رفع الراية الماويّة لإسقاطها : المنظّمة الشيوعيّة الماويّة تونس نموذجا .


ناظم الماوي
2014 / 10 / 11 - 19:00     

رفع الراية الماويّة لإسقاطها : المنظّمة الشيوعيّة الماويّة تونس نموذجا .
ناظم الماوي – سبتمبر 2014
( نسخة بى دي أف بملاحق البحث متوفّرة بمكتبة الحوار المتمدّن )
" إن الثورة الشيوعية تقطع من الأساس كل رابطة مع علاقات الملكية التقليدية ، فلا عجب إذن إن هي قطعت بحزم أيضا ، أثناء تطورها ، كل رابطة مع الأفكار و الآراء التقليدية ."
ماركس و إنجلز - " بيان الحزب الشيوعي"

--------------------------------------------------
" الحركة الإشتراكية - الديمقراطية [ الحركة الشيوعية ] هي حركة أممية فى جوهرها . و ذلك لا يعنى فقط أنّه يتعيّن علينا أن نناضل ضد الشوفينية القومية بل ذلك يعنى أيضا أن الحركة المبتدئة فى بلاد فتيّة لا يمكن أن تكون ناجحة إلاّ إذا طبقت تجربة البلدان الأخرى . و لبلوغ ذلك لا يكفي مجرد الإطلاع على هذه التجربة أو مجرّد نسخ القرارات الأخيرة . إنّما يتطلّب هذا من المرء أن يمحص هذه التجربة و أن يتحقّق منها بنفسه . و كلّ من يستطيع أن يتصوّر مبلغ إتساع و تشعّب حركة العمال المعاصرة ، يفهم مبلغ ما يتطلّبه القيام بهذه المهمّة من إحتياطي من القوى النظرية و التجربة السياسية ( الثورية أيضا ) . "
( لينين - " ما العمل ؟ " )
------------------------------------------
" يستعاض عن الديالكتيك بالمذهب الإختياري [ الإنتقائي ] ، و هذا التصرّف حيال الماركسيّة هو الظاهرة المألوفة للغاية و الأوسع إنتشارا فى الأدب الإشتراكي – الديمقراطي [ الشيوعي ] فى أيّامنا ... إنّ إظهار الإختياريّة بمظهر الديالكتيك فى حالة تحوير الماركسيّة تبعا للإنتهازية ، يخدع الجماهير بأسهل شكل ، يرضيها فى الظاهر ، إذ يبدو و كأنّه يأخذ بعين الإعتبار جميع نواحي العمليّة ، جميع إتجاهات التطوّر ، جميع المؤثرات المتضادة إلخ ... و لكنّه فى الواقع لا يعطى أي فكرة منسجمة وثوريّة عن عمليّة تطوّر المجتمع ".
( لينين – " الدولة و الثورة " ص22-23 ، الطبعة العربيّة لدار التقدّم ، موسكو )
--------------------------------------
" على الشيوعيين أن يكونوا مستعدين فى كلّ وقت للتمسّك بالحقيقة ، فالحقيقة ، أية حقيقة ، تتّفق مع مصلحة الشعب . وعلى الشيوعيين أن يكونوا فى كلّ وقت على أهبة لإصلاح أخطائهم ، فالأخطاء كلّها ضد مصلحة الشعب ".
( ماو تسى تونغ - 1945 )
---------------------------------------
" إذا كانت لدينا نقائص فنحن لا نخشى من تنبيهنا إليها و نقدنا بسببها ، ذلك لأنّنا نخدم الشعب . فيجوز لكلّ إنسان - مهما كان شأنه - أن ينبهنا إلى نقائصنا . فإذا كان الناقد مصيبا فى نقده ، اصلحنا نقائصنا ، و إذا إقترح ما يفيد الشعب عملنا به . "
ماو تسى تونغ - " لنخدم الشعب " ( 8 ديسمبر – أيلول - 1944) ، المؤلفات المختارة ، المجلد الثالث

------------------------------------

" فى عالم يتميّز بإنقسامات طبقية ولامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن " الديمقراطية " دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية ، بلا معنى وأسوأ . طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات، لن توجد " ديمقراطية للجميع " : ستحكم طبقة أو أخرى وستدافع عن وتروّج لهذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها و أهدافها . المسألة هي : ما هي الطبقة التى ستحكم وإذا ما كان حكمها ونظام ديمقراطيتها ، سيخدم تواصل أو فى النهاية القضاء على الإنقسامات الطبقية و علاقات الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة المتناسبة معه ."

بوب أفاكيان - مقولة مثلما وردت فى القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري - الولايات المتحدة الأمريكية ،2008.

---------------------------------------

" ما نراه فى نزاع هنا هو الجهاد من جهة و ماك العالمية / ماك الحرب من جهة أخرى و هو نزاع بين شريحة ولّي عهدها تاريخيا ضمن الإنسانية المستعمَرة و المضطهَدة ضد الشريحة الحاكمة التى ولّي عهدها تاريخيا ضمن النظام الإمبريالي . و هذان القطبان الرجعيان يعزّزان بعضهما البعض ، حتى و هما يتعارضان . و إذا وقفت إلى جانب أي منهما ، فإنك ستنتهى إلى تعزيزهما معا . "

بوب أفاكيان – " التقدّم بطريقة أخرى" ، جريدة " الثورة " عدد 86 ، 29 أفريل 2007 .

=====================================================




مقدّمة :
موضوع نقدنا فى هذا المقال هو الخطّ الإيديولوجي و السياسي للمنظّمة الشيوعيّة الماوية بتونس التى كانت سابقا تمضى بياناتها بإسم " الشعلة " . و يحمل الإسم الحالي لهذه المجموعة وصف " الماوية " إضافة إلى وصف " الشيوعيّة " ما يذكّرنا بمجموعة الحركة الشيوعية الماويّة – تونس التى كشفنا فى الجزء الأوّل من كتابنا " ضد التحريفية و الدغمائيّة ، من أجل تطوير الماوية تطويرا ثوريّا " أنّها ليست لا شيوعيّة و لا ماويّة .
و قد لاحظنا أنّ الحركة و المنظّمة قد أمضيا معا بيانا عالميّا و وفق ما ورد على شبكة التواصل الإجتماعي – الفايسبوك فى صفحة " منشور " بتاريخ 15 نوفمبر 2012 كانا على وشك إمضاء بيان مشترك و حال دون ذلك خلاف حول " وجود فصائل اسلامية وطنية " . و المجموعتان كلاهما تتبنّيان الوثيقة التاريخية للماويين فى تونس و نقصد " فى الردّ على حزب العمل الألباني " الذى تناولناه بالنقد و كشفنا فيها عددا من الأخطاء الفادحة المناهضة للماوية الحقيقية .
و نواصل هنا إعمال سلاح النقد الماركسي فى ما جمّعناه إلى الآن من وثائق تمتدّ تواريخ صدورها بين 2011 و 2012 ( ما يفيد أنّنا سنعود للموضوع كلّما توفّرت لنا وثائق أخرى هامّة و كانت لدينا فسحة كافية من الزمن ) بغاية خوض صراع الخطّين صلب الماويين و التمييز بين الماويين الثوريين حقّا و المتجلببين بجلباب الماويّة أو الرافعين رايتها لإسقاطها ، بما يساهم فى توضيح التخوم و تطوير الماويّة فى الوطن العربي تطويرا ثوريّا أو على الأقلّ فى تعبيد الطريق لتطويرها تطويرا ثوريّا من أجل تغيير الواقع راديكاليّا بإتجاه المساهمة فى الثورة البروليتاريّة العالمية بتيّاريها و هدفها الأسمى الشيوعية على الصعيد العالمي .
و يهمّنا فى هذه المقدّمة أن نشير إلى أنّ الجزء الأوّل من عنوان هذا المقال إستقيناه من مقولة طالما إستخدمها الماويّون أثناء الثورة الثقافيّة البروليتارية الكبرى فى الصين ( 1966 - 1976) فى إطار صراع الخطّين المحتدم فى صفوف الحزب الشيوعي الصيني بين الماويين الحقيقييين أنصار الطريق الإشتراكي من جهة و التحريفيين أتباع الطريق الرأسمالي ، و كانت تفيد أنّ هناك من يدّعون الماويّة و ظاهريّا يرفعون رايتها لمغالطة الكوادر الحزبيّة و الجماهير الواسعة فى حين أنّهم جوهريّا يعملون طاقتهم لإسقاط هذه الراية . و فى مقالنا هذا سنتولّى بيان أن المنظّمة الشيوعية الماوية تونس لا هي شيوعية و لا هي ماويّة شأنها فى ذلك شأن الحركة الشيوعية الماويّة - تونس .
و أكيد كما صدحنا بذلك فى أكثر من مناسبة ، نحن لا نتغيّى التهجم على الأشخاص بتاتا فشغلنا الشاغل هو خوض صراع خطيّن مبدئي حول الخطّ الإيديولوجي و السياسي و من حقّنا و حقّ علم الشيوعيّة علينا أن نستخدم المصطلحات المتداولة فى صفوف الحركة الشيوعية العالمية و خاصة منها الحركة الماويّة العالميّة لذا لا يشعرنّ أحد بأنّ مصطلحات على غرار تحريفي أو إصلاحي شتيمة شخصيّة و إنمّا هي مصطلحات ماركسية علميّة تعكس مضمونا و واقعا ماديّين .
ويقينا أنّنا لا نجحد أبدا حقّ أصحاب تلك المنظّمة فى الردّ على مقالنا بل ندعوهم إلى ذلك و نصرّ فى دعوتنا راجين أن يكون ردّهم ردّا علميّا مستندا إلى المواقف و المنهج الشيوعيين الثوريين و إلى الوقائع التاريخية و التحليل الملموس للواقع الملموس و مركّزا على أمّهات المسائل الخلافيّة المطروحة كي يستفيد الرفاق و الرفيقات خاصّة و القرّاء عامة ونمضى معهم فى جدال نطمح أن يكون على درجة عالية من الجدّية و الدقّة العلميّة هدفه إستيعاب الماويّة الثوريّة و رفع رايتها حقيقة و تطبيقها و تطويرها تطويرا ثوريّا خدمة للثورة البروليتارية العالمية بتيّاريها ( الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنيّة الديمقراطية فى المستعمرات و المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات ؛ و الثورة الإشتراكيّة فى البلدان الرأسمالية – الإمبريالية والثورتان بقيادة البروليتاريا و حزبها و إيديولوجيتها الشيوعية ) .
و فى هذا العمل النقدي سنتناول بالبحث أهمّ جوانب الخطّ الإيديولوجي والسياسي اللاشيوعي و اللاماوي للمنظّمة الشيوعية الماوية بتونس إنطلاقا من الفهم الشيوعي الماوي الثوري الأكثر تقدّما اليوم ألا وهو الخلاصة الجديدة للشيوعية و ذلك وفق التخطيط التالي ، فضلا عن المقدمة و الخاتمة طبعا :
1- أمميّون أم قوميّون ؟
2- النظرة البرجوازية للبرجوازيّة الوطنية و تجاربها التاريخيّة :
3- الإسلام و الإسلاميّون الفاشيّون :
4- الديمقراطيّة و النظرة البرجوازيّة للمنظّمة الشيوعية الماويّة تونس :
5- العفويّة و التذيّل للجماهير ميزة من ميزات المنظّمة الشيوعية الماويّة تونس :
6- النقابويّة تنخر الخطّ الإيديولوجي و السياسي للمنظّمة الشيوعية الماويّة تونس :
7- ما هذا الخلط فى تحليل الإنتفاضة الشعبيّة فى تونس ؟!
--------------------------------------------------------------

