نمط الإنتاج الهمجي


عذري مازغ
2014 / 10 / 18 - 21:20     

نمط الإنتاج الهمجي
مناقشة موضوع طويل في تعليق حول حوار مفتوح لماركسي مغربي متمرس هو من الصعوبة بمكان، خصوصا إذا كان الحوار يتطرق إلى موضوعات متداخلة ومتشعبة كالحوار الذي مثله الرفيق عبد السلام أديب بالحوار المتمدن، فيذلك الموضوع طرحت قضايا هامة كانت من وجهة نظري الخاصة تحتاج إلى توضيح أكثر خصوصا إذا كان الرفيق يستعمل الكثير من المفاهيم دون تمييز خاص بشكل يوحي بنوع من الإسقاط لمفاهيم أنتجت في حقل ماركسي خاص بالبنيات الرأسمالية على موضوعات خاصة تنتمي إلى العالم الثالث بشكل ينتفي قانون أساسي في الفهم الماركسي هو ما عبر عنه بالتفاوت التطوري، طال هذا الأمر حتى بنيات تنتمي إلى نمط من الإنتاج سابق على الرأسمالية (ماركسيا وبعملية إسقاطية مني أيضا تنتمي إلى نمط الإنتاج الإستبدادي، حين تطرق مثلا في إحدى ردوده إلى دول سادت في المغرب كدولة الأدارسة والمرابطين والموحدين..إلخ) ومع أني أتفهم ظروف كتابة أرضية الحوار بشكل مضى على تلك الموضوعات دون أية إشارة إلى ضرورة التمييز بين ما هو ينتمي موضوعيا إلى نمط آني سائد هو النمط الرأسمالي في عصرنا هذا وأنماط تنتمي إلى ما قبله، وكذا إلى التمييز بين تفاوتات تطورية داخل نفس النمط الحالي، نمط الإنتاج الرأسمالي مع أن إشارات كثيفة تحيل إلى هذا التمييز في أرضية الحوار خصوصا عندما يربط الرفيق مسألة تكييف الجماهير بعمق الأزمة الرأسمالية إلا أنه لا يطرح علة هذا التكييف، فلا أحد مثلا يفهم "ارتفاع المديونية تحقيق فائض من الارباح المالية دون تنمية اقتصادية تذكر" أقصد لا أحد يفهم ويربط تحقيق أرباح مالية بالتنمية أو التراكم الرأسمالي إلا بربط الأمر بالعلاقة الكولونيالية التي تربط المغرب بالرأسمالية الأجنبية (المؤسسات المالية بالتحديد) وهو مايستلزم شرحا مفصلا لقضية المديونية التي برغم خضوع الدول في العالم الثالث إلى قرارات مجحفة من لدن تلك المؤسسات، لا نلمس تغييرا إجابيا على مستوى التقليص من حجمها، بل بالعكس تضاعفت أكثر من أربعين مرة خلال 35 سنة (ديون العالم الثالث بالتحديد التي كانت في حدود 70 مليار دولار سنة 1970 لتصل إلى 2800 مليار دولار حاليا) وهو امر بديهي لبناء موقف بروليتاري مستوعب من طرف البروليتاريا..(هذا الموضوع وحده كفيل بالرد على بعض التدخلات التي نحت إلى خرافات بيرنشتاين التي ساقها الرفيق في أكثر من رد..حول تأقلم الرأسمالية وتجددها وتجاوزها لأزمتها الذي هو وهم ديناصوري حقيقي.
بخصوص أيضا المرور على واحدة من أهم ما تميز المغرب به عن دول أخرى في المشرق، مر الرفيق عليها مرور الكرام من خلال تلك المنهجية من الإسقاط الماركسي على واقع مختلف عمليا لينتقل للحديث على البروليتاريا الصناعية بالدار البيضاء (المدن بشكل عام وعبرها التأريخ لحركة نضالية بروليتارية بالمغرب).. مغرب السيبة يفترض وقفة تأملية أكثر من مرور الكرام باعتباره مغرب له مميزات خاصة وله نمط خاص، في علاقته ب"الدولة" هو نظام مختلف كليا عن نظام ما أسميه شخصيا بنظام نمط الإنتاج الهمجي (وهو أيضا ما يمكن تسميته في الأدب الماركسي بنمط الإنتاج الإستبدادي، على أني اضع في الأمر اختلافا جوهريا بين نمطيته بآسيا ونمطيته بالمغرب)، باعتبار مغرب السيبا هو مغرب قائم الذات باعتراف كل الكتابات السوسيولوجية الإستعمارية الفرنسية بالتحديد، وهو مغرب إذا أردنا ربطه بمقومات تاريخية حقيقية هو مغرب الجمهوريات الأمازيغية (على وزن الجمهوريات الرومانية القديمة) وهنا لا يهم أمر التعريف بنظام جمهوري فيدرالي يقوم على تحالفات قبلية كما لا يهم بالقياس نفسه شكله الديموقراطي، بقدر ما يهم أكثر نمطيته في الإنتاج من حيث هو نظام يقوم على الملكية الجماعية للأرض وهو الأمر الذي تغافلته الماركسيات الكلاسيكية بالمغرب ذات النزوع الإسقاطي سالف الذكر، والذي خلاصته هي بنزوع لينيني، تكوين او كوننة البروليتاريا التي تفهم فقط في نمط صناعي لأجل القيام بمهام الثورة..