كانتون الجزيرة، خطوة كبيرة صوب حرية المراة


ريبوار احمد
2014 / 12 / 7 - 22:49     

في اليوم الأربعين لحرب الدفاع الجسور عن كوباني ضد الحصار وهجمة عصابات داعش الإسلامية، توقعت في مقال لي بعنوان " كوباني انتصرت حتى لو سقطت الان" ان دخول الجماهير الميدان، وبالأخص الدور البارز والجسور للمراة، سيترك تاثير كبير على المكانة الاجتماعية للمرأة. وذكرت بهذا الصدد " من الصعب الان التصور ان النساء في مستقبل كوباني ستخضع للاستعباد والذكورية كالسابق دون ان يحدث تغيير بهذا الصدد". ان القانون الخاص الذي اقرته هذه الأيام إدارة كانتون الجزيرة حول حقوق النساء يزف لنا بشرى جزء مهم من إقامة هذه التغيرات المهمة. ان هذه ليست سوى خطوة في سبيل تحرر المراة وارساء تغيير طليعي. بيد انها خطوة مهمة وكبيرة جدا.
لقد كان توقعاً في محله، اذ تمثلت احد المكاسب المهمة لحرب الدفاع عن كوباني والدور البارز للمراة في الحرب وفي تركيع الرجعية الإسلامية بنفض التقليد الإسلامي البالي و اتخاذ خطوة في مسار اجراء تغيير كبير في المكانة الاجتماعية للمراة وتحقيق حريتها. وينبغي ان نؤكد بقوة على انه مهما كانت أسباب صدور هذا القانون، وبغض النظر عن القوة التي وقفت ورائه والطرف الذي يقف وراء السعي لاصدار هذا القانون، وبغض النظر عن أي ملاحظة يمكن ان تطرح فيما يخص بعض بنود هذا القرار وتفاصيله، فانه، ومن زاوية أي انسان تحرري، هو خطوة طليعية كبيرة ومبعث ثناء فعلاً. وإذ أجريت، دون شك، قراءة شاملة وتفصيلية للأسباب السياسية والاجتماعية والتاريخية لاصدار هذا القانون، فان عوامل كثيرة لعبت دوراً في هذه القضية. ولكن بوسعي ان أقول، ودون تردد، ان حرب الدفاع عن كوباني بوجه الوحشية والرجعية الإسلامية، وبالأخص الدور البارز للمراة في هذه الحرب الجسورة، هي عامل مهم جدا بالاخص في صياغة وإبراز هذا القانون في هذا الوقت المحدد. أي انه احد المكاسب المهمة لانتصار كوباني والتي وصفتها لها في مقالتي "كوباني انتصرت حتى لو سقطت الان"
ان تقدم النضال ضد أي ظاهرة يقوي الاطروحة المضادة لهذه الظاهرة. ان هذا قانون اجتماعي ومنطقي بسيط. وعليه، فان هذه الحرب ضد الرجعية الإسلامية، تنتج النزعة المعادية للاسلاموية. اذ لايمكن ان تمرغ نساء ورجال كوباني، بالنضال والتضحية والفداء، وجه الرجعية والفساد والنكاح والجهاد الإسلامي في التراب، وبعدها، ياتون، وبارادتهم، ليجعلوا من قوانين الإسلام وتقاليده طوق عبودية لهم ويغرقوا حياتهم في الظلام والتخلف والتمييز. رغم ماذكرته من انه مكسب مهم لنضال الدفاع بوجه البربرية الإسلامية لداعش ودور النساء في الحرب. الا ان قيادة كانتون الجزيرة، وعبر صياغة هذا القانون وارسائه، قد سجلت لنفسها فخراً كبيراً في التاريخ. وحتى اذا تمكنت القوى والسلطات والدول الرجعية للمنطقة والقوى العظمى، والذين لا ترمش اعينهم ذرة لانفتاح وضع النساء، من وأد هذا المنجز بمؤامرة ما، فان ليس بوسعهم خنق هذا البلاغ والرسالة التاريخيين. لقد اوجدت هذه الخطوة مكانتها التاريخية. وسيكون لها دور مهم في النضال التحرري والمساواتي لهذا المجتمع من الان فلاحقاً، بل وفي مجمل المنطقة. ان نفض تقليد القتل وبربرية القومية لمشاعر الشرف الملفحة بالإسلام، نفض الحكم الإسلامي بختم "ناقصة العقل والمكانة الدونية" على جبين النساء والتي برزت في احكام الشهادة والميراث و....، نفض المهر الإسلامي الذي يمثل رمز عبودية المراة وشكل من المتاجرة ببيع وشراء النساء، ونبذ التقليد المخزي لتعدد الزوجات الذي يعد احد اكثر التقاليد الإسلامية رجعية وذكورية، نفض التقليد الإسلامي الخاص بسلب حق المراة في الانفصال والطلاق و.... الخ، تعد هذه خطوة طليعية ومبعث ثناء، وفي الحقيقة ليس لها نظير في مجمل تاريخ المنطقة.
