بخصوص المسعى -الوحدوي- الجديد للعصبة الشيوعية الثورية


بيان الدفاع عن الماركسية
2005 / 9 / 2 - 13:01     

غريك أوكسلي، الحزب الشيوعي الفرنسي باريس.


منذ الحملة ضد الدستور الأوروبي، لم تتوقف العصبة الشيوعية الثورية عن التلويح بموقف " وحدوي" اتجاه الحزب الشيوعي الفرنسي. و بالنظر لموقف العصبة من الحزب الشيوعي إلى حدود سنة 2004، يعتبر هذا الموقف الأخير انقلابا بـ °180. هل تكون العصبة قد "استخلصت دروسا من أخطائها" العصبوية، كما نسمع أحيانا من أفواه مناضليها؟ إن الواقع أكثر سوداوية، إذ بمجرد ما نزيح عنها الطلاء " الوحدوي" الباهت، نجد نفس الميولات القديمة للعصبة، المتمثلة في تقسيم صفوف اليسار في الانتخابات، الشيء الذي يفتح الطريق أمام صعود الأحزاب اليمينية.

لقد حاولت العصبة، خلال الانتخابات الرئاسية، سنة2002، أن تستفيد من الرفض الموجه ضد حكومة ليونيل جوسبان، التي بنت سياستها، فيما يخص جميع القضايا الجوهرية، على قاعدة الدفاع عن مصالح الرأسماليين. و حتى تلك الإصلاحات الايجابية التي طبقتها، لم تكن كافية لوقف تراجع مستوى العيش سنوات 1997-2002، و ذلك بالرغم من النمو الاقتصادي، القوي نسبيا، الذي حققه الاقتصاد الفرنسي خلال تلك الفترة. فالعمل الهش عرف ازدهارا ملفتا للنظر، وتفاقم معدل الفقر.

إن قادة الحزب الاشتراكي هم، بالدرجة الأولى، من يتحمل مسؤولية هذه السياسة. لكن قيادة الحزب الشيوعي، هي أيضا، تتحمل جزءا من المسؤولية. إذ أن قادة الحزب، وبمبرر التضامن الحكومي، لم يعملوا، طيلة تلك السنوات، على التعبير عن أي معارضة جدية لا لسياسة الخوصصة الكثيفة ولا للسياسة الخارجية الرجعية، بما فيها قصف صربيا، ثم المشاركة إلى جانب الإمبريالية الأمريكية في غزو أفغانستان.

من وجهة نظر العصبة، قدمت هذه الوضعية لها فرصة من ذهب للاستفادة من " التصويت العقابي". و عندما نعيد قراءة مناشير و خطب العصبة خلال الحملة الانتخابية، سنة 2002، نجد فكرة معاقبة اليسار حاضرة بشكل كبير. لقد تمثلت إستراتيجيتها أساسا في مهاجمة الحزب الشيوعي، الذي كانت تعتبره منافسها الرئيسي. و على سبيل المثال، أعلن أوليفر بسنسنوت ( Olivier Besancenot)، يوم 8 مارس 2002، في لقاء مفتوح بأنتيب (Antibes)، أن الانتخابات سوف » تمكن من معاقبة اليسار المتعدد (la gauche plurielle) و الحزب الشيوعي الذي لم يعمل، عندما كان في الحكومة، على إعطاء الدليل على قدرته على توجيه السياسة الاجتماعية . «

إن رغبة العصبة في تخفيض نقاط الحزب الاشتراكي و الحزب الشيوعي إلى أدنى المستويات لم تتوقف عند الدور الأول. إذ وباتفاق مع منظمة النضال العمالي(Lutte Ouvrière)، أعلنت العصبة أنها لن تعطي أية تعليمات للتصويت في الدور الثاني. لقد رفضت بشكل قاطع ضرورة إقامة سد في وجه اليمين عبر التصويت لمرشح اليسار، و قالت أن اليسار المتعدد و اليمين "شيء واحد". و هكذا فإن العصبة تتحمل - إلى جانب كل من النضال العمالي و حزب العمال ( PT)- جزءا غير يسير من المسؤولية في مرور لوبين (Le Pen) إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية لسنة 2002. و تتمثل سخرية القدر في أنه غداة 21 أبريل 2002، و بعد رفضها دعم المرشح "الأخف ضررا" جوسبان، انتهت العصبة بالدعوة إلى التصويت على مرشح "أخف ضررا" آخرا اسمه جاك شيراك!

في الانتخابات التشريعية سنة 2002، انتهجت العصبة نفس الاستراتيجية. إذ لم تعطي أية تعليمات للتصويت خلال الدور الثاني، و قالت لكل من يريد الإنصات إليها: أن مرشحا الحزب الاشتراكي و الحزب الشيوعي، ليسا، إذا ما قورنا مع مرشح إتحاد الحركات الشعبية (UMP) أو مرشح UDF، سوى » الوجه الآخر لعملة واحدة «.

