شرح مبسط كتاب أوروبا و التخلف في إفريقيا للسياسي الماركسي والتر رودني


كريبسو ديالو
2014 / 11 / 24 - 08:38     

في هذا الكتاب القيم يروي مؤلفه والتر رودني قصة تخلف إفريقيا عن ركب التقدم ومساهمة أوروبا الفاعلة والكبيرة في هذه النتيجة التي باتت ظاهرة للعيان ويريد والتر من وراء سرد قصة دور أوروبا في تخلف إفريقيا أن يشرح دور إفريقيا في الشؤون الدولية وذلك عن طريق الرجوع لماضيها منذ أول مملكة حتى وصلنا إلى الاستعمار الغربي الأوروبي ويريد المؤلف أن يربط بين هذا التاريخ وهذا الماضي وما يجري اليوم في إفريقيا وحالتها على الصعيد الدولي غير أنه لا بد من التنويه إلى أن المنهجية التي يوظفها والتر تنطلق من وجهة نظر اشتراكية كانت سائدة في مناطق كثيرة من العالم إبان صدور كتابه إذن الكتاب لم يخرج عن سياق النظرة الاشتراكية في التطور والتنمية فالمؤلف نادى بشكل واضح منذ بداية الكتاب بفكرة أن تنمية إفريقيا وتطورها مرهونة بالانفكاك من النظام الرأسمالي الدولي الذي كان السبب الرئيس لتخلف إفريقيا لقرون خمسة متواصلة وأكثر من ذلك كما يبين الكتاب في مقدمته وكان يأمل والتر رودني أن يصل هذا الكتاب إلى أيادي الأفارقة خاصة الذين يريدون تفحص طبيعة الاستغلال التي مورست ضدهم وضد أجدادهم وهو يعرف بشكل مطول مفهوم التخلف الذي يشكل حجز الزاوية لفهم بقية الكتاب ويتميز مفهوم التخلف بعدد من الصفات: هنا يركز رودني على نوع من المقارنة لفهم مفهوم التنمية فمناطق إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية متخلفة قياسا بأوروبا وشمال أمريكا وعدد قليل من الدول الصناعية في العالم ثانيا يتضمن مفهوم التخلف ليس فقط عدم المساواة الاقتصادية النسبي بين عدد من الدول والقارات وإنما يتضمن إضافة إلى ذلك مسألة في غاية الأهمية وهي علاقات الاستغلال الاقتصادي بين دولتين أو أكثر و في هذه الحالة يصبح المستغل (بكسر الغين) متطورا وناميا في حين يكون فيه المستغل (بفتح الغين) متخلفا وهنا يشير والتر إلى أن التخلف في دول قارة إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية واضح من خلال عدد من المؤشرات من ضمنها: كمية الفولاذ المستخدمة (وهو مؤشر لمستوى التصنيع والصناعة) الإنتاج الزراعي، معدل الوفيات بين الأطفال، سوء التغذية، وجود الأمراض التي في الغالب لا توجد في الدول المتطورة صناعيا وانتشار الأمية ويقول والتر إن من ضمن صفات التخلف الأخرى ما يمكن اعتباره عدم القدرة على التركيز على قطاعات من الاقتصاد التي يمكن لها أن تحقق نسب نمو عالية كما أن العلاقات بين مختلف القطاعات الاقتصادية هي إما غير موجودة وإما موجودة لكنها ضعيفة، ورافق ذلك تلاش للتوفير المتراكم بعد هذا التقديم المفاهيمي لمصطلح التخلف ينتقل والتر لتقديم نظرة عامة لما كان عليه حال المجتمع الإفريقي النقي والمجتمعات الإفريقية المعقدة التي كانت موجودة قبل قدوم الأوروبيين بشكل عام يكمن القول إن العائلة ورابطة الدم والقرابة هي العوامل المحددة لملكية الأرض وفي استجلاب العمال للعمل في الأرض وفي توزيع مخرجات العمل وهذا لا يتطابق على الإطلاق ونظام