هنرى كورييل ضد الشيوعية العربية فى القضية الفلسطينية -


إبراهيم فتحي
2015 / 1 / 11 - 11:33     

هــــنـــــــــرى كــــــــوريـــــــــيل
ضـــــــــــــــد
الشـــــيـــوعية العـــــربــــــية
فى القــضيـــة الفلســــطيــــنيــــة




ابراهيم فتحى







المقدمة
خرافة التأسيس الأجنبى
"حدتو " أسسها المناضلون المصريون
هنرى كورييل اسم واسع الانتشار،صنعت شهرته الصحافة الرجعية فى العهد الملكى . وظلت أجهزة معاداة الشيوعية تنفخ فى هذا الاسم وتكرره حتى اكتسبت الخرافة قشرة صلبة أو متصلبة .
لقد عينت الرجعية المصرية منذ عام 1946 كورييل مؤسسا للشيوعية المصرية،كما عين السادات فى مصر بعض أتباعه قادة لليسار فيما بعد .
وترجع صناعة الخرافة إلى قضية الشيوعية الكبرى فى 11/7/1946، حينما اعتقلت حكومة صدقى باشا مائة من الوطنيين والديموقراطيين أمثال سلامة موسى ومحمد زكى عبد القادر ومحمد مندور،ولم يكن عدد المقبوض عليهم من "الحركة المصرية للتحرر الوطنى " وهى المنظمة الشيوعية التى حاول كورييل قيادتها إلا خمسة أعضاء فقط،ولم يحتجز كورييل إلا بضعة أيام وخرج بكفالة من سجن الاستئناف الذى كان يشبه فندقاً مريحاً للأجانب فى هذه الأيام .
ولكن الرجعية الملكية وصحفها وأجهزتها الأمنية لفقت للوطنيين والديموقراطيين والوفديين وهم الغالبية العظمى من المقبوض عليهم لا علاقة لهم بالشيوعية،مع عدد صغير جداً من الشيوعيين تهمة تدبير" "مؤامرة" شيوعية كبرى لقلب نظام الحكم .
وكان"كورييل"هدفا سهلا إستعملته الرجعية لتشويه النضال الوطنى واليسارى: إنه مليونير يهودى يتلعثم فى نطق عدد قليل من الكلمات العربية ويؤنث المذكر ويذكر المؤنث ينتمى ثقافة وفكرا وطريقة حياة إلى الرأسمالية الفرنسية التى تحمى امتيازاتها كعوب البنادق الانجليزية. وهل كان من الممكن إخفاء ارتباط أمثال كورييل (من لابسى أحدث أزياء اليسار ) ارتباطا ثقافياً وعاطفيا بفرنسا التى تستعمر سوريا ولبنان ومعظم المغرب العربى؟ وهل كان من الممكن أن يبرئهم هذا الارتباط بفرنسا من تهمة التواطؤ مع المحتل البريطانى؟ إن أشد أنصار كورييل تحمساً يؤكد أن أمثال كورييل بإمكاناتهم الضخمة كانوا يستمتعون فى القاهرة بالثمرة الاستعمارية الطيبة دون الوقوع فى خطيئة الاستعمار الأصلية. (جيل بيرو - رجل على حدة من طراز فريد– من نسيج خاص صـ 59-60 بالفرنسية) . وهل كان من الممكن إخفاء أن كورييل وأمثاله يدافعون عن أفكار "من نسيج خاص" أو من "طراز فريد"فيما يتعلق بالهجرة اليهودية المتعاظمة إلى فلسطين، وأنهم يعتبرون المسألة الفلسطينية صرفاً للأنظار عن الاستعمار الذى هو بريطانى فقط ؟.
لذلك اختارت الرجعية الملكية "كورييل"ونسجت حوله أسطورة وقع فى حبائلها الكثيرون .
وتزعم الخرافة أن كورييل هو مؤسس أكبر منظمة شيوعية فى مصر أو مؤسس الحزب الشيوعى المصرى هكذا بكل اختصار .
والحقيقة أن الحركة الديموقراطية للتحرر الوطنى (حدتو) وهى المنظمة التى حاولت الرجعية المصرية قديما وأجهزة مكافحة الشيوعية بعد 1952 أن تنسبها إلى كورييل بريئة كل البراءة من هذه التهمة .
إن"حدتو " كانت "حركة "واسعة فضفاضة تعددت داخلها الخطوط السياسية والقوى الاجتماعية بإيديولوجياتها المختلفة بل وتعددت المراكز على الرغم من وجود لجنة مركزية صورية فى أغلب الأحوال، ومحاولة كورييل واتباعه الإمساك بكل الخيوط . وقد ساعد هذا الهيكل التنظيمى" الفئوى الجبهوى- على الرغم من أهداف كورييل– على تمكين عدد لا يستهان به من خيرة المناضلين داخل حدتو من الاستقلال إلى درجة كبيرة عن الخط الرسمى وأساليب العمل المعتمدة .
وكان للكوادر المصرية المناضلة داخل حدتو استقلالها الفكرى، وابتكاراتها الثورية فى مجال النضال العمالى والطلابى والفلاحى،لقد خلق نقابيو حدتو" خطا جماهيريا "داخل الحركة العمالية وأسهموا فى بلورة مطالب محددة للحركة وتأسيس أشكال للتنظيم مستقلة عن توجيهات كورييل بل وعلى النقيض منها فى الكثير من الأحيان . إن أسماء مثل محمد على عامر وأحمد طه وعطية الصيرفى وعيسى مصطفى على سبيل المثال استلهمت نضالها الوطنى والعمالى من خبرتها الواقعية ومن محاولتها اكتساب الوعى فى مجالات عملها ولم تتلق الوحى من أمثال "دافيد ناحوم" الذى عينه كورييل ممثلا للطبقة العاملة المصرية، ولابد من توجيهات كورييل فى المسألة الفلسطينية وكذلك كانت الحال فى المجالات الآخرى .
ومن الثابت أن المثقفين الماركسيين المصريين على وجه العموم ، وباستقلال كامل عن أمثال كورييل كانوا قد خلقوا تياراً ايديولوجيا يناوئ فكر البورجوازية فى الفروع المختلفة ، ويحاولون ربط الماركسية بالخصائص المحددة للشعب العربى المصرى فى المسألة الوطنية والزراعية والتركيب الاجتماعى بل وفى قضايا الفلسفة والتاريخ وعلم النقس والأدب والفن .
فالماركسية المصرية – لا فى نطاق حدتو وحدها – بل على وجه العموم قد أرسى أسسها فى الأربعينات مع مناضلى الحزب القديم عدد من المناضلين المفكرين عميقى الجذور فى الأرض المصرية:"أمثال يوسف المدرك ،طه سعد عثمان،محمود العسكرى (عمال)،شهدى عطية ،أسعد حليم،أنور كامل،عصام الدين حفنى ناصف،عبد العظيم أنيس، عبد الرحمن ناصر،فوزى جرجس،نعمان عاشور،أحمد رشدى صالح،فؤاد الأهوانى،سعد مكاوى وغيرهم.
بل إن سلسلة الكتب الماركسية " الخضراء " التى يتشدق مناصرى كورييل بنسبة فضل إصدارها إليه كان الدكتور عبد الفتاح القاضى (مناضل حزب 1924) وفوزى جرجس صاحبى الجهد المطلق فى اختيارها وترجمتها كما كان الدكتور حسونة (مناضل حزب 1924) هو الذى يقوم بطباعتها سراً . ويبقى لكورييل محاولة"وضع اليد"على نضال الماركسيين المصريين . والظاهر أن لكورييل معجزة عجيبة يتحدث عنها رفعت السعيد وهى أن حلقته ترجمت كتابا لستالين "عن اللغة" ونشرته بالعربية قبل عام 1946، على حين أن ستالين– وهذا ما لا يعرفه رفعت السعيد–ألف الكتاب بالروسية عام 1950 ( رفعت السعيد–تاريخ الحركة الشيوعية المصرية من 1940-1950 المجلد الثالث شركة الأمل القاهرة 1987 صـ 243-244).
وهكذا نشر كورييل الكتاب بالعربية قبل أن يؤلفة ستالين بالروسية !!!
ومن "معجزات " التأسيس التى يذكرها رفعت السعيد لكورييل أنه بعد أن "أسس" مجلة "دون كيشوت"تركها ليؤسس النادى (الاتحاد) الديموقراطى ثم"الحركة المصرية للتحرر الوطنى (تاريخ الحركة الشيوعية المصرية من 1900 -1940- المجلد الأول.شركة الأمل،القاهرة صـ 544). كما يزعم رفعت السعيد على لسان كورييل أن كورييل اقتنع بالماركسية فى عام 1937-1938(لم يحدد الساعة)،(رفعت السعيد مرجع سابق المجلد الثالث صـ 119)وانخرط فى نشاط "تأسيسى" واسع .
وما هى الحقيقة ؟ الحقيقة أن جميع أعداد مجلة دون كيشوت ( ستة أشهر من 1939إلى1940) لم تتشرف إلا بمقال واحد لكورييل،وهو مقال لا علاقة له بالماركسية يتكلم عن توافق مصلحة العمل ورأس المال "اعطوا للعمال أجورا لائقة تحسن وضعهم ووقت فراغ يسمح لهم بالراحة والتثقف ومسكنا يقيهم من الحشرات والعدوى وحينئذ سيكون لدى الصناعة أيد مدربة قوية تزيد من عائدها (ربحها) وأسواقها فى نفس الوقت". وكان هذا الذى يزعم رفعت السعيد أنه ماركسى منذ 1937- 1938 يتردد طوال الفترة الدون كيشوتيه على بيوت الدعارة فى القاهرة لا من أجل المتعة الزائلة،بل من أجل نظرية تأسيسية عميقة تدعى أن العاهرات هى أقصر طريق وأفضله لاكتساب البورجوازيين وعياً سياسياً ( جيل بيرو- صـ 72-73 بالفرنسية–صـ76-77 ترجمة كميل داغر– صـ 74- 75 ترجمة لطيف فرج) بل لقد استأجر بيتاً سرياً " ماخوراً" ليكون مقراً لهيئة تحرير دون كيشوت !! (نفس المرجع ) (ومعذرة فالمسألة ليست شخصية ويذكرها مؤرخ شديد التمجيد للمؤسس المزعوم).
إن إعطاء كورييل مدة خدمة، وأقدمية فى الماركسية لتناسب تزوير التاريخ لكى تجعل منه مؤسسا للحركة الشيوعية المصرية ليس إلا أكذوبة سطحية .
وننتقل إلى المعجزة الخرافية الأخرى،وهى أن كورييل"الماركسى" المزعوم ترك دون كيشوت "ليؤسس" الاتحاد الديموقراطى".
ويقول الباحث "بشير السباعى" فى دراسة له " ولقدتأسس الاتحاد الديموقراطى فى أوائل 1939 بينما ظهرت "دون كيشوت" فى ديسمبر 1939 وتوقفت فى أبريل 1940،فكيف يمكن القول بأن هنرى كورييل ترك المجلة لكى "يؤسس " الاتحاد الديموقراطى،يبدو أن الأحداث عند الدكتور رفعت السعيد تسير فى اتجاه زمنى غير الاتجاه الذى تسير فيه كل الأحداث عند سائر البشر".
إن الماركسيين المصريين فى أواخر الثلاثينات وأوائل الاربعينات كانوا يناضلون على المستوى الاقتصادى والسياسى والفكرى نضالا شديد القسوة والصعوبة ، وقدحفروا الأرض الصخرية بأظافرهم حينما كان "كورييل" كما يقول أخلص مؤرخ له "جيل بيرو" فى الفترة الماخورية. وبطبيعة الحال لا يعرف جيل بيرو شيئاً عن نضال الماركسيين المصريين فى ذلك الوقت وهو يتوهم أن كورييل حينما كان يناضل فى ملهى الكيت كات لم يكن هناك نضال، يخوضه اليسار المصرى، وأن مصر كانت تنتظر الخواجة المخلص المؤسس مرتديا بنطلونه القصير . هل يمكن الحديث عن اشتراكية طفيلية مثل الحديث عن رأسمالية طفيلية ؟
ولو تركنا جانبا خرافة التأسيس لبرز سؤال واقعى شديد الواقعية . لماذا كان لحلقة كورييل هذا الدور الخاص على الرغم من أن كورييل كان دائما كما يقول جيل بيرو "رجلاً هامشياً" يعمل وسط هامشيين" ؟وبطبيعة الحال لم يكن كورييل شيطاناً رجيماً استطاع بطريقة سحرية أن يحطم الحركة اليسارية وأن يخربها . إذ يتردد كثيراً تساؤل عن علاقة كورييل بالصهيونية.
إن التتبع الموضوعى لكورييل وحلقته فى مصر والخارج يؤكد أن كورييل ليس مؤيداً للصهيونية أو بعبارة أخرى ليست الصهيونية هى قائدته فهو لا يتبنى الايديولوجية الصهيونية،ولا يرفض أن يذوب اليهود فى المجتمعات القومية التى يعيشون فيها،وليست اسرائيل وطناً روحيا أو ماديا من الأوطان الثلاثة التى كان يدعى الانتماء إليها:فرنسا ومصر ووطن الاشتراكية الأول (الاتحاد السوفييتى) (على ما فى علاقته بالاتحاد السوفييتى من تناقضات حادة).
لقد وقف ضد التوسع الصهيونى حينما أخذ أشكالاً عدوانية متطرفة مثل"من النيل الى الفرات" فوقف ضد اشتراك اسرائيل فى الغزو الاستعمارى لمصر عام 1956،ولم يؤيد كل مزاعم اسرائيل عن عدوان 1967، وهو يطالب بحق الفلسطينيين فى دويله إلى جانب دولة إسرائيل ،وعلى الرغم من أنه أيد رحلة السادات إلى القدس فإنه لم يوافق على كامب دافيد .
ان كورييل وحلقته الأجنبية مجموعة من رجال الأعمال اليهود (من لم يكن رجل أعمال فى البداية أصبح كذلك فيما بعد) وبعض المثقفين ، انتموا ومازالوا ينتمون إلى التقاليد الفكرية للبورجوازية الفرنسية فى فترة أفول امبراطوريتها، وكانت فرنسا الجميلة العقلانية صاحبة شعار الحرية والإخاء والمساواة وطنهم الروحى ومع العدوان الفاشستى المعادى للسامية على فرنسا اكتسبت المسألة اليهودية عند الديموقراطية الفرنسية أبعاداً ضخمة.لقد أصبح"اليهودى"عند قطاعات راديكالية من المثقفين الفرنسيين رمزا للإنسانية المضطهدة،كما أصبح الموقف من" اليهود" معيارا للتقدمية والعقلانية والاشتراكية".
ويجب أن نؤكد أن حلقة كورييل نشأت على أرض معاداة الفاشية متعاونة مع القوى"الديموقراطية" للحلفاء الذين كانوا يحاربون هتلر. ولأسباب عملية بحته،كان التعاون الظاهر مع قوات الاحتلال البريطانية مرفوضا لأن ذلك يعزل كورييل عن المصريين أما التعاون الخفى مع الانجليز فهو مؤكد ، إن "مكتبة الميدان" التى يدعى الكورييليون أنها مكتبة تقدمية أنشأها والد كورييل للدفاع عن قضية الحلفاء، وكان يتردد عليها العديد من الضباط والجنود الانجليز،وكانت فيلا الزمالك حيث يقيم كورييل، مائدة مفتوحة للعساكر الانجليز وعلى حفلاتها الراقصة تردد حوالى مائتى أو ثلاثمائة جندى ينعمون بالترفيه على أيدى (!!) الفتيات الجميلات لأفضل عائلات القاهرة البورجوازية (ترجمة لطيف فرج صـ106)
وبإسم"الجبهة المعادية الفاشية"تعاون كورييل مع"الفيلق اليهودى "التابع للجيش البريطانى،وسنناقش ذلك بالتفصيل فيما بعد .
وقد اشترك كورييل فى جمعية الصداقة مع فرنسا عن طريق البعثة الديجولية وتطوع للحرب فى جيوش فرنسا ولكن طلبه رفض .
إن يسارية كورييل قد نشأت على"أرض أخرى" غير أرض الصراع الطبقى والوطنى فى مصر،فالنضال الوطنى بطابعه الشعبى فى مصر والوطن العربى كان موجهاً ضد الاستعمار العالمى والصهيونية،كما كان موجها ضد الركائز الطبقية الداخلية للإستعمار .
• العلاقة بالسوفييت :
أما علاقة كورييل بالسوفييت فتدعو للتساؤل ولما هو أكثر من التساؤل .
لقد حاول"عرض خدماته"على السفارة السوفييتية فى الزمالك منذ الأيام الأولى لوجودهم فى مصر (ترجمة لطيف فرج صـ 132) ولكن السوفييت رفضوا العرض بخشونة، وكان هذا العرض العجيب الذى يشمئز منه كل المناضلين الشرفاء فى مصر،يتم عن طريق زوجه كورييل السيدة روزيت التى كانت امينة صندوق جمعية مسز ونستون تشرشل(!!) لمساعدة روسيا، وما لبثت السيدة كورييل أن وجدت حيلة للدخول إلى السفارة السوفييتية باعتبار السيدة كورييل ممثلاً رسمياً للبعثة الفرنسية ( نفس المرجع) وذلك أثناء الجبهة العالمية المعادية للفاشية وسيفعل كورييل شيئاً مماثلاً فى شيخوخته حينما عرض " خدماته" على السوفييت عن طريق يهودى بولندى يحترف تزوير الجوازات والأوراق فى منظمة كورييل حماة التضامن بتاريخ أكتوبر 1972.ولم"يرد"السوفييت على الخطاب إلا فى 7 ابريل 1981 بعد مصرع كورييل على لسان الرفيق إفيسييف فى مقال وزعته وكالة نوفوستى، وجاء فى المقال أن أنشطة كورييل صهيونية معادية لمصر وأنه يتعاون مع الاستخبارات الاسرائيلية (جيل بيرو بالفرنسية صـ476،أما كتاب رجل من نسيج خاص فى ترجمة لطيف فرج فقد فضل حذف الموضوع تماماً "فأنصار كورييل ناشرو الكتاب يقيمون وصايتهم على القارئ المصرى والعربى وسنرجع لذلك) .
وكما نجح كورييل فى أن يواصل الزعم بوجود علاقة ما مع السوفييت رغم رفضهم لخدماته قديما عن طريق حصان طروادة وهو البعثة الديجولية فى مصر أثناء الحرب العالمية الثانية استطاع بعض أتباعه الآن إقامة علاقة صداقة مع السوفييت عن طريق حصان طروادة آخر هو بعض القادة الناصريين .
والسوفييت فى الحالين أبرياء من أى تدخل فى شئون مصر،ومن أعمال كورييل واتباعه.
إن حلقة كورييل (بخلاف حدتو) لا تنتمى إلى الحركة الشيوعية العالمية ولا إلى التراث النضالى للشعب المصرى بل هى حلقة أقرب إلى الاشتراكية الديموقراطية الفرنسية، وليس من المصادفة أن جماعة كورييل تزين ترجمتها العربية "المنقحة" لكتاب جيل بيرو بتقريظ من رموز الاشتراكية الديموقراطية الفرنسية ووزرائها .
أما موقف الحزب الشيوعى الفرنسى من كورييل وشركائه فلا يقف عند الإدانة القديمة فى قضية مارتى بل لقد أدانه ادانه واضحة فى مسألة الخطاب المشبوه إلى السوفييت (أكتوبر 72). واعتبر أن توقيت هذا الخطاب بعد شهور من بداية اتحاد اليسار تحالف الشيوعيين والاشتراكيين محاولة للإساءة إلى الشيوعيين جميعاً لو اكتشف الناس هذا الخطاب وقد أعلن الحزب الشيوعى الفرنسى عن فصل أى عضو يتصل "بالتضامن" منظمة كورييل (صـ 477-478 من الأصل الفرنسى.تم حذفه عمدا من ترجمة لطيف فرج المعنونة رجل من نسيج خاص، والتى نشرها أصدقاء كورييل).
ومن الصبيانية أن يزعم أحد أن الحزب الشيوعى الفرنسى تملكته الغيرة من عبقرية كورييل فى تحليل حركة الجيش فى مصر وأنه يعاديه لذلك.فمن الثابت أن كورييل على عكس ما يزعم أنصاره لم يقدم أى تحليل علمى لحركة يوليو بل قدم أشد الأوصاف سطحية لها: " ... النظام نابع من فئة معينة فى البورجوازية المتوسطة وهى فئة ضباط الجيش ... وهذا يفسر بعض التناقضات الموجودة بينها وبين شرائح أخرى من البورجوازية المتوسطة.وقد يقوم النظام بقمع بعض ممثلى هذه الشرائح ...محامين ...صحفيين ...الخ ولعل هذا يفسر لنا بعض خصائص النظام ومنها ميله إلى التسلط والسيطرة .. إلا أن النظام بطبيعة الحال يمثل بصفة عامة مصالح أوسع من مصالح تلك الشريحة التى نشأ منها برغم تمتع هذه الشريحة بامتيازات خاصة" (من رسالة لكورييل إلى محمد شطا، أوردها رفعت السعيد فى تاريخ الحركة الشيوعية المصرية من 1957- 1965 صـ 123- 124).
وياله من تحليل يقول إن حركة الضباط تمثل الضباط (ومن هم فى مثل وضعهم) وتستنتج خصائصها من ذلك!!
وبالإضافة إلى ذلك فقد اتخذ كورييل وأصدقاؤه من حركة الجيش مواقف متغيره تراوحت بين التأييد وبين اعتبار قيادتها ديكتاتورية صنيعة الدولار وتنتهج أساليب فاشستيه (نفس المصدر صـ 107- 109 ) ويزعم أحد انصار كورييل فى الترجمة المعنونة "رجل من نسيج خاص" أن الحزب الشيوعى الفرنسى قد تخلى تماما عن اتهاماته لكورييل واعترف علنا بخطئه فيما يتعلق بالقضية القديمة قضية مارتى(صـ450)
والحقيقة أن الحزب الشيوعى الفرنسى فى اعترافه بخطئه فى قضية مارتى لم يذكر شيئاً عن كورييل فإن كورييل لم يكن قد أدين لعلاقته بمارتى بل المسألة على العكس فقد أدين مارتى بسبب علاقته بكورييل .
وبالاضافة إلى ذلك فإن كورييل قد أدين بصراحة من جانب الشيوعيين الكوبيين ، وقد تعمدت ترجمة "شركة الأمل "اغفال ما جاء عن ذلك فى كتاب جيل بيرو.
فإنتماء حلقة كورييل إلى الشيوعية مشكوك فيه إذن. وبعد الخروج من مصر بدأ العمل على النطاق العالمى وبدأت الحلقة تنتشر فى الكثير من الحركات والمنظمات الديموقراطية العالمية،وما لبثت المسألة اليهودية أن احتلت تدريجيا مركز الاهتمام من منطلقات غير صهيونية وإن تكن بعيدة كل البعد عن موقف الحركة الوطنية العربية والشيوعية .
وينشط أيضاً- كورييل فى عقد الصلات بين الفلسطينيين وبين "السلاميين" الاسرائيليين وبين هؤلاء والمصريين ذوى النفوذ.
• تزوير صريح
وأنصار كورييل لهم أقنعة متعدة، ويختلف القناع الأوروبى عن القناع فى مصر .
ان خطاب كورييل إلى رفاقه فى مصر بعد الهزيمة العربية فى 1967 يتعمد أنصاره أن يترجموه بعد إخفاء العبارات التى تمنح الخطاب طابعه البشع (صـ415 من رجل من نسيج خاص)، ولنسترجع ما سمح أصدقاء كورييل للقارئ المصرى بأن يراه: " أن الجماهير الاسرائيلية تعتقد أن الحرب (1967) لم تكن عدوانا من جانب إسرائيل،هل من المنطق أن نطالبها بالعودة إلى حالة يمكن أن يعتبروها بأنها تهدد بإبادتهم. إن هذه الجماهير ستتخلى عن الاراضى المحتلة فى حالة حصولها على سلام حقيقى وامن حقيقى" وبصفاقة غريبة يوضع الخطاب بين علامتى تنصيص دون الإشارة إلى أى حذف. أما الترجمة الصحيحة التى لم تخضع للرقابة فتقول : " أن الجماهير الاسرائيلية لا ترى أن الحرب (1967) كانت عدوانا من جانب اسرائيل ، بل كانت نضالا من أجل بقاء وطنها. وهل من المستطاع اذا راعينا العقل (الانصاف) ان نطلب منها أن تعود إلى وضع تغامر فيه مرة أخرى بأن تكون مهددة بالإبادة ؟ أى إلى وضع ينبغى عليها فيه أن تتخلى عن ثمار تضحياتها الهائلة دون أدنى مقابل مماثل ؟ لا يجب خداع النفس فالجماهير الاسرائيلية لن تتخلى عن الأراضى المحتلة إلا مقابل سلام حقيقى وأمن حقيقى ".(جيل بيرو صـ،535 بالفرنسية )
وفى صفاقة مماثلة تحذف ترجمة"رجل من نسيج خاص"تعليق كورييل حينما سمع بطيران السادات إلى القدس " هذا حسن بشرط أن يكون لدى الشيوعيين المصريين الذكاء لكى يركبوا الطائرة معه (صـ531 بالفرنسية) وتكتفى ترجمة أصدقاء كورييل بأن هذا أمر طيب (صـ421).
فأصدقاء كورييل فى شركة الأمل للطباعة مثل مؤرخى كورييل لا تعنيهم الحقيقة ويختلقون خرافة اسمها كورييل . وهم يمارسون أبشع أشكال الانتهازية انتهازية إخفاء الوجه .
وحينما تبرز القضية الفلسطينية وتشتعل نيرانها "بنظريتهم" عن الحق المقدس للقومية يقدم أنصار كورييل اليهودية إلى جوار الحق المقدس للقومية الفلسطينية وذلك للخلط ين المقتضيات العملية للنضال فى موازين قوة غير مواتية للعرب مرحليا وبين المبادئ النظرية المرشدة والأهداف النهائية .
ولو سلمنا جدلا– جدلا فقط – مع القائلين بقومية يهودية فى مرحلة التكوين ، فلن تكون المسألة مسألة حقوق مقدسة. فقد تعلمنا من لينين أن حق تقرير المصير ليس أمرا مطلقا بل جزء من الحركة التحريرية الثورية العامة، وفى حالات مفردة قد يتناقض الجزء مع الكل فإذا كان الأمر كذلك يجب رفض الجزء .
إن ماركس فى الاربعينيات من القرن الماضى عارض الحركة القومية للتشيك والسلاف الجنوبيين لانهما كانا مخافر أمامية للقيصرية الروسية ومراكز حراسة للحكم المطلق كما أن اسرائيل مخفر أمامى للإمبريالية الأمريكية .
إن أى حركة قومية رجعية لا يذهب الماركسيون إلى تقييمها من وجهة النظر الشكلية والحقوق المجردة،بل على نحو عينى ملموس من زاوية مصالح الحركة المعادية للإمبريالية ومصالح الحركة الثورية .
وفرق بين التنازلات المبدئية ، والحلول الوسطى وفقا لعلاقات القوى وتوسيع هامش المناورة–بشرط أن يكون ذلك كله فى اتجاه تدعيم القوى الوطنية والديموقراطية واكتساب أرض جديدة ومواقع جديدة للثورة الفلسطينية – وبين التسليم بحق قومى مقدس لاسرائيل فى اغتصاب أرض الشعب الفلسطينى .
وفى كل ذلك يواصل كورييل وجماعته موقفا من الكفاح المسلح الفلسطينى كانت بدايته فى مصر،ففى أواخر عام 1953 بدأت فى مصر بوادر عمل مسلح اشترك فيه كوادر شيوعية بعضها من حدتو مع وطنيين وديموقراطيين وبعض ضباط الجيش ضد قوات الاحتلال البريطانية،وكان موقف كورييل–على خلاف معظم مناضلى حدتو–رافضا للكفاح المسلح . لقد أرسل إلى رفاق رسالة يقول فيها : ما هو الفرق بين الشيوعيين والارهابيين فى مسألة العمل المسلح ... بالنسبة للشيوعيين الذين يثقون ثقة تامة فى الجماهير،فإن الكفاح المسلح يعنى ذروة للنضال السياسى للجماهير. وفى واقع مصر فإننا نرى أنه لا الظرف الدولى ولا الظرف المحلى يسمحان بمثل هذا الشكل من النضال ... ولنقلها بصراحة، فإن الدعوة إلى كفاح المسلح يبدو وكأنه تعبير عن التخوف من القيام بنضال سياسى، إنه انعكاس للحركة المتشائمة التى تقول بأنه .... ما من سبيل آخر،كما أنها أخيراً انعكاس للفكر البورجوازى الصغير ..... (رفعت السعيد منظمات اليسار حدتو أو فى الجبهة المصرية 1950-1975 – دار الثقافة الجديدة صـ167 ).
إن كورييل الذى يدعى انصاره انخراطه فى النضال المسلح التحريرى عابر القارات قد استثنى دائماً النضال المسلح لتحرير فلسطين كما استثنى هذا النضال لتحرير مصر، وقد أدرجهما معا فى عداد الإرهاب وتذكرنا هذه النغمة بنعيق مواز يصدر من جهات متعددة .










