الحرب السرية ضد روسيا السوفياتية..بعيون أخرى (3)


رفيق عبد الكريم الخطابي
2015 / 1 / 18 - 18:25     

بتروغراد الثورية ، المحاصرة بالعدو الخارجي من خارجها والمهددة من الداخل من طرف المتآمرين أعداء الثورة ، كانت مدينة موحشة ومخيفة في سنة 1918 . القليل من المؤن ، لا وجود لوسائل التدفئة ، انعدام وسائل النقل . رجال ونساء مشردون بثياب رثة يجوبون الشوارع المثلجة والمتسخة في صفوف لا متناهية . الليالي الرمادية الطويلة كانت تتخللها طلقات المدفعية . عصابات من اللصوص ، متحدية النظام الجديد ، تجوب المدينة تنهب وتنشر الرعب والإرهاب وسط السكان (1) . وحدات من العمال المسلحين كانت تنتقل من منزل إلى آخر بحثا عن مخزونات المؤن الغذائية المخبأة من طرف المضاربين ، وتعتقل المحرضين والإرهابيين .
الحكومة السوفييتية لم تستطع بعد بسط سيطرتها التامة . بقايا الترف والبذخ لدى القياصرة كان متباينا بشكل مأساوي مع الحرمان والعوز العام . الجرائد المعادية للسوفييت لا تزال مستمرة في الصدور ، مدعية بشكل يومي السقوط الوشيك للنظام . المطاعم والفنادق الفخمة والباذخة كانت ما تزال مفتوحة ، تستقبل الحشود من الرجال والنساء بثياب السهرات . في الليل كانت الكازينوهات مزدحمة . فيها الشراب والرقص ، وضباط القيصرية والراقصات ومهربي السوق السوداء وخليلاتهم كانوا يطلقون صراخا عجيبا :" الألمان سيدخلون إلى موسكو ! تروتسكي قبض على لينين ، ولينين أصبح أحمق ! " آمال خائبة خرقاء وحمقاء وأكاذيب تسيل بحرية كما الفودكا .
الدسيسة أزهرت ...
المسمى ماسينو ظهر في بتروغراد هذا الربيع . كان قد عرف ك " تاجر أو سمسار تركي " . يظهر عليه أنه في الأربعينات من العمر ، له وجه شاحب ، كئيب ، جبهة عالية منحسرة وصلعاء ، عينان سودوان ، دائم الحركة ، له شفتان حساستان . يمشي بخطوات سريعة صامتة بشكل محير . يظهر عليه بعض الغنى المادي . النساء وجدت فيه بعض الوسامة . في الأجواء الصعبة للعاصمة المؤقتة للسوفييت ، م. ماسينو كان يذهب إلى أعماله بثقة كبيرة في النفس .
في المساء م. ماسينو كان يتردد كثيرا على مقهى صغير كثيف الدخان ، " البالكوف " الذي كان أحد الأمكنة المفضلة لعقد اللقاءات والمواعيد بالنسبة للعناصر الأرستقراطية في بتروغراد . مالك المقهى ، سيرج بالكوف ، كان يحييه بشكل متميز . في إحدى الغرف المنعزلة خلف المقهى ، ماسينو كان يلتقي برجال ونساء غريبي الأطوار ، كانوا يكلمونه بصوت خافت . بعضهم كان يحدثه بالروسية ، بعضهم بالفرنسية ، وآخرين بالإنجليزية . ماسينو كان يتكلم بطلاقة العديد من اللغات .
الحكومة السوفييتية الجديدة كانت تحارب وسط الفوضى من اجل استتباب الأمن والنظام . هذه المهام التنظيمية الضخمة كانت ما تزال معقدة وصعبة جدا بفعل التهديد القاتل الذي ما زالت تمثله الثورة المضادة . " البرجوازية ، الملاكين العقاريين وجميع الطبقات الغنية تقوم بجهد يائس لتلغيم الثورة " يقول لينين . تنظيم خاص للنضال ضد التخريب والتجسس تم استحداثه بتوصية من لينين ، والذي يتكلف بأعداء الداخل والخارج . سمي هذا التنظيم اللجنة الخارقة لمحاربة الثورة المضادة وأعمال التخريب . أولى حروف كلمات هذه اللجنة بالروسية تشكل كلمة التشيكا Tcheka (2) .
خلال صيف 1918 ، عندما كانت الحكومة السوفييتية متخوفة من هجوم ألماني ، تراجعت بانتظام / انتقلت إلى موسكو ، م. ماسينو تبعها . لكن في موسكو مظهر الغني والوسيم التاجر سيتغير بشكل محير . لبس بذلة من الجلد وقبعة من قبعات العمال . وذهب إلى الكرملين . تم توقيفه عند الأبواب من طرف عضو من شباب الحرس الشيوعيين الذين يشكلون قلب النخبة المكلفة بحماية الحكومة السوفييتية . م. ماسينو السابق أظهر وثيقة سوفييتية رسمية تحمل إسم " سيدني جيورجيفيتش ريلينسكي "، عضو خلية مكلفة بالجريمة ضمن التشيكا في بتروغراد ..
ـ لتمر ، رفيق ريلينسكي ، قال الشاب الحارس .
في منطقة أخرى من موسكو ، داخل الشقة الفاخرة والباذخة للراقصة المشهورة ك. داغمار Dagmar K. ، م. ماسينو أو رفيق ريلينسكي ، من التشيكا ، عرف تحت إسم آخر م. كونسطوطين M. constantine ، رجل الاستخبارات ( الرجل السري) البريطانية .
في سفارة بريطانيا العظمى ، بريس لوكهارت عرف إسمه الحقيقي : " سيدني رايلي Sidney Rtilly " الرجل الغامض للمصلحة الذكية البريطانية ISB و المعروف .. لكي يكون الجاسوس المعلم لإنجلترا .