لقد فتح انتصار اليمين مرحلة جد عصيبة في تاريخ فرنسا الاجتماعي. إذ مكن الحكومة و حزب (MEDEF) من شن هجوم كبير ضد شروط عيش العمال و الشباب و المتقاعدين. لقد كانت حكومة رافران (Raffarin)، بدون شك، هي الحكومة الأكثر رجعية في تاريخ فرنسا، منذ حكومة فيشي خلال الاحتلال الألماني.

غير أن النتيجة المرتفعة نسبيا، التي حققتها العصبة في الانتخابات الرئاسية 2002، أقنعت قادتها بكونهم يمتلكون أخيرا القدرة على الحلول محل الحزب الشيوعي، الذي كانوا يعتبرونه آنذاك في أوج " انحطاطه التاريخي". و هذا هو السياق الذي جعل التحالف بين العصبة و النضال العمالي يتحقق خلال الانتخابات الأوروبية و الجهوية سنة 2004. لكن و بعد المرور من تجربة سنتين من وجود اليمين في السلطة، و خاصة بعد التحركات الكبيرة ضد إصلاح قانون المعاشات، صوت ناخبو اليسار بشكل مكثف على الحزب الاشتراكي، ليس بدافع تأييد حقيقي لبرنامج القادة الاشتراكيين، بل لأجل تكبيد اليمين هزيمة ساحقة. كما تمكن الحزب الشيوعي، " في أوج انحطاطه التاريخي"، من كسب العديد من النقاط مقارنة بالمعدل الذي حققه سنة 2002، تاركا التحالف: ع. ش. ث-- ن. ع، بعيدا ورائه.

لم يعد ناخبو اليسار، في أغلبيتهم الساحقة، يريدون لعب دور الانقسام و " التصويت العقابي". لقد اعتبر أرليت لغويي (Arlette Laguiller) الارتفاع الكبير لعدد الأصوات التي حصل عليها الاشتراكيون و النسبة الجد ضعيفة التي حصلت عليها لائحة ع. ش. ث- ن. ع، »أسوء السيناريوهات المحتملة«. بينما اكتشف أوليفر بسنسنوت، فجأة، أن العصبة قد أدت، على حد تعبيره، » ثمن أحداث 21 ابريل 2002 «. نعم لقد كانت تجربة 21 ابريل 2002، درسا قاسيا جدا تلقاه ناخبو اليسار، وهو الدرس الذي سوف يتذكرونه خلال الانتخابات الرئاسية و التشريعية المقبلة.

لكن العصبة و النضال العمالي، عاجزون تماما عن فهم الدروس الحقيقية لهذه الأحداث التي تحطم ليس فقط أسس استراتيجيتهم الانتخابية الحالية، بل كذلك تضرب مبرر وجودهم كمنظمة " ثورية" تحاول منافسة الحزب الاشتراكي و الحزب الشيوعي.

حتى قبل الانتخابات الأوروبية و الجهوية لسنة2004، كنا نحن قد توقعنا وشرحنا مسبقا أن اليسار سينتصر. لقد كتبنا في أحدى المقالات المنشورة في أكتوبر 2002: »يصاب اليسراوي بالإحباط بشكل مستمر بسبب أن الطبقة العاملة، و بالرغم من كل ما عاشته، " لا زالت لم تفهم" أنه يجب عليها التخلي عن الحزب الاشتراكي و الحزب الشيوعي، والخضوع لأوامره هو. و يمكن لهذا الغضب الدائم أن يتحول عنده إلى هستيريا. إنه عاجز عن أن يفهم أن العمال، في مواجهة الوسائل الهائلة المتوفرة لدى أعدائهم، و حتى عندما يكونون ساخطين بشكل كبير على منظماتهم التقليدية، لا يستطيعون أن يضيعوا الوقت في البحث عن عنوان هذه المجموعة الهامشية أو تلك، و " البدء من جديد". ليس لديهم، عمليا، أي خيار آخر سوى التوجه نحو الحزب الاشتراكي و الحزب الشيوعي و المنظمات النقابية الأكثر أهمية و الأكثر تمثيلية، نحو رايات ظاهرة و معروفة بامتلاكها لقوى كافية لإلحاق الهزيمة بالعدو. هذا هو ما حدث سنة 1997 و لم يرق لليسار المتطرف، و هذا ما سوف يتكرر حتما خلال الانتخابات المقبلة.

