الحتمية و علاقات الإنتاج و القوانين الاقتصادية 1-2 في الحلقة السابقة ، أوضحت أن مبدأ الحتمية يقول بأن كل الأحداث (events) في الكون ، بضمنها الأفعال البشرية ، تحتمها في النهاية أسباب كائنة خارج إرادة الإنسان . و شرحت كيف أن ماركس و إنجلز قالا بعكس ذلك تماماً : أن الطبقات الاجتماعية المُسْتغَلة و الشعوب المظلومة تستطيع - عن طريق التنظيم و الكفاح السياسي بكافة أشكاله - أن تعمل على إلغاء استغلال و ظلم الإنسان للإنسان فتكسر قيود الاستغلال و الاستعباد و تربح حريتها و حق تقرير مصيرها و بناء مستقبلها بنفسها . هذا المبدأ الماركسي يثق بقدرات الشعوب و الطبقات المستغَلة و بإمكانيتها في التحرر من كل أنواع الاستغلال الاقتصاسياسي . و قد سبق و أن قدم لنا التاريخ درساً بالغ السطوع لنجاح الشعوب بتقرير مصيرها في حركات التحرر الوطني ضد النهب الكولونيالي و الاستعمار الجديد و التي عمت خلال القرنين التاسع عشر و العشرين كل قارات أمريكا الشمالية و الجنوبية و أفريقيا و أجزاء واسعة من آسيا (الصين ، الهند و الباكستان ، جنوب شرق آسيا ، الفلبين ، أندونسيا ، إلخ ) و أجزاء من أوربا ( ألمانيا ، إيطاليا ، البلقان ، بولندا ، تشيكوسلوفاكيا ، يوغسلافيا ، ألبانيا ، إيرلندا .. إلخ ) ، و أفضت في النهاية إلى تحرر ثلاثة أرباع شعوب العالم التي كانت محتلة . أما في داخل النظام الرأسمالي ، فقد كشف ماركس للبشرية جوهر الرأسمالية المتمثل بسرقة قوة عمل ملايين العمال على طول الخط ، و كيف أن هذا النوع من الاستغلال البشع و المدمر للإنسان لن ينتهي إلا بتشريك وسائل الإنتاج ، فأطلق نداءه الشهير : يا عمال العالم إتحدوا ، و تأسست الأممية الشيوعية ، و الأحزاب الاشتراكية في أرجاء العالم كله ، و ما تزال ، و ستبقى ؛ و قامت عدة أنظمة اشتراكية ، بعضها إنهار ، و بعضها باقٍ ، و بعضها آتٍ ؛ و لكن حلم تحرر الإنسان من الاستغلال الذي أيقضه شبح ماركس باق لدرجة أن فيلسوفاً مثل دريدا يصرح على رؤوس الإشهاد أن لا مستقبل للإنسان بدون ماركس . هذه المقدمة الغرض منها الإيضاح بأن نداء ماركس و إنجلز لشغيلة العالم بالاتحاد في النضال السياسي ضد الاستغلال الرأسمالي يوضح إيمانهما بتوفر الإمكانية للمجتمعات المظلومة و الطبقات المستغَلة - و ليس الفرد - للعمل السياسي المنظم لرسم مستقبلها السياقتصادي و بما يلغي استغلال الإنسان للإنسان . هذه الحقائق التاريخية واضحة ، لا أعتقد أن أي دارس للماركسية سيختلف بصددها . طوال ظهور هذه السلسلة من المقالات ، وردتني عدة تعليقات عليها عبر الفيسبُك بإسم السيد : أنيس عموري ، و لعله - إن لم أكن مخطئاً - هو نفسه الأستاذ وليد يوسف عطو المحترم أو شخصاً قريباً منه . و قد تميزت هذه التعليقات بنفس أسلوب التهجم المجاني المحموم على الماركسية عن طريق التزوير و خلط الأوراق الأثير لدى السيد وليد يوسف عطو المحترم . من جانبي ، فقد بينت له أولاً - في الحلقة الأولى - أنني سأرد عليه في سلسلة قادمة من المقالات كي لا ينحرف موضوع النقاش الخاص بهذه السلسلة عن مقاصده . و إزاء إمعانه بالاستمرار في الحلقات التالية بكيل الإتهامات المزورة العارية من الصحة من كل حدب و صوب على الماركسية ، فقد طلبت منه اختيار فقرة واحدة صحيحة غير مغرضة من كل مداخلاته أستطيع تناولها بالتحليل في هذه السلسلة ، فلم يشأ جبر خاطري . في غضون ذلك ، في الحلقة الرابعة من هذه السلسلة ، وردني تعليق من أستاذ فاضل هو موضع محبتي و اعتزازي الدائمين - الأستاذ نعيم إيليا المحترم - قائلاً - بعنوان : ملحوظة - بالنص : ملحوظة 2015 / 2 / 27 التحكم: الحوار المتمدن نعيم إيليا