تقسيم البرجوازية العراقية وفئاتها


جاسم محمد كاظم
2015 / 2 / 1 - 12:34     

تعرف الموسوعة الفلسفية السوفيتية الطبقات (بأنها مجموعات كبيرة من الناس تختلف عن بعضها بالمكانة التي تشغلها في نظام محدد تاريخيا للانتا ج الاجتماعي ) .
ولم تنسى الموسوعة أن تضيف (بعلاقاتها التي تكون في معظم الحالات محددة ومصاغة بقانون ) . و تختلف مواقع الطبقات في التنظيم الاجتماعي في الدولة المنتجة للبضاعة حسب مواقعها في عملية الإنتاج . ويتحدد ظهور الطبقات بظهور العمل المنتج والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج فتكون الطبقات شديدة الوضوح في الأنظمة الرأسمالية كطبقات مالكة مهيمنة مستغلة ( بالكسر ) وأخرى مستغلة ( بالفتح ) وأخرى وسطية من صغار التجار ومالكي الورش الصغيرة .
وتختفي هذه الطبقات في الأنظمة الاشتراكية حين ينعدم استغلال الكل للكل وتصبح ملكية وسائل الإنتاج الرئيسية في قبضة المجتمع المتمثل بالدولة . وتصبح الطبقات صعبة الفرز أذا تداخل النظامان بعملية خبط غير منظمة للعملية الإنتاجية لتنتج مزيجا خلاسيا يصعب على الفك والفرز والتحليل .

وتكون المعادلة أصعب حين تتدخل السياسة بصنع تلك الطبقات من اجل أعطاء ديمومة لنظامها القائم في كما في الأنظمة البيروقراطية الريعية غير المنتجة للبضاعة والتي تعيش على بيع الموارد الأولية فقط .

وعلى هذا المنوال لم تخلق طبقات عراقية بالمعنى الصحيح للكلمة ولم يتم تداولها في مباحث علم الاجتماع أو الاقتصاد السياسي . بل بقيت كل الطروحات لتفسير ظواهر المجتمع العراقي تدور في نفق البداوة والحضارة . وارتبط نمو هذه الفئات بالتسمية الصحيحة للكلمة بالبنية الفوقية للسلطة . لان تشكيل السلطة في العراق لم يتكون على أساس التركيبة الاقتصادية الاجتماعية أو من خلال نظام العمل المنتج بل كانت السلطة تفرض نفسها من الخارج دائما على أشكال متعددة ملكية بقرار بريطاني أو انقلابات عسكرية بدفع وتمويل خارجي .

وتفاوتت هذه الفئات كثيرا على طول تاريخ العراق السياسي ولو كان أفلاطون حيا لقسم الفئات العراقية في حقبة العراق الإقطاعي الملكي لثلاث طبقات معدنية
1- الطبقة الذهبية :- المتكونة من الوزراء ووكلاء الوزارات وأعضاء السلك الدبلوماسي وكبار ضباط الجيش . الشرطة. رؤساء المؤسسات الأمنية وكبار القضاة والمدراء العامين الشيوخ الإقطاعيين الذين يملكون الدرجات الخاصة والمتمتعين بكافة الامتيازات السلطوية من الرواتب الضخمة والامتيازات الخاصة التي لا تملكها بقية الطبقات وهذه الطبقة تستغل أكثر من ثلاثة أرباع الثروة العراقية
2- الطبقة الفضية :- المتكونة من صغار الضباط والموظفين والملاكين الصغار وأصحاب المصانع الصغيرة وهذه الطبقة تشكل طبقة محدودة في ذلك الوقت وان تفاوتت كثيرا في دخولها ومواقعها في التركيبة الاجتماعية وتعتاش هذه الطبقة أما على رواتبها المحدودة أو عملها الصغير المدر للربح البسيط وغير المساهم في تطوير العملية الإنتاجية والاقتصادية .

.3- الطبقة النحاسية ( البرونزية ) المسحوقة التي تشكل ثلاثة أرباع العراقيين وتتكون من الفلاحين البسطاء الذين لا يملكون سوى العمل بالأجرة العينية لصالح الإقطاعي والعمال الإجراء باليومية و جيوش العاطلين عن العمل .

واستمر هذا الوضع حتى قيام ثورة الزعيم عبد الكريم قاسم الذي أطاح بالطبقة الذهبية الأولى المستغلة( بالكسر ) وامتيازاتها وأقام في عهدة أول نظاما عادلا للرواتب ساوى فيه بين كل المكونات العراقية .ولم تتمايز في عهدة رواتب الدرجات الخاصة عن باقي الدرجات الوظيفية الأخرى وتساوى راتب الزعيم ورئيس الوراء ووزير الدفاع مع راتب المهندس الحائز على البكلوريوس لخدمة أعلى من 20 سنة .

