزي
- الاشتراكية الفرنسية


الفلسفة الكلاسيكية الألمانية
لقد دافع ماركس وانجلز بكل حزم عن المادية الفلسفية، وبينا مرارا عديدة أن الانحرافات عن هذا الأساس خاطئة بصورة فادحة، فالفلسفة بالنسبة لماركس ليست شيئا في السماء بل إنها في الأرض.
وقد عمق ماركس المادية الفلسفية وطورها من معرفة الطبيعة إلى معرفة المجتمع البشري، فماركس لم يتوقف عند مادية القرن الثامن عشر، بل دفع الفلسفة خطوات إلى الأمام فأغناها بمكتسبات الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ولا سيما فلسفة هيغل، التي قادت بدورها إلى مادية فورباخ، وأهم هذه المكتسبات ديالكتيك هيغل الذي يعتبر أساس فكر ماركس، وقد قال انجلز في هذا الصدد "لولا الفلسفة الألمانية لما كانت هناك اشتراكية علمية"، فالماركسية هي نظرية شاملة تعنى بدراسة المادة، وباعتبار المجتمع شكل معقد من أشكال المادة، فهي ترى بأن الديالكتيك يسري أيضا على أي مجتمع، على اعتبار أن الديالكتيك هو نظرية التطور بأكمل مظاهرها وأشدها عمقا وأكثرها بعدا عن أحادية الجانب، على اعتبار أن المعرف الإنسانية نسبية، كونها تعكس المادة في تطورها الدائم.
الاقتصاد السياسي الإنجليزي
بعدما أكد ماركس أن مختلف الآراء والمذاهب الفلسفية والدينية والسياسية إلخ، تقوم كبناء فوقي ناتج عن نظام المجتمع الاقتصادي، اتجه ماركس في صياغة نظريته إلى دراسة الاقتصاد السياسي .
لقد تكون الاقتصاد السياسي الكلاسيكي ما قبل ماركس في انجلترا، وكان قد سجل ادم سميت ودافيد ريكاردو بداية نظرية قيمة العمل، وواصل ماركس عملهما فعلل هذه النظرية بدقة وطورها بصورة منسجمة، وبين أن قيمة كل بضاعة منوطة بوقت العمل الضروري لإنتاجها.
وحيث كان الاقتصاديون البورجوازيون قد كشفوا عن علاقات بين الأشياء (مبادلة بضاعة بأخرى)، اكتشف ماركس علاقات بين الناس، حيث تغدوا قوة عمل الإنسان بضاعة، فالعامل يبيع لصاحب المعمل قوة عمله، والعامل في ضل النظام الرأسمالي يستخدم قسم من يوم العمل (الأجرة) لتغطية نفقاته ونفقات أسرته، والقسم الأخر للشغل مجانا خالقا للرأسمالي قيمة زائدة تتراكم لإثراء الطبقة الرأسمالية.


الاشتراكية الفرنسية
خلال عملية تطور أشكال المادة تتطور وسائل الإنتاج مما يفرض بالضرورة تطور علاقات الإنتاج، فعندما دك النظام الإقطاعي ورأى المجتمع الرأسمالي النور، تبين فورا أن هذه الحرية تعنى نظاما جديدا لاضطهاد الشَغيلة واستثمارهم.
وفورا أخذت تنبثق شتى المذاهب الاشتراكية انعكاسا لهذا لاضطهاد واحتجاجا عليه، وبالأخص في فرنسا ( كانت القوى الثورية هناك تولي أهمية خاصة لاشتراكية برودون)، ولكن الاشتراكية البدائية كانت اشتراكية طوبوية. حيث كان أصحابها يعتقدون بأنه يكفي إقناع الحكام والطبقات السائدة بجور النظام الاجتماعي القائم من أجل إقامة السلام والرفاه الشاملين على الأرض.