بمجرد ما سوف ينخرط العمال في نضال جدي و على مستوى عال ضد أعدائهم، لا سواء عبر الاضرابات أو على الصعيد الانتخابي، سوف يشعرون بشكل غريزي بضرورة توفر أكبر قسط ممكن من الوحدة، و سينظرون إلى هؤلاء الذين يقفون في وجه تلك الوحدة باعتبارهم عائقا. و هكذا، بدل أن يتخلى العمال عن المنظمات الجماهيرية للالتحاق بإحدى العصب الهامشية، سيعملون على ممارسة الضغط على بنيات تلك المنظمات بهدف تغييرها لكي تصبح متجاوبة مع متطلبات النضال. يمكن لجميع من له عينين أن يرى أن هذه الصيرورة قد بدأت داخل الحزب الاشتراكي و الحزب الشيوعي و داخل النقابات، و بالضرورة سوف تتخذ، في المستقبل، مدى أكبر و قوة أكبر. «

إن هذه المنظورات التي وضعتها La Riposte بخصوص الانتخابات، قد تأكدت بشكل كامل. نعم، يمكن لمجموعات اليسار المتطرف، من قبيل الع الش الث، أن تزيد مؤقتا من عدد الأصوات الانتخابية التي تحصل عليها، خاصة عندما يتعرض الحزب الاشتراكي و الشيوعي لتراجع هام. لكن عليها أن تضع دائما في اعتبارها أنها، خارج الحقل الانتخابي، ليست سوى منظمة ميكروسكوبية إذا ما قورنت مع الحزب الشيوعي، ليس فقط من حيث عدد الأعضاء ( لا يمثل عدد أعضاء الع الش الث سوى حوالي 3% من عدد أعضاء الحزب الشيوعي)، بل خصوصا من حيث الاحتياطي الاجتماعي الذي يتوفر عليه. إذ و بالرغم من جميع الصعوبات التي تعرض لها الحزب الشيوعي خلال المرحلة الأخيرة، فإنه لا توجد في فرنسا أية منظمة سياسية يمكنها أن تدعي امتلاك قدرة على التعبئة في مثل قدرته هو. بل حتى على المستوى الانتخابي، يجب أن نأخذ بحذر مسألة أن الع الش الث، باستغلالها لظروف سياسية استثنائية، سيمكنها تجاوز الحزب الشيوعي، أو أن أحد استطلاعات الرأي تضع بسنسنوت " قبل" ماري جورج بوفي (Marie George Buffet). إن الحزب الشيوعي لا يزال بعيدا كل البعد عن استخدام كل قوته التنظيمية، بينما اضطر كل من النضال العمالي و الع الش الث، إلى استنزاف كل قواهم من أجل الحصول، مؤقتا، على نسبة الـ 5% أو الـ 6% من الأصوات. و كما يقول المثل الروسي القديم: » يحدث للنسر أحيانا أن يطير في مستوى أدنى من الدجاج. «

لكي يبرروا موقفهم العصبوي اتجاه الحزب الاشتراكي و الحزب الشيوعي، عادة ما يقدم قادة اليسار المتطرف الحجة التالية: » إذا ما نحن حملنا اليسار إلى الحكم، فإنه سوف لن يعمل سوى على إدارة أزمة الرأسمالية. ما الفائدة إذن؟ «. هذه هي الحجة النموذجية لجميع هؤلاء الذين يحددون " استراتيجيتهم" على أساس موقفهم الشخصي من قادة اليسار، دون أن يأخذوا في الحسبان موقف جماهير العمال و مستوى وعيهم. و على عكس هؤلاء "المنظرين" العصبويين المكتفين بكونهم " فهموا"، يضع الماركسي على عاتقه مهمة تسهيل تطور وعي جماهير العمال لإدراك إفلاس الإصلاحيين. إلا أن تطور وعي الأجراء لا يتحقق داخل حلقات النقاش الصغيرة، بل فقط في مدرسة التجربة العملية الجماعية. و من هنا فإنه عبر المرور بتجربة وجود اليسار في السلطة، حيث يتعلم العمال و الشباب بشكل أسرع. فعندما يكون قادة الحزب الاشتراكي في الحكومة، يكونون عاجزين عن تلميع صورتهم من خلال توجيه الانتقادات ضد اليمين أو من خلال اطلاق الوعود الفارغة. إذ أن العمال يرونهم و هم يشتغلون و يحكمون عليهم في الممارسة.