ان المنجز الاخر لخطوة كانتون الجزيرة هذه هو رفع الستار عن الوجه الحقيقي للاسلام والهزء بمجمل المساعي التي تنشد تبرئة الإسلام من بريرية وسفك الدماء وفساد داعش. ان رد الفعل الهستيري للجماعات والزمر الإسلامية، وبالأخص في كردستان العراق، بوجه هذه الخطوة الطليعية، هو دلالة على ان تقاليد الإسلام هي الشيء ذاته تمثله بريرية داعش اليوم دون قناع وتدعوا اليها. واذا تجبر الأوضاع وتوازن القوى الجماعات الإسلامية الأخرى في مكان ما على وضع قناع على اوجههم، وحتى اذا يقرون في بعض الأحيان على مضض بصورة مرائية الى حد كبير وياتون بعبارة حقوق المراة على السنتهم، فبوسع خطوة عملية على غرار كانتون الجزيرة ان ترمي بهم في ارتباك وهستيريا وتزيل القناع عن اوجههم. وبسماع عبارة حرية المراة، يقف شعر جسد الرجعية الإسلامية ويبث الرعب فيها، بدرجة فقدوا اتزانهم وسمحوا لانفسهم ان يهددوا صالح مسلم وكانتون الجزيرة بالتراجع عن دعم الحرب والدفاع عن كوباني امام بربرية داعش. ان هذا دليل ووثيقة تبين الوجه الحقيقي والداعشي لهذه الجماعات الإسلامية واثبات حقيقة انهم مثل خلفاء داعش يعتقدون اذا لم تطبق القوانين والشريعة الإسلامية في مجتمع ما، فمن الأفضل ان يتدمر ويمحى.
بالطبع ان تهديدهم كي يتراجع عن دعم جماهير كردستان سوريا وحزب الاتحاد الديمقراطي امام داعش، وبدل من ان يلحقوا أي ضرر بهذا الصراع وبحزب الاتحاد الديمقراطي، فقد كان في الحقيقة الخدمة الوحيدة التي بوسعهم تقديمها لجماهير كردستان سوريا وحزب الاتحاد الديمقراطي. لانه في الحقيقة اذا اشير لهذه الجماعات الإسلامية بوصفها واقفة في صف حماة هذه الحرب الدفاعية، فان ذلك نقطة ضعف لحركة الدفاع هذه وسعي لتلطيخ وتلويث ماهيتها التحررية امام انظار العالم. من الأفضل ومن المفيد اكثر ان تظهر هذه الجماعات بدورها ووجهها الداعشي بصورة سافرة وان لايغدوا لطخة قبيحة تلوث صف البشرية المتمدنة والتحررية في العالم في تضامنهم مع جماهير كوباني وكردستان سوريا. ينبغي النظر الى اماطة اللثام عن الوجه الداعشي للجماعات الإسلامية الأخرى بوصفه مكسب كسائر مكاسب خطوة كانتون الجزيرة هذه ومبعث فخر وحماس. ولكن من المؤكد ان تهديداتهم عديمة القيمة ومبعث سخرية تماماً. وان حركة المقاومة تلك التي مرغت وجه داعش في التراب واخجلت سلطة الناسيوناليستية الكردية في كردستان العراق والحقت الخراب بخطط امريكا وتركيا وعملائهم، هي اكثر استحكاماً من ان تنحني للضغط الهزيل لهذه الزمر والعصابات الرجعية وفتاوي ملاليهم، ويتراجعوا جراء هذا الكلام من خطواتهم الطليعية تلك. من الأفضل لهم ان يحولوا خطوتهم هذه الى عمل، وحين يروا بعدها نساء كردستان سوريا وهن يتخذن خطوات عظيمة في سبيل الحرية، بوسعهم ان يضربوا رؤوسهم في الصخر جراء حنقهم وغضبهم.
