ثورات ١٩٨٩: كيف أسقط النظام القديم

توماس تينغلي إيفانز
2014 / 11 / 27 - 08:56     


الكاتب/ة: توماس تينغلي إيفانز.

ترجمه‫/‬ته الى العربية‫:‬ إيليا الخازن


منذ حوالي ٢٥ عاما اجتاحت ثورات جميع أنحاء أوروبا الشرقية وسقط جدار برلين الذي بناه الستالينيون. والاشتراكيون الحقيقيون كانوا يحتفلون حينئذٍ.

"كل ما هو صلب يذوب في الهواء" كتب ماركس وانجلز في البيان الشيوعي عام ١٨٤٨. كان تشخيصهم للمجتمعات التي تبدو أبدية والتي ستتهاوى عاجلاً أم أجلاً وثيق الصلة بمجريات عام ١٩٨٩. بدأت السيرورة الثورية تلك السنة ودمرت النظام العالمي في أوروبا. وسقطت دول الكتلة الشرقية أولاً، وبعد فترة وجيزة جاء دور الاتحاد السوفياتي الذي كان يسيطر عليها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

خرج الملايين إلى الشوارع، وبدت الأنظمة التي وصفت نفسها بأنها "اشتراكية" على حقيقتها، دكتاتوريات وحشية.

كانت ألمانيا الشرقية تحتفل خلال شهر تشرين الأول بالذكرى الـ٤٠ لتأسيسها. كان الحزب الحاكم الستاليني بين الأحزاب الستالينية الأكثر تشدداً. وكان أعضاؤه يعتقدون أن جهازهم القمعي سيحمي الدولة إلى الأبد.

لكن الاستياء ازداد وبدأت مجموعات من الراديكاليين، الذين كانوا معزولين في البداية، يتوافدون بالمئات في مرحلة أولى، ثم بالآلاف. وعمت العمال في بلاد أخرى روح مماثلة.

وقد اضطر النظام البولندي القبول بانتخابات حرة بعد سنوات من الأزمات، وفتحت المجر حدودها الغربية، وأزالت الجزء الأول من الستار الحديدي الذي فصل الشرق عن الغرب.

في غضون شهر من الاحتفال بالذكرى الـ٤٠، خرج أكثر من مليون شخص إلى الشوارع وانضموا إلى الاحتجاجات ضد النظام. بعد أقل من أسبوع، في ٩ نوفمبر، فكك مئات من الناس جدار برلين، الذي كان حكام البلاد قد بنوه عام ١٩٦١ لمنع الناس من الفرار. وانتشرت مشاهد لشباب من الشرق والغرب يرقصون سوياً وهم يهدمون أجزاء كبيرة من الهيكل الخرساني كالنار في الهشيم.

في تشيكوسلوفاكيا، سار طلاب المدارس والجامعات في براتيسلافا في ١٦ نوفمبر تشرين الثاني. في اليوم التالي خرج طلاب في العاصمة براغ، وساروا بأعداد أكبر بكثير. هذه المرة قمعتهم شرطة مكافحة الشغب بوحشية والتي بدورها أدت إلى اندلاع احتجاجات "الثورة المخملية" لأنها أطاحت بالنظام القديم من دون عنف.

بعد ثلاثة أيام ملأ ساحة فاتسلاف نصف مليون شخص في براغ وتظاهر الآلاف في البلدات والجامعات وأماكن العمل. استقالت قيادة الحزب الشيوعي والحكومة، وحل محلها نظام أقل تشددا. ولكن حال الحكومة الجديدة كان شبيها بتلك القديمة وكتب على جدران العاصمة "إلى الأمين العام، إضراب عام". بحلول نهاية ديسمبر كان حكم الحزب الشيوعي قد انتهى.

في نوفمبر، أعاد الحزب الشيوعي في رومانيا انتخاب نيكولاي تشاوشيسكو كزعيم للحزب لمدة خمس سنوات أخرى. تشاوشيسكو كان الديكتاتور الأكثر شراسةً في أوروبا الشرقية، واستغل خطاب قبول التمديد له لتوجيه انتقاد للتمرد في الكتلة الشرقية وأرسل على الفور الدبابات لقمع المتظاهرين في تيميشوارا وبوخارست. لكن نتائج القمع الخسيس كانت عكسية فنضال العمال أجبره على التنحي عن منصبه في ٢١ كانون الأول، وأعدم في يوم عيد الميلاد.