فقط مادية ماركس الفلسفية دلت البروليتاريا على الطريق الواجب سلوكه للخروج من العبودية الفكرية التي كانت تتخبط فيها حتى ذاك جميع الطبقات المظلومة. فقط نظرية ماركس الاقتصادية أوضحت وضع البروليتاريا الحقيقي في مجمل النظام الرأسمالي.
وكما أن الأسباب المادية هي في أساس جميع ظاهرات الطبيعة، كذلك تطور المجتمع البشري مشروط بتطور القوى المادية، المنتجة، وفي هذا نجد التفسير لجميع ظاهرات الحياة الاجتماعية. ومن عبقرية ماركس أنه كان أول من استخلص هذا الاستنتاج الذي ينطوي عليه التاريخ العالمي، وطبقه بصورة منسجمة إلى النهاية. وهذا الاستنتاج هو مذهب النضال الطبقي وأن كل نضال طبقي هو نضال سياسي، وأكد على أن البروليتاريا في صراعها الطبقي ستساعد نفسها بنفسها.

2- أقسام الماركسية
1- المادية الفلسفية
كان أن كتب هيغل في مؤلفه ضد "لودفيغ فورباخ". "أن المسألة الأساسية العظمى في كل فلسفة، ولاسيما الفلسفة الحديثة، هي مسألة علاقة الفكر بالكائن، أو علاقة العقل بالطبيعة، أيهما يسبق الأخر، العقل أم الطبيعة، وكان الفلاسفة تبعا لإجابتهم على هذا السؤال قد انقسموا إلى معسكرين كبيرين: فأولئك الذين كانوا يؤكدون أولوية العقل على الطبيعة ويقبلون على هذا النحو، في أخر تحليل، بخلق العالم، أي كان نوع هذا الخلق، ألفوا معسكر المثالية، والآخرون، الذين كانوا يعتبرون الطبيعة المنشأ الأساسي، انتموا إلى مختلف مدارس المادية".
وكان هيغل ينتمي إلى الفلسفة المثالية حيث يرى أن عملية التفكير التي يحولها حتى تحت اسم الفكرة إلى ذات مستقلة، هي الخالق الصانع للواقع، أي أن الأشياء وتطورها – الواقع- هي صور تعكس فكرة كانت موجودة في مكان ما قبل وجود العالم. أي أن أفكار دماغنا لم تكن، في نظره، انعكاسات عن الأشياء والتطورات الواقعية.
ووفقا للفلسفة المادية فإن ماركس يرى على العكس من ذلك. أن "المثالي ليس سوى المادي منقولا إلى دماغ الإنسان ومحولا فيه"، ووفقا له فإن وحدة العالم ليست في كيانه، بل في ماديته، وهذه المادية قد أتبثها تطور طويل وشاق للفلسفة وعلوم الطبيعة .. وإذا تساءلنا عن ماهية الفكر والمعرفة، وعن مصدرهما وجدنا أنهما نتاج دماغ الإنسان الذي هو أيضا، عند أخر تحليل، نتاج الطبيعة، ليس في تناقض بل في انسجام مع سائر الطبيعة.
كان ماركس قد أصبح ماديا منذ أن صار من أتباع "فورباخ" وقد كتب انجلز "لقد أصبحنا نحن –الهيغليين اليساريين بمن فيهم ماركس- دفعة واحدة، من أتباع فورباخ"، وكان لودفيغ فورباخ قد أخذ منذ 1836 يوجه النقد إلى علم اللاهوت ويتوجه نحو المادية التي أحرزت الغلبة نهائيا عنده سنة 1841 (كتاب "جوهر المسيحية")، لكن العيب في المادية القديمة، وفي جملتها مادية فورباخ،هو كونها في نظر ماركس وانجلز ميتافيزيائية بمعنى أنها منافية للديالكتيك ولم تكن تطبق وجهة نظر التطور من جميع نواحيها على نحو منسجم إلى النهاية، فكانت تفهم جوهر الإنسان على نحو تجريدي لا بمثابة مجموعة العلاقات الاجتماعية كافة، التي يحددها التاريخ على نحو ملموس، فلم تقم إلا بتفسير العالم دون تغييره. إن المادية القديمة لم تدرك النشاط العملي الثوري.