الأستاذ القدير حسين علوان حسين نفي مبدأ الحتمية عن الماركسية لا ينفعها بشيء بل يسيء إليها. العلم - وأنت تعتقد بأن الماركسية نظرية علمية - يؤكد الحتمية ولا ينفيها: استكشافات الهندسة الوراثية، ولا سيما في مجال الوصفة الجينية (الجينوم) مثال واحد من كثير من الأمثلة العلمية التي ترسخ مبدأ الحتمية. آراء الأستاذ عموري - بغض النظر عن موقفه السياسي من الشيوعية - لا تخلو من الحصافة والسداد. وقد سبقني إلى لفت عنايتك إلى أن قول إنغلز لا ينفي الحتمية عن الماركسية بل يعززها ويستدرك ما كان خفي من أمرها. مع تحياتي وتقديري لجهدك في انتظار بقية السلسلة! أنتهى نص تعليق الأستاذ الفاضل السيد نعيم إيليا المحترم . و لقد وعدته بتناول الموضوع المهم الذي أشار إليه ، و كذلك تعليق الأستاذ أنيس عموري المحترم - الذي سأخصص لبقية تعليقاته مستقبلاً "سلسة" جديدة ، و ليس هنا . و ها أنا أفي بوعدي للأستاذ الفاضل السيد نعيم إيليا المحترم في هذه الحلقة و ما بعدها مباشرة . يقول السيد أنيس عموري المحترم : القول بأن ماركس قال باللاحتمية وننتقي أقوالا في صالحنا لا يجب أن يخفي أن ماركس قال أيضا بالحتمية وقال أقوالا أخرى هي التي شاعت وعُرِفت وعُمِل بها في حياته وبعد مماته وصارت أيديولوجيا كل الدول والتنظيمات التي قامت باسمه. بهذا فتساؤل حسين علوان: " فأين وجد الأستاذ وليد يوسف عطو وشركاه وأساتذته المحترمون في نصوص ماركس وأنجلز ما يتطابق مع فرية الحتمية والدوغماتية والكلانية هذه لكي يتبرعوا جزافاً برميهما بها؟" هو تساؤل في غير محله، بل إن ما فهمه الأتباع من المادية التاريخية هو حتميتها التاريخية، هذه هي القاعدة وما أتى به حسين علوان هنا شاذ جرى اكتشافه ونفض غبار السنين عنه مؤخرا لتبرير الفشل، وحتى من انتبهوا باكرا إلى هذا الخلل تعرضوا للتشنيع والإقصاء باعتبارهم تحريفيين. الأقوال التالية هي القاعدة العامة التي عُمل بها في الماركسية: "ليس الوعي هو ما يحدد الحياة، بل الحياة هي التي تحدد الوعي". "يحدد" وردت في النص بالفرنسية détermine، ومنه صيغت déterminisme، حتمية. "إن نمط إنتاج الحياة المادية هو الذي يتحكم عموما في عملية تطور الحياة الاجتماعية، السياسية والفكرية". ونقرأ أيضا في (نقد الاقتصاد السياسي،1857). "ليس وعي الناس هو الذي يحدد (يحتم) وجودهم، بالعكس، وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم". "يرتبط البشر، بين بعضهم البعض، بعلاقات محددة، ضرورية، مستقلة عن إرادتهم..." بل هذا ما يجب أن نفهم من قول إنجلز، عكس ما فهمه حسين علوان: "ماركس وأنا، إلى حد ما، نتحمل مسؤولية كون الشباب، أحيانا، يولون دورا أكبر مما يجب للجانب الاقتصادي. فأمام خصومنا الذين ينكرون هذا، كنا نؤكد على المبدأ الرئيسي الذي يتنكرون له، ولم نكن نجد الوقت ولا المكان ولا الفرصة للاهتمام بدور العوامل الأخرى (المؤثرة) (Marx et Engels, Etudes philosophiques, Ed. sociales, p 156.) إنجلز يعترف بالخطأ ويتحمل المسؤولية بينما حسين علوان يستميت في تبرئته. انتهى نص الأستاذ أنيس عموري المحترم . سأتناول أولاً الجمل الخاصة به قبل الانتقال لمناقشة جمل ماركس المقتبسة و فهمه المضحك المبكي لها . من الواضح أن جملة الأستاذ أنيس عموري المحترم : " فتساؤل حسين علوان ... هو تساؤل في غير محله " هي كلام مجاني في ضوء كون تهجمات السيد و ليد يوسف عطو على الماركسية في مقالته إياها قد جاءت كلها بدون أي توثيق نصي ، بل إعتمدت أسلوب كيل التهم بالجملة إرتجالاً جزافاً . و هذا الأسلوب الهجائي غير علمي و غير لائق بتاتاً ، و من حقي أنا و حق كل قارئ مطالبة