ان خطوة كانتون الجزيرة هذه هي، في الوقت ذاته، عامل مهم يوفر لنا الفرصة من زاوية ما تقييم حرب دفاع كوباني من جديد. في مقالي السابق، وفي ردي على تصور مفاده ان هذه المقاومة قد قوّت من تقليد الكردايتي والنزعة القومية الكردية وعمقتهما، ذكرت ان هذا التحليل خاطي، واشرت بهذا الصدد الى ان ما حدث في حرب مقاومة كوباني، بالاضافة الى ان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني لعب دور منظم وقائد لهذه الحرب وقد اثنيت على دوره هذا ايضاً، ولكني ذكرت ان هذا الحدث كان ظاهرة مفصولة عن تقليد النزعة القومية الكردية وان امر واقع جر خلفه القوى القومية كذلك. بوسعنا الان ان نجعل من مكسب هذا الحدث معياراً ونقيّم مرة أخرى هذا الحكم. ان تقليد النزعة القومية الكردية وكيفية تعاملها مع قضية المراة، سواء الان او على امتداد التاريخ السابق هو واضح امام انظار الجميع. ان اسس الإسلام دوماً هي، بالنسبة للنزعة القومية الكردية، مصدر تعامل مع قضية المراة. ان النزعة القومية الكردية، سواء بوصفها حركة سياسية اجتماعية او بوصفها عدد من الأحزاب السياسية المختلفة، نظرت للمراة وحقوق المراة دوماً من زاوية الإسلام وتعاملت معها وفق هذا الأساس. وقفت دوماً خلف عبودية ودونية المراة وتعدد الزوجات واعمال قتل النساء بمبررات الشرف و.... و.... ان اكثر المكاسب العصرية عند النزعة القومية الكردية لحد الان هي حكومة إقليم كردستان وبرلمان كردستان، النزعة القومية الكردية عموما، ومن بينهم حتى اؤلئك الذين في صراع وسخط وحتى حرب واعمال قتل مع الأطراف الأساسية لهذه الحكومة، يفتخرون بهذا البرلمان والحكومة بوصفهما مكسب تاريخي. ولكن ضحايا قتل الشرف في ظل هذه الحكومة وهذا البرلمان، هم اكثر كثيرا من ضحايا القصف الكيمياوي لحلبجة. ان مسودة دستور حكومة إقليم كردستان تتحدث بصراحة عن الشرع والاحكام الإسلامية بوصفها من الأسس الأساسية لدستور هذا الإقليم، ولم يأتي احد من التيارات القومية بصراحة بكلمة على لسانه ضده. استناداً لقانون هذا البرلمان، لازال قانون تعدد الزوجات يراعى بوصفه تقليد إسلامي قريشي في كردستان. ان حزب مثل حركة التغيير يدعي "المدنية والعصرية والليبرالية" اكثر من تيار "الاشتراكية الديمقراطية"، يرى فخره في التأكيد على والالتزام بـ"القوانين الإسلامية المقدسة" وصم اذان الناس بها. في الوقت الذي تدافع فيه جماهير كردستان سوريا بدمائهم بوجه البربرية والرجعية الإسلامية عن حياتها وحريتها وكرامتها الإنسانية، فان الحكومة المشتركة للقوميين الكرد من "الاشتراكيين الديمقراطيين" و"الليبراليين" في السليمانية التي صمت اذانها عن سماع ابسط مطاليب الجماهير والرد عليها، منهمكة في تنفيذ فتاوي داعش باغلاق البارات ومحلات بيع المشروبات الروحية والتضييق المتعاظم على ميدان الحريات الفردية والمدنية. ومن زاوية القوميين الكرد، فان حتى ما يسموه بمشاركة المراة في النضال المسلح، لا يتعدى فرض دور تامين الخدمات للرجال في الخنادق، ويبرزوه الان بوصفه دور المراة في الحرب ضد داعش. بايجاز، ان مجمل تلك البنود الطليعية التي وردت في قانون الجزيرة هي من وجهة النظر الإسلامية والعشائرية للقوميين الكرد هي حرام وكفر ومبعث فساد وانحلال.