تراجع

كان الحكام المتعنتون في الكتلة الشرقية قد سقطوا واحدا تلو الآخر في أقل من عام. وسقط التهويل الذي كانت تمارسه الدولة منذ فترة طويلة فجأة وفقدت قبضتها على العمال الذين وقفوا ضد ما كان يسمى رسميا بـ"دولة العمال". أعلن القادة الغربيون أن ثورات عام ١٩٨٩ كانت انتصارا للسوق الحرة وإثباتا لعدم وجود بديل عن الرأسمالية. اتفق معهم العديد من اليساريين بمن فيهم الذين كانوا ينتقدون الكتلة الشرقية. اعتبر البعض أن دول الكتلة الشرقية يملأوها العيوب ولكنها تقدمية. ورأى كثيرون أيضا أنه بدون الاتحاد السوفياتي، فسوف تتصرف الولايات المتحدة من دون رادع.

حزب العمال الاشتراكي رحب بالثورات. تحت شعار "لا واشنطن ولا موسكو نعم للاشتراكية الأممية"، وقد دعمنا منذ البداية نضال العمال ضد كل الأنظمة. فهمنا أنه طالما ارتبطت الاشتراكية بالأنظمة الستالينية البربرية فليس لديها أي مستقبل. عرفنا أيضا أن الدولة العمالية الحقيقية، هي الوحيدة القادرة على قهر الإمبريالية. بالنسبة لنا، كانت روسيا والدول التابعة لها في أوروبا الشرقية تستغل العمال. كانوا يمثلون "رأسمالية الدولة".

والطبقة الحاكمة في هذه الدول، بيروقراطية الدولة، تعمل بطريقة مشابهة للنظام الرأسمالي في كل مكان. وهذا يعني، أن مجموعة صغيرة استغلت الأغلبية واستخدمت بعض الثروة وسرقت أموالها، في حين استثمرت الباقي لاستغلالها في المستقبل. ولكن كانت البيروقراطية أيضا تتنافس عسكرياً واقتصادياً مع الغرب، ما شدد من قبضتها ووسع من مجال نفوذها على حياة العمال.

في الشرق، تطلب هذا الأمر قمعا هائلا مع رقابة صارمة ونشر لشبكات شرطة سرية على نطاق واسع. كان القمع يهدف إلى إزالة الخطر الدائم المتجسد بأن العمال آمنوا بالمثل العليا للحرية والاشتراكية التي ادعى حكام بلدانهم بها. وأولئك الذين عارضوا النظام واجهوا السجن لفترات طويلة والموت في بعض الأحيان.

ومع ذلك، فإن السعي الدائم للأنظمة الرأسمالية لمراكمة المزيد من رأس المال يعني أن الدولة كانت غير مستقرة وتواجه دائماً مقاومة العمال مستمرة.

في ألمانيا الشرقية عام ١٩٥٣، أضرب عمال البناء في برلين عن العمل وأطلقوا شرارة الانتفاضة. في أقل من أسبوع كانت جميع المراكز الصناعية القديمة مضربة. أحرق المحتجون مباني الحزب ومراكز الشرطة. تدخلت الدبابات الروسية وأوقفت الإضراب. شكل العمال في المجر مجلسا عماليا في بودابست خلال ثورة ١٩٥٦. ومرة أخرى، كانت الدبابات الروسية هي التي كسرت الثورة. في شمال بولندا كان هناك تقريبا حالة من "السلطة المزدوجة" في الثمانينات، حيث بدأ العمال إدارة الأمور أثناء الإضراب الشامل.

تظهر هذه الصراعات، وغيرها الكثير، أن الخيارات لم تقتصر على دعم الستالينية أو الرأسمالية الغربية. كان من الممكن أن نختار النضال من أجل سلطة العمال.

تمثل ثورات عام ١٩٨٩ توجه رأسمالية الدولة نحو رأسمالية السوق الحرة. أما بعض الذين انضموا إلى الحركة فأرادوا التمتع بمستويات المعيشة التي كان يتمتع بها أولئك الذين كانوا يعيشون في ألمانيا الغربية.

تبددت تلك الآمال بسرعة. ولكن الناس في الشوارع تريد أكثر بكثير من مستويات معيشية أفضل، كانوا يريدون أن يعيشوا في مجتمع لا يجدون فيه فجوة كبيرة بين الحكام وبقية العالم.

اليوم، كما يحرم الملايين في روسيا وأوروبا الشرقية من وظائف أو يجبرون على العيش بالفقر، هناك حاجة لروح الثورة مرة أخرى لإنهاء ما بدأوه عام ١٩٨٩.

نشر هذا النص في أسبوعية العامل الاشتراكي- ٤ تشرين الثاني ٢٠١٤