حياة ماو تسي تونغ-الجزء الرابع: من المسيرة الطويلة إلى تحرير خونان


عسو الخطابي
2005 / 9 / 2 - 13:01     

1- في بداية سنوات الثلاثينات (30)، خاض الجيش الأحمر و انتصر في العديد من المعارك ضد جيوش حكومة الكيومنتانغ، و تم إنشاء العديد من قواعد الإرتكاز. و عندما اقتحمت اليابان الصين سنة1932 أعلن الحزب الشيوعي الصيني الحرب ضد المحتلين ودعا الشعب الصيني إلى المقاومة. لكن الفيالق التي يتزعمها تشيانغ كاي تشيك رفضت مقاتلة اليابانيين، مرتمية عوض ذلك في هجمات شرسة ضد الجيش الاحمر، وفي سنة 1933 أطلق الكومينتانغ حملة التطويق والابادة الخامسة ضد الشيوعيين بدعم من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا و توجيهات الخبراء الألمان،فتمت تعبئة مالا يقل عن مليون جندي مجهزين بالدبابات والطائرات المقاتلة ، ضد الجيش الاحمر.

ويوم 16 اكتوبر 1934 أرغِم ماو والجيش الاحمر على القيام بتراجع استراتيجي نحو إقليم كيانغشي، وقد شكل هذا البداية الاكثر إدهاشا وبطولية وتحميسا في الثورة الصينية: "المسيرة الطويلة" الشهيرة.

فالجيش الاحمر، المشكل من العمال والفلاحين ثم إنهاكه بعد شهور من المعارك، لكن تمكن من الوقوف ومواجهة رشاشات الكيومينتانغ وتجاوز الاسلاك الشائكة، إذ خيضت تسع معارك ضد فيالق الكيومينتانغ المائة هلك خلالها 25000 جندي من الجيش الاحمر. بقي الآلاف من الفلاحين في الخلف وبقيادة عدد قليل من جنود الجيش الأحمر قاتلوا حتى النهاية وقد أبطأت بطولتهم تقدم العدو وسمحت لماو وللجيش الاحمر بالانسحاب.إنظم العديد من الفلاحين الى المسيرة التي قام بها الجيش الاحمر شبابا وشيوخا، رجالا ونساءا، شيوعيين و"لاحزبيين" أطفالا مراهقين بين 12 و 13 قدموا للخدمة كجنود مراسلة، عمال مطبخ، وناقلين، ونافخي بوق.

2- على طول المسيرة إعتاد الجيش الأحمر على مواجهة هجمات متواصلة . يحكي أحد الجنود كيف كان يجري ذلك:«كنا نناضل كل يوم، كنا اقل عدد منهم كثيرا كل ما كنا نستطيع القيام به هو تحميس جرأتنا ، كنا نغني باستمرار هذا المقطع"الجيش الاحمر لا يخاف الموت ، كل من يخاف الموت ليس عضوا في الجيش الأحمر" كنا متعبين جدا الى حد أننا كنا نتعاضد حتى لا نسقط... كنا ننام ونحن واقفين، وكذا ننام ونحن نمشي، ولا نفكر سوى في شيء واحد: النوم ! لكن كنا لا نتوقف لننام ... فالأكثر قوة كانوا يجرون الأكثر ضعفا لم نكن نريد أن يجرجر أحد قدميه. كنا نربط بعضنا بعضا في خط بواسطة حبل لنتاكد من ان الكل يتبعنا. وكنا نسمي هذا النوم الطائر ( le sommeil volant) « ويحكي جندي آخر تجربته بالعبارات التالية : «عندما كنا في ميدان العدو ،كنا عادة نسير ليلا لتفادي الهجمات الجوية وكان المشهد يكون أحيانا مدهشا، خاصة عندما يكون الجو صحوا بحيث لايكون هناك سوى نسيم خفيف ونستطيع رؤية النجوم . وعندما تكون فيالق العدو أكثر بعدا كنا نغني بشكل جماعي في طريقنا من قرية الى أخرى . وعندما يكون الوضع شديد الظلمة كنا نوقد مشاعل من أغصان الصنوبر أو الخيزران كان ذلك رائعا حقا ! وعلى سفح الجبل كنا نستطيع رؤية عمود هائل مضاء كان يعطي الانطباع بتنين جموح ومن القمة كنا نرى المشاعل على كيلومترات من جميع الجهات كان ذلك مثل موجة من نار أو بريق أمل صاحَبنا طوال المسيرة ".