1- أمميّون أم قوميّون ؟

من أولى و أبرز النصوص التى أمضتها الشعلة / المنظّمة الشيوعية الماويّة تونس و نشرتها على الأنترنت نصّ " إنتفاضة 2001 : خطوة مهمّة فى طريق النضال الوطني " بتاريخ 21 جانفي 2011 . ومن أبرز المبادئ الشيوعية الغائبة و المغيّبة ضمن " ثوابت " هذه المنظّمة فى تلك الوثيقة هي الأممية البروليتاريةّ ، مفهومة لينينيّا .
لم يلمح أصحاب هذا " التحليل " لا من قريب و لا من بعيد للأمميّة البروليتارية مفهوما و تطبيقا . و أهدروا البعد الأممي للشيوعيين الماويين الحقيقيين حينما لم يشيروا و لو مرّة إلى البرنامج الأقصى للشيوعيين و إكتفوا ب " دعا برنامجنا الوطني الديمقراطي إلى إنجاز ثورة وطنيّة ديمقراطيّة شعبية " و بذلك لم يربطوا هذه الثورة التى هي فى الواقع و ماويّا الثورة الديمقراطية الجديدة ، بالثورة البروليتاريّة العالمية بإعتبارها تيّارا من تيّاريها . هي بالنسبة لهم ثورة وطنيّة ديمقراطيّة منعزلة عن الثورة البروليتاريّة العالمية و ليست جزء منها ، ليست جزء من الكلّ الشيوعي .
و هنا نرصد مثاليّة ميتافيزيقيّة واضحة المعالم فى منهج أصحاب هذه الوثيقة . إنّهم بمثاليّة يخرجون الجزء من الكلّ ، يخرجون هذا الصنف من الثورات من الثورة البروليتارية العالمية بتيّاريها و بميتافيزيقيّة ينظرون لها نظرة إحاديّة الجانب حيث يرون الجزء و لا يرون الكلّ ، يرون مظهرا من التناقض / وحدة الأضداد ( الجزء ، هنا ) و لا يرون المظهر الآخر ، النقيض أو الضد ( الكلّ ) . و تتعزّز المثاليّة الميتافيزيقيّة فى " إنتفاضة 2011 ..." بإستخدام مفردات غريبة عن الماركسية من مثل " الثوابت " وهي مفردة كثيرا ما إستعملها الفلسطينيّون ( و يستعملها القوميّون و الإسلاميوّن الفاشيّون ) و قرنوها بالوطنية – الثوابت الوطنية – لكن الماديّة الجدليّة لا تعترف بشئ ثابت فالعالم بالنسبة لها مادة فى حركة و المادة حركة كما قال إنجلز فى " ضد دوهرينغ " . و حتّى المبادئ الشيوعيّة ليست ثابتة و تتطوّر كما أوضح بوب أفاكيان و قد أضاف ماو تسي تونغ مبادئا جديدة لعلم الشيوعية يعرفها جيّدا الماويّون الحقيقيّون .
و قد سبق لنا أن نقدنا هذه النزعة القوميّة الضيّقة لدى هذه المجموعة حينما نقدنا بيانات غرّة ماي 2013 ( وهي بيّنة ومتواصلة أيضا فى بيان " فى ذكرى 1 ماي 2014 " ) و لاحظنا عندئذ :
" أمّا بيان مجموعة " الشعلة " بمناسبة غرّة ماي 2013 ، فمن اللافت أنّه طغت عليه النزعة " العمّالية " و " النقابية " و تقديس العفوية إذ لا ذكر لا للشيوعية كهدف أسمى و لا للشيوعية كعلم . كلّ ما هناك خطاب نقابي نقابوي يقدّس العفوية و ينهى البيان ب " النضال العمّالي و النقابي " و بإدانة الرأسمالية دون التمييز بين الرأسمالية – الإمبريالية فى البلدان الإمبريالية و الرأسمالية الكمبرادورية – البيروقراطية و الرأسمالية الوطنية فى المستعمرات و أشباه المستعمرات و المستمرات الجديدة و كأنّنا خارج إطار عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية . لقد كان لينين صارما بشأن إدانة السياسة التريديونيونية إذ كتب : " السياسة التريديونيونية لطبقة العمّال هي على وجه الدقّة السياسة البرجوازية لطبقة العمّال " ( " ما العمل ؟ " ، الفقرة ه ، " الطبقة العاملة مناضل طليعي من أجل الديمقراطية " ؛ الطبعة العربية دار التقدّم موسكو ).
و يصدر هذا فى عيد العمّال العالمي عن " الشعلة " و عن من يسعون ، حسب موقعهم على الأنترنت ، إلى " تحرير الأرض و الإنسان " . تحرير الأرض و الإنسان من ماذا ؟ و بأية غاية ؟ و بأيّة وسائل ؟ إلخ لا أثر للغاية الشيوعية و الوسائل الشيوعية و علم الثورة البروليتارية العالمية فى بيانهم لغرّة ماي 2013 .
هل يمكن رفع الوعي الطبقي الشيوعي و نشر علم الثورة البروليتارية العالمية و بناء الأسلحة السحرية الثلاثة على أساسه بمثل هذا الخطاب النقابي النقابوي المقدّس للعفوية ؟ هل هذه هي الماركسية – اللينينية – الماوية مطبّقة على الواقع العالميّ و المحلّي ؟ أين الأممية البروليتارية ؟ أين النظرية الثورية التى دونها لن توجد حركة ثورية ؟ ..."
( أنظروا على الحوار المتمدّن مقال ناظم الماوي " نقد بيانات غرة ماي 2013 فى تونس : أفق الشيوعية أم التنازل عن المبادئ الثورية ؟ " ).
و لامعة بغيابها أيضا أيّة إشارة فى الوثائق التى بين أيدينا الآن ، لا سيما الصادرة بصفحة " منشور " إلى " بيان الحركة الأمميّة الثورية " لسنة 1984 و الحركة الأممية الثوريّة التى مثلت إلى 2006 مركز وحدة جنيني هام عالميّا لمعظم الأحزاب و المنظّمات الماويّة وهي التى أعلنت عالمّيا منذ 1993 أن إيديولوجيا البروليتاريا العالمية صارت الماركسية – اللينينية – الماوية ؛ و فى صفوف الجماهير الشعبية ، لا دعاية و لا مساندة و لا دعم سياسي أو مادي لنضالات البروليتاريا العالمية و لحرب الشعب فى الهند و الفليبين ... وصراع الخطّين فى صلب الحركة الماويّة العالميّة منسي النسيان كلّه فلا حديث عنه و لا مساهمة فيه و كأنّ رهانه ليس مستقبل الحركة الشيوعية العالمية برمّـتها .
إنّ خطّ المنظّمة الشيوعية الماوية تونس يعوّض الأممية البروليتارية بنظرة قوميّة ضيّقة و يعوّض الماديّة الجدلية بالمثاليّة الميتافيزيقيّة وهو إنحراف بيّن عن اللينينية التى شدّدت على :
1- " إن الأممية البروليتارية تتطلّب ، أوّلا ، إخضاع مصالح النضال البروليتاري فى بلد من البلدان لمصالح هذا النضال فى النطاق العالمي ، ثانيا ، كفاءة و إستعداد الأمّة المنتصرة على البرجوازية للإقدام على تحمّل التضحيات الوطنية الكبرى من أجل إسقاط رأس المال العالمي".
( لينين - " مسودّة أوّلية لموضوعات فى المسألة القومية و مسألة المستعمرات " يونيو – يوليو ( حزيران – تموز) 1920 ).
2- " ... فليس من وجهة نظر بلاد"ي" يتعين علي أن أحاكم ( إذ أنّ هذه المحاكمة تغدو أشبه بمحاكمة رجل بليد و حقير ، محاكمة قومي تافه ضيق الأفق، لا يدرك أنّه لعبة فى أيدى البرجوازية الإمبريالية )، بل من وجهة نظر إشتراكي أنا فى تحضير الثورة البروليتارية العالمية ، فى الدعاية لها، فى تقريبها . هذه هي الروح الأممية ، هذا هو الواجب الأممي ، واجب العامل الثوري ، واجب الإشتراكي [ إقرأوا الشيوعي ] الحقيقي ."
( لينين -" الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي" ( دار التقدّم موسكو، الصفحة 68-69 )
3- " الحركة الإشتراكية - الديمقراطية [ لنقرأ الشيوعية ] هي حركة أممية فى جوهرها . و ذلك لا يعنى فقط أنّه يتعيّن علينا أن نناضل ضد الشوفينية القومية بل ذلك يعنى أيضا أن الحركة المبتدئة فى بلاد فتيّة لا يمكن أن تكون ناجحة إلاّ إذا طبقت تجربة البلدان الأخرى . و لبلوغ ذلك لا يكفي مجرّد الإطلاع على هذه التجربة أومجرّد نسخ القرارات الأخيرة . إنّما يتطلّب هذا من المرء أن يمحص هذه التجربة و أن يتحقّق منها بنفسه . و كلّ من يستطيع أن يتصوّر مبلغ إتّساع و تشعّب حركة العمّال المعاصرة ، يفهم مبلغ ما يتطلّبه القيام بهذه المهمّة من إحتياطي من القوى النظرية و التجربة السياسية ( الثورية أيضا ) . "
( لينين - " ما العمل؟ " )
--------------------------------------------------

2- النظرة البرجوازية للبرجوازيّة الوطنية و تجاربها التاريخيّة :

فى مقابل الإهمال التام تقريبا للأممية البروليتارية و الدفاع عن علم الشيوعية و التجارب التاريخيّة للبروليتاريا العالميّة و التعريف بالتجارب البروليتارية العالمية راهنا و خاصّة منها الماويّة ، يشدّ الإنتباه فى أدبيّات الشعلة / المنظّمة الشيوعية الماوية بتونس تخصيصها حيّزا لا بأس به من دعايتها لتجارب تعتبرها تجارب البرجوازية الوطنية ( و لا نودّ هنا الدخول فى نقاش علاقة تلك التجارب بالبرجوازية الصغيرة فالمجال لا يسمح ) لا سيما منها التجربة الناصريّة فى مصر فتكيل لها المديح و كأنّها نموذجا يحتذى أو كأنّها تجربة تتطلّب من الشيوعيين أن يقفوا على أطلالها و يبكوا خسارتها . و لمّا يتعلّق الأمر بنقد الجوانب السلبيّة لهذه التجربة تجنح المنظّمة إيّاها إلى التهوين منها و التقليص من أهمّيتها على أنّها أخطاء و إنحرافات " كان من الممكن " تجنّبها ف " انهيار الأوضاع في هذه الأقطار كنتيجة حتمية لسلسلة الإنحرافات " و " الحماقات " ( " أكبر حماقة " ) " كان من الممكن " تجنّبها و ليس نتيجة طبيعة فى عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية والطبيعة الطبقيّة لهذه البرجوازية الوطنية فى هذا العصر بالذات كما شرح ماو تسى تونغ . و على سبيل المثال ، فى" لنطوّر مواقف مبدئية في قطيعة مع الإنتهازية والإنعزالية " ، نقرأ :
- أ- " في حين كان من الممكن تطوير الحوار لعزل القوى المتآمرة وبناء جبهة متّحدة من أجل التّركيم لتحرير فلسطين ودعم الإنتفاضة وتوسيع جبهة المعادين للإمبريالية و الصهيونية . ان تراكم مجمل هذه الإنحرافات والأخطاء اقترنت لاحقا بدخول هذه الأنظمة باب المساومة والمفاوضات من أجل حلّ سلمي للصراع العربي الصهيوني وقبول بالقررات الدولية بل ان بعضها غازل الإمبريالية من بوابة التّطبيع ".
- ب- و" كان الحلّ الوحيد أمامها لتدعيم صمودها وتحصين ذاتها انخراطها في المقاومة وتعزيز جبهتها الدّاخلية والجبهة القومية باطلاق المبادرات والحريات العامة والديمقراطية وتلبية حاجيات الجماهير الواسعة وإطلاق سراح المساجين السياسين والإنفتاح على القوى الوطنية الصّادقة . لكنّها راهنت بصفة فاشلة على مهادنتها للإمبريالية وقدّمت تنازلات عديدة للأعداء عوض تقديم التّنازلات للجماهير و للمقاومة ."
- ت- و " لقد كان بوسع نظامي ليبيا وسوريا أن يمنعا الامبريالية والرجعية العربية من التدخّل وحبك خيوط مؤامرة قد تهدد بتقسيم القطرين ، لو استخلصا الدروس من تجربة العراق وقدّما تنازلات للجماهير واختارا طريق المقاومة، لكنّ انتشار الفساد في صفوف السلطة الحاكمة في النظامين وتقلّص قاعدتهما الجماهيرية قطريا وعربيا وارتباطهما بروسيا والصين كسند لهما عوض التعويل على الشعب ، جعلهما يرتكبان أكبر حماقة في تاريخهما ، حيث نظّما أبشع المجازر ضدّ الجماهير وشجّعا النعرات القبلية والطائفية وفسحا مجالا خصبا للأعداء للتآمر " .
و إعتبارا للفهم غير الماركسي - اللينيني - الماوي و اللاعلمي و المثالي الذاتي لهذه الأنظمة ، و لإنحرافها عن اللينينية التى أوصت ب" أن نناضل ضد الشوفينية القومية " ، لا نستغرب أن يظلّ " بعض الرفاق " في صفوف المنظّمة الشيوعية الماوية بتونس ، بإعترافها فى ذات المرجع أعلاه ، " يدافع ... عن النّظام الليبي أو النّظام السوري ."
و فى حين " عادت هذه الأنظمة الشيوعية ، ونفذّت سلسلة من الإعدامات الرّهيبة ضدّهم " . ( " لنطوّر مواقف مبدئية في قطيعة مع الإنتهازية والإنعزالية " ) ، ما إنفكّ أنصار الناصريّة و القومية و البرجوازية الوطنية لسنوات و سنوات وبإسم تخصيص الشيوعية على الواقع العربي يتغنّون ب " الأنظمة الوطنية " و موقفهم هذا يتضارب مع الماويّة كما سنرى و يطعن فى الظهر ما إشترطه ستالين و إشترطته الأممية الثالثة ، الأممية الشيوعية فى التحالف مع هذه البرجوازيّة و ليس الدفاع عنها و التذيّل لها و التغنّى بها (" في ذكرى 23 جويلية 1952: الطابع الوطني للقيادة الناصرية " صفحة " منشور " ، 24 جويلية 2013 ) و دوس ما قاله ماو تسى تونغ كما سنسجّل لاحقا من أنّ هذه الطبقة ذات الطبيعة المزدوجة " تنقصها الشجاعة على المضي فى مناهضة الإمبريالية و الإقطاعية حتى النهاية و أنها رخوة واهنة القوى إقتصاديا و سياسيا و أنها لم تقطع تماما روابطها الإقتصادية مع الإمبريالية و الإقطاعية " و أنّها أيضا " مائلة للمساومة مع العدو ". ( وهو ما تجلّى فى التجربة الناصريّة لمن له عيون ليرى !)

و عند الحديث عن تجارب تلك الأنظمة فى سوريا و ليبيا و العراق تكاد الحسرة و اللوعة تقفز من النصّ كما شاهدنا و كأنّ مآلها لا يصدّق و كأنّه كان بإمكانها القيام بما هو أفضل ممّا قامت به ، من منظور مادي جدلي و تاريخي . و لنضرب على ذلك مثالا حقائق وردت فى " لنطوّر..." " أغضبت الجماهير والقوى الوطنية الصّادقة " ( لاحظوا جيّدا " أغضبت " لا غير ) :
" - ولم تفرّق بين التّحرفيين عملاء الإتحاد السوفياتي المتآمر على القضية العربية وبين الشيوعين المخلصين . ( لا !!! بل فرّقت إذ تحالف مثلا نظام الأسد فى سوريا مع " عملاء الإتحاد السوفياتي " و قمع بشتّى الأشكال " الشيوعيين المخلصين " للشيوعية ، لا للقوميّة . و الأمثلة على ذلك كثيرة ) .
- مارست هذه الأنظمة سياسة لا ديمقراطية في علاقتها بالجماهير.
- شكّلت بعض هذه الأنظمة " جبهات تقدمية " داخلية صورية .
- رفضت" حركة اللجان الثورية " مبدأ العمل الجبهوي واعتبرت أنّه " لا ثوري خارج حركة اللجان الثورية ".
- وشلت وحدة القوى الوطنية وأضعفت دورها في الكفاح من أجل تحرير فلسطين ، ومنعت التقدّم في اتّجاه بناء الوحدة العربية .
- كانت رموز هذه الأنظمة تتصارع على قيادة التيار القومي العربي وعلى قيادة الأمة العربية نحو الوحدة والتّحرر.
- بعض هذه الأنظمة شارك في العدوان المسلّح على نظام آخر مثلما حصل في العراق من قبل سوريا. - لم تسع هذه الأنظمة إلى تطوير تشريعات متقدمة ليتحرّر نصف المجتمع من القيود التي تكبّله. وبقيت المرأة ترزح تحت سيطرة قوانين إقطاعية متخلّفة .
- عالجت بصغة خاطئة مسألة الأقليات القومية وخاصّة منها الكردية وسمحت بذلك للإمبريالية والصهيونية باستغلال الموقف وتضييق المحاصرة ضدّها. لم تكن مواقف هذه الأنظمة من العلاقة بين العروبة والإسلام سليمة..."
و تترجم هذه الأفكار إنحرافا عن الماويّة و فهمها العلمي لطبيعة هذه الطبقة فماو تسى تونغ منذ كتاباته الأولى شخّص حقيقة أنّ للبرجوازيّة الوطنيّة طبيعة مزدوجة . و مثلا ، فى " تحليل لطبقات المجتمع الصيني " ، آذار 1926 ، كتب :
" البرجوازية الوسطى . تمثل هذه الطبقة علاقات الإنتاج الرأسمالية فى مدن الصين و أريافها . و هذه الطبقة ، ونعنى بها ، بصورة رئيسية ، البرجوازية الوطنية ، تقف من الثورة الصينية موقفا متناقضا : فهي إذا آلمتها ضربات الرأسمال الأجنبي وإضطهاد أمراء الحرب أحست بحاجة إلى الثورة ، و أيدت الحركة الثورية المناوئة للإمبريالية و أمراء الحرب ، لكنها تعود فيساورها الشك فى الثورة إذا رأت البروليتاريا فى داخل البلاد قد هبت تخوض غمار الثورة فى قوة و عزم تساندها البروليتاريا العالمية من الخارج مساندة إيجابية ، و إستشعرت الخطر يهدد تحقيق أمنية طبقتها فى التطور لتبلغ منزلة البرجوازية الكبرى . و هذه الطبقة تنادي سياسيا بقيام دولة تستأثر بسلطة الحكم فيها طبقة البرجوازية الوطنية وحدها... و لا شك أن الطبقات الوسطية ، و الحالة هذه ، ستنقسم على نفسها سريعا ، فتميل بعض فئاتها إلى اليسار و تنضم إلى موكب الثورة ، بينما تنحاز فئات أخرى منها إلى اليمين و تنضم إلى صفوف أعداء الثورة ، وليس هناك أي مجال لبقاء هذه الطبقات " مستقلة " . و على هذا فإن الفكرة التى تداعب خيال البرجوازية الوسطى فى الصين حول ثورة " مستقلة " تقوم هي بالدور الرئيسي فيها ليست إلا مجرد وهم . "

( الصفحات 16 و 17 من المجلد الأول من " مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة " )

و فى سنة 1939 ، فى " الثورة الصينية و الحزب الشيوعي الصيني " ، عبّر ماو تسى تونغ عن حقيقة أنّ :

" البرجوازية الوطنية ... ذات طابع مزدوج .
إنها ، من جهة ، تعاني الإضطهاد من قبل الإمبريالية و تكبلها قيود الإقطاعية ، و بالتالي ، فهي فى تناقض مع كلتيهما . و بهذا المعنى ، فهي تشكل إحدى قوى الثورة . و سبق لها أن أظهرت فى مجرى الثورة الصينية بعض الحمية فى مناهضة الإمبريالية و حكومات البيروقراطيين و أمراء الحرب .
بيد أنها ، من جهة أخرى ، تنقصها الشجاعة على المضي فى مناهضة الإمبريالية و الإقطاعية حتى النهاية أنها رخوة واهنة القوى إقتصاديا و سياسيا و أنها لم تقطع تماما روابطها الإقتصادية مع الإمبريالية و الإقطاعية . و يتضح ذلك بوجه خاص عندما تتعاظم القوى الثورية لدى الجماهير الشعبية .
و ينتج عن هذا الطابع المزدوج للبرجوازية الوطنية أنه يمكنها أن تسهم ، فى فترات معينة و إلى حد معين ، فى الثورة المناوئة للإمبريالية و حكومات البيروقراطيين و أمراء الحرب ، و أن تصبح قوة ثورية . و لكن يكمن هناك خطر فى أنها قد تجرى فى فترات أخرى ، وراء البرجوازية الكبيرة الكومبرادورية و تلعب دور المساعد فى مناهضة الثورة ...