القائل بإثبات مصداقية كلامه بالنصوص الموثقة . تساؤلي هو التساؤل الذي في محله لأن البينة هي على من إدعى ، و كلام المعلق عموري هو الذي في غير محله بالمرة لأن الباحث العلمي مسؤول عن كل حرف يكتبه ، و تهربه من إثبات مصداقية كلامه بالنصوص لا يليق بمن يحترم شرف كلمته . أما قوله : "بل إن ما فهمه الأتباع من المادية التاريخية هو حتميتها التاريخية، هذه هي القاعدة وما أتى به حسين علوان هنا شاذ جرى اكتشافه ونفض غبار السنين عنه مؤخرا لتبرير الفشل، وحتى من انتبهوا باكرا إلى هذا الخلل تعرضوا للتشنيع والإقصاء باعتبارهم تحريفيين. " فهو قول مزوّر آخر لأن السيد أنيس عموري لم يقم بسؤال كل أتباع ماركس في العالم عن رأيهم لكي ينصِّب نفسه هنا المتحدث الرسمي زوراً بإسمهم . و في هذا كلام طويل ليس هنا مكانه ، سأرد عليه بالتفصيل مستقبلاً في السلسة الخاصة بالسيد أنيس عموري المحترم . و بصدد قوله : " بل هذا ما يجب أن نفهم من قول إنجلز، عكس ما فهمه حسين علوان: "ماركس وأنا، إلى حد ما، نتحمل مسؤولية كون الشباب، أحيانا، يولون دورا أكبر مما يجب للجانب الاقتصادي. فأمام خصومنا الذين ينكرون هذا، كنا نؤكد على المبدأ الرئيسي الذي يتنكرون له، ولم نكن نجد الوقت ولا المكان ولا الفرصة للاهتمام بدور العوامل الأخرى (المؤثرة) (Marx et Engels, Etudes philosophiques, Ed. sociales, p 156.إنجلز يعترف بالخطأ ويتحمل المسؤولية بينما حسين علوان يستميت في تبرئته. " الكلام أعلاه ينطوي على محاولة فاشلة منه و مكشوفة لخلط الأوراق دوغماتياً ، لكون اعتراف إنجلز بعدم إنجازه - هو و ماركس - بحوثاً كافية شافية في الجانب الشكلي من سيرورة تكون البناء الفوقي ، و تحمله المسؤولية عن ذلك ينفي نصياً كل التخرصات المجانية للسيد وليد يوسف عطو المحترم نفسه في مقالته إياها بدوغماتية الماركسية و بادعائها لكلية الصحة لنفسها . خلط الأوراق هنا لا يفيد في ضوء أنني - في الحلقة السابقة - قد استشهدت بالنص المشابه التالي لإثبات كذب الأستاذ وليد يوسف عطو الصراح عندما اتهم الماركسية بكونها تدعي كلية الصحة و أنها تتسم بالدوغماتية : نص أنجلز : "باستثناء هذا ، توجد هناك فقط نقطة واحدة أخرى ناقصة ، و التي ، على أية حال ، فشلنا دوماً ، ماركس و أنا ، في التوكيد عليها على نحو كاف في كتاباتنا ، و التي كلانا مذنب بصددها على نحو متساوٍ . أقول ، كلانا قد أولى تركيزه الأساسي - و كان لزاماً علينا فعل ذلك - بالمقام الأول على إشتقاق الأفكار السياسية و القانونية و غيرها من الأفكار الآيديولوجية و كذلك الأفعال الناجمة من وسط هذه الأفكار ، من الحقائق الاقتصادية الأساسية . و لكننا في عملنا هذا أهملنا الجانب الشكلي - الطرق و الوسائل التي تستطيع بموجبها هذه الأفكار ـ إلخ. أن ترى النور - لصالح الجانب الموضوعي (المعنوي). و هذا ما أعطى مناوئينا فرصة مرحباً بها لإساءات الفهم ، و التي يمثل بول بارت مثالاً بارزاً لها ." انتهى نص إنجلز . واضح جداً من النص أعلاه و النص المشابه الذي أورده السيد أنيس عموري المحترم أن اعتراف أنجلز بتقصيره هو و ماركس يقيم الدليل القاطع على أن الماركسية ليست كلية الصحة و ليست دوغماتية مثلما يدعي الأستاذ و ليد يوسف عطو المحترم - هذا إذا كان هو و السيد أنيس عموري المحترم يفهمان معنى ما يكتبان . لوم إنجلز نفسه و لماركس و دعوته كل الماركسيين في البحث بهذا الموضوع لتجاوز النقص الحاصل ، و تصريحه - في نصه الذي أوردته في الحلقة السابقة - بحاجة الماركسية إلى أكوام من الدراسات في تاريخ الاقتصاد لإكمال النواقص في النظرية الماركسية يؤكد محاربة ماركس و إنجلز