ولهذا فقد واصل ماركس وانجلز التتمة المباشرة والطبيعية للفلسفة الألمانية الكلاسيكية، ورأيا في ديالكتيك هيغل أكثر مذاهب التطور شمولا وأوفرها مضمونا، واعتبراه أثمن اكتساب حققته الفلسفة الألمانية، وخلصا إلى أن الأمور في الطبيعة تسير، في أخر التحليل، على النحو الديالكتيكي، لا على النحو الميتافيزيائي.
فالفلسفة الديالكتيكية ترى على كل شيء وفي كل شيء، خاتم الهلاك المحتوم، وليس ثمة شيء قادر على الصمود في وجهها غير الحركة التي لا تنقطع، فلا توجد في أي مكان ولن توجد أبدا حركة بدون مادة ولا مادة بدون حركة، وليس ثمة شيء قادر على الصمود في وجهها غير الحركة التي لا تنقطع، حركة الصيرورة والفناء، حركة التصاعد أبدا دون توقف من الأدنى إلى الأعلى، وهذه الفلسفة نفسها ليست إلا انعكاس هذه الحركة في الدماغ المفكر. فالديالكتيك هو في نظر ماركس، علم القوانين العامة لحركة العالم الخارجي والفكر البشري على السواء.
كان إدراك ماركس لخلو المادية القديمة من الديالكتيك، وعدم اكتمالها، وطابعها الوحيد الجانب، واكتشاف المفهوم المادي للتاريخ، قد آل إلى الاقتناع بضرورة جعل علم المجتمع منسجما مع الأساس المادي، وإعادة بنائه وفقا لهذا الأساس، وذلك بتطبيق وتوسيع المادية بدأب وانسجام حتى تشمل ميدان الظواهر الاجتماعية عن طريق دراسة واسعة شاملة لعملية نشوء تشكيلات المجتمع الاقتصادي وتطورها وانحطاطها، وذلك بتحليل مجمل النزاعات المتناقضة وردها إلى ظروف المعيشة والإنتاج، كونها المؤثر في الوعي الاجتماعي، فالناس أثناء الإنتاج الاجتماعي لحياتهم، يقيمون فيما بينهم علاقات معينة ضرورية، مستقلة عن إرادتهم وتطابق علاقات الإنتاج هذه درجة معينة من تطور قواهم المنتجة المادية. ومجموع علاقات الإنتاج هذه يؤلف البناء التحتي للمجتمع –البناء الاقتصادي للمجتمع- الذي يقوم عليه بناء فوقي حقوقي وسياسي والذي تطابقه أشكال معينة من الوعي الاجتماعي والسياسي والروحي بصورة عامة. فلا يمكن الحكم على فرد وفقا للفكرة التي لديه عن نفسه، ولا الحكم على عهد انقلاب وفقا لوعيه، بل ينبغي بالعكس تفسير هذا الوعي انطلاقا من تناقضات الحياة المادية، من النزاع القائم بين قوى المجتمع المنتجة وعلاقات الإنتاج ....
2- الاقتصاد السياسي
بعدما أكد ماركس أن مختلف الآراء والمذاهب الفلسفية والدينية والسياسية إلخ، تقوم كبناء فوقي ناتج عن نظام المجتمع الاقتصادي، اتجه في صياغة نظريته إلى دراسة الاقتصاد السياسي، وبالتالي كان مضمون مذهب ماركس الاقتصادي هو الكشف عن علاقات الإنتاج في المجتمع الرأسمالي من حيث نشوؤها وتطورها وزوالها، وكون أن هذا النظام الاقتصادي يسود فيه إنتاج البضائع، فإن تحليل ماركس يبدأ من تحليل البضاعة.