3 – وفي يناير 1935 بلغ الجيش الأحمر تسونيي فعقد قادة الحزب مؤتمرا هاما . حيث انتُقد فيه بشدة الخط العسكري الذي دفع الجيش الأحمر إلى عدة هزائم . ففرض إذن الخط العام العسكري والخط السياسي العام الذي كان يدافع عنه ماو و أصبح ماو نفسه القائد الرئيسي للحزب وإلى هذه اللحظة لم يسبق لخط ماو أن كان سائدا وكان ماو يعتقد أنه ينبغي خوض حرب حركة(une guerre de mouvement) بمعنى انتظار أن تكون الوضعية ملائمة قبل الهجوم وجر العدو إلى الداخل ودفعه إلى ارتكاب أخطاء كفيلة بكشف نقاط ضعفه . وكما رواه عدد من جنود الجيش الأحمر "كان الرئيس ماو يجد دائما الطريقة لجر العدو إلى القيام بما كنا نريده وكان يسمي ذلك أخذ المبادرة وبالفعل كان ماو يسوق العدو من شحمة أذنه "

وفي تسونيي حدد ماو من جديد المهام الأساسية للجيش الأحمر : القيام بالدعاية وسط الجماهير تنظيمها وتعليمها ومساعدتها على خلق مؤسسات سياسية شعبية وقد كشف أخيرا للجنود غاية المسيرة الطويلة: الشمال- الغربي للصين للعمل على مقاتلة اليابان.

وتحت قيادة ماو تحول هذا التراجع الاستراتيجي الذي هو المسيرة الطويلة إلى انتصار وجد الجيش الأحمر نفسه بعده في وضع أفضل من أي وقت سابق وعندما غادر الجيش الأحمر تسونيي التحق حوالي 4000 من الفلاحين والفلاحات من المنطقة بالمسيرة.

يحكي أحد الجنود: " كنا نعقد تجمعات كبيرة للجماهير. وكان " فيلقنا للدراما " يقدم مشاهد مسرحية وأغاني، بينما كان جنود آخرون يكتبون الشعارات ويوزعون نماذج للدستور والقوانين الأساسية للحكومة السوفياتية. ومنذ أن تكون لنا إمكانية المكوث لأكثر من ليلة واحدة في مكان ما، كنا نستغل ذلك الوقت لتعليم الفلاحين كتابة على الأقل ستة حروف:« لندمر التوهاوtuhao» (أي النبلاء الإقطاعيين و الملاكين العقاريين) و « لنقتسم الأرض». و قد كان الفلاحون يجدون دائما طريقة لمساعدتنا، بالاعتناء بالمرضى، و الجرحى، أو الذين تعبوا من مواصلة السير. و كان كل من الجرحى الذين كنا نضطر لتركهم في مكان ما يتوفرون على قدر من المال، و المؤونة و سلاح ناري، و كنا نعطيه توكيل قيادة الفلاحين لمواصلة حرب الأنصار، منذ أن تطرح".

« إن المسيرة الطويلة هي بيان. لقد أكدت للعالم كله أن الجيش الأحمر هو جيش أبطال، بينما الإمبرياليون و كلابهم المتذللة مثل شيانغ كاي تشيك، عاجزون... و المسيرة الطويلة هي أيضا أداة للدعاية، لقد بينت لحوالي 200 مليون شخص في إحدى عشر مقاطعة مختلفة أن طريق الجيش الأحمر هي الوحيدة القادرة على أن تقود إلى التحرير. فكيف كانت الجماهير العريضة تستطيع استيعاب الحقيقة الكبيرة التي يجسدها الجيش الأحمر، بدون المسيرة الطويلة؟ فالمسيرة الطويلة هي في آخر الأمر آلة للزرع،إذ زرعت بذورا ستنمو في كل المقاطعات الإحدى عشر التي مرت منها لتعطي الأوراق و الزهور و الثمار التي يمكننا جنيها في المستقبل. و بكلمة، انتهت المسيرة الطويلة إلى انتصار لنا و هزيمة للعدو. فمن قاد المسيرة الطويلة إلى النصر؟ إنه الحزب الشيوعي الصيني. فبدون الحزب الشيوعي الصيني لم تكن لتُتَصور مسيرة طويلة من هذا الصنف.» ماو تسي تونغ .