2 ـ سيدني رايلي :

ضمن كل المغامرين الذين طبعوا أو برزوا في عالم السياسة تحت الأرض ( السرية) في روسيا القيصرية خلال الحرب العالمية الأولى لقيادة الانقلاب الكبير أو الحرب الصليبية الكبرى ضد البلشفية ، أيا من هؤلاء لا يستطيع أن يتفوق أو يكون في مستوى الكابتان / النقيب سيدني رايلي ( القريب من الخيال ) ، رجل الاستخبارات البريطانية . " رجل تشكل او صهر في طاحونة نابليون " (3) علق بريس لوكهارت ، بأن رايلي يجب ان يدرس في إحدى المؤسسات الخارقة والأكثر إثارة وخطورة في التاريخ الأوربي .
كيفية دخول رايلي إلى المصلحة الذكية البريطانية ISB ظل أحد الألغاز الكثيرة التي تلف هذه المنظمة الجاسوسية القوية والغامضة . سيدني رايلي ولد في روسيا القيصرية . ولد لأحد ضباط البحرية الإيرلاندية من إمراة روسية ، كبر في أوديسا على البحر الميت . قبل الحرب العالمية الأولى ، انضم إلى المؤسسة الكبيرة للسلاح البحري في ماندروتشوفيتش ولحساب تشوبيرسكي ، في سانت بترسبورغ . حتى هنا ، كان عمله له طابع سري للغاية . كان يخدم كحلقة ربط بين الشركة الروسية وبعض المصالح المالية والاقتصادية الألمانية ، بما فيها المقاولات البحرية العملاقة : هامبورغ ـ بلوهم و فوس . قبيل اندلاع الحرب مباشرة ، بدأت معلومات مهمة ، حول الغواصات الألمانية وبرنامج التصنيع البحري ، تصل إلى لندن . مصدر هذه المعلومات كان سيدني رايلي .
في 1914 ، رايلي ظهر في اليابان ك " ممثل سري " للبنك الروسي ـ الأسيوي . من اليابان ذهب إلى الولايات المتحدة حيث رأى الأبناك الأمريكية ومصنعي الذخائر . قبل هذا ، في مدونات مصالح الاستخبارات البريطانية ، كان سيدني رايلي مسجلا تحت إسم حركي I. ISTI إيستي ، وكان معروفا كرجل استخبارات له تقدير كبير ومصادر كثيرة .
متعدد اللغات ذو قيمة كبيرة ، يتكلم سبع لغات بطلاقة ، رايلي تمت المناداة عليه من الولايات المتحدة من أجل مهمة في غاية الأهمية بأوربا . في 1916 تجاوز الحدود السويسرية ودخل إلى ألمانيا . تحت غطاء ضابط في البحرية الألمانية ، دخل إلى وزارة البحرية الألمانية . لقد نجح في الحصول على نسخة من الكودات ( شفرات) السرية الرسمية للبحرية الألمانية وإيصالها إلى لندن . لقد شكلت هذه العملية بدون شك إحدى أروع واجمل النجاحات التجسسية طيلة الحرب العالمية الأولى .
في بداية 1918 ، أرسل النقيب رايلي إلى روسيا كمدير أو قائد لعمليات المصلحة الذكية البريطانية ISB في هذا البلد . كثرة صداقاته الشخصية ، علاقاته الواسعة في ميدان الأعمال ومعرفته بأوساط الثورة المضادة جعلت منه الرجل المثالي لهذا المنصب . لكن هذا التعيين كانت له بالنسبة لرايلي أهمية ودلالات شخصية . لقد كان متشبعا بحقد دفين على البلاشفة بل على كل ثورة . لقد أعلن صراحة عن نظرته المعادية للثورة .
" الألمان هم بشر ، يقول رايلي ، قد نحتمل هزيمتهم لنا . هنا ، في موسكو ، يتقوى وينتعش الأعداء الحقيقيون للإنسانية . إذا لم يتحرك العالم المتحضر في الحال للقضاء على هؤلاء الوحوش ، ما دام هناك بعض الوقت لفعل ذلك ، في النهاية ، فإنهم سيسحقون العالم المتحضر ".
في التقارير التي وجهها إلى قيادة ISB ، رايلي كان يلح في كل مرة على عقد صلح عاجل مع ألمانيا يتضمن تحالفا مع القيصر ضد التهديد البلشفي .
بأي ثمن ، يقول رايلي ، هذا الفحش المخجل الذي رأى النور في روسيا يجب إعدامه فورا . صلح مع الألمان : نعم ، صلح و مع أي كان ! لا يوجد غير عدو وحيد . الإنسانية يجب أن تتوحد ضمن حلف مقدس ضد هذا الرعب الأسود .
منذ وصوله إلى روسيا ، رايلي ، اشترك مباشرة في المؤامرة المعادية للسوفييت . هدفه كان الإطاحة بالحكومة السوفييتية (3).

3 ـ عميل وقاتل :