الفصل الأول
كورييل
لا يعبر عن " حدتو"
ارسل هنرى كورييل الى اصدقائه من ((الشيوعيين)) ((المصريين)) بعد هزيمة 1967 مباشرة (وبعد ما يزيد على عامين من((حل تنظيمهم)) )رسالة يضمنها آراءه وتوجيهاته فى هذه اللحظة المريرة جاء فيها :
(( ان الجماهير الاسرائيلية لا ترى أن الحرب (حرب 1967 ..ا.ف) كانت عدوانا من جانب اسرائيل،بل كانت نضالا من أجل بقاء وطنها . وهل من المستطاع اذا راعينا العقل والانصاف ان نطلب منها أن تعود الى وضع تغامر فيه مرة أخرى بأن تكون مهددة بالابادة ؟ اي الى وضع ينبغى عليها فيه أن تتخلى عن ثمار تضحياتها الهائلة دون أدنى مقابل مماثل؟ لا يجب خداع النفس فالجماهير الاسرائيلية لن تتخلى عن الاراضى المحتلة الامقابل سلام حقيقي وأمن حقيقى )).
[التشديد لكورييل.جاء نص الرسالة فى كتاب جيل بيرو،رجل على حدة (أو من طراز فريد) الناشر بارو فرنسا 1984 صـ535.بالفرنسية.وقد ترجمه كميل داغر.دار النضال بلبنان، الثلث الاول فقط من الكتاب] .
واصدقاء كورييل الذين وصلهم التوجيه السابق هم عدد ضئيل جداً، وان يكن عالي الصوت جدا،بحيث اقنعوا الكثيرين انهم يعبرون عن الحركة الشيوعية المصرية .
ويذهب كتاب معروفون بالامانة فى تأريخهم للحركة الوطنية والعمالية (الاستاذ طارق البشرى والدكتور رؤوف عباس على سبيل المثال ).الى الربط الكامل بين كورييل وحلقته من ناحية وبين منظمة الحركة الديموقراطية للتحررالوطنى (حدتو) من ناحية أخرى. فالدكتور رؤوف عباس يقول ((..فقد قدم كورييل مساهمة هامة فى تاريخ الحركة تمثلت فى تأسيس اكثر التنظيمات استمرارا واوضحها رؤية للواقع السياسى المصرى...فضلا عن كونه (حتى صدور قرار الحل عام 1965) التيار الاوسع قاعدة بين المنظمات الشيوعية المصرية (أوراق هنرى كورييل.دار سيناء للنشر صـ51).
ولسنا فى حاجة الى تأكيد ان الموقف المزرى الذى جاء فى رسالة كورييل الى أتباعه هو موقف يكاد أن يكون النقيض المباشر لموقف الذين كانوا اعضاء فى ((حدتو)) ولموقف معظم الشيوعيين فى مصر،بل من المرجح أن اعضاء فى ((حدتو)) السابقين في جملتهم لا يعرفون شيئاً عن هذا الموقف الغريب لكورييل ولو عرفوا عنه أي شيء لما ترددوا فى أدانته. وينفرد كورييل وحلقته الضيقة بهذا الموقف بين كل الشيوعيين في العالم انفرادا يطرح مجددا ما هى حقيقة العلاقة بين حلقة كورييل وبين الماركسية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية على وجه الخصوص والحركة الوطنية العربية .
ولم يكن الموقف المخجل لكورييل فى عام 1967 أول المواقف المماثلة من القضية الفلسطينية،بل كان حلقة فى سلسلة من التدهور الفكرى والعملى بدأت منذ البداية .
• الحكاية من أولها :
هناك محاولة لخلط الاوراق جميعاً تحت لافتة أسمها ((اليسار المصرى)) تضم تحت عباءتها الفضفاضة الموقف ونقيضة. لذلك ينبغى ان نميز بين موقف حلقة كورييل من جهة وبين موقف الشيوعيين المصريين والعرب والحركة الشيوعية العالمية من جهة أخرى حتى لا يصيب الوحل الجميع كما يفعل البعض .
من البداية كان كورييل يهنئ نفسه على أنه وجماعته والكلام على لسانه في سيرته الذاتية التى كتبها فى اكتوبر – نوفمبر – ديسمبر 1977((بينما كنا الوحيدين الذين تصرفنا بطريقة لائقة على صعيد النضال من أجل استقلال مصر،لم تقف الرجعية مكتوفة الايدى،إذ حاولت اداتها الطيعة جاهدة تحويل الانتباه الى القضية الفلسطينية ... وأود هنا ان اقول اننا أهملنا القضية الفلسطينية آنذاك (الحديث يدور عن الفترة من اكتوبر 1945 الى مارس 1946 ) ... كنا نحس ان معاداة الشيوعية للصهيونية هى جزء من تكويننا الى حد لم نستشعر معه الحاجة الى اهدار الجهود ((لاثباته)) لذلك عندما قام الاخوان المسلمون بالدعوة للإحتفال بذكرى ((يوم بلفور)) بقصد صرف الانظار عن العمل الوطنى، لانهم لم يقوموا قبلها بالدعوة لتخصيص يوم للإمبريالية اكتفى منشور الحركة المصرية (تنظيم كورييل) بفضح عملية الالهاء هذه)) [أوراق كورييل – مصدر سابق صـ 126-127 ].
ويواصل رفعت السعيد نفس الاغنية كان (الاخوان المسلمون) عام 1948.يهتفون((فلسطين الجريحة نفتديك)) وكنا نهتف ((الجلاء التام عن مصر وفلسطين)) .كانوا يصيحون الى((فلسطين لنطرد اليهود)) وكنا نهتف ((الى القناة لنطرد الانجليز )).. لنحرر مصر وفلسطين من الاستعمار )).
( تاريخ الحركة الشيوعية المصرية من 1940 – 1950 المجلد الثانى صـ389- اكتوبر 87 ) .
ونقف قليلاً عند هذه النقطة لنوضح الفهم الكسيح للمسألة الوطنية فى مصر عند(( كورييل وبطانته)). فقضية الاستقلال والجلاء عندهم قضية مجردة معزولة عن اى فهم شامل للمعركة العربية ضد الامبريالية العالمية باعتبارها كلاً مترابطاً،بالاضافة الى ان ما يسمى بخط القوات الوطنية والديموقراطية عندهم كان يعجز عجزا شائنا عن رؤية خصوصية المعركة ضد الصهيونية وعن فهم الدور الجديد الذى أصبح على الصهيونية بعد الحرب العالمية الثانية ان تلعبه .
لقد انفردت حلقة كورييل بالنظر الى القضية الفلسطينية باعتبارها قضية تضامن ثانوية بين الشعبين المصرى والفلسطينى ضد الاستعمار البريطانى ،كما انفردت باعتبار الصهيونية جزءا ثانويا يتبع المسألة الرئيسية مسألة وجود قوات احتلال انجليزية، حتى ان كورييل لم يستشعر الحاجة الى اهدار اى جهد لاثبات عدائه للصهيونية، فهى مسألة بديهية تتعلق بتسجيل موقف وليست مسألة نضال طويل الامد . وليت الامر وقف هنا، بل ان هنرى كورييل ذهب الى((تحريم)) ابداء العداء للصهيونية، واتخذ موقفاً مناهضاً لجميع الاحزاب الشيوعية العربية حينئذ على نحو سافر : انه يقول :
(( ولكن ما الذى يفعله الشيوعيون العرب؟ انهم يملأون صفحات جرائدهم بهجوم على الصهيونية ويتركوا (كذا)جانبا مهاجمة الرجعية العربية ، وهم بهذا انما ينفذون الاهداف الرجعية،ذلك انه لن يمكنهم ابدا ان يرفعوا اصواتهم ضد الصهيونية اكثر مما تفعل البورجوازية العربية وصحفها وهم على أي حال لن يصبحوا بهذه الطريقة مؤهلين لأى كفاح جاد.
ويتفق السكان العرب جميعا على إدانه الصهيونية فما جدوى ان يضاعف الشيوعيين العرب هذه الادانة ؟ ان الواجب عليهم ان يعملوا على ألا تتحول معاداة الصهيونية الى معاداة لليهودية )) .
[وثيقة عنوانها المشكلة((الفلسطينية)) بالفرنسية،جاءت ترجمتها فيما يسمى تاريخ الحركة الشيوعية المصرية لرفعت السعيد المجلد الثالث صـ515).
وهذا اللغو الفارغ ينطوى على عدد من الاكاذيب أولها الزعم بأن الرجعية العربية لم تتعرض للهجوم من جانب الاحزاب الشيوعية العربية ، وثانيها ان الهجوم على الصهيونية تنفيذ للإهداف الرجعية وثالثها ان النضال ضد الصهيونية مسألة ادانه فقط .
ويتفق التلميذ الصغير مع استاذه فى النظرة الخاطئة،فالشعارات التى كان يرفعها الشعب المصرى احتضانا للقضية الفلسطينة،ومظاهر الحضور المشتعل لهذه القضية فى الشارع المصرى طوال النصف الثانى من الاربعينيات يعتبرها رفعت السعيد دعاوى عنصرية (المصدر السابق صـ389) لأن بعض اعضاء الاخوان المسلمين ومصر الفتاة كانوا يهتفون ضد اليهود (الصهاينة ) فالمنطلقات الوطنية لا تكون عنده الا ضد الانجليز وحدهم.
ولسنا فى حاجة إلى تأكيد أن كورييل واتباعه انفردوا بهذا الموقف الخاطئ حتى داخل المنظمة التى حاول كورييل ان يقودها (حدتو ) .
لقد شكل اليهود الماركسيون فى منظمة (( ايسكرا)) قبل الاتحاد مع منظمة الحركة المصرية (( الرابطة الاسرائيلية لمكافحة الصهيونية)) فى اواسط عام 1946. ومن أعجب الاشياء أن رفعت السعيد يزعم أن ((حدتو )) قامت بتكوين الرابطة الاسرائيلية لمكافحة الصهيونية (صـ 553 من المصدر السابق).على الرغم من ان الرابطة حلها النقراشى فى يونية 1947 أما الإتحاد بين منظمتي آيسكرا والحركة المصرية لتشكيل حدتو فقد تم فى يونية – يوليو 1947،فحدتو لا علاقة لها بالرابطة التى واصلت كفاحها قبل تشكيل حدتو ولكن الحقيقة لا تعنى ((المؤرخ)) الكورييلي فى شئ وهو يعجز عن تتبع أبسط التواريخ . ولن نجد عند استعراضه القصص والحواديت والافتراءات على ((آيسكرا)) أى ذكر لتأسيس الرابطة الاسرائيلية لمكافحة الصهيونية باعتباره فضلاً يرجع الى هذه المنظمة،بل يؤكد رفعت دائماً على دور اليهود ((من كوادر حدتو)) (صـ131)،حدتو التى لم تكن قد نشأت بعد !!
ويحسم هنرى كورييل المسألة،فهو يصرح فى اوراقه بأنه كان ضد ((الرابطة اليهودية لمكافحة الصهيونية. ولا يخفى((معارضته العنيفة)) لها ويقول بالحرف الواحد (( هى الرابطة التى شكلتها ((ايسكرا)) بالرغم من معارضة (( الحركة المصرية )) [ منظمة كورييل قبل الاتحاد مع ايسكرا ا.ف] العنيفة لها، وكان تأسيس هذه الرابطة فى هذه المرحلة من الحياة السياسية المصرية ومن تطور المسألة الفلسطينية خطأ خطيراً،حيث أدى تطبيق الخط السياسى للرابطة الى احداث استفزازية فى أوساط الشباب اليهودى وقد بلغت هذه الاحداث حد التحدى السافر بين الاعضاء اليهود من ساكنى الاحياء التى يتمركز فيها صغار البورجوازيين (حى الظاهر مثلا) وبين قيادة[قسم الاجانب].فقام شندى[مسؤول ايسكرا سابقاً ومسؤول قسم الاجانب لاحقاً] بحل (( الرابطة)) ((بهدوء)) ،لان الاعتراف بخطأ تشكيل((الرابطة)) يعنى الاعتراف بفشل ايسكرا كلها .. )) .
[أوراق هنرى كوييل مصدر سابق صـ169 بعد تصحيح طفيف للترجمة وضعناه بين قوسين].
إن رفعت السعيد يطمس الوقائع ويغتصب لحلقة كورييل ما ليس لها بل وما حاربته. ولا يفوتنا أن نشير إلى التشابه بين كورييل الكبير وكورييل الصغير من حيث مجافاه الحقيقة،فالاول يدعي أن الرابطة حلها شندى ( هليل شوارتز) ((بهدوء)) على حين نقرأ في جريدة الجماهير ،جريدة ايسكرا بقيادة شهدى عطية السياسية (العدد الثانى عشر 23/6/1947) تحت عنوان النقراشى يدافع عن الصهيونية وفضيحة نقراشية جديدة النقراشى يحل الرابطة الاسرائيلية لمكافحة الصهيونية).
لقد أعتقل النقراشى اللجنة التأسيسية للرابطة فى مايو 1947،ثم أفرج عن اعضائها . وحلت حكومة النقراشى الرابطة فى يونيو 1947 لأسباب تتعلق بالأمن العام، ولم تحل نفسها بهدوء .( ومن ناحية أخرى نقرأ فى الجريدة الوفدية صوت الامة (26/4/1947 ) فى مساء الرابع والعشرين من ابريل(1947) قام فريق الشيوعيين اليهود بمحاولة لدخول مكابى الضاهر ( نادى لليهود ا.ف) بشكل جماعى،فتصدى لهم الصهيونيون واعتدوا عليهم بالضرب،وترأس الجانب الصهيونى كل من البرت حاتشويل وروبير أسكى. وأصاب الصهيونيون كلا من موسى لانداو وايلى شيزانة باصابات بالغة، الا ان الشيوعيين نجحوا فى اقتحام النادى،وهتفوا فى داخله بسقوط الصهيونية وحياة الشعب المصرى .. وبلغت الجرأة الوقحة بأحد الصهيونيين وهو البرت حاتشويل الى حد الاعلان امام رجال البوليس بأنه صهيونى لحما ودما،وانه ينتمى الى عصابة شتيرن وانه سيمضى فى طريقه)) .
وتتحدث صوت الأمة عن عدوان مماثل قام به الصهاينة ضد اعصاء الرابطة(عدد4/5/1947)،وعن ايداع الشيوعيين الحجز فى قسم باب الشعرية.
((فالشباب اليهودى)) الذى يتعاطف معه كورييل ضد الرابطة كانت الحركة الوطنية المصرية بما فيها الوفد تعرف ملامحه الحقيقية. ودعوته للهجرة من البلاد . كما ان الرابطة على العكس تماما من افتراءات كورييل كانت تتعرض للعدوان من جانب الصهيونية والرجعية الحاكمة سواء بسواء . وهذه الرابطة صفحة مجيدة فى نضال الماركسية المصرية،وكفاحها يسير فى خط معاكس لانتهازية كورييل مهما يحاول محترفو تزوير التاريخ. وليس من الصعب ان ندرك سبب ضراوة العداوة بين كورييل ورابطة مكافحة الصهيونية .
فلقد جاء فى بيان الرابطة الاسرائيلية لمكافحة الصهيونية الذى صدر فى كتيب (يونية 1947) رفضاً لرأى كورييل فى أمة يهودية تشكلت فى فلسطين . (وكان كورييل سباقا الى هذا الرأى قبل قرار التقسيم ) يقول بيان الرابطة ((ويدعى الصهيونيون ان الحل الوحيد للمشكلة هو جمع اليهود في فلسطين وانشاء دولة يهودية على غرارالدول الاخرى،ونحن نعلن اننا لا نعترض من ناحية المبدأ على فكرة تكوين قومية يهودية فى جهة ما من العالم.ولكننا نراه امرا خيالياً ومستحيلاً من الوجهة العلمية فى ظروف العالم الحاضرة ان تتكون قومية تضم جميع اليهود او أغلبيتهم أو حتى قسماً هاما منهم،كما أننا ننكر ان تكون فلسطين هى البلد الذى سيتوقع أن يتجمع فيه عدد من اليهود يسمح بحل المشكلة اليهودية ))((صـ6-8 من البيان – مطبعة الشبكشى . وفي ((تاريخ الحركة الشيوعيية المصرية)) .مصدر سابق صـ556) .
ويقول سكرتير الرابطة عزرا هراري فى الجماهير 5/5/1947 .. ((أما الصهيونية خادمة الاستعمار فتريد أن تربط اليهود بعجلة الاستعمار وأن تجعلهم عبيداً لتنفيذ مأربه الحقير خلال سياسة فرق تسد التى تبعها فى فلسطين وخلال سياسة انشاء دولة صهيونية فى فلسطين، تصبح رأس الرمح الاستعمارى ضد شعوب البلاد العربية (عبد القادر ياسين.القضية الفلسطينية فى فكر اليسار المصرى دار أبن خلدون صـ 86.(التشديد لنا ).
أما وجهة نظر كورييل وخاصة المقربين فهى على العكس من ذلك، وقد جاءت في الوثيقة الكورييلية التى سبقت الاشارة اليها وثيفة (( المشكلة الفلسطينية )) بالحرف الواحد :
... كما ينسى الشيوعيون العرب أن المشاكل العربية قد تطورت فى العشرين عاما الاخيرة، وأن الشيوعيين لا يمكن ان يظلوا على نفس موقفهم الماضى تجاه يهود فلسطين، اذ يوجد اليوم سكان يهود في فلسطين لهم سمات مميزة تختلف تماما عن يهود الدول الاخرى، وهم سكان لهم ثقافتهم الخاصة ولغتهم الخاصة ومؤسساتهم الخاصة.سكان يتكون ربعهم على الاقل من العمال والفلاحين وأخذوا يتخذون سمة ((الشعب العامل)) (!!) . والسكان اليهود فى فلسطين يحتلون مركزا هاماً في الصناعة ولهؤلاء حقوق قومية لا يمكن لأى دولة ديموقراطية أن ترفض منحهم اياها وعلى الشيوعيين النضال من أجل ذلك،عليهم منح هؤلاء السكان كل حقوقهم السياسة ايضا بما فى ذلك حق الانفصال. ولكن ما الذى يقوله الشيوعيون العرب؟ ان فلسطين دولة عربية يجب أن تظل كذلك. وهم بذلك ينكرون الواقع أياً كانت الاسباب التى فرضته وبذلك ينكرون النظرية الستالينية )) .
(تاريخ الحركة الشيوعية المصرية.المجلدالثالث صـ 515-516).وترجع هذه الوثيقة الى 22/10/1945) .
وكورييل يضع نفسه هنا بوضوح ضد الشيوعيين العرب جميعاً الذين أكدوا أن فلسطين دولة عربية ويجب أن تظل كذلك. وهو يعلن تمسكه بما يسميه النظرية ((الستالينية)) قفزاً فوق الماركسية واللينينية. وعلى أساس ذلك يرى أن أمة جديدة قد ولدت،لها حق الانفصال.ولكنه لا يشير الى أي مرجع اعتمد عليه في كلامه عن النظرية الستالينية،ولكن لستالين كتابا مشهوراً ألفه تحت الاشراف المباشر للينين عام 1913 هو (( الماركسية والمسألة القومية )). وفي الصفحات العشر الأولى من الكتاب يرد على باور . الذى يعتبر اليهود أمة ويجئ رد ستالين استنادا الى النظرية الماركسية فى شروط تحقق الامة، ويرفض ستالين فى كتاباته النظرية جميعاً اعتبار اليهود أمة ، وقد اصدرت اللجنة التنفيذية للإممية الثالثة فى أغسطس 1921 بياناً يهاجم اليسار الصهيونى جاء فيه ان فكرة تجميع جماهير العمال اليهود فى فلسطين بهدف خلق الأساس الضرورى لتحريرهم المادى والاجتماعى هى فكرة خيالية اصلاحية تؤدى فى النهاية الى نتائج معادية للثورة ، وذلك بسبب المشروع الاستيطانى الذى تهدف الى تحقيقه والذى يساعد على تقوية مواقع الإمبريالية البريطانية فى فلسطين [مجلة الكاتب الفلسطينى عدد 4 أغسطس 1978 مقال الاممية الثالثة وعروبة فلسطين بقلم أحمد فرحان] .
وسنعود بالتفصيل لمسألة ((القومية)) اليهودية فيما بعد،ولكن قبل الانتقال يجب ان نسجل ابتكار كورييل لشئ اسمه (( سكان لهم مؤسساتهم الخاصة )) كأساس لوجود حقوق قومية متميزة،فهذا يعطى للرأسمالية الاستعمارية فى المستعمرات ولمؤسساتها حقوقاً قومية. ويرد الحزب الشيوعى السودانى فى مؤتمره الرابع على القول بأن ليهود فلسطين وضعاً قومياً متميزاً،لاضافة اساس الارض الذي يكمل عناصر الامة اليهودية،بأنه مناف للعلم،ويعزل الارض كعنصرمن عناصر تكوين الامة عن العوامل الاجتماعية التاريخية الاخرى. ويتحدث الحزب السودانى عن التمييز العنصرى داخل الجماعات اليهودية نفسها بين اليهود القادمين من المجتمعات الاوروبية واليهود القادمين من المجتمعات الاسيوية والافريقية المختلفة،وبينهم وبين اليهود القادمين من المجتمعات العربية سببه وأساسه هو ((نفس المفهوم الرجعى العنصرى الذى عارض فى السابق ذوبان اليهود فى مجتمعاتهم المختلفة التى كانوا يعيشون فيها فى الماضي)) .
[الماركسية وقضايا الثورة السودانية. التقريرالذى اقره المؤتمر الرابع للحزب الشيوعى السودانى في اكتوبر 1967.دار الفكر الاشتراكى. الخرطوم فبراير 1968صـ56-63]. وقد اخترنا الحزب الشيوعى السودانى لنوضح الفارق الهائل بين موقفه الفكرى وموقف كورييل بعد الهزيمة في 1967 لان الشائعات الكورييلية تحاول أن تضع الحزب الشيوعى السودانى وقياداته فى الجيب الفكرى لحلقة الكورييل .
• المسألة الفلسطينية فى موضع القلب من حركة التحرر العربية
لم يكن الدور المتعاظم لقضية فلسطين ((حرفا للانظار)) عن القضية الوطنيةولا ((الهاء)) للجماهير عن مشكلاتها كما زعم كورييل،ولم تكن الجماهيرالمصرية مخدوعة بشعارات عنصرية معادية للسامية كما تدعى بطانته .
وقد انفرد كورييل داخل الحركة الشيوعية المصرية بهذا الموقف الذى كان بمثابة ردة على تاريخ الحزب الشيوعى المصرى القديم، وبمثابة تأكيد منحرف لفكرة النزعة الوطنية المصرية المنعزلة عن النضال العربى .
ان العلاقة الوطيدة بين الحزب الشيوعى المصرى القديم وبين النضال الوطنى والشيوعى فى فلسطين علاقة ثابته حيث كان الشيوعيون الفلسطينيون يقومون بتوزيع جريدة الحساب التى كان يصدرها الحزب الشيوعى المصرى، وكان الشيوعيون العرب يسهمون فى العمل الحزبى المصرى والعكس صحيح. (د.ماهرالشريف.الاممية الشيوعية وفلسطين 1919-1928 – دار ابن خلدون صـ216 ).
ولقد لعب الشيوعيون الفلسطينيون دورا فعالا بل قيادياً في المظاهرات التى اندلعت ضد لورد بلفور ووعده ، وقد ربطوا دائماً بين الفكرة الصهيونية والخطة الاستراتيجية البريطانية (( للدفاع عن قناة السويس )) وقد اعتبر الشيوعيون الفلسطينيون ان الامبريالية البريطانية قد استهدفت اساسا من وراء احتلالها فلسطين " دق اسفين فى قلب العالم العربى بهدف منع الشعوب العربية من التوحد القومى خصوصا وأن فلسطين تقع من الناحيتين الجغرافية والتاريخية في قلب العالم العربى ".
ولقد قامت الامبريالية الانجليزية بمكافأة كبار الاقتصاديين اليهود بوعد بلفور بإقامة دولة صهيونية في فلسطين (د. ماهر الشريف. الشيوعية والمسألة القومية العربية في فلسطين 1919-1948،مركز الابحاث منظمة التحرير الفلسطينية صـ26) . وتسمى جريدة الحزب الشيوعى المصرى ((الحساب)) في17/4/1925 بلفور ببائع فلسطين للمستعمرين من اليهود ، هكذا بالحرف ودون خوف من ((عنصرية )) .
لقد رأى الشيوعيون العرب الذين يناهضهم كورييل العلاقة الوثيقة بين انتداب بريطانيا على فلسطين ووعد بلفور والوجود الاستعمارى في أرض مصر ورفضوا الغرق في التفاصيل الجزئية للواقع المحلى هنا وهناك الى درجة العمى والعجز الكامل عن الوصول الى نظرة شاملة .
ومن المضحك ان يذهب كورييل الى المماحكة في ان التظاهر والاحتجاج فى يوم بلفور نسيان لتخصيص يوم ضد الامبريالية !!،وكأن مصر لم تكن تعرف الكثير من هذه ((الايام)) مثل عيد الجهاد على سبيل المثال لا الحصر .
الفصل الثانى
اتجاه معاكس
للشيوعيين المصريين والفلسطينيين
حينما سمع هنرى كورييل من زميله ((يوسف حزان)) بطيران السادات الى القدس،كان تعليقه ((هذا حسن بشرط أن يكون لدى الشيوعيين المصريين الذكاء لكى يركبوا الطائرة معه )) .جيل بيرو –رجل على حدة (من طراز فريد). الناشربارو- فرنسا صـ531 بالفرنسية ) .
ولقد انفرد كورييل ومعه حلقته بهذا الموقف بين الشيوعيين المصريين والعرب وشيوعيي العالم،لذلك كان من الواجب ابراز الاختلاف بين موقف حلقة كورييل واليسار المصرى عموما .
ان رفعت السعيد يدبج عبارات المديح للحزب الشيوعي المصرى فى الثلاثينيات والعشرينيات لموقفه من القضية الفلسطينية والقومية العربية (تاريخ الحركة الشيوعية المصرية.المجلد الثالث صـ405 -410 ) ويواصل الحكاية بحيث يتوهم القارئ أن مواقف حلقة كورييل امتداد للحزب القديم في هذا الصدد، وذلك بإخفاء متعمد للوقائع والوثائق التى تشير الى الهوة الضخمة بين المواقف .
ولنأخذ قيادة الحزب القديم التى كان افرادها يواصلون النضال في الاربعينيات امثال الشهيد شعبان حافظ الرباط والدكتورعبد الفتاح القاضى والدكتور حسونة وغيرهم من ذوى المواقف المشرفة فى النضال العربى عموما والفلسطيني خصوصا داخل الحركة الشيوعية العالمية.
يزعم رفعت ان هؤلاء انقسموا بعد ضربة صدقى في11 يوليه 1946 ورفعوا شعار احناء الرأس للعاصفة اعتماداً على شهادة ((كوادر)) من امثال كورييل وموظفيه مبارك عبده فضل وسيد سليمان رفاعى (تاريخ الحركة الشيوعية المصرية.المجلد الثالث صـ248).والحقيقة لقد كان عدد الذين قبض عليهم من((الحركة المصرية للتحرر الوطنى)).في هذه الضربة خمسة فقط من الاعضاء (اوراق هنرى كورييل صـ149 )،ولم يبق من ((المائة))معتقل من الديموقراطيين والوطنيين والوفديين الا عشرون متهما،ولم يبق كورييل محتجزا الا بضعة اسابيع قليلة،وخرج بكفالة من سجن الاستئناف الذى كان يشبه فندقا مريحا في هذه الايام (جيل بيرو مصدر سابق صـ173 -174 بالفرنسية).
لماذا اذن تشويه مناضلين تعرضوا للاهوال حتى وفاتهم بالزعم بأنهم هربوا من ((ضربة)) شديدة الضعف كهذه؟ومن المضحك أن سيد سليمان رفاعى يروى حكايات مختلقة عن بطولاته (!!) أمام هؤلاء ((المستسلمين)) (!!)، ومن السخف ان يمضى رفعت في مزاعمه، ويتحدث عن مناضلى الحزب الشيوعى المصرى قائلا : ولا بد لنا ان نتوقف هنا لنلاحظ نوعية هذا الكادر ولنشير الى توافق مثل هذه النوعية مع شعار إحناء الرأس للعاصفة)) (!!) (مرجع سابق صـ250) كما يتحدث كورييل متعالياً فى أوراقه عن هؤلاء المناضلين القدامى ويتلطف قائلا لا داعى لازدرائهم رغم عطائهم القليل ويتحدث عن الشهيد شعبان حافظ الرباط باعتباره ((كواء لا اذكر اسمه)) (اوراق كورييل صـ 114).
ونفس الطريقة في تشويه الصورة الناصعة نجدها في وثيقة كورييل عن ((المشكلة الفلسطينية )) المؤرخة 22/10/1945عند الحديث عن الشيوعيين العرب والفلسطينين .لذلك يجب ابراز القطيعة بين فكر كورييل والفكر الشيوعى المصرى والعربى.ان كورييل يذهب الى أن سمات سلبية مثل ضعف البروليتاريا العربية واليهودية أثرت (( حتى على الاوساط التقدمية اليهودية والعربية معا والتى اتضح ارتباطها بشكل أو بآخر بأفكار طبقتها البورجوازية،بل لقد أدى ذلك الى انقسام تام فى صفوف الحزب الشيوعى تمثل فى تجمع العرب وحدهم واليهود وحدهم منذعام 1943،(مصدر سابق صـ514) ويواصل كورييل ثرثرثة ليصل الى القول بأن بعض العناصر وخاصة العربية اظهرت "اتجاها شوفينيا،اذ كانت لا ترى فرقا بين يهود فلسطينيين عامة وبين الصهيونيين خاصة وأن مجرد وجود هؤلاء اليهود في فلسطين كان يعنى أن لديهم صلات تتفاوت قوتها بالصهيونية، ومن الملاحظ ان نفس هذه العناصر أظهرت موقفاً سبيا اتجاه كثير من المواقف النضالية" ( نفس المصدر صـ515).
ونلاحظ هنا أن كورييل مثل رفعت السعيد قد عين كل منهما نفسه مفتشا عاما للنضال اليسارى،وناظرا لمحطة التاريخ اعتمدت أوراقه بالمراسلة من ((بلاد بره)) ،ولكل منهما حق تعيين الاتباع والموظفين المطيعين على درجة مناضل وسحب الدرجة من الخصوم الذين هم المناضلون الشيوعيون بحق .
وبعد أن وجه كورييل هجومه الى مناضلى عصبة التحررالوطنى الفلسطينية واتهمهم بالشوفينية،وصل الى إدانة ما أسماه انقساما: ((يجب ادانه الانقسام حتى ولو قام على أساس قومى،ذلك أن أي انقسام هو بالضرورة غير شرعى لانه يحيط كيان الحزب الشيوعى الفلسطينى ذاته بالشكوك،بل انه يحيط كيان فلسطين كلها بالشكوك .. اى أن أى انقسام يتعارض تماما مع الهدف المحدد وهو تجميع كل القوى الراغبة فى الانفلات من قبضة الامبريالية)) نفس المصدر (صـ522).
وينبغى أن نقفز سنوات طويلة الى الامام لكى نتأكد من أن كورييل على الرغم من تدهور افكاره تدهورا بشعا،فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية،ظل يكرر الاسس السطحية التبسيطية الى درجة التفاهة والحلول السهلة شديدة السهولة الى درجة الاحتيال التى انفرد بها في اليسار المصرى والعربى .. لقد ظل طوال الفترة من 1962 الى 1972 يقدم ورقة عنوانها ((تأملات فى المشكلة الفلسطينية)) الى منظمة مريبة عابرة للقارات هو مؤسسها ومحركها اسمها ((التضامن)) مقرها باريس (لا علاقة لها بمنظمة التضامن الاسيوى الافريقى المحترمة المعروفة) . وتقول الورقة: (( نحن ننطلق من الحق المقدس الذى لا يسقط بالتقادم،حق الجماعات القومية في الوجود القومى(درة من درر الحكمة !!ا.ف):نحن نعترف اذن بحق يهود اسرائيل فى الوجود القومى.ولكن هذا الحق يجب أن يكون معترفا به بالاولى لعرب فلسطين ... حقا ان كلا من الجماعتين تنكر على الاخرى حقوقها المشروعة،ولكن في هذا الوضع نحن ننطلق من المبدأ القائل بأنه فقط بمساعدة هؤلاء الذين قد انتهكت جقوقهم انتهاكا فعليا يمكن الحصول على الاعتراف بالحقوق المشروعة للطرف المناوئ . وهكذا فبالدفاع عن حق العرب الفلسطينيين نحن نناضل اولا من اجل قضية عادلة ولكننا نخلق ايضا اكثرالشروط ملاءمة للاعتراف من جانب العرب بالحقوق المشروعة لليهود الاسرائيليين )) .
والوسائل؟ (( ان اى مواجهة قومية بحته لن تستطيع ان تؤدى الى حل يأخذ في حسابه الحقوق المشروعة للطرفين المتنازعين. وللوصول الى مثل هذا الحل ينبغى إقامة تحالف بين قوى التقدم فى الجماعتين التى يجب ان تضم جهودها ضد القوى الرجعية وحليفهما المشترك الإمبريالية الامريكية ويضيف ((جيل بيرو)) شارحا موقف كورييل.
وبعباره اخرى طالما كانت الكلمه العليا للقومية الشوفينية فان الطريق نحو السلام سيبقى مغلقا.أما المسعى الوحيد المجدي فهو العمل على تدبير لقاء بين المستعدين للحوار فى المعسكرين ، وظل كورييل طوال ثلاثين عاما يبحث عن رجال السلام .
[جيل بيرو. رجل على حده. مصدر سابق . صـ530 بالفرنسية].
وقد جمع اصدقاء كورييل مقالاته المختارة بالفرنسية فى هذا الموضوع بعنوان (( من أجل سلام عادل فى الشرق الاوسط )) وقد حقق توزيعاً واسعاً في اسرائيل ( المصدر السابق صـ529).
والحديث السطحى يدورعلى ىسلام عادل فى الشرق الاوسط لاعن قضية تحرير فلسطين، ولا يترك مكانا للبندقية الفلسطينية .
ونعود مرة ثانية الى السنوات الاولى من الاربعينيات والى الموقف الثورى الذى اتخذه الشيوعيون الفلسطينون العرب ((بانقسامهم)) الذى يدينه كورييل، وباكتشافهم خصوصية النضال القومى فى فلسطين ، وبموقفهم من الحلول التبسيطية الاحتيالية عن تحالف القوى التقدمية العربية واليهودية ومن الحوار بين هذه القوى باعتباره طريقا بديلا للتحرير.
ومن الملاحظ فى هذا الصدد أن كورييل واتباعه كانوا يعلنون دائما ان النقاش والحوار هما ثرثرة ضد ((النضال)) حتى فيما يتعلق بالاتفاق على الخط السياسى داخل المنظمة الواحدة ، وهو فى أوراقه يسخر من الذين يقولون بالاتفاق على الخط السياسي اولا ثم العمل أو فلنناقش أولاً ثم نعمل، لانهم كانوا يردون على نداء النضال بنداء النقاش (صـ182)، وكأن النضال شئ آخر غير وضع الخط السياسى موضع التطبيق هذا بالنسبة لاعضاء التنظيم الواحد،فالنضال عنده من اجل النضال ولا يتسع لثرثره الحوار،وكذلك الحال بين التنظيمات الماركسية المختلفة،أما مع اليهود والاسرائيليين فالحوار مفتوح على مصراعيه دون اعتبار لما ينجم عن الحوار مع ((التقدميين)) الاسرائيليين من كسر لطوق العزلة والمقاطعة العربية حول دولة الرجعية الصهيونية . وسنعود لتلك المسألة.
• السكان اليهود في فلسطين وسمة ((الشعب العامل))
ادعى كورييل فى وثيقة 22/10/1945(قبل قرار التقسيم) ان السكان اليهود يتخذون سمة الشعب العامل ، فماذا كان موقف الشيوعيين الفلسطينيين والأممية الشيوعية ؟ فى اعقاب الحرب العالمية الاولى وابتداء من قرارات الاجتماع الحزبى التوحيدى (فى يوليه 1923) الذى انبثق عنه الحزب الشيوعى الفلسطيني برزت نقطة مهمة هى التناقض فى وضع العمال اليهود بين اعتبارهم كادحين يتعرضون للإستغلال وبين اعتبارهم جزءا من حركة الهجرة الصهيونية الى فلسطين يشاركون فى قطف ثمار استغلال جماهير الشعب العربى ويتمتعون بامتيازات كبيرة فى المشروع الاستيطانى الصهيونى .لذلك كان توجيه الهجوم فى المحل الاول ضد ما كان يعرف حينئذ بالصهيونية البروليتارية. ولا غرابة فى ذلك فمعاداه الاممية الثالثة منذ نشأتها للصهيونية (لا كفكرة فحسب،بل كحركة للهجرة الى فلسطين) معروفة وكانت تشترط على اليساريين من اليهود اعلان ادانتهم للمشروع الصهيونى فى فلسطين بل لقد كان الشرط الثانى للاعتراف بالحزب الشيوعى الفلسطينيى(الاعتراف حدث فى فبراير 1924) هو تقديم كل اشكال المساندة لحركة التحرر الوطنى العربية فى فلسطين فى كفاحها ضد الاحتلال البريطانى الصهيونى . فالحركة العمالية اليهودية فى مجموعها كانت منذ البداية جزءا عضويا من هجرة استيطانية اجنبية مرفوضة من الشعب العربى ولم يكف الشعب العربى عن مقاومتها .
بل ان المنافسة بين العمال اليهود والعرب على مواقع العمل نظراً لانخفاض اجور العمال العرب لقيت حلا يهودياً ((ممتازاً)) عن طريق تأسيس اقتصاد مستقل يحتكرونه. لذلك كانت الحركة العمالية اليهودية منذ نشأتها تحمل سمات التشويه كجزء من طبيعتها، فالعمال اليهود كانت عملية نشوئهم وتكوينهم هى بعينها عملية احتلال مواقع العمل وطرد العمال والفلاحين العرب من المستوطنات ومن الاقتصاد الصهيونى البازغ. فالاستيطان العمالى اليهودى وآفاق تضخمه وتورمه انما حدثت جميعا على حساب دماء الجماهير الشعبية العربية وفوق جثثها بالانتزاع القسرى الذى أخذ اشكالا مختلفة . لقد كان الطابع الصهيونى من علامات ميلاد الحركة العمالية اليهودية فى فلسطين .
كما كانت الحركة العمالية اليهودية فى مجموعها متحالفة من حيث المصالح الموضوعية مع بورجوازيتها الصهيونية ، ولكنها كانت فى تناحر عدائى مع المصالح الموضوعية للعمال والفلاحين العرب .
وقد كشف المؤرخون الجديرون بالتسمية من فلسطينيين وعرب موقف الشيوعيين الفلسطينيين والاممية الثالثة من هذه المسألة الهامة،بالرجوع الى النشرة المركزية للاممية الثالثة المعروفه باسم المراسلات الصحفية الاممية International press correspondence ،واختصارها ((إن برى كور)) وكانت تصدر بلغات متعددة. وبالرجوع الى مصادر أصلية اخرى.لقد كشفوا عن ان اليهود الذين كانت نسبتهم العددية حوالي 13% من السكان كانت لهم امتيازات خاصة يحصلون عليها من الاستعمار البريطانى بمعاونة المنظمة الصهيونية وكانت هذه الامتيازات عونا لهم فى ممارسة سياسة اعتداء على السكان العرب. وكان السكان العرب يعتبرون هذه السياسة (( تهديدا خطيرا لوجودهم )) .
وكانت إقامة المستوطنات للمهاجرين اليهود بمساعدة الرأسمالية اليهودية تعنى فى المحل الاول انتقال ملكية الارض من العرب الى اليهود وطرد صغار الفلاحين العرب من اراضيهم .
ويقول أحد قادة الحزب الشيوعي الفلسطيني فى ذلك الوقت من خلال تشخيصه للدور الاستيطانى للصهيونية لقد استطاعت الصهيونية ((تحويل المهاجرين اليهود الذين هم فى الغالب من العمال الى قوات بوليسية تستعملها المنظمة الصهيونية ضد الفلاحين العرب )) .
د. ماهر الشريف : الشيوعية والمسألة القومية العربية فى فلسطين 1919-1948.صـ25-33.عن المراسلات الصحفية الاممية اعداد 15 يناير 1925و23 ابريل و29 ابريل من نفس السنة بالانجليزية ]
ولم يكن تحويل العمال اليهود الى قوات بوليسية تطارد الفلاحين العرب أحداثاً متفرقة أو جزئية أو عرضية،بل وظيفة ضرورية لنشوء وتكوين الحركة العمالية اليهودية فى فلسطين فقد كانت الهجرة والنشاط الاستيطانى الصهيونى المرتبطة به هذه الهجرة يعملان على تحويل العمال اليهود المهاجرين الى قوة قمع هدفها سلب اراضى الفلاحين العرب وحرمان الكادحين الفلسطينيين من فرص العمل على وجه العموم.
ويذهب الدكتور ماهر الشريف الى ان الشيوعيين الفلسطينيين وقفوا ضد الطابع الصهيونى المتعصب قوميا السائد فى الحركة العمالية اليهودية، وكان هدف الشيوعيين ((سلخ العمال اليهود عن جسم الحركة الصهيونية ومنعهم من المساهمة الفعالة فى تحقيق مشروع إقامة الوطن القومى اليهودى ومحاربة الاوهام التى كانت تشيعها البورجوازية اليهودية بين أوساطهم عن امكانية تحقيق المشروع الصهيونى في فلسطين)) (المصدر السابق صـ36) .
وبطبيعة الحال كان لابد للشيوعيين الفلسطينيين ان يشاركوا فى التفاؤل العام الذى استشرى بعد نجاح ثورة اكتوبر 1917، والذى كان يرى الرأسمالية العالمية بأكملها على وشك الهزيمة ،لذلك كان الحديث يكثر عن ان الصهيونية مشروع غيرقابل للتحقيق أصلا (إلا على نطاق ضيق ولفترة محدودة) فالتناقضات القاتلة تمسك برقبته .(وكان من المعتقد فى العشرينيات ان تطور الرأسمالية اليهودية وبلوغها درجة عالية من التركيز والتمركز،لابد أن يدفع بالتناقضات الطبقية بين الرأسماليين اليهود والعمال اليهود الى درجة عالية من التفاقم والحده ، تعمل على بتر الطبقة العاملة اليهودية عن الجسم العضوى للحركة الصهيونية، وعن المصلحة اليهودية المشتركة. بل لقد ذهب الرفيق أبو زيام فى مقال له فى((الاممية النقابية الحمراء)) بعنوان الصراع الطبقى فى فلسطين (العدد56 عام 1925 الطبعة الفرنسية) إلى ان مقاومة الرأسماليين اليهود في محاولتهم القاء عبء الازمات على كاهل العمال اليهود تبرهن على وجود الصراع الطبقى داخل الوحدة القومية اليهودية المزعومة،وأن الوقت الذى كان يقال فيه ان بذور الصراع الطبقى تبذر على نحو مصطنع في فلسطين قد ولى الى غير رجعة،(د.ماهر الشريف . المصدر السابق صـ 38)
وعلى الرغم من التفاؤل الوردي لم يقع الشيوعيين الفلسطينيين في سياسة مصالحة وتحالف مع العمال اليهود المنخرطين فى تدعيم السياسة الصهيونية . بل قدموا سياسة مبدئية نضالية ، ففى خلال معارك نوفمبر1924 فى قرية العفولة،دعا الشيوعيون الفلسطينيون الجماهير العربية الى مقاومة المستوطنين الصهاينة بالقوة، وحرضوا العمال اليهود على رفض المشاركة فى طرد الفلاحين من قريتهم. وجاء فى منشور الحزب الشيوعى ان الصهيونية تستخدم العمال اليهود طعما لاهدافها فى طرد الفلاحين العرب،وهذا العمل السافل تنفذه الصهيونية بأيدى العمال (المصدر السابق صـ39)
وحينما وقعت أزمة 1925-1927 الاقتصادية،وتفشت البطالة بين صفوف العمال اليهود وارتفعت أرقام الهجرة خارج فلسطين،تحدث الشيوعيون الفلسطينيون فى ((المراسلات الصحفية الاممية)) العدد 36 في 26/3/1927 الطبعة الفرنسية،عن ((افلاس الصهيونية)) فى موطن أملها، ودعوا الجماهير اليهودية ان تبحث عن مخرج آخر للتحرر من نير الاضطهاد القومى والاجتماعى، ((وهذا لن يتحقق عن طريق الهجرة الى فلسطين لخدمة اهداف الاستعمار، وانما عن طريق خوض النضال الطبقى المثابر مع عمال جميع البلدان )). [ماهر الشريف: نفس المصدر السابق .صـ39]
وطوال هذه الفترة لم يغب عن الشيوعيين الفلسطينيين وجود سوقين للعمل في فلسطين، وحصول الايدى العاملة اليهودية على امتيازات،ولم يكفوا عن المطالبة بالغاء التمييز العنصرى فيما يتعلق بشروط العمل، ووقفوا ضد تشكيل (( فئة عمالية صهيونية مميزة ومؤهلة بأن تزج فى أي يوم في المعركة ضد العمال والفلاحين العرب (نفس المصدر صـ38)
ولقد كان التفاؤل بسرعة إفلاس الصهيونية الوشيك داعيا الى استمرار الفكرة القائلة بأن امتيازات العمال اليهود المادية وتشوه وعيهم الطبقى بالدعاوى الصهيونية مرحلة عابرة سرعان ما تتلاشى أمام حدة التناقضات المتفاقمة دوما بينهم وبين الرأسمالية اليهودية. وبأن هذه التناقضات الطبقية ستجمع بينهم على نحو تدريجى وبين اشقائهم العمال العرب. ولكن استمرار هذه الفكرة [التى يمكن أن تصح فى جوهرها المجرد وفى شروط مغايرة لاوضاع فلسطين ولاوضاع العمال البيض فى اتحاد جنوب افريقيا] لم يحجب عن أعين الشيوعيين واقعا معاكسات لها. فالحركة العمالية اليهودية فى العشرينيات الاولى تسير فى اتحاه مضاد لخصائص وقوانين وانظمة الحركات العمالية كما رأتها الامميات الثلاث،كما جاء بقلم ((عامل عربى )) فى صحيفة الحزب الشيوعى الفلسطينى ((حيفا)) ، ((لأنها لم تكن موجهة ضد المسيطرين على طبقة العمال،بل ضد الطبقة العاملة من اهالى فلسطين)) ( المصدرالسابق صـ44-45).