و غالبا ما يرد على حجتنا هذه بالقول: أن هذه التجربة » قد سبق خوضها في الماضي«، و أن هذا » لم يغير في الوضع شيئا«. لكن هذا خاطئ كليا. طبعا، إن انعكاس تجربة الإصلاحيين في الحكم في وعي العمال و الشباب لا يكون متساويا. إذ لا يتأثر وعي جميع الأجراء بنفس الدرجة، كما أن وعيهم لا يتطور بنفس السرعة و لا في نفس الاتجاه. حيث أن بعض العمال الذين تصيبهم ممارسات قادة اليسار في السلطة بالاشمئزاز، يمكنهم أن يصلوا إلى خلاصات رجعية. و على سبيل المثال، إن تخلي حكومة الحزب الاشتراكي و الحزب الشيوعي، منذ 1982، عن سياسات الإصلاحات الاجتماعية، هو من فتح الطريق أمام صعود الجبهة الوطنية. لكن الأمور تطورت أيضا في الاتجاه الآخر، أي في اتجاه اليسار. و هكذا، تقلصت السلطة المعنوية و السياسية للقادة الإصلاحيين، بفضل التجارب المتتالية لوجود اليسار في السلطة. لقد أظهر استفتاء داخلي أن 42% من المناضلين الاشتراكيين يؤيدون التصويت بـ»لا«، و الأزمة الحالية داخل الحزب هي تعبير واضح. طبعا، من وجهة نظر المؤيدين لتصور قادة العصبة الشيوعية الثورية و النضال العمالي أو حزب العمال، كل هذا لا يسير بسرعة كافية. إلا أنه لا يجب بناء مقاربة ماركسية للأحزاب الجماهيرية على أساس العوامل النفسية و فقدان الصبر، بل على أساس تقييم جدي للمسار الواقعي للأشياء.



المسعى الجديد للعصبة

لقد حطمت نتائج الانتخابات الجهوية، الحسابات الخاطئة التي بنت عليها العصبة و النضال العمالي استراتيجيتهما و توقف التحالف بينهما وسط تبادل للاتهامات. لقد كانت الصدمة قوية حتى على المستوى المالي. منذ مدة و المنح الانتخابية التي تقدمها الدولة، تشكل مصدر التمويل الأساسي للعصبة، مما يمكنها من الظهور بمظهر " القوة الجماهيرية" دون أن يكون لذلك أية علاقة مع قوتها الحقيقية. مع تراجع عدد الأصوات التي حصل عليها اليسار المتطرف في انتخابات 2004، غرقت في الديون. و بعد حدوث القطيعة مع النضال العمالي و تأزم وضعيتها السياسية و المالية، هاهي العصبة اليوم تبحث عن حليف بديل. مما يفسر هذه الاستدارة الأخيرة نحو الحزب الشيوعي.

فجأة، صار مجرد التقاء العصبة مع الحزب الشيوعي في نفس الموقف من الاستفتاء على الدستور الأوروبي، أساسا لحملة من الخطب المؤيدة للتحالف الانتخابي مع الحزب الذي كان يشبه، منذ سنة واحدة فقط، أحزاب اليمين! والموقف العدائي الذي كان قادة العصبة يتبنونه اتجاه الحزب الاشتراكي و الحزب الشيوعي، إلى حدود سنة 2004، لم يعد الآن موجها سوى إلى القادة الاشتراكيين المساندين للتصويت بـ» نعم« و كذلك إلى الفابيوسيين، على ما يبدو. و التأطير " النظري" الذي من المفروض أن يقنع الحزب الشيوعي بالموافقة على عرض العصبة، هو أنه سوف يكون هنالك منذ الآن " يساران" في فرنسا: الأول يسار حقيقي يوجد فيه، من بين آخرين، العصبة و الحزب الشيوعي ; و يسار مزيف، يشكله الجناح "الاشتراكي اللبرالي" للحزب الاشتراكي. وعليه يجب، على القوى اليسارية التي صوتت بـ»لا«، أن تأخذ بالحسبان هذا » الانقسام الذي لا يتطابق مع طبيعة الحدود الحالية للأحزاب«- على حد تعبير العصبة- و رفض تقديم أي دعم للـ " اليسار المزيف". وقد قال آلان كريفان (Alain Krivine)، في ( le Rouge )، لشهر يونيو 2005، » سوف يكون على رفاقنا في الحزب الشيوعي أن يختاروا بين الدخول في ائتلاف مع كل اليسار، بما فيه هؤلاء المدافعين عن الدستور اللبرالي، و بين جبهة القوى المعادية للرأسمالية التي نشأت خلال الحملة الموحدة من أجل التصويت بـ»لا««.

لقد تعاملت أغلبية مناضلي الحزب الشيوعي مع هذه "الالتفاتة الوحدوية" التي قامت بها العصبة، بكثير من اللامبالاة. نعم لم يمر سوى عام واحد منذ أن كانت العصبة تتنبأ و تعمل على التسريع في القضاء على الحزب الشيوعي، لكن، رغم ذلك، لماذا على المرء أن يتعامل بحقد معها؟ إن المشكلة تكمن في أن هذا الموقف" الوحدوي" ينسجم مع العديد من الأهداف، ليس أقلها:

فيما يخص الانتخابات الرئاسية المقبلة، لن يكون من الخطأ افتراض أن توافق العصبة، بالنظر إلى تقزم حجمها مقارنة مع الحزب الشيوعي، على دعم مرشح الحزب الشيوعي للرئاسيات. لكن من الواضح أن حماسها "الوحدوي" لن يصل إلى هذه الحدود. إنها و بكل وقاحة تطالب مناضلي الحزب الشيوعي بألا يقدموا أي مرشح لحزبهم، وذلك لصالح ترشيح "شخصية" أقرب إلى العصبة!