لذا ، فمن الضروري تماما أن نتبع سياسة الحذر و التروى حيال البرجوازية الوطنية . "

( الصفحة 442 من المجلّد الثاني من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ).

ثمّ حتى فى سنة 1957 فى " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين صفوف الشعب " ، كتب :
" إن التناقض بين الطبقة العاملة و البرجوازية الوطنية فى بلادنا هو فى عداد التناقضات بين صفوف الشعب . كما أن الصراع الطبقي بينهما هو ، عموما ، صراع طبقي داخل صفوف الشعب ، ذلك لأن للبرجوازية الوطنية فى بلادنا طابعا مزدوجا . ففى مرحلة الثورة الديمقراطية البرجوازية ، كانت هذه الطبقة البرجوازية ثورية من جهة و مائلة للمساومة مع العدو من جهة أخرى . و فى مرحلة الثورة الإشتراكية ، تقوم من جهة بإستغلال الطبقة العاملة و تجنى من وراء ذلك الأرباح ، وهي من جهة أخرى تؤيد الدستور و ترغب فى قبول التحويل الإشتراكي . إن البرجوازية الوطنية تختلف عن الإمبريالية و طبقة ملاك الأراضي و البرجوازية البيروقراطية . و التناقض القائم بين الطبقة العاملة و البرجوازية الوطنية هو تناقض بين المستغل (بفتح الغين ) و المستغل (بكسر الغين ) ، وهو بطبيعته تناقض ذو صفة عدائية ، غير أنه من الممكن ، فى ظروف بلادنا الخاصة ، أن يتحول هذا التناقض الطبقي ذو الضفة العدائية إلى تناقض ليس له صفة عدائية و يحل بالطرق السلمية إذا ما عولج بطريقة صائبة . أما إذا لم نعالج هذا التناقض معالجة صحيحة و لم نتبع تجاه البرجوازية الوطنية سياسة الإتحاد و النقد و التثقيف ، أو إذا رفضت البرجوازية الوطنية سياستنا هذه ، فإن التناقض بين الطبقة العاملة و البرجوازية الوطنية سيتحول إلى تناقضبيننا و بين أعدائنا . "

(الصفحة 60 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " )

كان هذا الفهم الماوي الصحيح المادي الجدلي و التاريخي لطبيعة البرجوازيّة الوطنية منذ 1926 أمّا المنظّمة الشيوعية الماويّة بتونس فبعد عقود من المساندة و الدعم و التهليل و التبجيل للبرجوازية الوطنية و خاصة " الناصريّة " و التذيّل لها نظريّا و عمليّا ، تستفيق من غيبوبتها و تقرّ بإنتهازيّة سنة 2014 ما أقرّته الماويّة الحقيقيّة عالميّا منذ ما يناهزالقرن من الزمن فتسجّل " إنّه سقوط تجربة تجاوزها الزمن ، عمرت طيلة نصف قرن ، تجربة البرجوازية في الحكم ، وقد كان احتلال العراق وسقوط بغداد إيذانا بسقوط هذه التجربة ودعوة لقوى الثورة الأساسية العمال والفلاحون والبرجوازية الصغيرة إلى تصدّر النضال الوطني واحتلال موقعها التاريخي في طليعة النضال الوطنى الديمقراطي . لقد انتهى دور البرجوازية الوطنية القيادي لحركة التحرر الوطني الديمقراطي العربي بصفة عملية و ملموسة و بصفة شعبية واسعة . ". ( نفس المصدر السابق ، " لنطوّر ..." ) .
قد يحتجّ أحدهم ليصيح فى وجهنا و لكن الأمر يتعلق بالواقع العربي و ليس بالواقع الصيني فنردّ عليه بدم بارد ردّا من شقّين أولاهما أنّ طبيعة الطبقة إيّاها فى الصين حلّلها ماو تسى تونغ و نتائج تحليله لها بُعد عالمي معترف به ماويّا وهو ما ينكره الجماعة بإسم " الواقع العربي " ، و شقّها الثاني هو أنّ تجارب هذه الطبقة عربيّا لم تنهار فى 2014 بل قبل ذلك بعقود كثيرة و تحوّلت هذه البرجوازيّة إلى نقيضها قبل ذلك بعقود كثيرة ( ستينات القرن العشرين فصاعدا ).
تحليل هذه المنظّمة لهذه التجارب يشبه إلى حدّ كبير تحليل البعض أنّ الإتحاد السوفياتي لم يعد إشتراكيّا فى أواخر ثمانينات القرن العشرين و بداية تسعيناته لمّا إنهار و الحال أنّ الماويين و بفضل تحاليل ماو تسى تونغ والحزب الشيوعي الصيني الذى كان يقوده قد فضحوا الإنقلاب على الإشتراكية و صعود البرجوازية الجديدة فى الإتحاد السوفياتي و تغيّر طبيعة الحزب و الدولة البروليتاريين إلى حزب و دولة برجوازيين منذ أواسط خمسينات القرن العشرين .
ظلّ التحريفيّون عبر العالم يساندون لعقود الإمبريالية الإشتراكية السوفياتية بدعوى أنّ الإتحاد السوفياتي لا يزال إشتراكيّا ، و ظلّ من تخلّوا عن الأممية البروليتارية و " وجهة نظر إشتراكي أنا فى تحضير الثورة البروليتارية العالمية ، فى الدعاية لها، فى تقريبها " ( كما قال لينين ) ليتذيّلوا بإعتبارهم " قوى وطنيّة صادقة " لهذه البرجوازية التى ظلّت صامدة ( هذا ما يفيده " تدعيم صمودها " ) و فوّتت على نفسها فرصة إستمرارها فى السلطة لو عملت بحلّ المنظّمة : " كان الحلّ الوحيد أمامها لتدعيم صمودها وتحصين ذاتها انخراطها في المقاومة وتعزيز جبهتها الدّاخلية والجبهة القومية باطلاق المبادرات والحريات العامة والديمقراطية وتلبية حاجيات الجماهير الواسعة وإطلاق سراح المساجين السياسين والإنفتاح على القوى الوطنية الصّادقة " .
ألا ينطبق على مثل هذا الكلام قول لينين : " هذه المحاكمة تغدو أشبه بمحاكمة ... قومي تافه ضيق الأفق ، لا يدرك أنّه لعبة فى أيدى البرجوازية الإمبريالية " ( و فى حالنا ، البرجوازية الوطنية ) ؟
لقد كان ماو تسى تونغ واضحا بشأن إنعدام إمكانيّة مضيّ البرجوازية الوطنيّة بالثورة الديمقراطية الجديدة إلى نهايتها و بناء عليه يحتاج ظفر هذه الثورة بلا أدنى ظلّ للشكّ لقيادة البروليتاريا و حزبها الشيوعي و إيديولوجيتها الشيوعية :
" إن الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية تتطلب قيادة الطبقة العاملة ، لأنها هي الطبقة الوحيدة النافذة البصيرة و أكثر الطبقات إنكارا للذات ، كما أنها أكثر الطبقات حزما فى الثورة . و يبرهن تاريخ الثورات بأكمله على أن الثورة تفشل إذا كانت بدون قيادة الطبقة العاملة و أنها تنتصر إذا قادتها هذه الطبقة " .
( " الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية " ، 30 يونيو – حزيران 1939 ، " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " المجلد4 / ص41 ).
" و من الجلي أنه من يستطع قيادة الشعب فى الصين للإطاحة بالإمبريالية و القوى الإقطاعية يستطع كسب ثقة الشعب ، ذلك لأن أعداء الشعب الألداء هم الأمبريالية و القوى الإقطاعية و خاصة الإمبريالية. فمن يستطع اليوم أن يقود الشعب لطرد الإمبريالية اليابانية و يطبق السياسة الديمقراطية فإنه منقذ الشعب . و لقد أثبت التاريخ أن البرجوازية الصينية لا تستطيع أن تتحمل هذه المسؤولية التى لا بد أن تقع على عاتق البروليتاريا . لذلك فإنه من المؤكد أن البروليتاريا و الفلاحين و المثقفين و الفئات الأخرى من البرجوازية الصغيرة فى الصين هي القوى الأساسية التى تقرر مصير الصين . "
( " حول الديمقراطية الجديدة " يناير – كانون الثاني 1940 )

و يفصح نصّ " فى معاني مركزيّة القضيّة الفلسطينية " ( " منشور " 2 ديسمبر 2013 )عن إمعان المنظمة الشيوعية الماوية بتونس فى إبتذال الماوية حيث يعمد كاتب المنشور ذاك إلى التعميم و طمس مسألة القيادة واضعا القوى الشيوعية إلى جانب القوى القومية و " الإسلامية الوطنية " جنبا إلى جنب على النحو التالي :
" لن يكون انجاز تحرير فلسطين مهمة قوة سياسية واحدة بل هي مهمة تشترك فيها كل القوى المؤمنة بتحرير كامل التراب الفلسطيني و تؤمن ايضا أن الكفاح المسلح هو الأسلوب الوحيد لتحرير الأرض . و تلتقي في هذه المهمة القوى الشيوعية الحقيقية و القوى القومية و الاسلامية الوطنية التي تتباين بصفة واضحة مع كل المشاريع المشبوهة المرتبطة باختيارات امبريالية و بمشاريع نماذج من المجتمعات القروسطية التي تؤجل القضاء على الصهيونية وتعطي للصراع أبعادا دينية تخرجه عن سياقه التاريخي"
و " نعم لوحدة وطنية بين مكونات المشهد السياسي العربي : الشيوعي الحقيقي و العروبي و الاسلامي الوطني على قاعدة الوحدة و الصراع " ( " تحيا المقاومة المسلّحة فى فلسطين " 15 نوفمبر 2012).