وسحقت الطبقة الذهبية المستغلة (بالكسر ) وبدا تنظيم الإنتاج على أساس التخطيط الاشتراكي وتم في عهدة لأول مرة العراق نظام التعيين المركزي للخريجين وبنيت في عهدة نواة المؤسسات الإنتاجية المصنعة للبضاعة وان تعرضت ثورته للكثير من المؤامرات والتدخلات الخارجية من قبل القومية البرجوازية الرثة التي كانت تتآمر مع أعداء الثورة الخارجيين والتي وجدت بغيتها في ذيول الفئة الذهبية البائدة لتتحد هذه المرة مع الدين وشيوخه وقوى الرجعية لتشكيل أحزاب أسلامية وقومية كانت في مضمونها تتكون من الإقطاعيين وأبنائهم وبقايا السراكيل الذين فقدوا امتيازاتهم بعد الثورة حتى أطاحت هذه الفئات الرجعية بالثورة العراقية الوليدة لتعيد الفئات المقهورة سوائل الانتعاش من جديد لجسدها الميت حتى الوصول إلى عهد البعث الأول الذي تمسك باشتراكية هجينة كانت في محتواها رأسمالية سلطة محتكرة للكل تحكمت بمعظم التجارة الخارجية ضمن سلطة الدولة وتحكمت بحركة النقد داخل حدود الدولة. وفرضت حضرا على هجرة رؤؤس الأموال إلى الخارج ومنعت منعا باتا التداول الأجنبي للنقد إلا ضمن المؤسسات البنكية الحكومية وفرضت عقوبات قاسية على المخالفين تصل بعض الأحيان إلى الإعدام .

إلا أنها كانت أفضل من عهد البعث الأخير الذي أعاد البرجوازية الرثة من جديد حين ثقلت علية الديون فوئد في التراب كل مكتسباته الأولى من تأميم النفط والتعليم المجاني والخدمات الصحية . التعيين المركزي لبعض فئات الخريجين والتحكم بحركة النقد لتبدى البرجوازية الطفيلية الرثة من جديد بنمو خلاياها السرطانية حتى تم إعادة التعليم الأهلي من مدارس ابتدائية إلى التعليم الجامعي لأبناء تلك الفئات المالكة للنقد والمركز .

وبدأت تتمايز الفئات المرتبطة بالسلطة من جديد وظهرت طبقات محرومة محدودة الدخل. و وصل الأمر إلى بيع مؤسسات الدولة للقطاع الخاص وظهرت قوانين المساطحة وتم بيع كل محطات الوقود والتعبئة الخاصة بوزارة النفط لكبار التجار والمتنفذين .

وانتهى البعث بدخول أبرامز والعم سام وعاد العراق إلى ما قبل ثورة الزعيم قاسم لتنموا فئات جديدة لم يسمع بها في تاريخ العراقي السياسي قديمة وحديثة حين احتكر كل شي لصالح فئات السلطة . وفقدت الفئات المحرومة كل المكتسبات حتى التي سارت عليها حتى الدكتاتورية الصدامية القبيحة من نظام التعيين للخريجين إلى البطاقة التموينية التي تعتبر بحق أعظم مكسب حصل علية الشعب من نفطه المستباح . ليظهر تقسيم أفلاطوني جديد للمعادن المكونة للهجين العراقي ليصبح تقسيم الطبقات للمجتمع العراقي رباعيا بعدما كان قبل ثورة الزعيم ثلاثيا :-

1- الطبقة الماسية :- التي تتكون من السلك السياسي بكافة أطيافه وألوانه .الدرجات الخاصة. وكبار الضباط ورؤساء المؤسسات الأمنية والحقوقية العليا وتصل مرتبات هذه الفئة إلى أرقام خيالية لا تخضع لقوانين رواتب وزارة المالية وتتميز هذه الطبقة بكافة الامتيازات والحقوق بنسبة 100% وتكون مستثناه من شرط الخدمة والشهادة والشروط التي تدخل ضمنها بقية الدرجات ولا تخضع لقانون التقاعد العام وتحصل على كافة الامتيازات بدون قيد أو شرط وهذه الطبقة هي التي تصنع أيدلوجيا اليوم .

2- الطبقة لذهبية :- وتتكون من الدرجات الخاصة من الدرجة الثانية وتشمل كبار ضباط الجيش رؤساء المؤسسات الحقوقية الوسطى . المحافظون. المدراء العامون .. رؤساء القصبات الإدارية . رؤساء المجالس البلدية . وتستطيع هذه الفئة من الحصول على امتيازات الراتب والامتيازات الأخرى بدون شرط الخدمة والشهادة .

