سيريزا ... والفرصة التاريخية لتوحيد اليسار الشيوعي...،،،،


علي الأسدي
2015 / 3 / 25 - 21:42     


لم يحصل أن تعددت الحركات السياسية الماركسية منذ عهد ماركس كما تعددت وتشعبت واختلفت بعد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1989. ظهور الحزب الشيوعي كتنظيم سياسي يهتدي بالفكر الماركسي كان وما يزال ضرورة تاريخية لتغيير العالم والسير به نحو الاشتراكية فالشيوعية. لكن انحسار الاتحاد السوفييتي كمركز فكري وتشاوري قد قوض وحدة الحركة الشيوعية في العالم والذي بنتيجته تخلت عشرات الأحزاب الشيوعية والعمالية عن مواقعها السياسية بينما تحول البعض الآخر الى أحزاب اشتراكية ديمقراطية متخلية عن هدف بناء الاشتراكية بقيادة الطبقة العاملة. وكرد فعل لهذا التغيير الرجعي غير المتوقع في الحركة الشيوعية العالمية والمحلية ظهرت الحركات السياسية اليسارية لتقود حركة نضال الطبقة العاملة والمثقفين ضد الاستغلال الطبقي والظلم الاجتماعي والحكم الديكتاتوري والعمل على تحسين حياة الشغيلة واطلاق واحترام الحريات الديمقراطية في بلدانها.

ولم تشذ اليونان عن غيرها من دول العالم فكان لها حركتها السياسية اليسارية الساعية لانصاف شعبها الذي كان وما يزال ضحية سهلة للرأسمالية العالمية عبر شركاتها متعددة الجنسية ومؤسساتها المالية والنقدية. وقد شقت الحركة اليسارية اليونانية نضالها وأثبتت وجودها كضرورة حتمتها الحاجة لقيادة الجماهير الشعبية وخاصة الشباب منهم دفاعا عن مصالح شعبهم بالرغم من وجود حزب شيوعي ما يزال أمينا لمبادئ الماركسية واللينينية ويسعى جاهدا لتوحيد وتعزيز الحركة الشيوعية في اليونان وفي منطقة الشرق الأوسط. ويعتبر الحزب من الأحزاب الشيوعية ذات التاريخ العريق في مناهضة الحكومات الديكتاتورية ودوره المشهود في تنظيمه المقاومة المسلحة ضد النازية التي احتلت اليونان ابان الحرب العالمية الثانية. كما خاضت جماهيره الكفاح الاقتصادي ضد الاستغلال الطبقي للعمال اليونانيين ويعتبر الحزب الأم للعديد من التيارات السياسية التقدمية بما فيها العديد من المجموعات اليسارية المنضوية داخل حركة سيريزا .

نجاح سيريزا في حشد جماهير اليونان خلفه وقيادة نضالها البطولي ضد اليمين اليوناني والأقلية الحاكمة يشكل انعطافة هامة في الحركة اليسارية في العالم وخاصة في مجتمعاتنا النامية. وبصدد ما يحيط الحركة اليسارية في العراق من انقسامات ذاتية فانه الوقت المناسب لتعيد قياداتها السياسية دراسة سبل تقاربها ان لم يكن بالامكان توحدها ، فالأولوية في هذه المرحلة يجب أن تتجه لتنسيق جهودها للحفاظ على العراق موحدا شعبا وأرضا والوقوف أمام المشاريع المشبوهة لتقسيمه وتشتيت جماهيره والاستحواذ على ثرواته الطبيعية. المهمة العاجلة يجب أن تولى للضغط بكل السبل على الحكومة العراقية وبرلمانها لمعالجة البطالة الواسعة والتعامل بجدية مع مشكلة المهجرين وضمان عودتهم الى سكناهم والاطفال الى معاهدهم الدراسية.