ما يقتضى منّا بعض التعليق :
- أوّلا ، يشدّد صاحب هذه الفقرة على " القوى الشيوعية الحقيقية " فيما يذكر " القوى القومية " دون إضافة الحقيقيّة فهل أنّ كلّ القوى القومية قوى قوميّة حقيقيّة ؟ يشكّك فى الشيوعيين المزيّفين و يفضحهم و لا يتجرّا على فعل الشيء نفسه حيال القوميين المزيّفين و القوميين الذين ينسحب عليهم قول ماو تسى تونغ بشأن البرجوازية الوطنية : " قد تجرى فى فترات أخرى ، وراء البرجوازية الكبيرة الكومبرادورية و تلعب دور المساعد فى مناهضة الثورة ..." الشيء الذى يعكس عمق تغلغل النزعة القومية الضيّقة لدى هذا الكاتب .
- ثانيا ، تاريخيّا ، نظريّا و عمليّا البرجوازية الوطنية ذات طبيعة مزدوجة و تتحوّلت و تتحوّل فى ظروف معيّنة إلى نقيضها ، إلى برجوازية كمبرادورية مثلما حصل فى أكثر من بلاد عربية و عبر العالم . و بالتالى تحجب تلك الفقرة الطبيعة المزدوجة لهذه البرجوازية و عدم قدرتها على السير قدما بالثورة الديمقراطية الجديدة إلى نهايتها كما أكّد ماو تسي تونغ . و وضعها على قدم المساواة و القوى الشيوعية الحقيقية دليل آخر على التذيّل لهذه البرجوازية و تشويه للحقائق و للماوية ذاتها.
- ثالثا ، حتى فى الصين ، لم تقم جبهة متّحدة دامت من بداية الثورة إلى نهايتها مع البرجوازية الوطنية . و ليعلم مشوّهو الماوية و التاريخ أنّ الكيومنتانغ الذى مثّل فى فترة ما هذه البرجوازية – فترة قيادته من قبل سان يات سان- تحوّل إلى نقيضه مع قيادة تشان كاي تشاك و أنّه حتى خلال مقاومة اليابان و الجبهة بين الكيومنتانغ و الحزب الشيوعي الصيني ، تعرّض الجيش الأحمر و الحزب الشيوعي الصيني و المناطق الحمراء إلى هجمات عسكرية للكيومنتانغ المدعوم من قبل الرجعية المحلّة و الإمبريالية العالمية و مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة سجّلت ذلك .
- رابعا ، أين هي " القوى الإسلامية الوطنية " ؟ ، لا وجود لها ومن الوهم تصوّر أن مثل هذه الحركات ذات النظرة للعالم و البرامج الرجعيين لا تدافع عن " نماذج من المجتمعات القروسطية " فى عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية و من المثاليّة الذاتية رؤية شيء غير موجود على أنّه موجود .
- و خامسا ، و أهمّ ملاحظة نسوقها بهذا المضمار هي أنّ طمس مسألة القيادة أو مسألة من يقود من ؟ فى إطار العمل الجبهوي و خاصة الجبهة المتحدة مثلما نظّر لها و مارسها ماو ( " إن الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية تتطلب قيادة الطبقة العاملة " ) و نظّر لها و مارسها الماويّون عبر العالم ، إنّ هذا الطمس طمس للماويّة التى شدّدت على أنّ أساس جوهري من أسس الجبهة المتحدة هو قيادة البروليتاريا التى دونها لن تنجح الثورة الديمقراطية و هي شرط حيوي من شروط نجاح الثورة حسب تعاليم ماو تسى تونغ . إنّ فهم المنظّمة إيّاها للجبهة المتحدة للطبقات الثورية غريب عن الماويّة بل يطعنها فى الظهر و يخدم " القوى القومية و القوى الإسلامية الوطنية " و التذيّل لها .
و فى الوقت التى نادا فيه ماو تسى تونغ بتحليل التناقضات تتغافل هذه المنظّمة عن تحليل التناقضات بين الشيوعيين و القوميين و الإسلاميين الفاشيين أو التناقضات بين البرجوازية الوطنية و البروليتاريا و التناقضات مع الأعداء و التناقضات بين صفوف الشعب و داخل الطبقة العاملة ذاتها إلخ ، يتهرّب الجماعة من التحليل العلمي و يذرّون الرماد فى العيون بتعميمات مثاليّة و زئبقيّة .
و هذا الأسلوب و هذه المواقف العميقة فى دلالتها التى يعدّونها " تخصيصا للشيوعية على الواقع العربي" و يكثرون حولها التطبيل و التزمير تفضح أنّهم يستغلون إسم ماو تسى تونغ ليمرّغوا وجهه فى التراب مثلما فعلوا بمقولته : " إن أسلوب التحليل هو الإسلوب الديالكتيكي . ونعنى بالتحليل تحليل التناقضات الكائنة فى الأشياء . و بدون معرفة تامة بالحياة و فهم حقيقي للتناقضات المراد بحثها ، يستحيل إجراء تحليل سديد " ( ماو تسى تونغ ، " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسي تونغ " الصفحة 226 ، مارس - آذار 1957) .
قد تناسى مشوّهو الماويّة و محرّفوها و معوّضو النظرة الشيوعية للعالم بالنظرة القومية الضيّقة هذه الحقائق مثلما أهالوا التراب على ما يفضح تذيّلهم للبرجوازية الوطنية و تناقض مواقفهم مع الماويّة الحقيقيّة كما أهالوا التراب على أسباب تحديد ماو تسى تونغ لهذه الثورة على أنّها ثورة الديمقراطية الجديدة و منها :
" وعلى الرغم من أن مثل هذه الثورة فى البلد المستعمر و شبه المستعمر لا تبرح خلال مرحلتها الأولى أو خطوتها الأولى ثورة ديمقراطية برجوازية بصورة أساسية من حيث طبيعتها الإجتماعية ، و على الرغم من أن رسالتها الموضوعية هي تمهيد الطريق لتطور الرأسمالية ، إلا أنها ليست ثورة من النمط القديم تقودها البرجوازية و تهدف إلى إقامة مجتمع رأسمالي و دولة خاضعة للدكتاتورية البرجوازية ، بل هي ثورة جديدة تقودها البروليتاريا و تهدف ، فى مرحلتها الأولى ، إلى إقامة مجتمع للديمقراطية الجديدة و دولة خاضعة للدكتاتورية المشتركة التى تمارسها جميع الطبقات الثورية . و هكذا فإن هذه الثورة من ناحية أخرى تقوم ، على وجه التحديد ، بتمهيد طريق أوسع و أرحب من أجل تطور الإشتراكية ".
و يفسّر هذا جانبا من سبب رمي هؤلاء المشوّهين لأسس الماويّة و النظرة الشيوعية للعالم و الحقيقة الموضوعيّة كتاب ماو تسى تونغ " الديمقراطيّة الجديدة " فى غياهب النسيان و يتمسّكون ب " النضال الوطني الديمقراطي " عوض الثورة الديمقراطيّة الجديدة المتعارف عليه ماويّا على المستوى العالمي . فهذا الكتاب ( " الديمقراطية الجديدة " ) يدحض ترّهات المتذيّلين للبرجوازيّة الوطنيّة لعقود نظريّا و عمليّا و يفقأ عين إنتهازيتهم و أوهامهم القوميّة الضيّقة .
و نستطرد فنقول أيّة ثورة يفرضها الواقع من منظور الشيوعية الماويّة الثوريّة ؟ هل هي ثورة وطنية ؟ أم ثورة ديمقراطية جديدة / وطنيّة ديمقراطية كجزء لا يتجزّا من الثورة البروليتارية العالميّة ؟
و الجواب الماوي معلوم عالميّا وهو الصنف الثاني علما و أنّ الثورة الوطنيّة بمعنى الديمقراطيّة القديمة لم تعد ممكنة تاريخيّا كما شرح ماوتسى تونغ و بالذات فى كتاب " الديمقراطية الجديدة " . هذا أوّلا ، و ثانيا ، ما جدّ فى مصر و ليبيا و العراق و سوريا ما كان قطعا ثورات بل إنقلابات عسكريّة . و هل يعدّ الخاضعين للإمبريالية الإشتراكيّة السوفياتية و برامجها و سياساتها " وطنيين" ؟
لقد أعمى الكثير من المتمركسين الطابع المعادي للولايات المتحدة لدى بعض الأنظمة فى وقت معيّن ، أعماهم عن رؤية أنّ هذه الأنظمة ( و تنظيمات مثل الجبهة الشعبيّة فى فلسطين فى زمن معيّن ) كانت تخضع بدرجة أو أخرى إلى إملاءات الإمبريالية الإشتراكية السوفياتية و تخدم مصالحها العالمية فى المنطقة .
و فى إرتباط بهذا تحجب المنظّمة الشيوعية الماوية بتونس المواقف المتقلّبة للتجربة الناصريّة و قبولها بمشروع رودجيرس الأمريكي و ما إلى ذلك ... فى لحظة تاريخيّة ليس هنا مجال تفصيلها تحوّلت البرجوازيّة الوطنية إلى برجوازيّة لاوطنيّة ، إلى برجوازية كمبرادوريّة ، طبيعتها المزدوجة التى شخّصها ماو تسى تونغ جعلتها تلتحق بالصفّ اللاوطني لتركع للإمبريالية و تنبطح لها الإنبطاح كلّه و تصبح هي ذاتها رئيسيّا جزء من البرجوازية الكمبرادورية عميلة الإمبريالية .
هذا التحليل للوقائع الموضوعيّة ، تغيّبه عمدا عامدة المنظّمة الشيوعية الماوية تونس لصالح تلميع صورة التجربة القوميّة الناصريّة .
و ليعلم أنصار الناصريّة أن البرجوازية الوطنيّة فى آخر المطاف برجوازيّة و أن الشيوعية إيديولوجيا البروليتاريا العالميّة و ليست إيديولوجيا عدوّتها البرجوازية و من هنا على الشيوعيين أن يكونوا شيوعيين لا أنصار البرجوازية كمبرادوريّة كانت أم وطنيّة أم إمبريالية و عليهم أن ينشروا الشيوعية و مشروعها و يكونوا شيوعيين تنظيرا وممارسة و يبذلوا وسعهم لإنجاز الثورة البروليتارية العالمية بتيّاريها و التقدّم نحو الشيوعية العالميّة . و من أوكد مهام الشيوعيين " النضال من أجل تحرير جماهير الشغيلة من نفوذ البرجوازية بوجه عام " ( لينين – مقدّمة " الدولة و الثورة " ) .
و فى نفس السياق ، ليعلم هؤلاء أنّ الجبهة المتحدة مع البرجوازيّة الوطنيّة لا هي شرط لنجاح الثورة الديمقراطيّة الجديدة و لا هي إن أنشأت قارة وهو ما تدلّل عليه تجربة الثورة الماويّة فى الصين . و هذه الجبهة المتحدة للطبقات الثوريّة فى ظلّ قيادة البروليتاريا و حزبها و إيديولوجيّتها كما أثبتت التجارب الماوية فى عدّة بلدان أخرى لا تبنى و لا تلتحق بها البرجوازيّة إن إلتحقت بها إلاّ أثناء عمليّة تحطيم الدولة القديمة و إرساء أسس الدولة الجديدة بواسطة حرب الشعب الطويلة الأمد و فى غمارها و ليس قبل ذلك .
" إن الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية تقوم على تحالف الطبقة العاملة و طبقة الفلاحين و طبقة البرجوازية الصغيرة فى المدن ، و بصورة رئيسية تقوم على تحالف العمال و الفلاحين لأن هاتين الطبقتين تؤلفان ثمانين إلى تسعين بالمئة من مجموع سكان الصين . إنهما القوة الرئيسية فى الإطاحة بالإمبريالية و زمرة الكومنتانغ الرجعية ، كما أن الإنتقال من الديمقراطية الجديدة إلى الإشتراكية يتوقف أساسا على تحالفهما ."
( " الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية " ، 30 يونيو – حزيران 1939 ، " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " المجلد4 / ص42 ).
و إن كانت البرجوازيّة الوطنيّة تمسك بسلطة دولة ، لا تستسلم لها البروليتاريا أو تتحالف معها بل تواصل نضالها من أجل أن تفتكّ السلطة و تبني دولة جديدة بقيادتها غايتها الأسمى الشيوعية على الصعيد العالمي . و من منظور شيوعي ثوري ، التحالف مع أيّة برجوازيّة تمسك بالسلطة خطأ قاتل و بالتالى التحالف مع البرجوازيّات الوطنيّة فى البلدان العربيّة ينبع من رؤية قومية وهو إنحراف عن الشيوعية و خيانة لها مثله مثل الخطأ القاتل الذى إرتكبته الحركة الشيوعية العالمية أثناء الحرب العالمية الثانية بتحالف الأحزاب الشيوعية مع البرجوازية الإمبريالية - الجبهة ضد الفاشيّة - بدعوى أنّها ديمقراطية مناهضة للفاشيّة و النازيّة فى تضارب صارخ مع الموقف اللينيني الداعي للإنهزاميّة الثورية أي القيام بالثورة الإشتراكية ، لا مساندة البرجوازية فى البلدان الإمبرياليّة .
و قد بلغ الأمر بالإنحراف عن الماويّة أن سمّت الكثير من المجموعات نفسها – و منها مجموعات ماويّة – و نشطت بإسم الوطنيّين الديمقراطيّين مرتكبة خلطا فظيعا بين طبيعة هذه الثورة البرجوازية الطابع بشكل عام لكن بقيادة بروليتارية – الديمقراطية الجديدة - التى تتطلّبها المرحلة فى المستعمرات و المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات من جهة و الهويّة الشيوعية العاكسة للهدف الأسمى الذى ينبغى ان لا يغيب أبدا عن الشيوعيين و لو لحظة لأنّه كبرنامج أقصى تتحدّد وفقه أو فى علاقة به و خدمة له الأهداف المرحليّة و التكتيكات و أساليب النضال الشيوعي . و قد نبّهنا إلى هذا الخطأ النظري و العملي فى مقال " الوطنيون الديمقراطيون و وحدة الشيوعيين الحقيقيين " :
" تسمية خاطئة و ضارّة :
بادئ ذى بدء ، نرفع إلتباسا طالما ساد فى أذهان غالبيّة الوطنيين الديمقراطيين . من الخطإ الصريح أن يطلق الشيوعيون على أنفسهم إسم طبيعة الثورة المطلوبة فى بلدهم . الشيوعيون فى البلدان الرأسماليّة لا يطلقون على أنفسهم إسم الإشتراكيين تماشيا مع طبيعة الثورة المنشودة هناك . و لا يطلق الشيوعيون عبر العالم ، فى البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة و المستعمرات الجديدة إسم الوطنيّين الديمقراطيّين أو الديمقراطيين الجدد ( ماويّا ، الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية ) على أنفسهم إعتبارا لطبيعة الثورة اللازمة هناك . كلاهما يطلقان على أنفسهما صفة الشيوعيين و قد يضيفون إليها صفات أخرى للتمايز مع منظّمات و أحزاب أخرى . فمثلا فى الولايات المتحدة الأمريكية ، هناك عدّة أحزاب شيوعية من أبرزها الحزب الشيوعي الثوري الذى يتبنّى إيديولوجيّا الماركسية – اللينينية – الماوية وقد طوّرجوهرها الثوري فى صراع مع التحريفية و الدغمائيّة رئيسه بوب أفاكيان بتطويره للخلاصة الجديدة للشيوعية ، شيوعية اليوم أو الفهم الشيوعي الأكثر تقدّما و الأرسخ علميّا اليوم . و فى الهند هناك الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) الذى يقود حرب الشعب من أجل إنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية كجزء لا يتجزأ من الثورة البروليتارية العالمية و غايتها الأسمى الشيوعية على الصعيد العالمي . و فى الفليبين ، هناك الجبهة الوطنية الديمقراطية التى يقودها الحزب الشيوعي الفليبيني ... و عربيّا ، أطلق الشيوعيوّن فى العراق عندما كان يقودهم الرفيق فهد إسم الحزب الشيوعي على حزبهم و هكذا . و تمّ و يتمّ ذلك عالميّا إنطلاقا من ما دعت إليه الأمميّة الثالثة الشيوعية ، ومن ما كتبه لينين عن ضرورة أن يحمل إسم حزب الشيوعيين هدفهم السمى أي الشيوعية .
و لكن لأسباب عديدة ليس هنا مجال الخوض فيها ، أطلق جزء من الشيوعيين فى القطر على أنفسهم إسم الوطنيين الديمقراطيين واقعين فى خطأ التماهي مع إسم الثورة المنشودة مرحليّا و ليس مع الهدف الأسمى الشيوعي و لم يقع تصحيح الخطإ بل تمادى فيه الكثيرون لتصبح طبيعة الثورة مرحليّا المحدّدة فى الهويّة . وقد كانت تبعات ذلك وخيمة إيديولوجيّا و سياسيّا... " . ( إنتهى المقتطف )
و نظرا لإنبهارهم بالبرجوازيّة الوطنية رغم طبيعتها المزدوجة حسب ماو تسى تونغ و أنّها " قد تجرى فى فترات أخرى ، وراء البرجوازية الكبيرة الكومبرادورية و تلعب دور المساعد فى مناهضة الثورة " ( وهو ما فعلت فى البلدان العربيّة و إعترفت به سنة 2014 المنظّمة إيّاها ) و رغم أنّ " ثورة " مستقلة " تقوم هي بالدور الرئيسي فيها ليست إلا مجرد وهم "، بمثاليّة لا يحسدون عليها ، يمدح أصحاب المنظّمة إيّاها هذه البرجوازية و يتذيّلون لها ويرونها – قوى وطنيّة - موجودة فى كلّ مكان حتى و إن كانت تحوّلت إلى برجوازية كمبرادوريّة ففى ليبيا ، واضح جلي أنّ الصراع بين قوى موالية لهذه أو تلك من القوى الإمبريالية العالمية و مع ذلك يأكّد كاتب " لنطوّر ..." بمثالية ذاتيّة لا أجلى منها ، و قد يقسم بأغلظ الأيمان أنّ " الموقف الصحيح في رأينا يتلخّص في : - دعم القوى الوطنية المناهضة للقذافي وللتدخّل الأجنبي في ليبيا والتي تسعى إلى تبنّي مصالح الجماهير " ( وفى نصّ " أخطاء سياسيّة قاتلة " : نحن نعتقد أن ليبيا لا تخلو من القوى الوطنية التي ستتصدى تدريجيا للغزو الخارجي و للظلاميين في الداخل " ) ما يعنى دعم قوى موجودة فى خيالهم المهووس بالبرجوازية الوطنية و غير موجودة على أرض الواقع الراهن أصلا !!! ( فضلا عن كون الموقف الصحيح يتلخّص فى الدعاية للثورة البروليتارية العالمية بتيّاريها و للمشروع التحرّري الحقيقي ، الشيوعي كنقيض للإمبريالية و عملائها فى عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ) .
و تتجلّى هذه المثاليّة الذاتية أيضا فى صيغة ما هي بصيغة ماركسية و إنّما ورثتها المجموعة عن المفاهيم القوميّة ألا وهي صيغة " مركزيّة القضيّة الفلسطينيّة " . منسجمة مع الفكر القومي و أهداف القوميين الناصريين منهم و البعثيين فى فترة معيّنة الذين وضعوا الوحدة بين البلدان العربية خاصة فى الشرق الأوسط على رأس أجنداتهم ، كانت تخدم سيعهم الدؤوب لتعبئة الجماهير الشعبيّة و تجييشها لخوض المعركة ضد الكيان الصهيوني ، الثكنة الإمبريالية المتقدّمة و كلب حراستها فى قلب الوطن العربي .
و لكن عندما إصطدم القوميّون و دولهم الضعيفة نسبيّا الناجمة عن إنقلابات لا ثورات بواقع قوّة الإمبريالية و الصهيونيّة و بعدم قدرتهم نظرا لطبيعتهم الطبقيّة على بناء مجتمع قادر على الصمود فى وجه الإمبريالية و الصهونية و الرجعية و تلبية حاجيات الطبقات الشعبية و خدمة مصالحها الجوهريّة ( وهذا الأمر الأخير مستحيل فى عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية من وجهة النظر الماويّة و التاريخية ) ، تراجعوا و عقدوا الصفقات العلنيّة و السرّية مع الإمبريالية و الصهيونيّة غير أنّهم ظلّوا محتفظين بالصيغة لمواصلة مغالطة الجماهير الشعبيّة و مثال ذلك ما حصل فى سوريا التى لم تطلق رصاصة واحدة تجاه الكيان الصهيوني من أراضيها لأكثر من أربعة عقود فى الوقت الذى عاثت فسادا فى لبنان و قتلت آلاف الفلسطينيين فى مجزرة تلّ الزعتر سنة 1976 .
و فى حين تخلّى بعض الفلسطينيين نتيجة لتجاربهم المريرة مع الرجعيّة العربيّة و مع ما سمّيت بالأنظمة الوطنية التى تحوّلت إلى نقيضها عن " مركزيّة القضيّة الفلسطينية " بحيث أنّ جورج حبش تجرّأ على قول ما مفاده أنّ تحرير فلسطين يمرّ عبر تحرير العواصم العربيّة ؛ ظلّ مشوّهو الماويّة يتمسّكون بتلك الصيغة القوميّة الأصل و الغاية و التى أدّت بجزء من متبنّيها ( ينقدهم نص " إنتفاضة 2011... " ) الذين مضوا بمنطق " مركزيّة القضيّة الفلسطينية " إلى نهايته ، إلى ليس مغازلة الأنظمة العربيّة عميلة الإمبريالية و الإنبطاح أمامها و التمسّح على عتباتها فقط بل أكثر من ذلك حتى إلى مهاجمة المناضلين ضدّ تلك الأنظمة العميلة !
و هكذا نرى أنّ تلك الصيغة القوميّة ضارة أيّما ضرر على أكثر من صعيد ذكرناه و لم نذكره من ناحية و من ناحية أخرى هي صيغة مجافية للماديّة الجدليّة ذلك أنّه إن كانت القضيّة الفلسطينية مركزيّة فإنّ الثورة الديمقراطية الجديدة فى بقيّة البلدان العربيّة لامركزيّة ( وحدة أضداد : تناقض مركزي / لامركزيّ ، و الأصحّ ماويّا رئيسي / ثانوي ) لذلك لعقود ركّز من تبنّوا تلك الصيغة القوميّة الأصل على إرسال المناضلين و المناضلات إلى " جبهة القتال الساخنة " أو الدعاية رئيسيّا للقضيّة الفلسطينية فى نشاطاتهم .
و جدير بالملاحظة أنّه يتمّ الحديث عن " الكفاح المسلّح " و " المجد للبندقية المقاتلة " ( من أجل ماذا ؟ حسب أي برنامج ؟ من أجل أيّة طبقة ؟ و بأيّة وسائل ؟ و ما هي علاقة هذه البندقيّة بالثورة البروليتارية العالمية ؟ ...) و لا يجرى تحليل الخطّ الإيديولوجي والسياسي للمنظّمات و الأحزاب الفلسطينية و هل أنّ هذه " الثورة الفلسطينية " ثورة ديمقراطية جديدة / وطنيّة ديمقراطية أم هي حركة فصائل مسلّحة ضد الصهيونية و الإمبريالية الأمريكية و لا يهمّ إن كانت تقع تحت كلاكل إمبرياليّة أخرى أو هي تبشّر ببرنامج قروسطي تكرّسه على أرض الواقع فتكون صراحة ضد الثورة الديمقراطية الجديدة و قواها و برنامجها و آفاقها .
و للتشديد على " مركزيّة القضيّة الفلسطينية " ، يقارن مرارا إلحاق الهزيمة بالصهيونيّة بإلحاق الهزيمة بالنازية خلال الحرب العالمية الثانية و مثال ذلك جملة من " فى معاني مركزيّة القضيّة الفلسطينية " : " تحرير فلسطين من الوجود الصهيوني سيشكل منعرجا في مسيرة النضال الوطني العربي يضاهي الانتصار الذي حققته البشرية ضد النازية و الفاشية العالمية ."
و" تحرير كل فلسطين سيخلق منعرجا تاريخيا و سيكون نقلة نوعية في تاريخ الأمة المعاصر قد تضاهي لحظة انتصار القوى المعادية للنازية على دول المحور في الحرب العالمية الثانية."( " في يوم الأرض... واجباتنا القومية و الأممية نحو فلسطين " ، 29 مارس 2013 ) .

