في نقد كتابات المناضل فؤاد الهيلالي عن منظمة إلى الأمام 5


الحسين الزروالي
2015 / 1 / 2 - 10:52     

لقد رأينا فيما سبق سقوط الكاتب في استعمال مصطلحات يعتقد أنها مفاهيم ماركسية لينينية لتحديد طبيعة الدولة التي يقوم بتحليل الوضع السياسي بها وتطوره حسب مراحل تشكلها في علاقتها بالتشكيلة الإجتماعية التي تواكب هذا التطور، وسماها الكاتب "الدولة المخزنية الكومبرادورية"، وينتقل المناضل بنا فؤاد الهيلالي إلى سرد مجموعة من الأحداث التاريخية التي سادت في فترات تاريخية محددة وأهمها : فترة 1956 ـ 1960.

لم يخرج الكاتب عن نطاق منهجه التجزيئي الذي اعتمده في تحديد التشكيلة الإجتماعية وتناقضاتها الطبقية على شكل سرد وقائع وأحداث تناولها بأسلوب العرض الصحفي دون القدرة على ربطها بالأساس الإقتصادي المادي الذي نتجت عنها، وسقط في أسلوب السرد على شكل "فلاشات" متناثرة هنا وهناك محدد بالزمن والمكان دون بناء التراكم الكمي الذي أعطى صفة الكيف لهذه الأحداث، التي تعبر عنها عبر التناقضات الطبقية التي أطرت الصراع الطبقي بين الطبقات المتناقضة داخل دولته التي حددها، ذلك ما يتجلى في الفوضى التي عمت السرد المسهب للأحداث في غياب الربط الديالكتيكي لمجمل النتائج التي توصل إليها في تحليله في غياب تام لتناول الأسباب الحقيقية لهذه النتائج.

وبدأ تحليله بتحديد عام لطبيعة سياسة الدولة التي حدد كما يلي :"انبنت وتعززت ركائز الدولة المخزنية الكمبراورية في سياق دخول التشكيلة الاجتماعية المغربية مرحلتها الاستعمارية الجديدة وهي بذلك جاءت كاستجابة للإستراتيجية الامبريالية الجديدة ومقتضياتها وأهدافها من أجل إحكام القبضة على الموارد الطبيعية والاقتصادية للبلاد في ظل صيغة جديدة تنقل المغرب إلى مرحلة الاستعمار الجديد."، وحدد المرحلة بأنها جديدة مرتبطة باستعمار جديد لاستمرار استغلال الثروات الطبيعية والإقتصادية في ظل تداخل ارتباط واندماج مصالح الطبقات الكومبرادورية بمصالح الرأسمال الإمبريالي وسما ذلك :"الأساس المادي الذي حكم على الطريق الإصلاحي والإستراتيجيات المرتبطة به بالفشل الدائم والمستمر"، بمعنى أن العمل السياسي الإصلاحي للأحزاب الإصلاحية يبقى دون جدوى في ظل "تنفيذ اختبارات النظام الطبقي الكومبرادوري" أي في ظل تسيير الأحزاب الإصلاحية لحكومات الدولة التي حددها الكاتب، وحدد بناءها المادي المرتبط بالرأسمالين الإمبريالي والكومبرادوري.

وهكذا يعيد الكاتب تطبيق نفس التصورات التجزيئية للوضع السياسي في دولة لم يحدد طبقاتها الأساسية المتصارع في ظل الصراعات الطبقية الجديدة في مرحلة الإستعمار الجديد والأساس الإقتصادي الذي يتحكم في تحديد مسار التناقضات بينها، بين البناء الثوري والبناء الإصلاح والعلاقة بينهما، بين الطبقات الإسترالتيجية الثورية والطبقات البورجوازية الإصلاحية بجميع فئاتها، بين السياسة الثورية التي تستهدف السيطرة على السلطة والسياسة الإصلاحية خادمة الطبقات المسيطرة على السلطة، بين المنتجين بالمدن والبوادي والنخب السياسية البورجوازية المرتبطة بالدولة الكومبرادورية، بين التحالف الإستراتيجي الثورية والتحالف الطبقي الإصلاحي، بين التحالف العمال والفلاحي الثوري والتحالف الكومبرادوري الإصلاحي ...

