المادية الديالكتيكية إلى أين ؟ الجزء الأول -1


أحمد الراشدي
2014 / 11 / 4 - 07:35     

وضعت الماركسية اللينينية أمام شعوب العالم و طبقاته المضطهدة أسسا,مفاهيما وقوانينا جديدة حلّلت و مازالت تحلّل العالم الموضوعي من جميع جوانبه منطلقة من أصغر جزيء في المادة إلى أعقد الظواهر الإجتماعية لتحوّل أمنياتهم في التحرر الوطني إلى تكتيك متكامل وعلمي راوح بين ماهو عام وماهو خاص في المجتمعات الإنسانية ونابع عن قراءة معمّقة للتاريخ البشري ونزع كل الأفكار الميتافيزيقية التي عرقلت نضال الجماهير من أجل الإشتراكية .
بنقدهما لما راكمه العلم و الفلسفة وبدراستهما للثورات وليدة المحرّك المادي للتاريخ " الصراع الطبقي" استطاع العظيمان كارل ماركس و فريديك إنجلس وضع أسس نظرية متجددة و منقّاة من كل الأفكار المثالية القائلة بالجمود والثبات
لتبرير الإضطهاد و الإستغلال والتي كانت إنقلابا فعليا ونقديا في الفلسفة و العلم
لكننا اليوم نتساءل عن الصمت الرهيب في صفوف الماركسيين اللينينيين إما على مستوى الوطن العربي أو على مستوى الحركة الشيوعية العالمية للرد العلمي اللاذع الذي تعودناه من كل من يتبنّى هذا الفكر الثوري على كل التشويهات التي كانت في أغلب الأحيان نتيجة فهم مغلوط للماركسية اللينينية فلا يكون سوى "نقد" لهذا الفهم الخاطئ .
إن أبرز التشويهات بدأت مع منتقدي ماركس و إنجلس البرجوازيين و الرفيق فلاديمير لينين مع تحريفية و إنتهازية الأممية الثانية وتواصلت مع تفكك الإتحاد السوفياتي والذي تزامن مع إغتيال الرفيق جوزيف ستالين وشنّ الدوائر الإمبريالية هجمات تشويهية للإيديولوجية العمالية الوحيدة لضرب أسسها وإستعمال العلم لمزيد نهب ثروات الأقطار المستعمرة و الشبه مستعمرة .
في هذا الجزء من المقال سنهتمّ بعرض مبسّط للمادية الديالكتيكية و تطابقها مع مختلف الظواهر الطبيعية و الفيزيائية
لاحقا سندرس عيّنات عن بعض الإنتقادات للمادية الديالكتيكة و إظهار الإخلالات بها.
- المفاهيم الأساسية في الفلسفة :
حتّى نتمكّن من دراسة معمّقة لمضامين الفلسفة وجب تبيّن مفهومين اثنين:
المادة: هي كل ما هو مستقل عن وعي الإنسان وهي تعنى بالواقع الموضوعي حيث لا يمكن تعريفها تعريفا مجرّدا أي دون دراسة تطوّرها ,أشكال حركتها , خواصها , تركيباتها المادية و علاقتها بالزمان و المكان: عرفها لينين على أنها مقولة فلسفية تدل على الواقع الموضوعي المعطى للأنسان في احساساته ، التي تصوره تنقله وتعكسه، وهو موجود بصورة مستقلة عنها
الوعي: هو إنعكاس للواقع الموضوعي المتأتي من مختلف الإدراكات الحسية و المجرّدة و من هنا يُفنّد كل تعريف يعزل هذا المفهوم عن الواقع بقوانين حركته و تطوره ولكن بتمثّلنا له يجب ألا ننسى النظرة الماركسية القائلة بالعلاقة الجدلية ما بين الوعي و العالم الموضوعي أي أن الوعي يمكنه أن يؤثّر في الواقع و حتى تغييره.
-المسألة الأساسية في الفلسفة و النّظرة المادية الديالكتيكية للعالم الموضوعي :
تحمل المسألة الأساسية في الفلسفة جانبين لا يقلان أهمية عن بعضهما وإنطلاقا من الإجابة عليهما يمكننا الإجابة عن بقيّة المجالات التي تدرسها الفلسفة و العلوم ومنهما تحدّد مختلف المعسكرات الفلسفية"المادية" و "المثالية". يرتبط الجانب الأول بعلاقة الوعي بالوجود فيرى الماديون أن ما يحيط بنا من مادة يمكن للإنسان ملاحظته و مايميّز هذه الموضوعات رغم تعقّدها هو
أنها توجد مستقلة عن وعينا فمن هنا نستنتج أن الفلسفة المادية تقول بأولوية المادة عن الوعي .
يقول ماركس في هذا الشأن
إن النظرية المادية التي تقر بأن الناس هم نتاج الظروف و التربية , و بالتالي بأن الناس الذين تغيروا هم نتاج ظروف أخرى و تربية متغيرة , - هذه النظرية تنسى أن الناس هم الذين يغيرون الظروف وأن المربي هو نفسه بحاجة للتربية . ولهذا فهي تصل بالضرورة إلى تقسيم المجتمع قسمين أحدهما فوق المجتمع (عند روبرت أوين مثلا).
إن اتفاق تبدل الظروف والنشاط الإنساني لا يمكن بحثه وفهمه فهما عقلانيا إلا بوصفه عملا ثوريا.2
رغم تعقّد العالم الموضوعي هو في الحقيقة كلّ واحد وتكمن وحدته في :
- توحد مختلف الأجسام في المضمون الشيئي لها و في تركيبتها المادية المتطابقة ففي سنة 1859 وقع إبتكار طريقة تحدّد التركيب الكيميائي لجميع الأجسام على سبيل المثال كل الكواكب على إختلاف خاصيات مكوناتها المادية واحدة من حيث التركيبة المادية .
- إثبات النظرة المادية الديالكتيكية للعالم الموضوعي -على الرغم من تعقد قوانينه- ككل واحد فهذا الكم الهائل و المتناسق الذي راكمته العلوم نحو توحيد قوانين الفيزياء بداية من نيوتين مع قانون الجذب العام مرورا بماكسويل الذي جمع المجالين الكهربائي و المغناطيسي و أنشنتاين في نظرية النسبية التي جمعت الميكانيك الكلاسيكي بالتآثر الكهرمعناطسي وصولا إلى نظرية كل شيء التي مازالت في طور الصياغة.
أما الجانب الثاني للمسألة الأساسية في الفلسفة تساءل ما إن كان بإستطاعة الإنسان معرفة العالم المحيط به : بحكم تطور المادة و حركتها المتواصلة و اللامتناهية لا يمكن معرفة العالم الموضوعي كليّا فمع تحرّكها تتكوّن ظواهر جديدة ولكن هذا لا يدحض المادية الديالكتيكية التي أقرّت بأن الإنسان قادر على معرفة القوانين التي تحكم جركة الواقغ المادي فتاريخ العلوم خير دليل على إمكانية معرفة الواقع المحيط به


يتبع