الحزب السياسي المعادي للبلاشفة في روسيا ، سنة 1918 ، والذي كان عدديا الأكثر قوة ، هو حزب الاشتراكيين الثوريين ، الذي دافع عن شكل معين من الاشتراكية الزراعية . بقيادة بوريس سافينكوف ، هذا الوزير ، وزير الحرب ، في حكومة كيرنسكي ، والذي كان له نصيب في الانقلاب الفاشل لكورنيلوف ، الاشتراكيون الثوريون الفاعلون ، أصبحت لهم الريادة وأصبحوا محور فكرة المعاداة للبلشفية . أساليبهم ودعايتهم الديماغوجية جلبت لهم دعم العديد من العناصر الفوضوية والتي ولدتها ( أي النزعات الفوضوية) أجيال من القهر القيصري في روسيا . الاشتراكيون الثوريون كانوا منذ زمن بعيد يمارسون الارهاب كسلاح ضد القيصر ، وكانوا مستعدين لاستعمال نفس السلاح ضد البلاشفة .
الاشتراكيون الثوريون تلقوا دعما ماليا من مصلحة التجسس الفرنسية . مع المبالغ التي تلقوها مباشرة من يد السفير الفرنسي نولسون ، بوريس سافينكوف أعاد في موسكو تنظيم المركز الإرهابي للاشتراكيين الثوريين بموسكو تحت إسم رابطة تجديد روسيا . كان هدف هذا التنظيم اغتيال لينين وقادة سوفييتيين آخرين ..بتوصية من رايلي ، مصلحة الاستخبارات البريطانية ISB بدأت بدورها تدعم سافينكوف بغاية تدريب وتسليح الارهابيين . لكن رايلي ، الذي كان قيصريا متعصبا ، لايعول على هؤلاء الاشتراكيين الثوريين من أجل تشكيل حكومة روسية جديدة مكان النظام السوفييتي .
فقط سافينكوف ، الذي كان يعتبره جديرا بالثقة تماما ، رايلي كان يعتقد بأن الاشتراكيين الثوريين اليساريين يشكلون قوة خطيرة وفاعلة . كان يعرف بأن بعضا منهم كان مرتبطا " ببلاشفة " المعارضة التي تتبع تروتسكي . رايلي تمنى أن يستعمل ويستغل هؤلاء العناصر من أجل أهدافه هو ، لكنه قرر قطع كل تحرك اشتراكي في روسيا . ما كان يريده ، هو ديكتاتورية عسكرية كمرحلة أولى ثم إعادة القيصرية . في المحصلة ، مادام مستمرا في تمويل وتشجيع الارهابيين الاشتراكيين الثوريين مع مجموعات أخرى معادية للسوفييت ، الجاسوس البريطاني كان يهيئ بعناية وفي نفس الوقت لمؤامرة خاصة / شخصية . رايلي اعترف فيما بعد في مذكراته كيف اشتغلت مجموعته :
" لقد كان ضروريا بأن تكون منظمتي لا تعرف الكثير عن أعضائها وبألا يستطيع أحد من هؤلاء الأعضاء خيانة عضو آخر . الأساس كان إذن في منظومة الخمسة اعضاء ، كل عضو لا يعرف نهائيا أكثر من أربعة أشخاص آخرين . أنا نفسي ، الذي كنت في قمة الهرم ، كنت أعرفهم جميعا ، لكن ليس كأشخاص ، بل فقط أسماءهم وعناوينهم ..هكذا ، إن وجدت هناك من خيانة سيتم اكتشاف مكانها ".
اعتمادا على اتحاد الضباط القيصريين ، وعلى أعضاء سابقين في البوليس السري الإمبراطوري ، أوكرانا المشؤومة/الشريرة La sinistre Okhrana ، منظمة رايلي ستمتد وتتوسع سريعا في موسكو وبتروغراد . عدد من قدماء الأصدقاء والمعارف لرايلي وكذلك للقيصر ، سينظمون إليه وسيقدمون له مساعدة ذات قيمة كبيرة . من بين اصدقائه ، كان الكونت تشوبيرسكي ، رجل التسليح القوي الذي كان يعمل لديه رايلي منذ زمن كرجل ثقته في المعامل الألمانية ، الجنرال القيصري يودينيتش ، مالك مقهى في بتروغراد سيرج بالكوف ، الراقصة داغمارا والتي في شقتها أقام رايلي قيادته العامة في موسكو ، كراماتيكوف المحامي الثري والذي كان رجل مخابرات ل " أوكرانا" والذي أصبح رجل الاتصال الرئيسي بين رايلي والحزب الاشتراكي الثوري ، و فانيسلاف أورلوفسكي ، كذلك رجل مخابرات سابق في أوكرانا ، والذي استطاع التسرب إلى التشيكا في بتروغراد وهو من زود رايلي بجواز سفر مزور بإسم سيدني جيورجيفيتش ريلينسكي والذي خول له السفر إلى أي مكان في روسيا السوفياتية بحرية تامة .
كل هؤلاء الأشخاص الذين استطاعوا التسلل حتى إلى الكرملين وفي القيادة العليا للجيش الحمر ، كانوا يخبرون رايلي بجميع الإجراءات المتخذة من طرف الحكومة السوفييتية . الجاسوس الإنجليزي كان يتباهى ويتبجح بكون الأوامر العسكرية السرية ( المغلفة والمشمعة ) للجيش الأحمر " كانت تقرأ في لندن قبل أن تفتح من طرف المرسل إليهم في موسكو ".
المبالغ المالية المحترمة جدا التي مكنت ، رايلي من تمويل هذه العمليات ، والتي تصل إلى عدة ملايين من الروبلات ، كانت مخبأة في شقة الراقصة داغمارا , لكي يؤسس كنزه ، رايلي توجه إلى مصادر السفارة الإنجليزية . الأموال كانت تجمع من طرف بريست لوكهارت وتسلم إلى رايلي عبر الكابتن/ النقيب هيكس HICKS ، في المصالح السرية البريطانية . لوكهارت ، الذي أدخله رايلي في هذه القضية ، حكى في مذكراته كيف يحصلون على المال :
