في نقد كتابات المناضل الهيلالي عن منظمة إلى الأمام 4


الحسين الزروالي
2014 / 12 / 25 - 11:54     

نواصل سلسلة كتابات حول نقد تجربة منظمة إلى الأمام من خلال كتابات فؤاد الهيلالي لكشف ما يشوب الكتابة السياسية من شوائب نتيجة طغيان التجزيئية والذاتوية على التحليل المادي التاريخي، مما يجعل هذه الكتابات غير قادرة على القيام بمهامها التاريخية المتجلية في نقد التجربة وإعطاء الحلول لأزمة الحركة الماركسية اللينينية وفتح الأفق للمشروع الثوري الذي تحمله.

يبقى السؤال المطروح هو : لماذا لم تستطع الكتابة السياسية بالمغرب أن تخرج من هذا النفق المسدود طيلة عقود كبلت عقول الكتاب السياسيين ؟ بين الإنتقال من التجزيئية إلى المادية التاريخية تقف الذاتوية والسياسوية حجرة عثرة ضد ممارسة النقد والنقد الذاتي، أهي إرادة ذاتية أم موضوع مركبة في شخصية الكتاب السياسيين ؟ بين تمجيد الماضي وتغليب الذات على الموضوع في تناول الأحداث التاريخية بشكل تعسفي والتطلع إلى المستقبل يظل الحاضر في حركة متذبذبة ترغب في التقدم دون القدرة على تجاوز مخلفات الماضي، ذلك ما يمكن أن نلمسه في كل كتابات السياسية بالمغرب التي تسقط في الذاتوية وشخصنة الصراعات السياسية داخل الإطارات والعجز أمام جدلية النقد والنقد الذاتي، الكتابات السياسية التي ترى عزاءها في تقديس الماضي وتركيز المقدس والمقدسات والدفع بها للوصول إلى مستوياتها العليا إلى حد تقديس مصطلحات تقليدية تجاوزها التاريخ.

نتناول هنا ما سماه الأستاذ فؤاد الهيلالي "الدولة المخزنية ونظام الحكم السياسي الكمبرادوري للكتلة الطبقية السائدة" كعنوان وضعة لفصل مهم في تناوله للتشكيلة الطبقية والإجتماعية بمغرب السبعينات، قبل الإنتقال إلى تناول مضمون هذا الفصل نريد أولا تفكيك عناصره ماديا تاريخيا وإعادة تركيبها حتى يتبن لنا مضمون الخطاب التقليدي الذي تحمل والغارق في التشبث بالماضي وتمجيده، ونبدأ بمصطلح "الدولة المخزنية" كمفهوم تقليدي للأساس الإقتصادي الذي يميز دولة معينة سماها الكاتب "المخزن" وهو مصطلح فضفاض تمت وراثته في الكتابات التأريخية التقليدية للمؤرخين القدامى، وهو من جهة أخرى مصطلح تتداوله التحريفية وتعطيه أهمية كبرى في تناولها للصراعات الطبقية بالمغرب نتيجة التذبذب الذي أصاب أيديولوجيتها الحاملة للصفة الفوضوية والعفوية. الدولة من المنظور الماركسي هي أداة قمع طبقة لطبقات مضطهدة في مجتمع معين كما وضع ماركس وإنجلس ذلك وأكده لينين في كتابه الدولة والثورة، الدولة تستند في بنياتها إلى الأساس الإقتصادي الذي يطبع نظامها السياسي والإقتصادي والعسكري فهل هناك مفهوم "دولة مخزنية" ذات أساس اقتصادي معين ؟ الدولة كمفهوم، حددت الماركسية بناءها المادي التاريخي في علاقته بتطور الأنظمة الإقتصادية الأربعة الأساسية (المشاعة، العبودية، الإقطاع، الرأسمالية) وحددت أسس الصراعات الطبقية فيها، وخلصت إلى إبراز الصراعات الطبقية في النظام الرأسمالي كنظام سائد عالميا في مراحله العليا الإمبريالية والدولة الإحتكارية منذ أوائل القرن 20، والدولة الإحتكارية أنتجت دولا رأسمالية تبعية تدور في فلكها بعد اقتسام العمل عالميا وركزت فيها أنظمة تبعية تخضع لسياسات الإستعمار الجديد في العلاقة بين الدول الإمبريالية والدول الكومبرادورية أي التبعية.