للدوغماتية و لكلية الصحة في نظريتهما . كما أنه يلغي التخرصات التي تتهم الماركسية زوراً بكونها تهمل دراسة الأثر و التأثير بين البناء التحتي و الفوقي لكونها تقول بالحتمية الاقتصادية (كذا) . إنجلز إنتبه إلى هذا النقص ، و نبّه عليه قبل أي شخص آخر ، و لهذا فقد حث كل الماركسيين الشباب للإنعكاف على دراسة حقول علم تاريخ الاقتصاد التي لم تتح الفرصة لماركس و أنجلز البحث فيها على نحو شافٍ . و سأعود لهذا الموضوع في الحلقة القادمة . نصل الآن إلى الفصل المضحك المبكي في أقوال السيد أنيس عموري المحترم . يقول : الأقوال التالية هي القاعدة العامة التي عُمل بها في الماركسية: "ليس الوعي هو ما يحدد الحياة، بل الحياة هي التي تحدد الوعي". "يحدد" وردت في النص بالفرنسية détermine، ومنه صيغت déterminisme، حتمية. "إن نمط إنتاج الحياة المادية هو الذي يتحكم عموما في عملية تطور الحياة الاجتماعية، السياسية والفكرية". ونقرأ أيضا في (نقد الاقتصاد السياسي،1857). "ليس وعي الناس هو الذي يحدد (يحتم) وجودهم، بالعكس، وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم". "يرتبط البشر، بين بعضهم البعض، بعلاقات محددة، ضرورية، مستقلة عن إرادتهم..." إنتهت أقول السيد أنيس عموري المحترم . الأستاذ أنيس عموري يفسر اقتباساته من أقوال ماركس بكونها الدليل على قول ماركس بالحتمية ، و أنا أؤكد أنها تقيم الدليل الذي يدينه من لسانه بالجهل الفاضح حتى بمعاني الكلمات و الجمل التي يقرأ و يستشهد بها . سأبدأ من الأخير . يقول ماركس : "يرتبط البشر، بين بعضهم البعض، بعلاقات محددة، ضرورية، مستقلة عن إرادتهم..." ما علاقة المقولة أعلاه بالحتمية التي تقول أن كل حدث في الكون مكتوب له أن يحصل كما هو حاصل بالضبط للأسباب الحتمية المتحكمة فيه رغماً عن إرادة الإنسان ؟ لا علاقة ، البتة . الحديث هنا هو عن علاقات الإنتاج و ليست الأحداث ، و بإمكان الإنسان الخروج من علاقات الإنتاج إذا كان حراً و لم يكن مضطراً للعمل ، بلا حتمية و لا من يحزنون . مثال : فلان يولد إبناً لعبد ، فيصبح هو - رغماً عن إرادته - عبداً لسيد أبيه و سيده في العلاقة الإنتاجية القائمة بين السيد و العبد حسب قوانين نمط الإنتاج العبودي . هل أن هذه العلاقة الإنتاجية (العبد-السيد) إختارها العبد بنفسه و بإرادته ؟ طبعاً لا . الحديث هنا هو عن علاقات إنتاج تفرضها ظروف اجتماعية موضوعية موروثة من الماضي ، و ليس الحتمية و عدم الحتمية ؛ فمثلما لا يستطيع الإنسان أن يختار أمه و أباه ، فكذلك لا يستطيع العبد أن يختار نوع علاقته الإنتاجية بل يفرضها عليه دوره المحدد في نمط الإنتاج السائد تاريخياً في زمنه . فلان ملاح يملك أرضاً سبخة يحتاج للعمل و إنتاج الملح منها و بيعه لكسب عيشه . و لكي لا يموت من الجوع ، فهو ينتج الملح من أرضه و يبيعه في السوق ، فيدخل - بمعزل عن إرادته - في العلاقة الإنتاجية مع الآخرين و المتمثلة بعلاقة المنتج-المستهلك . الإرادة الشخصية للملاح هنا تنصب على الإنتاج بغية كسب القوت و دوام العيش ، و لكنه مضطر لكي يبيع إنتاجه في السوق أن يدخل بمعزل عن إرادته في علاقة المنتج-المستهلك اللازمة لتحويل منتوجه إلى نقد ، و بعكسه يموت من الجوع . هذه العلاقات واضحة ، و يقررها الوضع الاجتماقتصادي القائم لكل إنسان يعمل لكي يحصل على دخل في كل زمان و مكان . فلانة عاملة ، ماذا يجب عليها أن تعمل لكي تعيش ؟ تعمل في مصنع أو دار أو محل عمل ما لتدخل بمعزل عن إرادتها بعلاقة العاملة - رب العمل الضرورية لتحقق صفة العاملة فيها . طبعاً باستطاعتها - إن شاءت و توفر لها المعين - عدم العمل ، و حينئذٍ ستصبح خارج علاقات الإنتاج التي يتحدث عنها ماركس هنا برمتها ، و بالتالي لا تعود عاملة . الآن نأتي إلى العلاقة الإنتاجية الثلاثية المتفردة : فلان رأسمالي لديه مصانع ، و لكي يواصل تحقيق المزيد من الأرباح ، يضطر لتشغيل العمال في مصانعه من جهة ، و بيع أنتاج العمال للمستهلكين من جهة أخرى . هل أن ارتباط الرأسمالي بهاتين العلاقتين : رب عمل-عامل ، بائع- مستهلك يحصل بإرادته ، أم أن شكل هاتين العلاقتين يقوم على طبيعة نمط الإنتاج السائد تاريخياً في مجتمعه بمعزل عن إرادته ؟ الجواب هو : طبيعة نمط الإنتاج القائم و بمعزل عن الإرادة الشخصية . لنفرض أن عاملاً استطاع أن ينتقل عبر عشرين سنة من بائع متجول ، إلى عامل تعدين ، ليصبح بعدها رب عمل . كبائع متجول ، كان مضطراً لأن يرتبط مع الآخرين بعلاقة البائع-المستهلك ، و إلا لم يكن بائعاً متجولاً في حينها ؛ و كعامل تعدين ، كان مضطراً لأن يرتبط بعلاقة عامل-رب عمل ، و إلا فهو لم يكن عاملاً ؛ و كرب عمل ، يضطر أن يرتبط مع الآخرين بعلاقة رب العمل-العمال زائداً علاقة البائع-المستهلك ، و بعكسه لا يكون رب عمل . كيف يمكن إذن لإرادة الفرد أن تتدخل لإثبات عدم الحتمية و كون الإرادة الفردية فاعلة المفعول هنا ؟ الجواب : عندما يختار المرء الخروج من دائرة الإنتاج برمتها من خلال التوقف عن الشغل الذي يدر له دخلاً ، فينتفي قيام شكل علاقته الإنتاجية مع المشتركين الآخرين فيها . و الآن نأتي على الاستشهاد-الفضيحة للسيد أنيس عموري المحترم . يقول : الأقوال التالية هي القاعدة العامة التي عُمل بها في الماركسية: "ليس الوعي هو ما يحدد الحياة، بل الحياة هي التي تحدد الوعي". "يحدد" وردت في النص بالفرنسية détermine، ومنه صيغت déterminisme، حتمية. "إن نمط إنتاج الحياة المادية هو الذي يتحكم عموما في عملية تطور الحياة الاجتماعية، السياسية والفكرية". ونقرأ أيضا في (نقد الاقتصاد السياسي،1857). "ليس وعي الناس هو الذي يحدد (يحتم) وجودهم، بالعكس، وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم . إنتهت إقتباسات السيد أنيس عموري المحترم من ماركس ؛ و محاكمته تقول : بما أن المترجم الفرنسي لأقوال ماركس من الألمانية يستخدم الصفة الفرنسية (détermine) ( و معناها بالفرنسية هو "محدد" أو "مقرر" أو ما شابه ) في ترجمته للمقولات أعلاه ، و كانت المفردة التي تعني "الحتمية" في الفرنسية هي (déterminisme) ، إذن فماركس يؤمن بالحتمية بالترجمة ! أنثروبولوجيا اللغة ! طيب ، كلمة (détermine) هي صفة - تستخدم في الفرنسية ، مثلاً ، في عبارة : "السعر محدود" : (Un prix déterminé) بمعنى "مُحدَّد" ، فكيف تحولت صفة "محدد" بقدرة قادر إلى الفعل "يحتم" عند الإستاذ أنيس عموري المحترم ؛ و من بعدها من صفة عينية ملموسة إلى إسم معنى نظري بإضافة اللاحقة (isme) عليها ؟ هل يمكن استبدال الصفة (détermine) بالإسم (déterminisme) في نص مقولات ماركس بالفرنسية أعلاه دون تغيير معناها تماماً ؟ قطعاً لا . هل يجوز لي أن أفسر أنا جملة : "قيام زيد من مكانه كان في محله" بمعنى أن زيداً يؤمن بالقيامة لكون مفردة "القيامة" مشتقة من "قيام" ؟ طبعاً لا يجوز ، لأن هذا تلفيق . و لكن الملفقين ضد الماركسية على أتم الاستعداد لعمل كل شيء ، على قاعدة : كل شيء مسموح بالحرب ضد الماركسية ، و لذلك فإن ماركس هو حتمي بحكم الترجمة الفرنسية لكون وعي ماركس تابع و نابع من مفردات مترجمه الفرنسي ! طيب ، ما دام الأستاذ أنيس عموري يفهم في اللغات ، و هو متبحر في تفسير الماركسية مثلما يدعي زوراً و بهتاناً ، فلماذا لم يقم بمراجعة النصوص الأصلية لماركس بالألمانية لإثبات صحة كلامه ، مثل كل باحث يحترم شرف الكلمة ؟ كلا ، هذا لن يكون ، فعيون الغيض كليلة عن كل خصلة جميلة ! و الصحيح الواقع هو أن ماركس يستخدم الصفة الألمانية (bestimmt) هنا ، و معناها : مؤكد ، معطي ، مثبت ، محدد ؛ في حين أن جذر مفردة الحتمية بالألمانية (Determinismus) لا علاقة له مطلقاً بجذر هذه الكلمة (bestimmt) ، عكس الحال في الفرنسية و الإنجليزية . من هو "الشاذ" في التفسير إذن ، أنيس عموري الذي يسمح لنفسه بالتحكم الديماغوجي و الدوغماتي بوعي ماركس و كل أتباعه عن طريق تزويره الصريح و المتعمد لترجمة نصوصه ؛ أم حسين علوان حسين ؟ يقول ماركس : [Es ist nicht das Bewuß-;-tsein der Menschen, das ihr Sein, sondern umgekehrt ihr gesellschaftliches Sein, das ihr Bewusstsein bestimmt.] [ ليس الوعي الاجتماعي للبشر هو الذي يحدد وجودهم ، بل بالعكس ، وجودهم الاجتماعي هو المحدد لوعيهم الاجتماعي .] و بالمناسبة ، فإن ماركس يوضح أن أول من قال بهذه المقولة هو : عبد الرحمن بن خلدون . يتبع ، لطفاً .
صحيح أن ماركس وإتجلز قالا يإمكان الشعوب أن تتحرر من الاشتغلال الذي تكابده لكنهما أكدا على أن ذلك لا يتم قبل ألا تعود علاقات الإنتاج تتسع لقوى الإنتاج وهو ما لا يتم بتخطيط من الإنسان أو برغبة منه كل التحية للرفيق المناضل الدكتور حسين علوان حسين
إرسال شكوى على هذا التعليق
77أعجبنى
أشكر أستاذنا العزيز أبا نورس على التفاتته الكريمة إلى ملحوظتي وبعد فإن النتيجة التي تسعى إلى بلوغها (نفي مبدأ الحتمية) تدفع إلى طرح أكثر من سؤال. أبدأ، بعد أن تأذن لي، بطرح الأول منها: هل الشيوعية حتمية الحدوث، أم لاحتمية الحدوث؟ فإن كانت لاحتمية الحدوث، فأي شيء يبرر النضال من أجل شيوعية لاحتمية الحدوث؟
إرسال شكوى على هذا التعليق
147أعجبنى
ان تاريخ الشعوب ما هو الا الصراع الطبقي فالصراع الطبقي كتب تاريخ الشعوب والحتميه هنا واردة في تشكل الطبقات وتطور المجتمعات وصولا عند النقطه التي تبرز فيها تناقضات جديدة ضمن علاقات انتاج جديدة فالحديث يتم بالحتميه عن قوى وهلاقات انتاج ولكن على الصعيد الفردي وليس بالمعنى السياسي فالحتميه لا معنى لها عندما يتعلق الامر بالارادة الشخصيه اي عندما يكون الشخص لا يعيش علاقات الانتاج السايده فلا اعتقد ان المومس التي تمارس الدعارة بارادتها راضيه بما تفعل بل مجبرة وبنفس المعنى النقيض قد نجد فكر تنويري يخرج من المسجد
إرسال شكوى على هذا التعليق
163أعجبنى
التسلسل: 4
العدد: 607448 - كاسح ماسح كالفهود الاصيلة في الفكر
تحيات الرائع حسين علوان لقد سحبت البساط من تحت اقدام الامهات عفواً من تحت اقدام المحرفين,فاوضحت الجهل في القراءة وعدم الفهم, فقلعت الحجر من ادمغة العصافير! كيف لا يعرف الرجل؟ الفرق بين شرح ماركس وانجلز للامور.كيف تُفسر العروض والشروح على انها الحتمية.وأنا اقرأ لك, ساقني خيال مجنون, إلى أن(السلبوح) حسب رؤى عموري! انه بروليتير حتمي حين يسعى في الجحور ليأكل في سوق العمل الرأسمالي هههه! فهذا يؤكد الحتمية لنظرية ماركس هههه. أي خواء ممكن تبديل الهمزة إلى راء لتكون الجملة اكثر طبقية وحتمية ودوغماتية من جانبي الماركسي هههه. لا اظن الغباء هو السبب لعدم التمييز بين الشرح ولتحويله إلى الحتمية و الكلانية و الشمولية الستالينية !!! والله حي الله الله حي مدد! الشيوعيين اخوان الشياطين يؤمنون بالحتمية الاشتراكية عبر النضال الطبقي و بقيادة الحزب الشيوعي وبقيادة ماركس و لينين, مجرمين لا يؤمنوا بالديماقند رية الغربية المفتوحة الفارعة الرشيقة المصلخة المنبطحة في احضان اوباما وهاليري كلنتون! لا اجد امام هذا الخواء اي نزعة نحو الجدية فهذا مستوى تليق به كلماتي الساخرة الصاخبة الهازئة. عاش ماركس و إلى الابد!ن