والبضاعة هي أولا شيء يسد حاجة من حاجات الإنسان، وهي ثانيا شيء يمكن مبادلته بشيء آخر يجلب منفعة أي قيمة استهلاكية، وهنا تكمن القيمة التبادلية فهي قبل كل شيء العلاقة، النسبة، في مبادلة عدد من القيم الاستهلاكية من نوع ما بعدد من القيم الاستهلاكية من نوع آخر – أي معادلة بعضها ببعض باستمرار- .
فالمنتجين حين يعادلون بين منتجاتهم المختلفة في سياق تبادلها، يعادلون بذلك بين أنواع عملهم المختلفة، وهم لا يدركون ذلك ولكنهم يفعلونه، فالبضائع بوصفها قيما، ليست إلا كميات محددة من وقت العمل المتجمد، بحيث أن شيئين تطلب إنتاجهما نفس زمن العمل يمتلكان نفس القيمة، ويمكن بالتالي مبادلتها ببعضهما ما دامت القيم المتساوية بشكل عام، قابلة للتبادل.
وحيث كان الاقتصاديون البورجوازيون قد كشفوا عن علاقات بين الأشياء (مبادلة بضاعة بأخرى)، اكتشف ماركس علاقات بين الناس، وقبل خلاصة ماركس إلى مذهبه حيث يكشف عن تحول قوة عمل الإنسان لبضاعة، ينتقل إلى تحليل أشكال القيمة والعملة (النقد). والمهمة التي يضعها نصب عينيه إذ ذاك هي دراسة المجرى التاريخي لتطور التبادل، ابتداء من إعمال تبادل كمية معينة من بضاعة مقابل كمية معينة من بضاعة أخرى، حتى الشكل العام للقيمة عندما يبادل عدد من البضائع المختلفة ببضاعة واحدة معينة، وحتى الشكل النقدي للقيمة حيث يصبح الذهب تلك البضاعة المعينة، أي المعادل العام، وخلال هذا التحليل يظهر ماركس كيف أن النقد بوصفه المحصول الأعلى لتطور التبادل والإنتاج البضاعي يطمس ويقنع الصفة الاجتماعية للعمل الفردي، أي العلاقة الاجتماعية بين المنتجين المنفردين الذين تجمع السوق شملهم، فالأصل أن كل بضاعة مأخوذة بمفردها تمثل جزء ما من وقت العمل الضروري اجتماعيا.
لقد أدرك ماركس خلال دراسته للاقتصاد الرأسمالي أنه في درجة من تطور الإنتاج البضاعي يتحول النقد إلى رأسمال، وهنا تكمن القضية الرئيسية للعمل بأكمله. ما هو الرأسمال؟ أهو النقد الذي يتحول إلى بضاعة، لكي يصار إلى تبديل هذه الأخيرة مجددا من بضاعة إلى نقد أكثر من المبلغ الأصلي.
لقد كانت صيغة التداول البضاعي على شكل بضاعة – نقد – بضاعة، أي بيع بضاعة في سبيل شراء غيرها، أما صيغة الرأسمال العامة فهي بالعكس نقد – بضاعة – نقد أي شراء في سبيل بيع مع ربح، وهذه الزيادة (الربح) في القيمة الأولى للنقد الذي وضع قيد التداول هي ما يسميه ماركس القيمة الزائدة، وهذه الزيادة هي التي تحول المال إلى رأسمال بوصفه علاقة إنتاج اجتماعية خاصة محددة تاريخيا.
من أين تنبع هذه القيمة الزائدة؟
لا يمكن خلق القيمة الزائدة عن طريق التبادل لأنه لا يعرف سوى تبادل أشياء متعادلة، والحال أن الأمر يتعلق بظاهرة اجتماعية وسطية ومعممة لا بظاهرة أفرادية.