هذا المصطلح الفضفاض "المخزن" الذي استعملته الكتابات التأريخية التقليدية وركزته الكتابات البورجوازية الإستعمارية للمعمرين للفصل بين الدولة المركزية ودول الحكم الذاتي بالقبائل، بين الأرستقراطية المدنية والأرستقراطية القبلية، بين الحكم بالمدن والحكم بالبوادي، بين حكم "السلطان" وحكم القواد القبليين، هي إذن بنية تقليدية للدولة كما وجدها الإستعمار القديم لما احتل بلاد المغرب، فهل مصطلح "المخزن" يرقى إلى مفهوم سياسي للدولة يمكن أن يدخل ضمن مفاهيم الكتابة المادية التاريخية أم أن هذا المصطلح يبقى رهين عقلية الكتابة التقليدية للكتاب المتشبثين بالماضي ؟ ما موقع هذا المصطلح في قاموس الصراعات الطبقية بالدولة الكومبرادورية أي في الأساس الإقتصادي للدولة التبعية ؟ وهل استطاع هذا المصطلح أن يكتسب صفة مفهوم يدخل ضمن مفاهيم التحليل المادي التاريخي أم أنه صفة تستعمل للتمييز التقليداني ؟ لم يستطع هذا المصطلح دخول قاموس الكتابات المادية التاريخية كمفهوم كما دخلها مفهوم الكومبرادور نظرا لكونه يفتقد للشروط المادية التاريخية الضرورية لطبع مرحلة تاريخية معينة كما هو الشأن بالنسبة لمفهوم الكومبرادور، فهل يصح تسمية دولة بهذه الصفة الفضفاضة إلا من باب الكتابة التقليدية القديمة التي لم تستطع دخول التاريخ إلا تعسفا ضمن تمجيد الماضي والإثراء في ذلك بشكل تعسفي يروم تركيز البلبلة والتذبذب الفكري لتسييد النظام السائد ؟

في المقابل يدرج الكاتب نوع النظام الذي يميز ما سماه "الدولة المخزنية" وهو "نظام الحكم السياسي الكومبرادوري" أي نظام سياسي تبعي للدولة الإحتكارية وهنا استكمل الكاتب صفة الدولة التي يريد تحليل الوضع السياسي بها في ظل الصراعات الطبقية وسماها "الدولة المخزنية الكومبرادورية" وربطها بدخول المغرب مرحلة الإستعمار الجديد، من خلال فهم الكاتب لطبيعة الدولة في مغرب السبعينات يتبين التذبذب الفكري في تحديد المفاهيم بإقحامه تعسفا صفة "المخزن" على الدولة وإذماج مفهوم "الكومبرادور" الذي دخل قاموس الكتابة المادية التاريخية في مرحلة الصراعات الطبقية التي عاشتها الثورة الصينية في القرن 20، ما جدوى إذن من إضافة مفهوم "الكومبرادور" إذا كان مصطلح "المخزن" يطبع صفة الدولة في مغرب السبعينات واستمرارية هذه الصفة في المرحلة الراهنة في عقول الكتاب التقليديين ؟ يرى الكاتب أن مصطلح "المخزن" لا يفي بما يروم التعبير عنه ويضيف إليه تعسفا "الكومبرادور" لكون مصطلح "المخزن" بقي حبيس العقلية التقليدية للكتابة التأريخية ولم ينبتق هذا المصطلح ماديا تاريخيا من عمق الصراعات الطبقية للثورة المغربية كما هو الشأن في الثورة الصينية، وهل يطمح الكتاب الماركسيون التقليديون أن يصبح يوما هذا المصطلح الفضفاض مفهوما يدخل قاموس المادية التاريخية أم أنه سيظل عزاءهم لإبراز التمايز في الكتابة التأريخية ؟

إن إضافة صفة معينة كمفهوم مادي تاريخي لا يمكن أن يتم إلا من صلب الصراعات الطبقية للثورات الإجتماعية كما هو الشأن بالنسبة لمفهوم الماركسية والماركسية اللينينينة كمفهومين يعبران عن مرحلتين تاريخيتين من الصراعات الطبقية ضد الإمبريالية والدولة الإحتكارية، لهذا فاستعمال مصطلح "المخزن" لتمييز صفة الدولة بمغرب السبعينات والإستمرار في تداول هذا المصطلح إنما يندرج ضمن التقليد والتقليدانية التي تكرس التبعية لقيود الماضي المظلم، ذلك ما يشكل عائقا أمام الإرتقاء بالفكر الماركسي بالمغرب إلى مستوى التحليل المادي التاريخي، ليبقى المنهج التجزيئي البورجوازي هو السائد لدى الكتاب الساسيين الذين يكبلهم الحنين إلى الماضي وتقديسه إلى حد تكريس مصطلحات لا أساس ماديا تاريخيا لها، يستعملونها لتحليل أوضاع سياسية تعرف تطورا سريعا منقطع النظير في الوقت الذي يضعون أمام أعينهم تغيير هذه الأوضاع دون القدرة على تجاوز مخلفات الماضي.

هكذا تندرج كتاب المناضل فؤاد الهيلالي ضمن الكتابات السياسية التقليدانية التي لا يستطيع إبداع أساليب متطورة باستعمال التحليل المادي التاريخي لأوضاع تحتاج إلى التغيير أكثر مما تحتاج إلى الوصف كما قال ماركس يوما، لذا فإن أي كتابة يمكن أن نسميها ماركسية دون القدرة على القطيعة الإبستيمولوجية مع قيود الكتابة التقليدانية إنما هو يضر بالحركة الماركسية اللينينية أكثر مما يقدم لها خدمة في اتجاه التغيير، وما لم يستطع الكتاب السياسيين خاصة منهم الماركسيين تغليب الموضوع على الذات وبلورة جدلية النقد والنقد الذاتي إنما تبقى كتاباتهم على صفحات جامدة تنتظرها الرفوف وتأكلها الأرضة.