" كان هناك العديد من الروس لديهم ثروات مخبأة بالروبل . لم يكونوا إلا سعداء إن استطاعوا تبديلها مقابل أي ورقة تصرف في لندن . من أجل إبعاد أي شك ، كنا نجمع هذه الروبلات عبر مباراة لإحدى الشركات الإنجليزية بموسكو . كانت تفاوض مع الروس وتحدد معدلا لسعر الصرف وتعطيهم كمبيالة . في كل عملية من هاته العمليات ، كنا نعطي هذه الشركة الإنجليزية إيصالا رسميا بالمبلغ الذي أعطته لاستخلاصه من لندن . الروبلات كانت تحمل إلى القنصلية العامة الأمريكية لتسلم بعد ذلك إلى هيكس الذي ينقلها بدوره إلى وجهتها ".
ختاما ، بدون إغفال أي تفصيل ، الجاسوس الإنجليزي وضع كذلك خطة مفصلة للحكومة التي يتوجب أن تأخذ السلطة بمجرد الإطاحة بالحكومة السوفييتية . الأصدقاء المقربين من رايلي يجب أن يلعبوا أدوارا مهمة في النظام الجديد :
"جميع الترتيبات تم اتخاذها من أجل تشكيل حكومة انتقالية جديدة . صديقي الكبير وحليفي كرامتيكوف سيكون وزيرا للداخلية ، وستكون تحت قيادته كل المسائل المتعلقة بالبوليس والمالية . تشوبيرسكي وكرامتيكوف يجب أن يشكلوا حكومة انتقالية والتي ستكون مهمتها القضاء على الفوضى التي ستعقب حتما هذه الثورة ".
الضربات الأولى للحملة المعادية للسوفييت كانت ضربة موجهة من طرف إرهابيي سافينكوف .
في 21 يونيو 1918 ، عندما كان يغادر اجتماعا للعمال في معمل أبوتشوف في بتروغراد ، مندوب الشعب في الإعلام فولودارسكي اغتيل من طرف إرهابي من "الاشتراكيين الثوريين" . أسبوعين بعد ذلك ، في 6 يوليوز ، السفير الألماني ميرباخ اغتيل في موسكو . هذف الاشتراكيين الثوريين كان هو نشر الرعب والخوف في صفوف البلاشفة وكذلك استدعاء تدخل عسكري ألماني والذي ، بحسب فكرهم ، سيشكل قرعا للأجراس على جثة البلشفية ( أو بتعبير آخر سيدق جرس النهاية للبلشفية) (4) .
في يوم اغتيال السفير الألماني ، المؤتمر الخامس لسوفييتات عموم روسيا كان منعقدا بدار الأوبرا بموسكو . الملاحظون التابعون للحلفاء ، كانوا جالسين على كراسي مذهبة يستمعون إلى تدخلات مندوبي السوفييتات .
جو مشحون خيم على المناقشات . بريس لوكهارت ، جالسا على أريكة مع دبلوماسيين آخرين ورجال للحلفاء ، عرف بأن حدثا جد مهم سيحدث عندما رأى رايلي يظهر . الجاسوس البريطاني كان شاحبا وعصبيا . بسرعة روى للوكهارت ما حدث .
الضربة التي قتلت ميرباخ كان متوجبا أن تشكل إشارة على بدء انتفاضة عامة للاشتراكيين الثوريين في كل البلاد ، مدعومة بالعناصر البلشفية المترددة / المتخلفة . مجموعة من الاشتراكيين الثوريين المسلحين كان مقررا أن يجتاحوا دار الأوبرا ويعتقلوا مندوبي السوفييتات . لكن بعض الأشياء لم تسر كما تم التخطيط لها ، لأن دار الأوبرا كانت محاطة بجنود الجيش الأحمر . منتشرين في الشوارع والأزقة المحيطة ويطلقون النار ، كان واضحا أن الحكومة السوفييتية متحكمة في الوضع جيدا .
وهو يتحدث ، رايلي كان يفحص جيوبه ، إن كان بها بعض الوثائق أو الأشياء تشير لتورطه أو تدينه . لقد وجد واحدة ، مزقها إلى قطع صغيرة وابتلعها . جاسوس فرنسي كان جالسا خلف لوكهارت بدأ يفعل نفس الشيء .
ساعات بعد ذلك ، أحد المتحدثين صعد إلى منصة دار الأوبرا وأعلن بأن انقلابا معاديا للسوفيات كان الهدف منه الإطاحة بالحكومة السوفياتية بالقوة المسلحة ، تمت السيطرة عليه سريعا من طرف الجيش الأحمر وعناصر التشيكا . الانقلابيون لم يتلقوا أي دعم شعبي . مجموعات من الارهابيين الاشتراكيين الثوريين المسلحين بالقنابل ، البنادق والرشاشات ، تمت محاصرتهم والقبض عليهم . العديد منهم تم قتله ، قياداتهم إما قتلت أو مختبئة أو هربت .
نقول لممثلي الحلفاء الموجودين في دار الأوبرا بأنهم يستطيعون الذهاب إلى سفاراتهم بكل أمان . الشوارع آمنة .
سنعرف فيما بعد بأنه في ياروسلاف قامت انتفاضة ، كان من المفترض أن تتزامن مع الانقلاب في موسكو ، تم السيطرة عليها كذلك من طرف الجيش الأحمر ، القيادي الاشتراكي الثوري بوريس سافينكوف الذي قاد شخصيا الانتفاضة في ياروسلاف كان قد نجح بأعجوبة في الإفلات من القوات السوفييتية .
رايلي كان حزينا وغاضبا جدا وفقد توازنه . الاشتراكيون ـ الثوريون تعاملوا بعدم انضباط وبلا مسؤولية وبممارسات صبيانية ! هذا بالضبط ، ما قاله رايلي ، فكرتهم لم تكن خاطئة بممارسة محاولة الانقلاب في نفس الوقت الذي يجتمع أغلب القادة السوفييتيين في نفس المكان ، يحضرون إلى بعض المؤتمرات أو اللقاءات . فكرة التخلص من كل القادة السوفييتيين بنفس الضربة وفي نفس الوقت تعجب كثيرا النابوليوناني الذي يتميز به رايلي ....
سيبدأ فعليا وبصرامة على تسخين مخطط في هذا الاتجاه .


