ماركس والعلوم الطبيعية


طلال الربيعي
2014 / 11 / 11 - 01:16     

اثار بعض الزملاء مؤخرا بعض التساؤلات حول علاقة ماركس او الماركسية بالعلوم الطبيعية, وهذه المقالة المختصرة, ولربما تتبعها اخرى, تحاول تتبع مسار ماركس الفكري وعلاقته بالعلوم الطبيعية ودراسته المعمقة لها طوال مختلف فترات حياته.

فالسؤال الاول الذي لربما يخطر ببالنا هو التالي: ما هي العلاقة بين التطبيق العملي الثوري, الذي يهدف إلى تغيير العالم، كما تعلن الماركسية, والعلوم الطبيعية، اي علوم قوانين الطبيعة التي تكمن وراء النشاط العملي للإنسان عندما يضع قوى الطبيعة لخدمته الخاصة؟

كان في العهد الذي عاشه ماركس وجهات نظر متعددة وفوران ملحوظ وهائل في مجال الإنجازات في العلوم الطبيعية وتنامي الوظيفة الاجتماعية (الطبقية) للعلوم الطبيعية وقتها. مهد لهذا التطور في العلوم الطبيعة تصاعد نفوذ الرأسمالية بعد مؤتمر فيينا لعام 1815, حيث شملت التنمية الصناعية والثورة الاقتصادية قارة اوربا بأكملها. وفي منتصف القرن التاسع عشر تحولت حتى ألمانيا من "دولة البرجوازية الصغيرة المتعفنة" إلى دولة ذات صناعة متطورة وذات نفوذ في التجارة العالمية. وأعطى نمو القوى المنتجة دفعة قوية لتقدم العلوم الطبيعية في جميع أقسامها. ففي فترة صغيرة من الزمن بين 1830 و 1848، اكتشف قانون حفظ وتحويل الطاقة في أعمال جول، ماير، كولدينغ، وهيلمهولتز. في الوقت نفسه اكتشف فاراداي الحث الكهرومغناطيسي. تطورت الكيمياء العضوية بفضل عمل ليبج و ولر. وتطور علم الخلية بشكل هائل على يد العالم شفان. في علم وظائف الأعضاء كان لدينا عمل يوهانس مولر ومدرسته. في الجيولوجيا نشأت فكرة التطور على يد ليل. ومرت العلوم الطبيعية خلال تلك الفترة في أعظم هيجان.

التطور العظيم للرأسمالية وللعلوم الطبعية ادى الى استخدام هذه العلوم من اجل دفع النشاط العملي للبرجوازية وأعطائه إمكانيات جديدة للتنمية الصناعية. كلاسيكيات فسيولوجيا النبات والكيمياء الزراعية على يد سوزر, شينبرج ، ديفي، باسينجو و ليبج، وضعت الأساس النظري للزراعة "المجدية". بفضل تطور الكيمياء العضوية، من حوالي منتصف الخمسينات, بدأت هناك ثورة في كيمياء الأصباغ التي أدت إلى تغييرات كبيرة في صناعة النسيج. باستور، محفزا بمطاليب الإنتاج، حقق اكتشافات التي بدورها اثرت في الزراعة والطب.

شهد ذلك العصر وعيا كبيرا بأهمية الوظيفة الاجتماعية للعلوم الطبيعية اوتغلغل هذا الوعي الى إلى عقول العمال العلمي وشخصيات عامة. ودارت مناقشة بين رجال العلم بخصوص العلاقة ما بين النظرية والممارسة، والعلوم والصناعة.
ان نشوء افكار ماركس وإنجلز في هذه الفترة العاصفة من تطور العلوم الطبيعية و توسع منجزاتها إلى حد كبير واعلاء أهميتها الاجتماعية تدعونا الى الرد على سؤال عظيم الأهمية لفهم جوهر الماركسية والعلاقة بين أفكار ماركس والعلوم الطبيعية في مسار تطورها التاريخي.