الفصل الثالث
الطبقة العاملة
الصهيونية المزعومة
إن مواصلة الحديث عن الطبقة العاملة اليهودية كما لو كانت الطبقة العاملة جوهرا ميتافيزيقيا ثوريا كامنا فى كل عامل على حده – كما يفعل كورييل وبطانته حتى فى مصر – لا علاقة له بالماركسية ولا بالواقع . لقد كانت الطبقة العاملة اليهودية نظاما من العلاقات تمكن فى واقع الاستعمار الاستيطانى – الذى كان يقوم باجلاء العمال والفلاحين العرب والاستيلاء على الارض واقامة اقتصاد مستقل بالتعاون السافر بين المنظمات العمالية اليهودية والامبريالية البريطانية- من أن يشارك فى الاستيلاء على جزء من فائض القيمة المنتزع من استغلال الكادحين العرب. وبطبيعة الحال كانت هناك عناصر ثورية بين العمال اليهود من حيث ايديولوجيتها الماركسية التى جاءت بها،ولكنها ظلت متناقضة مع طبيعة الحركة العامة للاستيطان العمالى اليهودى فى فلسطين. وهل كانت الرايات الحمراء واغنيات ((التآخى )) الاممى بين العمال العرب واليهود قادرة على طمس الحقيقة المعاكسة ؛حقيقة ان الانتاج الاقتصادى الذى يعمل هؤلاء ((العمال )) داخل قواه وعلاقاته انما هو شبكة من المشاريع تحتل سوق العمل لصالح العمال اليهود، وتستهدف في النهاية الغاء الوجود الفعلى للكادحين العرب على أرض فلسطين ؟
ان خلق الاقتصاد الذى يعمل فيه اليهود كان جزءا من المشروع الصهيوني يستهدف اقصاء العاملين العرب والاستغناء عنهم، وخلق مجتمع لليهود يعتمد على اليهود وحدهم فى العماله. وبطبيعة الحال لم يتحقق ذلك مرة واحدة بل بتحقيق الاستقلال الذاتى اليهودى مستعمرة بعد مستعمرة ومشروعا بعد مشروع حتى لا يضع الصهاينة أنفسهم (تحت رحمة) العامل العربى أو الفلاح العربى فى كل ازمة على حد تعبير بن غوريون فى كتابه ((اعادة الميلاد ومصير اسرائيل ))
ويوضح الدكتور فايز صايغ التشويه فى صفوف الحركات العمالية اليهودية بفعل الصهيونية عقيدة وواقعا.لا أنسى ما قاله بن غوريون عندما عاد من أول زيارة قام بها الى افريقيا الجنوبية عام 1969 حيث ذكر فى تلك المقابلة أنه قال لرئيس وزراء افريقيا الجنوبية أن مشاكلكم مع الملونين والسود والاسيويين هى من صنعكم،فلو فعلتم فى البدء بالسكان الاصليين ما فعلناه نحن منذ البدء بالعرب، لماكانت الاقلية بيضاء والاكثرية ملونة وسوداء اليوم،ونجد ذلك فى تصريح أدلى به الى جيروزاليم بوست فى حزيران عام 1969)) [شؤون فلسطينية آب اغسطس 1972 رقم 12صـ164].
إن جزءا من ((أجر)) العامل اليهودى ، والشروط الافضل على نحو ملموس التى تميزه عن العامل العربى الذى يقوم بعمل مساو له،انما هى نتيجة لارتباطه بالمشروع الصهيونى الاستيطانى فى فلسطين . فالاماكن التى يشغلها العمال اليهود فى العملية الانتاجية يختلط فيها دور الذي يييع قوة العمل بدور الذى يمارس وظائف رأس المال ويتلقى مكاسبة باعتباره عضواً فى ((الاقلية)) الاستيطانية اليهودية فى فلسطين فى ((تلك السنوات)) . بالاضافة الى ان ((العملية الانتاجية )) فى الاقتصاد اليهودى تتميز بصفات صارخة ((غير منتجة)) فهى ملحقة بالوظيفة الخاصة التى يقوم بها المشروع الصهيونى منذ البداية باعتباره ركيزة للامبريالية فى المنطقة العربية وقاعدة أمامية عسكرية للانقضاض على حركة التحرر الوطنى العربية، ومتلقى هبات الرأسمالية العالمية ومساعداتها السخية. ولذلك كان السؤال هل يمكن الحديث عن تناقض طبقى رئيسى بين الطبقة العاملة اليهودية وبورجوازيتها ، أم أن التناقض الطبقى يظل هامشيا داخل المصالح المشتركة ومدرجاً للحل بوصفه تناقضاً شديد الثانوية بالقياس الى التناقض الرئيسى مع حركة التحررالعربى ؟ .
وعلى أساس المصلحة الموضوعية المادية تستشرى الايديولوجية الصهيونية فى صفوف العمال اليهود وفى حركتهم التلقائية. فالعمال اليهود رغم التناقضات كانوا جزءا عضويا متحد المصالح مع الاقلية اليهودية ذات الامتيازات المنتزعة من عرق الكادحين العرب، بل وفوق جثثهم وعلى حساب وجودهم القومى على أرضهم،وكانوا تروسا فى آله القمع الرأسمالى الصهيونى الامبريالى .
وبعد ابراز هذه الملامح الداكنه من الصورة نلتقى بسؤال ضرورى : هل يترتب على ذلك استحالة النضال وسط ((الجماهير)) اليهودية على أساس تقدمى؟ ونذكر اننا مازلنا نتحدث عن أوضاع ما قبل الحرب العالمية الثانية .
ومن المفيد ان نقدم بايجاز رد المؤتمر السابع للحزب الشيوعى الفلسطينى قبل ((الانقسام)) . وقد انعقد هذا المؤتمر فى القدس فى منتصف ديسمبر [كانون الاول] 1930. وفي هذا المؤتمر اتضحت بوادر رفض المنهج التجريدى لمعالجة مسألة العلاقة بين العمال العرب والعمال اليهود وابراز الاوضاع الممتازة للاقلية اليهودية عموما .
وقد أوضح المؤتمر دور المهاجرين اليهود فى العمل ضد الحركة العربية التحريرية، وفى مصادرة أرضى الفلاحين الفلسطينين الصغار وفى طرد العمال العرب من مواقعهم،كما أكد أن الاموال التى ترسلها البورجوازية اليهودية من جميع بلاد العالم الى فلسطين جعلت للعامل اليهودى موقعا متميزا بالنسبة للعامل العربى . وتهتم البورجوازية اليهودية بالحفاظ على الموقع المتميز الذى يحتله العامل اليهودى لتعميق الهوة التى تفصل بين العامل اليهودى والعربى .
وقد ربط المؤتمر بين امكان تفاقم التمايز الاجتماعى داخل الاقلية اليهودية وانقسامها على أساس طبقى وبين حدوث أزمة اقتصادية حادة تهدد أوضاع هذه الاقلية اليهودية بأجمعها ، وتجعل قسما من العمال ينتقل من خبرة واقعهم الذى تزداد فيه اوضاعهم سوءا الى الانعزال عن جسم الحركة الصهيونية. وشرط ذلك بطبيعة الحال هو التأكد من أن مستقبلهم لا يرتبط بالدولة اليهودية, وانما بالنضال ضد بورجوازيتهم . (المراسلات الصحفية الاممية العدد الخامس 21 يناير 1931 عن ماهر الشريف . والمسألة القومية العربية فى فلسطين مصدر سابق صـ63) .
ويجب ان نوضح ان الانتصارات اللاحقة للصهيونية بعد الحرب العالمية الثانية،والدفعة القوية التى تلقتها من الامبريالية الامريكية ونواحى القصور فى حركة التحرر القومى العربية لم تكن امورا حتمية لايمكن تفاديها. لذلك كان القول بامكان حدوث أزمة تزلزل الكيان الاستيطانى الصهيونى قولا لايخلو من الصحة. اما العنصر الوهمى فكان اعتبار هذه الازمة امرا واقعا ملموسا فى تلك الايام، وعلى الرغم من هذا العنصر الوهمى،فان الحزب الشيوعى الفلسطينى على العكس من نظريات التآخى المجردة التضليلية أكد على السعى لايجاد حلول لمشاكل (( الجماهير العاملة اليهودية لا على أرض الحوار السلمى بين التقدميين اليهود والعرب،بل فى اطار الكفاح الوطنى والاجتماعى الذى تخوضه جماهير الشعب العربى الفلسطينى العاملة .(المصدر السابق صـ61).
فالتقدمى اليهودى هو الذى يشارك فى حركة التحرر العربية وهو الذى يشارك فى التصدى للفرق المسلحة ولعصابات ((الهستدروت)) لطرد العمال العرب من اماكن عملهم فى المؤسسات والمستوطنات اليهودية وفرض سياسة احتلال العمل بالقوة .
وعلى العكس من مزاعم كورييل لم ير الشيوعيين فى الصهيونية مجرد أداة تستعملها الامبريالية البريطانية،بل شريكا فى استغلال واضطهاد الجماهير الكادحة العربية،فالبورجوازية اليهودية تطرد الفلاحين الفلسطينيين من أراضيهم،ثم يقوم العمال اليهود القادمون الى فلسطين بطرد العمال العرب ( المصدر السابق صـ80)
لذلك كان الشعار هو فليسقط الاحتلال الصهيونى والهجرة الفاشستية.
ولقد كان الوقوف ضد الهجرة وتدفقها مسألة حاسمة ترتبط كل الارتباط بالدور الاستعمارى المنوط بالصهيونية،على العكس من الموقف الخاطئ،لكورييل الذى يقول فى اوراقه أن موقف حركته (فى نوفمبر 1945) من المشكلة الفلسطينية استقلال البلاد وجلاء الجيوش الامبريالية وحق تقرير المصير للعرب واليهود،اذ رفضت الحركة رؤية المشكلة من زاوية ((الهجرة )) كما فعلت ((ايسكرا))حتى لا تحول الاهتمام عن المشكلة الرئيسية. (أوراق كورييل مصدر سابق ص 145) .وكورييل كعادته يرفع صيحه مخادعة يكررها دائما تتعلق بتحويل الاهتمام عن المشكلة الرئيسية التى هى عنده مشكلة الاستعمار مجردة من كل دعاماتها...ويرى ان هناك تناقضا بين محاربة الاستعمار وبين محاربة اليهودية التى يدعمها الاستعمار العالمى وتدعمه فى فلسطين وهو فى هذا الموقف يختلف عن الشيوعيين المصريين فى المنظمات المصرية المختلفة،فالفجر الجديد (عدد6/12/1945) تنشر موقفها ضد الهجرة وضد انشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين وكذلك كانت الحال بالنسبة ((للجماهير ))مجلة ايسكرا .
• ((الجماهير)) ليست مجلة حلقة كورييل
ونقف هنا قليلا لنوضح طريقة رفعت السعيد فى أن ينتحل لكورييل وبطانته أمجادا ليست لهم،بل كانوا يناصبونها العداء،وهو فى ذلك لا يتورع عن ذكر تواريخ غير حقيقية. انه حينما يقدم ((الجماهير)) للقارئ المعاصر يحاول ان يوهمه بأنها كانت منبرا علنيا لحدتو .فى معظم الوقت. انه يذكر ان العدد الاول من الجماهير صدر فى 7 ابريل 1946 كلسان حال لمنظمة الشرارة ((ايسكرا)) وكان يشرف على تحريرها مكتب تابع مباشرة للمسؤول السياسي للمنظمة وفى يونيه 1946 تمت الوحدة بين ح.م وايسكرا وتكونت الحركة الديموقراطية للتحرر الوطنى ((حدتو)) واصبحت الجماهير ناطقة بإسم المنظمة الجديدة،[ تاريخ الحركة الشيوعية المصرية المجلد الثالث صـ575] . والحقيقة ان الوحدة التى تأسست حدتو بمقتضاها تمت فى يونيه – يوليو 1947، وكان لا يمكن ان تتم فى مثل هذا الوقت من عام 1946، فهذا الوقت كان وقت ((ضربة)) صدقى الشهيرة والقبض على((كورييل)) . ورفعت نفسه فى مواضع اخرى من نفس الكتاب يذكر ان الوحدة تمت عام 1947 (صـ261) والظاهر أن رفعت السعيد لا يقرأ ما يكتبه،وهذا الخطأ جاء كذلك فى الطبعة الاولى من كتاب((اليسار المصرى والقضية الفلسطينية) ) دار الطليعة صـ203 ،ولم يحاول ((المؤرخ)) المدقق تصحيحه بعد مرور كل هذه السنوات . ( 28 سنة)
ولكن ماذا كان موقف كورييل من ((الجماهير)) فى حقيقة الامر؟ الجماهير صدرت فى ابريل 1947لا 1946 والمسالة ليست خطأ مطبعياً لان رفعت يتحدث عن اهمية ما نشرته الجماهير حول القضية الفلسطينية باعتبارها وثائق مهمة تشمل واحدة من اخطر المراحل فى القضية الفلسطينية وهى مرحلة 46- 48 (تاريخ الحركة..مصدر سابق صـ575 )وذلك لاضافة عام كامل الى مدة خدمة النشاط الصحفى المزعوم لحلقته. وهو يقلل من دور شهدى عطية المسؤول السياسى للجماهير ومؤسسها الفعلى،فلا يذكره فى هذا التقديم وحينما يذكره فى سياق اخر(نفس المصدر صـ 149)يسارع بذكر قيادة سياسيه للاشراف على المجلة تتكون من خمسة من الكوادر . وهو يستشهد فيما يتعلق بالمسؤول السياسى للجماهير بعد الوحدة وتأسيس حدتو بعبده دهب الذى يقول : نتيجة للوحدة صار ضمى الى الجماهير كمسؤول سياسى لكن شهدى عطية لم يقبل هذا الوضع وبعد صراع اتفق على ان تشرف ل.م مباشرة على المجلة (صـ150) .
ولا يناقش رفعت هذا التصوير الكاذب للحقيقة، ونجد فى أوراق كورييل أنه حوالى منتصف سبتمبر 1947 أى بعد الوحدة ظل شهدى عطية (سليمان) المسؤول السياسى للمجلة . وعلى الرغم من امجاد المجلة واتساع نطاق توزيعها،فان كورييل يدعى أن شهدى عطية كان فاشلا باعتباره مسؤولا سياسياً للمجلة تتعرض إدارته لها للنقد الشديد (أوراق كورييل صـ169) ، والمجلة برغم انف كورييل حافلة بمقالات شهدى عطية الجادة . وتتكشف الامور عن خلاف حقيقى فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية بين أنصار كورييل ومناضلى ايسكرا الذين ظلوا يقودون ((الجماهير)) حتى ايقافها .بخصوص الهجرة، كما كان الخلاف قبل ذلك محتدماً فيما يتعلق بالرابطة الاسرائيلية لمكافحة الصهيونية. فالفترة التى ظهرت فيها الجماهير كانت فترة صراع فكرى حاد وانشقاق موجه فى المجال الاول من اجل استبعاد هنرى كورييل (يونس) الذى يصف نفسه بنفسه فى أوراقه بأنه((مؤسس الحركة المصرية للتحرر الوطنى وقائدها الرئيسى)) (صـ168) وهو الصراع والانشقاق الذى كان يدور تحت رايه تمصير القيادة وابعاد الاجانب اليهود منها . وقارئ الاوراق يعجب للاتهامات اللامبدئية التى حاول بها كورييل الافتراء على خصومه ابتداء من الفضائح الجنسية المزعومة مثل التى كان يختلقها القسم المخصوص فى وزارة داخلية الملك والانجليز (ص 165 ) الى الفشل الكامل والسعى وراء النقود ثمنا للكفاح(صـ170) الى ابتعادهم عن النضال وميلهم الى ان يكونوا مثقفين بالمعنى السئ للكلمة (صـ165) .وهذا الرصيد من البذاءة التافهة سيظل من السمات المميزة للحلقة الضيقة الكورييلية على الرغم من ادانه الغالبية العظمى لاعضاء حدتو ورفضهم له .
• صفحة مضيئة
وفى هذه الايام يجدر بنا توجيه تحية خاصة الى الموقف الواعى الرائع لمجلة ((الفجرالجديد)) وللشيوعيين الذين تمثلهم،وللتضامن الواضح مع عصبة التحرر الوطنى فى فلسطين . والمجلة تنشر تصريحا مشتركا لمخلص عمرو وبولس فرح من القادة العماليين للعصبة، ويؤكد أن مسألة فلسطين ليست مسألة عرقية بل سياسية .
((وإن كان اليهود ديموقراطيين فلا يجب ان يكافحوا من اجل دولة يهودية ،بل من اجل استقلال الدولة الوطنية الديموقراطية الفلسطينية،وتعلق المجلة على ذلك بالتأييد(العدد العاشر 1/10/1945).كما تكتب المجلة بوضوح سافر ضد الوطن القومى الذى تسعى الصهيونية الى تأسيسه فى فلسطين بمساعدة رأس المال الاستعمارى . (وعلى العكس من كورييل الذى كان يحذر من ان الهجوم على الصهيونية سيوقع الشيوعيين فى خدمة معاداة السامية، نرى قائدا من قادة الفجر الجديد يستشهد بالقول ان تلاشى اضطهاد اليهود يسبب تلاشى الصهيونية ،فاضطهاد اليهود أحسن مثير لمصلحة الصهيونية كما يستشهد بالقول بأن حل المسألة اليهودية لا يكون بإنشاء أرض يهودية فى فلسطين ولكن بواسطة الاعتراف لليهود بحقوق ومسؤوليات فى أى بلد هبطوا اليه أو عاشوا فيه (العدد الحادى عشر 15/10/1945).
وعلى النقيض مما جاء فى وثيقة كورييل عام 1945 تقدم الفجر الجديد الحل الواحد للقضية الفلسطينية:((وهذا الحل يتمثل فى ان فلسطين بلد عربى اكثريته عربية ولن يتم اتفاق بين اليهود والعرب مالم يلغ الانتداب البريطانى )) ( المصدر السابق ).
وكذلك ان الفاشية والصهيونية من طينة واحدة.ولم تغفل الفجر الجديد مسألة الهجرة ولم تر فى الكفاح ضد وعد بلفور تحويلا للانظار عن الكفاح الوطنى على الرغم من فضحها دعايات الاخوان المسلمين العنصرية. وتتحدث المجلة دائما عن فلسطين العربية وحقها على مصر،كما ساندت عصبة التحرر الوطنى بفلسطين (العدد18بتاريخ 23/11/1946).
وتنقل الفجر الجديد عن جريدة الحزب الشيوعى السورى واللبنانى المطالب الخاصة بالقضية الفلسطينية مؤيدة لها وهى الغاء الانتداب ووقف الهجرة والغاء الوطن القومي اليهودي واقامة حكم وطنى دستورى،(الفجر 27/2/1946).
وبدلا من اعتبار القضية الفلسطينية إغفالا وتلهية للنضال ضد الانجليز تؤكد الفجر الجديد ان...((موقف الوطنيين العرب من مسألة فلسطين أصبحت مقياسا لسلامة كيانهم واستعدادهم لمقاومة الاستعمار كل في بلده... وكانت الحركات التقدمية فى مختلف البلاد العربية فى طليعة المدافعين عن فلسطين ضد الاستعمار والصهيونية (الفجر الجديد 10/7/1946).
انظر عبدالقادر ياسين. القضية الفلسطينية فى فكر اليسار المصرى. دار ابن خلدون –صـ40-56) .
• عودة الى ((التآخى ))
ان الشيوعيين الفلسطينيين لم ينظروا الى التآخى والحوار بين العمال والتقدميين من العرب واليهود نظرة كورييل وشركاه المجردة السطحية. وحتى فى المؤتمر السابع للاممية الثالثة (الكومنترن) المنعقد فى المدة بين 25/7/1935و20/8/1935 والذى دعا الى تكوين جبهات شعبية واسعة معادية للفاشية والامبريالية كان للحزب الشيوعى الفلسطيني موقف ناصع : فقد أكد أن الجبهة المتحدة فى فلسطين ستكون مناهضة للصهيونية ( على الرغم من صيحات الصهاينة بأنهم يعادون الفاشية)، وستكون فى الاساس ((جبهة عربية)) تضم كل القوى الوطنية العربية بما فيها البورجوازية القومية الاصلاحية. اما النضال وسط العمال اليهود فيجب أن يكون من أجل انفصالهم الحاسم عن الحزب الرجعى للرأسماليين اليهود الصهاينة ومن أجل ارتباطهم الحاسم بالحركة الوطنية العربية، ففى ذلك ضمان لمصالحهم الطبقية والقومية الحقيقية . ( المراسلات الصحفية الاممية .4 /12/1935 بالفرنسية عن د. ماهر الشريف . مصدر سابق صـ87).
وفى بيان الحزب الشيوعى الفلسطينى جاء انه ((يناضل ضد الاستعمار البريطانى المشترك من اجل تدمير الصهيونية وايقاف الهجرة اليهودية وتجريد جميع الصهاينة من السلاح)) وأكد أنه لم يكن مدفوعاً فى نضاله ضد الصهيونية بالعداء للشعب اليهودى، وانما هو يرى فى جلب اعداد ضخمة من المهاجرين اليهود وتسليحهم مؤامرة امبربالية تستهدف احباط النضال من اجل استقلال فلسطين والاقطار العربية المجاورة ،واقامة جبهة رجعية موجهة ضد الاتحاد السوفييتى فى هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم . وأشار هذا البيان الى ان الاقلية اليهودية فى فلسطين بارتباطها بالصهيونية تقوم باداء دور فاشي فى البلاد. وان العمال اليهود قد تحولوا فى الواقع الى ((ارستقراطية عمالية)) وأكد ان شروطا موضوعية فى فلسطين قد دفعت الاقلية اليهودية لان تقوم باداء هذا الدور الامبريالى .
(موسى بديرى : الحزب الشيوعى الفلسطيني من 1919-1948 بالانجليزية لندن 1979 صـ 88-92 عن ماهر الشريف نفس المصدر السابق صـ89 ).
وقد رأى الحزب بعد بداية ثورة 1936 ان صراع الصهيونية ضد حركة التحرر الوطنى العربى نتيجة منطقية لنشاطها الاستيطانى فى المجال الاقتصادى حيث طرحت الصهيونية بالتوافق التام مع مخططات الامبريالية البريطانية مهمة العمل على خلق اغلبية يهودية فى فلسطين (كولتون .حركة الشعب العربى الثورية والصهيونية فى فلسطين مجلة الاقتصاد العالمى والسياسة العالمية العدد السادس يونيه 1937(بالروسية) عن ماهر الشريف مصدر سابق صـ90). فالحديث يدورعن غزوة صهيونية لا عن شعب عامل كما يزعم كورييل .
وفى هذه الفترة الثورية برزت الدعوة الى القومية العربية لتحتل مكان الصدراة .

