4 ـ مؤامرة لاتفيا le complot letton :


خلال شهر غشت 1918 ، المخططات السرية لتدخل الحلفاء في روسيا أصبحت علانية ومنشورة للعموم . في هذا السياق ، في 2 غشت ، جنود إنجليز رسوا في أرخنجيل بادعاء أن الهدف من ذلك منع " مخازن الأسلحة الحربية من السقوط بيد الألمان " . في 4 غشت الانجليز اقتطعوا المركز النفطي لباكو في القوقاز . أيام بعد ذلك ، وحدات من الجيش الانجليزي والفرنسي نزلت في فلادفوستوك . تبعتها في 12 غشت وحدة يابانية وفي 15 و16 ماي سيصل فوجان أمريكيان قدما من الفلبين .
مناطق شاسعة من سيبيريا كانت قبل ذلك في أيدي القوى المعادية للسوفييت . في أكرانيا ، الجنرال القيصري كرازوف ، مدعوما من الالمان ، قاد حملة دموية معادية للسوفييت . في كييف ، ليتمان سكوروبادسكي لحساب ألمانيا بدأ في إبادة على نطاق واسع ضد اليهود والشيوعيين .
من الشمال إلى الجنوب ، ومن الشرق إلى الغرب ، أعداء روسيا الجديدة كانوا يستعدوا للزحف والالتقاء في موسكو .
بعض ممثلي الحلفاء اللذين ما زالوا متواجدين في موسكو بدأوا يستعدون للمغادرة ، بدون إعلام الحكومة السوفييتية بذلك . كما كتب بريس لوكهارت في كتابه :" كانت حالة غريبة / عجيبة جدا ، لم يكن هناك إعلانا للحرب ومع ذلك نستعد للحرب على جبهة تمتد من دفينا إلى القوقاز " . ويضيف لوكهارت :" كانت هناك عدة نقاشات مع رايلي الذي قرر البقاء في موسكو بعد رحيلنا ".
في 15 غشت ، اليوم الذي تم فيه تعيين الانزال الامريكي في فلاديفوستوك ، بريس لوكهارت استقبل ضيفا مهما . لقد كتب هذه الواقعة في مذكراته . كان يتناول غذاءه في شقته مع السفير البريطاني ، عندما دق جرس الباب والخادمة تخبرهم بأن :" شخصين لاتيفيين " يريدان مقابلته . أحدهما كان رجلا شابا نحيلا ومنهكا وضعيف البنية ، يسمى سميدن ، الآخر ، على العكس ، كان قوي البنية وحيوي الحركة ، له نظرة قاسية ، قدم نفسه ب " كولونيل برزين " قائد الحرس اللاتيفي بالكرملين .
الزائران قدما للوكهارت رسالة من الكابتن كرومي ، ملحق البحرية الانجليزية في بتروغراد والذي شارك بفعالية في المؤامرات المعادية للسوفيات . " كما العادة دائما كاحتياط اتجاه الاشخاص المحرضين الكبار ، يحكي لوكهارت ، فحصت الرسالة بتمعن . وبدون شك ، لقد كانت من عند كرومي ". لوكهارت طلب من الزائرين ماذا يريدان .
الكولونيل بيرزين أخبره إذن بأنه رغم مساندة اللاتيفيين للثورة البلشفية ، فإنه ليس لديهم الرغبة في محاربة القوات الانجليزية التي رست للتو في أرخنجيل وبأنهم على استعداد للتعاون أو التوافق مع الرجل / العميل البريطاني .
قبل أن يعطي الاجابة ، لوكهارت تكلم عن مسألة القنصل الفرنسي م. كرونار الذي نصحه بالتفاوض مع الكولونيل برزين ، لكن " مع تجنب الوصول إلى اتفاق بأي شكل من الأشكال ".
في الغد ، لوكهارت ،التقى ثانية الكولونيل برزين وسلمه ورقة تقول :" المرجو تركه يمر بين الخطوط الانجليزية حامل الرسالة له محادثة مهمة ليجريها مع الجنرال بول ". بعد ذلك ، هيأ للعلاقة بين الجنرال برزين وسيدني رايلي .
" يومين بعد ذلك ، يحكي لوكهارت ، رايلي صرح بأن مفاوضاتهما تتقدم ببطء وبأن اللاتيفيين ليست لهم النية في أن يكونوا منخرطين في مسألة انهيار البلاشفة . ويقترح أنه بعد ذهابنا ، يستطيع بمساعدة اللاتيفيين ، إشعال ثورة مضادة في موسكو ".
حوالي نهاية شهر غشت 1918 ، مجموعة صغيرة من ممثلي الحلفاء اجتمعوا في مؤتمر سري في غرفة بالقنصلية العامة الأمريكية في موسكو . لقد اختاروا هذا المكان لأن كل المراكز الأجنبية الأخرى كانت عليها حراسة مشددة من طرف السوفييت . رغم الإنزالات العسكرية الأمريكية في سيبيريا ، الحكومة السوفييتية حتى ذلك الحين حافظت على الطابع الودي اتجاه الولايات المتحدة . في موسكو ، ملصقات تتضمن النقاط 14 للرئيس ويلسون موضوعة في مكان جيد .في افتتاحية لإزفستيا نجد :" وحدهم الأمريكيون يعرفون التعامل اللائق مع البلاشفة " . الطابع القانوني / الشرعي لمهمة روبنس لم تكن بعد قد ألغيت .
الاجتماع في القنصلية العامة الأمريكية ترأسه القنصل الفرنسي غرونارد . الانجليز كانوا ممثلين برايلي والنقيب جورج هيل ، ضابط الاستخبارات البريطانية ISB الذي كان مبعوثا إلى روسيا للعمل مع رايلي . دبلوماسيون آخرون ومن مصالح استخبارات الحلفاء كانوا حاضرين ، كذلك الصحفي الفرنسي روني مارشان ، مراسل الجريدة الباريسية " لوفيغارو" في موسكو .
كان سيدني رايلي من دعا لهذا الاجتماع ، كما كتب في مذكراته ، لوضع النقاط على الحروف فيما يخص تحركاتهم المعادية للسوفييت . إنه أراد أن يعلم الآخرين بأنه " اشترى الكولونيل بيرزين ، قائد حرس الكرملين ، ثمن الكولونيل كان "مليوني روبل " .
رايلي حول له تسبيق ب 500 ألف روبل بالعملة الروسية ، الباقي كان متوجبا أن يدفع له بالجنيه الإنجليزي عندما يقدم الكولونيل بعض الخدمات وينجح في الوصول إلى المواقع الانجليزية في ألخانجيل .
" منظمتنا الآن قوية جدا ، صرح رايلي ، اللاتيفيون معنا ، والجماهير ستكون معنا بمجرد القيام بضربتنا الأولى !".
رايلي أعلن إذن بأن جلسة خاصة للجنة المركزية للحزب البلشفي ستعقد في المسرح الكبير في موسكو يوم 28 ماي . سيجتمع في نفس المكان جميع القادة الأساسيين للدولة السوفييتية . انقلاب رايلي كان جسورا لكنه بسيط ...
في التمارين أو التداريب حول مهامهم المعتادة ، الحرس اللاتفيين les gardes lettons سيكون متمركزا في جميع المداخل والمخارج للمسرح طيلة اجتماع البلاشفة . الكولونيل بيرزين اختار لهذه المناسبة رجال " أوفياء جدا ومخلصين لقضيتنا ". عند إشارة معينة ، حرس بيرزين سيغلقون الأبواب وسيحتجزون الحضور تحت تهديد فوهات البنادق . بينما " مفرزة خاصة " مكونة من رايلي نفسه ومن أصدقائه المقربين جدا ، سيظهرون على المنصة /المسرح وسيقبضون على اللجنة المركزية للحزب البلشفي !" .
باستبعاد لينين ومعاونيه ، النظام السوفييتي سينهار كقلعة من ورق . لقد كان في موسكو ، يقول رايلي :" 60 ألف ضابط مستعدون للتحرك عند الإشارة الأولى " لتشكيل جيش مهمته الاستيلاء على المدينة من الداخل ، في حين تتولى قوات الحلفاء الهجوم من الخارج . الرجل الذي سيقود هذا الجيش السري المعادي للسوفييت كان " الضابط القيصري المعروف ، الجنرال يودينيتش ". جيش آخر بقيادة الجنرال سافينكوف سيتجمع في شمال روسيا و" كل من سيتبقى من البلاشفة سيسحق بين هاتين الطاحونتين " .
هذا هو انقلاب رايلي ، الذي كان يتوفر على دعم المصالح الاستخباراتية الفرنسية والانجليزية . الإنجليز كانوا على علاقة مباشرة ومنتظمة مع الجنرال يودينيتش ومستعدون لتزويده بالأسلحة والتجهيزات . الفرنسيون يدعمون سافينكوف .