وبقي الكاتب حبيس التركيز على شكل الصراعات الطبقية دون القدرة على الوقوف على المضمون الثوري لهذه الصراعات خاصة في الفترتين التي تناولهما الكاتب بالدرس والتحليل (1956 ـ 1960 و1960 ـ 1972)، ولم يكلف الكاتب نفسه عناء التحليل المادي التاريخي للصراعات الطبقية في هاتين الفترتين الهامتين من تاريخ تشكل الصراعات الطبقية في مرحلة الإستعمار الجديد التي حددت البناء المادي لدولة تبعية للإمبريالية، ذلك ما يجعل الكاتب يسقط في تناقض منهجي وتذبذب فكري والخلط بين المصطلحات والمفاهيم العلمية المادية مما يحدث معه التشويش في الفهم والغموض في استيعاب الأفكار وتقييم المواقف.

نتناول في هذه الحلقة ما كتبه المناضل فؤاد الهيلالي عن فترة 1956ـ1960 بالدرس والتحليل والوقوف على الأخطاء التي ارتكبها الكاتب والمرتبطة بالمنهج التجزيئي الذي اعتمده في تحليله، بدأ الكاتب بتحديده شروط إستراتيجية الإستعمار الجديد وهو يقول :"طبقيا: ترميم أوضاع الطبقة السائدة من خلال الارتكاز على بقايا طبقة الملاكين العقاريين الشبه إقطاعيين والقيام بدمج عناصر البورجوازية التي كانت لها جيوب في الصناعة والفلاحة."، هنا يسقط الكاتب في عدم القدرة على تدقيق وتحديد المفاهيم العلمية المادية التي يحددها الأساس الإقتصادي في قوله :"بقايا طبقة الملاكين العقاريين الشبه إقطاعيين" بمعنى أن بقايا هذه الطبقة ستزول وقد تتحول إلى طبقة "الملاكين العقاريين"، وهل فعلا تحولت هذه الطبقة التي حددها الكاتب ولم يحدد موقعها في الأساس الإقتصادي للدولة الكومبرادورية ؟ ذلك ما كذبه تاريخ تطور تمركز الرأسمال في الزراعة التي لم تستطع بلوغ مستويات عليا في التطور حتى تمحي الطبقات شبه الإقطاعية وتتحول إلى ملاكين عقاريين مستثمرين نظرا لطبيعة النظام التبعي السائد، كما أن ما سماه "والقيام بدمج عناصر البورجوازية التي كانت لها جيوب في الصناعة والفلاحة" يندرج ضمن نفس أخطاء المنهج التجزيئي الذي تشوبه الضبابية في المفاهيم والتذبذب في البناء الفكري، فما هي "عناصر البورجوازية" التي يقصدها الكاتب والتي يقول أنها "لها جيوب في الصناعة والفلاحة" ؟ وهل تطورت هذه "العناصر" واستحالت إلى بورجوازية أم أنها بقيت حبيسة ارتباطها بالنظام التبعي ؟ ذلك ما لم يستطع الكاتب الخوض فيه حيث لا يتسع المنهج التجزيئي الذي اتبعه للتحليل المادي التاريخي الكفيل بالتحليل الطبقي للصراعات الطبقية في مرحلة الإستعمار الجديد.

ولتركيز أسلوب منهجه التجزيئي يتاول الكاتب الصراعات الطبقية حول السلطة بتناول أشكالها التعبيرية الفوقية بعيدا عن البناء التاريخي المادي لهذه الأشكال التي تبرز في البنية الفوقية للنظام الكومبرادوري، ولم يستطع الكاتب تجاوز الملاحظات الشكلية للوقائع السياسية التي برزت في الأفق ويدرجها ضمن تناقضات الصراع حول السلطة ويقول عن شروط هذه الفترة التي تناولها بالتحليل :"من حيث التحالفات السياسية: القيام باقتسام مؤقت للحكم سياسيا مع حزب الاستقلال واللعب على تناقضاته الداخلية والاستفادة من تناقض الحزبين "الاتحاد الوطني للقوى الشعبية" وحزب "الاستقلال"، يبرز هنا عدم الوضوح في الرؤية لفهم الموقف السياسي لتوظيف الإصلاحية لتمرير السياسات الطبقية للنظام الكومبرادوري ويسميها الكاتب "اقتسام مؤقت للحكم سياسيا"، كيف اكتشف الكاتب وجود "اقتسام الحكم" إذا لم يكن ذلك نتيجة أخطاء المنهج التجزيئي المتسم بالمثالية والسوليبيسسم ؟ ومتى كانت التناقضات بين الإصلاحية سببا في تنازل الكومبرادور عن جزء من سلطته المستبدة الدكتاتورية ؟

