لامساومة لامتاجرة سياسية - القسم الثانى - 2 - ويلهيلم ليبكنخت


سعيد العليمى
2014 / 12 / 20 - 00:01     

اختلافات الرأى النظرية ، ليست مادية : التاكتيكات مادية
لايمثل اختلاف الآراء حول الامور النظرية ابدا خطرا على الحزب . وبالنسبة لنا مامن حدود لدينا للنقد ، وايا ماكان قدر احترامنا كبيرا لمؤسسي ورواد حزبنا ، فاننا لانعترف بعصمة احد ومامن سلطة نعترف بها سوى العلم ، الذى تتسع دائرته ويبرهن دائما على ان مااعتنقه فيما مضى كحقائق بات الآن خطأ ، ويدمر الاسس القديمة المتحللة ويخلق اخرى جديدة ، ولايقف ساكنا للحظة ، وانما يتحرك فى تقدم دائم بقسوة على رمس كل اعتقاد دوجماتى . قلت فى مؤتمر الوحدة الذى عقد فى مدينة جوتا منذ اربع وعشرين عاما مضت " نحن لانعترف ببابا معصوم ، ولاحتى ادبيا ." وعندما اوضحت فى عام 1891 فى ايرفورت ودافعت عن البرنامج السياسي الجديد ، الذى تم تبنيه بالاجماع ، اعلنت لأن برنامجنا بالضبط كان برنامجا علميا فلابد ان يتغير دائما فى الامور الصغرى حتى يتوافق مع التقدم المستمر للعلم . واننى اؤكد انه مامن احد -- ماركس بالرغم من ذكاءه العميق والشامل لايستطيع مثله مثل اى احد – ان يبلغ بالعلم حد التمام ، ويمثل هذا الوضع بالنسبة لكل من يفهم طبيعة العلم استنتاجا مفروغا منه . على ذلك ، مامن اشتراكى له الحق فى ان يدين نقد الافكار النظرية للتعاليم الماركسية او ان يطرد احدا من الحزب بسبب مثل هذا النقد . ولكن يختلف الامر كليا حينما تتضمن مثل هذه الهجمات قلبا كاملا لكامل مفهومنا عن المجتمع ، كما هو الحال ، على سبيل المثال ، مع برنشتين . حيث يكون الدفاع النشيط الحى مطلوبا هنا .
التنصل العملى من افكارنا هو الاشد خطرا من الهجمات النظرية . تستهوى المناقشات النظرية بالمقارنة قلة قليلة فقط من عضويتنا ، بينما يمس التنصل العملى من المبادئ والانتهاكات التاكتيكية لبرنامج الحزب كل رفيق حزبى ويثير انتباه كل رفيق ، وحين لاتضبط وتصوب بسرعة فانها تثير التشوش داخل الحزب . لااعتقد ان احدا سيجادلنى ممن هم ملمون بالظروف ، وبالحزب ، حينما اقول ان الجمهور داخل الحزب يهتم اهتماما ضئيلا بكتابات برنشتين . وهى تلقى تعاطفا فقط فى اوساط هؤلاء الذين تبنوا سابقا وجهات نظر مشابهة ، وهم يثيرون احاسيسا فى خصومنا وحدهم ممن يأملون ان يروا تحقق امانيهم القديمة فى حدوث انشقاق فى الحزب ، او ان يروا الاشتراكية الديموقراطية بمجملها تنتقل مع قرع الطبول لمعسكر البورجوازية . سوف اراهن على ان عدد من قرأوا كتاب برنشتين من رفاقنا لم يتجاوز عشرة آلاف ، واننى ابعد من ان اعتبر هذا لوما للحزب لأنهم لم يظهروا ميلا لشغل انفسهم مرة اخرى بالشتلات التى قام مؤسسوا الاشتراكية ، اكثر من جيل مضى ، نعم ، وفى بعض الحالات اكثر من جيلين مضيا بشق طريق الاشتراكية بازالتها . وقد نتهم رفاقنا كذلك بانهم غير علميين لانهم لم يعودوا يقرأوا الكتابات العتيقة للسيدين شولتزه—ديليتش التى ترقد فى مكان ما فى قرى الريف مغطاة بالتراب متسخة .
