آرا خاجادور : الشيوعية المعتّقة-الحوار مع حزب البعث- الحلقة الثالثة


عبد الحسين شعبان
2015 / 2 / 24 - 19:31     

آرا خاجادور : الشيوعية المعتّقة
الحلقة الثالثة
الحوار مع حزب البعث
يتناول خاجادور في رسالته الموجّهة إلى اللجنة المركزية مسألة الحوار مع سلطة حزب البعث (أيار/ مايو 1988) ويفرد لها حيّزاً كبيراً، حيث يقول إن اللجنة المركزية وافقت على ممارسته مبدئياً، وهو ما توصّلت إليه لجنة إقليم كردستان واجتماع الكوادر العاملين قرب مقر مركز الحزب، ويقول: لم تطرح أية معارضة لموضوع الحوار، ما عدا التأكيد على ضرورة اليقظة والحذر.
ولعلّ مثل هذه القضية تكاد تكون خافية على الرأي العام الحزبي، بل يجري انكارها، علماً بأن خاجادور يقول إنها قرار من المكتب السياسي ولجنة الإقليم وشبكة الكادر حول مركز الحزب.
وقد حصل اللقاء فعلاً في براغ بين مكرّم الطالباني رسولاً للنظام وعزيز محمد وجلال الطالباني 1989 وتعذّر حضور مسعود البارزاني، علماً بأن نتائج هذا الملف تم وضعها في مسوّدة نشرة داخلية وحملها عبد الرزاق الصافي بعد أن أعدّها المكتب السياسي وتوجّه إلى الشام لطباعتها، وهناك حسبما يقول خاجادور افتعلت ضجة وحملة تشهيرية... لأهداف ذاتية واضحة ومحدودة الأفق والأغراض والمصالح تسعى إلى زيادة الارتباك في صفوف الحزب... وتحت تأثير غبار هذه الضجّة جرت المطالبة بعدم توزيع النشرة.
هل الحزب الشيوعي يمثل الطبقة العاملة؟
أما في رسالته المفتوحة التي يعتبر نفسه متأخراً في طرح الحقيقة على جمهور الحزب لأنه حسبما يقول توصّل إلى اقتناع بأن قيادة الحزب مصرّة على نهجها في تفتيت الحزب، فإنه يتناول فيها جملة من القضايا المهمة، نعرض منها ما يلي:
• العجز القيادي وواقع تدهور وضع الحزب وتحليلاته المزعومة، حيث يسخر من عبارة " لقد أثبتت الحياة صحّة سياستنا".
• المؤتمر الخامس العام 1993، الذي يتهمه بأن رسالته الأساسية هي " إضفاء صبغة من الشرعية على قيادة أثبتت عجزها وقصورها..." ص 44، ويعتبر ذلك مناورات ودسائس ومؤامرات في أوساط القيادة، في حين إن جماعة المؤتمر، تطلق عليه اسم مؤتمر التجديد والديمقراطية، مشيراً إلى أن قاعدة الحزب تترك، كما هي العادة في الظلام، لا تعرف ما الذي يحدث في رأس الحزب المريض، وهو استنتاج خطير، لاسيّما حينما يصدر من آرا خاجادور .

