حول المحاكمات السياسية وتاكتيكات الدفاع ف . إ . لينين


سعيد العليمى
2014 / 12 / 30 - 23:41     

رسالة الى ى . د . ستاسوفا والرفاق الآخرين فى سجن موسكو ف . إ . لينين
19 يناير، 1905
الاصدقاء الاعزاء
لقد تلقيت استفساركم بشأن التاكتيكات التى يتعين علينا اتباعها فى المحكمة ( التى تضمنتها رسالة ابسوليوت * ومذكرة " تقرير حرفى" من خلال شخص غير معروف ) . يكتب ابسوليوت عن وجهتى نظر مطروحتان ، وسأحاول اعادة بناءهما على النحو التالى : (1 ) رفض الاعتراف بالمحكمة ومقاطعتها تماما . ( 2 ) رفض الاعتراف بالمحكمة وعدم الاشتراك فى اجراءات المحاكمة ، وتوظيف محام على ان يكون هناك تفاهم معه بأنه سيتحدث حصرا عن افتقار المحكمة لسلطتها الولائية من وجهة نظر القانون المجرد . ويعلن فى المرافعة الختامية للدفاع برنامجه ونظرته للعالم profession de foi ** ويطلب محاكمتة بواسطة محلفين . ( 3 ) ينطبق نفس الشئ على مرافعة المدعى عليه الاخيرة . استخدام المحاكمة كوسيلة للتحريض ، ولهذا الغرض ،الاشتراك فى اجراءات المحكمة بمساعدة مستشار قانونى ، لاظهار عدم قانونية المحاكمة وحتى بطلب استدعاء للشهود ( تقديم الاعذار والدفوع ، الخ ) .
ويبقى هذا السؤال بعد : هل يجب ان تقول فقط انك اشتراكى ديموقراطى من الناحية العقيدية ، ام ينبغى ان تعترف بأنك عضو فى حزب العمال الاشتراكى الديموقراطى الروسى ؟
لقد كتبت بأننا بحاجة لكراس حول هذه المسألة . لااعتقد انه من المنصوح به اصدار كراس فورا دون ان يكون لدينا اى خبرة نهتدى بها . وربما نذكر ذلك فى الصحافة حين تواتينا الفرصة . ربما يكتب لنا احد ممن هم فى السجن مقالة قصيرة للجريدة ( من 5000 الى 8000 حرف) ؟ اظن ان هذه هى افضل طريقة لبدء مناقشة .
انا شخصيا لم اكون رأيا محددا ومن ناحيتى افضل قبل ان الزم نفسي ، ان اناقش الامر بالتفصيل مع الرفاق الموجودين فى السجن او ممن حوكموا . وحتى نبدأ النقاش فسوف اطرح افكارى الخاصة حول الموضوع . يعتمد الكثير على نوع المحاكمة التى ستجرى ، اى ، ما اذا كانت هناك امكانية استغلالها لأغراض التحريض ام لا . فى الحالة الاولى ، سياسة رقم 1 لن تكون مناسبة ، فى الحالة الثانية ، تكون ملائمة ، ولكن بعد احتجاج وبيان صريح محدد وحيوى . على اية حال ، اذا كانت هناك فرصة لاستغلال المحاكمة لأغراض تحريضية ، فتكون رقم 3 هى السياسة المحبذة . ان اعلان البرنامج والنظرة للعالم امر مرغوب فيه للغاية بصفة عامة ، واظن انه مفيد جدا ، وفى معظم الحالات يمكن ان يكون له اثر تحريضى خاصة حينما تكون الحكومة قد بدأت فى استغلال المحاكم ، فيمكن للاشتراكيين الديموقراطيين ان يتكلموا جهرا عن البرنامج الاشتراكى الديموقراطى والتاكتيكات . يتبنى البعض الرأى القائل بأنه ليس من المنصوح به ان يعلن المرء انه عضو فى الحزب ، وخصوصا فى اى منظمة محددة ، وان الافضل ان يعلن انه اشتراكى ديموقراطى من الناحية العقيدية ويقصر تصريحه على ذلك . واعتقد ان ارتباطات المرء ( التنظيمية - المترجم ) لابد ان تستبعد تماما من الخطاب ، اى انه يجب ان يقول : لاسباب معلومة لن اتحدث عن ارتباطاتى ، لكننى اشتراكى ديموقراطى وسوف اتحدث عن حزبنا . صياغة كهذه لها ميزتان : انها تعلن مباشرة وبشكل محدد انه لن يتحدث عن ارتباطاته ( اى ، ماإذا كان ينتمى لمنظمة ، وإن كان ينتمى فلأى منها ، بينما يتحدث فى ذات الوقت عن الحزب .هذا ضرورى حتى يمكن للحزب ان ينتفع من الدعاية . بمعنى آخر ، انحى ارتباطاتى الرسمية ، واتجاهلها فى صمت ، لااتحدث رسميا باسم اى منظمة ايا ماكانت ، ولكن كاشتراكى ديموقراطى اتحدث للمحكمة عن حزبنا واطلب منها ان تقبل تصريحاتى كمسعى لعرض وجهات نظر الاشتراكية الديموقراطية تحديدا التى اعلنت فى كل ادبنا الاشتراكى الديموقراطى فى هذه الكراسات او تلك ، او المنشورات والجرائد .