حين اتخذت اليونان قرار الانضمام الى المجموعة الاوروبية في عام 1980 وثم الى عملتها الموحدة في عام 2001 علقت حكوماته الآمال على ذلك واستبشر الشعب خيرا بكونه الطريق للازدهار الاقتصادي وانه سينقلها الى مرحلة جديدة من النمو الاقتصادي المستدام. لقد وصفت حكومة الاشتراكيين الديمقراطيين (الباسوك) ذلك القرار بالتاريخيً وبأنه سينقل اليونان الى قلب اوروبا وقد حاولت الحكومة حينها اقناع الناس انّ ذلك سيؤدي الى الجنة الموعودة ، لكن تلك الجنة كما أثيتت الأيام لم تكن موجودة الا في مخيلة الحكومة الاشتراكية الديمقراطية وكما أثبتوا دائما أنهم ليسوا أقل انتهازية وكذبا من حكومات اليونان اليمينية الفاسدة الأخرى التي تعاقبت على الحكم.

وعندما فاز اليمين اليوناني بانتخابات عام 2004 وشكل الحكومة ممثلة بـحزب الديمقراطية الجديدة باشرت على الفور بتطبيق اجراءات تقشف بداية آذار-مارت 2005 فرُفعَت الضرائب على عديد من السلع عبر زيادة ضريبة القيمة المضافة الى 19% (ضريبة الاستهلاك ). اي تلك الضرائب التي طالت المواطنين الفقراء والطبقة المتوسطة مباشرة ولم تمس الاغنياء. لقد عارضت النقابات العمالية تلك الاجراءات في سلسلة من الاعتصامات والاضرابات والتظاهرات التحذيرية بداية لدفع الحكومة إلى التراجع عن قراراتها. لكن ذلك لم يثني الحكومات المتعاقبة عن تنفيذ اجراءاتها برغم تحول النشاطات الجماهيرية الى أعمال عنف ضد المصارف والشركات الكبرى والبرلمان للسنين العشرة الماضية قبل أن يشكل سيريزا حكومة اليسار الحالية.

وبالطبع، تأثرت اليونان كغيرها من دول اوروبا بالأزمة المالية العالمية (أيلول - سبتمبر2008)، وكان وقعها أشد عليها لأنها كانت تعاني منذ سنوات من صعوبات مالية داخلية وخارجية. ومع عودة الاشتراكيين الديمقراطيين (باسوك) الى الحكم في 2009 كان الدين العام قد ارتفع من 168 مليار يورو الى 262 مليارًا في اربع سنوات فقط. ومع كل انتخابات تعقد تعد الاحزاب اليمينية بخفض الديون وتحسين مستوى حياة الناس ، لكن ما أن تستلم مقاليد السلطة حتى تواصل اجراءات تجويع الجماهير الكادحة والعاطلين عن العمل وفرض المزيد من الضرائب واجراءات التقشف المفقرة.

لقد قادت الحالة الاقتصادية المتردية والوضع السياسي المأزوم الى صعود اليسار اليوناني ممثلا بمجموعة سيريزا وهو ائتلاف مكون من عدد من الحركات السياسية تجمعها اهدافا مشتركة وان كانت لها تطلعات متباينة. تأسس ائتلاف سيريزا قبل الانتخابات التشريعية لعام 2004 بعد لقاءات جمعت تيارات يسارية كانت تفرّقها الخلافات قبل ذلك التاريخ، لكنها اتفقت على الوقوف في وجه الخصخصة المتزايدة لمشاريع الدولة التي بيعت أكثرها لدول الاتحاد الأوربي وأيضا للوقوف ضد التآكل الذي لحق الحقوق الاجتماعية والمدنية في البلاد. وبعد الانتخابات أيضا اجتمعت الاحزاب والحركات السياسية اليسارية فشكلت الائتلاف الحالي وهي سيناسبيسموس (ائتلاف الحركات اليسارية والبيئة) الذي كان حزب ألكسيوس تسيبراس أحد أعضائه و تكتل أكوا (اليسار الشيوعي البيئي المتجدد) وديا (يسار العمال الدولي) وكيدا (حركة اليسار الموحد) وحركة الخضر وأنصار البيئة . ويضم في صفوفه أيضا الماويون ، والتروتسكيون ، والفوضويون ، وما يسمى باليسار الأوروبي ، واليسار الراديكالي وهو فصيل ترك الحزب الشيوعي اليوناني اضافة الى جماعات سياسية مستقلة أخرى. -*