و بهذا الصدد نسوق جملة من الملاحظات :

1- " الإنتصار الذى حقّقته البشريّة ضد النازية و الفاشيّة العالمية " صيغة مثالية غير دقيقة و تعويمية تتملّص من الحقيقة الموضوعية ألا وهي أنّ النازيين و الفاشيين أيضا من " البشريّة " فهل إنتصروا على أنفسهم ؟
2- المهمّ فى إندحار الفاشيّة و النازية ، بالنسبة للشيوعيين الحقيقيين ، هو إنتصار الإشتراكية مجسّدة فى الإتحاد السوفياتي آنذاك على الغزاة و الدور الذى لعبته معركة ستالينغراد و المنعرج التى أسفرت عنه و تحرير بعض البلدان التى ستشكّل إلى جانب الإتحاد السوفياتي و الصين الماوية المعسكر الإشتراكي لاحقا .
3- هناك وجه شبه حقيقي بين خطّ الجبهة ضد الفاشيّة و خط هذه المجموعة حول الجبهة ضد الصهيونية . فكلاهما يهمل الصراع الطبقي و الدور القيادي للبروليتاريا و نضال البروليتاريا من أجل دول تقودها و هدفها الشيوعية على النطاق العالمي . لقد نقد الماويون عالميّا خطّ الجبهة ضد الفاشيّة الذى يذهب ضد الإنهزامية الثورية اللينينية . و نحن نعرّى هنا الصيغة التعميمية- الطبخة القومية - لوحدة " القوى الشيوعية الحقيقية و القوى القومية و القوى الإسلامية الوطنية " لأنّها تتاجر هي الأخرى بمصالح البروليتاريا العالمية و ضرورة أن يقاتل الشيوعيون من أجل القيادة التى ستحدّد نتيجة التضحيات الجسام و طبيعة الدولة الجديدة . و بإقتضاب ، لا يكتفى الشيوعيون ب" تحرير فلسطين " لمنحها لبرجوازية من البرجوازيّات فتخرج من الإستعمار المباشر لتمسي دولة من دول المستعمرات الجديدة مثلما حصل فى الإنتصار على الفاشيّة و النازية فى فرنسا و إيطاليا و اليونان إلخ ( عودة البرجوازية الإمبريالية " الديمقراطية " بعد إستسلام الشيوعيين و إلقائهم السلاح للعمل فى ظلّ تلك الدول الإمبريالية و إهدار فرص القيام بالثورة و إنشاء دول بروليتارية ) ، واجبنا كشيوعيين ماويين ثوريين حقيقيين و هدفنا هو " التحرير الديمقراطي الجديد / الوطني الديمقراطي " كجزء من الثورة البروليتارية العالمية بتيّاريها و هدفها الأسمى الشيوعية على النطاق العالمي .
لئن كان هؤلاء ماويين حقّا ، قولا و فعلا لفهموا القانون الأساسي للمادية الجدليّة كما طوّره لينين و ماو تسى تونغ ، قانون التناقض و لطبّقوه على هذه الحال و عندها لأدركوا أن المركزي و اللامركزي ضدّان يتحوّل الواحد منهما إلى الآخر . ماديّا جدليّا لا شيء ثابت و الرئيسي و الثانوي حسب ماو تسى تونغ ذاته فى " فى التناقض " يتبادلان المواقع بمعنى تحوّل الواحد إلى الآخر فى ظروف معيّنة .
و إن إفترضنا جدلا أن تحرير فلسطين هو المركزي فإنّ تحرير بقيّة البلدان العربيّة لامركزي فى ظروف ما – يجب تحديدها واقعيّا و ماديّا بالملموس – فإنّ الأمر فى ظروف أخرى ينقلب إلى ضدّه و اللامركزي يصبح مركزي . إلاّ أن هذه المجموعة لا تعتمد الماديّة الجدليّة بل المثاليّة الميتافيزيقيّة فترفع ذات الصيغة القومية و غير الماركسيّة أصلا لعقود رغم أنّ الظروف الموضوعية و الذاتيّة شهدت تغيّرات نوعيّة عدّة .
و لننظر بعد هذا إلى المسألة من زاوية أخرى . البلدان العربيّة جميعها راهنا ترزح تحت نير الإستعمار المباشر أو الإستعمار الجديد أو الإستعمار الإستيطاني الصهيوني ( و هذا ما أضحت المنظّمة إيّاها تعترف به منذ مدّة قصيرة و كانت " الشعلة " لا تقرّ به سابقا مدافعة عن وجود أنظمة وطنية ) و بالتالي من الضروري تحريرها كلّها و لا ندري من وجهة نظر الشيوعية و تحرير الإنسانيّة قاطبة من كافة أنواع الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي ، لماذا يكون تحرير فلسطين " مركزيّا " و لا يكون مثلا تحرير العراق هو المركزي ( إن قبلنا جدلا بتوصيف " مركزي " ) ؟ و لا ندري من ذات وجهة النظر الشيوعية ، إن كان تحرير فلسطين كافيا بمعنى التحرّر من الإمبريالية و الصهيونية فقط ؟ ماذا عن ما بعد هذا الصنف من التحرير . هل توضع مقاليد الحكم بين أيدى " برجوازيّة وطنية " تحوّلت – و تتحوّل عامة فى عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية - إلى برجوازية كمبرادورية أم لا بدّ أن يكون " التحرير " جزء من الثورة البروليتارية العالمية بتيّاريها ؟ و ماذا يستدعى الخيار الثاني ، الخيار الشيوعي و التحرّري الحقيقي الوحيد و ما هي تبعات ذلك نظريّا و عمليّا ؟
و هل يعتقدون أنه بإلإمكان تحرير فلسطين شيوعيّا أي بثورة ديمقراطية جديدة وكجزء من الثورة البروليتارية العالمية و مقتضياتها حسب النظرة الماوية فى واقع بحر من الدول العربيّة الرجعية المحيطة بها ؟ و لننظر إلى الأمر من الجانب المعاكس : ماذا إن تطوّرت الحركة الشيوعية الثوريّة فى بلد من البلدان العربيّة و أوشكت على إفتكاك السلطة هناك ، أيكون من اواجب الشيوعيين ليس عربيّا فقط بل عالميّا أيضا مدّها بكلّ الدعم المادي و السياسي و الإيديولوجي اللازم لتوفيرأسباب النجاح أم إبقاء العيون مركّزة على فلسطين و لا شيء غير فلسطين ؟ ألن يدفع ظفر ثورة ديمقراطية جديدة ماوية فى بلد من البلدان العربيّة بالحركة الثوريّة لا فى فلسطين و البلدان المجاورة لها و البلدان العربيّة الأخرى وحسب بل عالميّا كذلك ؟
و من هنا نلمس لمس اليد كيف أنّ الإنحراف القومي عن خطّ ماوتسى تونغ الذى ينادي ب " من الضروري تماما أن نتبع سياسة الحذر و التروى حيال البرجوازية الوطنية " يؤدى لا محالة إلى التذيّل للبرجوازيّة الوطنية و إلى البرجوازية الكمبرادورية و إلى مواقف رجعيّة لا تخدم فى الحقيقة تحرير فلسطين بل بالعكس و كيف أنّ هذا الإنحراف يترافق مع إدارة الظهر إلى المنهج المادي الجدلي و التاريخي و تعويضه بالمثاليّة الميتافيزيقية . هذه من الماويين الزائفين مجدّدا سياسة رفع الراية الماويّة لإسقاطها !
-----------------------------------------------
3- الإسلام و الإسلاميّون الفاشيّون :
و كما مرّ بنا حيث لا يوجد تنظيم أو تعبير سياسي فعلا عن قوى وطنيّة معادية لجميع القوى الإمبريالية ، تتصوّر المنظّمة الشيوعية الماويّة بتونس مثاليّا وجودها بالقوّة ، و حيث يثبت للعيان بما لا يدع مجالا للشكّ أنّ القوى البرجوازيّة الوطنيّة تحوّلت إلى نقيضها ، إلى برجوازية كمبرادوريّة ، لا تتورّع هذه المنظّمة عن جعل " الحركات الإسلاميّة " هي تعبيرة عن البرجوازية الوطنية . مرّة أخرى هي المثاليّة الذاتيّة التى تتوخّاها منهجا ، لا الماديّة الجدليّة . تترك الحقيقة الموضوعيّة لتخترع أشياء تعتبرها بعدئذ " حقائقا موضوعية " و ما هي سوى " حقائقها " الذاتيّة .
و قد أغشت نظر أصحاب هذه المنظّمة مقولة " مركزيّة القضيّة الفلسطينية " ، بات كلّ من يرفع سلاحا فى وجه الصهيونيّة وطنيّا و بات معيار الوطنية هو مقاومة الصهيونيّة بأي شكل من الأشكال . لا يفرّق هؤلاء بين المقاومات و الثورات بمعنى أنّه إنطلاقا حتى من التجارب الفلسطينية ، بيّنت الوقائع التاريخيّة أن هناك قوى تلجأ لرفع السلاح ليس لتحطيم الكيان الصهيوني و التحرّر الوطني الديمقراطي من الرجعية و الإمبريالية بل لفرض بعض الإصلاحات و التنازلات على الإمبريالية و الرجعيّة و الصهيونية و لعقد صفقات معها و لنا فى ما فعلته حركة فتح و غيرها وصولا إلى حركة حماس الإسلامية الفاشيّة أوضح دليل على ذلك .
و حين يستعمل الماركسيّون الزائفون الكفاح المسلّح لفرض إصلاحات لا لتحطيم الدولة الرجعية و إنشاء دولة جديدة كجزء من الثورة البروليتارية العالميّة و هدفها الأسمى الشيوعية على النطاق العالمي ، يوصّفهم الماويّون كتحريفيّة مسلّحة ( مثلا فى أمريكا اللاتينية و آسيا ، و فى مجلّة الحركة الأمميّة الثوريّة ، " عالم نربحه " عدّة نصوص تطرّقت لهذه المسألة ) .
لا تجري المنظّمة الشيوعية الماوية بتونس تحليلا علميّا ماديّا جدليّا و تاريخيّا لنظرة الرافعين للسلاح للعالم و برنامجهم السياسي و تهمل بالتالي الجوهر المحدّد لطبيعة هذه القوى و تكتفى بالظاهر : مقاومة فى وقت من الأوقات . و هذا أبعد ما يكون عن الموقف و المنهج الشيوعيين و عن الربط الفعلي بين المسألة الوطنيّة و المسألة الديمقراطية و الثورة البروليتارية العالمية بتيّاريها .
و يتباهى أصحاب هذه المنظّمة بكونهم وقفوا إلى جانب " الحركة الإسلامية " [ لنقرأ حركة النهضة ] عندما تعرّضت بعد " زواج متعة " مع بن علي ، إلى قمع هذا الأخير فى أواخر ثمانينات القرن العشرين و بداية تسعيناته ( و لا زالوا يدافعون عن حركة حماس و ينعتون من ينقدوها ب " الصبيانية " – أنظروا " حول صبيانية بعض الشعارات السياسية " بتاريخ 18 نوفمبر 2012 ) و الحال أنّها من " القوى المنتهية تاريخيّا " ، من " القوى الرجعية المتخفية منذ أكثر من نصف قرن تحت شعارات كاذبة من نوع " الاسلام هو الحل" و " الشريعة هي الحل" ( " أزمة سلطة " الاخوان في تونس و مصر" " ، 6 ديسمبر 2012). و السؤال الذى يطرح نفسه هنا هو : على أي أساس و من أي منطلق شيوعي ماوي تمّ ذلك ؟ لا يشرحون ذلك صراحة و إنّما نفهم من المنطق الذى يقودهم أنّ الإجابة : هذه " القوى المتخفّية " (متخفّية ، قالوا! مغالطة أخرى لتبرير تغطيتهم لطبيعتها الحقيقية التى فضحها العديدون منذ سبعينات القرن العشرين و ثمانيناته ) " قوى إسلامية وطنية " !!!
و يا لنفاق المنظّمة الشيوعية الماوية بتونس التى ساندت " الحركة الإسلامية " و هي تخطّ بلا خجل : " إن من يساوم اليوم في مبدأ " المساواة التامة بين المرأة و الرجل " لإرضاء بعض الأطراف السياسية الحليفة له هو مثل الذي يراجع المبدأ القائل بأن الصراع العربي الصهيوني هو صراع وجود و ليس صراع حدود. فالمسألة لا تتحمل مساومة و لا تنازلات و هي مقياس للأحزاب و الأفراد في مدى ديمقراطية و ثورية ذلك الحزب أو الفرد ". ( " فى ذكرى 8 مار س : إمّا مع المساواة التامة أو ضدّها " ، 7 مارس 2013 ).
لقد ساوموا هم ذاتهم مع " الحركة الإسلامية " الرجعية ، " حركة النهضة " العدوّة ل" المساواة التامة بين المرأة و الرجل " سلوكا و برنامجا و فكرا و ممارسة ؛ ساندوا الإسلاميين الفاشيين ، أعداء الشعب و النساء و للإمبيريالية عملاء . ثم بعد سنوات يزايدون بقضيّة تحرير المرأة لمغالطة المناضلين المناضلات خاصّة و الجماهير عامّة و إن طبّقنا عليهم المقياس الذى وضعوه هم أنفسهم : " المسألة لا تتحمل مساومة و لا تنازلات و هي مقياس للأحزاب و الأفراد في مدى ديمقراطية و ثورية ذلك الحزب أو الفرد " يتّضح أنّهم لاديمقراطيين و لا ثوريين .