أما فيما يخص الانتخابات التشريعية، فإن العصبة تلح أيضا على أن يرفض الحزب الشيوعي التحالف مع الاشتراكيين المؤيدين لـ» نعم«، لا سواء في الدور الأول و لا في الدور الثاني.

إن إيجابيات هذه المقترحات من وجهة نظر العصبة واضحة للعيان. لكن من وجهة نظر النضال من أجل طرد اليمين، و من وجهة نظر الحزب الشيوعي، سوف يكون لها تأثيرات جد سلبية و لهذا يجب رفضها من طرف المناضلين الشيوعيين. و لقد عملت قيادة الحزب الشيوعي، التي رأت أنه لا يوجد أي سبب لكي تسمح بأن يفرض عليها مرشح "بديل"، على رفض هذا الاقتراح الغريب. فضلا عن ذلك، سوف لن يعمل رفض عقد اتفاقات مع الحزب الاشتراكي، إلا على تقسيم اليسار، مما سوف يخدم مباشرة مصالح اليمين. و نقول في هذا السياق، أن هذا سوف يؤدي إلى القضاء، الشبه الكلي، على تمثيلية الحزب الشيوعي في البرلمان. و هي الحالة التي سوف لن تصيب قادة العصبة بالحزن، لكن يجب أن يفهموا أن المناضلين الشيوعيين سوف يكونون أقل تحمسا لمثل هذه النتيجة.



الطبيعة الطبقية للحزب الاشتراكي

بعد أن عملت العصبة على المساهمة في هزيمة الحزب الاشتراكي و الحزب الشيوعي في انتخابات 2002، بمبرر معاقبة حكومة جوسبان، يبدو أنها لا تزال مستعدة لتكرار نفس الخطأ خلال الانتخابات المقبلة، برفضها هذه المرة دعم مرشحي الحزب الاشتراكي الذين أيدوا التصويت بـ» نعم« على الدستور. فلنكن واضحين: إن هذا المسعى سوف يخدم بشكل مباشر أعداء الناخبين و المناضلين الاشتراكيين و الشيوعيين، أي سيخدم الأحزاب اليمينية. إن هذا لا يهم مطلقا قادة العصبة، الذين يشرحون لنا منذ سنوات أن: الحزب الاشتراكي و اليمين " هم شيء واحد". إلا أن هذا الادعاء خاطئ تماما. إن الحزب الاشتراكي حزب الأجراء، هذا بالرغم من أن قيادته الحالية مشكلة من أشخاص لا علاقة لهم بالاشتراكية، و الذين هم في الواقع عملاء، واعون إلى هذا الحد أو ذاك، لمصالح الرأسماليين داخل الحركة العمالية.

بالرغم من جميع الجهود المبذولة، من طرف قيادة الحزب الاشتراكي، لفرض موقف الـ»نعم« خلال الاستفتاء الداخلي، فإن 42% من المناضلين قد صوتوا، رغم ذلك، بـ» لا«. و لو أن هذا الاستفتاء حدث فيما بعد، لكانت نسبة المصوتين بـ»لا« أكبر بكل تأكيد. هذا دليل واضح على الضغط الذي تمارسه الحركة العمالية، داخل صفوف الحزب الاشتراكي، و على بداية تملك العمال للوعي. لقد رفضت الأغلبية الساحقة من ناخبي الحزب الاشتراكي إتباع تعاليم القيادة. و هذا يعني أن شريحة واسعة من أعضاء الحزب الاشتراكي تتبنى موقفا أكثر يسارية من قيادتها، و أن ناخبي الحزب الاشتراكي يتبنون، موقفا أكثر يسارية من أعضاء الحزب.

إن اعتبار الحزب الاشتراكي "حزبا رأسماليا" بسبب السياسة الموالية للرأسمالية التي تنهجها قيادته الحالية، إنما يعبر عن مقاربة بعيدة كليا عن الديالكتيك و عن الماركسية. لتحديد طبيعة حزب ما، لا يجب الاكتفاء بتحديد الأفكار السياسية السائدة في صفوفه خلال فترة معينة. يجب أن يُأخذ بعين الاعتبار الدور التاريخي الذي يلعبه الحزب المعني خلال المسلسل الواقعي و الدينامي للصراع الطبقي. لقد نشأ الحزب الاشتراكي، تاريخيا، كتعبير سياسي عن مصالح العمال كطبقة، كما هي موجودة في الواقع، و ليس في شكلها المثالي المجرد الموجود في ذهن " ثوري" من اليسار المتطرف، أي كطبقة تتنازعها جميع أنواع الأفكار، ليس الإصلاحية فحسب، بل حتى الرجعية أيضا.