اذا ننظر الى هذه الحقيقة ونقر بان الواقع السياسي الراهن لكردستان سوريا والحرب ضد داعش والدور البارز للمراة في هذا الواقع والحقيقة السياسية، لها دور مهم في ظهور هذا القانون، وتحديداً الدفاع الجسور لكوباني الذي لفت انظار العالم اجمع، عندها لنلقي نظرة ونرى أي بند من هذا القانون يمكن تصنيفه في خانة التقليد القومي الكردي وكيف قوّى ووسع من ذلك التقليد؟! في الحقيقة على العكس من هذا بالضبط. لقد وجه ضربة كبيرة لهذا التقليد، والحق عاراً بهذا التقليد وحركته. لقد وقف القوميون الكرد في كردستان العراق على امتداد 23 عاماً بوجه الحركة العظيمة الداعية للحرية والمساواة التي مسكت بخناقهم الاف المرات دفاعاً عن حقوق المراة، وصانت بانيابها واظافرها التقاليد الرجعية والبالية الإسلامية والذكورية. لقد فرضوا هذه التقاليد على مجتمع كردستان العصري بالقسر، وان لم يكن تحت الضغط الشديد أيضا، فانهم ليسوا على استعداد ايراد ابسط حقوق المراة حتى ولو كان على سبيل اللفظ. والادهى من هذا، حين أعلنت منظمة النساء المستقلة والحزب الشيوعي العمالي العراقي قانوناً شبيها الى حد ما بقانون الجزيرة، جعلت من هذا الإعلان العام لذلك القانون حجة للهجوم المسلح على هاتين المنظمتين وأعلنت حظر نشاطهما. ان هذا انموذج ورمز النزعة القومية الكردية التي، وعلى امتداد 23 عاماً، وبحجة هزيلة مثل "لم يزف اوانها بعد، حكومتنا فتية، محاطين بالاعداء، المجتمع إسلامي وهذه تقاليد الناس، ينبغي ان نتحلى بالصبر ونتقدم خطوة خطوة، وانها ليست من مهمة الحكومة ان تغير القوانين وعلى النساء ان يحرروا انفسهم بأنفسهم ..." ، وبهذا إعطاء الوعود الكاذبة لتهدئة غضب النساء والجماهير التحررية، لتفرض التقاليد والعادات الرجعية والذكورية الإسلامية بوصفها قانون على المجتمع. وبهذا الخصوص، ان لم تمضي خلال 23 عاماً المنصرمة خطوة للوراء اكثر من قوانين نظام البعث، فانها لم تمضي خطوة واحدة للامام. لقد الحقت خطوة الجزيرة ضربة مهمة بهذا التقليد، وطبعت جباههم بالخزي والعار كذلك. ان هذا المكسب يثبت مرة أخرى حقيقة ان ما كان يجري في كوباني هو امر منفصل عن النزعة القومية الكردية.