لقد تعلّمنا من لينين فى " مسودّة أوّلية لموضوعات فى المسألة القومية و مسألة المستعمرات " يونيو – يوليو ( حزيران – تموز ) 1920 أنّه : " ... ينبغى أن لا يغرب عن البال بوجه خاص : ...
ضرورة النضال ضد رجال الدين و غيرهم من عناصر الرجعية و القرون الوسطى ذوى النفوذ فى البلدان المتأخّرة ؛... ضرورة النضال ضد الجامعة الإسلامية و ما شاكلها من التيارات التى تحاول ربط الحركة التحرّرية المناهضة للإمبريالية الأوروبية و الأمريكية بتوطيد مراكز الخانات و الإقطاعيين والشيوخ إلخ " ؟
و نحن إذ ندين تحوّل بعض المناضلين المتمركسين إلى " وشاة " ، فإنّنا نستغرب موقف تلك المنظّمة التى تدعى تبنّى الماويّة . فالماويّة على خطى اللينينية لا تدافع عن القوى الرجعيّة القروسطيّة أو أيّة قوى رجعيّة مصنّفة موضوعيّا فى خانة أعداء الشعب و التحرّر الديمقراطي الجديد / الوطني الديمقراطي و أعداء الشيوعية برمّتها . دارس برنامج " الحركة الإسلامية " و ممارساتها و مواقفها منذ نشأتها و طوال سبعينات القرن العشرين و ثمانيناته يدرك دون عناء أنّها حركة مناهضة تماما لتحرير المرأة ولمصالح الجماهير الشعبيّة و قضيّة الشيوعية محلّيا و عالميّا . و هذه الحركة و شبيهاتها صنيعة الإمبريالية و دول الإستعمار الجديد و الرجعيّة العربية و حتى الصهيونية فى حال حركة حماس الفلسطينيّة .
و هذه حقائق موضوعية تاريخية لا يمكن أن ينكرها إلاّ المثاليّون الذاتيّون ، سواء كان ذلك فى تونس أو فى المغرب أو فلسطين إلخ و حقائق أنّ الإسلاميين الفاشيين يقدّمون أجلّ الخدمات للنظام الإمبريالي العالمي و يعملون فى إطاره . و ما تسمّيه المنظّمة إيّاها ب" الإسلاميين المرتدّين " ليسوا بمرتدّين أصلا فهم و حركة النهضة برمّتها صنيعة نفس الحزب الذى ترأّسه بورقيبة ثم بن علي ، هم صنيعة دولة الإستعمار الجديد و هم فى خدمتها سواء إنتسبوا إلى حركة النهضة أو التجمّع الدستوري الديمقراطي علما و أنّ العلاقة وطيدة بين الحزبين الرجعيين و إن شابتها أحيانا بعض الخلافات و الممرّ مفتوح بينهما فى الإتجاهين وهو ما تأكّد بوضوح حتى فى المدّة الأخيرة فى تونس .
و بالتالي تصبّ " الحركة الإسلامية " و شبيهاتها الفاشيّة فى خانة الإمبريالية و الرجعية أي هي عدوّة ليس فقط محلّيا بل عالميّا للثورة الإشتراكية بما هي نقيض للإمبريالية فى عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية و قطعا ليس على الشيوعيين الماويين الحقيقيين الثوريين أن يساندوا قوى رجعية ضد قوى رجعيّة أخرى بل بالعكس عليها أن تفضح القوّتين المعاديتين للجماهير الشعبية و للشيوعية .
و قد سبق لنا أن خضنا فى موضوع الحال فى مقال " الإسلاميّون الفاشيوّن : للشعب و النساء أعداء و للإمبريالية عملاء " وقلّبنا النظر فى المسألة من عدّة زوايا و تبيّن إعتمادا على الموقف و المنهج الشيوعيين وعلى الوقائع الملموسة أنّ الإسلاميين فاشيين و أنّهم للشعب و للنساء أعداء و للإمبريالية عملاء. و حتّى لا نكرّر ما ورد فى ذلك المقال ، ندعو القرّاء المتطلّعين للتعمّق فى المسألة إلى دراسة مضمون مقالنا ذاك لمزيد إستيعاب أنّ الإسلام رؤية للعالم و برنامج سياسي رجعيين و إيديولوجيا و أداة ، فى عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ، بيد الطبقات المستغِلّة .
و يبدو مرّة أخرى أنّ المعيار الذى قاد المنظّمة العمياء بعيون قوميّة إلى موقف المساندة ذاك هو إعتبارها للإسلاميين الفاشيين " وطنيين " و يتأتّى هذا التأويل من " قياس " خاطئ أًصلا : بما أنّ حركة حماس ، حسب وجهة نظرهم ، " وطنية " ، شبيهتها ( حركة إخوانيّة ) " الحركة الإسلامية " فى تونس " وطنيّة " أيضا . و بداهة لا يعكس هذا المنطق الشكلي المأسّس على المثاليّة الذاتيّة الواقع الموضوعي و الحقائق الموضوعية و لا يمتّ بصلة للماويّة سوى أنّه نقيضها .
و يتحدّث نصّ " إنتفاضة 2011 ..." عن " الفهم المنحرف لعلاقة المسألة الديمقراطية بالمسألة الوطنيّة " ، فهل فهم أصحاب هذا النصّ هذه العلاقة فهما سليما ، فهما شيوعيّا ؟ لا . إنّهم يغضوّن الطرف عن المسألة الديمقراطيّة حينما يتعلّق الأمر بتقييم القوى الإسلامية الفاشيّة و يقينا أنّه ليس بوسعهم أن يقنعونا و القرّاء بأن هذه القوى " ديمقراطية " لذلك لا يلهجون إلاّ ب " وطنية " ( فى الواقع لاوطنية ) هذه القوى فيطعنون الجماهير الشعبيّة و النساء و الشيوعية فى الظهر . و هذا منهم لا يستغرب لأنّهم قاموا بالضبط بذات التقييم و السلوك تجاه تجارب البرجوازية الوطنية التى تحوّلت إلى برجوازية كمبرادورية فى ظروف معيّنة ، مغالين فى جانب " الوطنية " طامسين المسألة الديمقراطية بشتّى مضامينها الرئيسية المتصّلة بالأرض و الحرّية السياسية و تحرير المرأة ...
المنطق الإحادي الجانب الذى يضخّم مظهرا ليغيّب المظهر الآخر من " النضال الوطني الديمقراطي " منطق مثالي ذاتي و إنتقائي مناهض للماديّة الجدليّة كما طوّرها لينين و ماو تسى تونغ .
و فضحت أكثر الممارسة العمليّة للإسلاميين الفاشيين طبيعة " الحركة الإسلامية " ( صيغة المنظّمة المساندة لهذه الحركة ) اللاوطنية و اللاديمقراطية و اللاشعبية أمام الجماهير الشعبية و على نطاق واسع و بالملموس ، فإضطرّ مشوّهو الماويّة و الشيوعية عموما سنة 2014 إلى أن " يكتشفوا " مقولة لماركس – لم يتشجّموا عناء ذكر مصدرها البتّة !- و رجعيّة الإسلاميين الفاشيين أو ما سمّوه مداورة ب" القوى الأخرى " التى " تستنجد ... بالمخزون الديني و بالتراث القروسطي و بمضامين ظلامية في بعض الحالات معادية للذات الانسانية و مبشرة بعبودية جديدة في القرن الواحد و العشرين محاولة اقامة دولة دينية تسير في اتجاه معاكس تمام لتيار التاريخ القومي و الانساني . فكل دولة دينية هي دولة ناقصة سياسيا كما يقول ماركس أي أنها دولة لم تكتمل سياسيا و لم تتجاوز الخضوع للتشريعات السماوية لصالح قوانين وضعية متطورة و تراعي الحريات العامة و الفردية و حرية المعتقد و الفكر" ؛ و أنّ " الحركة الإسلامية " التى ساندوها سابقا " " النهضة "... تعادي النضال النقابي و تتربص بالاتحاد و بحق الاضراب ." ( " الموقع قبل الموقف " 29 ماي 2013 ).
أين كانوا طوال عقود ؟ فى عالمنا أم فى عالم آخر ؟ لعقود طوال رفع هؤلاء الراية البيضاء أمام " البرجوازية الوطنية " و " الحركات الإسلامية " و لم يتفطّن هؤلاء الذين يعتبرون نفسهم طليعة و ماركسيين - لينينيين - ماويين إلاّ بصفة متأخّرة ومتأخّرة جدّا ، بعد الصفوف الواسعة للجماهير بسنوات ، إلى حقيقة أعلنها ماو تسى تونغ منذ عقود " انتهى دور البرجوازية الوطنية القيادي " و كذلك إلى حقيقة طبيعة الإسلاميين الفاشيين الرجعيّة .
جاء فى نصّ " إنتفاضة 2011 ..." لا يخفى الثوريّون الحقيقة عن الجماهير " و قد لمسنا ما لمسنا من قلب للحقائق و تزوير للوقائع و طبيعة البرجوازية الوطنية و الحركات الإسلامية الفاشية و تحريفات للماويّة ، هل نكذّب الجماعة و نعتبر قولهم قول زور لمغالطة الجماهير و تضليلها أم نعدّهم غير معنيين بهذا القول بإعتبارهم غير ثوريين ؟!
نتبيّن إذن أنّ خطّ المنظّمة إياها تجاه الإسلام و الإسلاميين الفاشيين خطّ تحريفي يميني مثالي ذاتي و إنتقائي يشوّه الماويّة و يرفع رايتها ليسقطها فهو ينظّر لخطّ و يكرّس خطّا يتذيّل لل" حركة الإسلامية " و يتذيّل للبرجوازيّة الوطنية التى تحوّلت إلى برجوازية كمبرادورية و يدوس واقع و حقائق أنّه فى عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية لم يعد هناك أي دور تقدّمي للدين بما هو إيديولوجيا وأداة رجعيّين فى يد الطبقات المستغِلّة وهو حجر عثرة أمام تقدّم الثورة الإشتراكية بتيّاريها و أمام المشروع الشيوعي و تحرير الإنسانيّة من كافة أنواع الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي ؛ و أنّ الإسلاميّين فاشيّون و للشعب و النساء أعداء و للإمبريالية عملاء .
و من أجل التعمّق فى إدراك البون الشاسع فعلا بين رافعي راية الماويّة لإسقاطها و الماويين الثوريين حقّا ، المدافعين عن أكبر فهو شيوعي متقدّم اليوم : الخلاصة الجديدة للشيوعية ، و المتبنّين لمقولة بوب أفاكيان : " ما نراه فى نزاع هنا هو الجهاد من جهة و ماك العالمية / ماك الحرب من جهة أخرى و هو نزاع بين شريحة ولّي عهدها تاريخيا ضمن الإنسانية المستعمَرة و المضطهَدة ضد الشريحة الحاكمة التى ولي عهدها تاريخيا ضمن النظام الإمبريالي . و هذان القطبان الرجعيان يعزّزان بعضهما البعض ، حتى و هما يتعارضان . و إذا وقفت إلى جانب أي منهما ، فإنك ستنتهى إلى تعزيزهما معا . و فى حين أنّ هذه صيغة مهمّة جدّا و حيويّة فى فهم الكثير من الديناميكية التى تحرّك الأشياء فى العالم فى هذه المرحلة ، فى نفس الوقت ، يجب أن نكون واضحين حول أي من " هذين النموذجين الذين عفا عليهما الزمن " قد ألحق أكبر الضرر و يمثّل أكبر تهديد للإنسانيّة : إنّه الطبقة الحاكمة للنظام الإمبريالي التى عفا عليه الزمن تاريخيّا ، و بوجه خاص إمبرياليّو الولايات المتحدة . " ؛ نلحّ فى دعوة الرفاق و الرفيقات و القرّاء الباحثين عن الحقيقة فى أدقّ تفاصيلها أن يدرسوا عن كثب الخطّ البروليتاري الثوري حقّا للحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي ) المكتوى بنار " الحركة الإسلامية " فى إيران أي الإسلاميين الفاشيين ، أعداء الشعب و النساء و للإمبريالية عملاء و دولتهم الإيرانيّة " جمهورية إيران الإسلامية " . و من أهمّ الوثائق المتوفّرة على الأنترنت باللغة العربية تلك التى ترجمها شادي الشماوي و منها " الإسلام إيديولوجيا و أداة فى يد الطبقات المستغِلّة " لنسرين جزايرى و كتاب " جمهوريّة إيران الإسلامية : مذابح للشيوعيين و قمع و إستغلال و تجويع للشعب " و " برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي ) 2000 " .
------------------------------------------------

4- الديمقراطيّة و النظرة البرجوازيّة للمنظّمة الشيوعية الماويّة تونس :