فهل تشكلت النظرية الماركسية في تربة من العلوم الطبيعية، أو، على العكس، الماركسية ليست سوى مفهوم للتاريخ، وهي "علم الروح"، أي لا اتصال داخلي لها مع علوم الطبيعة؟
الرأي الأخير يمثله شبه الماركسيين (كاوتسكي، وماكس أدلر، الخ). كارل كاوتسكي، بطريرك المرتدين, اجاب بان الماركسية ليست سوى "تصور" خاص للمجتمع، الماركسية لا علاقة لها بالفلسفة، والفلسفة لا علاقة لها بسياسة الحزب، وأخيرا العلوم الطبيعية لا علاقة لها لا بالماركسية، ولا بسياسة وفلسفة الحزب.

يتم تشويه الماركسية هنا في العديد من الطرق في حجج الأطروحة. فمحاولة خاطفة في شرح دور العلوم الطبيعية في تشكيل أفكار ماركس والعلاقة العامة بين الماركسية والعلوم الطبيعية تظهر بشكل مقنع كيف يحاول اشباه الماركسيين وغيرهم تشويه أفكار ماركس واخصائها بتجريدها من علميتها كسلاح عقائدي للبروليتاريا في حربهم ضد الشيوعية.

من أعمال إنجلز وحدها سيكون من الممكن إظهار العلاقة الداخلية للأجزاء المختلفة المتسقة للماركسية مع علوم الطبيعة. فيعتبر جدليات الطبيعة المحاولة الاكثر شمولية في تطبيق افكار ماركس إلى بيانات العلوم الطبيعية. انها محاولة متفوقة بفارق كبير عن جميع ما حدث في هذا المجال من خلال فلسفة الطبيعية الألمانية و فلسفة هيغل، باعتبار ان تطور القوى المنتجة والعلوم الطبيعية في القرن التاسع عشر تفوق تلك التي شهدها قرن الثورة الفرنسية.

سوف نسعى الآن لتحليل المشاكل المطروحة هنا باستخدام أعمال ماركس وبدءا من نشاطه في المجال الذي يهمنا.

بطبيعة الحال، جزء كبير من الأفكار الرئيسية والرائدة في عالم التاريخ والاقتصاد على وجه الخصوص تنتمي إلى ماركس. ولكنه لا يتبع من هذا ان ماركس لم يهتم بالعلوم الطبيعية، والتي تغمطها سيرة ماركس إلى حد كبير. فقد انجذب ماركس الى العلوم الطبيعية كتلميذ في المدرسة الثانوية في ترير، حيث درس تحت اشراف الجيولوجي الشهير شتايننجر. نفس الشيء كان في جامعة برلين حيث حضر محاضرات في الأنثروبولوجيا ل هاينريش ستيفنز، وكان هذا ايضا فيلسوفا طبيعيا وعالما كبيرا في علوم المعادن والجيولوجيا. احتفظ ماركس باهتمامه في العلوم الطبيعية حتى أيامه الأخيرة. هذا الاهتمام تجلى في مراحل مختلفة، في الاعتماد على الوقت تحت تصرفه لهذا النوع من العمل، وبدرجات متفاوتة، إما في التعارف، أو الدراسة، أو البحث النشط في بعض المشاكل العلمية.

كانت أبحاث ماركس المستقلة في الرياضيات العليا مشهورة. في علم الفلك درس ماركس كيركوود، الذي اكتشف "نوعا من قانون الاختلاف في دوران الكواكب". درس ماركس ايضا علاقة هذا القانون على فرضية لابلاس وربط هذا الاكتشاف مع النقد الهيغلي لكل من كبلر ونيوتن.

في مجال الفيزياء درس ماركس كتاب غروف
The correlation of Physical Forces

كما درس ماركس عمل معظم علماء الطبيعة بالإنجليزية والألمانية. حيث, مثلا, تتبع عمل تيندال مع إيلاء اهتمام خاص لتقسيمه أشعة الشمس إلى الأشعة الحارة والأشعة غير الحارة.

في الكيمياء، وخاصة في الكيمياء الزراعية، كان لماركس معرفة أساسية. لسنوات عديدة قرأ أدبيات هذا الموضوع، ودرس ليبج، شونباين وغيرها.

في البيولوجيا درس ماركس شلايدن و شفارن. كما اعار اهتماما كبيرا الى اعمال داروين, كيليكر, تريماو، هكسلي، فراس، هيلمهولتز و تراوب وغيرهم.

المصادر
1- Marxism and Natural Sciences
Y.M. Uranovsky
https://www.marxists.org/subject/science/essays/science.htm
2- Marxism and Modern Thought
by
N.I. Bukharin