الفصل الرابع
وثيقة كورييل
ودعم المشروع الصهيونى

كان للشيوعيين الفلسطينيين الذين توثقت الصلات بينهم وبين الشيوعيين المصريين منذ العشرينيات دور قيادى فى ابراز مسألة القومية العربية،ومنذ البداية تنشر ((الأممية الشيوعية))فى العددين الثالث والرابع مايو-أيار 1924 فى الصفحات من 411 الى 424 من الطبعة الروسية مقالا لقائد من قيادة الحزب الشيوعى الفلسطيني انذاك،يؤكد فيه ان الشيوعيين الفلسطينيين اعتبروا الامبريالية البريطانية قد استهدفت اساسا من وراء احتلالها فلسطين دق إسفين فى قلب العالم العربى بهدف منع شعوب البلدان العربية فى النهاية من التوحد القومى خصوصاً وأن فلسطين تقع من الناحيتين الجغرافية والتاريخية فى قلب العالم العربى)) (د. ماهر الشريف تنشر مصدر سابق صـ 26). فالتوحيد القومى كان هدفاً منشوداً منذ وقت مبكر تشير اليه هذه الوثيقة عام 1924، ودعك من ادعاء رفعت السعيد ان أول مرة يرد فيها ذكر الامة العربية فى وثيقة شيوعية ترجع الى العصبة المناهضة للامبريالية بتاريخ يقترب من نوفمبر 1929،ولم تكن هذه العصبة تنظيما شيوعيا ولا وثائقها وثائق شيوعية.فلم يعرف رفعت السعيد أى استعداد لتوخي الدقة (تاريخ الحركة الشيوعية المصرية المجلد الثالث صـ 406-407 ).
ويقول إ.شامى القائد الشيوعى الفلسطينى فى مقالته الانتفاضة العربية فى فلسطين والاستيطان الزراعى اليهودي الواردة فى مجلة قضايا زراعية ((موسكو)) العدد الخامس سبتمبر/اكتوبر1929صـ 65 – 96 بالروسية بالروسية: (( ويزداد حقد الفلاحين وسكان فلسطين والبلدان المجاورة عموما على الصهاينة لانهم لا يريدون الاكتفاء بفلسطين وحدها، بل يتحدثون دوما عن مطامعهم الاستيطانية التوسعية فى (( فلسطين الكبرى وقد بدأ بالفعل فى السنوات الاخيرة تغلغل الرأسمال الصناعى والتجارى الصهيونى فى اقتصاديات البلدان العربية المجاورة لفلسطين ، وبات من الطبيعى ان تتحول الحركة المعادية للصهيونية الى حركة قومية عربية جامعة (د.ماهر الشريف مصدر سابق صـ 51) .
ويقدم الباحث المصرى بشير السباعى فى مخطوط له تعليقا على ما يسمية نموذجا لجهل وادعاء رفعت السعيد معا،اذ يستشهد رفعت فى صفحة 550 من كتاب تاريخ الحركة الشيوعية المصرية – المجلد الاول بمقال اخر للرفيق إ. شامى الذى أشرنا الى مقاله عن الحركة القومية العربية فى السطور السابقة على أنه من((الرفاق المصريين)) ويقول الباحث بشير السباعى((إن إ . شامى لم يكن مصريا وهذا هو الاسم الحركى للمناضل إ.ن. تيبير (1893-1942) عضو الحزب الشيوعى الفلسطينى اعتبارا من عام 1922 وقد ناضل فى صفوف الحزب الشيوعى السورى فى عام 1925-1926 وبعد الحكم عليه بالاعدام فى سوريا لاشتراكه فى الانتفاضة وتخفيف العقوبة ونفيه اتخذ اسم ا. شامى وكان مدرسا فى الجامعة الشيوعية لكادحى الشرق حتى 1929ثم زميلا بالمعهد الزراعى الدولي ثم استاذا بجامعة ليننغراد ].
ونواصل ما يقوله الرفيق إ. شامى عن ضرورة تصعيد النضال ضد المستوطنين الصهيونيين فى فلسطين،وهو يقول:((ان الوحدة الاممية للكادحين العرب واليهود لن تتحقق الا عن طريق نضالهم المشترك ضد المستوطنين الصهاينة اما الشعارات السلمية التى تؤدى الى تمويه المضمون الحقيقى لمثل هذا النضال،فانها ستؤدى حتما الى تعميق العداء القومى بين العرب واليهود فى فلسطين (مصدر سابق).
فالشعارات السلمية عن تآخ بين عرب ومستوطنين يهود ضارة ،بل ان المسألة القومية العربية وثيقة الصلة بالكفاح ضد الهجرة اليهودية والاستيطان اليهودى ومزاعم الوطن القومى والدولة اليهودية .
ويبرز رفعت السعيد ما يوهم ان الصراع ضد الصهيونية عند الشيوعيين الفلسطينيين كان من نفس مرتبة الصراع ضد الاقطاعيين والملاكين والمتمولين العرب ايضا،ويورد نصا ينتمى الى الموقف فى عمقه الحقيقى وتطوره (تاريخ الحركة الشيوعية المصرية.المجلد الثالث صـ411).
وهذه الطريقة المبتسرة لا توضح الموقف الحقيقى للشيوعيين الفلسطينيين.فالصهاينة يختلفون كيفيا عن الطبقات الرجعية والرأسمالية العربية فى أنهم يقتلعون العمال والفلاحين العرب من مواقع عملهم، ويهددون بالغاء وجودهم القومى نفسه داخل بلادهم .
كما ان الاستيطان الصهيونى قد ألحق الضرر حتى بمصالح كبار الملاك والبورجوازيين العرب.كما يقول الرفيق ا. شامى فى مقاله السابق الذكر فالتجارة الداخلية والخارجية تنتقل تدريجيا الى ايدى اليهود،وتمتلئ السوق الفلسطينية بالبضائع الرخيصة المستوردة،وتدمر الصناعة العربية المحلية فى مجابهة الصناعة البورجوازية اليهودية المتطورة.
[كل ذلك على الرغم من المواقف "الخاطئة" المتهادنة مع الاستعمار والعنصرية التى تتخذها الطبقات المالكة العربية فى فلسطين].
وفى الثلاثينات تغير الموقف من البورجوازاية العربية فى فلسطين ،وأصبحت جزءا من قوات الجبهة المتحدة المعادية للامبريالية والصهيونية. ولا يشير رفعت السعيد الى ذلك بكلمة واحدة، ويترك قارئه متوهما ان الموقف من الصهيونية كان على نفس مستوى العداء الذى يحارب به الشيوعيون البورجوازية العربية،مما قد يدع مجالا للظن بأن الصهيونية حركة طبقة رأسمالية لها نفس خصائص وخطورة الرأسمالية العربية فى تلك المرحلة، وفى ذلك استهانة بشعة بخطورتها .
أما الشيوعيون الفلسطينيون وزملاؤهم المصريون (شعبان حافظ الرباط – محمد دويدار مثلا ) الذين كان كفاحهم موحدا فقد انخرطوا فى الانتفاضات الثورية للشعب الفلسطيني،وقد اكد الحزب الشيوعي الفلسطينى ان النضال ضد سياسة الغزو الصهيونية التى كانت تتم بحماية المدافع البريطانية هو المهمة العاجلة المطروحة أمام الحركة الوطنية العربية ، والا فقد الشعب العربى من جراء سياسة النهب الصهيونية بلاده فلسطين الى الابد..وتضع الحركة العربية التحررية على رأس مطالبها مطلب الايقاف الفورى للهجرة اليهودية باعتبارها هجرة صهيونية ترمى الى تشكيل أغلبية يهودية فى البلاد (الانتفاضة فى فلسطين . الحزب الشيوعى الفلسطينى . المراسلات الصحفية الاممية بالفرنسية 4 يولية 1936 – د. ماهر الشريف مصدر سابق صـ 90)
ويبرز الحزب الشيوعى الفلسطينى الرابطة بين النضال المعادى للوطن القومى اليهودى فى فلسطين وبين الحركة القومية العربية عموما، ورؤيته عميقة تتنبأ علميا بما سيحدث.لقد حذر الحزب فى هذا السياق الاقطار العربية المجاورة من أخطار التوسع الصهيونى الذى تتجاوز أطماعه حدود فلسطين..فالصهيونية تسعى الى تحويل ما سيصبح أغلبية يهودية فى فلسطين الى قاعدة انطلاق لتوسع لاحق.
فالحركة القومية فى فلسطين تشكل جزءا عضوياً من الحركة القومية العربية العامة والحلم التاريخى للحركة التحريرية العربية هو توحيد الارض العربية وتحرير جميع الشعوب العربية من نير القوى الامبريالية وتحقق اندماجها في دولة قومية واحدة مستقلة.
... ومن هنا يشكل الاستيطان الصهيونى فى فلسطين... تهديدا بقطع السلسلة التى تربط البلاد العربية فيما بينها ، ويوجه ضربة قاصمة لأعلى طموحات الحركة الوطنية التحررية العربية (كولتون حركة الشعب العربى الثورية والصهيونية في فلسطين–الاقتصاد العالمي والسياسة العالمية يونيو 1937 – ماهر الشريف مصدر سابق صـ91).
لذلك كان العمل المشترك بين القوى التقدمية العربية اليهودية عند الحزب معناه الوحيد دعوة العمال اليهود الى ترك المعسكر الصهيونى الى مناهصة الغزوة الصهيونية والمساهمة في الانخراط فى الاضراب العام من اجل انهاء الانتداب البريطانى والغاء وعد بلفور وايقاف الهجرة اليهودية وسياسة احتلال الارض والعمل،ورأت اللجنة المركزية للحزب أن الحل السليم لمشكلة الاقلية اليهودية لن يتحقق الا على اساس انتصار الحركة الوطنية العربية .
وينظر الحزب الشيوعى الفلسطينى الى الامام ويرى الامكانات الكامنة فى خطر الصهيونية على مصالح الجماهير الشعبية اليهودية فى المدى التاريخى الطويل (( ففلسطين تمثل جزيرة صغيرة فى بحر عربى عارم ، ولن يكون من الصعب توقع مستقبل الاقلية اليهودية الواقعة فى شباك الصهيونية عندما تنتفض البلاد العربية وتوحد قواها وتزيل الحدود المصطنعة القائمة فيما بينها ؟ فلم يكن الحزب الشيوعى الفلسطيني يرى مستقبلا وطيدا لدولة يهودية هى جزيرة صغيرة فى بحر عربى ثائر يتجه نحو الوحدة القومية ،فالاستعمار العالمى سيضطر ساعة الخطر وفى مواجهة الثورة العربية الى التخلى عن حمولته الصهيونية،بل ان تحرير فلسطين من الامبريالية داخل الحركة القومية العربية العامة هو الذى سيضمن للجماهير اليهودية كافة حقوق الاقلية القومية (المراسلات الصحفية الاممية 18 يولية 1936 . بالفرنسية مصدر سابق صـ 92 ).
• الكفاح المسلح
وفى ثورة 1936 دعا الحزب الشيوعى الى استكمال الاضراب ((العام)) - الذى لن يكون عاما نتيجة للدور التخريبي الذى يمارسة الصهاينة - بشكل من أشكال حرب العصابات فعن طريق الهجمات المسلحة للانصار ستدمرالحركة التحررية العربية القاعدة الاقتصادية التى يستند اليها الغزاة الصهاينة،وتجعل من استمرار الاستيطان اليهودى أمرا مستحيلا.
(الانتفاضة فى فلسطين- الحزب الشيوعى الفلسطينى.المراسلات الصحفية الاممية 4 يوليو 1936 – ماهر الشريف مصدر سابق صـ 93).
وظلت الجبهة المتحدة مرفوضة بين العرب والمجموعات اليهودية مهما تكن درجة تقدميتها ويساريتها، فالحزب كان يرى أن عوامل التجانس فى التكتل اليهودى داخل فلسطين أقوى من عوامل التغاير والاختلاف . وليس معنى ذلك أنه اعتبر جميع العمال اليهود صهاينة،ولكنه وعلى خلاف النظرية الكورييلية فى التآخى والسلام والحوار دعا العمال التقدميين اليهود الى الانفصال الحاسم عن جسم الحركة الصهيونية والانخراط فى النضال العربى الوطنى التحرري ولم يعمل على ان يعانقهم ويحتضنهم وهم على أرضهم الصهيونية .
• ضرورة الانقسام القومى داخل صفوف الحزب الشيوعى
ولا نعرف معنى لتغني رفعت السعيد بدور الشيوعيين فى السبق الى حركة القومية العربية – وليس لحلقة كورييل دور فى ذلك،بل كانت مناهضة لهؤلاء السباقين- ومع ذلك لا يراها متناقضة مع حقوق مزعومة للوطن القومى اليهودى فى قطع السلسلة التى تربط البلاد العربية فيما بينها . ان كورييل رفض ان يضع على رأس مطالب الحركة التحررية مطلب الايقاف الفورى للهجرة باعتبارها غزوة صهيونية على العكس من موقف الشيوعيين الفلسطينيين والمصريين ، ورأى فى ذلك حرفا للانظار عن الاستعمار البريطانى،كما طالب بتهيئة أفضل الشروط لهؤلاء المهاجرين الذى أصبح لهم من وجهة نظره فى الاربعينيات طابع الشعب العامل،ورفض ان تكون فلسطين عربية،أما الشيوعيون الفلسطينيون فكانوا يسيرون فى خط هو النقيض المباشر لكورييل وشركاه .
ففى الواقع الموضوعى كان التجمع الاستيطانى اليهودى فى فلسطين قد وصل عدده الى ما يقارب 30% من كل سكان فلسطين،وقد عززت أحداث الثورة العربية فى فلسطين ابتداء من 1936 الاستقلال الذاتى الاقتصادى للتجمع اليهودى (نفس المصدر السابق صـ96) أى لقد نشأ فى الواقع معسكر يهودى مستقل من الناحية الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والسياسية ومتعارض كل التعارض مع واقع الاغلبية العربية، ويعمل هذا المعسكر اليهودى،على توجية الضربات الاقتصادية وعلى تقويض أسس الحياة الاقتصادية فى الزراعه والصناعة العريية بمساعدة رؤوس الاموال الاجنبية ، وكل شبر فى توسع المعسكر اليهودى كان مقتطعا من اللحم الحى لوجود الشعب العربى فى فلسطين ، وكان استنزافاً لدماء حياته.
وقد اتخذ ((القسم اليهودى)) فى الحزب الشيوعى الفلسطينى مواقف مغايرة لسياسة قيادة الحزب فقد ذهب الاعضاء اليهود الى ان عناصر التناقض الطبقى داخل التجمع الاستيطانى اليهودى يمكن أن تحتدم ، وأن ملامح التمايز يمكن أن تشق طريقها وتتغلب على عناصر التجانس ، ودعت سكرتارية القسم اليهودى أعضاءها الى الالتحاق بالمنظمات والاحزاب الصهيونية والعمل من داخلها لكسب العناصر الثورية الموجودة بها وعزلها (أى القول بأن ((دخول)) الشيوعيين الى المنظمات الصهيونية يؤدى الى((خروج)) الثوريين منها!!) . وسياسة كهذه كانت شديدة الفائدة فى تدعيم أسس التجمع الاستيطانى اليهودى الذى تمتلك الصهيونية كل شرايين حياته وتسيطر على مراكزه الاساسية .
ولكن القيادة الشيوعية كانت تنتهج سياسة مغايرة تماما،سياسة ترى أن بتر العمال اليهود عن الجسم الصهيونى لا تتم بتقوية وتدعيم الجسم الصهيونى ومده بعناصر حياة اضافية واسباغ شرعية ثورية على مؤسساته باعتبارها أرض معركة سياسية حقيقية يمكن ان تحول هذه المؤسسات الى مواقع ثورية . فكل تلك الاوهام عن تثوير المنظمات والمؤسسات والاجهزة الصهيونية لحماً ودماً من داخلها رفضتها القيادة الشيوعية لانها كانت تجميلا للمشروع الصهيونى وتقديما له باعتباره منارة للتقدم الاقتصادى والديموقراطى فى ليل التخلف العربى الاستبدادي.
أما النضال طويل الامد لتغليب عناصر التناقض على عناصر التجانس داخل التجمع الاستيطانى اليهودى فلها شروط موضوعية ، فى صدارتها تدمير الوضع الاستغلالي الممتاز لهذا التجمع باعتباره كلا،وهذا الوضع الممتاز ناشئ عن علاقة خاصة ودور خاص يلعبة هذا التجمع ضد حركة التحرر العربية وتجعله أهلا لتلقى رؤوس أموال ومساعدات ومنح من الامبريالية العالمية،وتجعل الانتماء العنصرى للعمال اليهود مثل أقرانهم العمال البيض فى جنوب أفريقيا مصدرا لمكاسب اضافية قد تكون أضعاف أجورهم،لذلك يصبح وضعهم باعتبارهم طبقة عاملة مؤثرا ثانويا فى تحديد مواقفهم السياسية والايديولوجية .
وقد أكد الحزب الشيوعى فى توجهه العام ان انفصال العمال اليهود عن جسم الحركة الصهيونية لا يمكن ان يتحقق الا فى غمار انضمامهم الى صفوف النضال الوطنى التحررى المعادى للصهيونية والامبريالية الذى كات تخوضه الجماهير العربية ببسالة وتضحيات هائلة .
وقد رفض الشيوعيون موقف القسم اليهودى فى حزبهم الذى طبق شعار الجبهة الشعبية للكومنترن باعتباره يقضى بتأييد المعتدلين داخل الحركة الصهيونية أمثال بن غوريون ووايزمان ((الكبير)) ومناهضة المتشددين المتعنتين أمثال جابوتنسكى ومنظمة الارغون ..
وقد أدانت القيادة الشيوعية للحزب دعوة أفراد القسم اليهودى هذه الى اقامة جبهة داخل التجمع اليهودى مع بعض الاتجاهات الصهيونية، وقد رفضت اللجنة المركزية رفضا حاسما أى اعتراف بوجود عناصر تقدمية داخل المعسكر الصهيونى،وأكدت انعدام أى امكان للقيام بنشاط سياسي داخل الحركة الصهيونية .
ان التفاهم العربى اليهودى لا يصبح ممكنا على الاطلاق الا على اساس معاد للصهيونية ولا صهيونى [مرجع سابق صـ97-98] – ويمكن للقارئ الرجوع الى مصادر مهمة مثل الحزب الشيوعى الفلسطيني لموسى بديرى بالانجليزية وكتاب الشيوعيين الاسرائيليين – تأليف Alain Greilsammer – بالفرنسية] . وطوال أعوام الثورة ازدادت الاتجاهات تباعدا وأصبح الانقسام واقعا ملموسا فى الخط السياسي والبناء التنظيمى وقد تم حل القسم اليهودى الذى اصبح جسما غريبا داخل الحزب فى ديسمبر 1939 بعد شهور قليلة من اشتعال الحرب العالمية الثانية التى أثرت تأثيرا كبيرا فقد التحق بالقوات العسكرية البريطانية ما يربو على ثلاثين ألف شخص معظمهم من اليهود،وكان بعضهم فى الفيلق اليهودى الموجود في مصر والذى سنناقش علاقة هنرى كورييل به فيما بعد .
وكانت فلسطين نقطة تجمع للقوات العسكرية البريطانية ومركز تموين الشرق الاوسط بأكمله،مما أدى الى انشاء الكثير من الصناعات المحلية لتلبية الاحتياجات العسكرية والى طلب متزايد على قوة العمل العربية والى تزايد للهجرة من المدينة الى الريف وارتفاع فى عدد الطبقة العاملة العربية .
وفى هذه الاوضاع وبعد هزيمة ثورة 1936 وما لحق الهزيمة من فترة جزر بعد المد العارم , وما استخلصة الشيوعيون العرب فى فلسطين من دروس ،انشأ هؤلاء عصبة التحرر الوطنى كحركة نضال وطنى يسارية عريضة لا تضم الا العرب وحدهم (ربيع عام 1943) (مصدر سابق صـ106) ويقول الرفيق فؤاد نصار في الاتحاد مجلة العصبة عدد 9 /6 /1946 عن التفاهم مع الجماهير اليهودية...لا على أساس فتح أبواب فلسطين لهجرة يهودية ولا على أساس اعطائهم اراضينا ولا على أساس اقامة دولة يهودية ، وانما على اساس دعوة الشعب اليهودى لتأييد نضالنا فى سبيل حرية فلسطين واستقلالها .
وعلى النقيض من تأييد كورييل فى وثيقة عام1945 لحق تقرير المصير والانفصال ((للشعب العامل)) اليهودى تكتب عصبة التحرر الوطنى فى مذكرتها 10/10/1945الى رئيس وزراء بريطانيا : الوطن القومى ((اليهودى)) يبنى على انقاض ما تبقى للفلاح العربى من شقفة أرض وللعامل من يوم عمل وللتاجر من سوق ضيقة ولرجل الصناعة العربى من فتات لا تغنى ولا تسمن من جوع . (مصدر سابق صـ20)
وفى عام 1945 وهو نفس العام الذى كتبت فيه وثيقة كورييل كانت العصبة تطالب باعطاء الشعب الفسطينى حقه فى تقرير مصيره وترفض الدولة اليهودية ، موضحة ان الحركة الصهيونية ليست حركة تحرر وطنى ، بل من النوع الرجعى الاحتلالي وهذا النضوج الفكرى للعصبة فى تمييزها بين حركة قومية رجعية واخرى تقدمية يرد ردا حاسما على السطحية الفارغة لكورييل فى وثيقة1945 عن واجب الشيوعيين العرب فى تأييد القومية اليهودية وحقها فى الانفصال..ا.ف) فهى لا تطالب باستقلال فلسطين ابداً،بل بالدولة اليهودية.لا يمكن ان تقوم الا بالقضاء على دعامتي كل حركة وطنية تحررية : حق المصير وانتشار الديموقراطية .
العقدة الفلسطينية والطريق الى حلها - حيفا مطبعة حداد 1945
وكانت العصبة بعيدة كل البعد عن أى تعصب قومى أو معاداة للسامية ، وبينت مخاطر ذلك على مشكلة وجود ما يزيد على نصف مليون يهودى كانت الحركة الصهيونية قد نجحت فى استقدامهم الى فلسطين قبل الحرب العالمية الثانية واثنائها . وفى مقدمة هذه المخاطر بينت العصبة خطر تقسيم فلسطين ، ((والتقسيم)) هو أخطر حل يجر المصائب وهو يعنى تأمين مستقبل الصهيونية وبالتالي تأمين قدم الاستعمار فى جميع البلاد العربية )).
العقدة الفلسطينية- انظرد.ماهر الشريف- مصدر سابق صـ123)
ومالبثت العصبة ان تبلورت ملامحها باعتبارها حزبا شيوعياً فلسطينياً عربى الوجه واليد واللسان .
















الفصل الخامس
حلقة كورييل
والقضية الفلسطينية
في معرض المديح لكورييل يقول جيل بيرو : ان كورييل كان على حق فى المسائل الاساسية ضد خصومه ومن هذه المسائل الاساسية تأتى مسألة (( أنه أقر قبل معظم الناس بأن اسرائيل واقع لا يمكن الدوران حوله )) (صـ281 من الأصل الفرنسى ) . وقد حذف المترجم العربى الاستاذ كميل داغر هذه المسألة المتعلقة باسرائيل ووضع بدلا منها ثلاث نقط، علامة على أنه حذف شيئا (صـ275من الترجمة العربية ).
ومن السهل ان نفهم لماذا حذف المترجم العربى هذا الاكتشاف الكورييلى العظيم ، وهذا السبق ، فتلك الحقيقة المحذوفة تدحض رأى المترجم الوارد في المقدمة كما تجعل صورة كورييل بغيضة الى القارئ العربى ،أما الاصل الفرنسى فهو موجه الى قارئ غربى عودته اجهزة الاعلام ألا يرفض التعاطف مع اسرائيل .
والمترجم العربى الذى لا يخفى تعاطفه مع التروتسكية واضح صريح فى تحميله لما يسميه ((الستالينية)) كل أوزار العالم . فهو يتوهم أو يريد أن يتوهم أن كورييل قد استعار موقفه من الترسانة الستالينية ومن مواقف الاتحاد السوفييتى ،لذلك لا يتورع عن حذف عبارة تؤكد ان كورييل كان سباقاً فى موقفه من اسرائيل ، والحقيقة ان وثيقة 1945 التى سبق أن أشرنا اليها تؤكد أن كورييل انفرد بين شيوعيي العالم بالدفاع عن ((أمة يهودية فى فلسطين لها حق تقرير المصير)) منذ وقت مبكر ويتعرض الموقف السوفييتى من هذه المسألة للكثير من التشوية المتعمد.
ان التروتسكيين مثلا يفاخرون الامم بأن بعضهم كأفراد في مصر اتخذوا موقفا سليما من الصهيونية،خذ مثلا الكتاب الثمين للاستاذ أنور كامل بعنوان ((الصهيونية )) الصادر عن دار المطبوعات الشعبية بالقاهرة فى ديسمبر 1944، انه لا يقول كلمة واحدة لم يسبقه اليها ((الستالينيون)) فى الفكر النظرى والموقف العملى على السواء ، وأنور كامل يرى أن الحل الصحيح للمسألة اليهودية يتمثل في كفاح الشعوب من اجل بناء مجتمع جديد لا أثر فيه لاي شكل من أشكال الاضطهاد (صـ 28).ولم يكن موقف تروتسكى يختلف فى شئ عن موقف ستالين من المسألة اليهودية، فكلاهما كان لا يرى لليهود مستقبلا باعتبارهم مجتمعا قائما بذاته منفصلا ، أو في تأسيس دولة يهودية بل فى الحل الشامل لقضية الاستغلال والاضطهاد الذى تقدمه الثورة الاشتراكية العالمية. وظل هذا الموقف حتى قيام الفاشية فى أوروبا ومعاداتها الدموية لليهود، وهنا ينقل ((اسحق دويتشر)) النصير المتحمس لتروتسكي عن تروتسكي فى حديث له مع صحيفة الى الامام اليهودية الامريكية فى اواخر ايام حياته عن حق اليهود فى ان ينفصلوا بأرض خاصة بهم..اسحق دويتشر. النبي منبوذا (1929 -1940) صـ368-369،بالانجيلزية).
وربما كان تروتسكى سباقا فى الذهاب الى هذا الرأى قبل آخرين في الحركة الماركسية ،فهو من أوائل الذين دعوا الى حق اليهود في وطن قومى قبل استفحال المشكلة واتخاذها طابعا حادا في الوطن العربى .
أما الموقف السوفييتى فكان من الناحية النظرية واضحا شديد الوضوح يعبر عنه كاتبان سوفيتيان هما س.ديمترييف وف.لادييكين على النحو الاتى: اليهود في العالم لا يشكلون أمة واحدة،فقد تأثروا واختلطوا بالبيئات القومية التى عاشوا فيها . وكان من مصلحة الصهاينة اختراع قومية يهودية على أساس من الزعم بأن معاداة السامية نزعة دائمة أبدية وبوجود صلات تاريخية تربطهم بأرض الاسلاف. وذلك المفهوم القومى المزعوم يعمل على تحقيق السلام الطبقى بين الكادح اليهودى وصاحب البنك وعلى فصل العامل اليهودى وابعاده عن الحركة الثورية العالمية . ويسخر الكاتبان من الضجيج الفكرى الصهيونى حول أرض الميعاد ( فلسطين) ومن الزعم بأن اليهود أمة واحدة،تنبت من عرق واحد نقي، ومختارة من رب الجنود،ومغلقة على نفسها منيعة لا تتأثر بقوانين التطور الاجتماعى التاريخى ، ومن ضمن امتيازاتها الخاصة حق اغتصاب ارض الشعب العربى الفلسطينى .
ويصطدم هذا الموقف النظرى الواضح للاتحاد السوفييتى بواقع القضية الفلسطينية فى أعقاب الحرب العالمية الثانية،فالوطن القومى اليهودى ابتداء من وعد بلفور ثم الدولة اليهودية فيما بعد كانتا وقائع فعلية وحقائق على الارض كما كانتا حلقات من سلسلة متتابعة هى المخطط الامبريالى البريطانى للسيطرة على الوطن العربى،ثم المخطط الامريكى الذى استطاع ان يرث البريطانى ويصل به الى ابعاد اشد خطورة .
ولاجدال فى أن وعد بلفور ثم تأسيس دولة اسرائيل كانا حلقتين مترابطتين فى محاربة الاتحاد السوفييتى والشيوعية . لقد كان وعد بلفور بمنح اليهود حقا فى وطن قومى معاصرا لنشوب ثورة اكتوبر العظمى وارتفاع المد الثورى في منطقة شرق أوروبا التى تقطنها نسبة عالية من اليهود ، ومن الحقائق المقررة ان معظم اليهود في هذه المنطقة كانوا ينتمون الى الاشتراكية. ومن الحقائق المقررة كذلك أن عددا لا يستهان به من قادة الحركة الاشتراكية فى غرب اوروبا كان من اليهود،وأن نسبة متزايدة من اليهود كانوا منخرطين في التنظيمات العمالية الثورية. ودون تورط في نظرية تآمرية للتاريخ يمكننا ان نضيف صوتنا الى صوت القائلين بأن جزءا من سياسة الامبريالية البريطانية في خلق وطن قومى لليهود في فلسطين كان يستهدف سلخ مئات والآف العمال اليهود من جسم الحركة العمالية الثورية في أوروبا الشرقية وادماجه بعد تهجيره في جسم الحركة الصهيونية القائمة على الوفاق الطبقى،والمتحالفة مع الرأسمالية العالمية .
ولم يكن لدى أحد فى الحركة الشيوعية العالمية التى يقودها الحزب الشيوعي السوفييتى أى أوهام عن الحركة العمالية الصهيونية التى أنشبت مخالبها في عنق فلسطين ، وقد سبق أن أشرنا الى المراجع التى تؤكد ان الاتجاه ((الستالينى)) - كما يحلو لبعض الناس أن يصفوا الحركة الشيوعية العالمية فى تلك الفترة – لم يعتبر العمال اليهود – مأخوذين فى جملتهم – قوة ثورية أو منارة للثورة في العالم العربى المتخلف،كما لم يعتبر التجمع الاستيطانى اليهودى في فلسطين والخاضع بالكامل للصهيونية قوة ديموقراطية أو مؤهلة لغرس واحة ديموقراطية في صحراء الاستيداد العربى ، بل كانت المصادر الشيوعية تصف أساليب الحركة الصهيونية ((بالفاشية)) و ((الرجعية)) ولقد استقل الشيوعيين العرب في فلسطين بتنظيمهم ابتداء من عام1943 ورفضوا عضوية اليهود تتويجا لسياسة رفض التحالف مع أى عناصر أو قوى تقف على أرض الصهيونية .
• التناقض بين الامريكان والبريطانيين
وبعد الحرب العالمية الثانية وتضاؤل قوة الامبريالية البريطانية أمام الامبريالية الامريكية فتحت الابواب امام الامريكان للحصول على مواقع السيطرة في الوطن العربى ، وانتقل الولاء الصهيونى الى القوة الامبريالية الجديدة .
وبطبيعة الحال كانت هناك تناقضات بين الصهيونية والاستعمار البريطانى المتداعى بدأت في الاحتدام مع صعود نجم الاستعمار الامريكى الذى اعتمد اعتمادا كبيرا على التجمع الاستيطانى اليهودى في فلسطين ، ودفع عملية اقامة دولة اسرائيل الى الامام خطوات كبيرة، لتكون موقعا متقدما للاستعمار الامريكى في المنطقة. وكان من مصلحة الامريكان تحويل ((الوطن اليهودى)) الذى كان مجرد رأس جسر للاستعمار العالمى الى دولة على أكبر مساحة تغتصبها من الارض لكي تتمكن من أداء وظيفة القاعدة العسكرية الجبارة ، المستعدة دائما لتسديد الضربات القاتلة الى حركة التحرر الوطنى العربية .
ويقول الكاتبان السوفيتيان اللذان سبقت الاشارة اليهما ان التناقضات بين الصهيونية والاستعمار البريطانى فى أعقاب الحرب العالمية الثانية كانت تدور حول تحقيق برنامج الحد الاقصى للصهاينة ، الذى يستهدف تحويل فلسطين بأكملها الى وطن قومى يهودى ، وكان البريطانيون يضعون فى اعتبارهم مصالحهم فى بقية العالم العربى، ويخصصون للوطن اليهودى دورا مساعداً،ويرفضون تقديم فلسطين بأكملها للصهاينة ، الذين بدأت عرى التحالف بينهم وبين الامريكان تزداد توثقا على حساب مواقع الاستعمار البريطانى .
(الطريق الى السلام–الهيئة العامة للاستعلامات(مصر)،كتب مترجمة رقم 732صـ29).
ولم تكن الصدامات المسلحة بين الصهاينة والانجليز مما يمكن إغفاله،بل لقد تعددت وتصاعدت. ويتبجح اليسار الصهيونى الزائف ويسمى هذه الصدامات ((حرب استقلال) .كانت العصابات اليهودية الفاشية لتنظيمى ((أرغون)) و ((شتيرن)) اللذين اتحدا فيما بعد مع ((الهاغاناه)) قد بدأت في ارهاب المواطنين العرب من اجل طردهم خارج الارض ، وتعتبر مذبحة دير ياسين (والكلام ما يزال للكاتبين السوفيتيين) في ابريل 1948 ذروة اعمال الصهاينة فترة ما قبل انشاء الدولة الاسرائيلية ، وهناك عشرات الامثلة المشابهة. لقد اشعل الصهاينة حربهم على العرب في فلسطين قبل دخول جندى عربي واحد . على العكس مما يزعم كورييل (يدعى كورييل أن الاعداد لحرب فلسطين قامت به الامبريالية والرجعية العربية، ولا يذكر شئيا عن دور الصهيونية في الاعداد،بل يتحدث بالحرف عن حرب امبريالية ظالمة (غير عادلة) (( ضد دولة اسرئيل )) – أوراق كورييل صـ182 )
ويذكر الكاتبان السوفييتيان ان 250 الف عربى هربوا قبل حرب 1948 من المذابح التي دبرتها المنظمات الارهابية اليهودية التي كانت تهدف الى نقل كل فلسطين الى ايدى اليهود(صـ53).
وعلى النقيض من آراء كورييل يقول الكاتبان السوفيتيان ان الحرب الفلسطينية (1948) في جانب أساسي كانت تعبيرا عن محاولة الامبريالية البريطانية المحافظة على مواقعها في الشرق الاوسط ، وللوقوف الى حد ما ضد النفوذ الامريكى الذى استحوذ على ولاء الصهيونية وعمل على اقامة دولة اسرائيل لتكون موقعا متقدما له في قلب المنطقة (74) .
وما كانت اسرائيل ستظهر للوجود أصلا لولا الدور النشيط للبيت الابيض عامي 1947- 1948وظلت اسرائيل منذ البداية قوة ضرورية للاستعمار الامريكى في مواجهة الشعب العربى وحركته التحريرية وفي مواجهة الاتحاد السوفييتى ، والعلاقة بينها (اسرائيل وامريكا) لم يسبق لها مثيل في التاريخ الامريكى،تمتد من التعاون الاقتصادي والعسكري الى تبادل معلومات المخابرات والتأييد الديبلوماسي لتصل الى الجنسية المزدوجة ، وهى علاقة اكثر توطداً من علاقة الولايات المتحدة بأى من حلفائها فى الغرب فى اى وقت من الاوقات , وان استجابة الولايات المتحدة لأى خطر محتمل او متوهم قد تتعرض له اسرائيل اقوى وأشد حدة من أي استجابة امريكية ((لخطر)) مماثل قد يتعرض له حليف في شمال الاطلنطى.
• قضية فلسطين قضية مصرية
وتقول الدكتورة عواطف عبد الرحمن في كتابها ((مصروفلسطين))سلسلة عالم المعرفة العدد 26 الطبعة الثانية 1985).
((ان القضية الفلسطينية قد طرحت نفسها بعد الحرب العالمية الثانية باعتبارها ذروة الصراع الدامي بين الشعوب العربية من جانب والقوى الاستعمارية والصهيونية في الجانب المقابل ، وكانت مظاهرات 2نوفمبر 1945 التجسيد المادى لحضور القضية في الشارع المصري والتحام قضية فلسطين بالقضايا السياسية التى تشغل المصريين عامة.بل لقد أصبحت فلسطين تحتل مكان الصدارة لدى الرأى العام المصرى،فقد كانت محك الصراع المباشر بين الحركة الوطنية المصرية وبين الاستعمار الامريكى .

لقد كانت هناك محاولة استعمارية للتركيز على فلسطين- فى معترك الصراع بين الاستعمار الانجليزى والامريكى من اجل الاستحواذ على امكانات الشرق الاوسط الاستراتيجية والبترولية – باعتبار فلسطين المحور الذى يمكن القادمين الجدد (الامريكان) من تحقيق طموحاتهم ))(عن صـ252 -253).

اي أن القضية الفلسطينية كانت فى الاربعينيات قد أصبحت جزءا حاسما من نسيج حركة التحرر الوطنى في مصر ضد الاستعمار الامريكي وركيزته التجمع الاستيطانى اليهودى في فلسطين بقيادة الصهيونية . ولم تكن كما زعم كورييل أمراً خارجياً يحاوله الاستعمار والرجعية لصرف أنظار الجماهير الكادحة عن الكفاح ضد ((الانجليز في القناة)).

• مشكلة التقسيم
كان عدد اليهود من خلال الهجرة التى اتخذ الاتحاد السوفييتى موقفا واضجا ضدها ودعا الى ايقافها قد ارتفع من خمسين الفا فى مطلع الانتداب الى ما يزيد على 600 الف في منتصف الاربعينيات،كما ارتفعت مساحة الاراضى التى انتزعها اليهود الى ما يربو على 2 مليون دونم واصبح متوسط ما يملكه اليهودى 200 دونم مقابل 8 دونمات فقط لكل عربى(مصدر سابق صـ254- جريدة المصرى 19/10/1947 )،كما كانت مؤسسات الدولة الصهيونية بما فيها التنظيمات المسلحة موجودة بالفعل قبل قرار التقسيم وتمارس عدوانها على العرب،بالاضافة الى ان الاقتصاد اليهودى كان له استقلاله وقد استولى بالفعل على مناطق بعينها وانكمش العرب في اجزاء أخرى،فالمؤمراة الاستعمارية الصهيونية كانت قد خلقت ((التقسيم)) كحقيقة على الارض حينما كان العرب أغلبية في فلسطين . وهذه المؤامرة لا تعترف بحدود تقف عندها .
ومن المسلم به أن موافقة الاتحاد السوفييتى على التقسيم في الظروف الملموسة أيامها كانت نتيجة لعلاقات القوى التى اتسمت بغلبة الامبريالية عسكرياً (ذريا) واقتصاديا فى اعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة وتفاديا لمؤامرات كان يحوكها الاستعمار بالفعل من اجل مزيد من المكاسب للصهيونية ، ومزيد من الخسائر لحركة التحرر الوطنى العربى، تصل الى حد الغاء الوجود المادى للشعب الفلسطينى وتحويل فلسطين بأكملها الى ثكنة عسكرية تعمل لحساب الاستعمار العالمى .كانت الموافقة على التقسيم مسألة عملية تخضغ لتقديرات تستهدف تجنب خسائر أضخم من الخسارة التى يؤدى اليها التقسيم ، ولم يكن التقسيم موقفا نابعا من المبادئ الماركسية اللينينية أو حلا سليما للمشكلة الفلسطينية او هدفا يسعى اليه الشيوعيون ،بل" حلا رديئا" لمواجهة حالة خطيرة متفجرة ، ولتعذر وجود أي مخرج أفضل من المأزق . ولقد جاء في خطاب غروميكو الشهير في 14/ مايو 1947 في الأمم المتحدة : ((ان انشاء دولة عربية يهودية موحدة يتمتع فيها العرب واليهود بحقوق متساوية يمكن اعتباره من الحلول الممكنة للمشكلة الفلسطينية لمصلحة الشعبين ولجميع سكان فلسطين ولأمن وسلام الشرق الاوسط . واذا ظهر أن هذا الحل غير عملى بسبب سوء علاقات العرب واليهود،فلا بد من تقسيم فلسطين الى دولتين مستقلتين عربية ويهودية وأنا أكرر بأن هذا الحل لا يجب الاخذ به الا اذا ثبت ان العلاقات بين العرب واليهود تبلغ من السوء الحد الذى يمنع التعاون السلمى بينهما والذى لا يرجى منه أي اصلاح .
أما كورييل وبطانته فيذهبون الى ان قرار تقسيم فلسطين مسألة مبدئية،وقانون من قوانين الايمان ، ويقول كورييل في اوراقة:((وفور اعلان الامم المتحدة قرار تقسيم فلسطين الذى أيده الاتحاد السوفييتي اصبحت حدتو هى المدافع عن هذا المشروع)) ويؤكد كورييل انعزال بطانته وانفرادها بهذا الموقف فهو يضيف.. ((اصبحت ((حدتو))هي المدافع عن هذا المشروع برغم معارضة بعض اعضائها،ومعارضة الحركات الماركسية الاخرى (صـ135- التشديد لنا ) .
وكورييل لا يتورع عن لي عنق الحقيقة مثل موظفيه ومؤرخيه وهيئة المنتفعين ؛ انه يزعم في صفاقة عجيبة انه ((كان للمظاهرة الشعبية الناجحة التى نظمتها لاول مرة الحركة الديموقراطية للتحرر الوطنى (حدتو) في أحياء الجامعة والازهر المكتظة بالسكان لتأييد مشروع تقسيم فلسطين تأثير كبير ، وقد وجد البوليس صعوبة كبيرة في تفريق المتظاهرين،ولم ينجح في هذا الا بعد القبض على بعض السيدات بالحركة (صـ153).
وهذا الافتراء على الشعب المصرى ليس غريبا على أمثاله،انه يختلق مظاهرة من خيالة تهتف للتقسيم على حين كان الشارع المصرى يرعد بالهتاف: فلسطين عربية ويردد الهتاف عشرات الآلاف.وما أعجب ان تطالب الجماهير العربية باعطاء فلسطين أو قسم منها لليهود!!
ويواصل كورييل تأكيد تفرده وبطانته فيقول : (كانت ((حدتو )) هي الحركة الوحيدة سواء في مصر أو على الصعيد العربى التى تبنت موقفا سليما من المسألة الفلسطينية بالدفاع عن مشروع التقسيم(صـ155)، ويجب أن نرجع الى كلامه السابق عن معارضة ((بعض)) أعضاء حدتو للتقسيم ، فالامر حتى بالنسبة لمبالغات كورييل لم يتعلق بتأييد أغلبية حدتو للتقسيم .
• العدد الذى أغفله رفعت السعيد من الجماهير .
ولنأخذ العدد الرابع والعشرين من ((الجماهير)) التى لم ينجح كورييل أبدا في السيطرة عليها،العدد الصادر في 21/9/1947.وهذا العدد والبيان الصادر فيه يغفله رفعت السعيد تماما ولا يشير اليه في الطبعة الاولى من ((اليسارالمصرى والقضية الفلسطينية))ولا في الطبعة الثانية الواردة في المجلد الثالث من ((تاريخ الحركة الشيوعية المصرية ))(اكتوبر 1987) . والعدد صادر بعد خطاب غروميكو . لقد نشرت الجماهير بيانا أصدره الحزبان الشيوعيان السورى واللبناني وفيه يستنكر الحزبان مناورات الاستعمار الانجلوامريكى ويعربان عن تأييدهما المطلق لحق فلسطين ((في الجلاء والغاء الانتداب واقامة حكم ديموقراطي ووقف الهجرة الصهيونية ورفض كل مشروع يرمى الى التقسيم واقامة دولة يهودية في فلسطين ) ) .
التشديد لنا – انظر عبد القادر ياسين.القضية الفلسطينية في فكر اليسار المصرى).
وجاء قرار التقسيم في 26/11/1947. وعلى الرغم من تصويت الاتحاد السوفييتى لصالحه نشرت جريدة الحزب الشيوعى العراقى ((القاعدة)) في العدد الثانى من السنة السادسة ديسمبر (كانون الاول)1947 رفضا قاطعا واستنكارا لتقسيم فلسطين . وكان ذلك الموقف استمرارا لمواقف الاحزاب الشيوعية العربية في اجتماع الاحزاب الشيوعية في دول الكومنولث بدعوة من الحزب الشيوعي البريطانى فى المدة من 26 فبراير شباط الى 2 مارس (آذار)1947 قبيل التقسيم،كان رأى جميع الاحزاب الشيوعية العربية منعقدا على شجب مشروع تقسيم فلسطين .أما ممثل ما كان يسمى بالحزب الشيوعى الفلسطينى السيد ((ميكونيس)) الذى اتضحت آراؤه المتعاطفة مع الصهيونية فيما بعد فقد دعا صراحة الى تقسيم فلسطين واقامة دولة يهودية .
(منشورات الحزب الشيوعى العراقي (القيادة المركزية ). سلسلة دراسات ثورية (3) الحزب الشيوعي العراقى والمسألة الفلسطينية صـ45-49-1971 ).
ويقول الحزب العراقى في ديسمبر كانون اول 1947 بعد التقسيم: (( لم يكن تقسيم فلسطين الا ثمرة المجهود الاستعماري البريطاني لمدة ثلاثين سنة باعطاء الصهيونية وعد بلفور المشؤوم وتسهيل الهجرة لخدمة أغراضه الدنيئة وتقوية الصهيونية وتسليحها وجعلها ذات كيان دولي وضرب الحركة الوطنية في فلسطين وحرمان شعبها من حقوقه المدنية))(نفس المصدر صـ47). وليس من الضرورى أن نتبنى اراء ((القيادة المركزية)) جملة أو تفصيلا،فالمسألة المطروحة هنا هي الجانب الوثائقي فقط .