ألغت مجموعة المنظّمة الشيوعية الماوية بتونس النظر فى الطابع اللاديمقراطي للناصريّة كفكر قوميّ و ظلّت تمدحها حتى يخال من يقرأ مديحها أنّها مجموعة ناصريّة ، كما ألغت النظر فى الطابع اللاديمقراطي ( و قلبت حقيقة أنّ الإسلاميين الفاشيين عملاء للإمبريالية ) لما سمّته " الحركة الإسلامية " . و على الرغم من مساهماتنا منذ سنوات الآن فى عدّة مناسبات فى نشر الفهم الشيوعي الحقيقي للديمقراطيّة و طبيعتها الطبقيّة فى تناقض مع الأوهام الديمقراطيّة البرجوازيّة ، فإنّ هذه المجموعة لم تكفّ عن إستخدام مصطلح " الديمقراطية " دون ربطه بالطبقات و كأنّها خارج نطاق المجتمع الطبقي أو فوق الطبقات جميعا و لنضرب على ذلك مثالا معبّرا جدّا من نصّ " إنتفاضة 2011..." ففضلا عن الحديث المتكرّر عن " الديمقراطية المزعومة " و " ديمقراطية بن علي " و " إنتفاضة ديمقراطية شعبيّة " :
" الظاهرة الديمقراطية في المجتمعات الماقبل رأسمالية تتميّز بهشاشتها . فهي كظاهرة ليست لها قاعدة مادّيّة متينة " .
مذهلة هي ميوعة مصطلح " الظاهرة الديمقراطية " ( و لا نزيد تعليقا ) و مذهل هو غياب التوصيف اللينيني للديمقراطية و يتوقّع من يطالع " فى الطابع الطبقي للديمقراطية " ( 22 فيفري 2013 ) أن يجد فهما ماركسيّا – لينينيّا – ماويّا للديمقراطية و تحليلا للديمقراطية / الدكتاتورية البرجوازية و الديمقراطية/ الدكتاتورية البروليتارية فيصدمه تشويه فظّ جدّا للماركسيّة مفيد للبرجوازية وحدها : " أثبتت التجربة الديمقراطية فى البلدان الرأسمالية " ( و ليس الرأسمالية – الإمبريالية ، ماويا ) و فى " البلدان المرتهنة لدى الدوائر الإمبريالية " " تتجاذب مشاريع بناء مجتمع ديمقراطي فيها عدة مصالح داخلية و خارجية متناقضة " و البديل هو " الديمقراطية الحقيقية هي التي تعطي الفرصة لتمثيل نيابي للشعب الكادح صاحب المصلحة الحقيقية في بناء مجتمع ديمقراطي شعبي يخرج البلاد من ولقع التخلف الاجتما عي و الاقتصادي و العلمي و يسن قوانين و مراسيم ثورية بعيدة كل البعد عن المهازل التي نعيشها و حالات المهادنة و التنازلات للأعداء مقابل مزيد تفقير الجماهير و قمعها و محاولات اسكات صوتها بضرب منظماتها الجماهيرية و قواها الثورية. "
أين هذا من التحليل اللينيني فى " الدولة و الثورة " ؟ أين هذا من التحليل الماوي فى " الديمقراطية الجديدة " و فى " الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية " ؟ للماويين الحقيقيين أن يجيبوا على هذه الأسئلة .
و كلام هذه المجموع هذا لا يختلف عن كلام الماركسيين المزيفين فى صفوف اليسار الإصلاحي الذى نقدنا فى كتاباتنا السالفة و منها نقتطف هذه الفقرات من كتاب " حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد حزب ماركسي مزيّف " :
" متحدثا عن مرتدّ آخر ، كاوتسكي فى" الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي " ( ص18) ، أوضح لينين :
" أنّه طالما هناك طبقات متمايزة ، - و طالما لم نسخر من الحسّ السليم و التاريخ ، - لا يمكن التحدث عن " الديمقراطية الخالصة "، بل عن الديمقراطية الطبقية فقط ( و نقول بين هلالين إنّ " الديمقراطية الخالصة " ليست فقط صيغة جاهلة تنم عن عدم فهم لنضال الطبقات و لجوهر الدولة على حدّ سواء ، بل هي أيضا صيغة جوفاء و لا أجوف، لأنّ الديمقراطية، ستضمحلّ ، إذ تتطور فى المجتمع الشيوعي و تتحوّل إلى عادة، و لكنها لن تصبح أبدا ديمقراطية " خالصة ".)

فلينين أكّد أنّه لا وجود لديمقراطية خالصة ، فوق الطبقات و أنّ ما هناك إلاّ ديمقراطية طبقية و أنّ كلّ ديمقراطية هي فى آن واحد دكتاتورية ؛ ديمقراطية لطبقة أو طبقات و دكتاتورية ضد طبقة أو طبقات ( و قد تعمّقنا فى هذه المسألة فى مقال " أنبذوا الأوهام البرجوازية الصغيرة حول الإنتفاضة الشعبية فى تونس "، الحوار المتمدّن ) فى حين أنّ هؤلاء روّجوا خيالات عن ديمقراطية لا طبقية - سياسية و إجتماعية – و ما من مرّة نعتوها أو حدّدوها طبقيّا و بذلك ساهموا و يا لها من مساهمة فى تضليل المناضلين و المناضلات و الجماهير الشعبية .

إنّهم لم يقوموا باللازم لينينيّا لشرح علاقة الديمقراطية بالدكتاتورية طبقيّا و بأنّ كل ديمقراطية هي بالضرورة دكتاتورية : ديمقراطية لأقلية أو أغلبية و دكتاتورية ضد أغلبية أو أقلية و مثال ذلك فى كتاب لينين " الدولة و الثورة " أنّ الديمقراطية البرجوازية ديمقراطية للأقلية و دكتاتورية ضد الأغلبية بينما دكتاتورية البروليتاريا / ديمقراطية البروليتاريا هي فى آن أيضا ديمقراطية الأغلبية دكتاتورية ضد الأقليّة.

و كذلك لم يبذل مدّعو تبنّى اللينينية قصارى الجهد – فى الواقع لم يبذلوا أي جهد – لتفسير أنّ لكلّ طبقة ديمقراطيتها و أنّ الديمقراطية ذاتها كشكل للدولة مآلها تاريخيا الإضمحلال مع إضمحلال الدولة مثلما بيّن ذلك لينين فى " الدولة و الثورة " أنّ " الديمقراطية البروليتارية لأكثر ديمقراطية بمليون مرّة من أية ديمقراطية برجوازية " ( لينين " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي " ، دار التقدّم ، موسكو ، الطبعة العربية ، الصفحة 25 ).

و ليعلم مؤسّسو الحزب الجديد أن الديمقراطية البرجوازية وحتى البروليتارية المناقضة لها ، لينينيّا مآلهما الإضمحلال مستقبلا . و من أوكد واجبات الشيوعيين و الشيوعيات النضال بلا هوادة فى سبيل أن تعوّض ديمقراطية / دكتاتورية البروليتاريا ديمقراطية / دكتاتورية البرجوازية ثم مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية/ ديمقراطية البروليتاريا من أجل إضحلال الديمقراطية جميعها مع إضمحلال الدولة بما يعلن عالميّا بلوغنا هدفنا الأسمى ، الشيوعية كمجتمع خال من الطبقات لا حاجة فيه للدولة و لا للديمقراطية كشكل من أشكالها.و قد نبّهنا لينين في " الدولة و الثورة " لحقيقة أنّ :

" الديمقراطية هي أيضا دولة و أنّ الديمقراطية تزول هي أيضا ، تبعا لذلك ، عندما تزول الدولة ". ( المصدر السابق ، الصفحة 20). "
( إنتهي المقتطف )

الأسلوب التعميمي التعويمي المناهض للأسلوب اللينيني الدقيق و التحليل الملموس للواقع الملموس و للحقيقة الموضوعيّة لطبيعة الديمقراطيّة يخدم الفهم الشكلي للقوى الإصلاحية للمسألة فيفسح لها المجال بخلط الأوراق و العمل فى إطار دولة الإستعمار الجديد و قوانينها . و قد تمظهر هذا الإلتقاء الجلي للمنظّمة مع الإصلاحيين فى هذا الشأن فى نقطتين فى نصّ " إنتفاضة 2011..." أولاهما " المهام الملحّة " المطروحة زمن كتابة النصّ و ثانيهما تبرير مساندة المنظّمة لقوى معيّنة فى الإنتخابات .
غريب هو أمر هؤلاء الماويين جدّا ، جدّا . غريب أمر هؤلاء الذين يضعون مهاما ملحّة هي فى الأساس جزء من برنامج الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية لتنجزها قوى رجعية مفضوحة أو إصلاحية فى إطار دولة الإستعمار الجديد التى لم تحطّمها الإنتفاضة ، و فى إطار " الظاهرة الديمقراطية فى المجتمعات الماقبل رأسمالية " المتميّزة " بهشاشتها " .
واهم و ناشر للأوهام و طبعا ما هو بلينيني و لا هو ماوي أصلا من يعتقد فى إمكانية تحقيق النقاط التالية – المهام الملحّة - فى ظلّ دولة الإستعمار الجديد ( و قد دلّلت مجريات الأحداث عن مدى سباحة من يقف وراء هذه " المهام الملحّة " فى عالم الأوهام ) :
"1- تشكيل حكومة مؤقّتة ترأسها شخصيّة وطنية و يتشكّل أعضاؤها من شخصيات وطنية و ممثّلين عن المنظمات الجماهيرية الّتي انخرطت في المعركة و قطعت الطّريق على بقايا حزب الدستور تكون مهامّها:
أ‌- التّصدّي لمحاولات الامبريالية استثمار نضالات شعبنا للتّآمر على نضالات الجماهير من أجل الكرامة والتحرّر في الوطن العربي تحت عناوين حقوق الإنسان و نشر الديمقراطيّة.
ب‌- قطع كلّ العلاقات الاقتصاديّة و السّياسية و الثقافية و الأمنيّة مع الكيان الصّهيوني.
ت‌- التّحضير لانتخابات تشريعية و رئاسية و مراجعة القوانين المتعلّقة بالحياة السياسية.
ث‌- دعوة المنظمات الجماهيرية في كل القطاعات و المجالات لتنظيم ندوات لمراجعة سياسات السلطة البائدة (تعليم، صحّة، سكن).
ج‌- توفير الشغل للعاطلين و رفع الأجور و تجميد الأسعار.
ح‌- إلغاء كلّ أشكال السّمسرة باليد العاملة.
خ‌- تأميم المصانع التي وقعت خوصصتها و التّفويت فيها للرأسمال الامبريالي.
د‌- مراجعة السياسة الجبائية.
ذ‌- احتكار الدّولة و إشرافها على كلّ أنشطة التّوريد و التّصدير.
ر‌- مراجعة الوضعية العقاريّة بالأرياف و إقامة نمط إنتاج فلاحي موجّه لتلبية حاجيات الشعب.
ز‌- العمل على نشر ثقافة وطنية علمية جماهيريّة و التّأسيس لإعلام شعبي حرّ."
و فضلا عن ذلك ، نلفت إنتباه القرّاء إلى ترويج الجماعة التى ننقد للأوهام حول " تشكيل حكومة مؤقّتة ترأسها شخصيّة وطنية ..." فعن أيّة إستقلاليّة يتحدّثون ؟ الإستقلاليّة التنظيميّة أم الفكريّة أم ...؟ و أين توجد هذه الإستقلاليّة ؟ وهل تعنى عدم التعبير عن مصالح طبقيّة و خدمة طبقة أو طبقات على حساب طبقة أو طبقات أخرى ، فى آخر المطاف ؟ و من هنا ندرك أنّ الجماعة تطمس الفهم الشيوعي للدولة و طبيعتها الطبقيّة كأداة قمع طبقة لأخرى و أنّ أجهزة الدولة الطبقيّة ليست محايدة . إنّ نشر وهم حياديّة " حكومة مؤقّتة ترأسها شخصيّة وطنيّة ..." يصبّ فى خانة إنكار طبيعة الدولة الطبقيّة . و ماذا أثبت مرّة أخرى الواقع و تطوّر أحداث الصراع الطبقي فى تونس مثلا ؟ ألا تعتبر " حكومة الوحدة الوطنيّة " " حكومة مؤقتة ترأسها شخصيّة وطنيّة ..." مستقلّة ، قالوا ؟ على الأرجح هي أقرب إلى هذا التحديد . و ماذا كانت النتيجة ؟ مجدّدا مواصلة سياسات دولة الإستعمار الجديد على الأصعدة كلّها .
و لمّا تضرب الجماعة عرض الحائط بالموقف و المنهج الشيوعيين و تعانق المفاهيم البرجوازية القوميّة و الديمقراطية البرجوازية و المثاليّة الذاتية بدلا عنهما ، لا ينبغى أن نستغرب إتخاذها موقفا خاطئا من المشاركة فى الإنتخابات و مساندة بعض المشاركين فيها .
لم يشرح لنا هؤلاء سبب عدم مشاركتهم مباشرة فى الإنتخابات القادمة حينها . كلّ ما قالوه هو : " فعدم التقدم للانتخابات لا يعني أننا لا نهتم بالتطورات السياسية اللاحقة ، و لا يعني أننا نضع كل القوى في نفس السلة و لا نهتم بتركيبة المجلس القادمة و بانعكاساتها على الحياة السياسية في القطر " و " يتمسك بالمقاطعة كخط ماوي " لكن فى نفس الوقت ، طلعوا علينا بنيّتهم مساندة القوى " الصديقة " ( القوى القومية ) و " الشخصيّات النقابية و غيرها من الحقوقيين " : " إن هذه القوى ، وخاصة الصديقة منها ( القوى القومية ) مصرّة على المشاركة في الإنتخابات وكذلك الأمر بالنسبة لشخصيات نقابية وغيرها من الحقوقين . وهي تشكل كلها واجهة مضادة لجيوب الرجعية وللقوى المتكالبة على المكاسب التي أنجزتها الإنتفاضة . فهذه القوى ، وإن كانت صادقة حقّا ، ولها قراءة سليمة لهشاشة التّجربة وإمكانية الإنتكاس مدعوّة لتوحيد صفوفها والدخول للإنتخابات موحدة دون مهادنة للإمبريالية والتجمعيين والقوى اليمينية ، و ذلك في اطار جبهة شعبية واسعة يضع المتحالفون فيها نصب أعينهم الدفاع عن مكاسب الانتفاضة و تحذير الجماهير من الأخطار المحدقة بها. ان طرحنا لوجهة النّظر هذه ، جماهيريا حسب امكانياتنا ، لا يتنافى مع ثوابتنا الإستراتجية ولا يشكل مراجعة لموقفنا الحزبي الذي يرفض التقدم بقائمات إنتخابية و يتمسك بالمقاطعة كخط ماوي . نحن لن نشارك ، لكن ندعو القوى المشركة إلى تحمل مسؤوليتها و ندعمها إذا تقدمت عمليا في هذا المستوى ." ( " لنطوّر مواقف مبدئية في قطيعة مع الإنتهازية والإنعزالية " ).
و من هذا تفوح رائحة الإنتهازيّة المقيتة القائمة على الإنتقائيّة حيث يُحتفظ بموقف مقاطعة المنظّمة دون شرح الدواعي الإيديولوجيّة و السياسيّة و يكرّس عمليّا موقف مساندة " القوى الصديقة " والشخصيات النقابيّة و الحقوقيّة ما يساوى وضع " ساق هنا و ساق هناك " كما يعبّر عن ذلك فى الأوساط الشعبيّة . و بالنتيجة فى آخر المطاف و عمليّا ، يدفع بخطّ مشاركة فى العمليّة الإنتخابيّة و المضيّ مع التيّار الناشر للأوهام الديمقراطية البرجوازيّة . و الأساس الفلسفي الذى تعكسه هذه الإنتقائيّة هو اللامبدئيّة و البراغماتية / النفعيّة كفلسفة برجوازية تعتبر صحيحا ما يحقّق النفع أو النجاح فى وقت ما ( و إن كان يتنافى مع المبادئ الشيوعية لدى مدّعى تبنّى الماويّة ) . بينما الموقف الماوي الثوري حقّا هو فضح أوهام الديمقراطيّة البرجوازيّة و الإصلاحيّة و الإصلاحيين و تقديم المشروع الشيوعي النقيض و البديل الوحيد الحقيقي ( الثورة البروليتارية العالمية بتيّاريها و غايتها الأسمى الشيوعية على الصعيد العالمي ) للدول الإمبريالية و دول الإستعمار الجديد .
تتناسى المنظّمة الشيوعية الماوية بتونس المبادئ الشيوعية الماوية الثورية بحثا عن التأقلم مع مستوى فهم الجماهير الشعبية العفوي و التى تتحكّم فيه الأفكار السائدة للطبقات السائدة لذلك يصحّ عليها قول لينين : " إنّ هذا النسيان للإعتبارات الكبرى ، الجذريّة حرصا على مصالح اليوم العرضيّة ، و هذا الركض وراء النجاحات العرضيّة ، و هذا النضال من أجلها دونما حساب للعواقب ، و هذه التضحية بمستقبل الحركة فى سبيل الحاضر ، إنّ كلّ ذلك قد تكون له دوافع " نزيهة " ايضا . و لكن هذا هو الإنتهازيّة ، وهو يبقى الإنتهازية ، و لعلّ الإنتهازيّة " النزيهة " هي أخطر الإنتهازيّات ..." ( لينين – " الدولة و الثورة " ، ص 74 من الطبعة العربية لدار التقدّم ، موسكو ).
هيهات أن ينهض هؤلاء الماويين جدّا ، جدّا بالدعاية للشيوعية الثورية و البناء على أسسها حاليّا لقطب شيوعي ، هذا أمر أبعد ما يكون عن خطّهم الإيديولوجي و السياسي التحريفي المناهض للفهم العلمي المادي الجدلي و التاريخي للديمقراطية . فى خضمّ الصراع ضد الإنحرافات الديمقراطية البرجوازيّة فى صفوف الماويين و خاصّة لدى الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) بعد قيادته المظفّرة لسنوات عشر من حرب الشعب فى النيبال ، و التى – الإنحرافات - إنتهت بهذا الحزب إلى خيانة حرب الشعب و الثورة و الشيوعية لينضمّ إلى الإصلاحيين العاملين فى إطار دولة الإستعمار الجديد هناك ، لخّص بوب أفاكيان بإقتضاب حقيقة الموقف الشيوعي من الديمقراطيّة فى فقرة فريدة فى بابها و بليغة فى دلالتها :
" فى عالم يتميّز بإنقسامات طبقية ولامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن " الديمقراطية " دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية ، بلا معنى وأسوأ . طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات، لن توجد " ديمقراطية للجميع " : ستحكم طبقة أو أخرى وستدافع عن وتروّج لهذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها و أهدافها . المسألة هي : ما هي الطبقة التى ستحكم وإذا ما كان حكمها ونظام ديمقراطيتها ، سيخدم تواصل أو فى النهاية القضاء على الإنقسامات الطبقية و علاقات الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة المتناسبة معه . "
------------------------------------------------