5- كمنت فيالق الكيومنتانغ على طول نهر تاتو، حيث كانت تنتظر الجيش الأحمر بنية القضاء على صموده و مقاومته، إذ كان كاي تشيك يتوعد بوقف تقدم من كان يسميهم " قطاع الطرق الحمر"، كما كان الأمر أثناء انتفاضة الفلاحين سنة 1864. و قد شكل عبور نهر تاتو الرهان الأكثر أهمية في المسيرة الطويلة كلها، فلو لم يتمكن الجيش الأحمر من تحقيق هذا الهدف، كان من المحتمل أن يشكل ذلك نهاية المسيرة الطويلة و بالتالي نهاية الثورة كلها بعد ذلك.

كانت فيالق الكيومنتانغ قريبة من الجيش الأحمر عندما بلغ نهر تاتو. و قد كانت الطريقة الوحيدة لجيوش ماو لعبور النهر بسرعة دون أن تحاصر هي أن تمر عبر جسر ليتنغ شياو، على بعد حوالي 160كلمتر من ذلك المكان. في حين كان الكومنتانغ قد تمكن من إحكام السيطرة على المدينة الموجودة قرب الجسر، فاضطر الجيش الأحمر أن يسير ليل نهار للوصول إلى الجسر، إذ كان لا يتوقف إلا لاستراحات قصيرة لبضعة دقائق، و هو الوقت الكافي لتجديد القوى، وخلال هذه الاستراحات كان المربون السياسيون يستغلون ذلك الوقت لتذكير الجنود برهانات هذه العملية، داعين إياهم إلى بذل جهد كبير أخير لتحقيق النصر.

كان الجسر المعني قديما بعدة مئات من السنين، وكان يتشكل من ستة عشر سلسلة ثقيلة جدا من الحديد تربط الضفتين، و وُضعت عليها أعمدة سميكة من الخشب. لكن الكيومنتانغ كان قد أزال الأعمدة الخشبية عن حوالي نصف الجسر، و في النصف الآخر كمن حراس مسلحون برشاشات منتظرين وصول الجيش الأحمر و محاولته عبور الجسر..سأل ماو إن كان هناك متطوعون للمخاطرة بحياتهم، فكان الثلاثون شخصا الذين اختيروا في البداية مسلحين بقنابل يدوية و مسدسات، فاندفعوا للهجوم عابرين الجسر كتفا لكتف، متمسكين بالسلاسل و طيلة هذا الوقت كان جنود الكيومنتانغ و الجيش الأحمر يتبادلون إطلاق النار من الرشاشات من ضفة إلى أخرى.

أصيب البطل الأول الذي اندفع إلى الجسر فسقط في النهر، و تبعه الثاني، و بعده الثالث. فأصيب جنود الكيومنتانغ بالريبة: أي صنف من الجنود يواجهون؟ هل هم حقا بشر؟ أم يتعلق الأمر بآلهة، أم فقط بساخطين طائشين؟ من الجلي أنهم لم يكونوا جنودا عاديين يقاتلون من أجل قدح من الأرز. وبعد عدة محاولات تمكن أخيرا أحد الجنود من بلوغ الجزء الثاني من الجسر، و ألقى قنبلة أصابت الهدف: تحصينات العدو. بعدها أطلقت فيالق الكيومنتانغ النار على الجسر، لكن عددا أكثر فأكثر من الجنود كانوا يتمكنون من عبوره ملقين بالقنابل كالأمطار في اتجاه العدو فأصيبت أغلبية جنود العدو بالهلع و فروا، باستثناء حوالي مائة منهم استسلموا أخيرا و التحقوا بالجيش الأحمر. و قد حُررت المدينة إلى أن علق بعض الفلاحين المحليين قائلين أن أرواح شهداء انتفاضة تايبينغ قد تم أخيرا الانتقام لها.



6- انتهت المسيرة الطويلة في شمال إقليم شينشي، قرب السور العظيم، يتعلق الأمر بمنطقة مٌُقفرة و قاحلة وجبلية، إذ كانت الأرض فيها مدمرة جدا و التراب غير ذي جدوى إلى حد أنه كان يبدو أن لا أحد بمستطاعه العيش فيها. لكن ضد كل منطق، كان يعيش فيها ما لا يقل عن مليونين من الأشخاص في مغارات مليئة بالفئران و الذباب. و قد حيى هؤلاء الفلاحين و الفلاحات، الذين و اللواتي كانوا و كن فقراء و فقيرات، وصول ماو و الجيش الأحمر حاملين مستقبلا أفضل.

