دولة الرفاه الإجتماعى


رياض حسن محرم
2015 / 1 / 18 - 23:31     

الفرق بين المجتمعين الإشتراكى والشيوعى هو أنه فى المجتمع الإشتراكى "الإنتقالى" يتحصل كل فرد على سلع تشبع بعض حاجاته وذلك بقدر ما يقوم به من عمل يحصل مقابله على أجر يمكنّه من شراء تلك السلع مع سيطرة الدولة التى تمثل ديكتاتورية الأغلبية "الطبقة العاملة وحلفائها"، بينما فى المجتمع الشيوعى "بعد تحفقيق الوفرة" فيأخذ كل فرد من المنتجات قدر حاجته، بينما يضمحل دور الدولة بأدواتها القمعية وتنتهى الى زوال ويعيش الإنسان فى نظام أقرب ما يكون الى الجنة الموعودة على الأرض، فهل مازال هذا الحلم قابل للتحقيق، أم أنها "يوتوبيا" تجاوزها الواقع؟
يعلمنا التاريخ أن جلّ أزمات الرأسمالية تتجلى فى وفرة الإنتاج عن إمكانيات تصريفه لضعف القوة الشرائية لدى جموع المستهلكين بما يؤدى فى النهاية الى توقف عجلة الصناعة وتدهور التجارة وانضمام جيوش من العمال الى جموع العاطلين عن العمل دافعا ذلك الى مزيد من الإفقار والبطالة الذى يتنج عنه مزيد من ضعف القوة الشرائية وهكذا دواليك تمر الرأسمالية بأزماتها المتتابعة التى تتمكن فى النهاية من تجاوزها بآليات رأسمالية الى حين، ومع نضالات العمال النقابى من أجل تحسين شروط عملهم وزيادة الأجور يستطيعون تحقيق بعض المكاسب الجزئية ويتمكنون من شراء قدرا أكبر من السلع لينتعش السوق الراسمالى من جديد.
خلال العقود الأخيرة حدثت تحولات عميقة سياسية وإقتصادية وعلمية لعل أهمها كان إنهيار البلد الإشتراكى الأول "الإتحاد السوفييتى" و قبل ذلك بقليل كان تفكك المنظومة الإشتراكية مما أثرّ سلبا على جميع الأحزاب اليسارية والشيوعية فى جميع الدول ووضع شكوكا حول صحة النظرية الماركسية وإمكانية إنتصارها، العامل الثانى هو تلك الأزمة التى ضربت النظام الرأسمالى منذ عام 2007 والمستمرة حتى الوقت الحاضر والتى تميزت بكونها ليست بسبب فيض الإنتاج بالدرجة الأولى ولكنها نتجت عن الإقراض المتزايد والديون العقارية الضخمة، تلك الأزمة التى تسببت فى إنهيار العديد من البنوك وأهمها "ليمان برازر" وإفلاس عشرات الشركات وبيوت التأمين وأرغم الأنظمة الرأسمالية وعلى رأسها أمريكا والمانيا لضخ مليارات الدولارات فى محاولة لإنقاذ الوضع فى دولها والدول الرأسمالية المشرفة على الإنهيار، العامل الثالث تجسّد فى التطور التكنولوجى السريع والذى تمثل فى ظهور ونمو الربوتات والأتمتة والدجتلة والحوسبة وتطور أجهزة الكمبيوتر وشبكة الإنترنت مشكلا ثورة تقنية كاملة وضاربا عرض الحائط بجميع المعادلات القديمة.
أدت تلك الثورة التكنولوجية الى ثورة فى الإنتاج الذى تضاعف مرّات عديدة والى تركزّ أكثر فى الثروة فى أيدى شريحة صغيرة من الرأسماليين الذين أصبحوا أكثر توحشا وإستغلالا، بينما الأغلبية العظمى من المستهلكين تتقلص إمكانياتها نتيجة طرد السوق لملايين العاملين غير المهرة الى خارجه وتغوّل الآلات الحديثة فى مجال الإنتاج وصعوبة التعيين فى تشغيل تلك الآلات المعقدة التى تحتاج لمهارات علمية متقدمة فأصبح النمو لا يؤدى بالضرورة الى وظائف جديدة وبالتالى الى توفرّ المستهلكين لشراء ما ينتج من بضائع وأدى ذلك الى تراجع الطلب نتيجة تدهور القوة الشرائية ولعل ذلك كان السبب فى انخفاض أو توقف النمو واالتشغيل وعرقلة الدورة الإنتاجية الرأسمالية وفى محاولة من الرأسمالية لعلاج ذلك تم استحداث ملايين الوظائف الغير ضرورية فى مجالات الخدمات المالية كالسمسرة والبورصة والوظائف الخدمية.
مشكلة نمط الإنتاج والإستهلاك الرأسمالى فى عصرنا الراهن تكمن فى أن الإنتاج يفوق حاجة الجمهور وقدرته على الإستهلاك ليس ذلك فى المجال الصناعى فقط ولكن فى جميع المجالات ومنها القطاع الزراعى وبقية القطاعات الإنتاجية وهذا يتنافى مع آلية الإنتاج الرأسمالى الساعى الى تحقيق أقصى ربح ممكن وهذا يؤدى فى حد ذاته الى مزيد من التدمير المتعمد لآليات السوق الرأسمالى نفسه، والحل ببساطة لا يمكن تحقيقه الاّ بتخطى النظام الرأسمالى القائم وايجاد آلية جديدة لإعادة توزيع السلع والمنتجات المتراكمة على جماهير المستهلكين مجانا أو بمقابل زهيدوذلك بتنامى قدرة البشر على إنتاج مزيد من السلع التى يمكنها تلبية حاجات الإنسانية جمعاء، إن إمكانية تحقيق مجتمع الرفاه الإجتماعى اليوم أقرب الى التحقق من أى وقت مضى شريطة الإطاحة بالرأسمالية والنضال من أجل تجاوزها وبناء مجتمع إشتراكى أكثر إنسانية والأهم أن يؤمن هؤلاء المناضلين بأفكار إشتراكية ذات طبيعة سمحاء وأكثر ديموقراطية تعتمد بالضرورة على إقناع الجماهير بذلك الشكل الإنسانى للإشتراكية.