الوعي وصورة المستقبل من خلال الأجتماعية التاريخية الجدلية ح1


عباس علي العلي
2015 / 3 / 12 - 00:55     


أستثمار العلاقة بين الأسباب والنتائج وخاصة في المجال البحث الأجتماعي الطبقي وتحديدا في المسارات التاريخية منه كمادة للبحث عن أفق أو كقاعدة معطيات راسمة للرؤية الكونية المحدثة والمستجيبة لشروط الزمن ,واحدة من أهم الوسائل التي يمكن لنا ومن خلالها تحديدا أستقراء المجتمع مستقبليا ,المجتمع الذي نعني به أطر وعلاقات وصراعات وتناقضات وأيضا علاقات بنيوية, هذا الأستثمار لا يمكن تحقيقه أولا ولا نتائجه بالتالي ما لم نعود للوعي المجتمعي الذي يصنع مفهوم الوعي بالوعي أو الوعي المركب المتراكم بالحركة الداخلية للعلاقات الأجتماعية وسيرورتها تاريخيا ومنها إلى الواقع الحالي وصولا لصورة المستقبل.
مثلا تصور ماركس الحقيقي للعلاقة الجدلية بين الوعي بالواقع كونه موضوع يحتاج إلى تغيير ووتبدلات مفصلية كبرى يكون منقاد بالضرورة له لأن مسببات وعلل التغيير قادرة وفقا للظروف الموضوعية والذاتية على تحرير إرادة التغيير وبين الواقع الذي يقاوم رياح التغيير مستندا على جملة من الأسس والركائز التي لا يتخلى عنها طواعية بدون تجربة ولا يمكن عبورها بالقوة خارج سياقات التطور الطبيعي للمجتمعات البشرية في كل مراحلها وصورها العامة أو التي تملك خصوصية ما، حيث أن الماهية عنده تسبق الوعي وتحدد شروط إنتاجه بنمطية تعتمد معيار مادي وكما تحدد مساراته بشكل مبدئي.
فمن واجب الوعي الأجتماعي ونقصد هنا الوعي النخبوي المرتبط بمنظومة الفكر والمعرفة والقوانين ومحددات العلوم البشرية أن تكتشف مواطن الخلل من خلال تتبع مسارات محفزات الوعي بالواقع الموضوعي وعندها يعمل على كشف وتشخيص وإفراز وتصنيف عوامل التناقض والصراع الذي يجري بمسارين إيجابي يقود للتطور والتحرر من الأطر القديمة للمجتمع وسلبي يحاول الإبقاء على النمطية السائدة من العلاقات الأجتماعية الواقعية ومجمل التناقضات البينية التي تحكمه.
الوعي الوجودي المعرفي المقترن بجهد معرفي وفكري سواء أكان تأمليا أو تجريبيا هو من يرسم ملامح وأشتراطات الوجود الإنساني المتبدل والنغير بطبيعته أستنادا إلى كينونته المتحركة وكذلك الوجود الاجتماعي المركب والمتشكل واقعا في لحظة تأريحية ما , البعض يظن أنه أي الوعي الوجودي المتعقلن لن يتمكن من وضع وتحديد تصور جاد ودقيق وحاسم لطبيعة المرحلة قادمة من سلسلة التغيرات التأريخية أما لأنه لا يتوقع أن يكون العقل البشري قادر على أستحضار الصورة بما يملك من قراءات وتأملات أو لأنه يظن أن الحركة الأجتماعية الوجودية لا تسير في نطاق قوانين محددة.
من المؤكد المنهج العلمي التأريخي قادر على جعل الوعي الوجودي ينتج مايمكن أن ندعوه بالاستشراف للمستقبل أو الرؤية الكونية الأجتماعية لفترة مقبلة وهذا ما مارسه مثر ماركس حينما صب تصوراته ورؤيته الخاصة بإنهيار المجتمع الرأسمالي وأنتصار فكرة المشاعية العقلية أو المشاعية المبنية على حتمية ذهاب المجتمع للتخلي عن سلطنة الملكية الفردية لصالح الملكية الجمعية المنتجة، الفكر والعلم الأجتماعي الذي يقوم على دراسة تقيمية وتوفيقية لمجموعة التناقضات الذاتية والعوامل الموضوعية التي تتحكم بسيرورة الواقع في اللحظة الراهنة وما يمكن تصورة من هذه الصراعات الوجودية وما يرشح من نتائج التناقضات قادر بالفعل أن يمنح العقل البشري جزء مهم وأساسي ومركز عن صورة التحول الأجتماعي القادم ويرسم الكثير من حدوده ومعالمه سواء البينية أو الحكمية(القوانين والأنماط الأجتماعية التي ستسود وتتحكم بسيرورة المجتمع غالبا)،ولكن ومع ذلك لا يمكن أن ننكر أن هذا الاستشراف ليس مجرد رسم رؤية عامة وصورة ضبابية غير واضحة المعالم بل من المكن أن نجزم ووفق للسنة التأريخية أن نطلق على ذلك صورة الواقع المستقبلي الوجودي.