نقول لممثلي الحلفاء المجتمعين في القنصلية العامة الأمريكية ماذا استطاعوا فعله لدعم المؤامرة : التجسس ، الدعاية ،تنظيم تفجير القناطر التي تعبرها خطوط السكك الحديدية الحيوية بين موسكو وبتروغراد مع ضواحيهما ، لأجل قطع أي دعم عن الحكومة السوفييتية يستطيع الجيش الأحمر أن يدفع به من باقي جهات البلاد ...
باعتبار قرب يوم الانقلاب ، رايلي كان يلتقي بشكل منتظم الكولونيل برزين ، لوضع آخر الترتيبات وبعناية تمهيدا للانقلاب ولأخذ كل التدابير اتجاه أي احتمال طارئ . لقد كانوا بصدد الانتهاء من الخطة النهائية عندما بلغ إلى علمهم أن دورة اللجنة المركزية للحزب البلشفي قد تم تأجيلها من 28 غشت إلى 6 شتنبر . " الأمر سيان بالنسبة لي " قال رايلي موجها كلامه إلى برزين ، هذا سيعطينا مزيدا من الوقت للترتيبات النهائية ". رايلي قرر الذهاب إلى بتروغراد للوقوف على ومراقبة آخر الترتيبات على الطبيعة للساعات الأخيرة لمنظمته في هذه المدينة .
بعد ذلك بليالي ، بينما كان يسافر بجواز سفره المزور بإسم سيدني جيورجيفيتش ريلانسكي ، عضو التشيكا ، غادر رايلي موسكو نحو بتروغراد .

5ـ سيدني رايلي يغادر :