البريسترويكا
وينتقد خاجادور مفهوم التجديد من جانب " بيرسترويكا غورباتشوف" ملمّحاً إلى الندوات الأكاديمية وحوار الصالونات (المقصود بها ندوات مجلة النهج) الذي لم يتوفر فيه الصراحة وروح البحث العلمي، ويعتبر تلك المؤتمرات وأعمال النشر المدفوع الثمن، تصبّ في خدمة القيادة السوفييتية التي انتهجت " سياسة تصفوية مرسومة بعناية فائقة ومدعومة بمختلف الصيغ من قبل الغرب الاستعماري..." ص 46.
ومثل هذا الرأي لا بدّ من التوقف عنده، خصوصاً للعلاقة الخاصة التي ربطت آرا خاجادور بالدول الاشتراكية، ولاسيّما تشيكوسلوفاكيا، انطلاقاً من إيمان أممي وقناعة راسخة، تقتضي التوافق لا التباعد، خصوصاً مع السوفييت ومن يدور في فلكهم من الدول الاشتراكية السابقة.
من موسكو النجمة الحمراء إلى واشنطن المتعدّدة النجوم
• الرفاق الموظفون ودورهم، ويعتبر هؤلاء ظلّوا يحملون لافتة الشيوعية، لأنها تمثّل بالنسبة لهم المكتب أو الدائرة التي يعملون فيها، ولكن تم تحويل مرجعيتهم بعد غياب موسكو من "النجمة الحمراء" إلى واشنطن "متعدّدة النجوم". ويقول إن الموظفين في حزبنا طلبوا العون من واشنطن سرّاً وعلانية، بعد أن أعربوا أمام أولياء نعمتهم الجدد، بأنهم تخلّوا عن مبادئ الاشتراكية " العتيقة"، إضافة إلى سياسة الصفقات التي تعقد مع قوى رجعية أجنبية (ص 47)، لكنه لم يفصح إذا كان ثمة في الأمر معلومات أو تقديرات واتفاقات وبين سياسات ومواقف والفارق بينهما كبيراً، قانونياً وسياسياً.
• طرد الرفاق بطريقة مخملية، أي أن الرفيق يبقى لا يعرف مصيره، حيث يتجسّد هذا السلوك بعبارة " وضع الرفيق نفسه خارج صفوف الحزب"، حسبما هو واضح فإنه استعمل ضدّه أيضاً، وكان قد استخدم مثل هذا الأسلوب ضد مئات الرفاق في عدن والشام والدول الاشتراكية وكردستان، حتى وإن كان آرا خاجادور في قمة الحزب.
• سياسة التحالفات، حيث ينتقد السياسة الذيلية لإدارة الحزب، سواءً في الأمس القريب قالوا "مع البعث حتى بناء الاشتراكية" أو عندما صاروا "ذيلاً بائساً للحركة القومية الكردية" حسبما يقول خاجادور، مشيراً إلى " النزعات الانفصالية" بعد دخول قوات الاحتلال الأجنبية إلى كردستان، دون أن يهمل السياسات الشوفينية للحكومة المركزية وحروب الإبادة الجماعية، بما فيها استعمال السلاح الكيماوي.
• الحزب الشيوعي الكردستاني، ينتقد خاجادور إقامة حزب شيوعي كردستاني في ظل عدم " وجود أساس للصراع الطبقي في مواقع الانتاج في المؤسسات الاقتصادية الانتاجية..." ويتساءل على نحو مثير وخطير " وهل الحزب الشيوعي العراقي نفسه حقاً يمثل الطبقة العاملة بتركيبه وتمثيله لمصالح العمّال؟"
إن مثل هذا التساؤل يأتي من نقابي بروليتاري، وعلى معرفة بواقع الحال وليس من أحد المثقفين الشيوعيين، الذين سيقال لهم أنهم ينحدرون من البرجوازية الصغيرة، ولكن هناك معاني عميقة حين يأتي من أحد القادة النقابيين البارزين القلائل، بل المعدودين ليس في الحزب الشيوعي العراقي فحسب، بل على نطاق العراق والعالم العربي، حتى وإن اعتبره بعضهم "اندحاراً" وتراجعاً وقنوطاً.
لكن خاجادور وهو يتمسك بشيوعيته يمضي ليدلّل على استنتاجه بالقول " لقد مضى ربع قرن لم يخض فيه الحزب صراعاً يدافع به عن مصالح العمال" (ص 52)، وكان ذلك في العام 1991، ويزيد على ذلك بقوله " إنه حالياً حزب شيوعي بدون حركة عمّالية " ، وإنْ كان يلقي بالجزء الأساسي في هذا الوضع على عاتق النظام الدكتاتوري، لكنه يعتبر قيام حزب شيوعي كردستاني في ظل غياب نفوذ الحزب في الجزء الأساسي من العراق (الجزء العربي) ينطوي على عجز في كردستان أيضاً.
• مالية الحزب، يعيد آرا خاجادور طرح الموضوع باعتبارها استخدمت " أداة في محاربة الرفاق برزقهم ومصادر معيشتهم الشحيحة" ويعتبرالمالية " باقية بلا حسيب ولا رقيب" وأن هناك من يحمل " كارت بلانش- مصوناً وغير مسؤول".
على الرغم من الإضاءات المهمة لآرا خاجادور في كتابه "نبض السنين"، ولاسيّما في الجوانب السياسية والعملية، ما بعد العام 1993، حيث نشر رسالة ثالثة، وذلك بعد الإجراء الذي اتخذ بحقه والوارد في النشرة الداخلية المذيّلة (النصف الثاني من شهر تشرين الأول/اكتوبر/1992) والتي اعتبرت مواقفه تشهيراً بالحزب وترديداً للشتائم التي يطلقها أعدائه المرتدين (هكذا أصبح آرا خاجادور مرتدّاً وعدوّاً للحزب) وكل ذلك للوصول إلى النتيجة المنطقية حين قرّرت اللجنة المركزية إدانة ممارساته وفصله من عضويتها، وصولاً إلى الجملة الشهيرة " وضع نفسه خارج الحزب"، وقد استخدمت تلك بحق نوري عبد الرزاق الذي اتهمته رسالة المكتب السياسي، بأنه يكتب تقاريره إلى القيادة البعثية، بدلاً من إدارة الحزب، كما استخدمت ضد العديد من الرفاق .
بعد هذا الإجراء اتخذ صراع آرا خاجادور منحىً آخر، فأخذ يعلن مواقفه السياسية التي تعمقت مع مرور الأيام، ابتداءً من موقفه من الحصار الاقتصادي الذي اعتبره جريمة ومأساة مروعتان (ص 64) وذلك في رسالته المذيّلة 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1997. وعاد وطرح العديد من الرسائل والمقالات في بعض وسائل النشر، ولاسيّما الانترنيت، فيما يتعلق بموقفه من الحصار ومن بعض المواقف العدمية لإدارة الحزب إزاء الوطنية العراقية ، وتركّزت مواقفه اللاحقة بإدانة العدوان الأمريكي والتحذير من احتمال وقوع العراق تحت الاحتلال، ولاحقاً التنديد بالاحتلال والقوى المتعاونة معه، مع شيء من الإحراج لوجود الحزب في مجلس الحكم الانتقالي، كما عبّر عن مواقفه من المحاصصة الطائفية – الإثنية والحرب الأهلية وتأييده المقاومة الوطنية ضد الاحتلال كما يسميّها.