وفي مصر انتقدت المنظمة الشيوعية التى تصدر الفجر الجديد (طليعة العمال فيما بعد) قرار التقسيم في نشرتها السرية ((الهدف ))(عبد القادر ياسين–مصدر سابق صـ32)على الرغم من وجود كوادر في قياداتها من اصل يهودى،بل لقد كان ثلاثة من القادة يرجعون الى أصول يهودية شديدى الحسم والوضوح في رفض التقسيم وتعرضوا لاتهامات كورييل بعدم الولاء للاتحاد السوفييتى .

أما انصار كورييل فقد فهموا من قرار التقسيم بندا واحدا،وبناء على قصصهم يزعم جيل بيرو نقلا عن يوسف حزان أن مصر كانت البلد العربى الوحيد عام 1948 الذى كان يستطيع فيه يهودى ان يوزع في الشارع صحيفة (الجماهير...ا.ف) تمجد وجود اسرائيل )) (198 من الأصل الفرنسي/ 196 الترجمة العربية).
وقد تعرضت حدتو نتيجة لتأييد تقسيم فلسطين لزلزال عاصف ضد كورييل قادة عدد من أبرز المناضلين المصريين على رأسهم الشهيد شهدى عطية الشافعى .






الفصل السادس
مجموعة روما :
النشأة والتطور
كان عدد من اليهود المصريين الذين سيشكلون ما عرف باسم مجموعةروما ، معتقلين اثناء الحرب 1948 وفي أعقابها ، وقد اشترطت اسرائيل اطلاق سراح جميع اليهود المعتقلين من اجل تنفيذ الهدنة الاول ووقف اطلاق النار . وكان من الطبيعى أن يخرج الصهيونيون الى اسرائيل.أما كورييل وزملاءه اليهود فقد اتخذوا موقفا متناقضا يفتقر الى المبادئ ويحاول امساك العصا من طرفيها .

وكان حساب كورييل للمسألة خاطئا كما اعترف هو بنفسه صراحة . فقد ظن ان انتصار اسرائيل سيرغم الحكومة المصرية على الافراج عنه وعن زملائه،فإطلاق السراح مضمون . لذلك حاول ان يكسب مجانا تسجيل موقف يساعد زملاءه من اليهود على الحصول على أفضل فرصة للعمل السياسي داخل مصر،فأعلنوا عن رفضهم الافراج بالاستفادة من هزيمة مصر والبلاد العربية، وعن رفضهم الافراج اذا كان منحة من الصهاينة .
وليس ما سبق محاولة للدخول الى عقل كورييل وتتبع أفكاره ولكنه تسجيل لوجهة نظره بكلماته.

انه يتحدث عن الأشهر الثمانية الاضافية التي اضطر وزملاؤه الى قضائها فى المعتقل ، بعد ان رفضت الحكومة المصرية الافراج عنهم،بقوله : ((أنا مسئول عن ذلك(الخطأ فى الحساب) بسبب نزعة دون كيشوتية.لقد كان ذلك بلاهة مازلت أحس بتأنيب الضمير من أجلها..(جيل بيرو- مصدر سابق صـ208 بالفرنسية 205 بالعربية ) .

وتغير الموقف بعد ذلك لتصحيح خطأ الحساب . ولم تكن الحكومة المصرية تشترط بطبيعة الحال أن يذهب اليهود المعتقلين الى اسرائيل ، مقابل الافراج عنهم ، بل كانت المساومة على إطلاق السراح مقابل الرحيل النهائى عن مصر . كانت المساومة تستحق العناء من جانب السلطات المصرية أيامها،لانها لم تمتلك الحق في طرد اليهود أصحاب الجنسية المصرية من البلاد.

وكانت تعليمات أو أوامر كورييل بالرحيل من مصر الى احد الكيبوتزات الاسرائيلية و ((النضال)) داخل ما يسمى بالحزب الشيوعى الاسرائيلي ،(جيل بيروصـ208- 211 بالفرنسية -206 -208 بالعربية) وقد ارتكب بعض أنصار كورييل هذا الوزر العظيم دون أن يطردهم أحد من مصر،بل لان طاقتهم النضالية لم تكن قادرة على بضعة شهور من الاعتقال في ظروف أشبه ما تكون برحلة خلوية انتجاعا للصحة كما يعترفون بأنفسهم.
ولكن معظم المفرج عنهم التقوا من جديد في ((فرنسا الحلوة))كما يسميها كورييل.
ولم يبق من اصدقاء كورييل اليهودى الا اثنان معه فى مصر : جو ماتلون الذى كف عن النشاط السياسي وأصبح على رأس (( شركة الورق الاهلية )) الضخمة من حيث الملكية والادارة والمحامى الشهير شحاته هارون .
وماذا نسمى ما يدعيه رفعت السعيد في ((الاهالي))القاهرية التى يتصرف فيها كما كان كورييل يتصرف فى عزبة المنصورية ، والتى سخر أعدادا متتالية منها لمدح كورييل وسب ناقديه؟ (اعداد 24/2/1988،2/3/1988،16/3/1988)،انه يدعى ان هؤلاء الشيوعيين اليهود قد طردوا من مصر ورفضوا الذهاب الى اسرائيل (الاهالي– عدد2/3/1988 الصفحة الحادية عشرة) عند الكلام عن الذين كانوا في معتقل 1948. ويلوم رفعت الدكتور رؤوف عباس لانه لا يجد تفسيراً ايجابياً لموقفهم!!
هل كان من الواجب اختلاق تفسيرات ايجابية ، واختلاق وقائع كاذبة لمؤسسى مجموعة روما الذين تنازلوا طواعية عن الاقامة فى مصر وقبل أيام أحجموا عن قضائها في المعتقل،وامتداح ذهاب بعضهم الى اسرائيل ،ثم تفضيلهم ((حلاوة)) فرنسا على مرارة اسرائيل؟
وقد طردت حكومة الوفد كورييل نفسه بعد الافراج عنه،وبعد ذريعة قانونية قد لا تكون فوق مستوى الشبهات،لان جنسيته ايطالية (حكومة الوفد لاحكومة السعديين هى التى طردته) وقد كان من طلائع مجموعة روما ((يوسف حزان)) الذى أسس مع((أرمان سيتون))و((رفيق)) ثالث ترك مصر شركة استيراد وتصدير متخصصة في الورق والنسيج (باتكس) ولحق بهم كورييل(جيل بيرو-220-221بالفرنسية ،217 بالعربية) وكان يواصل قيادة ((النضال)) في مصر بكتابة تحليلاته وتوجيهاته بالفرنسية الفصحى،ولم يكن كورييل يكتب بالعربية وكانت زوجته "(تدق" كتاباته على الالة الكاتبة بالفرنسية وتحفظها فى أرشيف ما يزال موجودا حتى الان،ثم تعيد نسخها بالحبر السرى وترسلها الى ((رفيق)) في القاهرة يترجمها بالعربية (نفس المصدر صـ222 بالفرنسية -218 بالعربية) .
أما رفعت السعيد فيدعى دون خجل ((ان كورييل وهذه حقيقة يعرفها من يدققون في البحث – كان يقرأ ويكتب باللغة العربية )) (الأهالى 2/3/88ص11) وهو يسوق الاكذوبة بحديث عن البحث والتدقيق،ان رفعت السعيد لا يقول لنا شيئا عن بحث وتدقيق يرتديان طاقية اخفاء جعلاه يعرف كورييل الذى لم يشأ ان يتعلم لغة خدمة ما لا تعرفه زوجته ، ونحن مدينون لأرشيف السيدة كورييل بالكثير من الحقائق التى حاول رفعت طمسها.
ان كورييل منذ بداية رحيله الى فرنسا يحذر رفاقه من ((حدتو)) عام 1953 من اغراء الشوفينية ومعاداة السامية...ويقول في خطابة:(( نحن نناضل من اجل حل النزاع بين اسرائيل من جانب والبلاد العربية وخاصة مصر من جانب اخر )) (نفس المصدر صـ532 بالفرنسية ) وتختفى القضية الفلسطينية والدولة الفلسطينية من أولويات ((النزاع)) .ويواصل قوله ((اذا عرفت الشعوب العربية،والشعب المصرى خاصة بوجود ونشاط هذه القوى(السلامية في اسرائيل) فسيكون ذلك ضربة حاسمة ضد التأثير الضار للشوفينية (العربية ا.ف) .التى تنميها الطبقات الحاكمة بكل قواها لصالحها وضد الصالح الوطنى)) (نفس المصدر).

وقد اسهم كورييل مع يوسف حلمى في تحرير رسالتين عام 1956 الاولى موجهة الى اسرائيل والثانية الى جمال عبد الناصر،وقد سبقت الاشارة اليهما (نفس المصدر) وكانت هذه هى المرة الاولى التى تخاطب فيها شخصية عامة عربية -- يختفى وراءها كورييل– الاسرائيليين مباشرة على الملأ.وكانت الوسيلة الوحيدة المطروحه أمام العرب هي الاعتماد على ((قوى السلام الجبارة)) في اسرائيل .
وفي رسالة من هنرى كورييل الى السيدة نعومى كانيل بتاريخ 7/6/1957 احدى اصدقاء المجموعة في سجن القناطر بمصر،يقول رأيه فى تأميم عبد الناصر لشركة قناة السويس:...لا أزال مصرا على أن لطريقة وشروط تنفيذه (أي التأميم) نتائج مؤسفة جدا،كان يمكن تفاديها، بالنسبة لمصر فهي قد عرضت استقلالها للخطر،(أوراق هنرى كورييل صـ245).
ومن الصعب ان نجد في مصر عضوا من اعضاء حدتو قد شارك كورييل رأيه السطحى في التأميم(باستثناء حفنة من موظفيه يجيدون اخفاء الوجه) .
وقبيل وقوع العدوان الثلاثى عام 1956،لم تكن الخطة العامة له في فرنسا ((في قاع خزانة مصفحة)) بل كانت متداولة بكل مرح (ابتهاج) في باريس السياسية بأكملها،فما كان أسهل ابتلاع الجيش المصرى في اعتقادهم (جيل بيرو،صـ268 بالفرنسية،263 بالعربية) ووصلت الخطة التى كانت سرا ذائعا الى كورييل،فاعتبرها كعادته ورقة للمساومة وأوصلها الى خالد محيى الدين .
ويصور الكورييليون علاقتهم بخالد محى الدين على هواهم، ويشجعهم على ذلك انهم لا يتلقون أى تكذيب،انهم يصورون علاقة هنرى كورييل بخالد محيى الدين على أنها كانت تتم عبر السيدة ديدار روسانو (ساعدها راؤول كورييل شقيق هنرى في الحصول على دكتوراة الدولة في التاريخ من السوربون بعد زمن طويل،وأصبحت تشكل مع رفعت السعيد ثنائيا ((متخصصا)) فى التاريخ وفي خالد محى الدين) التى سحبها كورييل قبل الثورة من العمل السياسي العلنى لسوء لغتها العربية ليلحقها بنضال الضباط الاحرار (!!) وكان الوتر الثانى فى قوس كورييل للاتصال بالضباط الاحرار هو رجل الاعمال فيما بعد وممثل العمال المصريين فيما قبل داود ناحوم .
وهذه العلاقة المستمرة المزعومة الوثيقة بيهود من هذا القبيل مع خالد محى الدين تستحق المناقشة والتصحيح والتفنيد او ترتيب النتائج وقد جاءت في كتاب جيل بيرو صـ184 بالفرنسية -182-183 بالعربية).
وهناك زعم اخر،اذ يقول الكورييليون وعنهم ينقل جيل بيرو ((ان خالد محى الدين كان يجتر باستمرار حقدا شديدا على عبد الناصر،وقد بذل كورييل جهده لاقناعه بضرورة قلب الصفحة (صـ268بالفرنسية،263 بالعربية)
ونتيجة لذلك اقترح خالد على جمال المصالحة،وعاد الى القاهرة، وكانت هناك صلة دائمة بينه وبين كورييل ويعرف الكثيرون ان انصار كورييل في نفس هذه الفترة شنوا هجوما عنيفا بذيئا على خالد محى الدين، وعلى دوره في مارس 1954 وعقدوا المقارنات بينه وبين جمال عبد الناصر على نحو بعيد كل البعد عن الموضوعية،بعد ان غيروا رأيهم فى (هبة مارس الديموقراطية واعتبروها ((مؤامرة رجعية)) لم يجدوا مانعا من نصب الشباك حول خالد محى الدين فيما بعد.
ويصور أنصار كورييل أن ما بعث به كورييل عبر خالد محى الدين عن العدوان الثلاثى كان ضربة كبرى وخدمة جلى . وينسب جيل بيرو الى خالد محى الدين انه حدث عبد الناصر عن هنرى ووطنيته (!!) وما في طرده من ظلم، وقوله ان جمال كان موافقا على عودته الى البلاد .
أما لماذا لم يستطع جمال عبد الناصر اعادة كورييل الى البلاد،فيلزم لذلك قصة بوليسية خيالية عن عجز جمال عبد الناصر أمام بعض معاونيه.
ونعرف من مذكرات ثروت عكاشة ان هذا((البعض)) الذي رفض عودة كورييل،لم يكن منتما الى الجناح اليميني بقيادة المشير عامر واجهزة المخابرات بقيادة صلاح نصر،بل الى يسار الناصرية بقيادة علي صبرى وشعراوي جمعة وسامى شرف .
وقد يبدو ما سبق استطرادا بعيدا عن المسألة الرئيسية مسألة فلسطين.ولكن قناة السويس وشركة القناة وثيقتا الارتباط بالمسألة: ففلسطين لم تجذب انتباه بريطانيا اليها فى المحل الاول بسبب ثرواتها الطبيعية وسوقها التجارية،وانما قبل ذلك لاعتبارات استراتيجية تتعلق بموقعها،فهى قاعدة عسكرية للدفاع عن قناة السويس ومواصلات الإمبراطورية،وكان إنشاء الوطن القومى لليهود مرتبطا جزئيا بذلك الدور. أما شركة القناة العملاقة فكانت ((الجانب الاخر)) في نفس الوقت للقاعدة العسكرية البريطانية والقاعدة الصهيونية فى اسرائيل .كانت دولة داخل الدولة ولها سياسية مستقلة تجاه اسرائيل،وكانت للشركة اتصالات وثيقة مع عدد من اليهود في مصر وفرنسا واهتمام بالضفة(الشرقية) لقناة السويس . (وتدل وثائق الشركة أنها تبرعت للحركة الصهيونية قبل عام 1948 بمبالغ طائلة،كما أنها بعد حرب فلسطين أقامت مكتبا للاتصال وتنسيق المعلومات مع المخابرات الاسرائيلية: (محمد حسنين هيكل . ملفات السويس صـ108 -109) .
وعلى العكس من ادعاءات مجموعة روما بأن الدوائر الحاكمة في اسرائيل كانت معادية ((للسلام)) بين العرب واسرائيل،فإن السفير الاسرائيلي في لندن قبيل عدوان 1956 كان يدعو بريطانيا الى ان تصر على ربط توقيعها النهائى على اتفاقية الجلاء عن مصر بقبول مصر توقيع معاهدة سلام مع اسرائيل (نفس المصدر صـ292).
وكان((شيمون بيريز)) سكرتير عام وزارة ((الدفاع))الاسرائيلية حينذاك يقترح بعد غارات اسرائيل على غزة (1955) ((التنسيق)) بين الضباط المصريين والضابط الإسرائيليين فى اطار لجنة الهدنة،وقد رفض محمود فوزى وزيرالخارجية المصرى ذلك لانه يعنى اجراء محادثات بشكل غير مباشر بين مصر واسرائيل (صـ256).
وعلى العكس من ادعاءات مجموعة روما بأن ((الاستعمار)) هو الولد الشريرالذي يحرض الشوفينيين العرب على البنت المسالمة اسرائيل،فان المجموعة الكاملة لاوراق الرئيس ايزنهاور تؤكد ((أن الهدف الامريكى الثابت لايزال كما هو تحقيق صلح بين مصر واسرائيل،بل كان ذلك من اهم اهداف العرض الامريكى لمصر بتمويل السدالعالى : (ان أمامنا فرصة لشراء السلام فى الشرق الاوسط بهذا السد العالى فى اسوان )) (صـ380-381) . وقد ارسل ايزنهاور وزير خزانته اندرسون فى مهمة لشراء السلام مقابل تمويل السدالعالي فى نهاية 1955.(( مشروع ايزنهاور لصنع السلام في الارض المقدسة )). ومثل هنري كورييل ويوسف حلمى تماما، دعا اندرسون جمال عبد الناصر الى اللقاء المباشر مع بن غوريون (رفعت السعيد.تاريخ الحركة الشيوعية المصرية ((المجلد الثالث صـ626).ورد جمال بان ذلك مستحيل لان الشعب المصرى لن يسمح به ولن يسمح به الجيش المصرى ولن تسمح به شعوب الامة العربية (صـ390).
وفي الوقت الذى كانت حملة كورييل للسلام مع اسرائيل فى ذروتها كانت اقتراحات اندرسون بتقديم مشروعات حلول تفصيلية السلام يوقعها الطرفان دون لقاء ثم تتاح الفرصة للقاء مباشرة بعد التوقيع ، فقد كان الاستعمار الامريكى اقل وقاحة من كورييل في الدعوة للقاءات المباشرة، وكان الالحاح الامريكى على انهاء حالة الحرب رسميا وانهاء المقاطعة العربية لإسرائيل وللمتعاملين معها والتنمية المشتركة والموحدة بين العرب واسرائيل .
ولقد رفض جمال عبد الناصر مقايضة السد العالى بالصلح مع اسرائيل لانه يمس السيادة . وجاءت التطورات بسحب التمويل وتأميم شركة القناة ردا على سحب التمويل والعدوان الثلاثى .

ويجدر بنا ان نوضح موقف جماعة كورييل التى ظلت في مصر من هذا التأميم والدعوة اليه قبل أن يصبح واقعاً.

يكذب كورييل كعادته،حينما يدعى ان تأميم قناة السويس كان مطلبا يقره هو وانصاره من حيث المبدأ منذ زمن طويل (الاقرار من حيث المبدأ كان حيلة يسوعية دائمة يلجأ اليها كورييل لرفض المسألة من حيث التطبيق) (اوراق كورييل صـ 245).

ففى ذروة المد الوطنى فى مصر عام 1951 ومع الغاء المعاهدة 1936رفع الشيوعيون باستثناء انصار كورييل شعار تأميم قناة السويس .ويحاول رفعت السعيد طمس هذه الحقيقة واخفاءها وراء صراع فكرى فقهى عن الجبهة الوطنية الديموقراطية التى تختلف عن الجبهة الشعبية ، فلايورد من اعداد النصف الثانى من عام 1951 من جريدة الملايين شيئا عن سخرية أنصار كورييل من تأميم شركة القناة والشيوعيين المنادين بذلك : أيريدون لها تأميما في ظل الاستعمار؟هؤلاء المخربون المهرجون في الحركة العمالية. هؤلاء الدجالون .
بل تنشر ((الملايين)) فى آخر عدد صدر منها (26/12/1951) ان لويس سايان سكرتير عام اتحاد النقابات العالمي يصرح بأن الكلام في المراحل الحالية عن التأميم..ليس فقط انعزالي بل انهزامي ))(معذرة للاخطاء النحوية الفادحة أ.ف) فلم يعرف عن انصار كورييل مراعاة للدقة والامانه في الدفاع عن دعاويهم،وهاهو ذا اتحاد النقابات العالمي نفسه ضد تأميم قناة السويس!!

لقد كانت منظمة الحزب الشيوعي المصرى (الراية) صاحبة أعلى صوت في الدفاع عن تأميم قناة السويس عام 1951 وكان لها منذ نشأتها (ديسمبر 1949) موقف ناصع مشرف من القضية الفلسطينية ،لذلك لم يحاول انصار كورييل ولم يحاول مؤرخهم ان يناقشوا الاراء الموضوعية التى قدمتها منظمة الحزب الشيوعى المصرى،واكتفى الانصار بالسباب والبذاءة في الملايين عام 1951، وتعمد المؤرخ السكوت عن الحق في ((الصحافة اليسارية)) في مصر، وايراد أضعف الكتابات وأقلها نضجا في الدفاع عن فكرة ((الجبهة الشعبية )) وتأميم قناة السويس. ولم يورد في تأريخه المزعوم أي نص من وثائق منظمة الحزب الشيوعى المصرى، وحاول تصوير المسألة كأنها انحراف يساري،لا يطالب بتأميم الاحتكارات الاستعمارية فى مصر , ولشركة القناة وضع خاص بينها بل يطالب ((بالتأميم)) عموما وبناء المزارع الجماعية فورا باستغلال كتابة فرد بعينه قد لايكون ممثلا للاتجاه السياسي موضع المناقشة .

ونكرر ان الاغلبية الساحقة من كوادر حدتو،ربما لم تسمع بأن هنرى كورييل ظل مصرا ((على ان لطريق وشروط تنفيذ (قرار تأميم القناة) نتائج مؤسفة جدا كان يمكن تفاديها بالنسبة لمصر،فهى قد عرضت استقلالها للخطر)) (اوراق هنرى كورييل صـ245).

أما الشيوعيون المصريون بلا استثناء ومعهم أعضاء حدتو،فقد رأوا ان القرار التاريخى بتأميم قناة السويس قد دفع مصر الى مقدمة النضال السياسي التحريرى لجميع الشعوب العربية،كما جعل منها قلعة للقومية العربية في كفاحها ضد الاستعمار الامريكى،وعمق في الحركة الوطنية المصرية والعربية الاتجاه المعادي للاستعمار وفضح الدور الجديد لاسرائيل .

ان الموقف المخزى لكورييل وبطانته من التأميم يكشف عن افلاس ((خط القوات الوطنية الديموقراطية)) خط محاربة الاستعمار بالقطعة وبمنطق المرابي والخطوة خطوة ، وبمنهج براغماتى ضيق الافق ينتهى بخدمة الاستعمار نفسه وبتدعيم اسرائيل.

ان كورييل الذى اعتبر تأميم القناة عملا استفزازيا خاطئا،حاول الاستفادة من معلومات ذائعة في فرنسا عن خطة الغزو للعودة الى مصر بوساطة من خالد محى الدين. ويدعى انه صاحب الفضل في اخراج خالد من هوة الحقد على جمال عبد الناصر،فما هو موقف كورييل من جمال فى ذروة معاركه مع الاستعمار العالمي واسرائيل؟ ان الفنانة ذات الكمان العبقرية ناعومى كانيل وصفت له في خطابها عبد الناصر بالبطولة مما ينفى عنها أي ميل صهيونى فرد عليها قائلا ان سلوكها هي ينطوى على قدر من البطولة أكبر مما تصف به عبد الناصر،ويسمية كورييل هنا ((بعض القادة البورجوازيين)) .ناعومى الطيبة المتواضعة اكثر بطولة من جمال عبد الناصر في ذروة انتصاراته،حينما كان أنصار كورييل وكان موظفوه يؤلهون عبد الناصر علنا،(أما فيما بينهم فلهم كلام آخر!!)

ونرى كورييل حينما تأكد من عداء عبد الناصر لخط السلام الاسرائيلي يقول كلاما((ثورويا)) شديد الطنين والجهل: (( أن البطولة داخل مصر موجودة في الشعب في الطبقة العمالية وفي الفلاحين ،انها لم تظهر ابدا في البورجوازية) ويصح هذا القول بصفة خاصة في الفترة الحديثة)).
ألا يعرف كورييل الذى عبد (البورجوازية الوطنية) فى صفقاته السياسية شيئا عن بطولات الحلقات البورجوازية من الثورة الوطنية ..ارهاصات 1919 وثورة 1919 وحتى عن حركة يوليه 1952؟
ان كورييل يثير الضحك حينما يؤكد عكس ما قاتل وماسيظل يقاتل من اجله ، (بأن البورجوازية ليست دليلا أمينا فعالا او شجاعاً للشعب المصرى،غريب على كورييل ومتى يؤكد ذلك؟حينما كان من يصفهم بالبورجوازية في قمة فاعليتهم وشجاعتهم ضد الاستعمار واسرائيل (1956) وكان هو جبانا رعديدا يرفض توجيه الضربات لاعداء ويحذر من نتائج التأميم.
ونرى كورييل الذى اعتبر (جنرالات السلام) في اسرائيل كافين لحل مشكلة الشعب الفلسطيني يقول:(( ان رجلا مرسلا من العناية الالهية– يقصد جمال عبد الناصر– ليس بكاف لحل مشاكل الامة المصرية (أوراق كورييل 2450 246 من أوراق رسالته في 7/6/1957 الى ناعومى كانيل) ومن زعم ذلك أصلاً.

ويؤكد كورييل في رسالته دعوته الى حل دائم سلمى للمسألة الفلسطينية على أساس مقبول من الاطراف المعنية وادانته لاعمال ((الفدائيين)) الاستفزازية (صـ245) وما هو السلاح المتين ضد الدوائر العدوانية باسرائيل ؟

انه تأكيد وتنمية قوى السلام في البلاد العربية (صـ245) ويبرز كورييل في رسالتة تاييده الشديد ظاهرياً للحزب الشيوعي الاسرائيلي والاخوة الفريدة التي حققها النضال بين اليهود والعرب داخل صفوف هذا الحزب،أيام قيادة متعفنة لهذا الحزب.

وسيواصل كورييل ومجموعته النضال ((السلمى)) بعقد اللقاءات بين اصدقائهم المصريين وأصدقاء من اسرائيل ويجئ بين أسماء اصدقائهم المصريين– دون تكذيب من أحد لما جاء في كتاب جيل بيرو- اسمان هما خالد محيي الدين ورفعت السعيد .

























الفصل السابع
الأحزاب الشيوعية العربية
ومأزق التقسيم
لقد كان قرار التقسيم ظالما يعتدى على الحقوق العربية . ولكنه لم يكن كافيا لتلبية مطالب الصهيونية من زاوية أهدافها المباشرة وميزان القوى بينها وبين ((العرب)) .كما لم يكن هذا القرار نهاية المطاف في المؤمراة الاستعمارية الرجعية على شعب فلسطين خاصة والشعوب العربية عامة .

وبالاضافة الى ذلك كان القرار متعارضا مع برامج الاحزاب الشيوعية العربية بأجمعها ، ومع برامج المنظمات الشيوعية المصرية كلها باستثناء حلقة كورييل ، وكان عدد لا يستهان به من أبرز كوادر حدتو القياديين واضحي الاختلاف مع كورييل كما أشرنا سابقاً.

لقد كان التقسيم حلا رديئا ولكنه كان من وجهة نظر الشيوعيين افضل الحلول الرديئة في علاقات القوى أيامها ، ولم تكن الموافقة عليه في هذا السياق،باعتباره تراجعا تكتيكيا يتطلب التخلى عن هدف دولة ديموقراطية موحدة في فلسطين داخل نطاق حركة التحرر العربى السائرة نحو الوحدة .

وكان موقف الشيوعيين – في تبريرهم – محاولة للاسترشاد بنظرية لينين في التنازلات والمساومات والحلول الوسطى التى لا تتضمن التخلى عن المبادئ ولا تعوق الطريق نحو تحقيق الاهداف ،بل تفرضها المقتضيات العملية . ان قطاع طرق مسلحين أوقفوا العربة وانتزعوا مغانم،وفي مقابل التنازل كان يمكن تجنب خسائر أفدح في الوجود نفسه بشرط ألا تكون عربه الحركة الثورية قد اصبحت شريكا لقطاع الطرق،فليست كل التنازلات سواء (لينين في الشيوعية اليسارية مرض طفولة) .

وفي هذا الطريق الوعر المتعرج لا سبيل الى الامتناع عن النكوص على الاعقاب احيانا،أو الانحراف عن الاتجاه السابق والسير في اتجاه مختلف دون فقدان للهدف،بل لكي يمكن الوصول اليه.

ان الموافقة على التقسيم لم يكن- في رأي الشيوعيين أيامها – مسارا صاعدا ناتجا عن مواصلة المواقف السابقة،بل نتيجة لعوامل قسرية واختلال صارخ في علاقات القوى عجزت الحركة الوطنية عن التغلب عليه. وقد أوضحت الاحداث اللاحقة ان اسرائيل تجاوزت حدود التقسيم ، وان ((الدولة الفلسطينية العربية))تمزقت اربا بين مخالب اسرائيل والحاق ملك الاردن واحتلال جيش فاروق وتشرد عشرات الالاف من العرب الفلسطينيين.

ولم تستهدف جيوش الدول العربية – كان جيش الاردن بقيادة ((غلوب))وكان جيش العراق ومصر خاضعين تماما للنفوذ البريطانى– تحرير فلسطين من الصهيونية ورفض التقسيم كما كانت الابواق تصرخ،بل مكنت لانتصار اسرائيل وتوسعها ومزقت أرض فلسطين وحالت دون قيام دولة فلسطينية على الجزء من فلسطين الذى كانت تناقضات الاستعمار العالمى والوضع الدولي تسمح بأن يظل خارج السيطرة الصهيونية أيامها . لقد كان التشدق برفض تقسيم 1947 عند الرجعية العربية ستارا لترسيخ تقسيم أشد وطأة يصفى المسألة الفلسطينية بالكامل وغير منقسمة ويحولها الى مسألة نزاع على الحدود بين اسرائيل وجاراتها ، وهي حدود ستظل تتغير لصالح التوسع الاسرائيلى الى ان تصبح حدود 4 يونيو 1967 غاية المراد .
ولم يقبل الشيوعيين العرب التقسيم باعتباره حلا نهائيا، ولكن باعتباره محاولة مرحلية لانقاذ مواقع فلسطينية من الضياع ،على الرغم مما في التقسيم من جور .
أما موقف التروتسكيين المصريين فكان الحديث البليغ عن رفض التقسيم من وجهة نظر الحقوق المشروعة والتاريخ العالمي والثورة البروليتارية العالمية. فلم يكن في استطاعتهم ان يؤيدوا أيامها حتى دولة عربية على كامل التراب الفلسطينى ما دامت هذه الدولة بورجوازية. ولما كان المجال التاريخى العالمى يحسب بعشرات كبيرة من السنين،فان عشر سنوات أبطأ أو اسرع امر لا شأن له ويمكن اهماله،وقد ظل التروتسكيون المصريون يحيلون القضية الفلسطينية الى الحل الاممى التاريخى دون أدنى محاولة لربطه بسلسلة من المواقف العملية،ودون أدنى محاولة لمواجهة مشكلة متفجرة واقعية في زمان ومكان محددين .ترى هل ينطبق عليهم قول لينين : (يكون الاستناد على المجال التاريخى العالمى فيما يخص مسألة السياسة العملية خطأ نظرياً فى منتهى الرعونة؟ (المختارات فى 3 مجلدات 3 الجزء 1صـ507 بالعربية).

وليس معنى ذلك ان موقف الاحزاب الشيوعية العربية مبرأة من الخطأ في هذه المسألة فهناك الكثير من الاخطاء–يمكن لنا الان بسهولة كاملة بعد مايزيد على الاربعين عاما ان نراها،وكان ما سبق محاولة لابراز المنطق العام للمواقف من وجهة نظر أصحابها فحسب .

• كورييل والسلام الاسرائيلي

ولكن موقف كورييل واتباعه كان مختلفا . ومهما تكن وقاحة التزوير المتعمد ،فلن تستطيع ان تثبت انه قبل قرار التقسيم على أساس انه الحل الوحيد المتاح وليس على أساس انه افضل الحلول ، ان التقسيم عند كورييل بكلماته هو في ورقته ((تأملات في المشكلة الفلسطينية)) نقطة انطلاق وحق مقدس:نحن ننطلق من الحق المقدس الذى لا يسقط بالتقادم حق الجماعات القومية في الوجود القومى )) (سبق ايراد فقرات في الحلقة الثانية من هذه الدراسة. جيل بيرو . مصدر سابق صـ503 بالفرنسية )

ان نقطة الانطلاق عنده ليست حركة التحرر القومى العربية ذات الافق الاشتراكى بقيادة الطبقة العاملة حيث القضية الفلسطينية والدولة الفلسطينية جزء لا يتجزأ من هذا المحيط الثورى،بل فلسطين جزيرة مجردة معزولة يتنازعها حقان قوميان مقدسان.ولنأخذ مواقف مجموعة روما وتابعها الامين المرحوم يوسف حلمى .

