في الذكرى السنوية لثورة اكتوبر الروسية


عادل احمد
2014 / 10 / 26 - 21:55     

نقترب هذه الايام من الذكرى السابعة والتسعون لثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا. بقدر ما نقترب من هذا اليوم، بقدر ما يزداد شعورنا بحاجة البشرية الى ثورة كهذه لأنهاء ما تعانيه البشرية من المأسي والحرمان والويلات.. وكلما نقترب من هذا اليوم نشعر بأننا كم اخفقنا في تغير العالم نحو عالم افضل! وكم اخفقنا بأسترجاع وممارسة ارادتنا في ادارة شؤوننا بأنفسنا! وكم اخفقنا في انقاذ ارواح الملايين من الاطفال والرجال والنساء والشيوخ من الموت بسبب الفقر والحروب والوباء الرأسمالي! وكم اخفقنا في وقف ادامة عدم مساواة المرأة ومعاناتها.. وكم اخفقنا بأن نجعل البشرية تعيش بسلام وامان بعيدا عن الحروب والاقتتال والذبح والتشرد و...الخ
ان الشعور بعدم التغير وقلب العالم الرأسمالي المعاصر الى يومنا هذه حقا هي احدى الاخفاقات التي يعيشها الثوريون وطليعة الطبقة العاملة والاشتراكيين العماليين في العالم قاطبة. ولكن كلما نقترب من ذكرى ثورة اكتوبر الروسية تتجدد الامال وتجدد الروحية الثورية لدى الطبقة العاملة، للقيام بثورة ضد العبودية وبالضد من اصحابها ويتجدد التفكير بكيفية الخروج من مأزق العالم الرأسمالي وعالم الارباح والانانية. وهنا يكمن مدى تأثير ثورة اكتوبر على مسار تأريخ البشرية في القرن العشرين، كما اثرت على تأريخ البشرية في القرن التاسع عشر الثورة الفرنسية. وهنا تكمن حاجة البشرية الى ثورة اكتوبر اخرى .
تأثرت جميع الحركات الاجتماعية في القرن العشرين بثورة اكتوبر. قفزت اماني وتطلعات الانسانية الى ابعد الحدود. تغيرت معظم المصطلحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في القواميس الثقافية للشعوب وتغير معنى الحرية والمساواة، وتغير مفهوم الديمقراطية وممارسة الحقوق الفردية والاجتماعية وتغيرت معالم الحضارة... بعد ثورة أكتوبر لم يكن هناك اية حركة اجتماعية سواء برجوازية او برجوازية صغيرة لم تضع ثقافة الاشتراكية في برامجها وان تدعي بقربها من الماركسية والادب الاشتراكي.. انها حقا كانت ثورة اجتماعية بمعنى الكلمة وطبعت القرن العشرين برمته بطابعها وبآفاقها. وقد كنست الثورة الروسية كل مخلفات القروسطية من القنانة والعادات المتخلفة للاقطاعية ونصف الرأسمالية في بضعة اسابيع فقط، بالرغم من وجود هذه البقايا في اكثر البلدان تطورا اقتصاديا انذاك مثل فرنسا والمانيا وبريطانيا.
بالرغم من عدم اكمال ثورة اكتوبر مهامها الرئيسية والاساسية وهي الثورة الاقتصادية، اي عدم بناء اقتصاد اشتراكي وحل محله رأسمالية الدولة وبقي العمل المأجور بنيته الاقتصادية حتى اخر ايامه، ولكن استعداد وارادة الطبقة العاملة لاستلام السلطة السياسية واقامة دكتاتورية البروليتارية ضد الطبقة البرجوازية والرأسمالية من اهم مشخصات ثورة اكتوبر ومن اهم انجازات البشرية في التأريخ حتى يومنا هذا، وكان لينين على حق عندما وصف ثورة اكتوبر بأنها اول ثورة حققت الشعار التأريخي بشكل عملي وهي "ان العبيد، لاول مرة منذ المئات والالاف من السنين، قد ردوا على الحرب بين مالكي العبيد، باعلان الشعار التالي امام الملاْ: لنحول هذه الحرب بين مالكي العبيد من اجل اقتسام غنيمتهم الى حرب غمارها عبيد جميع الامم ضد مالكي العبيد من جميع الامم". وكانت هذه الثورة قد حققت اتحاد عمال جميع الامم لاول مرة بروح ثورية موحدة وبهدف معلن وواضع لجميع الطبقة العاملة العالمية.
ان ما يحدث اليوم في عالمنا الرأسمالي من المأسي والفقر والاقتتال وما يحدث في عالم من الانتفاضات والثورات وتغيير الانظمة والحكام المستبدين، تظهر الفروق الجوهرية بين ما حدث في ثورة اكتوبر وبين ما يجري الان في المجتمع المعاصر من ثورات وانتفاضات، او ما يسمى بالربيع العربي في كل من مصر وتونس و.. تظهر الفروق بأنه كم كان هناك استعداد لدى الطبقة العاملة الروسية لأستلام السلطة السياسية وتحقيق اماني وتطلعات الانسانية، وبين حركات التغيير في الوقت الحاضر التي اقتصر مطلبها على تغيير وجوه الحكام وبعض التغير الطفيف في النظام السياسي! ان الفرق بين الفترتين زمن كبير ولكن ما يميز هذه الفرق ليس الزمن نفسه بل وجود الحزب البلشفي، حزب الطبقة العاملة من اجل استلام السلطة السياسة والقيام بالثورة الاشتراكية في الثورة الروسية.. وبين عدم تحزب الطبقة العاملة في الوقت الحاضر. ان شرط القيام بثورة كثورة اكتوبر في زمننا هو الحاجة الى حزب عمالي من طراز بلشفي وبروح نضالية وتقاليد شيوعية ماركسية وبقيادة ثورية محكمة. والتفنن بالنزول الى الميدان عند وقت الضرورة والتكتيكات الثورية للوصول الى الهدف النهائي.
ان الرأسمالية باقية وان ماسيها والامها ازدادت كثيرا مقارنة بزمن ثورة اكتوبر وتطورت القوة المنتجة عشرات الاضعاف، وتعلمت البرجوازية مئات الاضعاف وازدادت خبرة ومناورة لمواجهة وخداع العمال وتصريف توجهاتهم بعيد عن الثورية وإبقاء استسلامهم للواقع الحالي.. ولكن بالرغم من كل هذا فأن التحزب الشيوعي والبلشفي هو الاجابة العملية والسياسية لقلب العالم الرأسمالي عن طريق الثورة الاجتماعية. وان قلب النظام الرأسمالي ممكن.. وان ضرب الاركان الرئيسية لنظام العبودية الرأسمالية ممكن.. وان حرب الايدولوجية البرجوازية بسلاح ماركسي ممكنة.. وان تنظيم المجتمع امام سلطة الرأسمال ممكن... كل هذا ممكن عندما تكون هناك ارادة قوية لتغير النظام الرأسمالي.. وهذه الارادة تظهر للعلن عندما يكون هناك الحزب الطبقي للطبقة العاملة اي الحزب الشيوعي العمالي البلشفي.