لقد سبق لماركس أن شرح أنه خلال المراحل التاريخية " العادية"، تكون الأفكار السائدة هي أفكار الطبقة السائدة. و هكذا، نجد، في وعي العمال، إلى جانب التطلعات التقدمية، التي تتميز بهذا النوع أو ذاك من الغموض، جميع أنواع الأحكام المسبقة و الشكوك و الترددات. إن ضغوطات الطبقة الرأسمالية تمارس فعلها خصوصا على قيادة الحزب الاشتراكي، على المنتخبين و البرلمانيين و المرشحين و مختلف التكنوقراطيين. لكن هذه الضغوطات تقابلها، من الجانب الآخر، الضغوطات المعبرة عن مصالح و تطلعات الشغيلة. و هكذا، غرق الحزب الاشتراكي خلال فترات مختلفة من تاريخه، في الشوفينية و نزعة الدفاع عن مصالح الإمبريالية - كما كان عليه الحال إبان الحرب العالمية الأولى، أو أيضا إبان حرب الجزائر. لكنه في فترات تاريخية أخرى، انتقل فجأة نحو اليسار، كما كان عليه الحال أثناء الموجة الثورية لشهري ماي/ يونيو1968.



من تروتسكي إلى "التروتسكيين"

عادة ما يتم اعتبار الع الش الث منظمة "تروتسكية"، لكن الواقع هو أن برنامجها و ممارساتها ليس لها أية علاقة بالأفكار التي دافع عنها تروتسكي. و بهذا الخصوص، كان لأوليفر بسنسنوت النزاهة الكافية للاعتراف علنا بأن الماركسية لا تعني له الشيء الكثير، و بأنه يحس بنفسه أقرب إلى أفكار الفوضوي باكونين، أي نفس تلك الأفكار التي ناضل ضدها ماركس في العديد من المرات.

إن عقودا من الافتراءات الستالينية ضد تروتسكي – و التي تواصلت حتى بعد اغتياله على يد عميل ستاليني، سنة 1940- لا تزال، حتى يومنا هذا، تنيخ بثقلها على سمعته السياسية. لكن ممارسات مختلف المجموعات و المنظمات، التي تسمي نفسها تروتسكية – من قبيل النضال العمالي و الع الش الث – تتحمل هي أيضا جزءا غير قليل من المسؤولية في الموقف السيئ الذي يتبناه العديد من المناضلين الشيوعيين من ذلك الثوري الروسي العظيم.

لكن لو أن هؤلاء المناضلين الشيوعيين عملوا على دراسة كتابات تروتسكي، لوجدوا فيها كنزا نظريا حقيقيا يمكن من استيعاب أفكار الماركسية الثورية بكل غناها. و هذا ليس صحيحا فقط فيما يخص تطبيق المنهاج الماركسي على العديد من المسائل الاقتصادية و السياسية و الفلسفية، بل أيضا فيما يخص موقف الماركسيين اتجاه الحركة العمالية و منظماتها الجماهيرية، وهو الموقف الذي ليس له أية علاقة مع الموقف العصبوي القصوي، الذي تتبناه المجموعات اليسارية المتطرفة.

يمكننا أن نورد العديد من الحالات التي يعارض فيها تروتسكي بالماركسية، أفكار و طرق عمل العصبويين. لكننا سوف نكتفي هنا بواحدة تشبه بشكل واضح الموقف الحالي الذي تقفه العصبة. فسنة 1935، في بريطانيا، عمل الحزب العمالي المستقل، الذي كان يقف على يسار الحزب العمالي البريطاني، على إقامة فصل بين المرشحين العماليين على أساس موقفهم من الحرب. كان قادة الحزب العمالي المستقل قد قرروا ألا يدعموا، خلال الانتخابات التشريعية، سوى المرشحين العماليين الذين لم يصطفوا إلى جانب السياسة الإمبريالية لعصبة الأمم، خاصة فيما يتعلق بمسألة " العقوبات" على ايطاليا بسبب اجتياحها لإثيوبيا.