لنأخذ مثلا خطابة الى (البكباشي) جمال عبد الناصر والوارد في نشرة مجموعة روما المسماة (كفاح شعوب الشرق الاوسط) العدد التاسع نوفمبر 1955 (لاحظ التعبير الهلامى شعوب الشرق الاوسط ) فخواجات كورييل وأنصاره لا يعرفون التركيز على حركة التحرر القومى العربي . (ا.ف) ما يسمى تاريخ الحركة الشيوعية المصرية المجلد الثالث صـ619-639).((..[الاتحاد السوفييتي] نادى بحق وجود دولتين ديموقراطيتين مستقلتين احداهما تضم أغلبية الشعب العربى والثانية تضم اغلبية الشعب اليهودى . وكان ذلك الحل تطبيقا لسياستهم المنطقية الناجحة بالنسبة للقوميات في داخل بلادهم نفسها وتطبيقا للدستور السوفييتى الذى يعطى كل شعب من شعوب السوفيات حق الانفصال في دولة مستقلة. (فالمسالة مسألة مبدأ ا.ف) ... وظلت أبواق الاستعمار وعملائه تبث فى رأينا العام مشاعر الكراهية والتعصب وسوء الظن ضد اسرائيل وتفعل في اسرائيل مثل ذلك ضدنا لابقاء حالة التوتر القائمة ولاستخدامها فى صالح مآربها السافلة وأطماعها في السيطرة على بلادنا واستغلال شعوبنا ، بحيث منعت كل تفكير فى امكان تحقيق سلام عادل وحل هذه القضية بالطرق السلمية : (صـ623)

..الاستعمار سوف يضع كل العراقيل الممكنة في طريق أي حل سلمي ، لأن قرار السلام بين الدول العربية واسرائيل سوف يحطم رأس الحرية المصوبة الى ظهورنا . (صـ624) سيقول بعضهم وهم موجودون في معسكرك وحولك وفيمن يدعون انهم رجالك سيقول هؤلاء الحمقى والجواسيس ان شئت أو أن شئت فعملاء الاستعمار – نلقى باسرائيل الى البحر،ولا شك في انك تعي ان اقل ما يستحقه قائل مثل هذا الهذر ان يموت ضربا بالنعال لا بشئ اخر. ان اسرائيل قد وجدت.وستوجد ويستحيل القاؤها فى البحر(صـ6259).

ونلاحظ ان المرحوم يوسف حلمى غاضب جدا الى حد الدعوة للقتل من ((الكلام)) عن القاء اسرائيل في البحر أما القاء فلسطين العربية في البحر بالفعل فهي مسألة ((حوار سلمي)) !

وتواصل مجموعة كورييل الحديث على لسان يوسف حلمى ... ان البلاد العربية دخلت في طور استقلال جديد لا ينكر حقوق الشعب الاسرائيلي وانما يريد ايضا حقوق الشعب العربى ومصالح الشعبين لا تتناقض ..(صـ626) فلتبدأوا الاستعداد للاعتراف بحقوق الشعب الاسرائيلى في دولته التى لن يفيدنا الموقف السلبى منها الا ان تبقى حكومتها سلاحا فى يد الاستعمار (صـ628)

ومن العجب ان المرحوم كان يزعم ان عدم اعتراف العرب باسرائيل هو ((أصل السبب)) في أنها بقيت سلاحاً فى يد الاستعمار ،بل ولا يرى تناقضا في أن دعوته الى الاعتراف باسرائيل هى نفس دعوة ((الاوساط الحاكمة )) فيها،بل ويذكر دعوة بن غوريون لعبد الناصر داعيا الاخير لتلبيتها!!(صـ626).

• بشاعات كورييلية
ونقتطف من بيان يوسف حلمى الى شعب اسرائيل تحليل كورييل لحرب فلسطين 1948 ((ألم يكن عجيبا ان يخرج جيش من بلاده الى خارج حدوده ليحارب من لم يمسه بسوء تاركا وراءه جيوشا اجنبية تحتل صميم بلاده...؟(صـ631) (التشديد لنا).
أي أن عصابات الصهيونية لم تمسسنا بسوء!! فهي علي أي حال لم تغتصب أرضنا ، انما اغتصبت ارض فلسطين ولم تذبح وتشرد الاف المصريين(حتى تاريخ البيان) بل الاف الفلسطينيين!!.. ويجئ هذا الكلام البشع على أنه ينتمى الى اليسار المصرى !! ويمتد النفاق الى اقصى مدى حينما نلاحظ ان المؤرخ الكورييلي الذى يقدم لهذه البشاعات بالتمجيد والتحية على (الشجاعة) يدخل اليها بدهليز عن دور الشيوعيين فى السبق الى القومية العربية ، ليخلط الاوراق السوداء والبيضاء وليخفى ان مجموعة روما تعرف شعوب الشرق الاوسط واسرائيل وسطها ولا تعرف حركة قومية عربية وتقيم أسوارا صينية بين الشعب المصرى والفلسطيني .
وبعد هذا الهول المهول . ننتقل الى مقال اخر فى نشرة (أخبار مصر) الصادرة بالفرنسية عن مجموعة روما . ونلاحظ في هذا المقال تأكيداً للزعم بأن الصهيونية ليس لها وجود ذاتى عدوانى وليست ((فصيلة خاصة)) في سلسلة العدوان الامبريالي،وليست (( امبريالية صغرى )) كما يقال على سبيل المجاز،بل مجرد ظل لشجرة الاستعمار يقول المقال: ومن الواضح أنه اذا ما نجحت اسرائيل في التخلص من نفوذ الامبريالية الامريكية وحلفائها, واذا نجحت الدول العربية فى اقامة حكومات تمثل شعوبها، فانه سيصبح من السهل التوصل الى حلى سلمى يضع في اعتباره مصالح شعوب هذه المنطقة ،وسيصبح من السهل القضاء على العنصرية التى تغذيها الامبريالية وبدء عصر جديد من التعاون السلمى بين العرب واسرائيل )) .
وماذا عن الموقف من أعمال العدوان الاسرائيلي؟تاريخ المقال ديسمبر 1955)
أي بعد اعتداء اسرائيل على غزة مرتين ، ويذكر محمد حسنين هيكل في ملفات السويس((يوم31 اغسطس 1955 قامت اسرائيل بغارة على خان يونس،وفى نفس الوقت توغل الفدائيون المصريون الى عمق 30 كيلومترا داخل اسرائيل وأسفرت عملياتهم عن قتل 19 اسرائيليا (صـ356). ولسنا بصدد دقة الارقام،ولكن بصدد الموقف وهو مجابهة العدوان الاسرائيلي واعتبار اسرائيل عدوا من جانب عبد الناصر،أما المقال الوارد في نشرة مجموعة كورييل(على الرغم من اختلافه في نقاط محددة مع آراء كورييل نتيجة لان اللجنة المركزية للحزب الموحد في هذا التاريخ والتى وقعت المقال لم تكن تحت السيطرة الكاملة لانصار كورييل، فجاء المقال محصلة اراء متناقضة ومتسما بنزعة تلفيقية)، فهو على العكس من موقف عبد الناصر لا يدعو لمواجهة : ((ومن الجلي ايضاً ان موقفنا من الاعمال العدوانية الاسرائيلية لا يمكن الا ان يصبح نداء للنضال ضد الامبريالية الامريكية اساساً والتى تسير السياسة الاسرائيلية في واقع الامر)).
هنا لن نواجه اسرائيل بالسلاح ،بل الامبريالية الامريكية بالديبلوماسية ووسائل اخرى ،لان المسألة مازالت (( وضع حد لحالة التوتر القائمة بين اسرائيل والدول العربية )) !!
ونلاحظ ان ارتفاع نغمة ((السلام)) مع اسرائيل لدى مجموعة روما جاء في فترة تميزت بتوالي الغارات الاسرائيلية على مصر بدءا بغارة 28 فبراير ومقتل 22 جنديا مصريا عدا الجرحى دون اي مبرر ثم تكرار الغارة.ويقول عبد الناصر للسفير الامريكى ((نحن لا نريد ان نبني المصانع والمستشفيات والمدارس لكي نسلمها لاسرائيل ويتحول الشعب المصرى بدوره الى شعب من اللاجئين (ملفات السويس.صـ 342).
• عبد الناصر يوافق على قرار التقسيم
وفي باندونغ اعلن عبد الناصر أن العرب على استعداد لقبول قرار التقسيم (1955) فاذا ما قبلته اسرائيل ، فان الطريق يصبح ممهدا وقد رفضت اسرائيل قرار التقسيم رفضاً قاطعاً . وقال الرئيس أونو الذي كان يجرى الاتصالات مع اسرائيل (( ان اسرائيل مصممة على العدوان ولا تريد حلا معقولا )) ولذلك سحبت الدعوة الموجهة الى اسرائيل لحضور مؤتمر باندونج (نفس المصدر صـ343) .
وفي هذه الفترة يلعب أنصار كورييل لعبة السلام مستخدمين الحيلة القديمة اخفاء اسرائيل وراء استعمار ما، هو الامريكى في هذه الايام،وتختفي قضية فلسطين الا في الدعوة الى الحوار،كمطلب كسيح بلا سلاح يسندها،ولا قوة ذاتية تدفعها الى الامام،ويواصلون نشر الاوهام عن طبيعة اسرائيل ويرددون الاغنية السمجة عن تخفيف التوتر بين البلاد العربية واسرائيل ، على جثة فلسطين العربية الهادئة.
• الموقف السوفييتى نقيض لموقف كورييل
ويذهب معظم الكتاب السوفييت على العكس من ذلك الى ان النزعة العدوانية باطنة لصيقة بطبيعة الدولة الصهيونية، ويصفها كاتبان سوفيتيان بانها ((عدوانية)) غريزية في الدولة الصهيونية (ي.ديمترييف وف.لاديكين مصدر سابق صـ35). ويرجع السوفييت عدوانية اسرائيل الى اسباب متغلغلة في صميم بنيان الكيان الصهيونى لا الى مجرد سياسة الاوساط الحاكمة التى يمكن ان تغيرهم نتائج الانتخابات على سبيل المثال أو جهود التوعية السلمية في اوساط ((الجماهير)) اليهودية. ولا شك في ان هذا الموقف المبدئى في الكتابات النظرية لا يتطابق دائما مع مقتضيات السياسة الخارجية في التعرجات العملية .
وليست الصهيونية مجرد ظل أو أداة للاستعمار،فلكي تكون قادرة على أداء دورها حولت ((الوطن اليهودي)) المزعوم الى دولة على أكبر مساحة من الارض المغتصبة من العرب،فالمجال الحيوي الصهيوني،أو القومية اليهودية العدوانية واقع ذاتى له خصائصه المستقلة نسبيا التى تدعم الرابطة الوثيقة مع الامبريالية الامريكية .
ولا ترفض اسرائيل الدعوة الى (( التسوية السلمية ))،بل هى ترتدى دائما قناع السلام .فاسرائيل القائمة على الغزو وغطرسة القوة تتشبث دائما بثمار انتصارها باعتبارها غنيمة شرعية. وما أغنيات السلام الاسرائيلية ولحنها المميز وقاعدة ((التسوية السلمية)) لدى الصهاينة الا اعتبارالتغييرات الاقليمية التى حدثت نتيجة للعدوان العسكرى الاسرائيلي جزءا لا يتجزأ من حدود اسرائيل ((الآمنة)).
ويقول الكاتبان السوفيتيان ان تهويد فلسطين قسرا هو قانون الحياة الاجتماعية لدولة اسرائيل ، وهو محور ارتكاز سياستها الداخلية بالنسبة الى الحكومة والبرلمان والقوات المسلحة والمؤسسات التعليمية والاقتصادية والايديولوجية وشبكات النظام الداخلى كافة )).كما أصبح العربى الفلسطينى غير مرغوب فيه سواء من الدوائر الحاكمة أو من الجمهرة الغالبة للسكان المستفيدة من هذه السياسة .
• الرجعية العربية والمصرية لم تكن قائدة حرب 48
ويصورالكتاب السوفييت يفجينى يفسييف وجالينا نيكيتينا ويوري ايفانوف وغيرهم مسألة السلام على نحو مغاير لما دعت اليه مجموعة كورييل والناطق باسمها المرحوم يوسف حلمى . فالكاتبان اللذان سبقت الاشارة اليهما – ي دميترييف وف، لاديكين. يقولان ان بن غوريون رفض عام 1948 قبل الحرب اقتراح ناحوم غولدمان رئيس المؤتمر اليهودى العالمي بتأجيل اعلان دولة اسرائيل لعدة اسابيع لعقد لقاء بين القادة الصهيونيين وممثلي الدول العربية بمبادرة من الدبلوماسيين المصريين في واشنطن وفي العواصم العربية . وكان من الممكن ان تزيد فرص منع الحرب ويستشهد الكاتبان بالسيرة الذاتية لناحوم غولدمان*. وبمؤتمره الصحفى في القدس في 9 ابريل 1972 حيث عرض بالتفصيل أحاديثه مع بن غوريون في 1948 ، وكان بن غوريون قد رفض في ذلك الوقت فكرة السلام مع العرب مقدماً مبدأ مضاداً هو (( القبضة الحديدية)) .
كما يستشهدان بتصريح بن غوريون في (( الفيغارو))20 /2/1970 القائل((ان اكبر خازوق يمكن ان يدقه لنا العرب هو عقد السلام معهم ))(صـ 43 من ((الطريق الى السلام)) .على عكس مقولة كورييل. وتذهب قائمة طويلة من الكتاب السوفييت يعددها الاستاذ احمد الخميس في العدد الخاص عن فلسطين من مجلة المنار(صـ72) الى ان الطاقات العسكرية العدوانية لاسرائيل هي الجوهر الذي يربط الامبريالية بها، وهى دعامة وجودها، فلا توجد قاعدة اقتصادية ((قومية)) لهذا المجتمع، فاقتصاد اسرائيل شاذ لا يملك القدرة الذاتية على الحياة ودماء حياته تأتيه من((الحقن)) بالمساعدة الاستعمارية واغتصاب الارض واعتصار قوة العمل الفلسطينية وتستهلك اسرائيل اكثر مما تنتج بمقدار أربع مرات. لذلك كانت العسكرة الدائمة للاقتصاد في هذا الحصن الاستعمارى التوسعي سمة أساسية ومن ثم كان السلام تهديداً حقيقاً لوجود اسرائيل ، ويحيط وجودها ومبرراتها وتكاليفه العالية بالشك فى أعين الرأسمالية العالمية ويهود الشتات .
ويقول كتاب سوفييت بصراحة فائقة ان (( الخيار السلمى لتطور دولة اسرائيل من اجل تسوية عادلة للازمة يظل خيارا غير واقعي (الطريق الى السلام صـ49).
Memories, the Autobiography of nahum Goldman , London : weldenfeld and Nicolson 1970.
• الحقوق القومية لليهود :
ونلاحظ ان كورييل وأنصاره قد خلطوا خلطا بشعا بين حقوق قومية لبعض يهود فلسطين (لا كلهم) وبين الدولة الصهيونية (اسرائيل).وعلى العكس يذهب بعض الكتاب السوفييت الى رفض وجود امة يهودية قد تشكلت بالفعل بطريقة سحرية في بضعة شهور اثناء الحرب العالمية الثانية من شظايا متنافرة اللغة والتكوين الثقافى والتشكيل التاريخى،على العكس من كورييل في وثيقة 1945. ويذكر يفجينى يفسييف لاحمد الخميس أنه ليس في اسرائيل لغة مشتركة ، وان الاسرائيليين فى الجلسة الاولى في البرلمان (الكنسيت) ناقشوا كافة مشاكل دولتهم باللغة الروسية (مصدر سابق) .
ويذهب الحزب الشيوعي السودانى في "الماركسية وقضايا الثورة السودانية" (مصدرسابق) الى ان اسرائيل تفتقد السمات الاساسية للدولة القومية فهي قد قامت على اساس الاغتصاب المسلح،وليس لها حدود معينة وتبني سياستها على أساس التوسع،بالاضافة الى ان بنية اسرائيل الاجتماعية غير ثابتة نتيجة التوسع من جهة والهجرة المستمرة والهجرة المضادة من جهة اخرى،وبنيتها الاقتصادية القائمة على اقتصاد غير منتج أساسه الخدمات والبناء والتمويل الخارجى يجعل منها جيش احتلال قائم مستعد في اي وقت (صـ61).
ولن نصل من ذلك الى ان مسألة الحقوق القومية لبعص يهود فلسطين يمكن تجاهلها بالنفي ، أو تحويلها الى مسألة اقلية دينية استنادا الى رعب خرافي وتبجيل مبالغ فيه لكلمة قومية . وهذا الموقف الخاطئ امتداد للفكر البورجوازي في مسألة القومية العربية نفسها والذى يتعامل مع ((القومية)) كما لو كنا في القرن السابع عشر وقيادة البورجوازية للحركات القومية،و ((الحقوق الطبيعية )) لقومية مجردة من أي مضمون طبقى أو علاقة بالحركات الثورية العالمية،ايجابا او سلباً.
والحديث لا يدور عن كل سكان اسرائيل،أي عن عشرات الالاف من المرشحين المحتملين للهجرة المضادة،اذا ساءت الاحوال في اسرائيل، والذين يحتفظون بوشائج غير مقطوعة مع بلاد اصلية أو مختارة،ولا يتكلمون اللغة العبرية أو يتكلمونها كلغة ثانية. ولكن ما من سبيل لإنكار حقائق واقعية منها ان نصف قرن او يزيد من أوسع هجرة يهودية (أو غزوة صهيونية) قد نجم عنها ميلاد جيل أو اكثر من اليهود لا يعرفون لهم وطنا اخر، ولا لغة غير اللغة العبرية ويحيون حياة اقتصادية فيها بعض السمات المشتركة ، وبدأت تتكون لديهم على نحو تدريجى وبطريقة متعثرة حافلة بالتناقضات والاتجاهات العكسية بعض الملامح الثقافية المشتركة، ان بذور قومية يهودية فلسطينية في طريقها الى التكوين بين جيل أو أجيال ما بعد الصهيونية هي بذور تواصل النمو ، ولابد من ملاحظة أن هذه الملامح القومية التى ماتزال في طريق التكوين تحمل طابعاً رجعياً ويغلب عليها النفوذ الصهيوني طالما ظلت دولة اسرائيل تحقق انتصارها، وظل ((المواطن)) الاسرائيلي يجتنى أرباحا من الدور الاستعماري التوسعي لدولته . وقد تعلمنا من لينين أن حق تقرير المصير ليس أمرا مطلقا بل هو جزء من الحركة الاشتراكية العامة،وفي حالات مفردة بعينها قد يتناقض هذا الجزء مع الكل ، فاذا كان الامر كذلك يجب رفض الجزء.ان حق تقرير المصير لا يتم تقييمه من وجهة النظر الشكلية والحقوق المجردة بل من زاوية مصالح الحركة الثورية .
ويوضح الماركسيون ان الصهيونية تؤسس مجتمعا على تضامن مصطنع وتواصل موقف الصدام مع العرب وتبرير الحرب بادعاء التهديد وخطر الابادة لجذب يهود الشتات، كما ان ضرورة السلام أقل الحاحا بالنسبة للمواطن الاسرائيليى . ويجعل الطابع النوعى الشاذ للتطور الاقتصادى والسياسي في اسرائيل من المحتم ان يظل العدوان المستمر مكونا اساسيا للدولة الصهيونية ، ((فالمواطنون)) الاسرائيليون يعيشون داخل دوائر متشابكة للمؤسسة الصهيونية في حلقة مفرغة .
ولا يقول احد بأن اسرائيل بلا تناقضات،أو أن جميع اليهود صهاينة وأعداء للسلام .
ولكن اسرائيل ليست اطاراً يضمن الوجود المستقل والنمو المستمر للعناصر والسمات القومية اليهودية الديموقراطية،بل ان هياكل الدولة الصهيونية عائق حاسم امام نمو هذه العناصر والسمات القومية الديموقراطية وتؤكد الدولة الصهيونية عزلة أي قومية يهودية في طور التكوين وتخليد ارتباطها العضوي بالامبريالية .
ولن تزدهر الحقوق القومية لليهود،الا بالصراع ضد هياكل الدولة الصهيونية وليس بتدعيم هذه الهياكل،والزعم بتطابق دولة اسرائيل مع الحقوق القومية الديموقراطية لليهود كما تزعم حلقة كورييل.
ويتعلق ذلك بالموقف النظرى المبدئى وبالاهداف الثورية. وليس معنى ذلك ان تتحول الخطوات العملية في الساحة الدولية،ومحاولات استغلال التتناقضات والاستفادة منها لصالح الاهداف الثورية الى مجرد تكرار نقي للأسس النظرية والاهداف النهائية.فالأسس النظرية ليست قيودا تعوق انطلاق الحركة الثورية، وهى تفترض المتعرجات والتنازلات المرتكزة على المبادئ بشرط ان يكون ذلك كله لصالح تحقيق الاهداف .









الفصل الثامن
الصدام المسلح ..
مشروعية الكفاح العربى المسلح
يفخر كورييل في ((أوراقه)) باقامة علاقة سياسية مع جنود الفيلق اليهودى اثناء الحرب العالمية الثانية في مصر،يطلق عليهم اسم الفلسطينيين !! وجاءوا مع الغزوة الصهيونية لفلسطين .
ويتحسر كورييل على أن الانجليز (( لم يكونوا يرحبون باشتراك الفلسطينيين (أي اليهود..ا.ف) في المعارك الحربية حتى لا يكتسبوا الخبرة العسكرية وعدد قليل فقط منهم يتميز بالجرأة الشديدة كان يكلف بأشد المهام خطورة وغالبا ما تكون مهاما انتحارية (صـ94) ويقول محمد حسنين هيكل-- ملفات السويسصـ103-- أن هذا الفيلق اليهودى هو النواة الاساسية للجيش الاسرائيلي فيما بعد.
وللفيلق اليهودى أشكال سابقة وتاريخ سابق . فمنذ الحرب العالمية الاولى أقام المستوطنون الصهاينة قوة يهودية مسلحة تساعد بريطانيا لكي تبقي هذه القوات تحت تصرف الصهاينة بعد الحرب . وكانت الكتائب اليهودية تشترك في الحرب العالمية الاولي وتساند البريطانيين في احتلال فلسطين من أيدى الاتراك ومنذ ذلك الوقت تشكلت نواة الفيلق اليهودى .
(صبرى جريس. تاريخ الصهيونية . الجزء الثانى 1918-1939 صـ82).
وفي سنة 1919 وصلت القوة اليهودية الى خمسة الاف جندى وقد تخرج معظم زعماء الكيان الصهيوني من هذه القوات (ص،84) . ومنذ البداية كان الفلاح العربى يشاهد المستوطن اليهودى الذى يغتصب ارضة ويقتلعه منها يرتدى الزي العسكرى الانجليزي ويقاتل الى جانب القوات الامبريالية البريطانية .
وبالاضافة الى ذلك شكلت الهستدروت فصائل صدامية مسلحة لطرد العمال العرب من أماكن عملهم فى المؤسسات والمستوطنات اليهودية وفرض سياسة احتلال العمل بالقوة . وقد كانت نشرة الاممية النقابية الحمراء (1932- العدد التاسع بالفرنسية) . تسمى هذه الفصائل فصائل صدام فاشية ... وقد دعا الحزب الشيوعي الفلسطيني الى حرب عصابات وكفاح مسلح لمواجهة ذلك ولتدمير القاعدة الاقتصادية التى يستند اليها الغزاة الصهاينة . وكان العمل المسلح سياسة مبدئية لجعل استمرار الاستيطان الصهيونى امرا مستحيلا (المراسلات الصحفية الاممية 4 يولية 1936 –د. ماهر الشريف مصدر سابق صـ93).
وعند نشوب الحرب العالمية الثانية التحق ما يصل الى 30 ألف يهودى من أفراد الاستيطان الصهيوني في فلسطين بالوحدات العسكرية البريطانية. ولم تمانع حكومة مصر طوال مدة الحرب في أن تكون مصر مركزا لتدريب فيلق يهودى يشترك مع الحلفاء في معارك الصحراء في أواخر 1942 ،وطوال 1943(محمد حسنين هيكل مصدر سابق صـ103) ، وكان للفيلق اليهودي دور في دخول الحلفاء وبينهم فرنسا ((الحرة)) الى سوريا ولبنان سنة 1941 (صـ300).
وقد سبق ان ذكرنا ان الاتجاه السياسي للشيوعيين الفلسطينيين منذ المؤتمر السابع للكومنترن (مؤتمر الجبهة المتحدة الواسعة ضد الفاشية ) كان يرفض رفضا قاطعا التحالف مع الصهاينة وأتباعهم والمضللين بهم تحت زعم محاربة الفاشية وذلك على النقيض من اتجاه كورييل الذى كان يتعاون مع الفيلق اليهودي في مصر وراء مزاعم النشاط ضد الفاشية .
ونقفز سنوات لنصل الى قرار التقسيم وما نجم عنه من نتائج،ولم يكن كورييل في حاجة الى التستر وراء تأييد الاتحاد السوفييتى للتقسيم ،فقد كان له موقفه الاصيل الذى لا يتشابه مع موقف الاتحاد السوفييتى الا ظاهريا،ولكنه ظل مع ذلك يختبئ وراء الموقف السوفييتى .
• كفاح كورييل من أجل التقسيم .. سلسلة أكاذيب
ويدعى كورييل فى أوراقه أكداسا من الأكاذيب... انه يزعم أن الحملة الصحفية الدعائية التى قامت بها جماعته للتقسيم أثارت الرجعية التى وضعت قنبلة بالجريدة،كما أثارت البوليس الذى يعتبر منظمة كورييل العدو الرئيسي القادر على تهديد الجيش المصري من الخلف (أوراق كورييل صـ153).
ومن المعروف كما يقول جيل بيرو نفسه الذي لا يخفى تعاطفه مع كورييل ومع وجود اسرائيل ان القوى الصهيونية واتباعها كانوا يفجرون القنابل ويعتدون على اليهود لتهجيرهم ولكي ينسبوا الانفجارات الى ((التعصب الاسلامي)) (صـ205-206 من الاصل الفرنسي -202-203 ترجمة كميل داغر) .
• مظاهرة كورييل على لسان تلميذه
أما عن قوة تنظيم كورييل في تاريخ محدد بدقة،وهو 21 فبراير من عام 1948،فان كورييل يدعى فى أوراقه (صـ153)أن منظمته حركت مظاهرة شعبية ناجحة فى أحياء الجامعة والازهر المكتظة بالسكان في هذا اليوم لتأييد مشروع تقسيم فلسطين،كما يدعى أن البوليس وجد صعوبة كبيرة في تفريق المتظاهرين ولم ينجح في هذا الا بعد القبض على بعض السيدات في الحركة .
ولكي تظهر الحقيقة من اختلاف كورييل وتلميذه الذى لم يكن قد اطلع بعد على أوراق الاستاذ أو لم يستطيع قراءتها أو فهمها نورد وصف رفعت السعيد لهذه الحادثة ولن يذكر شيئا طبعاً عن تأييد المظاهرة للتقسيم- ولكنه يقول بالحرف الواحد ((دعت حدتو الى مظاهرة في 21 فبراير 1948 لم يحضرها سوى 60 شخصا كلهم من اعضاء التنظيم ))(تاريخ الحركة الشيوعية المصرية .المجلد الثالث صـ285).
ستون شخصا كلهم من أعضاء التنظيم ،أي لم ينضم مواطن واحد من الجماهير المصرية!! الى مظاهرة كورييل الخيالية. وهذا هو التنظيم الذي يزعم كورييل في معرض الدعاية الكاذبة أنه ((قادر على تهديد الجيش من الخلف!!)) . ويقول رفعت السعيد قبل العبارة السابقة عن مظاهرة 21 فبراير 1948((..ان حدتو كانت تموج بالغضب والحيرة والعجز عن مجابهة متطلبات المرحلة .. والقيادة تعاني من تناقضات بغير حل ، ومن تمايز فعلي في المواقف ،بينما تسود حالة من الجزر(عكس المد الثوري ا.ف)تفقد الاعضاء قدراتهم على الحركة وسط الجماهير )) .
ولم تكن التناقضات في صفوف القيادة وانفجار هذه التناقضات بالامر البعيد عن القضية الفلسطينية . وقد سبق ان ذكرنا مواقف كورييل من الرابطة الاسرائيلية لمكافحة الصهيونية،ووقوفه ضدها لانعزالها المزعوم عن الشباب اليهودي، وتلويحه المستمر بتهمة معاداة السامية في وجه كل من يناضل ضد الصهيونية،واعتباره التجمع الاستيطانى اليهودي المغتصب لارض فلسطين مجتمعاً يغلب عليه طابع الشعب العامل، واعتباره النضال من اجل القضية الفلسطينية وضد الصهيونية حرفا للانظارعن العدو الحقيقي : الاستعمار البريطاني الرابض على ضفتي قناة السويس .
• دافيد ناحوم ممثل عمال مصر
ومما يثير العجب ان كورييل كان قد وقع اختياره على ((دافيد ناحوم)) (!!) ليمثل عمال مصر – كل عمال مصر- في المؤتمر التأسيسي للاتحاد العالمي للنقابات (سبتمبر-اكتوبر 1945)بباريس (تاريخ الطبقة العاملة المصرية ، لامين عز الدين صـ734-735) دعك من ان دافيد ناحوم كان انتسابه للعمال شكليا وكان من رواد نادى الجزيرة الارستقراطي (حيث يقوم بالاتصال بين كورييل والسيدة ديدار روسانو التي تمارس التنس والاسكواش وركوب الخيل في نادى الجزيرة مع زوجها الضابط المصرى من ناحية ، وبين بعض الضباط الاحرار فيما بعد(جيل بيرو مصد سابق صـ184 بالفرنسية -182-183 بالعربية) . ان ممثل الطبقة العاملة المصرية الذي حاول كورييل فرضه فرضا بورجوازي يهودي مثقف كان من ((اساتذة))مدرسة ((الكادر)) الاولى فى عزبة آل كورييل , وانتهى به المطاف واحدا من رجال الاعمال الناجحين فى ميلانو في صناعة التعدين.
(جيل بيرو.الأصل الفرنسي صـ274 الترجمة العربية صـ268)
وبالمناسبة يجب ان نذكر ان ((مجموعة روما)) كما تسمى عشيرة كورييل من اليهود الذين كانوا في مصر أصبح معظم افراداها المقيمين في باريس من رجال الاعمال وعلى سبيل المثال:ريمون آجيون تاجر لوحات ،الفرد كوهين وريمون اسطمبولي من أصحاب شركات النسيج المزدهرة .يوسف حزان شريك في استثمار رأسمالي للنشر . وتاجر في منتجات فنون الرسم،كان هنرى يحرضهم على النجاح التجاري قائلاً (( اربحوا اكبر قدر ممكن من المال لكي تستفيد منه الانشطة النضالية (الاصل الفرنسى صـ274–الترجمة صـ268) أي كونوا رأسماليين أوروبيين من أجل نضال الطبقة العاملة المصرية !!
شهدي عطية يقاتل كورييل
من أجل قضية فلسطين
وهل كان انفجار قيادة حدتو الى شظايا فى نفس عام تأسيس اسرائيل من قبيل المصادفات ؟
يقول محمد سيد أحمد الذي شارك في النضال ضد كورييل مع الشهيد شهدي عطية الشافعي اثناء هذا العام : ان أزمة حدتو عام 1948 قد فسخت اتفاقا غير معلن ارادت القيادات اليهودية فرضه على الكوادار من المثقفين المصريين الذين تم تجنيدهم خلال مرحلة ازدهار الحركة الوطنية عامي1946 - 1947عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة، وهو عرض ضمني يمكن تلخيصه في الاتي:سوف نمتنع نحن (اليهود ا.ف) عن أن نكون صهاينة ونطالبكم في المقابل الا تكونوا قوميين عربا معادين لاسرائيل ،ولنلتق على أرضية الهوية المصرية )) .ويضيف محمد سيد أحمد: ((عرض في الواقع لم يختلف في جوهره كثيرا عما فعله انور السادات بعد ذلك بثلاثين عاما بتوقيعه اتفاقات كامب ديفيد..فقد قبل التضحية بموقف مصر القومى من منطلق الالتزام بالهوية المصرية فقط ، مقابل اتفاق سلام غير متكافئ مع اسرائيل،مضمونه الحقيقي افساح المجال أمام اسرائيل كي تحقق أهدافها الصهيونية التوسعية ولكن بغير طرق العدوان السافر )) (مجلة الهلال القاهرية –يونية 1988).
ولدي كورييل وبطانته تفسير طريف للانقسام في عام 1948،فالرجعية في زعم كورييل بدأت هجومها مع التصويت على القرار بتقسيم فلسطين ، والاعداد للحرب (( وليس من قبيل الصدفة ان انشقاق سليمان (شهدي عطيه) حدث في فبراير سنة 1948 وأن الهجوم الشامل بدأ مع الاحكام العرفية في 15 مايو 1948 .
... انه انشقاق انهزامي مستتر وراء الخطب الرنانة عن انحراف [الخط السياسي] (اوراق كورييل صـ201).
وكالمعتاد يصور كورييل وأتباعه من الكائنات اللزجة التي تحيا في الشقوق المريحة أبطال النضال الوطنى بأنهم هاربون من النضال . ويردد رفعت السعيد بطريقة الببغاء افتراءات كورييل لكي يطمس المعالم الحقيقية للصراع السياسي ضد خط كورييل في القضية الفلسطينية خاصة وقضية التحرر الوطنى العربي عامة .
• رفعت السعيد والرواية الخيالية غير التاريخية .
ويجب ان نشير هنا الى أن رفعت السعيد في محضر المناقشة مع هنري كورييل (المجلد الثالث صـ603) يضع على لسان كورييل ما لا يتفق مع آراء كورييل الواردة في ((أوراقة)) ولا مع الحقيقة ((فالمؤرخ)) يضع على لسان كورييل: ((كنا قد أسسنا الرابطة الاسرائيلية لمكافحة الصهيونية وتعرضت هذه الرابطة الى هجوم مزدوج من الصهيونية ومن الحكومة المصرية التي كانت تتستر على الصهيونية )) .أما كورييل نفسه فيقول عن الرابطة ((هى الرابطة التي شكلتها ايسكرا بالرغم من معارضة (( الحركة الصرية )) تنظيم كورييل ا.ف) العنيفة لها ، وكان تأسيس هذه الرابطة في هذه المرحلة من الحياة السياسية المصرية ومن تطور المسألة الفلسطينية خطأ خطيرا (أوراق كورييل صـ169).كما يدعى رفعت السعيد أن كورييل قال عن قرار التقسيم أنه لم يفهمه أو مبرراته وأنه تردد في تأييده (صـ644)وأنه قبله على أساس أنه الحل الوحيد المتاح ، وليس عل أساس أنه أفضل الحلول (صـ645)،على حين لا تترك أوراق كورييل وأنشطته اللاحقة مجالا لتردد في قبول القرار أو وجود مطعن فيه ، انه يتحدث عن تأييد قرار التقسيم فور اعلانه (أوراق كورييل صـ174) وعن عدم ظهور خلاف سياسي بين أعضاء قيادته حول هذه المسألة (صـ175).
ان هواية رفعت السعيد في كتابة الحوار من خيالة هواية لا يكف عن ممارستها ، فان من يقرأ المقتطفات التي أوردها رفعت السعيد من مناقشة ((محمد سيد أحمد)) عن انقسام شهدي قد يتوهم أن المناضل المصرى يتفق مع القيادة الكوريليية في تفسير هذا الانقسام،بل ويضع على لسانه ما يشبه نفوره من ((نغمة شوفينية)) لدى بعض قادة الانقسام ((برزت في روح معادية لليهود)) على الرغم من أن رأي ((محمد سيد أحمد))الذي أوردناه سابقا على النقيض من اقتطافات رفعت السعيد الموضوعة عمدا في غير موضعها (صـ284).
ويصف رفعت السعيد:شهدي عطية وانور عبد الملك ومحمد سيد أحمد وسعد زهران وعبد المنعم الغزالي وداود عزيز، وكذلك ((الانقساميين)) الآخرين عبد الرحمن ناصر وعدلي جريس ومحمد شطا بالبورجوازية الصغيرة الهاربة من نضال يقوده كورييل وموظفيه من النكرات والامعات .
• كورييل لم يتخذ موقف السوفييت
ويجب الا نبرر خطايا كورييل بتعليقها على الموقف السوفيتي كما يفعل التروتسكيون وأنصار كورييل على السواء. ولنناقش عناصر الموقف الكورييلي . ان كورييل يزعم أن الحكومات العربية الرجعية شنت حرب فلسطين 1948 بمحض ارادتها لصرف الانظار عن الحركة الوطنية وان دولة اسرائيل كانت ضحية العدوان .
ولكن القوي الوطنية المصرية تكاد تجمع على أن الاستعمار قد ادخل الحكومات الرجعية في حرب لم تكن مستعدة لها ، وان توقيت دخول الحرب وظروفه كانت فخا أعد بعناية أدي الى توريط القوات المسلحة في معارك دون ان يكون لديها ما تحتاجه من سلاح (محمد حسنين هيكل. ملفات السويس صـ91).
أما السوفييت فيذهبون الى ان الصهاينة كانوا الطرف البادئ بخرق قرار الامم المتحدة الخاص بالتقسيم .فقد اغتصب الصهاينة السلطة التي كان ينبغي وفقا للقرار ان تتسلمها الحكومتان المؤقتتان للدولة العربية الفلسطينية والدولة اليهودية من الامم المتحدة بعد انتخاب جمعية تأسيسية ووضع دستورها وتقديم اعلان رسمي للأمم المتحدة يتضمن التزامات القرار . ولكن الصهاينة رفضوا أي التزامات ازاء الاغلبية العربية لسكان فلسطين ، ويستشهدون بقول ((بن غوريون)) فيما بعد معلقا على ما كان ((لقد كان هدف الصهيونيون الحصول على دولة لحظة جلاء القوات البريطانية بواسطة العمليات العسكرية للقوات المسلحة (الميلاد الجديد ومصير اسرائيل – نيويورك صـ 292).
لقد اعتدي الصهاينة – في رأي السوفييت – بالسلاح على حق وجود دولة عربية في فلسطين وفقا لقرار التقسيم . ويقدم الكتاب السوفييت مثالا بمذبحة ابريل 1948 فى دير ياسين ، فالقوات المسلحة الصهيونية بدأت تستولي على ما لا يدخل في حدود ((الدولة اليهودية)) وقد استعملوا القوات المسلحة في انتهاك الخطوط الموضوعة على أساس خريطة تقسيم فلسطين ، فظلوا يرفضون وضع حدود اعتمادا على التوسع المسلح والتهام الارض قبل واثناء حرب فلسطين في مايو 1948، فالعدوان الاسرائيلي يجعل اسرائيل في نظر السوفييت دولة بلا حدود . والرأي السوفييتى واضح قاطع في حرب 1948: (( هنا لا أساس لأخذ أحاديث الصهاينة حول هجوم الدول العربية على اسرائيل مأخذ الجد )) وتقول الكتابات السوفيتية ان حرب 1948 -1949 انتهت بضم اسرائيل لمجموعة كاملة من الاراضي العربية وطرد حوالي مليون عربى فلسطيني من وطنهم .(ي.ديمترييف وف.لاديكين. الطريق الى السلام . مصدر سابق صـ 32-33).
• السلاح الشيوعي للعرب عام 1948
وهناك شائعة منتشرة عن امداد تشيكوسلوفكيا للصهاينة بالسلاح في هذه الفترة .وسوء النية ماثل في اغفال ان السيطرة الشيوعية لم تتحقق في الدولة التشيكية الا في فبراير 1948. وان الشيوعيين ليسوا مسئولين الا عما يجئ بعد فبراير 1948 ويورد محمد حسنين هيكل في ملفات السويس وثيقة يرجع تاريخها الى 6 مايو 1948 تؤكد ان البعثة المصرية لشراء الاسلحة أجرت مباحثات في ((براغ)) لشراء كمية كبيرة من الاسلحة الاوتوماتيكية كما عرضت شركة تشيكية اقامة مصنع للاسلحة الصغيرة في مصر،كما عرض التشيك انشاء مصنع لاصلاح المعدات العسكرية في مصر، وقد قدمت هذه العروض من جانب شركات تشيكية فرادى بالموافقة الكاملة من الحكومة التشيكية وقد جرت هذه المفاوضات بعد الانقلاب ((الشيوعي )) مباشرة في براغ (محمد حسنين هيكل مصدر سابق صـ87-88) أي بعد فبراير 1948 مباشرة .
لقد دارت الحرب من وجهة نظر السوفييت في نطاق الصراع والتحالف بين الاستعمارين الامريكى والبريطانى ،ومن اللافت للنظر أن بريطانيا امتنعت عن التصويت على قرار التقسيم. وأنها وقفت ضد سيطرة اسرائيل على فلسطين بأكملها،واقتطعت من فلسطين بالحرب الضفة الغربية وضمتها الى ((شرق الاردن)) ،وغزة ووضعتها تحت سيطرة المملكة المصرية الواقعة تحت الاحتلال البريطانى .
(ويجب ألا ننسي على الرغم من ذلك أن بريطانيا تدخلت اثناء حرب 1948 -1949 ) تدخلا عسكريا مباشرا لصالح اسرائيل، فقد احتلت منطقة ام الرشراس (موقع ميناء ايلات الاسرائيلي فيما بعد ) لمنع وصول أي قوات عربية اليها، ثم انسحبت القوات البريطانية فجأة في فبراير 1949 وسلمتها لقوات الجيش الاسرائيلي. ويرى هيكل ان ذلك في سياق الهدف الاستعماري القديم وهو اغلاق كل سبيل للاتصال البري بين مصر وبقية الدول العربية في المشرق (مصدر سابق صـ95) . وقد سبقت الاشارة الى ان الشيوعيين العرب كانوا أول من أشار الى هذا الهدف الاستعماري للوطن القومي اليهودي في فلسطين .
وعلى الرغم من اعتراف الاتحاد السوفييتي باسرائيل اعترافا سريعا (وتلك مسألة عملية مفتوحة للمناقشة من حيث الخطأ والصواب ، ولا تلزم الشيوعيين العرب باتخاذ موقف مماثل ، ولم نسمع أن حزبا شيوعيا عربيا واحدا ، دعا الى الاعتراف باسرائيل تضامنا مع الموقف السوفييتي). الا ان السياسة السوفيتية كانت تعتبر اسرائيل دائما بؤرة للعداون والتوسع وكانت تناصر المواقف العربية المناهضة للعدوان الاسرائيلي .
أما كورييل فقد نظر الى التقسيم من الناحية العكسية فالاتحاد السوفييتي كان واضحا في رفضه للهجرة اليهودية الى اسرئيل ، وطالب بايقافها ،حتى لا تتحول الاقلية اليهودية الى اغلبية،تواصل ما بدأته من اغتصاب وتوسع على حساب العرب الفلسطينيين ودولتهم التي ظل الاتحاد السوفييتي يدافع عن حقها في الوجود. ولم نسمع عن كورييل شيئا عن تأييده لوقف الهجرة اليهودية،بل على العكس كان يلجا الى حيلته البالية،وهى القول بأن الحديث عن وقف الهجرة اليهودية يحرف الانظارعن الاستعمار وهوالعدو الرئيسي . وكان بعض الكورييلين وما يزالون يتغنون بدولة ثنائية القومية في فلسطين أو بدولتين، وقد راوغوا قديما في تحديد الاغلبية والاقلية فى هذه الثنائية،حينما كان العرب ما يزالون أغلبية ورفضوا الوقوف ضد الهجرة التي تدعهما الحركة الصهيونية لتحقيق أغلية يهودية حتي لا يكونوا ((عنصريين)) ولكن صوت كورييل كان خافتا لا يسمع في الدعوة الى دولة فلسطينية، عاليا شديد الضجيج في الدفاع عن حق اسرائيل في الوجود .
وكان الموقف السوفييتي يعتبر العصابات الصهيونية المسلحة هي مصدر العدوان قبل حرب 1948 واثناءها وبعدها،وانها البادئة بالحرب والمستفيدة منها،أما كورييل فيتحدث عن الحرب غير العادلة ضد دولة اسرائيل (أوراق كورييل صـ182)
لقد كان يتحدث عن حرب تعد لها الامبريالية والرجعية ولا يذكر كلمة واحدة عن الصهيونية (صـ171).ويأسف كورييل لان حركته عاجزة عن تطبيق الخط السياسي الصحيح. وينفث كورييل قائلا عن هذا الخط السياسي الصحيح انه (تحويل الحرب الامبريالية الظالمة(ضد اسرائيل) الى حرب عادلة ضد الامبريالية والرجعية (العربية ..ا.ف) (ص 182).
ولابد ان يشعر الانسان بمدى وقاحة هذا الخط الكورييلي ((الصحيح)) ،فالمسألة الثورية العاجلة أيامها كانت كيف تواجه القوي الوطنية العربية العدوان الصهيوني الاستعماري المسلح لتصفية وجود الشعب الفلسطيني وبناء قاعدة عسكرية أمامية للاستعمار الامريكي تقوم بأكفأ الطرق بدور كل قوات الاحتلال البريطاني مجتمعة بالاضافة الى أدوار اخرى نعرفها جميعا الان .
أما الشارع المصرى فكان متعاطفا كل التعاطف مع تشكيل كتائب متطوعين وطنية مستقلة عن سيطرة القوى الرجعية الحاكمة ولا يطعن في صواب هذا الاتجاه السياسي (أي اتجاه المواجهة الشعبية المسلحة للقاعدة العسكرية البريطانية الصهيونية) أن الاخوان المسلمين قفزوا عليه وأفرغوه من مضمونه الثوري وحولوه الى ورقة في لعبة المناورة بينهم وبين الرجعية العربية الحاكمة .
وكانت صيحات أتباع كورييل بابراز تناقض رئيسي لا يقبل الحل بين اجلاء القوات البريطانية عن قناة السويس وبين معركة مسلحة ضد الصهيونية أمرا يدعو للعجب .
• انصار كورييل طليعة التطبيع مع اسرائيل
لقد كانوا ينشرون الاوهام عن حل سلمي في متناول اليدين على أساس قبول مشروع التقسيم،متغافلين عن الطبيعة العدوانية التوسعية للصهيونية. وكان الحديث عن الاستعمار البريطاني في هذه اللحظات واغفال الثكنة العسكرية للامبريالية الامريكية في فلسطين (الصهيونية) والتقليل من خطورتها الراهنة والمقبلة خطا سياسيا فادحا.
وكان هذا الموقف يضع الهوية المصرية للمسألة الوطنية موضع التناقض الحاد مع المقتضيات الموضوعية لحركة التحرر العربية، ولا يكاد يدرك وحدة الجبهة الاستعمارية بقيادة الامبريالية الامريكية رغم كل الاختلافات والمنازعات. وهل يجب ان نؤكد أن موقف أشد الدوائر رجعية في البورجوازية المصرية (صدقي باشا مثلا) تمثل في أن القضية الفلسطينية ((لا ناقة لنا ولا جمل)) وأن محاولة غسيل اليدين من هذه القضية ظلت لديهم لازمة تتردد فى السر احيانا وفي العلن حينا حتى اعلنها السادات في خاتمة المطاف عاصفة مدوية .
ونكرر هنا أن الشيوعيين المصريين داخل حدتو رفضوا خط كورييل من القضية الفلسطينية ولم يقبلوه حتى من وجهة نظر الوطنية المصرية- محمد سيد أحمد.مصدر سابق صـ25)،وبلغ التعارض بين الشيوعيين المصريين وبين المتمصرين اليهود حدا لا يحتمل التوفيق وكان انفجار حدتو (نفس المصدر).
وهل كان من المصادفة ان السادات – وكانت مسألته الرئيسية الصلح مع اسرائيل– عند سماحه لمنبر لليسار قد عين لقيادة هذا (المنبر) بعض اتباع كورييل أو بعض المتحالفين معهم الذين واصلوا خط كورييل،خط السلام مع اسرائيل،والذين قاموا بالفعل ((بالتطبيع)) حتى قبل أن يصبح سياسة رسمية،بمساعدة كورييل و((مجموعة روما )) ؟ولنا عودة لهذه المسألة .