في بتروغراد ، رايلي ذهب مباشرة إلى سفارة بريطانيا لإخبار الكابتن كرومي ، الملحق العسكري في البحرية البريطانية . رايلي عرض سريعا الوضع في موسكو وشرح مخططه الانقلابي . " موسكو في أيدينا !". قال رايلي . كرومي فرح كثيرا بكلامه . رايلي وعد بكتابة تقرير مفصل لإرساله سريا إلى لندن .
في صباح الغد ، رايلي بدأ بالدخول في اتصال مع قادة منظمته في بتروغراد .
في الزوال ، اتصل هاتفيا بالرجل السابق ب أوكرانا ، كراماتيكوف .
صوت كراماتيكوف كان خافتا وغير عادي :
ـ من هنا ؟ يسأل كراماتيكوف .
ـ أنا ، رايلينسكي ، أجاب رايلي .
ـ من ؟
ـ رايلي أعاد إسمه الثاني ( الحركي).
ـ هناك شخص قريب مني حمل إلي أخبارا سيئة ، يقول كراماتيكوف ، بدون مقدمات . الأطباء أجروا العميلة مبكرا جدا . حالة المريض سيئة . لتأتي في الحال ، إن أردت رؤيتي .
رايلي أسرع نحو كراماتيكوف . الأخير أفرغ كالمصاب بالحمى كل أدراج مكتبه وحرق أوراقه في المدخنة .
ـ المجانين تسرعوا بشكل مبكر جدا ! صرخ غراماتيكوف بمجرد دخول رايلي . أوريتسكي مات ، اغتيل هذا الصباح في الحادية عشرة في مكتبه !
وهو يتحدث ، غراماتيكوف واصل تمزيق أوراقه وحرقها بعد ذلك .
ـ إنه في غاية الخطر المكوث هنا . طبيعي أني قبل هذا مشتبه فيه . أول شيء سيكتشفوه سيكون إسمي وإسمك .
ذاهبا إلى الكابتن كرومي ، في السفارة البريطانية ، رايلي علم انه يعرف مسبقا بعملية اغتيال أوريتسكي ، قائد التشيكا في بتروغراد ، لقد كان مصرعه بالرصاص على يد أحد الاشتراكيين ـ الثوريين . كل ذلك تم بأمر من كرومي . باحتياط وحذر شديدين ، رايلي اقترح بأن يلتقوا في " المكان المعتاد " . كرومي فهم ، " الموعد المعتاد " كان في مقهى بالكوف .
رايلي أمضى الوقت الذي تبقى عنده في التخلص من ، وتدمير ، الوثائق المشبوهة التي تدينه وكذلك الغير نافعة له وخبأ بعناية الرموز السرية ( الكودات السرية ) وأوراق أخرى .
كرومي لم يأت إلى المقهى ، ورايلي قرر المغادرة والمخاطرة بزيارة السفير الإنجليزي . وهو ذاهب حذر بالكوف :
ـ بعض الأشياء قد تكون اتخذت مسارا سيئا . لتكن جاهزا لمغادرة بتروغراد والتسلل إلى فيلندا ...
على طول المشهد العام في فلاديميروفسكي ،رايلي رأى رجالا ونساء يجرون مسرعين نحو أروقة المنازل و الأزقة الجانبية . سمع ضجيج سيارات ضخمة ، حافلة مملوءة بالجنود من الجيش الأحمر تمر ، ثم تمر اخرى ، وأخرى ، ثم اخريات من ورائها .
رايلي أسرع الخطى . كان يجري تقريبا عندما وصل إلى ركن الشارع حيث يتواجد السفير . هنا ، توقف فجأة . أمام السفارة نثرت مجموعة من الجثث . لقد كانوا رجالا من البوليس السوفييتي . أربع شاحنات متوقفة أمام العمارة والشارع كان مقطوعا بسلسلة من جنود الجيش الأحمر . باب السفارة كان قد انتزع من مكانه .
ـ حسنا ، رفيق ريلينسكي ، هل أتيت لترى مهرجاننا ؟
رايلي التفت نحو المتكلم ، وجد شاب مبتسم كان قد التقى به مرات عديدة باسمه المستعار رفيق ريلينسكي من التشيكا .
قل لي رفيقي ، ماذا حدث ؟ سأله رايلي بسرعة .
ـ التشيكا تبحث عن شخص يسمى سيدني رايلي ، أجاب الجندي .
بعد ذلك ، رايلي سيعرف بما حدث . بعد اغتيال أوريتسكي ، السلطات السوفييتية في بتروغراد بعثت أعضاء من التشيكا لإغلاق السفارة الإنجليزية . في الطابق الأول ،الشخص الثاني في السفارة تحت إمرة الكابتن كرومي ، أشعل النار في الأوراق المشبوهة . الكابتن كرومي نزل في السلالم بسرعة السهم وأقفل الباب مباشرة في وجه عناصر من البوليس السري السوفياتي . هؤلاء كسروا الباب ، لكن العميل البريطاني متحديا ما ينتظره وهو في أعلى السلالم يحمل مسدسين في كلتا يديه ، كرومي أطلق النار وقتل ضابط ( مفوض) والعديد من رجال البوليس . رجال التشيكا ردوا بإطلاق أعيرة نارية وسقط برصاصة في الرأس ...
رايلي قضى ما تبقى من تلك الليلة عند أحد الإرهابيين يدعى سيرج دورنوسكي .
في الصباح ، بعث دورونسكي متوسلا معرفة كل ما يستطيع معرفته . دورونوسكي عاد بنسخة من الجريدة الشيوعية الرسمية البرافدا . " الدماء تسيل في الشوارع ، يقول دورونسكي ، شخص ما اطلق النار على لينين في موسكو . لسوء الحظ أخطأه !" ومد الجريدة إلى رايلي . مقالة بالبند العريض تحدثت عن هذه المحاولة ضد حياة لينين .
في اليلة السابقة بينما كان لينين خارجا من معمل ميشيلسون حيث تحدث في لقاء عمالي ، إحدى الإرهابيات " اشتراكية ثورية " تدعى فانيا كابلان أطلقت طلقتين من الرصاص وجها لوجه على القائد السوفييتي ...الرصاصتين كانتا مسمومتين . إحداهما اخترقت الصدر فوق القلب ، والأخرى في العنق ، قريبة من الوريد ، لينين لم يمت ، لكن قيل أن حياته على وشك الانتهاء .
البندقية التي استعملتها فانيا كابلان أعطيت لها من طرف شريك رايلي ، بوريس سافينكوف . سافينكوف اعترف بذلك في كتابه " مذكرات إرهابي " .
مع مسدس صغير أوتوماتيكي مثبت تحت ذراعه ، للاستعمال في حالة الخطر ، رايلي ذهب في الحال إلى موسكو . في الطريق ، في محطة كلين اشترى جريدة . جديد الأخبار كانت سيئة بالنسبة له . تم نشر تقرير مفصل حول كل مؤامرة رايلي ، بما في ذلك مخطط إطلاق النار على لينين وباقي القادة السوفييت ، والاستيلاء على موسكو وبتروغراد وإقامة ديكتاتورية عسكرية مع سافينكوف ويودينيتش .
رايلي واصل قراءته بحنق كبير ، إنه روني مارشان ، الصحفي الفرنسي الذي حضر لاجتماع القنصلية العامة الأمريكية في موسكو ، هو من أخبر البلاشفة بكل ما تم التهيئ له .
لكن الضربة القاضية ستأتي فيما بعد .
الكولونيل بيرزين كان قد اشار إلى أن الكابتن رايلي كعميل بريطاني هو من أعطاه مبلغ مليوني روبل ، لكي يشترك في اغتيال القادة السوفييت . الصحافة السوفييتية نشرت كذلك الرسالة التي سلمها بريس لوكهارت إلى برزين لكي يستطيع المرور بين صفوف الجنود البريطانيين في أرخنجيل .
لوكهارت اعتقل في موسكو من طرف التشيكا . شخصيات أخرى من الحلفاء وضعت في السجن كذلك .
في جميع أنحاء موسكو ، الإعلانات المشيرة إلى رايلي كانت معلقة . بمختلف أسمائه : ماسينو ، كونسطنطين M. constantine ، ريالينسكي نشرت مع الإعلان عن وضعه بكونه خارج القانون . الصيد ابتدأ إذن .
رغم المخاطر المحدقة ، رايلي واصل طريقه نحو موسكو . لقد وضع الراقصة دوغمارا عند امرأة تسمى فيرا بيتروفنا ، شريكة فاينا كابلان ، قاتلة لينين .
داغمارا حكت لرايلي بأن شقتها فتشت من قبل ولمدة أيام من طرف التشيكا . لقد استطاعت إخفاء مليوني روبل ، التي بحوزتها بأوراق من فئة ألف روبل ، والتي تشكل جزءا من كنز المؤامرة . رجال التشيكا لم يعتقلوها وهي لا تعرف سبب عدم اعتقالها . ربما لأنهم يعتقدون بأنها ستقودهم إليه .
رغم أن المليوني روبل لدوغمارا كان تحت تصرفها ، رايلي ليس في وضعية سهلة . متخفيا مرة كتاجر يوناني ، مرة كضابط سابق للقيصر ، مرة موظف سوفياتي ، مرة عامل شيوعي من القاعدة ، نجح في الهروب من التشيكا .
في أحد الأيام ، التقى بنائبه السابق في موسكو الكابتن جورج هيل ، من مصالح الاستخبارات البريطانية ، الذي حتى الآن نجح في الهروب من شباك البلاشفة . الرجلان استعرضا لائحة من الأسماء والعناوين الواحدة تلو الأخرى . اكتشفا بأن جزءا لا بأس به من تنظيمهما المعادي للسوفييت مازال لم يمس بعد ، ورايلي فكر بأنه ما زال لديه بعض الأمل .
على العكس من رايلي ، الكابتن هيل كان تقديره بان الأمور انتهت . لقد سمع كلاما حول تبادل الأسرى قد عقد بين الحكومة الانجليزية والسوفييتية . الروس يحررون لوكهارت ، ومعه آخرين ، مقابل العودة بسلامة وعافية لمجموعة من الشخصيات السوفييتية ، منهم مكسيم ليتفينوف ، الذي اعتقلته السلطات البريطانية في إنجلترا.
ـ سأسلم نفسي ، قال الكابتن هيل ناصحا رايلي بالقيام بنفس الشيء .
لكن رايلي لم يرد الاعتراف بالهزيمة . " سأعود إلى إنجلترا بدون تصريح من الحمر ". قال رايلي . وزايد على شريكه بأنه سيلتقيه في فندق سافوي بلندن ، بعد شهرين من ذلك الوقت " (5) .
رايلي مكث في روسيا عدة أسابيع أخرى ، يجمع معلومات التجسس ويشجع العناصر المعادية للسوفييت التي ما زالت بعد متواجدة . ثم بعد سلسلة من المغامرات ، والتي نجح بصعوبة بالغة في الخروج من مأزقها ، نجح بفضل جواز سفر مزور من الوصول إلى بيرجن بالنرويج ، ومن هناك الوصول إلى إنجلترا.
عند عودته إلى لندن ، الكابتن رايلي قدم تقريرا إلى رؤسائه بالاستخبارات . لقد كان شديد الأسف على المحاولات الضائعة .
" لو لم يكن روني مارشان خائنا ..لو أن برزين لم يصبه الخوف ..لو أن جسم المسؤول عن الحملة العسكرية تقدم بسرعة على طول نهر الفولغا .. لو أني استطعت التفاهم / التوافق مع سافينكوف ..."
لكنه كان متأكدا بأنه كان خطأ من قبل إنجلترا ، لأنها مازالت في حالة حرب مع الألمان . يجب أن نوقف في الحال العمليات العسكرية على الجبهة الغربية وتشكيل حلف ضد البلشفية :" الصلح ، الصلح بأي ثمن ، كتب رايلي ، وبعد ذلك تشكيل جبهة موحدة ضد الأعداء الفعليين للبشرية ( يقصد بالطبع الباشفة !) ".