ومع نهاية سنة 1936، انتقل ماو وجنوده الى يانان، التي أُعلنت عاصمة لـ " المنطقة الحدودية تشينسي- كانسو- نينغشيا، التي عاش فيها ماو في مغارة من ثلاث حُجَر، على منحدر جبل، تضم غرفة للنوم وغرفة للدراسة وأخرى للضيوف. ولم يكن يمتلك سوى زوجا من البدل، ومعطفا محشوا، ولم تكن له أي ثروة أخرى في ملكه. وفي يانان اهتم ماو بإعادة بناء الجيش الأحمر والحزب الشيوعي الصيني، بهدف ليس فقط تحقيق النصر في حرب التحرير ضد اليابان بل ايضا لوضع الأسس من أجل دك الكيومنتانغ والاستيلاء على السلطة في البلد كله.



7- وقد عبَّر ماو دائما عن أهمية خلق ونشر قواعد الارتكاز، بحيث يتمكن الجيش الأحمر من تقوية نفسه و كسب دعم الفلاحين و الفلاحات. أصبحت يانان حصنا قويا للجيش الأحمر،إذ فيها تم تدريب و تكوين و تنظيم أكثر من مائة ألف من كوادر الحزب، تحت قيادة ماو. ومنها أيضا قاد ماو فيالق الجيش الأحمر عبر الصين كلها.

قدم الآلاف من العمال و الفلاحين و المثقفين إلى يانان قادمين إليها من البلاد كلها، نفس الشيء مع ممثلي الأقليات القومية – منغوليين، مسلمين، تيبيتيين و أعضاء قبائل مياو و لولو- الذين أتوا هم أيضا، و كل هؤلاء "المهاجرون" الذين كانوا يأتون إلى يانان كان ينبغي لهم عبور الحواجز، و الأسلاك الشائكة، و الخنادق التي حفرها اليابانيون و الكيومنتانغ. و كان أولئك الذين يتم القبض عليهم يعذبون و يرسَلون إلى معسكرات الاعتقال، إذا لم يتم إعدامهم ببساطة. لكن في كل يوم كان أشخاص جدد يباشرون الرحلة المحفوفة بالمخاطر نحو يانان، مقتنعين بما يعنيه هذا المكان لهم من مستقبل أفضل. إذ شكلت يانان حقا مركزا للتنظيم انطلق منه الشعب الصيني و الجيش الأحمر لخوض نضال من أجل دك الإمبريالية و الاستيلاء على السلطة، و في هذه المنطقة المحررة تم بناء مجتمع جديد، زارعين بذور الاشتراكية القادمة.



8- بعد أن فرض اليابانيون حصارا اقتصاديا على المناطق المحررة سنة 1941، أطلق ماو حملة كبرى لتطوير الإنتاج في هذه المناطق، إذ دعا الناس إلى أن ينظموا أنفسهم بحيث يصبحون مستقلين ذاتيا على المستوى الاقتصادي. فتم تشييد معامل في ما لم يكن سوى أكواخ، و حتى في المغارات، دون الحديث عن المعابد القديمة التي غادرها مسؤولوها. فعمل عشرات الآلاف من الأشخاص في ورشات صغيرة كانت تُصنَع فيها البطاريات، و الحبال، و فرشاة الأسنان، و الصابون، و عود الثقاب و الورق، و منتوجات أخرى من نفس الصنف، وضرورية للحياة العادية. وكان معمل السلاح ينتج أيضا قنابل يدوية ومتفجرات ( رغم أن مجمل الذخيرة المستعملة من طرف الجيش الأحمر استمرت تأتي من صفوف العدو). كما بدأ سك العملة، التي كتبت عليها شعارات مثل " لتسقط الحرب الأهلية " " لنتحد من أجل مقاومة اليابان" و " عاشت الثورة الصينية ".