وحتى مفهوم الأغتراب الذي أخذه ماركس ووطوره ماديا وجرده من طابعه الديني والميتافيزيقي عن فيورباخ ووضعه في سياق أخر جدلي محكوم بذات العلل والأسباب التعقلية ,فهو لم يكن خارج سياق هذه الرؤية التي نتكلم عنها والتي ترتكز على الوعي بالواقع المجتمعي الواقعي والتأريخي، فقد رد ماركس هذا المفهوم ونسبه إلى سلسلة من الظروف التأريخية والواقعية المرتبطة بطبيعة علاقات الإنتاج وصيرورتها في المجتمعات الحديثة، فهو يؤمن بحقيقة الإرتباط بين الماضي والحاضر وأن كل العلاقات الأجتماعية الواقعيى هي نتيجة علاقات تاريخية يعيها الإنسان ويرضح لها ولكن عليه أن لا يستسلم لها فإن فعل كان في وضع أغترابي حيث يكون وعيه يسير بجهة والواقع يشير لجهة أخرى .
يؤمن ماركس جديا بحقيقة لا تنكر هي أن الإنسام مقابل المال أو رأس المال في المجتمعات الرأسمالية يعمل النظام فيها على تجريد القيمة الإنسانية وإذابتها في صلب العملية الأقتصادية بوصفه قوة عمل مادية حالها حال بقية عناصر الإنتاج لا غير, هذا نوع أخر من أنواع الأغتراب الذي يفصل بين الإنسان وإنسانية ويظهر مدى لا أخلاقية الواقع الذي يجب أن يتبدل ويتغير من خلال كسر شوكة الملكية الخاصة المتضخمة والمستحوذه على حق كامل المجتمع وبالذات الطبقة العاملة المنتجة .
في الاقتصاد الرأسمالي القائم على قاعدتي التصنيع وإدارة رأس المال بأعتبارهما المحرك الأساسي لكل علاقات العمل ومنتج للقيم الفوقية وومحرك العلاقات البنيوية والبينية بين الطبقات الأجتماعية المشكلة لصيغة المجتمع يصبح الإنسان خارج أهتمام هذه العلاقان ليس كل الإنسان وإنما الذي لا يملك أو الذي لا يستطيع أن يملك يتحول لجزء مكمل للآلة الصناعية, طالما أنها قادر على خدمة الإنتاج والمساهمة به, ولكنه قد يتحول إلى ما يمثل عامل سلبي عليها عند فقدان المقدرة على المساهمة المستمرة وحتى لو كان يملك حقا تأريخيا في ذات رأس المال لأنه ساهم بشكل أو أخر في وجوده وأستمراره لأن الرأسمالي ينظر له من ناحية زيادة الأرباح وتراكم الثروة.
من التحولات الثورية في العمل الأقتصادي الأنتاجي وحتى المالي النقدي هي ثورة التقنية متناهية الذكاء والتي حلت ككارثة حقيقية على المستويات الدنيا من الطبقة العاملة قليلة التدريب وبسيطة التعلم ,جاءت هذه الثورة نتيجة تحول رأسمالي دعم العملية العلمية الإبتكارية وأمدها بمقومات الأستمرار والترقي التكويني وسار بها للتحول الجدي نحو زيادة الإعتماد على التقنية والتكنلوجيا المسيرة برمجيا لتقليل الحاجة لقوة العمل البشري ,هذا الإجراء وإن كان حاسما في تقليل الكلفة والحد من التدخل البشري فهو من جانب أخر ومن خلال تثبيت أجور العمال تحت وطأة الأستبدال بالتقنية يتفادي سيطرة العامل البشري على وسائل الإنتاج ويضعف حتى المطالبة المستمرة بتحسين الأجور وظروف العمل والمعيشة.
هناك ظاهرة برزت بشكل واضح بعد الحرب العالميةالثانية وخاصة بين دول الحلفاء وفيما بعد أنتشرت على المستوى العالمي تتمثل بالشركات متعددة الجنسية أو المؤسسات الأنتاجية عابرة القارات والحدود ,وهو المظهر والمفهوم الممهدد(برأي الشخصي)الذي أسس وقدم لما يسمى بعالم العولمة وكان السبب المباشر في إنضاج فكرة العالم الكوني أو ما يسمى بعالم القرية الصغيرة " Small village " .