إن زيادة القيمة أمر يرتبط بيوم العمل، فالعامل يبيع قوة عمله لرب العمل، والعامل في ضل النظام لرأسمالي يستخدم قسم من يوم العمل (الأجرة) لتغطية نفقاته ونفقات أسرته، والقسم الأخر للشغل مجانا خالقا لرب العمل قيمة زائدة تتراكم لإثراء مالك وسائل الإنتاج.
فلنفترض أن العامل يبيع قوة عمله ل12 ساعة ولنفترض أن الأجر يمثل عمل 6 ساعات وأنه أنجز العمل في 6 ساعات، فهل يكف حينذاك عن العمل؟ لا أبدا. لقد اشترى الرأسمالي قوة عمل 12 ساعة كاملة وينبغي على العامل أن يتابع العمل طوال 12 ساعة، هذا العمل الزائد هو مصدر القيمة الزائدة.
فالعامل حين يبيع قوة عمله ل12 ساعة فإنه يعطي إنتاج ست ساعات لسد حاجياته (أجرة)، وفي الست ساعات الأخرى يعطي إنتاجا زائدا لا يدفع الرأسمالي أجرة عنه أي خلق قيمة زائدة.
إن المقدمة التاريخية لظهور الرأسمال هي أولا . تراكم كمية معينة من النقد في أيدي عدد من الأفراد، وهي ثانيا. وجود عمال (((أحرار))) من وجهتين، من وجهة أنهم أحرار من كل تضيق ومن كل تقييد في بيع قوة عملهم، وأحرار لأنهم لا يملكون أرضا ولا وسائل إنتاج بوجه عام، أي وجود عمال بدون استثمار، بحيث لا يستطعون العيش بدون بيع قوة عملهم.
وبعد فإن تراكم الرأسمال بتعجيله في إحلال الآلة محل العمال وبخلقه الثراء في قطب والبؤس في قطب أخر، يخلق أيضا ما يسمى باحتياطي جيش العمل أو الفائض النسبي من العمال الذي يرتدي أشكالا متنوعة إلى أقصى حدود التنوع، ويمكن الرأسمال من أن يوسع الإنتاج بسرعة بالغة.
لم يستطع الاقتصاديون خلال دراستهم للنظام الاقتصادي الكشف عن المصدر الحقيقي لثروة الرأسماليين، غير أن ماركس وضع الإجابة عن هذا التناقض من خلال تفسير قوة العمل وكيف يوظفها رب العمل لصالحه كي تخلق له القيمة الزائدة (الربح).
3- الاشتراكية
استطاع ماركس مما سبق الخلاص إلى أن الأساس المادي الرئيسي لمجيء الاشتراكية الذي لا مناص منه، هو تناقضات الرأسمالية من خلال القانون الاقتصادي لحركة المجتمع الرأسمالي، إن عملية جعل العمل اجتماعيا التي تتقدم بسرعة متزايدة أبدا وتجري بألوف الأشكال، والتي تتجلى بوضوح في الاتجاه التاريخي للتراكم الرأسمالي، حيث يتم في حركة تراكم الرأسمال انتزاع ملكية المنتجين المباشرين الذين يديرون بأنفسهم استثماراتهم ثم الانتقال إلى انتزاع ملكية الرأسمالي الذي يستثمر العديد من العمال. إن انتزاع الملكية هذا يتم بفعل القوانين الملازمة للإنتاج الرأسمالي نفسه عن طريق تمركز الرساميل. إن رأسماليا واحدا يقضي على الكثير من أمثاله، وإلى جانب هذا يتطور الشكل التعاوني لعملية العمل على نطاق يتسع أكثر فأكثر، وتحويل وسائل العمل إلى وسائل للعمل لا يمكن استعمالها إلا استعمالا مشتركا، وجر جميع الشعوب إلى شبكة السوق العالمية، وبالتالي خلال عملية التحول هذه تزداد تناقضات النظام الرأسمالي ويزداد معها أيضا سخط الطبقة العاملة، التي تتثقف وتتحد وتتنظم بفعل آلية عملية الإنتاج الرأسمالي نفسها، وهكذا يتحول احتكار وسائل الإنتاج وجعل العمل أكثر اجتماعيا يشكل حتمية زوال النظام الإنتاجي الرأسمالي، كون أن عملية جعل الإنتاج اجتماعيا تفرض جعل وسائل الإنتاج ملكا للمجتمع.