أثناء هذه الفترة تشكلت تعاونيات وفرق تعاضدية، لدفع الفلاحين الى العمل بشكل جماعي، واقتسام أدواتهم ودوابهم. كان ماو يؤمن انه إذا لم تُستبدل الأساليب القديمة الفردية للإنتاج بأساليب جماعية جديدة، سيكون من المستحيل تطوير الإنتاج بالشكل اللازم. وفي المناطق الأخرى من الصين خصوصا المحتلة من طرف اليابان وتلك التي كان يسود فيها الكيومينتانغ، كانت الجماهير الصينية تعاني فعلا من الجوع وكانت تعيش أوضاعا مزرية. بينما في المناطق المحررة لم يكن الناس يلبون حاجياتهم وفقط، بل كانوا يتعلمون العيش والعمل بشكل مختلف، بشكل جماعي، اشتراكي.

9- أكد ماو باستمرار على أهمية عمل التنظيم السياسي بين الجماهير، هكذا تمكن الأكثر تعرضا للاضطهاد من بين المضطهدين – الذين أُهينت كرامتهم حتى تلك اللحظة- من البدء في أخذ السلطة بين أيديهم. ففي يانان تشكلت عدة جماعات ثورية من كل الأصناف، شاملة جوانب مختلفة من الحياة: منظمات نسائية، منظمات للشباب، للعمال، للفلاحين، للتلاميذ، ولكبار السن. بل كانت هناك أيضا جمعية " للمقعدين" الذين كانوا يجتمعون لممارسة النقد الذاتي ومحاولة الانخراط في العمل المنتج.

كما ذهب عدد من الممثلين والكتاب والمثقفين الى يانان . وفي سنة 1942 القى ماو سلسلة أحاديث مدوية حول الروابط بين الفن والثورة. إذ كان يسعى الى تشجيع الممثلين والكتاب لإنجاز أعمال كفيلة بخدمة الشعب. وكان يقول أن الممثلين ينبغي لهم أن يعرفوا ويفهموا حياة الشعب، إذا كانوا يرغبون في التمكن من إنتاج فن ثوري. ومن بين الممثلين الذين ذهبوا الى يانان ينبغي الإشارة الى شيانغ شينغ، وهي ممثلة كانت قد التحقت بصفوف الحزب سنة 1933، وبعد وصولها الى يانان سنة 1937 التحقت بفرق الدعاية التي كانت مكلفة بالذهاب الى القرى لعرض مقاطع مسرحية للفلاحين. و في يانان التقت لأول مرة بماو، و أحبا بعضهما البعض و تزوجا قي أبريل من سنة 1939.



10- في الشمال الغربي من الصين، كان الملاكون العقاريون و الموظفون و التجار وحدهم من يعرفون القراءة و الكتابة، قبل وصول الجيش الأحمر إلى هناك. حيث كانت نسبة الأمية تصل إلى 95%، فأصر ماو على ضرورة تطوير برامج للتعليم في المناطق المحررة. إذ تم تعليم جنود الجيش الأحمر أنفُسَهم القراءة و الكتابة. و نظرا لعدم وجود ما يكفي من الورق، كان ينبغي للناس أن يتعلموا بالكتابة على الرمل. و كان الجنود يلصقون لبعضهم البعض قطعا من الورق على الظهر كُتبت عليها كلمات باللغة الصينية للاستمرار في التعلم عندما ينتقلون في شكل صفوف متوالية. وكان ماو يؤمن أن التكوين ينبغي أن يرتبط بحل إشكالات الممارسة الاجتماعية. هكذا كان يريد "ربط النظرية بالممارسة"، سواء تعلق الأمر بتربية الخنازير أو بغرس الأشجار، أو بحفر الآبار و أيضا بخوض معركة عسكرية.

و بفضل هذه الحملات ضد الأمية تمكنت الجماهير من تعلم أمور كثيرة حول الثورة. كما تعلم الأطفال القراءة و الكتابة بواسطة شعارات ثورية بسيطة و حكايات مرتبطة بالصراع الطبقي. مثل "من هذا؟" "هذا رجل فقير" "ما هو العلم الأحمر؟" "العلم الأحمر هو علم الجيش الأحمر" " ماهو الجيش الأحمر؟" " الجيش الأحمر هو جيش الفقراء"، هذا مثلا درس نموذجي للأطفال. و عندما انتهاء الدرس يكون الطلبة قادرين ليس فقط على القراءة لأول مرة في حياتهم بل و يعرفون فوق كل شيء من كان يعلمهم، و لماذا كان يفعل ذلك. كان هؤلاء الناس يناضلون من أجل تعلم الأفكار الأولية للصراع الطبقي و الشيوعية.

