حول الثقافة


ادم عربي
2014 / 12 / 3 - 02:38     

الثقافة
الثقافة هي التراث الفكري الذي يميز امه عن امة ، وهي خاصية لجميع الامم ، فلا يوجد امة دون ثقافة ، وتختلف الثقافه باختلاف الامم تبعا لواقعها المادي ، وذلك بسبب الارتباط القوي بين الواقع للامة وبين تراثها الحضاري والفكري ، فثقافة اي امة في الزمان والمكان ما هي الا الواقع المادي لتلك الامة ممثلا بنمط انتاجها ، وبلا شك الثقافة تتطور وتنمو مع النمو الحضاري للامة ، وتتراجع مع تخلفها ، وتخلف الامم يعود بالدرجة الاساس الى تخلف وسائل انتاجها وكذلك سيطرة الفكر الغيبي الديني كما هو في بلاد العرب لغياب اي وعي طبقي في تلك الدول ، والثقافة هي تعبيير عن مكانة الامة التي وصلت لها .
وما من شك وجود بعض الخصائص المشتركة بين الشعوب الى حد ما لاعتبارات تتعلق بالمراحل التي مرت بها كل الشعوب ، وكذلك من التقاء الشعوب وتخالطها ، الا ان الثقافه كاللحم الذي يبنى فوق العظم لاي امة ، ولذلك هي تراكميه وليست علوما يمكن للمجتمع ان يحصل عليها بسهوله ، فهي مسيرة انسنة الانسان ونتاج عمله على الطبيعه وما يتبع ذلك من تطور وسائل وقوى الانتاج ، وتنتقل الثقافه من جيل الى اخر عبر التنشئة الاجتماعية ، يكتسب خلالها الاطفال الصغار الذوق العام للمجتمع .
فعبر مسيرة الانسان الطويلة ، الثقافة هي افراز واقع مادي وابنة الزمان والمكان ، ولكن هنا لا بد من الخوض في مفهوم التطور بدراسة ماركسيه ، فما هو التطور والحضارة المدنيه ؟ من ناحيه لغويه " هي الاقامه في الحضر اي المدن بعيدا عن الريف والباديه . اما المفهوم الشامل والمعاصر للحضاره فهو يندرج في شقين :
اولهما هو المادي ، وهي المدنيه والحضاره التي تتناول العلوم وتطبيقاتها الصناعيه والتقنيه........الخ .
وثانيهما هو معنوي ، وهو بمعناه الادق الذي تكون العقائد من فكر وتصور ويقين مرتبطه به ، وما ينبثق عنهما من قيم واخلاق ...الخ .
وحسب ابن خلدون " الحضاره هي تفنن بالترف واحكام الصنائع المستعمله في وجوهه ومذاهبه من المطابخ والملابس والفرش والابنيه وسائر عوائد المنزل واحواله" .وحسب الفيلسوف الامريكي وليام ديورانت " انها نظام اجتماعي يساعد الانسان على زيادة انتاجه الثقافي باربعة عنااصر ، الموارد الاقتصاديه والنظام السياسي والعقائد الخلقيه ومتابعة العلوم والفنون " . اما التعريف الاسلامي على لسان سيد قطب هو " ما تعطيه للبشريه من مفاهيم ومبادئ وقيم صالحه لقيادة البشريه من اجل النمو والرقي للعنصر الانساني والقيم الانسانيه " . حسب تعريف قطب يلتقي مع منظري اعتبار الثقافه هي اساس الحضاره ، اي يلتقي مع العلمانيين والليبراليين باعتبار الوعي اساس التطور .

وهناك مفاهيم خاطئه للحضارة ، حيث يعتبر بعض المثقفين ان البنايات الشاهقه والمطاعم الحديثه والراقصات والموسيقى الصاخبه ودور اللهو وماركات عالميه هي البنيه التحتيه ، والمشكله تكمن في البنيه الفوقيه التي لا ترغب بان تتاقلم مع هذه البنيه من ناحيه فكريه وسياسيه ، وفي هذا فهم خاطئ وقاصر . وهناك ايضا مفهوم اخر خاطئ لدى المثقفين العرب ، وهو عدم التفريق بين مرحلة النمو والتنميه عند وصف المجتمع العربي ، حيث ان مجتمعاتنا ومجتمعات العالم الثالث لا تزال تمر بمرحلة التنميه ، وهي اخطر مرحله ولا تقاس مع مرحلة النمو ، وتتطلب هذه المرحله جهود كبيره لتنظيف مخلفات ما قبل الراسماليه من انماط انتاج ووسائل انتاج وبالتالي جميع القيم والمفاهيم والافكار التي انتجتها مجتمعات نهاية عصور الاقطاع .

ولعل المفكرين العرب يعبرون عن قناعات لا تقبل الجدل بان اقامة انظمه جديده للبنيه الفكريه لهو خير وسيله لنقل المجتمعات العربيه الى عصور الازدهار ، وتخليص هذه المجتمعات من ازمتها ومشكلاتها المتوارثه ، وتنهي الافات الضاره التي تعيش في ثنايا عقل الانسان العربي ، ليصبح يضاهي الامريكي والسويسري والفرنسي بل ويتصدر الحضاره من جديد ، ربما لم يسمع هؤلاء المثقفون بتجربة " كيم سونغ" مؤسس كوريا ، حيث تبنى نفس وجه النظر هذه ، مع الاسترشاد بالتجربه الصينيه مع تعديلات كوريه ،ذات طابع كوري ، فلينظر اصحاب البناء الفوقي الى التجربه الكوريه بعد اكثر ما اربعون عام عليها . كيم سونغ ، عكس مفهوم الماركسيه للبنيه التحتيه والفوقيه ، حيث اعتبر ان الوعي في المجتمع هو البنيه التحتيه ، والمكونات الاقتصاديه البنيه الفوقيه ، وبهذا اعطى اولوية الوعي والفكر وانتاجهما على العامل الاقتصادي . اما الفلسفه الماركسيه ربطت في وحده جدليه بين النظريه والممارسه ، حيث الواقع الاجتماعي والتاريخي ليس الا فعل البشر فيه وعملهم التحويلي له وتعطي بذلك اولوية الفعل للمعرفه وليس التامل والتجرد . وتاكد الماديه التاريخيه ان المجتمع ينتج لكي يستمر في الحياه ، ويبقى على قيد الحياه ، لذلك انتاج وسائل العيش وادوات العيش والعمل والمواد الضروريه للانتاج ، لهو شرط لكل تنظيم او نشاط اجتماعي اكثر تعقيدا . ان الماديه باعتبارها علم التاريخ والانسان ، تؤكد ان الطرق التي ينظم الناس انتاجهم المادي بموجبها هي اساس كل تنظيم اجتماعي عبر العصور ، وهذا يحدد جميع النشاطات الانسانيه ، من ادارة علاقات بين البشر او انتاج فكري او قوانين او اخلاق او دين ...الخ .

ان الماديه لا تقول ان الانتاج المادي الاقتصادي يحدد بصوره سريعه وتلقائيه مضمون نشاطات البنيه الفوقيه ، بل هي تقول ان العلاقه الديالاكتيكيه بين البنيه الفوقيه والتحتيه ودور كل من الاخر في توفير مقومات تطور الاخر ، وان التطورات التي تحدث في البنيه الفوقيه لا تخلقها مباشره علاقات الانتاج ، ولا تتحقق باستقلال عنها ، وانما عبر تداخلات شديدة التعقيد.