الإقطاع أو الرأسمالي الذي يعمل فيه عبيد الأرض أو العمال المأجورون وهم في العادة من خارج عائلة سيد الأرض أو صاحب المصنع كما يشير الكتاب في فصله الثاني إلى مظاهر أخرى في الثقافة الإفريقية قبل عام 1445 وهي الموسيقى والرقص والفن والدين ثم الدين هنا انتشر في الحياة الإفريقية كما هو الحال في مجتمعات ما قبل الإقطاع الأخرى مثل أستراليا وأفغانستان ومثل الفايكونج في الدول الإسكندنافية ويقول والتر إنه وعلى الرغم من أن إفريقيا أظهرت قدرا كبيرا من التشكيلات الاجتماعية (مثل جماعات الصيد والإقطاع والمشاعية) غير أن أغلبية المجتمعات الإفريقية قبل قدوم الأوروبيين كانت في مرحلة انتقالية من ممارسة الزراعة والصيد والرعي في مجتمعات العائلة إلى ممارسة الأنشطة نفسها في نطاق دول ومجتمعات مشابهة للإقطاع وهنا يقدم والتر عددا من الأمثلة ليوضح هذه النقطة على وجه التحديد مثل القدماء المصريين وأمثلة أخرى ولم يتردد والتر في توجيه النقد لما وصفه بأخطاء الباحثين التقليديين التي كانت تصف بروز الحضارة الأوروبية الحديثة كشيء حققه الأوروبيون بأنفسهم منفردين دون الاعتماد على أحد وبدلا من ذلك يجادل والتر في أن التجارة مع الأمم غير الأوروبية كانت المفتاح الرئيس لتحقيق الهيمنة الأوروبية فقد انخرطت أوروبا في تجارة الرقيق والعبيد منذ القرن الخامس عشر وصاعدا وكان لذلك أثر كبير في صعود الحضارة الأوروبية فقد تم توظيف العبيد في مناجم الذهب والفضة في الولايات المتحدة وإفريقيا والذهب والفضة كانا في غاية الأهمية لصناعة النقد في الاقتصاد الأوروبي المتنامي وكان لهذه الفرص الجديدة أثر كبير أيضا في فرص الاستكشاف وتراكم الثروة فالكثير من مناحي المجتمع الأوروبي والاقتصاد كان متأثرا بتجارة العبيد وهنا نشير إلى صناعة السفن والتأمين وإقامة الشركات والزراعة الرأسمالية والتكنولوجيا وإنتاج الآلات وإقامة العلاقات التجارية في أوروبا ونتيجة لهذا النوع من التجارة فقد نشأت مدن موانئ مثل ليفربول في إنجلترا وإشبيلية في إسبانيا وهي مدن أقيمت نتيجة لتجارة العبيد وارتبطت هذه المدن لاحقا بعضها ببعض وصادف ذلك بروز مراكز التصنيع وبداية الثورة الصناعية في بريطانيا ويرى والتر أن إحدى النتائج السلبية التي صاحبت تجارة العبيد هي نمو العنصرية البيضاء تجاه الأفارقة وجاء ذلك بشكل كبير كطريقة لعقلنة استغلال عمل العبيد التي اعتمدت عليه أوروبا بشكل متزايد وبالتالي جاءت فترة الاستعمار التي دفعت فيها إفريقيا أيضا ثمنا باهظا ولعبت فيه إفريقيا دورا كبيرا في تنمية وتطوير أوروبا والنظام الرأسمالي الدولي وخلال هذه الفترة الاستعمارية تورط الكثير من القطاعات الاقتصادية الأوروبية في استغلال الموارد والمصادر الإفريقية ومن ضمنها خدمات السفن والنقل والبنوك وسمح النظام الكولونيالي أيضا بنمو سريع للتكنولوجيا والمهارات في القطاعات الرئيسة الاقتصادية في مراكز الإمبرياليات الأوروبية والاستعمار منح الرأسمالية عمرا أطول وبقاء أطول في أوروبا الغربية ومثالا على التطورات التكنولوجية يمكن الإشارة إلى التطورات في المعدات الحربية لأن التنافس على المستعمرات