إرسال شكوى على هذا التعليق
142أعجبنى
استاذي العزيز حسين علوان حسين X للمرة نؤكد خرافة حتمية الماركسية. -يتسائل فيل كاسبر: -هل ان الماركسية حتمية Is Marxism deterministic? :ويجيب على السؤال بالجواب التالي الذي اتفق معه كليا
Marxism does not offer a deterministic account of society and history, and in fact it is not possible to do so. What it does offer is a scientific account of the social factors and contradictions that make certain futures possible´-or-likely, and other futures unlikely´-or-impossible. It is not a theory of the inevitability of the socialist transformation of society, but rather an account of the social factors and circumstances that make such a future possible and a guide to action for -those fighting for socialism
الماركسية لا تقدم تصورا حتميا للمجتمع والتاريخ، والواقع أنه ليس من الممكن القيام بذلك. ما تقدمه هو عبارة عن تحليل علمي للعوامل الاجتماعية والتناقضات التي تجعل بعض التصورات المستقبلية ممكنة أو قابلة للحدوث على الأرجح، والتصورات المستقبلية الأخرى غير مرجحة أو مستحيلة. يتبع
إرسال شكوى على هذا التعليق
161أعجبنى
وهي ليست نظرية حتمية التحول الاشتراكي للمجتمع، ولكن بدلا من ذلك فهي تقدم فهما للعوامل الاجتماعية والظروف التي تجعل مثل هذا المستقبل ممكن، ودليل للعمل لهؤلاء الذين يناضلون من أجل الاشتراكية. http://www.isreview.org/issues/58/gasper-determinism.shtml مع وافر تحياتي واحترامي
إرسال شكوى على هذا التعليق
144أعجبنى
التسلسل: 7
العدد: 607522 - الرفيق الدكتور حسين علوان حسين المحترم
الحتمية هي مذهب مادي ، مر اثناء تطوره تاريخيا ، بشكلين : ١ الحتمية الكلاسيكية (الميكانيكية)- عالم الرياضيات الفرنسي لابلاس . نقيصتها القاتلة ، عدم الاعتراف او عدم فهم الوجود او الدور الموضوعي للصدفة . ٢ الحتمية كمفهوم مادي ديالكتيكي . كلاهما يرى أن كافة الظواهر تعتمد على مبدأ السببية الموضوعية . طبعاً الثاني يعتبر العلاقات بين الظاهرات اشد تعقيداً من السببية فقط . خلافاً لوجهة النظر الاولى ماركس يرى الصدفة على أنها واقع موضوعي وعامل مهم في التأريخ ، يمكنه ان يعجل او يبطئ مسيرة الاحداث التاريخية ، وان يضع ختمه الخاص على ملامحها . و اذ تعترف وجهة النظر هذه بوجود القوانين الموضوعية المحددة لما هو ضروري ، تفهم الصدفة على مستويين : يتبع ..
إرسال شكوى على هذا التعليق
134أعجبنى
التسلسل: 8
العدد: 607523 - الرفيق الدكتور حسين علوان حسين المحترم
المستوى الاول- يرتبط بالعلاقة بين ماهو عام ، ماهوي ، متكرر (العلاقات و القوانين الموضوعية بين الظواهر) - و خاص ، متفرد ، يحدث لمرة واحدة (الظواهر الصدفية - مثل الشخصيات في التأريخ) . وبينما لا ترى وجهة النظر الجبرية ما هو صدفي عارض ، تقع عيون الفكر المثالي على ما هو فردي . المستوى الثاني- يرتبط بالعلاقة بين ما هو ضروري ، كحصيلة للمنطق الداخلي لتطور الظاهرة موضوعياً ، والعرضي، الجانبي ، الذي يبدو كما المفاجأة . وهو ما يسميه بليخانوف - نقطة تقاطع الضرورات- مثل وفاة القائد ، التي تؤثر على سير الاحداث التاريخية الا انها غير نابعة بشكل طبيعي من المجرى العام لصيرورة الظاهرة. نفهم مما تقدم : للصدفة اسس واسباب مثلها مثل ماهو ضروري ، الا انها تستطيع تعجيله او ابطاؤه لا ايقافه . مع فائق الود .