11- في يانان كما في كل المناطق المحررة كانت الحياة بشكل عام متخلفة و بدائية، لكن العلاقات الاجتماعية التي كانت تسود فيها، كانت الأكثر معاصرة و الأكثر ثورية في الصين كلها. فالوحشية و الفقر اللذان تتسم بهما الإقطاعية كانا يفقدان جذوهما فيها. فحياة أولئك الذين و اللواتي لم يكونوا يملكون شيئاً من قبل، تم تغييرها بشكل جذري. كما أن استهلاك الأفيون، و ممارسة "الأقدام المربوطة" (التي كان يتم بها كسر و ربط أقدام الفتيات حتى يحافظن على هيئتهن "ناعمة و أنثوية" طيلة حياتهن)، و قتل الأطفال، و عبوديتهم، و دعارتهم: كل هذه الممارسات و "الأعراف" تم القضاء عليها، نفس الشيء في العلاقة مع الدين و الخرافات و السحر التي عُوضت بالمعرفة العلمية و الثورية. أما الملاكين العقاريين فلم يكن يُسمَح لهم بالعيش على حساب الشعب. كما تم القضاء على الضرائب أو تقليصها بشكل كبير. و أُعطيَّت الأراضي للفلاحين الجائعين، وأتيحت الفرص لكل واحد و واحدة للمشاركة في الإنتاج.

أكد ماو باستمرار على أن الثورة يجب أن تحرر أيضا الجماهير النسائية التي كانت تعاني اضطهادا وحشيا في ظل الإقطاعية. هكذا أصبح بيع و شراء الزوجات و العاهرات ممنوعا داخل المناطق المحررة و أُلغيَّ "الزواج المرتب" الذي كان فيه الآباء يختارون أزواجا لبناتهم. و لأول مرة في الصين أصبح الزواج سلوكا مبنيا على الرضا الحر، فالرجال و النساء الذين و اللواتي كانوا و كن يعيشون و يعشن في علاقات ملتزمة ( بدون زواج) كان يتم اعتبارهم على نفس مرتبة الأشخاص المتزوجين، لم يكن هناك أطفال "غير شرعيين"، و عندما ينفصل الاثنان كانت ثروتهم تُقتسم بالتساوي فيما بينهما، و ينبغي لهما الاعتناء بالأطفال لكن على الزوج أن يتحمل كل الديون المُقترضة من طرفهما معا، و المساهمة بنسبة الثلثين في المصاريف المرتبطة بنفقة الأطفال.

12- كل هذا جعل أن يانان أصبحت المركز الضخم للحركة الهادفة إلى توسيع المناطق المحررة. فبعد تلقيهم للتداريب في يانان، كان جنود الجيش الأحمر و المناضلين و المناضلات الآخرين و الأخريات ينتشرون عبر الصين كلها لقيادة النضال من أجل تحرير المناطق الأخرى. و في سنة 1945 أي عشر سنوات بعد نهاية المسيرة الطويلة أُنشأت تسعة عشر قاعدة ارتكاز في تسع مقاطعات، و هو ما يعني أن حوالي مائة مليون شخص كانوا يعيشون تحت قيادة شيوعية.

و لو لم تكن هناك قاعدة ثورية كتلك التي كانت في يانان لما كان ماو و الجيش الأحمر قادرين على مواصلة الصراع ضد اليابانيين و الكيومنتانغ و الاستيلاء على السلطة على صعيد البلد. فمنذ البدايات الأولى للثورة الصينية، استوعب ماو أهمية خلق قواعد ارتكاز من هذا الصنف، التي يجب الاستناد عليها لتهيئ انطلاق الحرب الثورية. لقد مارس ماو القيادة النظرية و السياسية للجماهير من أجل تحرير الأرض و خلق قواعد ارتكاز، مما ساعد الجيش الأحمر على تحويل الوضعية المتخلفة للصين إلى قوة من أجل الثورة.لذا كان المُضطَهِدون أياَّ كانوا يكرهون نموذج يانان و بالمقابل و على عكس ذلك كانت يانان بالنسبة للجماهير الفقيرة أملها. إذ فيها غرست بذور مستقبل أفضل، متحرر من الوحشية و الفقر، و انتشرت و ترعرعت في الصين كلها.