بالنسبة للمحامين ، يجب ان يسيطر على المحامين جيدا ويلزموا باحتذاء الخط ، لانه مامن شئ يعبر عن الخدع القذرة التى يمكن ان تقوم بها تلك الحثالة المثقفة . يجب ان يجرى تحذيرهم مقدما : انظر ، ايها الوغد البغيض ، اذا ماسمحت لنفسك بأقل خطأ او بأى انتهازية سياسية ( اذا تحدثت عن الاشتراكية بوصفها شئ غير ناضج او خاطئ فكريا ، او بوصفها فتنة ، اواذا قلت ان الاشتراكيين الديموقراطيين يرفضون استخدام العنف ، او اذا تحدثت عن تعاليمهم وحركتهم بوصفها حركة سلمية ، الخ ، او اى شئ من هذا النوع ) عندئذ انا المدعى عليه سوف أخلعك علنا فى التو واللحظة ، وسأسميك نذلا ، واعلن اننى ارفض دفاعا كهذا ، الخ . ويجب ان تنفذ هذه التهديدات . يجب توكيل المحامين النبهاء ، ولانحتاج غيرهم . يجب ان يقال لهم مسبقا : اقصروا انفسكم على النقد و " نصب الشراك " للشهود والمدعى العام حول وقائع القضية ، واثبات تلفيق التهم الباطلة ، اقصر نفسك بشكل حصرى على التشهير بالإجراءات التى تشبه محاكمة شيمياكين ***حتى المحامى الليبرالى الذكى يميل بشدة لأن يذكر او يلمح الى الطبيعة السلمية للحركة الاشتراكية الديموقراطية ، والاعتراف بنفوذها الثقافى من قبل اناس مثل ادولف فاجنر ، الخ . لابد من القضاء على هذه المحاولات فى المهد ، المحامون ، كما قال بيبل ، فيما اعتقد ، هم اشد الناس رجعية . ولابد للإسكافى من ان يلزم قالب الحذاء . كن محاميا فقط ، اسخر من شهود الدولة والمدعى العام ، واقصى حد ، ان تجرى مقارنة بين محاكمة كهذه ومحاكمة محلفين فى بلد حر، ولكن دع عقائد المدعى عليه جانبا ، لاتجرؤ حتى ان تذكر ماتظنه انت فى اعتقاده وتصرفاته . ولك، ايها الليبرالى المحصوب ، انت تملك فهما محدودا لهذه المعتقدات فحتى اذا مدحتها لن تكون قادرا على تفادى قول شئ تافه . بالطبع ، كل هذا لا نحتاج لتفسيره لمحام من نمط سوباكيفيش **** يمكن القيام بذلك بلطف ، وبراعة ، وحذر . ومايزال ، من الافضل ان نكون حذرين من المحامين والا نثق فيهم ، خاصة اذا قالوا انهم اشتراكيون ديموقراطيون واعضاء فى الحزب ( كما حددتها المادة الأولى فى لائحتنا ! )
تعتمد مسألة الاشتراك فى اجراءات المحكمة ، فيمايبدو لى ، على مسألة المحامى . يعنى توكيل مستشار الاشتراك فى اجراءات المحاكمة . ولم لانشترك لكى نفضح الشهود ونحرض ضد المحكمة ؟ بالطبع ، غنى عن القول انه لابد ان يكون المرء فى غاية الحذر حتى لاينزلق الى ابداء دفاع غير لائق . من الافضل الاعلان فورا ، قبل ابداء الافادة ، عند الاجابة على الأسئلة الاولى لرئيس المحكمة : اننى اشتراكى ديموقراطى ، وفى خطابى للمحكمة سوف اوضح ماذا يعنى هذا ؟ فى كل حالة ، تعتمد مسألة الاشتراك فى الاجراءات من عدمه كلية على الظروف . دعنا نفترض انه ثبت انك مذنب ، وان الشهود يقولون الحقيقة ، وان الاتهام بكامله يقوم على دليل وثائقى لايدحض . فى تلك الحالة قد لايكون من المفيد الاشتراك فى اجراءات المحكمة ، ولابد من تركيز كل الانتباه على اعلان المبادئ . اذا ماكانت الوقائع مشكوك فيها على اية حال ، واذا ماكان شهود الشرطة مشوشون ويكذبون ، ويستحق الاهتمام الا نضيع فرصة دعاية بعرض القضية بوصفها قضية ملفقة . ويعتمد الكثير ايضا على المدعى عليهم ، مااذا كانوا متعبين للغاية ، مرضى ، منهارون ، واذا لم يكن بينهم واحد ذو خبرة فى " المرافعة " والمشادات الكلامية ، ربما يكون اذن ، الاكثر ملائمة رفض الاشتراك فى الإجراءات ، وعمل تصريح بهذا المعنى ، والتركيز على اعلان المبادئ ، ومن المرغوب فيه ان يتم اعداده مسبقا . مهما تكن الظروف ، الخطاب حول المبادئ ، والبرنامج ، وتاكتيكات الحزب الاشتراكي الديموقراطي ، حول الحركة العمالية ، حول الاهداف الاشتراكية ، وحول الانتفاضة هى من اشد الاشياء اهمية .
فى الختام ، اكرر مرة اخرى ، ان هذه هى تأملاتى الاولى ، التى يجب الا تعتبر على الاقل كمحاولة لحل المشكلة . لابد ان ننتظر حتى تقدم لنا التجربة مؤشرات معينة . وبينما نراكم هذه الخبرة فإن الرفاق ، فى غالب الحالات ، لابد ان ترشدهم اعتبارات الظروف العينية وغريزتهم الثورية .
احر تحياتى الى كورز ، روبين ، باومان وكل الاصدقاء الآخرين . لقد انتهينا اخيرا من المشاغبين . تخلصنا من تاكتيكات التراجع . ونحن نهجم الآن . وقد بدأت اللجان فى روسيا ايضا فى الانفصال عن مشوشى التنظيم . وقد اسسنا جريدة لنا . ولدينا مركزنا العملى ( المكتب ) وقد ظهر عددان من الجريدة وقريبا ( 23 يناير، 1905 من التقويم الجديد ) سوف يصدر العدد الثالث . ونأمل ان نطبعها اسبوعيا . تمنياتى لكم بالصحة والسعادة ! سوف نلتقى ثانية ، اننى متيقن من ذلك وسوف نواصل نضالنا فى ظروف افضل مما فى وسط التشاجر والتشاحن الذى نعاينه هنا ، وفق طريقة مؤتمر الوحدة .
هوامش
*اعلان الايمان ، البرنامج ، وعرض النظرة للعالم – المحرر .
**ابسوليوت هو البلشفى ى . د . ستاسوفا .
***محاكمة شيمياكين ، محاكمة غير عادلة ، من عنوان قصة روسية قديمة عن القاضى شمياك
****سوباكيفيش – شخصية فى رواية جوجول النفوس الميتة تقدم نموذج المالك العقارى المتنمر البخيل .
-----------------------
العنوان الاصلى للمقال : الى ى . د . ستاسوفا والرفاق الآخرين فى سجن موسكو ، لينين ، الاعمال الكاملة ، المجلد الثامن ، ص ص 66 -70 – دار النشر باللغات الاجنبية ، 1962 ، موسكو ( الطبعة الانجليزية ) – الارشيف الماركسي على الانترنت .