حول “الوصية السياسية” للينين - نقد لكتاب [“الوصية السياسية” للينين، حقائق التاريخ واساطير السياسة]، ف. ا. ساخاروف


ا. ف. ساخنين
2014 / 12 / 26 - 23:05     

بقلم: ا. ف. ساخنين - دكتوراه في التاريخ - جامعة الدولة الأكاديمية للعلوم الإنسانية، مرشح علوم التاريخ
ترجمة: اسو گرمياني

الجزء الثاني

مساحة واسعة في كتاب ساخاروف خصصت لتحليل خلافات تروتسكي من جهة، ولينين وستالين من جهة أخري، بشأن مسألة إعادة تنظيم نظام الإدارة الاقتصادية. يحاول المؤلف إثبات أن تروتسكي خطب من أجل سحب القضايا الاقتصادية من تحت سيطرة اللجنة المركزية والمكتب السياسي، ولكنه تعثر في ذلك بسبب المقاومة الراسخة للينين، ستالين و"غالبية اللجنة المركزية”. ساخاروف يقصد هنا اقتراح تروتسكي لتوسيع صلاحيات هيئة تخطيط الدولة، الذي كان من شأنه أن يزيد من كفاءة النشاطات الاقتصادية، وفي الوقت نفسه أن يرتب عمل أجهزة الحزب العليا. يتفق ساخاروف مع تروتسكي: "وبالطبع أن عمل المكتب السياسي لو تم تحريره من القضايا الاقتصادية لأصبح أسهل ومنهجي”. ولكن من ناحية أخرى يقول: "مع فقدان القضايا الاقتصادية كان المكتب السياسي سيفقد جزءا كبيرا من السلطة الحقيقية في البلاد، منتقلة الي الهيئة، التي كان سيتركز في أيديها توجيه الاقتصاد" (ص 478).
علينا أن نذكـّر مؤلف الكتاب، اقرار تروتسكي نفسه، بأنه "لم يكن سيفرض إطلاقا منح هيئة تخطيط الدولة أية حقوق واسعة مباشرة"، وأكثر من ذلك، عدم جعلها خارج نطاق سيطرة اللجنة المركزية. ووفقا لتروتسكي "الحق الوحيد وغير قابل للتصرف لهيئة تخطيط الدولة هو أن لا تمر أية مسألة اقتصادية مركزية الا من خلالها " (أرشيف الدولة الروسية للتاريخ الاجتماعي - السياسي، الصندوق 5، توصيف 2، عمل 305، ص 1- 5)*. بالإضافة إلى ذلك، وكما هو معلوم، فان لينين في مقاله “حول الوظائف التشريعية الممنوحة لهيئة تخطيط الدولة" (الذي لا يطعن ساخاروف في تأليفه من قبل لينين) استنتج أنه "في هذا الصدد، يمكن بل يجب الاتفاق مع الرفيق تروتسكي" (الأعمال الكاملة للينين، المجلد 45، ص 349-350) ⁑-;- ، بل ان لينين اتخذ الخطوة اللازمة لتنفيذ مبادرة تروتسكي. محاولة ساخاروف لاثبات أن عبارة لينين هذه حول تروتسكي بانها ليست سوى صيغة بلاغية (بل مع عناصر من السخرية)، لا تصمد أمام اي نقد. لقد قال لينين بوضوح ما اراد قوله.
وأخيرا، فإن الخاتمة في “اثبات” سعي تروتسكي لانتشال القضايا الاقتصادية من تحت سيطرة الحزب، وبالتالي تقويض "النظام السياسي لديكتاتورية البروليتاريا" هي الادعاء بأن هذه المقترحات كانت مجرد تمويه لطموحه، ورغبته في أن يصبح "دكتاتورا اقتصاديا”.
"أما من الناحية السياسية، - يكتب ساخاروف - فالسؤال كان يودي الى: من سيحدد المسار السياسي والسياسية الاقتصادية للثورة الاشتراكية، لينين والمتفقون معه فكريا- البلاشفة، أو اللا بلاشفة تروتسكي وأنصاره" (ص 478) . ومع ذلك، فإن المؤلف لا يقدم أي دليل يفيد بأن تروتسكي اقترح سحب قيادة هيئة تخطيط الدولة من تحت سيطرة المكتب السياسي أو كان قد سمح بأن تقاد هذه الهيئة من قبل غير حزبي. وإذا افترضنا أنه كان يعول علي أن يتخذ موقع القائد في إدارة الاقتصاد، فإن الأطروحة حول محاولة تروتسكي لسحب العمل الاقتصادي من اجواء سيطرة الحزب لا يصمد أمام النقد: كان واضحا لجميع أعضاء الحزب في اعوام 1922 - 1923 بأن تروتسكي بلشفي رفيع المستوى، وحتى لو كان يطمح لادارة الحياة الاقتصادية للدولة، فإن ذلك لا يهدد احتكار الحزب الشيوعي لروسيا (البلاشفة) للسلطة.
نستلخص، بأن تروتسكي لم يكن الي جانب اضعاف ديكتاتورية الحزب البلشفي في المجتمع، ولم يعمل من أجل تحرير الاقتصاد من سيطرة الحزب أو من أجل استقلالية الإدارات الاقتصادية عن اللجنة المركزية. على العكس من ذلك، انه كان يرى في رئيس هيئة تخطيط الدولة المعادة تنظيمها، ممثل للجنة المركزية للحزب (وربما لنفسه). وبعبارة أخرى، اقترح تروتسكي اجراء الإصلاح، الذي تم اختباره سابقا بنجاح في الجيش الاحمر؛ زيادة فرص مؤسسات (هيئة تخطيط الدولة) وموظفيها الفنيين (الاختصاصيين)، وابقائهم تحت السيطرة الأيديولوجية والسياسية الصارمة للحزب. في حينه (وبخلاف ستالين) دعم لينين فكرة استخدام الخبراء العسكريين في الجيش. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ان لينين أيضا عمل انذاك من موقع "تقويض النظام السياسي للديكتاتورية البروليتاريا"؟