إرسال شكوى على هذا التعليق
111أعجبنى
التسلسل: 9
العدد: 607541 - االرفيق العزيز الدكتور طلال الربيعي
إسمح لي أيها الرفيق العزيز أن أعارض بقوة ما ذهبت إلية كقولك بأن أزمة النظام الرأسمالي يمكن أن تحل بغير الثورة الاشتراكية ما أكده ماركس بقوة هو أن الصراع الطبقي سينتهي فقط في التاريخ حين تنتصر البروليتاريا في صراعها مع الطبقة الرأسمالية وتقيم دولتها الدكتاتورية وهو ما يعني حتمية الإشتراكية
وقائع التاريخ أثبتت ذلك فالبورجوازية الوضيعة السوفياتية هربت من الاستحقاق الاشتراكي وانقلبت على الاشتراكية في الخمسينيات وباتت تعيش روسيا اليوم على تصدير المواد الخام والرأسماليون هربوا من الاستحقاق الاشتراكي فنقلوا القيمة الرأسمالية من البضاعة إلى النقود في رامبويية وهو ما لا يحق علمياً وواقعياً وباتت الولايات المتحدة تستدين سنويا ترليون دولار لتسد احتياجاتها
وهكذا صار العالم اليوم بلا نظام اجتماعي بل في فوضى اجتماعية عالم اليوم هو عالم الهروب من الاستحقاق الاشتراكي تحياتي
إرسال شكوى على هذا التعليق
138أعجبنى
التسلسل: 10
العدد: 607616 - اتكلم عن المناضلين من اجل الاشتراكية
الرفيق العزيز فؤاد النمري اني اتكلم عن المناضلين من اجل الاشتراكية وهذا هو امرنا, وليس عن الهاربين من استحقاقها فالصنف الثاني لايهمه امرالماركسية سواء اكانت حتمية ام لا. وافر مودتي
إرسال شكوى على هذا التعليق
72أعجبنى
الأستاذ الفاضل السيد نعيم إيليا المحترم ت 2 تحية حارة أعتذر لتأخر الرد بسبب وعكة صحية . لعلكم تجدون الرد في الحلقة السادسة من هذه السلسلة التي أرسلتها قبل لحظات . أتطلع إلى رأيكم الحصيف بصددها . سلامي و محبتي .
إرسال شكوى على هذا التعليق
136أعجبنى
الرفيق الأستاذ آدم عربي المحترم تحية حارة تعليقكم -3 توصيفكم هو الحق ، مع إستبدال مفردة -الحتمية- بالضرورة . أجمل شيء هو تنبيهكم اللامع إلى الواقع الإجتماعي - و ليس الفردي مطلقاً - للصراع . بعضهم يقرأ كل نصوص ماركس لا ليفهمها ، بل ليجد عبارة -بمعزل عن الإرادة الفردية- أو ما شابه من العبارات لإتهام الماركسة ظلماً بالحتمية دون وعي المغزى من كلام ماركس . حبي و تقديري .
إرسال شكوى على هذا التعليق
134أعجبنى
الرفيق الأستاذ الدكتور طلال الربيعي المحترم تحية حارة تعليقكم 5 ، 6 ، 10 مساهماتكم الغنية دائماً تأتي بالكلام العلمي الصحيح المناسب في المكان المناسب كفصل للخطاب. حبي و تقديري .
إرسال شكوى على هذا التعليق
113أعجبنى
الرفيق الأستاذ مهدي علوش المحترم تحية حارة تعليقكم 7 ، 8 أهلاً و سهلاً بكم ، أستاذنا الفاضل ، و جزيل الشكر على مروركم الكريم . مساهمتكم رائعة . أرجوكم أن تواصلوا زياراتكم الميمونة . حبي و تقديري .
إرسال شكوى على هذا التعليق
120أعجبنى
الأستاذ أنيس عموري المحترم تحية متجددة تعليقاتكم على الفيسبك يعيرني ، عاذل ، بماركس لجاجة ، قلت : إن الوفاء للشريف عريف . حبي و سلامي .
إرسال شكوى على هذا التعليق
66أعجبنى
الرفيق الأستاذ الفاضل علوان عبد كاظم الورد شرفتموني بزيارتكم و كلامكم المفرح من على الفيسبك . أرجوكم واصلوا تشريفي بمروركم الكريم . تحياتي و مودتي و تقديري .
إرسال شكوى على هذا التعليق
130أعجبنى