رفيق عبد الكريم الخطابي : البيضاء في 14 يناير 2015


إحالات :

(1) بناء على تحقيق سري ، روبنس ولوكهارت أكدا بأن عددا من قادة هذه العصابات ، وبعضهم يصنفون كفوضويين ، كانوا يعملون لحساب المخابرات الألمانية لغرض التسبب في نشر الاضطرابات وأعمال الشغب التي من المفترض استخدامها كمبرر لتدخل ألماني في روسيا .

(2) في سنة 1922 ، التشيكا تم حلها وتعويضها ب " الكيبو " أي اختصار للإدارة السياسية الموحدة للدولة . في سنة 1934 تم تعويض "الكيبو" بدوره ب N.K.V.D مصلحة السلامة العامة ، تحت إدارة مفوضية الداخلية .

(3) في هذا الفصل وفي مقاطع أخرى من الكتاب ، الكاتبان استعملا التاريخ المصرح به قولا من طرف النقيب رايلي ، باعتبارها رمزا لتصرفات الائتلاف الغربي المعادي للسوفييت ، الذي قاده في تلك الحقبة المحافظون الإنجليز والرجعية الفرنسية . رغم أن الأفكار والممارسات المنسوبة لرايلي هي أفكارهم وترجمة لممارساتهم ، إنه من البديهي كون رايلي نفسه لم يكن في مستوى تنفيذ تلك المخططات ، لكنه لم يكن في تلك الحقبة وبعدها سوى الأداة الأكثر صرامة وحزما وجرأة في تنفيذ المؤامرة المعادية للسوفييت المحاكة من الخارج .

(4)الشخص الذي اغتال ميرباخ كان اشتراكي ثوري يسمى بلومكين ، دخل إلى السفارة الألمانية كضابط في التشيكا مكلف بتنبيه ميرباخ بأن مؤامرة تم تخطيطها لاغتياله . السفير استفسر بلومكين كيف ينوي القتلة فعل ذلك ( أي اغتياله) ، " هكذا !" صرخ بلومكين ، مطلقا الرصاص من مسدسه ، لقد قتله بهدوء تام ووجها لوجه ، ثم قفز من النافذة ، بلومكين تمكن من الهرب في سيارة كانت في انتظاره . بعد ذلك ، القاتل بلومكين أصبح الحارس الشخصي لتروتسكي . (أنظر ص 266 الفصل 17 الفقرة الثانية ).

(5) بعد عودته إلى إنجلترا ، الكابتن هيل تم تعيينه سنة 1919 ضمن مصلحة الاستخبارات البريطانية المرتبطة بالجيش الأبيض للجنرال دينيكين خلال حرب التدخل ضد الاتحاد السوفياتي . بعد ذلك ، سيصبح الكابتن هيل الرجل الخاص للسير هنري ديتردين ، رجل البترول المشهور ، والذي كان مهووسا بالرغبة في تدمير روسيا السوفييتية والذي دعم ماليا هتلر في سباقه نحو السلطة في ألمانيا . بعد ذلك الحكومة البريطانية كلفت جورج هيل بمهمة لها أهمية قصوى " ديبلوسي" في أوربا الشرقية . سنة 1932 في كتاب نشر في لندن تحت عنوان :
" go Spy -;- being the Adventices of I K 8 of the British Secret Service " حكى الكتاب عن بعض مغامراته عندما عمل كجاسوس في الاتحاد السوفييتي . في ربيع 1945 ، حكومة تشرتشيل اختارت جورج هيل الذي أصبح جنرال دو بريغاد ، كمبعوث خاص في بولونيا . الجنرال هيل ، يشرح قائلا ، كان ملاحظا بريطانيا والذي يتوجب عليه رفع تقرير للندن حول الوضع المتفجر في بولونيا . الحكومة المؤقتة البولونية لا تسمح نهائيا للجنرال هيل بدخول بولونيا .


Notes bibliographique :


المواد التي شكلت الأساس في هذا الفصل لقصة المسار الوظيفي والإنجازات التي حققها الكابتن رايلي من جهاز المخابرات البريطانية هي مذكراته :" السيد الجاسوس البريطاني " التي اقتبس منها الكاتبان بشكل كبير . رغم أنها مكتوبة بأسلوب
استذكاري أقرب إلى الروايات الشعبية الفقيرة معرفيا ، وهذه الرواية التي كتبها سيد التجسس للمؤامرات التي قام بها ضد الحكومة السوفييتية لا تزال من الوثائق الأكثر اكتمالا من هذا النوع . من المصادر الإضافية التي يمكن العثور فيها على مسار وشخصية رايلي نجد : " أسرار التجسس " W. Lüdecke و كتاب " الإرهاب في عصرنا " لريتشارد رووان . وكتاب : بريس لوكارت " عميل بريطاني " وسجلات وتقارير المخابرات البريطانية في الاتحاد السوفياتي ، لزميل وصديق رايلي ، جورج هيل . الحوارات في هذا الفصل، ما لم ينص على خلاف ذلك في النص ، تم أخذها من مذكريات رايلي.