ينظر الى «سيريزا» اليوم بكونه حزبًا رغم كونه تشكيلا يضم 13 فصيلًا يساريا متباينا في قربه أو بعده عن نظرية الحزب الشيوعي والمبادئ التي يلتزم بها وهذا بالذات ما يجعله ائتلافا أكثر من كونه حزبا شيوعيا موحدا في فكره وتقييمه للاشتراكية كنظرية هادية لنشاطاته وسياساته التاكتيكية والاستراتيجية. فهو بالاحرى مجموعة أطياف يسارية غير موحدة المواقف الفكرية تتذبذب بين اليسار واليمين تبعا لمواقفها من السلطة البرجوازية المهيمنة على الشئون الاقتصادية. الآمال معقودة على نجاح سيريزا في تحقيقه على الأقل بعض أهدافه ووعوده الانتخابية وبفضل ذلك وحده يمكنه الاحتفاظ بالسلطة ومن ثم بوحدته السياسية وكيانه التظيمي تمهيدا لتحوله الى حزب ماركسي حقيقي ، لكن كل ذلك يعتمد على مدى نجاحه في تعامله مع التحديات السياسية التي تواجه برنامجه الذي قام عليه ائتلافه السياسي الحاكم.

فالفوز بالانتخابات قد تم في المقام الأول على الوعود الانتخابية التي أعلنها قبيل الانتخابات لعام 2012 حصل حينها على المركز الثاني بعد ائتلاف الباسوك والديمقراطية الجديدة حيث حاز على نسبة 16.78% من أصوات الناخبين ، ثم على نسبة 26.89% في الانتخابات الأخيرة. الحزب الشيوعي اليوناني الأم الذي خرج أكثر أعضاء سيريزا من صفوفه يتخذ موقفًا معارضا من أليكسيس تسيبراس رئيس سيريزا. وقد رفضت الامينة العامة للحزب الشيوعي اليوناني اليكا باباريغا اللقاء به بعد أن كلفه رئيس الجمهورية اليونانية كارولوس بابولياس بتشكيل الحكومة كمحاولة منه لتشكيل أوسع ائتلاف ممكن ليدعم موقفه. الحزب الشيوعي اليوناني يتمتع باستقرار قاعدته الشعبية ومواقفه الثابتة من الاتحاد الأوربي التي تتلخص في مطلبه بانسحاب اليونان من نظام العملة الموحدة " اليورو" والعودة الى الدراهما العملة اليونانية السابقة ، ورفض تسديد الديون الأوربية والغاء سياسات التقشف المفروضة على الشعب اليوناني. وعود سيريزا الانتخابية هي نفسها مطالب الحزب الشيوعي لكن هل بامكان سيريزا السير قدما حتى تنفيذها؟ ان هذا سيعتمد على مدى اصراره على مواقفه والخيارات المتاحة أمامه في حالة رفض الثرويكا وألمانيا الاستجابة لها. الاتحاد الأوربي ممثلا بألمانيا لا يرغب برؤية حكومة يسارية تحقق نجاحا وهي النتيجة التي لا يتمناها اي يساري من داخل سيريزا أو من خارجه.

فألمانيا تحاول المحافظة بأي ثمن على استقرار الاتحاد الأوربي بتركيبته الحالية وبعدم اجراء تنازلات قد تشجع دولا أخرى على الحذو حذو اليونان مثل أيرلندا والبرتغال واسبانيا وايطاليا. لكن على العكس كلما تشددت الترويكا وألمانيا كلما اتسع نضال الحركة اليسارية في الدول الأربعة المذكورة وتعزز تضامنها مع اليسار اليوناني في كفاحه العادل ضد المؤسسات المالية والمصرفية الاحتكارية الأوربية المهيمنة على اقتصاد اليونان. وفي حالة نجاح سريزا في تحقيق مطالبه فسيدفع بالتالي الى التعجيل باجراء الاصلاحات الاقتصادية والمالية لصالح الدول الأقل تطورا ضمن منظومة الاتحاد الأوربي وتتعزز حظوظه في الاحتفاظ بالسلطة حتى موعد الانتخابات القادمة لكن ذلك بعيد الاحتمال في نظر الحزب الشيوعي اليوناني.

