ماو والماوية

داليا البنهاوي
2014 / 11 / 20 - 23:04     

المترجم ترجمة داليا البنهاوي الناشر الناشر وحدة الترجمة – مركز الدراسات الاشتراكية



“في الذكرى 65 للحكم الشيوعي في الصين، في الأول من أكتوبر الماضي، اندلعت مظاهرات مناهضة للحكومة في هونج كونج شارك فيها أكثر من 100 ألف مواطن”. هذه التغطية من صحيفة “الإيكونوميست” توحي بأن مظاهرات هونج كونج المؤيدة للديمقراطية كانت ضد الشيوعية.

الدولة الصينية قمعية بالتأكيد، ذات تاريخ في سحق أى تمرد داخلي، من مظاهرات ميدان السلام السماوي في 1989 إلى اعتقال الفنان آي ويوي مؤخراً. تتبع الصين نظام رأسمالية الدولة، ولم تكن شيوعية في يوم من الأيام، وتُظهر هذه التسمية الخاطئة تأثير ماو والماوية.

من الاشتراكية إلى الستالينية
ألهم الحزب البلشفي والثورة الروسية في 1917 ملايين العمال الصينيين للنضال من أجل ديمقراطية العمال والمستقبل الاشتراكي في أوائل العشرينات. ولكن الثورة المضادة أفرزت حزب شيوعي روسي ستاليني وفاسد لم يعد يأبه بدعم العمال في نضالاتهم العالمية ولكن بحشد مؤيدين للسياسات الخارجية الروسية.

لم تفشل ثورة 27 – 1925 في الصين بسبب نقص شجاعة أو قناعة العمال الصينيين، ولكن بسبب قيادة الحزب التي اتبعت ستالين.

الحزب الشيوعي الروسي بقيادة ستالين نصح الحزب الشيوعي الصيني نصيحة كارثية بأن يُخضعوا أهدافهم لأهداف حزب كومنتانج القومي الذي كان هدفه الأكبر هو ثورة قومية تُنصبهم طبقة حاكمة جديدة في الصين.

اتبع الحزب الشيوعي الصيني نصيحة ستالين وكوفئوا بأن ذُبحوا وقُتلوا وأُزيحوا من الساحة السياسية. أحكم تشانج كاي تشك (زعيم حزب كومنتانج القومي) سلطته عن طريق قتل 230 ألف شخص وسحق القاعدة العمالية للحزب الشيوعي الصيني.

ماو
خرج ماو من هذه الهزيمة باستراتيجية جديدة. استراتيجية غير قائمة على عمال المدن بالأساس، بل تعتمد على العودة للريف وبناء جيش قائم على الفلاحين بقيادة ثوار الطبقة المتوسطة.

لم تعد القضية تنظيم الغالبية العظمى في نضال من أجل تغيير المجتمع الصيني من أسفل، بل تنظيم مجموعة صغيرة نسبياً من الجنود لتنفيذ استراتيجية ماو العسكرية. لم يكن لهذا أية علاقة بالبلاشفة الذين تمكنوا – في بلد أغلب سكانه من الفلاحين – من تنظيم ثورة من أسفل للعمال والفلاحين في إطار ما كان سيصبح ثورة عالمية.

استطاعت الثورة القومية التي قادها ماو في 1949 من أن تطيح بالقوى الاستعمارية الغربية واليابانية، وأن تخلق قاعدة لاقتصاد صيني قومي. كما أنها نصّبت الحزب الشيوعي الصيني حاكماً للبلاد منذ تلك اللحظة. نجح ماو بسبب فساد الكومنتانج وعدم ولاء المواطنين العاديين لهم، وبسبب الانضباط العسكري، وأيضاً المشاعر المعادية للاستعمار لدى الكثير من الصينيين.

لكن الثورة التي قادها ماو لم تكن شيوعية، بل كانت قومية بالأساس، ولم يكن لها أية علاقة بسلطة العمال. اهتمامه الجوهري، مثله مثل ستالين، كان أن يجعل الصين منافساً للبلدان الرأسمالية حول العالم.

إذا كان عليه أن يُخضع مطالب العمال والفلاحين من أجل التراكم البدائي، إذن فليكن. أدى هذا الحكم المتغطرس إلى كارثة “القفزة الكبرى” و”الثورة الثقافية” التي قُتل فيها الملايين.

الماوية
في الستينات، رأت بعض من المنظمات اليسارية نفسها تسير على خُطى الزعيم ماو. نفس ما فشل فيه ماو جرت محاكاته في مناطق أخرى وأدى إلى نتائج كارثية في أغلب الأحيان، على سبيل المثال محاولة تشي جيفارا تصدير حرب العصابات إلى أدغال بوليفيا، على بُعد كيلومترات قليلة من مجموعة قوية من عمال المناجم الذين كان يمكن لهم أن يلعبوا دوراً إيجابياً في محاربة الرأسمالية والظلم.

عندما نظر يساريو الستينات وثوار دول العالم إلى أفكار ماو (من فوهة البنادق تنبع السلطة السياسية) كانوا قد بدأوا في الابتعاد عن أكثر مبادئ ماركس رسوخاً، تلك التي تنص على أن تحرر البشرية لن يأتي إلا من خلال تلك الطبقة التي تمثل الأغلبية الكاسحة للمجتمع والتي تزوّد الطبقة الرأسمالية بكل ثرواتها.

لا تزال الماوية فلسفة رائجة في بعض دول الجنوب العالمي مثل الهند ونيبال وبيرو. استراتيجية تحاول أن تواجه الدولة الرأسمالية (بقوتها الضاربة من الجيش والشرطة) على أساس أن من لديه بنادق أكبر سيُهزم حتماً.

مع ذلك، نرى اليوم انتقام التاريخ في شوارع هونج كونج، حيث يتحرك العمال والطلاب ضد حكومتهم والطبقة الحاكمة الصينية. مطالبهم ليست فقط انتخابات ديمقراطية، ولكن أيضاً ضد استحواذ أقلية للسلطة والثروة، سواء كانت تلك الأقلية نخبة رجال أعمال هونج كونج أو نفس الطبقة في الصين نفسها.

لقد كان صعود النضالات العالية في الصين خلال العقد الماضي مثيراً للإعجاب، حتى مع الطبيعة القمعية للنظام. فقط حركة أممية حقيقية، تحرك الـ 99% من أسفل، قادرة على بناء المجتمع الاشتراكي الذي نحتاجه.

* المقال منشور باللغة الإنجليزية في 5 نوفمبر 2014، على موقع الاشتراكيين الأمميين بكندا