مثلما نواجه الامر في مقاومة كوباني، نواجه نمط تفكير ما وهو بحجة ان قائد ومنظم هذه الحرب، حزب الاتحاد الديمقراطي، هو قومي، يضع المحتوى التحرري لتلك الحرب تحت طائلة سؤال ويقلل من قيمتها، ونواجه اليوم، وان يكن بصورة مخففة، تصور يستند الى بعض الملاحظات والبنود الضعيفة ليقلل من الاطار والمحتوى الطليعي لهذا القانون، ويضعه تحت طائلة السؤال. على سبيل المثال، يقال في البند الثامن عشر من المباديء الأساسية "فرض عقوبة متشددة ومتساوية على مرتكب الخيانة الزوجية من الطرفين"، اذا ننظر للامر من زاوية مساواة المراة وحريتها في هذا القانون، فان هذا البند يتناقض مع مجمل محتوى هذا القانون وهدفه. ان مصدر هذا البند يرجع مرة أخرى الى تلك التقاليد التي نفضها الاطار الطليعي لهذا القانون. يفتح هذا البند الباب مرة أخرى على التدخل في الأمور الشخصية للافراد. فالمراة والرجل، واستناداً الى البنود السابقة لهذا القانون التحرري، قد تزوجا ببعض بصورة حرة ويتمتع كل منهما بحق الطلاق، فانهم بوسعهم أيضا بصورة حرة وبارادتهم ان يجدوا سبيل حل ايضاً لمسائل من هذا القبيل دون ان يقتضي الامر "عقوبات شديدة" وان يلقوا في السجون. ان هذا البند، وبالأخص في مجتمع ذكوري مثل اليوم، ينتهي بضرر المراة. قد يكون في الحالة هذه العقوبة من الناحية القانونية متساوية بالنسبة للمراة والرجل، ولكن من ناحية البعد الاجتماعي وفي مجتمع ذكوري، فان الامر بضرر المراة دون شك، وسيكون دافعاً لاستمرار قتل النساء على الشرف، وهو الامر الذي منعه هذا القانون. بيد انه لامر خاطيء تماماً ان يقلل من قيمة قانون طليعي عموما، وفي الحقيقة لا نظير له في مجمل تاريخ هذه المنطقة جراء بند مثل هذا. لاينبغي ان يساورنا الشك في ان تم تثبيت وترسيخ هذه الخطوة الطليعية، فان المسار التقدمي ذاته الذي اوجد هذا القانون، بوسعه نفسه في الخطوات اللاحقة ان يزيح البنود والقضايا الضعيفة والجدلية والمناقضة للمحتوى الأساسي لهذا القانون. في هذه المنطقة التي ترسف باشكال الدول والحكومات والقوى الرجعية والمعادية للمراة حتى نخاع العظم، فان خطوة كانتون الجزيرة هذه، وبرغم أي نواقص لها، سواء من هي القوة السياسية التي لعبت دوراً في صياغة وأقرار هذا القانون، واي واقع سياسي واجتماعي جعله امر واقع، فان هذا القانون والقوى التي تقف خلفه على السواء مبعث اكثر أنواع الدعم والاحترام والتقدير عموماً. ان مهمة الجبهة التحررية والبشرية المتمدنة للعالم، وفي مقدمتهم مهمة اليسار والشيوعية، ان تقوم بدعم كبير وعالمي لتامين الانتصار النهائي لهذه الخطوة التقدمية والتحررية.
ان هذه الخطوة في كردستان سوريا هي اول خطوة في تحويل الحرية الى امر قانوني على وجه الخصوص، بيد ان هذا المسار، ان نجي من مؤامرة الرجعية الساعية الى الحاق الهزيمة به، لن يكون الخطوة الأخيرة دون شك، وستعقبه خطوات متقدمة أخرى. ويمكننا الان ان نأمل ان لا تزاح هذه النقاط عديمة الصلة والمتناقضة من القانون هذا فحسب، بل وعبر إقرار قوانين على هذه الشاكلة في ميادين أخرى مثل الحقوق السياسية والمدنية للجماهير، الحريات السياسية، قانون عمل تقدمي، قانون صيانة حقوق الأطفال وصولاً الى دستور علماني وطليعي، يتم ترسيخ هذه الخطوة الطليعية وتدمير جسور سبل العودة للوراء، وان يكون هذا المسار التحرري بدرجة من السعة والعمق بحيث يجلب جماهير أوسع واوسع خلفه ويعبد السبيل امام مساره الطليعي المستمر. ان هذا يضع قوة مثل حزب الاتحاد الديمقراطي الذي له دور أساسي الان في هذا المجتمع امام اختبار جدي. اذا يريد هذا الحزب تاريخ مشرف ومشرق ومتمايز عن التاريخ المخجل للأحزاب القومية الحاكمة في كردستان العراق، فان سبيل ذلك هو ان يدعم دون أي تردد او شك صيانة هذه الخطوة الطليعية.
