آرا خاجادور : الشيوعية المعتّقة-آرا: آلهة الشمس-الحلقة الخامسة والأخيرة


عبد الحسين شعبان
2015 / 2 / 26 - 17:17     

آرا خاجادور : الشيوعية المعتّقة
الحلقة الخامسة والأخيرة
آرا: آلهة الشمس
القضية الرابعة من المسؤول عن إرسال الرفيقات والرفاق إلى الداخل وكيف كانت قضايا من هذا النوع الخطير تتم بعدم معرفة بالظروف ولا أبالية وعدم شعور بالمسؤولية أحياناً، خصوصاً الرغبة في تسجيل نجاحات وهمية، علماً بأن الغالبية الساحقة من الذين أرسلوا كانوا ضحايا، لاسيّما وأن عملية إرسالهم كانت في الغالب الأعم مكشوفة ومعروفة بسبب الاختراقات من الأجهزة الأمنية.
العشرة المبشرون بالجنّة
القضية الخامسة هي موضوع اختيار ما سمّي بالعشرة المبشّرين بالجنة (وهم عشرة رفاق قيل أنهم مهيأون للذهاب إلى الداخل وأوكل أمر اختيارهم إلى عزيز محمد ، فما هو موقفه وكيف تعاطى مع الموضوع؟)، ثم ما هي ملابسات هذه القضية، خصوصاً وأنها لم تعد سرّاً، بل إنها لم تكن سرًّا حينها، وقد تم نشر العديد من الأسرار في حينها على صفحات الجرائد الكويتية، وبعضها نُشر على شكل كراريس من جانب الأجهزة الأمنية .
الأمين العام
القضية السادسة، لم يقل لنا خاجادور في رسائله المذكورة، كيف تم اختيار السكرتير العام الجديد، بعد الإشكالية التي تحدّث عنها بخصوص السكرتير العام القديم، خصوصاً وأن زكي خيري عندما سُئل عن اختيار السكرتير العام، قال أن تأهيله النظري ضعيف وأنه لا موقف له، لاسيّما عندما يحتاج الأمر إلى موقف، وضرب مثلاً لاجتماع كان بإدارته.
قد يكون زكي خيري مصيباً أو مخطئاً، وقد يكون الأمر واقعاً، أي إن الاختيار مما هو موجود وقائم وممكن، إذْ إن السكرتير العام لا يأتي من السماء، بل هو بشر له إيجابيات مثلما له نواقص وأخطاء، وكان عزيز محمد قد عرض على أحد إدارييّ الحزب السابقين منصب السكرتير العام، لكن هذا الأخير، كما كرّر أكثر من مرّة، قال له : إذا كنت تقصد استدراجي لمعرفة طموحي في أن أكون سكرتيراً عاماً، بغرض إزاحتي، باستبطان أجواء الدسائس والمناورات، فليس لديّ رغبة، وإذا كان الهدف اختياري فعلياً، فليس لديّ رغبة أيضاً.
الهروب إلى الأمام
وإذا كان اللهاث وراء المواقع كما يذكر خاجادور صحيحاً، ومعروفاً، فإن انهيار الكتلة الاشتراكية وحالة الاحباط والقنوط، التي أصيب بها العديد من الإدارات السابقة وفي ظل الأجواء المحمومة، كانت وراء حالة العزوف عن العمل وعدم الرغبة في تحمّل المسؤولية، وهما السمتان اللتان طبعتا تلك الفترة، وإن ظلّت عيون البعض معلقة على الادارة، وإضافة إلى الأسباب الموضوعية، فإن حالة التفكّك وعدم الاقتناع التي سادت، دفعت الأمور إلى هذه النتيجة، حتى أن المؤتمر الخامس طلب من عدد من الحاضرين الترشيح فاعتذروا، وتم ترشيح 15 مرشحاً بعضهم بضغوط من الحاضرين، وفازوا دون منافسة ، بمن فيهم من لم يكن قد ذهب للمؤتمر بنيّة الترشّح أو لم يكن في باله أصلاً.
ختاماً أقول إن الحوار المباشر أو على الورق مع الرفيق خاجادور مفتوحاً وقد سبق أن دخلنا في حوار تضمّنه بعض فقرات كتابه، وقد تم نشره في حينها، تقريضاً لكتاب خزندار، وكان الحوار قد حمل عنواناً " هامش على هوامش آرا خاجادور " بتاريخ 26/9/2007.