وهكذا أتبث ماركس النتائج المباشرة لتطور الرأسمالية الأعلى، وكيف تهيئ الشروط للانتقال إلى المجتمع الاشتراكي، عبر تنسيق العمل الجماعي، والتوزيع الجديد للسكان برفع العزلة عن الريف، وأن الأشكال العليا للرأسمالية تهيئ شكلا جديدا للعائلة، وكذلك جر الإنتاج إلى السوق العالمية هو طريقة حتمية ترمي إلى تحقيق الأمم كالنتاج والشكل الحتميان للمرحلة البورجوازية من التطور الاجتماعي، فالحال أن تطور الرأسمالية لا ينفك يحطم الحدود الوطنية ويهدم العزلة الوطنية.
وإن المحرك الفكري والمعنوي والمنفذ العملي لهذا التحول إنما هو البروليتاريا التي تربيها الرأسمالية نفسها. إن الطبقة العاملة لم تستطع أن تقوي نفسها وتنضج وتتكون إلا بتكوين نفسها ضمن حدود الأمة.
وكما سبق وتبين أنه كما أن الأسباب المادية هي في أساس جميع ظاهرات الطبيعة، كذلك تطور المجتمع البشري مشروط بتطور القوى المادية، المنتجة، وفي هذا نجد التفسير لجميع ظاهرات الحياة الاجتماعية. ومن عبقرية ماركس أنه كان أول من استخلص هذا الاستنتاج الذي ينطوي عليه التاريخ العالمي، وطبقه بصورة منسجمة إلى النهاية. وهذا الاستنتاج هو مذهب النضال الطبقي وأن كل نضال طبقي هو نضال سياسي، وأكد على أن البروليتاريا في صراعها الطبقي ستساعد نفسها بنفسها من خلال توحيد نضالاتها.
لما كان ماركس قد بين أحد عيوب المادية القديمة، وهو أن المادية القديمة لم تكن قادرة على تفهم شروط النشاط الثوري العملي، ولا أن تقدر أهميته فإنه إلى جانب أعماله النظرية، قد أعار طوال حياته انتباها دائبا لمسائل تكتيك نضال البروليتاريا الطبقي.
فقد كتب ماركس "إن الصناعة الكبرى تجمع في مكان واحد جمهورا من أناس لا يعرف بعضهم بعضا، والمزاحمة تفرق مصالحهم، ولكن الحرص على الأجرة. هذه المصلحة المشتركة بينهم تجاه سيدهم، تجمعهم على أساس فكرة واحدة، فكرة المقاومة والتحالف ... إن التحالفات تبدأ منعزلة ثم تتألف في جماعات، ويواجه الرأسمال المتجمع على الدوام".
كما أنه كتب في البيان الشيوعي "أن الشيوعيين يكافحون في سبيل مصالح الطبقة العاملة وأهدافها المباشرة، ولكنهم يدافعون في الوقت نفسه عن مستقبل الحركة..".
وهكذا استطاعت اشتراكية ماركس الإشارة إلى مخرج حقيقي، وتفسير طبيعة العبودية المأجورة في ظل الرأسمالية، والكشف عن قوانين تطور الرأسمالية، والقوة الاجتماعية القادرة على أن تغدو خالقة المجتمع الجديد.
إلى الشهيد عبد الرزاق الكاديري، وكافة البلاشفة، إلى الشيوعي الأخير...