لا تبدو لي حجج ساخاروف مقنعة لصالح اعتبار تروتسكي المؤلف الحقيقي لملاحظات “حول مسألة القوميات أو عن “الحكم الذاتي"" والذي رأى فيها (روسوفۆ-;-بيا- الرهاب الروسي) غير معهود تماما لدي لينين وخروجا على مبدأ الفيدرالية في مسألة توحيد الجمهوريات السوفيتية في الاتحاد السوفياتي. حقيقة أنه من الصعب جدا تصور تروتسكي المركزي الصلب، والذي في عام 1922 لم يسبق له ان انتقد فكرة الاتحاد، الكونفدرالية أو الفيدرالية مع مركز ضعيف، الذي في نظر ساخاروف هو مؤلف الأجزاء المحددة من “الوصية” في صيغها المقررة.
“مزورة” تظهر في احكام الكتاب ايضا رسالة لينين إلى تروتسكي، المتضمنة طلبه منه الدفاع عن “المنحرفين القوميين” الجورجيين، والتي حسب زعم المؤلف احتاج تروتسكي اليها فقط من أجل إستعراض قربه من لينين وتوجيه ضربة أخرى الي ستالين، المعادي للمعارضة المناهضة لموسكو في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي (البلاشفة) لجورجيا، برئاسة مديفاني. ولكن أطروحة ساخاروف هذه بقيت، كما اري، ايضا بدون اثبات.

