لماذا نقرأ “دروس ثورة أكتوبر”؟

محمد عصام معوض
2014 / 11 / 24 - 21:09     

ترجمة محمد عصام معوض الناشر الناشر وحدة الترجمة – مركز الدراسات الاشتراكية



كان عام 1923 حاسماً في تاريخ الحركة الأممية، كانت هذه النقطة هي بداية اجتياح الحركة الثورية أوروبا بعد انتصار البلاشفة عام 1917 والذي بدأ في الانحصار، وكان أيضاً هو الوقت الذي بدأت فيه البيروقراطية السوفييتية في إحكام قبضتها بقوة على المجتمع الروسي.

كلمة السر كانت تكمن في ألمانيا، حيث معدلات التضخم المرتفعة التي قادت إلى موجة إضرابات عمالية هائلة من أسفل جذبت الملايين من العمال حول الحزب الشيوعي الألماني. كان إسقاط الرأسمالية في ألمانيا عاملاً مهماً في خروج الاتحاد السوفييتي من عزلته الدولية، فالطبقة العاملة الألمانية كانت واحدة من أكبر وأقوى الطبقات العاملة في العالم.

امتلئت موسكو بالملصقات والشعارات الداعمة للانتفاضة الألمانية، تشجعت الكثير من النساء حتى أن بعضهن قمن برهن خواتم الزفاف لإرسال أموال تبرعات إلى ألمانيا من أجل الثورة. ولكن في نهاية الأمر ضاعت فرصة انتصار الانتفاضة. بدأ الحزب الشيوعي الألماني في الإعداد لثورة في أكتوبر 1923، ولكن الأمر فشل أيضاً.

يمثل كتيب “دروس أكتوبر” محاولة من جانب الثوري الروسي ليون تروتسكي للتحليل وللإجابة على سؤال: لماذا أُهدرَت هذه الفرصة التاريخية؟ ولماذا نجحت الثورة الروسية في المقابل؟ بالنسبة لتروتسكي فإن الثورة لا تنتصر إلا من خلال حزب قوي له شعبية كبيرة وجذور قوية، وأن قدرة الثوار المنظمين على قيادة أي تمرد جماهيري في اللحظة المناسبة هو السبيل الوحيد لتحويل الانفجارات العفوية لغضب الطبقة العاملة إلى سلاح يسحق الدولة الرأسمالية.

ولكن ليس كافياً أن يكون الحزب كبيراً ليقود هذه الحشود، بل ينبغي أن يكون لديه الإمكانية السياسية والقدرة على تحقيق قفزة كبيرة نحو تحدي سلطة الدولة حينما تسنح الفرصة.

جادل تروتسكي بأن في الأوقات غير الثورية يحمل الحزب الثوري في طياته قدراً من المحافظة والجمود يتولدان بسبب الروتين الذي يحتاجه الحزب للتنظيم والنمو خلال فترة الركود الثوري. ولكن في الأوقات الثورية لابد من التغلب على العادات القديمة، وينبغي كسب المنظمة الثورية في طريق قيادة النضال من أجل سلطة الدولة.

إن الكادر ذا الخبرة في النضال، المرن سياسياً، هو الوحيد القادر على كسر هذا الروتين من الدعاية وتنظيم الحملات، لبدء التحضير للموجة الثورية. هذه القدرة على الانتقال من البناء التدريجي إلى التحضير النشط من أجل تحطيم الرأسمالية هو ما يكمن وراء مصائر الثورات الروسية والألمانية.

كانت القيادة السياسية للينين، الذي كسب رفاقه البلاشفة لشعار “لتسقط الحكومة المؤقتة” في عام 1917، هي التي أعدت الحزب لثورة أكتوبر. كان عليه أن يخوض معركة مع من كانوا في قيادة الحزب وفشلوا في التحويل السياسي لدفة الحزب ووقفوا ضد استيلاء البلاشفة على السلطة في أكتوبر.

أما في ألمانيا، فقد أثبتت قيادة الحزب الشيوعي أنها غير قادرة على التحول نحو مواجهة سلطة الدولة. كما منعتهم ميولهم المحافظة من قيادة حشود الطبقة العاملة نحو نصر حاسم، وهكذا ضاعت موجة الإضرابات العمالية وتبددت في نهاية المطاف.

تسبب كتيب تروتسكي في عاصفة نارية من النقد فور نشره في أكتوبر 1924. كشف الكتيب عن أن كلاً من كامينيف وزينوفييف – الذين كانوا جنباً إلى جنب مع ستالين على رأس الجهاز البيروقراطي السوفييتي – وقفوا ضد ثورة أكتوبر، وكان ذلك هجوماً ضخماً على مصداقيتهم.

كان ثلاثي كامينيف وزينوفييف وستالين قد بنى شرعيته السياسية استناداً لكونهم من البلاشفة القدامى الذين ظلوا رفاقاً مخلصين للينين لعدة سنوات. اعتمدوا على تقديس لينين وتصويره كأسطورة قائد معصوم من الخطأ وقد جعلهم خلفاءاً شرعيين له.

في حين اتهم المعارضون تروتسكي أنه كان دائماً أقرب للمناشفة عن البلاشفة، مشيرين إلى أنه انضم إلى الحزب فقط في عام 1917. وقد قلب تروتسكي المسألة رأساً على عقب، وأظهر كيف كاد القادة السوفييت البيروقراط أن يهدروا الثورة من قبل.

صدرت خمسة آلاف نسخة فقط من “دروس ثورة أكتوبر”، في حين نشرت قيادة الاتحاد السوفييتي، الآخذة في الانحطاط، مجلداً ضخماً يندد بتروتسكي ويتهمه بشتى أنواع الانحرافات. فتحت هزيمة تروتسكي الطريق أمام مذهب ستالين “الاشتراكية في بلد واحد”، التي تخلت عن الثورة العالمية لصالح التنافس مع القوى الرأسمالية الغربية اقتصادياً وعسكرياً.

في النهاية، ارتبط مصير كتيب تروتسكي بالموضوع الذي يتناوله. لم يعزز فشل الثورة الألمانية يد الطبقة الحاكمة الألمانية فقط، بل أدى أيضاً إلى الزيد من العزلة لروسيا، تلك العزلة التي أدت إلى ترسيخ وتوطيد العُصبة الناشئة حول ستالين. كان الفشل الذي مُنيَ به الحزب الشيوعي الألماني يعني، وإن بطريقة غير مباشرة، أن من الممكن هزيمة تروتسكي والحجج التي ساقها.

هكذا يبقى كتيب تروتسكي تذكيراً حيوياً بالدروس التي نحتاج لنتعلمها لنصير قادرين على بناء التنظيم الثوري الذي يمكنه يوماً ما تحطيم أغلال الرأسمالية.

* المقال منشور باللغة الإنجليزية في يناير 2014