في الوقت الذي تعتبر الملكية من أسس المجتمع الرأسمالي، بعيدا عن ذلك التحديد الميكانيكي (رأسمال/معامل/ عمال/ثورة) .. اعتبرت ملكية الأرض كما لو كانت في مجتمع السيبا نمطا إقطاعيا أو هكذا (لا أفهم الموضوع بالتحديد، لأن القفز على خصوصيات مهمة في المغرب كالملكية الجماعية للأرض هو أمر سلبي لا يخدم مهمة الثورة، بالشكل الذي كانت المقاومة المغربية متمركزة في الريف(لا أقصد الريف بشمال المغرب، أقصد مغرب السيبا بالتحديد والذي كان في مجمله ريفيا) بسبب من هذا الإحساس الجماعي لملكية الأرض، لم نستثمر في تحررنا هذا المعطى بسبب النزوع الإسقاطي للثورة كما تفهم في أوربا، في الوقت الذي كانت مقاومة مغرب السيبا شرسة أكثر من مغرب البروليتاريا التي يؤسس لها الفكر الماركسي المغربي (بدليل ما يضعه الرفيق نفسه بأن البروليتاريا الصناعية كان أغلب عمالها من الريف) لعل فرنسا كانت واعية أكثر من الفكر التحرري بين قوسين (باعتبار شريحة مهمة من المقاومين لم يمضوا وثيقة الإستقلال وهو ما يضر بشرعية النظام السياسي القائم بالمغرب حتى الآن) من خصوصيات مغربية لا يمكن زعزعتها بالتهليل بثورة مزعومة، أنزع إلى تأييد كل مطالب ما يسمى تأسيسا لفكر طائفي في المغرب إلى تحرير الأراضي السلالية وهي في الحقيقة أراضي الملك الجماعي (باعتبار القبيلة أو السلالة في المغرب وفقا لمعطيات سوسيولوجية وأنتروبولوجية لم تكن عرقية إلى حد الصفاء العرقي، بل كان العبيد عندنا في الاطلس المتوسط مثلا يتزوجون بنات وأبناء السادة والعكس بالعكس). لكن المهم في الأمر هو انه لم تكن ملكية خاصة بشكل يعتبر ماركسيا مكسب هام يمكن استثماره (حتى حدود الساعة، وجود جمعية المعطلين، كان عليها أن تنحى في استثمار معطى وجود أراضي لا تنتمي للمخزن لا ستثمارها في تعاونيات وما إلى ذلك مما يؤسس للمجتمع الإشتراكي) لكن بالتأكيد الوعي الإشتراكي هو الغائب عندنا لأسباب لعب فيها الفكر الماركسي المغربي نفسه دورا هاما في تعليب الوعي التحرري (الكل يريد أن يكون طليعة ثورية، خرافة ماركسية بتعبير آخر، وهذا فهم لينيني للماركسية يختلف كثيرا عن فهم آخر للديموقراطية الماركسية هو فهمها التشاركي من حيث هي تعني نفي النخبة الطليعية)(يمكن بهذا الصدد استحضار إقصاء عباس المسعدي من اللقاءات السياسية التي كان يعقدها المهدي بن بركة بدعوى انه لا يفهم في السياسة وعباس كان يصر من موقع أنه يمثل مغرب السيبة) إن تملك ثرثرة لغوية لا يعني إطلاقا تملكا للمعرفة، وفي السياسة الأمر كارثي..
هذا الجزء من النقد في الحقيقة لا يمثل نقدا للرفيق إلا في شكله الإسقاطي، قفزه على معطيات متميزة من مغرب السيبا هو بالضرورة قفز على معطيات مساعدة في قيام ثورة اشتراكية بالمغرب مختلفة كثيرا عن ثورات في العالم أعتقد أنها فشلت بسبب النزعة الإسقاطية..
لا أجد مبررا موضوعيا في إسقاط مقولات الصراع الطبقي على دولة مثلا كدولة الموحدين بالمغرب، في الوقت الذي نجد مفهومات علمية صاغها بشكل موضوعي ماركسي بأثر خلفي، هو ابن خلدون..
في عبر ابن خلدون لا نجد شيئا غير قيام دولة لغزو دولة.
يستند ابن خلدون إلى العصبية القبلية في الأمر، لكن هي عصبية ليست مرتكزة على طبقة (بل هي الطائفية بلغتنا العصرية، مع ان مهمة الطائفية في عصرنا تختلف عن مهمتها العصبية بفهم ابن خلدون/ أستحضر هنا قانون مهدي عامل، قانون التفاوت التطوري الذي يرفضه الكثير على أنه قانون ماركسي).
الطبقة مفهوم ارتكز على تحليل ماركس للبنيات الإجتماعية، يمكن إسقاطه على الماضي لكن بموجب قانون التفاوت التطوري وهنا لا أختلف عن الرفيق عبد السلام شريطة وضع تميزه الخاص.
في فهم ابن خلدون (داعش الأن تطرح كفهم صحيح لنظريته) وتعطي مصداقية قصوى لمفهوم نمط الإنتاج الهمجي، في العبر الخلدونية لا نقرأ سوى غزوة فلان على فرتلان، يشرح ابن خلدون خلفية الأمر حين تصل الدولة إلى الترف الحضاري فالإفلاس، لعل الأمر لا علاقة له بالجانب الإقتصادي وإن في الجوهر له أثر حقيقي، هذا الأمر سأتركه لموضوع نمط الإنتاج الهمجي حيث تشكل دورة الإقتصاد الإسلامي كنهه لا علاقة للأمر بحوار الرفيق عبد السلام أديب إلا من حيث يستحضر استشهادات بدول تنتمي إلى هذا النمط بنزوع إسقاطي سيتحضرها كدول في الوقت الذي هناك شك يقيني بأن مغرب السيبة كان حاضرا منذ آلاف السنين ولم يخضع يوما لقوة مركزية. بمعنى لم تكن في الواقع التاريخي ما نسميه الآن بدولة المغرب.