إن ما قام به النظام الكومبرادوري في تلك الفترة هو توظيف الإصلاحية وتناقضاتها الثانوية في "اللعبة السياسية" كما تسميها الإصلاحية وتهييئها لبناء أدوات سياسية جديدة تنسجم مع المرحلة الإستعمارية الجديدة تعبيرا عن تطور أساليب الممارسة السياسية في ظل الحفاظ على المضمون الطبقي للدولة الكومبرادورية وتجديد نخبها باستمرار، اقتباسا من أساليب التجديد في الميدان الإقتصادي التي تنهجها الرأسمالية لتجاوز أزماتها المرحلية عبر تجديد أشكال المشاريع الصغرى التي تعتبر أساسية في تجديد أساليب استغلال الرأسمال للعمل، إن انسجام السياسي مع الإقتصادي في الأسلوب والممارسة في ظل التبعية الرأسمالية إنما يعبر عن اندماج الرأسمال الكومبرادوري في الرأسمال الإمبريالي مما يحتم عليه تجديد أساليب الحكم للحفاظ على أسس السلطة السياسية والإقتصادية والعسكرية في ظل الدولة الكومبرادورية، إن تجديد أشكال الحكم مع الإبقاء على المضمون الطبقي للدولة إنما هو تكريس للهيمنة السياسية والسيطرة الإقتصادية بالقوة العسكرية وليس "اقتساما للحكم"، ومن طبيعة الإصلاحية الإنتهازية والإستعداد لخدمة النظام الكومبرادوري على حساب مصالح الطبقات المضطهدة وعلى رأسها الطبقة العاملة، وليس كما يقول الكاتب :"كان الهدف ربح الوقت والقيام بتغطية سياسية للمذابح والتصفيات التي كانت تتعرض لها عناصر المقاومة المسلحة وجيش التحرير الوطني"، دائما يركز الكاتب على الشكل وينسى المضمون الطبقي للأحداث متجاهلا علاقة حزب الإستقلال في التوظيف السياسي ضد حركة التحرر الوطني في مرحلة الإستعمار القديم قبل التصفيات في مرحلة الإستعمار الجديد، ودعم النخب السياسية البورجوازية الصغيرة بهذا الحزب لتصفية جيش التحرير والمقاومة المسلحة، والعمل على إدماج عناصرها الإنتهازية في أجهزة البوليس والجيش لتشكيل الدرع العسكري للنظام الكومبرادوري حتى يستكمل البناء المادي لدولته الطبقية من صلب أدوات الدفاع الشعبي ضد الإستعمار القديم : جيش التحرير بالبوادي والمقاومة المسلحة بالمدن/التحالف العمالي الفلاحي الذي يجب تفكيكه.

كل ما أضافه الكاتب من شروط فيما سماه :"بناء الأجهزة القمعية والسياسية" و"التلويح بورقة الدستور" إنما يندرج ضمن التحليل التجزيئي العاجز عن تناول الطبقات الإستراتيجية في الثورة ذلك ما يعبر عنه قوله :"أما الجماهير (عمال، فلاحون فقراء، كادحون...) فقد فقدت أسلحتها (التي كانت قد بدأت تستعيدها بعدما نزعت منها على أيدي النظام الاستعماري وحلفاءه المحليين) وفككت تنظيمها واغتيل العديد من أطرها المناضلة. وقد كانت للأوهام الإصلاحية دور كبير في تجريد الجماهير من قواها المسلحة والقضاء عليها"، الذي ختم به تناوله لهذه الفترة.