شجع نوعا من الطرق الجديدة لشن الحروب (المدمرات والغواصات) وفي البحث العلمي وفي الشحن (الثلاجات وحاملات النفط وأنواع جديدة من التجهيزات الخاصة بالموانئ) ونتيجة لكل ذلك كان هناك تقاسم في العمل على المستوى الدولي إذ اقتصر عمل الأفارقة في المناجم ما يعني ضمان النمو والتوظيف والمهارات في الأمم الأوروبية وهناك فوائد أخرى للاستعمار تجلت في الحصول على الفن الإفريقي القيم واستخدام الجنود الأفارقة للحرب نيابة عن الشعب الأبيض على أرض إفريقيا وفي مواقع أخرى من العالم وكان للسلوك الأوروبي تجاه الأفارقة أثر كبير في تطور بل لنقل تخلف إفريقيا بشكل عام فالأثر المباشر لتجارة العبيد كانت عندما كانوا يرسلون عبر المحيط الأطلسي ما أدى إلى تراجع في المواليد ونمو السكان وهذا بدوره أثر في توافر العمل والعمال في الأسواق الإفريقية أما ما تبقى من أفارقة فقد كان الكثير منهم منهمكا في اصطياد العبيد والحصول على بضائع كان يرغب فيها الأوروبيون وهو الأمر الذي أدى إلى إهمال الصناعات المحلية سواء الزراعية أو التكنولوجية كما يجب أن ننوه إلى أن شراء التكنولوجيا الذي يعتبر طريقة أخرى لإحداث النمو في المجتمع كان غائبا في هذه الفترة بسبب طبيعة الاتصال بين الأوروبيين والأفارقة وهي طريقة لم تكن تساعد على نشر الأفكار الإيجابية والتكنولوجيا من أوروبا المتحضرة إلى إفريقيا المتخلفة و غير أن أحد أهم الآثار للتوسع في تجارة الرقيق هو تدمير الروابط الداخلية التي أقيمت في إفريقيا قبل أن تدهمهم تجارة الرقيق ويشير والتر هنا إلى أنه قبل قدوم الاستعمار كان الأفارقة يصنعون تاريخهم وتطورهم بشكل مناسب ويمكن تفسير ذلك بأن التأثير الأوروبي بقي محصورا في المناطق الساحلية وبالتالي تأثرت المنظومة الأيديولوجية والسياسية والعسكرية بشكل قليل ويعطي أمثلة كثيرة على مجتمعات بقيت تنمو بشكل مستقل مثل رواندا فكثير من هذه المجتمعات أثبتت أنها قوية ويحسب لها حساب غير أنه خلال فترة الاستعمار كانت الآلية الأساسية لعدم تطور إفريقيا هي مصادرة الفائض المنتج من قبل العامل الإفريقي وكذلك الموارد الطبيعية وإضافة إلى ذلك فإن الاستعمار كان يعني الإزالة الافتراضية للقوة السياسية الإفريقية وإعاقة مزيد من التطور والتضامن الوطني وإهمال الصناعات المحلية وعدم كفاية المرافق الصحية والفرص التعليمية وكل هذه الأمور بعضها مع بعض تسهم وأسهمت في التخلف باختصار لقد حقق رودني والتر مبتغاه في الكتاب عندما أثبت أن التدخل الأوروبي أسهم بشكل كبير فيما وصلت إليه إفريقيا اليوم فما من أمة أوروبية دخلت في إفريقيا إلا وتذوقت طعم الربح والرخاء ولكن المشكلة الرئيسة في مقاربة رودني والتر هي تأكيده الزائد على الحد المنظور الاشتراكي بخاصة بعد أن ركز على النجاحات السوفياتية التي تبدو الآن ضربا من الماضي ومستغربا كما قلل من شأن عوامل التخلف الداخلية التي تستند إلى الطريقة التي ينظم بها المجتمع نفسه ومع ذلك نقول إن الكتاب ممتاز وكتب بطريقة سهلة القراءة ومساهمة مهمة في فهم كيف آلت الأوضاع في افريقيا وكيف كان للعامل الخارجي أثر كبير في هذه الدينامية التاريخية