عندما سُئل تروتسكي، في أحد الحوارات الصحفية، إن كان يَِعتبر هذه السياسة صحيحة، رد بوضوح لا و أنه: » كان يجب على الحزب العمالي المستقل أن يقدم دعمه النقدي لجميع مرشحي الحزب العمالي، في الأماكن التي لا يقدم فيها هو[ الح الع الم ] مرشحين عنه. لقد قرأت في(New Leader) أن فرعكم في لندن قد قرر ألا يدعم مرشحي الحزب العمالي، إلا إذا كانوا يتبنون موقفا رافضا للعقوبات[ العسكرية]. و هذا خاطىء أيضا. يتوجب تقديم دعم نقدي للحزب العمالي، ليس بسبب أنه كان مؤيدا أو معارضا للعقوبات، لكن لأنه يمثل الجماهير العمالية. [...] إن أزمة الحرب لا تغير واقع كون الحزب العمالي حزبا للعمال.« إن هذا التحليل ينطبق تماما على الانتخابات المقبلة، التي سوف تشهدها فرنسا. إن العصبة برفضها المسبق دعم المرشحين الاشتراكيين الذين أيدوا التصويت بـ» نعم« على الدستور الأوروبي، ترتكب نفس الخطأ الذي سبق للحزب العمالي المستقل أن ارتكبه.

أما لينين، فقد خصص كتابا لهذه المسألة: "اليسراوية"، أو المرض الطفولي للشيوعية. و في رده على المناضل الشيوعي الاسكتلندي ويلي غالاغير (Willie Gallagher)، الذي رفض، أثناء الانتخابات، تقديم الدعم للحزب العمالي بحجة أن قيادة الحزب قد خانت قضية العمال، كتب لينين قائلا: » أن نعتبر أن هندرسون و أنصاره، ماك دونالد و أنصاره و سنودن و أنصاره [ الذين يمثلون ما يمثله ستراوس- كان، الخ في هولندا.] رجعيين غير قابلين للإصلاح، فهذا صحيح. و صحيح أيضا أنهم يريدون " الحكم" على أساس نفس القواعد البرجوازية القديمة، و يتصرفون بالضرورة، عندما يكونون في السلطة، مثلهم مثل شيدمان و أنصاره و نوسك و أنصاره. لكن لا يعني هذا أن دعمهم، يساوي خيانة الثورة. إن هذا يعني أنه يجب على ثوريي الطبقة العاملة أن يقدموا، لما فيه مصلحة الثورة، نوعا من الدعم الانتخابي لهؤلاء السادة. «. إذا ما أراد الشيوعيون أن يوصلوا أفكارهم إلى الطبقة العاملة، يقول لينين، » و هو الشيء الذي نبقى بدونه مجرد ثرثارين، يتوجب علينا، أولا، أن نساعد هندرسون (Henderson) أو سنودن (Snowden) على هزم لويد جورج و تشرشل [ الذين كانوا يمثلون نفس ما يمثله اليوم شيراك و ساركوزي و فيلبان، الخ.].

هل يوجد أي نوع من أنواع التشابه بين موقف لينين و تروتسكي و بين موقف العصبة من الحزب الاشتراكي؟ كلا، على الإطلاق. من وجهة النظر الماركسية، يعتبر دعم مرشحي الحزب الاشتراكي ضد مرشحي الأحزاب اليمينية – بما في ذلك تقديم التنازلات المتبادلة- ليس مسألة مقبولة فقط، بل ضرورية أيضا. إن العصبة توبخ الحزب الشيوعي و تحرضه على »عدم تكرار خطأ 1997«. لكن عن أي خطأ بالضبط يتحدثون؟ إن ما أضر حقا بالحزب الشيوعي، سنة 1997، ليس هو عقده لاتفاقات انتخابية مع الحزب الاشتراكي. إن »الخطأ الذي يجب عليه ألا يكرره« هو عدم دفاعه عن سياسة مستقلة و شيوعية حقيقية، و كذا قبوله المشاركة في الحكومة على أساس برنامج الخوصصة و الدفاع عن مصالح الطبقة الرأسمالية.

إن موقف La Riposte من هذه المسألة، واضح تماما. إننا نشرح ضرورة تمكين الحزب الشيوعي من برنامج شيوعي حقا، يربط بين النضال من أجل الدفاع عن المكاسب الاجتماعية للجماهير الشعبية و تحسين شروط عيشها، وبين النضال من أجل مصادرة كبريات المؤسسات الصناعية و البنكية، التي يجب أن يتم إخضاعها للرقابة و التسيير الديموقراطي للعمال، في إطار برنامج تخطيط ديموقراطي للاقتصاد. لا يمكن للعمال أن يتحرروا من الاستغلال و أن يقضوا نهائيا على البؤس الاجتماعي، إلا ببنائهم للمجتمع الاشتراكي. و عليه، تعمل La Riposte اعتمادا على الأرقام و الحجج، على إقناع مناضلي الحزب الشيوعي بصحة هذا البرنامج. لكن مثل هذا البرنامج لازال، لحد الآن، لم ينل دعم الأغلبية من مناضلي الحزب الشيوعي و أقل أيضا بين مناضلي الحزب الاشتراكي. ما العمل في هذه الحالة؟ هل يجب علينا أن نركن إلى الهامش و نمضي وقتنا في الحديث عن أنه مادام الاشتراكيون و الشيوعيون لم يتبنوا أفكارنا، فإننا سنرفض دعمهم في مواجهة اليمين؟ لا. إن واجب الماركسيين هو المشاركة النشيطة و النزيهة في جميع المعارك التي تخاض ضد الرأسماليين، مع الحرص على شرح مواقفهم بصبر ورفاقية.