كما لا توجد براهين مقنعة على أنه كانت هناك لدي سكرتاريي لينين، كما يبدو لساخاروف، أسباب لارتكاب جرائم وظيفية جدية (التلاعب غير المصرح به بنصوص “وصية” لينين) باسم المصالح السياسية غير المؤكدة لتروتسكي. نعم، حتي مؤلف الكتاب قيد الاستعراض نفسه اعترف بأن "مسألة الدافع، كما هو واضح، يبقي بلا جواب. من الواضح، وربما، امر واحد: علي اساس قوي، يمكننا أن نفترض أنه بهذا الفعل خدمت فوتييفا (واحدة من سكرتيرات لينين - كاتب المقال) المصلحة السياسية لشخص ما. والأكثر ترجيحا، خلف فوتييفا وقف تروتسكي" (ص 510). بنفس هذا النجاح يمكن افتراض أن الذي وقف خلف فوتييفا أي شخص آخر باستثناء تروتسكي. في كل الاحوال، بدون الجواب على هذا السؤال تبقي استنتاجات ساخاروف لا أساس لها من الصحة. وجود علاقات وثيقة وخاصة لتروتسكي مع موظفي-ات- سكرتارية لينين مازال بشكل عام بدون اثبات. وكما هو معروف، في الأدب رويت وجهة نظر معاكسة تماما حول وجود علاقات لفوتييفا مع ستالين. وإذا افترضنا أن تروتسكي قد زور الملاحظات "حول مسألة القوميات ..."، مدخلا وجهات نظره الخاصة في المسائل المبدئية لغرض الهجوم على ستالين، في هذه الحالة فان سلوكه في المؤتمر الثاني عشر، عندما لم يحرك ساكنا من أجل استخدام هذه “الورقة الرابحة” بنفس الجهود ضد ستالين، يثير الدهشة بشكل اكثر.
ساخاروف يصل أيضا إلى استنتاج مفاده أن "رسالة إلى المؤتمر” الشهيرة خدمت المصلحة السياسية لتروتسكي" (ص 385). بيد أن هناك سبب اساسي للشك في هذا الاستنتاج. نذكـّر أن ما ينقله مؤلف الكتاب من خطاب ستالين في البلينيوم المشترك للجنة المركزية ولجنة الرقابة المركزية في يونيو (1926)، بأنه في حين كان تروتسكي، كامينيف وزينوفييف هم المقصودين بما ورد في “الوصية” من انه "كانت لهم أخطاء مبدأية، التي هي ليست بالصدفة”، فأنه "حول أخطاء مبدأية لستالين في"الوصية" لا توجد أية كلمة، ولا حتى تلميح بأنه لدي ستالين كانت أخطاء مبدأية" (ص 598). ووجهة النظر هذه ثبتت ايضا في التأريخ. ومن المعروف أيضا بأن مؤلف "الوصية“ نفسه ذكر "لا بلشفية" تروتسكي و كذلك "نضاله ضد اللجنة المركزية" (قاصدا، كما هو واضح، ما سمي بالنقاش حول النقابات المهنية). وبطبيعة الحال، هو المح الي أن كل هذا لا يمكن أن يضع اللوم علي تروتسكي شخصيا، ولكن هكذا اتهامات خطيرة لا تذكر بلا غرض. ان لينين نفسه كتب في حينه أن "دون ضرورة خاصة، ليس من الصحيح ذكر الأخطاء، التي قد تم تصحيحها بالكامل" (لينين ف. ا.، الأعمال الكاملة، مجلد 41، ص 417).
وإذا يفترض ساخاروف أن مؤلف "الوصية” حاول لإعادة تأهيل تروتسكي، فان مضمون هذه الوثيقة يقنعنا خلاف ذلك. فمن المثير للاهتمام، أن الاتهامات ضد زينوفييف وكامينيف، التي بنيت وفق نفس المخطط تبدو لساخاروف خطرة، بينما الضربة السياسية في “الوصية" ضد تروتسكي بقيت دون ملاحظته. لهذا من الواضح لماذا لم يكن تروتسكي مهتما بظهور نص "الوصية"، لأنه كان ضده بقوة لا تقل عن تلك ضد ستالين. محاولة إثبات وجود دوافع سياسية لدي تروتسكي لتأليف ملاحظات حول مسألة القوميات او "رسالة إلى المؤتمر” لا تصمد، في رأيي، امام النقد.
يتبع ….

*
http://www.rgaspi.org

⁑-;-
http://vilenin.eu