3- الطبقة الفضية :- التي تتكون من باقي صغار الضباط والموظفين الدائميين وهي فئة متوسطة الدخل تخضع لقانون الراتب والتقاعد . وتحصل على امتيازات منظمة بقوانين ثابتة كالحصول على قطعة ارض لمن لدية خدمة فعلية ربما تصل إلى أكثر 20 سنة وقروض مصرفية قدرها 5 ملايين دينار تنخفض رواتب هذه الفئة إلى مادون النص في حالة التقاعد وهذه الطبقة هي الفئة السائدة وتعتبر اكبر فئات الموظفين الذين تم تعيينهم في عهد السلطات الديكتاتورية السابقة ويتنزل صاحب هذه الفئة إلى الفئة الرابعة في حالة التقاعد وتخضع كل أفراد هذه الفئة للقرارات الإدارية الصادرة من الفئة الذهبية لذلك فان هذه الفئة تعتبر فئة تابعة تنفذ القرارات الإدارية بدون نقاش ويتعرض أفرادها في حالات عدم التنفيذ لهذه القرارات أو الاعتراض عليها للطرد أو الفصل أو النقل لمناطق بعيدة وتتركز غالبية هذه الفئة في وزارات السلطة كالدفاع والداخلية والوزارات الخدمية كالتعليم العالي والصحة والتربية .

4- الطبقة البرونزية :- وهي الطبقة التي يتكون غالبيتها من المعدمين .المتقاعدين. غوائل كل الذين فقدوا أزواجهم في حروب السلطة ,. العمال الأجراء
الفلاحين البسطاء . العاملين في محلات التجزئة البسيطة . سواقي سيارات الأجرة . العاطلين عن العمل . يواجه بعض محتويات هذه الفئة سوقا لاهبا بسبب انخفاض الدخل أو عدمه وهذه الفئة يقع اغلب السكان .

وبسب تداخل القطاع العام مع الخاص وعدم الفرز بينهم في الواقع العراقي فان أفراد الطبقة الفضية تمارس أعمالا ترتبط بالسلطة كالوظيفة وتتاجر بالأعمال الحرة في نفس الوقت كامتلاك المتاجر الصغيرة للتجزئة . وسياقه سيارات الأجرة . العمل في الأمور التجارية البسيطة فتح محلات الألعاب الالكترونية . محلات الانترنت محلات تصليح الستلايت والمواد الكهربائية . بل أن أكثر أصحاب الدكاكين هم من المرتبطين بالوظيفة مع السلطة من أصحاب الفئة الفضية لكي تستطيع أن تماشي حركة السوق والغلاء في الأسعار .

وبسب عدم وجود العمل الخالق للحياة في الدولة العراقية الريعية بالكامل عبر كل عهودها والتي تخلوا كل محلات التجزئة فيها من أية بضاعة عراقية الصنع بل أن كل البضائع تكون مستورة بالنقد المأخوذ من بيع النفط الريعي والتي تبتدئ بالماء المعدني السعودي والكويتي مرورا بالحليب السعودي والقيمر الكويتي التعبئة حتى البسكويت التركي والجبس الإيراني والأردني مرورا بعائلة الكوكا كولا والميرندا التي تتسيدها السعودية حتى نصل إلى العصائر المتعدد المصادر الأجنبية واللحوم الهندية والمعلبات الأجنبية والعربية فالملابس الصينية الرخيصة إلى الأدوية السورية .المصرية .الأردنية .الإماراتية والهندية . الصينية . السويسرية . البريطانية . الأميركية .

أما بخصوص الأدوات الكهربائية من التلفزيون إلى الستلايت فهي صينية الطابع بامتياز حتى ملاحقها من صحون الستلايت فالكيبلات والأسلاك الكهربائية .

لذلك لم تنشا طبقات عراقية حقيقية كما هي الطبقات في أوربا أو البلدان المصنعة وانعدمت كذلك البروليتاريا الحقيقية وكان من نتيجة هذا الاقتصاد الريعي عدم ظهور أحزاب وطنية بالمعنى الحقيقي لتكون مدافعة عن مكونات طبقاتها أو تستطيع قيادة العجلة الاقتصادية والسياسية . لذلك كان التغيير السياسي في العراق مستحيلا إلا عن طريق الانقلابات العسكرية للظفر بالمصالح والمناصب أو التدخل العسكري المباشر من قبل دول أخرى .

وقد يأتي يوم على العراق بعد عقد أو أكثر ليشهد نمو طبقات استغلالية مميزة تحتكر سوق الاستيراد وتتباين الفئات العراقية كثيرا في ذلك الزمان إلى طبقات متخمة فاحشة الثراء تمتلك كل شي من المدارس والجامعات وإحياء فاخرة وتحتكر سوق الدولة ووظائفها .
بينما ينمو في الظل طبقة معدمة حد الفقر لذلك سيظل المحرومون يمنون النفس على الدوام بقدوم الفاتحين العابرين للبحار والصحاري لينشروا على رؤوسهم وردود النصر من اجل أعادة العدالة والمساواة التي لم توجد في هذا البلد ..
جاسم محمد كاظم