الفصل التاسع
شبكة التضامن
بعد مجموعة روما
قناع السلام الذى يذرف الدموع ليس القناع الوحيد لكورييل واصدقائه،انه الزي الموحد و ((عدة الشغل )) بالنسبة للمسألة الفلسطينية وحدها،ولكن كورييل في نفس الفترة مع أنصاره في شبكة التضامن كان يعلن عن المقاومة المسلحة في بقاع كثيرة من العالم باعتبارها ((استثماره التجاري)) المفضل مثل الاستثمار في العقارات عند آخرين .
ولنبدأ بدوره في الثورة الجزائرية .
جاء فى ((مذاكراتي في السياسة والثقافة )) للدكتور ثروت عكاشة انه قدم لعبد الناصر مذكرة في 22 ابريل 1961 يطلب فيها رد الجنسية المصرية لكورييل، ويذكر ثروت عكاشة ان كورييل أدي خدمات هامة لصالح الثورة الجزائرية .
ويجدر بنا أن نقتطع من ((المذكرات)) بعض المعلومات عن الدكتور عكاشة لها صلة بموضوعنا .فهو من رجال الدولة في مصر وعلى صلة وثيقة بقيادة المخابرات المصرية، وكانت القيادة السياسية توجه خطواته كما يقول : ويذكر عكاشة انه التقي بالملحق الصحفي الاسرائيلي في باريس في ديسمبر 1954 لمناقشة إمكان وقف تنفيذ الاعدام في عملاء اسرائيل الذين أدينوا في ((فضيحةلافون)) .كما تمت اتصالات اسرائيلية متعددة من خلال عكاشة في مناسبات متعددة وكلها تحت اشراف المخابرات المصرية. ويقول عكاشة في رسالته الى السادات تأييدا لرحلته الى القدس : منذ ان سمعت نبأ مبادرتك الشجاعة المذهلة..أحببت فى تجرد تام ان اصارحك بعمق صدى مبادرتك في نفسي ،ومدي ما أحسه تأييدا لهذا الموقف الحكيم )) .
ويفخر رفعت السعيد بأن الدكتور عكاشة كان يلتقي بمجموعة روما ويرد اسمه في رسائلهم على انه ((هكتور)) (الاهالي 16/3/88 صـ10)..لكي يصل من ذلك الى أغرب استنتاج وهو نفي شبهة الاتصال بين مجموعة روما والاسرائيليين!!

ونورد هنا ما يتصل بعلاقة كورييل بالثورة الجزائرية؛يقول مؤرخ كورييل((جيل بيرو)) نقلا عن زملاء كورييل في مجموعة روما وعن خاصته المقربين ما يلى: لقد رأى هنرى كورييل في حرب الجزائر فرصة لكي يرغم البلاد العربية على فك الحصار حول اسرائيل . وحاول الاتفاق مع ((يوري افنيري)) على مشروع يتسم بالجسارة السياسية (!!) وهو منح المناضلين الجزائرايين عونا اسرائيليا عسكرياً. ((فلو قدمت اسرائيل هذا العون الى المقاتلين الجزائريين فان علاقات ((صداقة وأخوة)) (!!) ستنمو بين الشعبين وسيتم قطف الثمار فيما بعد،في اعقاب النصر الحتمى لجبهة التحرير الجزائرية وستكون الجزائر الحرة قوة (عظمى) في العالم العربى،وستكون اول صديق عربى مهم لنا (اسرائيل) .وسوف تستطيع الجزائر أن تكون وسيطا بين اسرائيل ومصر )) (هذا وصف أفنيرى لمشروع كورييل الذي دافع افنيري عنه في ((هاعولام هازيه)) . (جيل بيروصـ534 بالفرنسية) .

وما أعجب ان يعجز ((أنصار السلام)) هؤلاء في اسرائيل ومعظمهم كانوا من مجموعة شتيرن أو ارغون الارهابية ان يجدوا متطوعين لتدريب الجزائريين (في حدوتة كورييل) على التخريب الكيميائي والكهربائي في معسكرات تدريبهم في تونس او يوغوسلافيا!! وحدوتة كورييل لا تتعلق بكذب المحاولة ولكن تتعلق باختلاقه الزعم بان قادة جبهة التحرير الجزائرية وافقوا على مشروعه أي على تلقي العون من اسرائيل !!
وبعد حرب السويس اشترك كورييل عام 1958 في ندوة في فلورنسا تستهدف رتق الصلات التى مزقتها حرب السويس ، واقامة حوار اسرائيلي عربي ومحاولة تسوية المشكلة الجزائرية .فالسلام بين العرب واسرائيل (كما هى بوضعها الحالي) مفتاح نضال مجموعة روما والحلقة الاساسية ((في النضال)) في الجزائر وغيرها .
• مجموعة روما وتابعوها في مصر وثلاثة ملايين جنية مصري
وقد واصلت مجموعة روما العلاقة بعدد محدود من الانصار داخل مصر على الرغم من كل قرارات فصلها وادانتها مرات ومرات .
ويقول يوسف حزان ((وزير مالية)) مجموعة روما ان عدد افراد المجموعة في الخارج يبلغ الخمسين يسهمون ماليا بنسبة عالية من دخولهم يرسلونها الى زملائهم في مصر :
ويذكر جيل بيرو عددا صغيرا من رفاقهم المصريين وثيقي الصلة بهم : شريف حتاتة ، مبارك عبده فضل، يوسف الجندي،رفعت السعيد ...الخ ويذكر ايضا أن دور اليهود كان موضوعا للنقاش الحاد والخلافات بين الجميع ولكنه لا يفسد للود قضية .
أما ما يثير الاستياء فهو ((الدعم المالي)) .ان يوسف حزان يزعم ان مجموع المبالغ التى أرسلتها مجموعة روما الى ((رفاقهم)) المصريين تصل الى مليار ونصف مليار من السنتيمات الفرنسية بقيمة العملة عام 1984 (صـ275 من الاصل الفرنسي) ولكن المترجم العربى بقدرة قادر حول عام 1984 الى عام 1948 لتهبط قيمة النقود الى الثلث او لعله خطأ مطبعي (صـ268 من الترجمة العربية). وقد انساق الدكتور رؤوف عباس بحسن نية وذكر ان المبلغ بالفرنك القديم (صـ50 من أوراق كورييل) . ويقرر رفعت السعيد ان المجموعة قدمت مساعدات مالية لاعضاء حدتو . ولكنه كعادته لا يذكر الحقيقة بأكملها،فهو يدعى ان الصلة والمساعدات كانت مع ((مجموعة حدتو)) بسجن الواحات في الاعوام الاخيرة من الخمسينيات وقبل حملة الشيوعية الكبري عام 1959،ويحاول الايحاء بضآلتها عن طريق ذكر المساعدات المالية بعد الدفاع الاعلامي وفي سياق الاغذية والادوية (تاريخ الحركة الشيوعية المصرية–1957- 1965 صـ87). تخيلوا مبلغا يقترب من الثلاثة ملايين جنية مصري فى الخمسينيات لعدد من المسجونين لا يزيدون على العشرين او الثلاثين الا قليلا ((لضمان مستوي معيشى يكفل استمرار حياة السجناء)) !!.
والحقيقة التي يشهد بها الذين عاصروا تلك الفترة ان ((رفاق حدتو)) الكثيرين لم يصلهم مليم واحد من هذه الملايين، وان المسألة انحصرت في عدد لا يتجاوز اصابع اليدين من ذوي (( المخصصات الملكية )) (والتسمية الساخرة اطلقها كوادر حدتو الشيوعيون على صبية كورييل مغتصبي القيادة بحكم السيطرة على الامكانات المادية ) ، أصحاب ((البوتيك)) الثوري والمتحكمين فى حله وتركيبه. وقد أصدر الحزب الشيوعي المصري الذي تشكل في 8 يناير 1958 من اتحاد ثلاث منظمات بينها حدتو (وظلت خارجه وحدة الشيوعيين المصريين واستمرارها الايديولوجي هو حزب العمال الشيوعي المصري وكذلك طليعة الشعب الديموقراطية ) قرارا بحل جماعة روما وفصل اعضائها من الحزب .
ويتغني رفعت السعيد بمجموعة روما ودورها الوطني الثوري وصلته الشخصية وثيقة بهم ، ولا يذكر شيئا عن موقفها المخجل من تأميم شركة القناة و....الخ فكلها شائعات باطله، وتصفية حسابات من جانب الحزبين الشيوعيين الفرنسي والايطالي،لان مجموعة روما اتخذت من حركة الجيش عام 1952 الموقف الصحيح،واخطأ شيوعيو العالم (صـ84). وقد أوردنا سباب كورييل لجمال عبد الناصر للتدليل على ان مواقف مجموعة روما سواء بالمدح أو القدح في حركة الجيش لا مبدئية بالكامل. وليست الا محاولات لعقد صفقات جديدة،أو التخلص من شركاء قدامي.(خطاب كورييل لناعومى كانيل في يونيو 1957) وما أكثر ما تغير الموقف .
ولا تقل ((النواة الضيقة)) الكورييلية داخل مصر لا مبدئية عن رفاقهم في الخارج. يقول مبارك عبده فضل معلنا عن رفضه وإدانته لأي موقف ضد مجموعة روما : (كان رفاق تنظيم الراية) يرفضون أية عناصر يهودية في قيادة الحزب (الجديد) ولعله كان تمهيدا للاصرار على حل مجموعة روما واستبعاد كورييل ، مستغلين بذلك تلك الروح الشوفينية التي انتشرت في فترة ما بعد العدوان الثلاثي )) (رفعت السعيد .المرجع السابق صـ76) . أي روح شوفينية تلك التى انطلقت. ان مبارك يردد النغمة الممجوجة لكورييل عن معاداة الشعب المصري والشيوعيين المصريين والعرب للسامية في وقت مد ثوري وطنى عارم على النطاق العربى،قامت كل الاحزاب الشيوعية العربية فيه باعادة النظر فى المسألة اليهودية والموقف من اسرائيل ، وتعمق الفهم للتغيرات التى احدثها الدور المتزايد للعدوان الصهيوني في مهام الحركة الوطنية العربية. ولم يعد احد يكرر الحلول التبسيطية المخادعة للقضية الفلسطينية. وكان موقف الشعب المصري بعد العدوان الثلاثى بعيدا كل البعد عن الشوفينية متسما بدرجة عالية من الوعى الناضج ، فلم يقع اعتداء واحد ذو طابع عنصري، ولم تظهر شعارات عنصرية على الرغم من همجية اسرائيل وولاء معظم يهود العالم العربى لها وترحيبهم بالعدوان ، وقد ظل اتباع كورييل على حالهم .

وبنفس الطريقة اليسوعية لكورييل ، طريقة ذكر جزء من الحقيقة لاخفاء الجانب الاساسي منها،والتظاهر بالموافقة على رأي الخصم للالتفاف حوله وايقاعه في الشباك،صوت اتباع كورييل جميعا على قرار حل مجموعة روما بالموافقة،وبينهم مبارك عبده فضل الذي كان ومايزال حتى الان يعتبر حل المجموعة مؤامرة شوفينية (نفس المرجع صـ83 (، ولم يكف عن تمجيدها لحظة.
• جماعة روما وجماعة ميكونس العنصرية
وهنا موضع مناقشة التحية ((الاممية)) التي قدمها كورييل للحزب الشيوعي الاسرائيلي في عام 1957 مستشهدا بخبر روتيني في جريدة الحزب الشيوعي الفرنسي بمناسبة مؤتمره الثالث عشر ورفضه (كورييل وأنصاره) لمواقف الاحزاب الشيوعية العربية في تلك الفترة .
لقد اضطر الباقون من((عصبة التحرر الوطني)) الفلسطينية في الارض التي احتلتها اسرائيل بعد 1948 الى الانضمام لما كان يسمي بالحزب الشيوعي الاسرائيلي ، وهو الحزب الذي طالما رفضوا سياساته .

وكان على رأس هذا الحزب الاسرائيلي جماعة ميكونس– سنيه التي كانت تعتبر حركة التحرر العربى بأكملها حركة رجعية لانها تعمل على ((ابادة)) دولة اسرائيل،كما كانت الجماعة تطالب بالعمل وسط الاحزاب والتنظيمات الصهيونية .
ومن المعروف جيدا ان جماعة ميكونس- سنية حاربت((جراثيم))القومية العربية وميكروباتها ودعت الشيوعيين الى محاربة شوفينية القومية العربية)) كما جاء في تقرير ((راكاح)) فيما بعد حول هذه الجماعة التي يدينها.
وكان الرأي الغالب في تلك الفترة التي يحيي فيها كورييل((أممية الحزب الشيوعي الاسرائيلي)) الزام الاعضاء العرب واليهود بالاممية البروليتارية والوطنية الاسرائيلية معاً. وكان ميكونس يذهب الى تأكيد الموقف القومي اليهودي للحزب ويعتبر العرب الموجودين فيه مجرد قوة انتخابية .
ويرجع الى هذه الجماعة التي سيطرت في هذه الفترة خزي وعار السبق في الدعوة الى مفاوضات مباشرة بين العرب واسرائيل بدون شروط مسبقة ، فالصهاينة يفرضون ((الشروط)) بالحديد والنار ويلتهمون الارض ولا يبقى للعرب من شروط الا اتاحة الفرصة من خلال مفاوضات مباشرة ابدية ((لكي تهضم اسرائيل ما قضمته)).
كما أيدت الجماعة الهجرة اليهودية الى اسرائيل . ووجه الشبه بين مجموعة روما وجماعة ميكونس-سنيه من المسألة الفلسطينية واضح .
• مجموعة روما – مجموعة الاخلاص والمخابرات المصرية
لقد صدر قرار حل مجموعة روما نهائيا ابتداء من 14 مارس 1958، ولكن العلاقات بين المجموعة وأتباعها في مصر ظلت متواصلة. وليس ذلك فحسب بل ان المجموعة صدر عنها ((رد الفعل الراقي)) لقرار الحل كما يصفه رفعت السعيد (صـ84) .بأن حلت المجموعة نفسها في جمعيتها العمومية المنعقدة في ابريل 1958 باعتبارها تنظيما للحزب الشيوعي المصري في الخارج ، ولكنها ظلت محتفظة بتنظيمها ونشاطها والتزاماتها بعد تغيير اسمها الى ((مجموعة الاخلاص)) ،((مجموعة بالخارج لاعضاء سابقين بالحزب الشيوعي المصري– ظلوا مخلصين لحزبهم)) انه حل بهلواني مسرحي،و((اخلاص)) يفرض على الشيوعيين المصريين رغم أنفهم .
ويصوغ رفعت السعيد قلائد المديح للمجموعة،فيدعي قيام علاقات بينها وبين ((ممثلين لعبد الناصر )) يذكر منهم أحمد حمروش وثروت عكاشة بالحروف الاولى . والحقيقة أن عبد الناصر لم يعترف ابدا بهذه المجموعة ولم يستطع واحد من اعضائها ان يطأ أرض مصر طوال مدة حكمه، وان العلاقات التي أجريت كانت من جانب المخابرات المصرية للوصول الى معلومات عن اسرائيل،وما يدور فيها من حيث مسائل الحرب والسلام. ويجب ان نتذكر ان حلقة كورييل ظلت زمنا طويلا تعتبر ((المخابرات)) جهازا تقدميا وتعتبر المباحث العامة (أمن الدولة فيما بعد) جهازا رجعيا (تغير ذلك فيما بعد) . وكانت تعتبر بعض ضباط المخابرات العامة دعائم للمجموعة الاشتراكية التى تبلورت فى قمة السلطة وتسير نحو الماركسية اللينينية سيرا حتميا .. وهناك الكثير من الحقائق عن علاقة بعض قادة هذه الحلقة باجهزة الامن المصرية عامة للنضال السياسي المشترك وخصوصا بعد حرب السويس . وبعد التغيرات ((التقدمية)) التى طرأت على وزارة الداخلية في لاحق الايام أصبحت أجهزة الامن تقدمية باجمعها .
وفي معرض الدفاع عن مجموعة روما لا يستطيع محاميها ان ينكر ان مواقفها من القضية الفلسطينية كانت وراء حلها. ((فهذه المجموعة قد واصلت وبلا ملل سلسلة من المواقف الخاصة ((بأزمة الشرق الاوسط )) وان كانت تبدو صحيحة نظريا (!!) الا انها كانت يصعب الدفاع عنها عمليا (صـ88..معذرة للركاكة والخطأ النحوي..والمراوغة باطلاق تسمية مخادعة على القضية الفلسطينية) .
• مغامرات كورييل مع د. عكاشة وصلاح نصر .
وبعد حل المجموعة حلا صورياً يحاول كورييل عن طريق ثروت عكاشة ان يكتسب الجنسية المصرية، ومتي ؟ في ذروة حملة عبد الناصر واجهزته المعادية للشيوعية والاتحاد السوفييتي.

ويتساءل الدكتور عبد العظيم أنيس–ودوره العظيم في النضال الشيوعي والوطني والقومي والمعادي للصهيونية مرموق معروف . في دهشة عند تعليقه الرصين على مذكرات ثروت عكاشة ،كيف توقع عكاشة في مثل هذا التوقيت (ابريل 1961) ان يوافق على طلبه برد الجنسية المصرية الى كورييل ، فقد كان هذا زمن العداء الحاد من النظام الناصرى للشيوعيين ،لا فى مصر وحدها وانما في سوريا والعراق ايضا. وكان الشيوعيون المصريون في السجون وقد مروا بتجربة تعذيب معروفة، وكانت قيادات الحزب الشيوعي السوري مطاردة داخل سوريا وخارجها، والحملة الاعلامية ضد الشيوعية على أشدها. تلك بالدقة كانت أيام مقتل شهدي عطية الشافعى وفريد حداد واختفاء محمد عثمان في طنطا وفرج الله الحلو في لبنان )) .
وينسب الدكتور أنيس ذلك الى رومانسية ثروت عكاشة (الاهالي 11/5/1988 الصفحة العاشرة). وربما كان عكاشة رومانسيا وهو لا يخفى علاقته الوثيقة بصلاح نصر وجهازه ولكن المسألة شديدة الواقعية هي انه لم يتوسط لكورييل من اجل شيوعيته،ولكن لأن الدكتور ثروت عكاشة رأى في كورييل عونا لانه على وجه التحديد (( لم يكن فى أفكاره النافعة من حيث سياسة مصر الدولية مؤيدا للاتحاد السوفييتي على نحو متصل متماسك ، ولم يكن عميلا لموسكو كما أتهموه عندكم ((في فرنسا)) (جيل بيرو صـ271 بالفرنسية 265 بالعربية).
والحقيقة ان كورييل كان بعيدا جدا عن الرومانسية في محاولته،ففي هذه الفترة بالتحديد كانت زمرة كورييل في مصر داخل السجون (أعنى عددا محدودا من أتباعه،ولا أعنى كوادر حدتو على الاطلاق) تنتهج خط ((التمايز)) عن الشيوعيين المصريين والعرب واظهار الولاء المطلق لعبد الناصر . وكانت صيحتهم ((عبد الناصر أقرب الينا من التكتل اليساري )) وكانوا يرفضون الحياة المشتركة مع بقية الشيوعيين فى المسكن والمأكل،بل لقد رفضوا المشاركة في لعب كرة السلة مع ((اليساريين)) فهم ((أخلص المخلصين)) للرئيس ، وقد شنوا حربا لا مبدئية ضد الاحزاب الشيوعية العربية (باستثناء الحزب السودانى )) ،فقد وقع في وهمهم أن اجهزة عبد الناصر ستعاملهم بطريقة متمايزة، وتعقد معهم تحالفا سياسيا ضد الشيوعيين المصريين والعرب،وظلوا يطاردون هذا السراب حتى حل تنظيمهم. وفي هذا الاطار يمكن فهم محاولة كورييل مع عكاشة لرد الجنسية المصرية اليه .
• خالد محيي الدين ومزاعم مجموعة روما وشبكة التضامن الكورييلية
ويلاحظ الجميع أن رفعت السعيد عند ((تأريخه)) لحل المجموعة وللعلاقات بينها وبين ((ممثلي عبد الناصر )) أغفل عامدا متعمدا اسما شهيرا هو خالد محي الدين .
ويذكر جيل بيرو الصلة المستمرة بين كورييل والسيدة ديدار روسانو من جانب وخالد محيي الدين من جانب اخر،(صـ 268 بالفرنسية. 268 بالعربية ). وأن كورييل عقد لقاءات بين خالد وعدد من الاسرائيليين (صـ537 بالفرنسية) ويزعم جيل بيرو ايضا ان خالد محيى الدين جاء الى باريس بموافقة جمال عبد الناصر ليلتقى بشخصيات اسرائيلية عن طريق كورييل (صـ537 بالفرنسية) ولعقد مؤتمر سلام .
ويأسف أنصار كورييل للمطلب الذي قدمه بعض العرب، مشترطين ان يكون الوفد الاسرائيلي مكونا من شخصيات جميعها معادية للصهيونية ، فذلك محاولة لحل المشكلة بالغاء وجودها ، فما فائدة وفد اسرائيلي مشكل من أعضاء حزب ((راكاح)) الشيوعي مثلا وأغلبيته العظمى من العرب في اسرئيل ؟ إنه لن يمثل الا نفسه فالحوار اذن ليس مع اليسار الاسرائيلي الذي يشاطر العرب الاحزان،ولم ينعقد المؤتمر الذي كان مقدرا له الانعقاد عام 1971 الا في 11 مايو 1973 في بولونيا بايطاليا. ولاول مرة في التاريخ كان يجب ان يجتمع في نفس القاعة وفد فلسطيني وممثلون اسرائيليون ، ولكن القنابل الاسرائيلية انهالت على مطار بيروت فلم يحضر الوفد الفلسطيني المزعوم . أما خالد محيي الدين –في زعم المؤلف– ومعه أصدقاؤه التقدميون فكانوا تحت رقابة رسمية مصرية مشددة في هذا المؤتمر، الذي لعب كورييل دورا كبيرا في التحضير له وان لم يحضره . مؤتمر يجمع أنصار السلام العرب والاسرائيليين . وهل تعني الرقابة ان خالد محيي الدين كان اكثر ميلا للتطبيع مع اسرائيل من الحكومة المصرية أيامها ؟
• رفعت السعيد والسبق الى التطبيع
وبعد ذلك حدث اجتماع تحضيرى للقاء سلام عربي اسرائيلي فى اثينا في مايو 1976 بين يوسف حزان وزير مالية مجموعة، ((الاخلاص)) روما ورفعت السعيد وممثل فلسطيني (مجهول الاسم) وتم تبنى مبدأ لقاء اسرائيلي فلسطيني تحت رعاية مجلس الكنائس العالمى،لكي ينعقد في باريس في المدة من 30 يوليه 1976 الى أول أغسطس. ويزعم أنصار كورييل انهم ومعهم كورييل فوجئوا بممثل منظمة التحرير الفلسطينية الدكتور عصام السرطاوي يقول (( هذا اللقاء لن يتحقق..نحن لم نعط موافقتنا أبدا عليه )).
وولد مؤتمر رفعت السعيد ميتا (جيل بيرو–صـ542 بالفرنسية) . وللعلم مجلس الكنائس العالمى من الجهات التى حصلت على مساعدات ضخمة من وكالة المخابرات الامريكية للصراع ضد الالحاد الشيوعي ( هيكل .خريف الغضب صـ342) .
ويجب أن نعرف ان رجال السلام في اسرائيل الذين يلتقي بهم كورييل ويقدمهم الى أصدقائه المصريين ليس معظمهم يساريا، وعلى سبيل المثال.ان أ . أفنيري عضو الارغون بطل حرب 1948(!!) اكد ان اسرائيل في حرب 1967 التى تدل الظواهر على أنها معتدية كانت في الحقيقة فى حالة دفاع شرعي عن النفس (!!) .
والجنرال بيليد الذي كان من أنصار بدء العمليات العسكرية ضد مصر في 1967 لا للدفاع عن وجود اسرائيل،بل لاقناع الطرف العربي بقوة الردع الاسرائيلي وهو يفسر العدوان الاسرائيلي عام 1967 على النحو الاتي : كان سبب الحرب محاولة الاتحاد السوفييتي تغيير الوضع الراهن في المنطقة بأن تحل تسوية شوفينية محل التسوية الامريكية القائمة منذ 1957،(شؤون فلسطينية ..سبتمبر 1972.د. أسعد رزوق.عدوان حزيران وخرافة الابادة صـ17)
ان خالد محيي الدين مطالب أمام تاريخه النضالي بأن يرد على مزاعم الكورييليين أو بأن يتبناها.
ولقد اطلنا الحديث عن ((السلام)) مع اسرائيل والحوار واللقاء مع ممثلين اسرئيليين لنضع مقابلها قناعا اخر لحلقة كورييل.
• منظمة التضامن الكوريلية..الكفاح المسلح يوصفه مشروعا تجاريا
فيما بين 1962-1972 أنشا كورييل ومعه بعض أعضاء مجموعة روما أو مجموعة الاخلاص منظمة التضامن بتمويل جزائري،من الرئيس بن بيللا شخصيا (جيل بيروصـ365 بالفرنسية). وكانت توجه نشاطها نحو النقاط الساخنة في العالم وتتصل بحركات التحرر الوطنى في افريقيا وامريكا الجنوبية واسيا والجنوبية الشرقية).وبدأ النضال المسلح بحرب الجزائر . ولم يكن هذا الاستثمار، الا مجزيا، فلقد نال يوسف حزان تكليف طباعة الكتب المدرسية بالملايين،وعمل كورييل على تدبير أمر شركة التعدين والمعادن، وقد قال كورييل ((يجب ان ندافع عن المواقع الفرنسية فى الجزائر فاذا سلبت سيأخذ الامريكيون المكان (صـ374 ) وبعد ((النضال)) في الجزائر اتسعت الشبكة وامتدت الى نحو اربعين حركة تحرر مسلحة عام 1966،وكانت تقدم الاسلحة والمفرقعات وخبرات وأدوات الكتابة السرية والاتصالات ولوازم حرب العصابات والخرائط وأعمال الشفرة والعناية الطبية وخلافة (صـ392) .
ولم تكن التضامن مكانا للحوار أو المناقشات السياسية او النظرية،بل كانت تشبه محلا للقمصان يدخله الناس ليختاروا ما يريدون وما يستطيعون شراءه (صـ396) من اسلحة وأدوات تنكر وأوراق مزورة،وربما شبكة التضامن في رأي البعض مماثلة لتنظيم كورييل في مصر حلقات متحدة المركز وفي المركز الحلقة الاولى من الواصلين:تتألف من هنري كورييل وخلصائه الذين يعرفون كل الاسرار ولماذا وكيف تدار الاشياء على هذا النحو أو ذاك أما الحلقة الثانية فلا توزع عليهم حقائق العمل،الا على جرعات محسوبة بعناية ، وفي الخارج دائرة ثالثة مكونة من قطيع غفير من ((المناضلين )) يقودهم الخلصاء من أطراف أنوفهم،وكما يفعل أنصاره في مصر يعقدون مؤتمرا شكليا يحدد ((القيادة)) نسبة وطريقة التمثيل ،ويكاد أن يكون معينا و((يختار))المؤتمر لجنة قيادية تختار أمانة عامة أو سكرتارية ضيقة ، وكانت التضامن التي تقوم بالاتصال بحركات ((الكفاح المسلح في العالم بيتا من الزجاج، كعادة كورييل وأنصاره كل شيء فيه شفاف للعدو والصديق (صـ421) ويجب ان نذكر ان ديدار روسانو من فرسان التضامن .
• الحزب الشيوعي الكوبي : التضامن عميلة للامبريالية
• حكومة الاتحاد السوفييتي: كورييل عميل للموساد
ونتيجة((لنضال كورييل المسلح)) في امريكا اللاتينية ، وتقديمة للشيوعيين الكوبيين معلومات كاذبة واسماء وهمية في المعركة،أعلنت الأجهزة الشيوعية في كوبا (الادارة العامة للاستعلامات)) ان التضامن من أول أهداف ملاحقتها ومحاربتها،وان كورييل عميل للمخابرات الفرنسية(جيل بيروصـ475 بالفرنسية) ويوصل للأجهزة البوليسية في امريكا اللاتينية كل اسرار الاوراق المزورة التي زود بها المناضلين المسلحين(صـ 474) .
ولم يكتف كورييل بذلك،بل حاول اقامة ((علاقات)) مع الاتحاد السوفيتي يعرض عليهم ((خدماته)) ،فقد أوعز الى مسئول تزوير الجوازات والاوراق في التضامن وهو يهودي بولندي،أن يكتب خطابا له شهره الفضيحة الى موسكو وصعد كورييل خبير التزوير بعدها الى اللجنة القيادية. وكان الخطاب حافلا بالولاء الرخيص لعملاء لا بحديث رفاق نضال بتاريخ اكتوبر 1972.ولو اكتشف امر هذا الخطاب بعد شهور من بداية اتحاد اليسار الفرنسي لحط من قدر الشيوعيين جميعا . ولم يرد السوفييت على الخطاب المصيدة .
أما الرد اللطمة فقد جاء فى مقال الرفيق إفيسييف lvisiev ووزعته وكالة نوفوستي السوفيتية الرسمية في 7 ابريل 1981 بعد ثلاث سنوات من اغتيال كورييل .