انظروا لقائمة هؤلاء الذين علقوا على كتاب برنشتين . لايوجد عامل واحد من بينهم . فقط هؤلاء الرفاق الذين يتقوم واجبهم المهنى فى ان يقرأوا ويناقشوا كتابات كهذه . وعلى النقيض باى اهتمام تابع كل الحزب ، مسألة المشاركة فى الانتخابات التشريعية البروسية ، او التحالف الانتخابى فى بافاريا – كم كانت المناقشة حية ! اظهر هذا الاهتمام الحى نضج الحزب . لقد تجاوزنا مرحلة الجدالات النظرية حول البرامج السياسية . ونترك تأسيس ، وتطوير وتوضيح برنامجنا للعلم ، وهو فى مجتمعنا الراهن عمل قلة . ولكن التطبيق العملى لبرنامجنا ، وتاكتيكات الحزب هى شغل الجميع ، هنا يعمل الجميع معا .
ان الاهمية العظمى للتاكتيكات وضرورة الحفاظ على طابع صراعها الطبقى ، هى أمر كان الحزب واعيا به جيدا منذ البداية . اذا قرأنا محاضر المؤتمرات الأولى التى عقدت فى السبعينات سوف نجد ان كل قضايا التاكتيك حوت الفكرة التى كانت تتصدر باستمرار وهى ان الحزب لابد ان ينأى عن الاختلاط بكل الاحزاب الاخرى ، فكل واحد منها ، بغض النظر عن اختلاف الواحد عن الآخر او بأى شراسة حارب احدهما الآخر ، يقف على ارض المجتمع البورجوازى بوصفها قاعدتهم المشتركة . هذا الانفصال بين الاشتراكية الديموقراطية والاحزاب الاخرى ، هذا الاختلاف الجوهرى ، الذى يتخذة الخصوم السخفاء سببا او ذريعة لاعلان اننا خارجون سياسيا عن القانون هو مصدر فخرنا وقوتنا .
فى مؤتمر هامبورج ، وتحت تأثير سلسلة من الظروف المشوشة ، ظهر ان جمهور المندوبين بدا مصمما على ان يتنكر للتكتيكات والتقاليد القديمة ، وقد استعاد الحزب نفسه فى اللحظة الاخيرة قبل ان يقفز فى الظلام واعلن انه يعارض باغلبية ساحقة كل مساومة . وقد ظل هذا القرار نافذا حتى اليوم .اذا كانت انتخابات مقاطعتين او ثلاثة قد اقتنعت بدخول تحالف مع حزب بورجوازى ، فان هذا قد تم على مسؤوليتهم الخاصة وبانتهاك صريح لقرار هامبورج ، ودعونى اكرر ، انه لم يسحب بقرار شتوتجارت . من ناحية اخرى ، فان رفاق برلين الذين جرت شكايتهم من اصدقاء المساومة بوصفهم منتهكين لقرار هامبورج ، قد اتبعوا بضمير حى روحه وحرفه ، وبموقفهم الصارم حافظوا على سلطة المجلس الاعلى للحزب وادوا خدمة للحزب .ان المدافعين عن تاكتيك المساومات يغالون فى قيمة النشاط البرلمانى والتمثيل البرلمانى ، لكن هذه ليست غاية ، ولكنها وسيلة لغاية . لاتقاس قوتنا بعدد ممثلينا ، وانما بعدد الاصوات التى تقف وراءنا .
ان شعور المغالاة فى تقدير امتلاك الممثلين هو شعور بورجوازى . هناك سلطة فى التمثيل كما فى النقود – سلطة على الآخرين . ان من يضع نقاوة وعظمة حزبنا فوق اى شئ آخر ، سيرى ان للممثلين قيمة فقط فى الحدود التى يخدموا فيها باعطاء تعبير لسلطة ومدى الاشتراكية الديموقراطية . ماذا يعنى عشرة ، ماذا يعنى مائة من الممثلين ، حين يفقد شعارنا لسانه من خلال كسبهم ؟ ان قيمة الممثل ضئيلة . ولكن قيمة استقامة وتمام حزبنا لاتقاس . ففيها تكمن قوتنا . مثلما اختفت قوة شمشون بالشعر المقصوص الذى دلل على شرف رجولته . فهكذا سوف تتوقف قوة حزبنا اذا سمحنا لدليلة البورجوازية ان تنزع باطراءنا اثمن جوهرة وجذور قوتنا المنتصرة – نقاوة الحزب ، وشرف الحزب .
يتبع