الوفاء الشيوعي ونقيضه!
إن من أهم دلالات هذا الكتاب، هو الوفاء الشيوعي، وإذا كان البعض يغمز من إن وراء الكتاب وما كُتب هو د. عبد الحميد برتو، فذلك دليل على نكران الذات وفي الوقت نفسه تضحية وإيثاراً، إذ يكرّس أحد الرفاق جهده وعقله لكي يساعد رفيقاً عزيزاً عليه.
والوجه الآخر لهذا الوفاء هو، حين يقرّ ويعترف الرفيق الآخر بفضل الأول عليه ويكرّمه بما يستحق من عبارات الإشادة والتقدير والاعتزاز، وهذا هو ما ينبغي أن يسود من علاقات بين الرفاق، وليس الكراهية والإساءة والضغينة.
ومع كل ما قيل، فالكتاب كتب بلغة مهذّبة وعبّر عن أدق وأخطر القضايا بأسلوب مناسب ومحترم، سواءً اتفقنا معه أو اختلفنا عليه أو على مضمونه، وقد جمعتني مع الرفيق آرا علاقة عمل حين كان مشرفاً على لجنة تنظيم الخارج، وكنا عبد الحميد برتو وأنا مسؤولين في لجنة تشيكوسلوفاكيا، وعن لجنة التنسيق الطلابية لعموم طلاب الخارج، وكانت بعض المشاكل قد حصلت بسبب تصرّفات فردية ونهج بيروقراطي، الأمر الذي اتفق فيه آرا مع مهدي الحافظ، على اختيار طالبين من قيادة المنظمة يمثّلان الحزب لدى الجامعة والسلطات الحزبية فيها، على الرغم من بداية مشوارنا في براغ وعدم إتقاننا للغة التشيكية، وفي ذلك تعبير عن نبض العاملين في القطاع الطلابي.
وعلى مدى الأعوام منذ السبعينيات وحتى الآن سواء في كردستان العراق أو في الشام أو في براغ كانت العلاقة ودية، حتى وإن كنّا نختلف حول الكثير من القضايا والتوجّهات، سواء على نحو مباشر أو غير مباشر، مثلما هي اختلافاتي الجميلة مع الصديق برتو، في العديد من المواقف والتقديرات، لكن الاحترام المتبادل والاعتزاز الأخوي وتقدير استقلالية التفكير كانت قائمة في كل الأحوال.
الشجاع: في الحرب والحب
وبعد كل ذلك فآرا خاجادور مقبل على الحياة في كل الظروف والأحوال، وهو "عييّش" كما يقول اللبنانيون، يستمتع بحياته، مثلما يغامر فيها، عندما يقتضي الأمر ذلك، وكأنه يردّد مع الجواهري الكبير:
وأركبُ الهولَ في ريعان مأمنةٍ حبّ الحياة بحبّ الموت يغريني
كان في الرقص سبّاقاً، ويبادر لافتتاح الحلبة أحياناً برشاقة وهارموني، وكأنه يقتحم الميدان بشجاعة وهو يحمل الراية، أما موقفه من المرأة وحقوقها ومن التقدم الاجتماعي، فكان إنسانياً، وهو بذلك منسجم مع نفسه ولا يخفي ذلك، وعلى هامش إحدى المناسبات استذكرت معه ما رواه الجواهري وما دوّنته في كتابي عنه " الجواهري – جدل الشعر والحياة" الصادر في العام 1997، من أنه عندما رأى جمال الحيدري وهو يتقدم إلى حلبة الرقص، هتف في سرّه، ربّما يمكنه أن يصعد إلى حبل المشنقة بنفس الدرجة من الإقبال، مشيداً بجرأته وإقدامه، وكان ذلك في حانة كنّا نتردّد عليها، وكان قد ارتادها سلام عادل وجمال الحيدري، خلال مرورهما في براغ، وكان شغيلتها يعرفون آرا والمشروب الذي يتناوله ويسمونه آرا درنك Ara drink.
رمزية الكبار
وكم شعرت بحزن خفي حين تحوّل ذلك المكان التاريخي الرمزي بالنسبة لنا إلى مطعم سريع وأزيحت معالمه، ولعلّ تلك مناسبة للبحث عن بيوت وأماكن، سكن فيها قادة كبار أو مقاهي زاروها أو ارتادوها ، وهو ما يحدث مع زعماء ومبدعين متميّزين، بل إن بعض أمكنتهم تظلّ فارغة، ويكتب عليها إن فلان جلس في هذا المكان، ومثل ذلك دعوة لاستذكار الشهداء، وكم سيكون رمزياً حين نعرف أين سكن فهد في باريس وأي مقهى ارتاد، وأية غرفة سكن في مدرسة كادحي الشرق في موسكو، مثلما سيكون وفاءً حين نعرف أين درس سلام عادل، وأين درّس في الديوانية، وأين عاش في بغداد، وكم من البيوت تنقّل فيها، لأن ذلك يضفي الجانب الإنساني العاطفي حول تلك الشخصيات خارج نطاق التقديس، وهو أمر قد يساعد فناناً سينمائياً غداً لإخراج فيلم عن ذلك، وقد تحين الفرصة ليتحوّل إلى متحف يحكي قصته الشيوعيين العراقيين.
صاحب مروءة
عاش آرا خاجادور متمدّناً وحضارياً وصاحب مروءة ، وتلك واحدة من خصائص الشيوعية، وعلى الرغم من الظروف الصعبة، فقد كان كريماً دون إسراف أو تكلّف، بل كان عفوياً وتلقائياً دون حسابات في الكثير من الأحيان. وكان متواضعاً بل شديد التواضع بقدر اعتداده بنفسه، وتلك صفات الكبارـ دون تكبّر، وقد يكون مناسباً أن نعرف معنى اسم " آرا"، فحسب اللغة الأرمنية القديمة يعني " آلهة الشمس"، وكان آرا حالماً طيلة حياته بأن تشرق شمس الشيوعية في العراق.