لقد قدم الاقتصادي اليوناني اندرياس كوتراس (وهو من مؤيدي البقاء في منطقة اليورو) دراسة برهن فيها انّ الخسارة المالية للاتحاد الأوربي لن تكون كبيرة في حال خروج اليونان من اوروبا الموحدة ، إذ ستتكلف الدول الأعضاء مجتمعة 400 مليار يورو، وهو مبلغ اقل مما ستضطر لدفعه في السنوات المقبلة اذا استمرت الأزمة اليونانية. ويقول كوتراس انّ الخوف هو من العدوى التي قد تنتقل الى اسبانيا والبرتغال ولاحقًا ايطاليا، مما سيؤدي حكمًا الى انفراط عقد الاتحاد ما يشكل كارثة كبرى.
لكن العودة الى الدراخما ليست الحل المعجزة الذي سينقذ اثينا. الحل هو بالتخلي عن السياسات النيوليبرالية الاوروبية واللجوء الى سياسة اقتصادية شاملة لا مالية أو نقديًة فقط : اي تطبيق السياسة الحمائية لتشجيع الصناعة وتنشيطها والتوظيف الذي ينشّط الانفاق ويشجيع الاستثمار الداخلي. هذا إلى جانب توقف اليونان عن دفع ديونها الخارجية والداخلية وهو ما سينقذ اثينا من الضياع. لكن في واقع الحال لن يجرؤ أو يرغب الحزبان اليمينيان المسيطران على الحياة السياسية منذ 40 عامًا، اي حزب الديمقراطية الجديدة وباسوك السير في هذه الطريق. وبناء على هذه الحقيقة فان انقاذ اليونان من واقعه الاقتصادي يقع على عاتق اليسار اليوناني الذي استلم السلطة أخيرا وتتطلع آمال اليونانيين نحوه لتحقيقه.

كانت صحيفة الغارديان البريطانية قد نشرت مقالا قبيل الانتخابات اليونانية بحوالي الشهر توقعت فيه بفوز اليسار اليوناني جاء فيه : " ان حربا جديدة وشيكة الوقوع في أوربا لكنها حربا من نوع آخر لن تستخدم فيها المدافع والدبابات بل السوق المالية وقرارات الاتحاد الأوربي. سياسة التقشف المفروضة على اليونان ستتقرر بعد الانتخابات العامة القادمة التي من المحتمل ان تأتي بحكومة رافضة تماما لسياسة التقشف. حالة لم تحدث في العالم خلال ستة سنوات من اجراءات التقشف التي تردت بسببها مستويات الحياة المعاشية بعد انهيار بنك ليمان براذرز في الولايات المتحدة الأمريكية. واذا ما فاز حزب سيريزا اليساري في الانتخابات اليونانية القادمة في يناير - كانون الثاني عام 2015 وهي تجربة فريدة من نوعها فبدون شك ستبذل المحاولات لافشالها في مهدها. التجربة لا تهم اليونانيين فحسب بل تهمنا نحن أيضا الذين عانينا سنينا من التقشف. أي حياة شاقة يعيشها الشعب اليوناني حيث 40،5% منه يعيش تحت خط الفقر ، وحيث يحرم أفراده من الخدمات الصحية بسبب اجراءات التقشف. الانتخابات التي قد تأتي بسيريزا اليساري الى الحكم ستكون حدثا لم يشهد التاريخ الأوربي مثيلا له من قبل." **
وفي مقال في صحيفة ذي تليغراف في الحادي عشر من مارت - آذار الحالي نقلت عن اليكسيس تسيبراس رئيس الحكومة اليونانية ورئيس سيريزا قبل توجهه لمقابلة السيدة ميركل المستشارة الألمانية قوله " لو قررنا اليوم اجراء استفتاء نسأل اليونانيين فيه : " هل تفضلون كرامتكم أم تستمرون في ظل سياسة الاتحاد الأوربي المهينة هذه ، فان كل مواطن سيختار الكرامة بصرف النظر عن المصاعب التي ستنتج عن قرارهم هذا." السيدة أنجيلا ميركل مستمرة في موقفها بعدم السماح لأي عضو في نظام اليورو من الانسحاب من العملة الموحدة. ***
علي الأسدي 25-3-2015
http://www.bidayatmag.com*
**Owen Johns
"Greece’s radical left could kill off austerity in the EU"
The Gurdian 22/12/2014 " Mehreen Khan," How Europe plans to survive a Grexit " ***
The Telegraph , 11/3/2015