يتصادف الموقف " المعادي للحزب الاشتراكي" الذي تتبناه العصبة، مع ظهور موقف في صفوف بعض مناضلي الحزب الشيوعي، الذين بدئوا يشعرون بالسخط اتجاه الاتفاقات الفوقية التي تتم بين قيادة الحزب الاشتراكي و الحزب الشيوعي، والذين يتملكهم الإحساس بأن الحزب الشيوعي إنما يقيد نفسه بعقده لمثل تلك الاتفاقات. لكننا نوصي هؤلاء الرفاق بأن يضعوا فرقا بين الدعوة إلى عقد اتفاقات مع حزب يساري آخر وبين التخلي عن برنامج الحزب تحت مبرر تلك الاتفاقات. يتعلق الأمر هنا بموقفين مختلفين. إذ أن هناك فرق شاسع بين الاتفاق على تقديم تنازلات متبادلة بين الحزب الاشتراكي و الحزب الشيوعي و الالتزام بخوض حملة انتخابية موحدة خلال الدور الثاني، لتمكين المرشح اليساري، الأوفر حظا، من الفوز و بين تقديم التنازلات السياسية لصالح قادة الحزب الاشتراكي بهدف الحصول على مناصب وزارية. و في هذا السياق نتذكر أن روبرت هو ( Robert Hue) كان قد وصل، سنة 1997، إلى حد القول بأن الخوصصة لم تعد» طابو« بالنسبة للشيوعيين. وذلك في إطار التجهيز لدخول الحزب الشيوعي في حكومة جوسبان.
يجب أن يتم رفض أي سيناريو من هذا القبيل مستقبلا. لكن الوسيلة الوحيدة، لفك ارتباط الحزب الشيوعي عن السياسة الإصلاحية التي تنهجها قيادة الحزب الاشتراكي، لا تتمثل في رفض القيام بأي اتفاق مع الحزب الاشتراكي، بل في تبني برنامج شيوعي حقا. هذه هي المشكلة المركزية التي يتوجب على مناضلي الحزب أن يصبوا اهتمامهم عليها. و نقول في هذا السياق: أنه على مناضلي العصبة بدورهم أن ينجزوا نفس المهمة، على اعتبار أنه لا يوجد في جريدتهم و لا في مناشيرهم ولا في خطاباتهم العمومية، أي أثر للأفكار الاشتراكية أو للبرنامج الاشتراكي. إن ما ميز العمل " الوحدوي" للعصبة مع الحزب الشيوعي، أثناء حملة الاستفتاء على الدستور الأوروبي، هو بالضبط عدم رفعها لأي شعار و لا لأي موقف يميزها عن الشعارات و المواقف الإصلاحية لقيادة الحزب الشيوعي.

إن الشروط التي تضعها العصبة في إطار مسعاها "الوحدوي" مع الحزب الشيوعي، سوف تؤدي إلى إضعافه بشكل كبير، إذا ما هو قبل بها. يتوجب على المناضلين الشيوعيين أن يرفضوا هذه الشروط. إن كل هذا الحديث عن "الوحدة" ليس سوى تفاهات، خاصة و أن العصبة لا تشكل، بالنظر إلى درجة انغراسها و قوتها الانتخابية، سوى مجموعة هزيلة. إن المنظمة الصغيرة تقترح "الوحدة" مع المنظمة الكبيرة، و في نفس الوقت تملي عليها شروطها. لكن الحزب الشيوعي ليس بحاجة مطلقا "لدجاجة" المثل الروسي لكي يقوم بخطوة كبيرة. إن ما يحتاجه الحزب الشيوعي حقا هو أن يستعيد هويته الثورية، أي العودة إلى البرنامج و الأفكار الماركسية. فقط عبر تقديمه لبديل حقيقي للرأسمالية، سوف يتمكن الحزب الشيوعي الفرنسي من الارتفاع إلى مستوى مهمته التاريخية: مهمة التغيير الاشتراكي للمجتمع.



الخميس 14 يوليوز 2005.

العنوان الأصلي للنص بالفرنسية:

A propos de la nouvelle démarche « unitaire » de la LCR

Greg Oxley, PCF Paris

المصدر
www.marxy.com