((من هو كورييل؟ انه تاجر كبير يهودى ازدهر فى عهد فاروق.....وبعد ثورة يوليه 1952 والاطاحة بالنظام الملكي هرب كورييل من مصر خشية أن يسجن بسبب انشطته الصهيونية والمعادية لمصر. وقد قدم نفسه فيما بعد باعتباره حليفا للنضال التحريري في افريقيا ، واندمج في الاوساط المعنية. وقد عرفت المعلومات التى جمعها طريقها الى اجهزة المخابرات السرية الاسرائيلية ، والى قسم الاستخبارات في المنظمة الصهيونية العالمية ، التى علقت منذ البداية أعظم أهمية على الشؤون الافريقية )).
دعك من عدم الدقة في توقيت خروج كورييل من مصر ، فلم يسمح له رجال عبد الناصر بدخول مصر على أيه حال بسبب هذا الاتهام بالتحديد. وليس من الضروري ان نوافق وكالة نوفوستي على رأيها . ولكن ما أعجب ان يكون بعض المنتفعين من كورييل من أشد الناس محاولة للانتفاع من السوفييت . وأن يكون انصار السلام مع اسرائيل بطريقته من انصار تأييد المقاومة الفلسطينية المسلحة بالكلام .
وقد أعلن الحزب الشيوعي الفرنسي عن فصل أي عضو يتصل ((بالتضامن)) شبكة كورييل لمساعدة النضال المسلح في كل مكان ولادانة الكفاح المسلح الفلسطيني وبيع أوهام السلام .
ونكرر ان ما سبق ليس الغرض منه اعتبار اتباع كورييل من الصهاينة ، فهم ليسوا كذلك لانهم وهو معهم ادانوا التوسع الاسرائيلي 1956،1967 ولا يقولون بحل المسألة اليهودية بهجرة يهود العالم الى اسرائيل . ولكن هذه الحلقة تسير على خط شديد الضرر بالنضال الفلسطيني وينتمي الى الاشتراكية الديموقراطية الاوروبية . ولا بد من ادانة خط هذه المجموعة وتصفية افكارها واساليب عملها،لانها شديدة الضرر،ولابد من الدفاع عن شرف جميع اليساريين المصريين ونبذ الخط الكورييلي الذي تحاول الرجعية ويحاول كل اعداء الشيوعية الصاقة باليسار المصري .



الفصل العاشر
الحوار مع اليسار
الاسرائيلي فى مصر
الحوار مع "الأولاد الطيبين" في اسرائيل قضية مثارة في القاهرة عند السلطة والمعارضة عموما ، والمعارضة "اليسارية " الرسمية على وجه الخصوص . وكان السادات يصرح بلواعج هواه وغرامه برجل السلام "عزرا وايزمان" حينما كان الاخير وزيرا للحرب فى اسرائيل، وعلى رأس قوات الاحتلال للأراضي العربية ، بما فيها سيناء. وبعد زمن قصير أعلنت الاستعراضات الرسمية الموسيقية للسياسة الرسمية سقوط "الحاجز النفسى "بين المصريين والاسرائيليين جميعاً ، وأصبح كل الصهاينة "أولاداً طيبين" يؤمنون بالله وبالبيت الذي في واشنطن مباركا من كل عنصريي ورجعيي العالم وأشقائهم في البلاد العربية .

أما المعارضة المصرية بكل اتجاهاتها فهى تعرف أن أي مكسب من "التطبيع"مع اسرائيل لن يكون من نصيبها ،بل من نصيب السباقين الاولين الذين ذهبوا بعيداً جداً فى هذا المضمار ،إلى مدى لن يستطيع احد منافستهم فيه. هذا من ناحية حسابات المكسب ، أما من ناحية الموقف السياسي ، فان اشد القوي يمينية في مصر ،حتي بين عشاق أمريكا المدمنين ، لايجدون سببا لأن يربطوا بين ولائهم لامريكا وولائهم لاسرائيل، ربطا لابد أن يعود عليهم بالخسارة، ويفضلون أن يمارسوا المعارضة على أرض معادية للصهيونية ولو من الناحية اللفظية ،فالحقيقة الصلبة شديدة الصلابة التى لا ينكرها معظم الناس هى أن الشعب المصري يرفض التطبيع مع اسرائيل ، ويرفض الذين يتورطون في هذا الشئ البغيض . ولن نعدم بين أنصار الحكومة من يقول إن هذا ارث بغيض من أيام السادات ، علينا أن نزيحة عن ظهورنا تدريجيا،حرصا على "العلاقات الدولية ".

ولدى المعارضة الدينية أسبابها الواضحة لرفض التطبيع العلني – وذلك ليس موضوعنا الذي نناقشه الآن . فموضوعنا قد فجرته عناصر وطنية تنتمي إلى"الناصرية"في مجلة الموقف العربي القاهرية ابتداء من أواخر عام 1987 ومازالت تتابعه حتى اليوم فى اكثر من مكان وخاصة فى"صوت العرب "القاهرية .
• خصوصية موقف منظمة التحرير والموقف المصري
والموضوع هو الحوار مع بعض الاسرائيليين سواء من أنصار السلام أو من صفوف "اليسار". ونبدأ بأن نوضح أن موقف القوى الوطنية المصرية لا ينطبق بالضرورة على كل موقف جزئي ترى منظمة التحرير الفلسطينية أنه يخدم اهدافها . فوحدة الهدف بين منظمة التحرير الفلسطينية والقوى الوطنية المصرية لا يعني أن كل المعارك فى جميع الساحات لها نفس موازين القوى ، ونفس النتائج بالنسبة للفريقين .ان جزءاً عزيزاً من الشعب الفلسطينى يعيش تحت نير الاحتلال الاسرائيلي منذ 1948 ثم بعد 1967، وهو لا يستطيع ان يطبق سياسة مقاطعة العدو الصهيوني بنفس الطريقة التي ينبغي على الوطنيين المصريين تطبيقها فى مصر، فلكل وضع خصوصيته، وكذلك الحال مع موقف المنظمة من التناقضات السياسية داخل الكيان الصهيوني ، لأن الفلسطينيين تحت وطأة الاحتلال مرغمون على الحياة والعمل والكفاح داخل أوضاع قسرية شديدة الشذوذ وهم لا يملكون ان يضعوا علامة المساواة بين أحزاب اسرائيلية تنسف بيوتهم وتصادر اراضيهم ، وتهبط بشروط عملهم إلى الحضيض وتمارس سجنهم وتعذيبهم وتدعوا إلى التوسع والعدوان من جهة، وبين أقليات سياسية اسرائيلية من احزاب وتجمعات ومنابر فكرية وشخصيات عامة فى المجالات القانونية وحقوق الانسان والسلام ، تقف ضد كل ذلك وتعارضه .
حقا ان التناقضات بين عتاه الصهيونية وبين معارضيهم من الاسرائيليين ليست اساسية فيما يتعلق بالقضية المحورية : قضية وجود الدولة الصهيونية . واقصى ما يذهب اليه اقصى"اليسار"داخل اسرائيل هو قيام دويلة فلسطينية إلى جانب دولة اسرائيل القوية . وهذا"اليسار"يرفض ويدين شعار اقامة دولة ديموقراطية علمانية على كامل التراب الفلسطينى، ويدور الكلام هنا عن"راكاح" وأغلبيته الساحقة عربية وليست يهودية وهذه نقطة خلاف جوهرية بيننا وبينهم .
• نقص شنيع فى المعلومات
ومن الطريف ان مجلة "الموقف العربى " فى ملفها عن اليسار المصرى والحوار مع اليسار الصهيوني (العدد 92 صـ94-111) قد كشفت عن أن معلومات السادة المتحاورين عن موضوع الحوار لا تزيد على الصفر ، بل تنقص عنه، لانها معلومات كاذبة عكسية الاتجاه . ففى إطار يلقي ظلا داكنا وبخط الرقعة الجميل كتبت المجلة"فرسان راكاح هم أنفسهم فرسان الأراغون"!!!دون ان يكلف أحد نفسه معرفة شئ عن الفظائع التى تعرض لها الشيوعيون العرب واليهود من ارهابيي الصهاينة . والحقيقة ان الشيوعيين الفلسطينيين من عرب ويهود على العكس من ذلك اسهموا في الكفاح المسلح ابتداء من عام 1936 ضد الاستعمار البريطاني والصهيونية ، وبيان الحزب الشيوعي قد جاء فى نهايته حينئذ:"وعن طريق أعمال التخريب وهجمات الأنصار ستدمر الحركة التحررية العربية القاعدة الاقتصادية التي يستند اليها الغزاة الصهاينة وتجعل من استمرار الاستيطان الصهيوني أمرا مستحيلا [بيان الحزب الشيوعي الفلسطيني، الانتفاضة فى فلسطين.المراسلات الصحفية الاممية . العدد 30 بالفرنسية صـ823 عن د.ماهر الشريف الشيوعية والمسألة القومية العربية فى فلسطين 1919-1948.مركز الابحاث منظمة التحرير الفلسطينية صـ92] .
ويبدأ المنتدي فى الموقف العربي بمقال يؤكد ان هذا الحزب بالذات (حزب راكاح) قد لعب دورا مشهودا فى دعم الوجود الاسرائيلي وجلب التأييد السوفييتي له (السوفييت يقودهم الشيوعيين اليهود) ،وهذا الحزب فى زعم الكاتب جزء لا يتجزأ من المؤسسة الاسرائيلية الآن ، وأحد اعمدتها التاريخية (مصدر سابق صـ94-95) . ولن يجد كاتب المقال تناقضا فى ان يقول بعد سطور عن هذا الجزء الذي لا يتجزأ من المؤسسة الآن وعمودها التاريخي انه لا يستطيع ان يمارس أى تأثير على مسار التسوية السياسية ،فهذه "القوى" اليسارية "الضعيفة" أصلا (كذا) تواجه مزيدا من العزله فى اسرائيل بعد تصاعد قوة اليمين المتطرف . ويتفاصح الشاعر المصري احمد زرزور بما يجهله تماما، فهو ينتقد اليسار المصري بسبب الذائقة الايديولوجية التى تقف عند حدود الادبيات التنظيرية دون الولوج فى أتون الظرف التاريخي الحى–الظرف الوطنى الذي يستدعي ملكات ابداعية بحركة دينامية أكثر حرية وانفلاتا من وثن النص ، (صـ103)، وكأن النصوص الماركسية لا ترفض الصهيونية أو كأنها لاتحاربها. ترى ماذا يعرف"الزرزور"المغرد عن الماركسية ليتحدث من سابع سماء عنها ويتساءل الكاتب فى براءة عذرية لم تمسسها أي معرفة بموضوع الكلام : أين كان هذا الراكاح التقدمي منذ إقامة الكيان الصهيوني وحتى الان مرورا بسنوات الدم الفلسطيني العربي المراق على حوافي النيل والفرات...ثم هل فى امكانه ممارسة مصداقيته التقدمية الثورية فيتخلي عن مواطئ قدمه فى فلسطين المحتلة . عائدا من حيث جاء عبر البحر ؟ ".
• الموقف من راكاح فى مصر
والشاعر المصري لا يعرف ان اغلبية راكاح عربية ، وان بعض اليهود الشيوعيين القياديين فيه يحاربون الصهيونية منذ انتهاء الحرب العالمية الاولى. وان بعض شعراء المقاومة الفلسطينية المناضلين البارزين كانوا من أعضائه يتحدث محمود درويش فى"شؤون فلسطينية" التى تصدر عن مركز الابحاث فى منظمة التحرير الفلسطينية اغسطس 1972 تحت عنوان"موقف راكاح من ..قضية الشرق الاوسط..والمقاومة ..." ان راكاح هو القوة السياسية المنظمة الوحيدة التي تشكل اليسار الرافض للايديولوجية الصهيونية – نظرية وتطبيقا فى اسرائيل . ويتعرض هذا الحزب لملاحقات السلطة الاسرائيلية ومطاردتها خاصة بعد الخامس من حزيران 1967. ويخضع اعضاؤه العرب - وهم الاكثرية فى الحزب لأوامر تحديد التنقل والمضايقات الشديدة وشتى أنواع الاعتقالات. وقد بلغ عداء الاسرائيليين للحزب حدا عنيفا جعل زعيمه مايرفلنر يتعرض لمحاولة اغتيال ،(صـ269). ويلخص هذا الحزب الشيوعي الاسرائيلي موقفه من حركة المقاومة الفلسطينية بالصيغة التالية :"ان حزبنا الشيوعي الاسرائيلى يرى فى نضال الشعب العربي الفلسطيني نضالا معاديا للاستعمار. ونحن متضامنون مع هذا النضال ضد الاحتلال، ومن اجل الحقوق القومية المشروعة العادلة " (صـ271).
ولابد من ان نسجل لراكاح موقفه ضد كل عدوان شنته اسرائيل فى 1956و1967، وموقفه من حقوق العرب الفلسطينين ففى الاوضاع القسرية الحافلة بالغرابة اصبح بعض العرب الفلسطينيون "المواطنين" رغم انوفهم فى الدولة الصهيونية ، وأصبح بعض اخر مجبرا على التعامل مع مؤسساتها وأصبحت الاقلية العربية المضطهدة أو الخاضعة لتعسف الحكم العسكري تجد فى راكاح مكسبا لا يستهان به فى الدفاع عن حقوقها وتقديم مطالبها الحيوية اليومية والاحتجاج على كل ضروب القهر والاستغلال التى تتعرض له، وانشاء اشكال للتنظيم النضالي لهذه الجماهير ، وصحافة عملت على صمود اللغة العربية والثقافة الديموقراطية الوطنية وتعميق الوعى القومى الثورى فى صفوف الجماهير العربية .
كل ذلك لا ينكره احد حتى الذين ينتقدونه وخرجوا عليه (شؤون فلسطينية فبراير 1988،صليبا خميس تجربتى فى راكاح صـ88-97) . ولكن تجربة العرب الفلسطينين فى الارض المحتلة وموقف منظمة التحرير من راكاح ايجابيا وسلبا ليسا أمورا ينبغي محاكاتها حرفيا لدى الحركة الوطنية واليسارية فى مصر فزاوية الرؤية مختلفة والمتطلبات العملية والضرورات القهرية متبانية هنا وهناك .
وإنه لشئ يستحق الاعجاب ان يقف وطنيون مصريون يكافحون تحت راية الناصرية موقفا صلبا متماسكا ضد اسرائيل والصهيونية وسياسات المهادنة والتطبيع ولا يخدم هذا الموقف فى شئ ان يلقى بعضهم السباب جزافا على أعداء الصهيونية من عرب ويهود فى اسرائيل،وربما يرجع ذلك الى نقص فى المعلومات بالاضافة الى تحيزات"متكلمة قاصرة "ومسبقة ضد الماركسية .
ولا يخفى الشيوعيون المصريون نقاط اختلافهم مع راكاح من ناحية مستقبل القضية الفلسطينية وأساليب الكفاح ضد اسرائيل (دور الكفاح المسلح ووزنه النسبي بين اشكال النضال الاخرى) . وهم لا يجدون فائدة فى ادارة حوار مع هؤلاء المؤمنين بعداء الصهيونية ليزدادوا ايمانا على ايمانهم ،كما ان الخلافات الايديولوجية العميقة يعرف كل الاطراف نقاطها منذ عام 1948، ومناضلوا عصبة التحرر الوطنى الفلسطينى داخل راكاح يعرفون أفضل معرفة كل الحجج التى يدافع عنها الشيوعيون المختلفون معهم، وليست المسألة متعلقة بمناظرات ايديولوجية ولكن بأوضاع فعلية شديدة القسوة وميزان قوى مختل اختلالا شديدا لصالح العدو ومتطلبات عملية شديدة الالحاح وسلسلة هزائم لم يقترف جرمها الذين يصطلون بنارها. كل ذلك يفتح مجالا واسعا لتناقض حاد بين الحقوق العادلة وامكان تحقيقها، بين الاهداف النهائية والاهداف المرحلية. وحينما يكون تحقيق اقل المكاسب المؤقتة والحقوق الجزئية محفوفا بأشد الصعوبات وأفدح التضحيات ، قد تبدو الغايات الثورية عند البعض من قبيل تحرير كامل التراب الفلسطيني "زعيقا" يفتقر الى الواقعية . وحينما تواصل اسرائيل توسعها وعدوانها دون رادع حاسم رغم بسالة المقاومة، فانها قد تلوح للبعض واقعا راسخا وجد ليبقى الى الابد .
وفى مصر كانت سياسة كامب ديفيد– بالاضافة الى التحالف مع الاستعمار الامريكي تسليما بالامر الواقع وانقيادا له، لذلك يجئ رد الفعل من جانب القوى الوطنية المصرية حادا شديدا الحدة بالنسبة لأي شئ يتعلق بالتطبيع مع اسرائيل او ما يثير شبهة هذا التطبيع .
ومن قبيل حسن النية يضع بعض الناس أعداء الصهيونية مع أنصارها فى سلة واحدة ماداموا خاضعين للاحتلال الاسرائيلي .
فحينما ذكرت الانباء ان الكاتب الفلسطينى "إميل حبيبى" عضو راكاح سيزور القاهرة كتبت المناضلة فريدة النقاش فى"قضية للمناقشة"بجريدة حزب التجمع دعوة للمقاطعة لان استقباله مع جواز سفره الاسرائيلي سيكون بمثابة التطبيع مع اسرائيل من النافذه ، على الرغم من موقف الكاتبة الايجابي من أدب اميل حبيبى وكفاحه .
ومن المؤكد ان اميل حبيبى لم يختر جواز سفره ولا المؤسسات المفروضة عليه وعلى أهله
ومطروح للمناقشة هنا مقاطعة أهلنا ومناضلي القضية الفلسطينية العرب الواقعين تحت النير الاسرائيلي. وهو أمر لا يفيدنا على اقل تقدير .
• درويش الحوار ..دراويش التطبيع
ومن الناحية الاخرى نرى حماسة مشتعلة عند بعض الناس يميناً، ويسارا زائفا لاجراء حوار مع "الاسرئيليين "بالجملة عند اليمين ومع بعض الاسرائيليين عند نوع خاص من اليساريين .
وتنشر"صوت العرب"(26/6/1988) تحت عنوان "نجوم اسرائيل فى القاهرة " نقلا عن الجيروزاليم بوست" قول الدكتول محمد شعلان استاذ الطب النفسي بجامعة الازهر والنجم اللامع فى سماء التطبيع " ان المصريين الحقيقيين" الحرفيين الفنيين والتجار والفلاحين يتطلعون الى السلام". وتصفه الجريدة الاسرائيلية بانه طبيب نفسى ، واحد من دائرة محدودة من المثقفين رحبوا بمعاهدة السلام عند توقيعها وتعرض لهجوم حاد من المصريين لتنظيمه لقاءات واجتماعات بين المصريين والاسرائيليين رغم المقاطعة الفعلية من جانب نقابات الاطباء والمحامين والصحفيين لمثل تلك النشاطات".
والدكتور شعلان يقول عن الانتفاضة " الشئ الايجابي انها حذرت من العنف .حقيقة هم يستخدمون الحجارة وهذه نقطة ضعف". ان رجل" السلام" مع اسرائيل يرى حتى القاء حجر على قوات الاحتلال ودباباتها ومدافعها ورصاصها المنهمر نقطة "ضعف" ويغلي السلام الاسرائيلي الذي يطالب به فى عروقه، وهو يهاجم المعارضة اليسارية فى مصر"التى ترى فى الحجارة مجرد نقطة بداية والمعارضين المصريين الذين يقولون دعنا نصفق "للفلسطينيين"حتى يستخدموا المدافع ، ولابد ان هذا القديس المسالم قد سمع شيئا عن الوحشية الاسرائيلية فى احتلال الارض واغتصابها بقوة السلاح وفى محاولة اخماد الانتفاضة ، ولكنه يتحدث عن المعارضة اليسارية فى مصر قائلا "التحدى الذى يواجهنى اذا طلب منى أن أقتل الاسرائليين (من يقتل من يادكتور؟) ان اقذف بهم الى البحر، سأقول عندئذ لمن يطلب منى اذهب لتقاتل (لم يسمع شعلان عن ان اسرائيل لا تكف فعلا عن القتال ضدنا فى الارض المحتلة ولبنان وغاراتها مستمرة واغتيالاتها مستمرة ليس من النيل للفرات فحسب،بل من المحيط للخليج؟) ..سيقول شعلان"لن اقاتل أنا لأشبع ساديتك الوحشية (أمن يرد العدوان والاغتصاب المسلح ويحرر أرضه مريض بالسادية الوحشية؟ ) "الأفضل ان أساعد فى الوساطة بين الفلسطينيين والاسرائيليين هذه هى سياسة السلام الايجابى" !
ويقول شعلان عن اليسار الاسرائيلي ان الناس فى مصر يرونه مجرد خداع فهو موجود هناك لاظهار اسرائيل كدولة متحضرة، أما هو فيقول: "مازالت ألوم نفسي لاننا فى مصر لم نساعد اليسار الاسرائيلي لم نقدم له عونا كافيا" وهو يحي الرئيس مبارك لانه رجل عملى يشجع استمرار تعامل الحكومة مع اسرائيل والتعاون فى الزراعة وباقي المجالات . لكن النقطة الضعيفة هى ان الحكومة لا تشجع الجماهير أمثالي (!!) لمقابلة اليسار الاسرائيلي : (الصفحة الثالثة من"صوت العرب" المذكورة ) ويتكلم بعض الذين عينهم السادات ممثلين لليسار المصري (وربما كانوا صوتا منفردا ينتمي الى قلة ضئيلة من انصار كورييل) محبذين الحوار مع اليسار الاسرائيلي ،مبالغين مثل الدكتور شعلان فى أهمية ذلك، وهم يقولون عن راكاح ان جريدته اكثر وطنية وتأييدا للدولة الفلسطينية من أية مجلة عربية صادرة فى بلد عربى"._الموقف العربى.نوفمبر 1987) . وليس الاعتراض هنا منصبا على ابراز دور الجريدة اليسارية فى الدفاع عن الدولة الفلسطينية ، ولكن على طمس الحقيقة،فالدولة الفلسطينية لا تتعدى لدى راكاح الضفة والقطاع ولا تتجاوزهما الى حدود التقسيم 1948 أو حتى حدود (خطوط)1949 ،دع عنك كامل التراب الفلسطيني. ونقطة الخلاف هذه يجري تمويهها واللف حولها بحماسة مصطنعة .
• المعايير
ومع الاحترام الكامل لدور راكاح المطلبى والاحتجاجى وحق منظمة التحرير الفلسطينية فى استغلال التناقضات داخل اسرائيل مهما كانت مؤقتة، وفى الاستفادة من اختلاف المواقف وتعارضها،وفى اجراء حوار او القيام بأى شكل من اشكال الاستفادة من التذبذب والتأرجح والمعارضة على الضفة الاخرى من المعركة،الا ان ذلك كله لا يمكن تقييمه من زاوية اخلاقية مجردة ونزعة دوغماطيقية ترفض ذلك كله من حيث المبدأ (رفض كل حوار او اتفاق مؤقت فى نقاط محددة او أي تنازل فى متعرجات المعركة أو أى تقهقر من أجل التقدم )،أو من زاوية نزعة لا مبدئية تجعل المكاسب المؤقتة والعملية وما يمكن تحقيقة،هى المعيار وتتغاضى بذلك عن القضية باكملها، فتكسب معركة وتخسر الحرب .
ان"الحوار" تجب مناقشته على نحو ملموس وما يصح ان تجريه المنظمة فى فترة محددة مع بعض المعارضين للغزو الاسرائيلي للبنان الذين ازدادوا عددا نتيجة لصلابة المقاومة وايقاع الخسائر بالعدو لا ينهض مقياسا نحكم به على حوار يجريه على سبيل المثال"يساريون"مصريون مع نفس هؤلاء "المسالمين" الاسرائيليين بعد هزيمة 1967 مباشرة . المنظمة تجرى حوارا مع أفنيري الان ، وكان هنرى كورييل قد أجرى حوارا مع نفس الشخص فى أعقاب الهزيمة،حينما كان افنيرى يدافع عن عدوان اسرائيل باعتباره دفاعا ضد الابادة ، وكان كورييل يتشدق بادانة التوسع الاسرائيلي .فماذا كانت نتيجة "الحوار" ؟.كانت نتيجة الحوار"على الهواء"وصول كورييل الى رأي"على الارض " ذكره فى خطابه المشئوم الى الشيوعيين المصريين من انصاره عن رأى الجماهير الاسرائيلية "المهددة بالابادة والتى ليس من المعقول (أو من الانصاف) مطالبتها بأن تتخلي عن ثمار تضحياتها الهائلة فى حرب 1967 بالعودة الى حدود تهددها بالابادة (جيل بيرو. رجل على حدة بالفرنسية صـ535 فالحوار هنا فى الوضع الملموس كان ضارا شديد الضرر يستوجب الادانة .
• افتراضات مسبقة
يذهب أنصار الحوار الى أنه طريقة ايجابية لكسب الرأي العام العالمي وفى واقع الامر ان الاعلام الغربى لا يقدم على مسرحه عروضا تمثيلية للحوار بين العرب والاسرائيليين،الا من زاوية تجميل العدوان الاسرائيلي، ونشر الاوهام عن إمكان اقناع اسرائيل بمنح العرب حقوقهم المشروعة كلاجئين.
ومعركة الاعلام متعددة الاوجه والميادين تخاض فى مجالها المناسب وعلى الارض الاكثر مواتاة . وقد نبهنا الشهيد غسان كنفانى– فى آخر مقال كتبه ،عن"قضايا التعامل الاعلامى والثقافى مع العدو "الى الحقيقة الجوهرية التالية : ان تغير ميزان القوى الاعلامى والثقافى فى الغرب لصالحنا لن يحدث الا على اساس ما تنجزه حركة المقاومة الفلسطينية والعربية عموما فى"ميدان القتال"، الا اذا اصبح الحجم السياسي والقتالي للحركة المناوئة للصهيونية فلسطينيا وعربيا من الضخامة بحيث يكون قادرا على توجيه الضربات للمواقع الامبريالية الموالية لاسرائيل ولمصالحها ، وعلى انزال افدح الخسائر بالسيطرة الاسرائيلية واستقرارها، وبحيث يدخل أو يمس الاطار اليومي لحياة الناس فى الغرب (أو فى اسرائيل) . ان كسب الرأي العام العالمي (فى الغرب من براثن الصهيونية يتناسب طرديا مع مد الثورة الفلسطينية والعربية وجزرها .
ويوضح الشهيد ان الاعلام معركة لا تخاض من خلال مبارزة كلامية مهما كانت قدرة المجادل العربي على الحذلقة . فنحن فى حالة حرب ولابد من مراعاة الشروط التى تستوجبها حالة الحرب . ومقاطعة العدو أى رفض حوار قناعة فى حد ذاتها موقف ووجهة نظر وشكل من أشكال الصدام . وننتقل الى نقطة اخرى .
فالمقاطعة من جانب القوى العربية تعني رفض الخضوع للامر الواقع ،فان وجود اسرائيل لا يمكن ان ينال من حق عرب فلسطين الطبيعي والتاريخى فى وطنهم . وعلى هذه المقاطعة يتأسس واجب تقديم كل اشكال العون المادى لحركة المقاومة الفلسطينية المسلحة، وتعزيز الروابط الكفاحية معها والمساهمة الفعلية فى الكفاح المسلح (الحوار المسلح) الذى تشنه داخل الارض الفلسطينية المغتصبة . فالمسألة لا تقف عند إعلان موقف ضد الصهيونية،بل العمل الجاد بكل أشكال النضال على زعزعة واضعاف وتصفية مؤسساتها العدوانية .
ان انصار الحوار الذين ينفخون فى جدواه، الى اعتباره طريقا أساسيا لحل "مشكلة الشرق الاوسط " سلميا ينطلقون من تبرير لوجود "اسرائيل" واستمرارها. وهذا التبرير لوجود اسرائيل استنادا على الامر الواقع ليس مهمة الشيوعيين والتقدميين بل مهمة الامبريالية والصهيونية (وهو شئ مختلف عن حقوق قومية ديموقراطية ليهود فلسطينيين معادين للصهيونية) .
ومهما تختلف الآراء حول الحركة السلامية أو اليسارية أو التقدمية فى اسرائيل وحول جدوى الحوار وشروطه وتوقيته ، فان من الخطأ ان يعقد الشعب الفلسطيني أو حركة التحرر الوطنى العربية آمالا جساما على تغيرات عميقة يحققها صراع اليمين واليسار في اسرائيل..فالامر على العكس من ذلك تماما..ان مستقبل أى حركة سلامية أو تقدمية فى اسرائيل مرتبطة بقوة الضربات التى توجهها المقاومة الفلسطينية والعربية الى اسرائيل على جميع الجبهات وبكل اشكال النضال، واحكام الحصار حول نفوذها وتغلغلها فى الوطن العربي .















محتويات الكتاب
الفصل الاول
كورييل لا يعبر عن"حدتو"
الفصل الثانى
اتجاه معاكس للشيوعيين المصريين والفلسطينيين
الفصل الثالث
الطبقة العاملة الصهيونية المزعومة
الفصل الرابع
وثيقة كورييل ودعم المشروع الصهيوني
الفصل الخامس
حلقة كورييل والقضية الفلسطينية
الفصل السادس
مجموعة روما- النشأة والتطور
الفصل السابع
الأحزاب الشيوعية العربية ومأزق التقسيم
الفصل الثامن
الصدام المسلح – مشروعية الكفاح العربى المسلح
الفصل التاسع
شبكة التضامن بعد مجموعة روما
الفصل العاشر
الحوار مع اليسار الاسرائيلي فى مصر