ليس ثمة ادنى شك في ان تاثير خطوة كانتون الجزيرة هذه لن يقتصر على صعيد هذا الكانتون وحتى كردستان سوريا، بل سيشد انظار جميع التحررين في المنطقة. تتحول الحرية والمساواة الى امر عملي ويمكن تحقيقه وبحماس اكثر اقتدار اوجد هذا المسار في المنطقة ووضع السلطات الرجعية والبالية تحت ضغط جدي. ويبين من الان تاثيراته في المنطقة. اذ يرفض التحرريون وناشطوا الحركة الداعية للمساواة الاعذار الهزيلة لحكومة الإقليم والخاصة بفرض القانون والتقاليد الإسلامية المتخلفة. قبل اقل من أربعة أسابيع، ذكرت في مقالي السابق:" وبعد الشجاعة التي جسدتها نساء كوباني امام انظار العالم، من الصعب التصور ان مكان النساء سيقى خالياً في معركة المقاومة اذا ما هاجمت عصابات داعش الإسلامية مدينة كركوك او خانقين"، تتناهى لنا اخبار تحكي عن تسلح النساء للمشاركة في الحرب على داعش في سنجار والرمادي والموصل. سواء اكانت هذه الاخبار حقيقية ام لا، لا يساورني الشك اطلاقاً بان دور المراة في الدفاع عن كوباني سيكون له تاثير كبير على دور المراة في المنطقة في جميع ميادين النضال والحياة الاجتماعية. واشير هنا دون أي تردد او شك هو انه لا يمكن ولا ينبغي للمراة والتحرريين في المنطقة ان يروا هذه الخطوة المتقدمة في كردستان سوريا ويبقوا مكتوفي الايدي امام عبودية المراة والقوانين والتقاليد الإسلامية والقومية العشائرية والذكورية والمتخلفة، ولا يستلهموا منها في نضالهم.
وجراء السياسة المعادية للإنسان للدول الغربية ودعمهم للعصابات الإسلامية والقومية الرجعية، وبالأخص تحويل المنطقة هذه الى جهنم للمراة، فان قانون كانتون الجزيرة واحداث الأسابيع الأخير لتونس لاخراس الإسلاميين، هما على صعيد مجمل المنطقة، نموذجين لتبيان هزالة الدعاية الغربية التي تسعى لعرض الإسلام والتخلف ومعاداة حقوق المراة بوصفها ثقافة الجماهير نفسها في المنطقة. على هذا الأساس، لفترة قريبة على سبيل المثال في بريطانيا كان قسر الفتيات في العوائل الإسلامية امراً مجازاً، وكذلك لم يمر وقت طويل على تجريم اعمال القتل استناداً للشرف في اوربا. ولفترة قريبة، واستناداً لهذا التوجه والسياسية الهزيلة للغرب امام جماهير منطقة الشرق الأوسط والتي تتحدث عن الإسلام وعبودية المراة هما ثقافة سكان تلك المنطقة، وكذلك استناداً الى النظرية عديمة القيمة "كل حسب ثقافته" في اوربا، في مجتمعات الجاليات الإسلامية، يعد القتل على أساس الشرف والتحرش والاغتصاب والزواج القسري وسائر التقاليد المعادية للمراة امراً عادياً. لقد رمت خطوة كانتون الجزيرة هذه بعيداً مجمل التصورات من هذا القبيل التي تروج لها الدول الغربية بصورة هادفة. بينت خطوة كانتون الجزيرة وانتخابات تونس ان الجماهير التحررية للمنطقة، وبمحض نيلها أي فرصة، ستوجه صفعة قوية للرجعية والتخلف المفروض عليهم بالقسر والقمع. في الوقت نفسه، انه صفعة قوية للدول الغربية ووسائل اعلامها الذليلة التي لزمت الصمت بصورة مرائية وتحت حجة "احترام ثقافة اناس الشرق الاوسط" عن بحار من جرائم الدول الرجعية والبالية في المنطقة بحق النساء واغمضت عينيها عليها. وتفتح خطوة كانتون الجزيرة كذلك اعين جماهير العالم على حقائق هذه المجتمعات وعلى الميل المقتدر والعريض للنزعة التحررية والمساواتية في هذه المجتمعات والتي قمعت بالقسر والترهيب والغطرسة والحرب والمدعوم من قبل الدول الغربية.