أسباب أجتماعية لتفاوت الاجور بين العاملات والعمال


احمد عبد الستار
2005 / 9 / 18 - 12:19     

بالرغم من التطور الكبير الذي أحرزته الإنسانية في تحقيق المساواة بين المرأة والرجل ، في اغلب الأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ولاسيما في ميدان العمل نتيجة لنضال شاق وطويل للعمال ( نساءا ورجال ) ، لتحقيق المبدأ القائل ( الأعمال المتماثلة أجورها متماثلة ) .وتوج هذا النضال العمالي العالمي في وضع اتفاقية دولية عام 1951 الاتفاقية رقم 100 التي تنص على ((مساواة العمال والعاملات في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية )) وهذه الاتفاقية الدولية أرادت أن تخص العاملات المطالبات بحقوقهن المهدوره لاجل مساواتهن بالعمال بمادة وفقا وأكثر وضوحا من إعلان حقوق الإنسان الصادر عام 1948 في فقرته الثانية من المادة (23) التي تنص بان ( لكل إنسان بدون تمييز الحق في الأجر المتساوي للعمل المتساوي ) .

إلا إننا نجد في العراق منذ عقود وخصوصا في القطاع الخاص تجاوزات وعلى نطاق واسع أحيانا لهذه المباديء الحضارية بحق المراة العاملة فأوساط عديدة من أرباب العمل ينظرون إلى المراة العاملة نظرة دونية وغير منصفة في قطاعات عمل عديدة كان أهمها من حيث عدد العمال والإنتاجية مثل الخياطة والتطريز وكي الملابس التابع لهذه المعامل صناعة الحقائب والأحذية النسائية والولادية صناعة الحلي البلاستيكية صناعة البسط والسجاد محلات الحلاقة والزينة المعامل الأهلية للألبان والاجبان ... الخ

وعند استبياننا لاسباب التفاوت بالأجر هذا تباينت أجوبة أرباب العمل ( ويشاركهم بعض العمال أحيانا ) كلا حسب مرجعية تصوره وفهمه عن المرأة وعن عملها لكن أجوبتهم تحمل قاسما مشتركا واحدا هي أفكار رجولية عن المرأة ومصالح اقتصادية تتستر خلفها . أجابت جماعة من أرباب العمل اتفقت على رأي إن المرأة عندما تدخل العمل فان أجرها عن عملها يعود إليها شخصيا في غالب الأحيان ولم يكن القصد منه مصدرا لإعالة دخل العائلة ، وانما الأنفاق على الكماليات والزينة . وترى جماعة أخرى من أرباب العمل إن أسباب طلب المرأة للعمل لم يكن لدوافع اقتصادية معيشية ولم يكن بحثا عن المال وإنما يأتي معظمه من اجل تغيير رتابة الحياة المنزلية واغلب الفتيات العاملات يقصدن الخروج للعمل من اجل البحث عن الزواج ولذلك ( برأي أرباب العمل )يجب أن تكون أجور الرجال أعلى من أجور النساء لان الرجال عادة ما يكونوا هم من يتحملوا أعباء معيشة أسرهم لكن ذلك لا ينطبق على حالة (أم سجاد) الأرملة وأم لثلاثة أولاد مثلا فهي تعمل في كي الملابس في مكوى تابع لأحد معامل الخياطة وزملائها من العمال الشبان عزاب يتقاضون اجر ضعف أجرها فهي تتقاضى (100 دينار ) عن كل قطعه تقوم بكيها وتنجز كما تقول هي من 10- 15 قطعه يوميا تذهب بعدها لإعداد وجبة الغداء لأولادها طلبة المدارس .

سألتها (( هل تكفيك أل(1000) أو(1500 ) دينار يوميا وأنت أم لثلاثة أولاد ؟ )) أجابتني بانكسار : (نعمه من الله ، ليمشي الحال ) وهذه النعمة في حقيقة الأمر ترجع إلى إن النساء في مجتمعنا لا يملكن نصيب من الحرف كالرجال وحالهن هذا لا يمكنهن من الانتقال إلى أعمال أخرى مما يجعلهن يتنافسن على عمل واحد أو عدة أعمال محدودة يؤدي بالعاملات القبول بأي اجر يفرضه رب العمل لقاء عملهن .

ويدعي بعض أرباب العمل إن مراعاة الأصول الاجتماعية والقانونية عند وجود المراة العاملة في محل العمل يؤدي إلى ارتفاع تكاليف تشغيلها مثل عزل الفتيات في قاعة خاصة وحمايتهن أو مراعاة وقت ذهابهن وإيابهن وما إلى ذلك ... مما يجعل ما يدفع للرجل بالرغم من زيادته بالنسبة لما يدفع للنساء أسهل كتكاليف عند تشغيل الفتيات لذلك فهو يساوم العاملات على اجر اقل من الرجال على اعتبار انه دفع ضمنا التكاليف المذكورة مراعاة للحشمة والمسؤولية .

ويرجع آخرون أسباب تفاوت الأجر بين العاملات والعمال في مؤسساتهم إلى تفاوت المقدرة الجسمانية للرجال ويضرب مثلا احدهم إن النساء لا تستطيع إدامة وتشغيل مولد الكهرباء في حالة انقطاع التيار الكهربائي ويضيف إن الفتيات تخاف من الآلات الكهربائية أو الميكانيكية ولا تستطيع اغلب العاملات العمل على الآلة إلا بصحبة رجل .

ويرى آخر انه يفضل عمل الرجل على عمل المراة بسبب كثرة تغيب النساء سواء بسبب التوعك الدوري أو الحمل أو الولادة ...فهو يعتقد إن عمل النساء غير مضمون وعليه يكون أجرها اقل لأنها تعمل لزمن محدود ولا يجعلها تغيبها تتعلم اكثر أو تتراكم لديها خبرة . وهذا غير صحيح فان قطاعات العمل التي تختص بها النساء لا تقل تفوقا عن الرجال دقة ومهارة فيما تيسر لهن من حرف كما رأينا ذلك في صناعة السجاد والخياطة والتطريز وما تتحلى به النساء من صبر في العمل ينسف كل تخرصات أرباب العمل الرجولية . ففي معمل من معامل الخياطة ( والأمثلة على ذلك عديدة ) بالرغم من الغبن الظاهر للعاملات حيث يدفع لهن اجر مقطوع قيمته (60,000 دينار عراقي ) شهريا في حين يدفع لزملائهن الرجال (200,000 دينار عراقي ) شهريا ويلحق العاملات جهد إضافي في فترة تناول الطعام بطهي الطعام وتسخينه وتقديمة لزملائهن وغسل الصحون وإعداد الشاي وجميع الرجال يتربعون في انتظار الطعام غير مراعين تعب العاملات .

ووجدنا إن أسباب محدودية عمل وتغيب الفتيات حاليا يرجع بالأساس إلى سؤ الأوضاع الأمنية وخشية الفتيات من العودة لمنازلهن في وقت متأخر وخصوصا مع أزمات الوقود التي تشح فيها وسائط النقل . وهذه الخشية المتوارثة جعلت العاملات للأسف لا يعرفن ولا حتى يفكرن بإنشاء اتحاد أو نقابة للدفاع عن حقوقهن ، إن المرأة العاملة تعاني من اضطهاد مركب في مجتمعنا فهي مره كونها عاملة يسحقها الرأسمال وأخرى لأنها امرأة يمارس عليها المجتمع الطبقي اضطهاد أخر جنسي . وعند زوال المجتمع الطبقي ، في المجتمع الاشتراكي يزال كل تمايز من شانه أن يسحق العمال والمرأة .