5- العفويّة و التذيّل للجماهير ميزة من ميزات المنظّمة الشيوعية الماويّة بتونس :
و من قراءتنا لتبريرات تقديم المساندة للبعض فى الإنتخابات التى أتينا على ذكرها ، إستخلصنا أنّ المنظّمة التى إعتمدت البراغماتيّة للتأسيس لموقف إنتهازي و أدارت ظهرها إلى المبادئ الشيوعيّة الثوريّة ، قد لجأت إلى تعليل صنيعها بمدّ الجماهير بالإجابات على أسئلتها إذ جاء فى نصّ " لنطوّر مواقف مبدئية في قطيعة مع الإنتهازية والإنعزالية " :
" لذلك كان موقف حكومة الشّخصيات الوطنية هي الإجابة الممكنة لحالة فراغ سياسي ولظرف ليس ممكنا فيه انجاز الثورة وليس صحيحا ترك الجماهير تحت رحمة المتربّصين وقوى الإجرام والرّدة . اننا إذا استوعبنا مسألة كوننا مطالبون ببلورة مواقف سياسية تجيب عن تساؤلات أوسع الجماهير وتبعدنا عن الإنعزال عنها " ؛ إضافة إلى إعتبار" شعار المقاطعة اليوم ليس شعارا جماهيريا ".
و خليق بنا أن نقف عند هذه الفقرة و نتساءل متى كان ما تفكّر فيه الجماهير الشعبيّة فى لحظة ما هو المحدّد الرئيسي فى نشاط الشيوعيين ؟ ينطلق الشيوعيّون كماديون جدليّون من متطلّبات الواقع الموضوعي و ما تفكّر فيه الجماهير ليس سوى جزء من الواقع الموضوعي و غالبا ما تكون أفكار الجماهير الشعبيّة هي أفكار الطبقات السائدة كما أفصح عن ذلك بالوضوح اللازم ماركس وإنجلز فى " بيان الحزب الشيوعي ". و الإنطلاق من الواقع الموضوعي يعنى ما تتطلّبه الضرورة الموضوعية للثورة البروليتارية العالمية بتيّاريها بناء على الواقع المادي لتناقضات النظام الإمبريالي العالمي و دول الإستعمار الجديد وهي ضرورة قلّما يكون جزء من - فما بالك بجلّ أو كلّ - الجماهير الشعبيّة وعاها وعيا تاما فى ظروف عدم وجود حركة شيوعية ثورية قائمة على نظريّة ثوريّة .
و نستغرق فى الشرح فنقول إنّ الماويين حدّدوا عالميّا ، تأسيسا على تحليل علمي مادي جدلي لواقع النظام الإمبريالي العالمي و تناقضاته ، ضرورة تغيير العالم الذى يصرخ من أجل الثورة تغييرا ثوريّا عبر نوعين من الثورات ؛ فى أشباه المستعمرات و المستعمرات و المستعمرات الجديدة ، الثورة الديمقراطية الجديدة ؛ وفى البلدان الرأسماليّة – الإمبريالية ، الثورة الإشتراكية . و من ثمّة لا يمكن التقدّم نحو تحرير حقيقي للجماهير الشعبيّة و للإنسانيّة قاطبة من كافة أنواع الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي دون إنجاز هذين النوعين من الثورات كجزء من الثورة البروليتارية العالمية و غايتها الأسمى الشيوعيّة على النطاق العالمي . و فى تونس مثلا ، المشروع الشيوعي هذا غائب مغيّب جماهيريّا بشكل يكاد يكون كلّيا . و المشروع المجتمعي السائد صنيعة الإمبريالية و الرجعيّة و المشاريع الإصلاحيّة و الإسلاميّة الفاشيّة لا تخرج عن نطاق دولة الإستعمار الجديد التى يجب أن تحطّمها الثورة الديمقراطيّة الجديدة لتنشأ دولة جديدة تحمل أعباء مسؤوليّة المشروع الشيوعي العالمي .
و نعود إلى سؤال هل أنّ التذيّل لما تفكّر فيه الجماهير الشعبيّة لحظة كتابة " إنتفاضة 2011 ..." محدّد رئيسيّا فى موقف الشيوعيين الماويين الثوريين ؟ و الجواب طبعا لا. لا يجب أن يكون هو المحدّد الرئيسي . بطبيعة الحال علينا أن نأخذه بعين الإعتبار لكن تحليلا علميّا لمعظم هذه الأفكار يكشف أنّها فى غالبيّتها أوهام ديمقراطيّة برجوازية و أفكار الطبقات السائدة " بديمقراطيّتها و فاشيّتها " . و على ضوء هذا ، يتجلّى أنّ من أوكد واجبات الشيوعيين ليس التذيّل لهذه الأفكار و للجماهير الحاملة لها أو " الرفض للرفض والمقاطعة الجافة " ( " لنطوّر مواقف ...." ) ؛ بل بالعكس خوض صراع مع الجماهير لإقناعها برجعيّة تلك الأفكار و إصلاحيّتها و بضرورة البديل الشيوعي الثوري الذى دونه لا سبيل لتحرير الإنسانية من جميع أشكال الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي .
إلتقت القوى الإصلاحيّة بيسارها و وسطها و يمينها لتبثّ سموم الأوهام الديمقراطيّة البرجوازيّة فى صفوف الجماهير الشعبيّة خدمة لدولة الإستعمار الجديد و إعادة ترميمها ، فهل على الشيوعيين الحقيقيين أن يختاروا بين السيّء و الأسوأ ، بين خدم الإمبريالية و الرجعيّة " الليبراليين " أو " الديمقراطيين " من جهة و " الفاشيين " من الجهة الأخرى ؟ لا . لا يجب السقوط فى لعبة الخيار بين القوى الفاشيّة إسلاميبّة كانت أم عسكريّة و القوى " الليبرالية " أو " الديمقراطية " البرجوازية . كلاهما يخدمان نفس دولة الإستعمار الجديد و تأبيدها بما يعنى تأبيد معاناة الجماهير الشعبيّة و عذاباتها . مساندة إحدى القوّتين يساوى دفع الجماهير الشعبيّة إلى أحضان عدوّها ، إلى الهاوية .
و الموقف الشيوعي الثوري يقتضى عدم التذيّل للأفكار السائدة للطبقات السائدة ، ألم يعلن ماركس و إنجلز منذ " بيان الحزب الشيوعي " : " إن الثورة الشيوعية تقطع من الأساس كل رابطة مع علاقات الملكية التقليدية ، فلا عجب إذن إن هي قطعت بحزم أيضا ، أثناء تطورها ، كل رابطة مع الأفكار و الآراء التقليدية ." و من ينحرف عن الموقف و المنهج الشيوعيين فى هذا المضمار أراد ذلك أو كره يمدّ يد العون للإصلاحيّة و يعزّز الأفكار السائدة للطبقات السائدة و يخرّب وعي الجماهير الشعبيّة و يبقيها متخلّفة فى وعيها الطبقي بمعنى وعي مصالحها الطبقيّة و مهامها التاريخيّة – بالنسبة للبروليتاريا .
و نكرّرها واجب الشيوعيين هو مواجهة المشاريع الرجعيّة و الإمبريالية ومقارعتها بالمشروع التحرّري الحقيقي الوحيد ، المشروع الشيوعي . واجبهم خوض الصراع مع الجماهير و الدعاية لمشروعهم و توعية أكبر مجموعة ممكنة من فئات الشعب و طبقاته بضرورة القطع مع الأوهام الديمقراطيّة البرجوازيّة و الأوهام المتصلة ب " الحركات الإسلاميّة " أيضا لكي تمسك بيديها مصيرها بقيادة الشيوعيين و علم الشيوعية .
إنّ التذيّل للجماهير الشعبيّة عوض الإضطلاع بمهمّة قيادتها – و التعلّم منها أثناء قيادتها و تطبيق الخطّ الجماهيري – إنحراف خطير و خطير للغاية عن علم الشيوعية . و على الأرجح انّ التذيّل للجماهير من العوامل المتداخلة مع الإنحراف القومي لرواج الفكر القومي و جماهيريته فى فترة معيّنة ، و للتبشير بأنّ الإسلاميين الفاشيين قوى وطنية و الدفاع عنها و مغازلتها لإتساع قاعدتها فى الأوساط الشعبيّة . يجرّ فقدان البوصلة الشيوعية إلى المسك بأهداب الأفكار السائدة لدى الجماهير وهي عموما أفكار الطبقات السائدة و بدلا من خوض الصراع اللازم و النهوض بدور الطليعة للإرتقاء بالوعي الطبقي السياسي لهذه الجماهير يتمّ المسك بذيلها و يتمّ السير وراءها . و هكذا يجرى تحوير التعاليم الماركسية – اللينينية – الماوية الثوريّة تبعا لروح العفويّة و الإنتهازيّة و الأفكار السائدة للطبقات السائدة .
لينينيّا ، هذا إسمه خضوع ذليل أمام العفويّة و تقديس لها فى حين أنّ المطلوب من الشيوعيين هو بالضبط عكس ذلك أي أن يكونوا طليعة لا ذيلا ، أن ينشروا علم الشيوعية و ينظّموا القوى و يغيّروا الأفكار من أجل الثورة البروليتارية العالمية ذلك أنّ الجماهير لا تتوصّل إلى الوعي الشيوعي و إلى إستيعاب علم الشيوعية و تمثّله و النضال على أساسه من خلال حياتها اليومية فهذا الوعي الشيوعي يصلها " من الخارج " من خارج صفوفها و حياتها اليوميّة و متى تبّنت الطبقات الشعبيّة و على رأسها البروليتارييا النظريّة الثوريّة تنشأ حركة ثوريّة و ينشأ شعب ثوري قادرين ، قيادة شيوعيّة ثورية و شعبا ثوريّا ، على صنع التاريخ و المضي به صوب الشيوعية العالمية .
و من المؤلّفات التى يجتهد اليسار الإصلاحي و الإصلاحيّون و التحريفيّون عامة و منهم المتجلببين بجلباب الماويّة ، فى السعي لقبرها ، مؤلّف لينين ، المنارة العظيمة " ما العمل ؟ " ففيه كان لينين صريحا و صارما فى معالجته لمسألة الوعي و العفويّة ويهمّنا هنا أن نقتبس لكم من ذلك الكتاب المنارة بعض الجمل المفاتيح التى تسلّط الكثير من الضوء على حقائق يطمسها رافعو راية الماويّة ليسقطوها و مدى إنحرافهم عن الماركسية – اللينينية – الماوية :
1- " و يريد " الإقتصاديّون " من الثوريين أن يعترفوا " بكامل الحقوق للحركة فى وضعها الحاضر " ... أي " بشرعية " وجود ما هو موجود ، يريدون أن لا يحاول " النظريّون " جرّ " الحركة من الطريق الذى " يحدّده تفاعل العناصر الماديّة و البيئة الماديّة " ... ، أن يُعترف بأنّ المرغوب فيه القيام بالنضال الذى" يمكن للعمّال القيام به فى الظروف الراهنة " و أن يُعترف بأنّ النضال الممكن هو ذلك النضال " الذى يقومون به فى الواقع فى الظرف الراهن " .... أمّا نحن ، الإشتراكيين الديمقراطيين الثوريين [ الشيوعيين ] ، فنحن ، على العكس ، غير راضين عن هذا السجود أمام العفويّة ، أي أمام ما هو كائن " فى الظرف الراهن " ، نحن نطلب تغيير التاكتيك الذى ساد فى السنوات الأخيرة ، و نحن نعلن: " قبل أن نتحد و لكيما نتّحد ينبغى فى البدء أن نعيّن بينننا التخوم بحزم و وضوح " ..." ( نهاية الفقرة " ج – الإنتقاد فى روسيا " ) .
2- " إنّ الوعي الإشتراكي – الديمقراطي [ الشيوعي ] لم يمكن أن يوجد آنئذ لدى العمّال ، إذ أنّه لا يمكن للعمّال أن يحصلوا على هذا الوعي إلاّ من خارجهم و لنا فى تاريخ جميع البلدان شاهد على أنّ الطبقة العاملة لا تستطيع أن تكتسب بقواها الخاصّة غير الوعي التريديونيوني ، أي الإقتناع بضرورة الإنتظام فى نقابات و النضال ضد أصحاب العمل و مطالبة الحكومة بإصدار هذا أو تلك من القوانين الضروريّة للعمّال إلخ أمّا التعاليم الإشتراكية فقد إنبثقت عن النظريّات الفلسفيّة و التاريخيّة و الإقتصاديّة التى وضعها المتعلّمون من ممثلى الطبقات المالكة ، وضعها المثقّفون ." ( فقرة " أ- بدء النهوض العفوي " ).
3- " إنّ كلّ تقديس لعفويّة حركة العمّال ، كلّ إنتقاص من دور " عنصر الوعي " ، أي دور الإشتراكية – الديمقراطية [ الشيوعية ] ، يعنى – سواء أراد المنتقص أم لم يرد ، فليس لذلك أقلّ أهميّة – تقوية نفوذ الإيديولوجية البرجوازية على العماّل ." ( فقرة " ب- تقديس العفويّة ." رابوتشيا ميسل " ).
4- " كان من غير الممكن أن تكون موضع بحث " إيديولوجية مستقلّة يضعها العمّال أنفسهم فى مجرى حركتهم " فليس يمكن أن تطرح المسألة إلاّ بالشكل التالي : إمّا إيديولوجية برجوازية و إمّا إيديولوجيا إشتراكية [ شيوعية ] . و ليس وسط بينهما ( لأنّ البشريّة لم تصنع إيديولوجية " ثالثة " ، أضف إلى ذلك أنّه فى مجتمع تمزقه التناقضات الطبقيّة ، لا يمكن أن توجد أيّة إيديولوجية خارج الطبقات أو فوق الطبقات ). و لذلك فإنّ كلّ إنتقاص من ايديولوجية الإشتراكية [ الشيوعية ] و كلّ إبتعاد عنها هو فى حدّ ذاته بمثابة تمكين للإيديولوجية البرجوازية و توطيد لها . و يتحدّثون عن العفوية . و لكن التطوّر العفوي لحركة العمّال يسير على وجه الدقّة فى إتجاه إخضاعها للإيديولوجية البرجوازيّة ، يسير على وجه الدقّة وفق برنامج ... ، لأنّ الحركة العماّلية العفويّة هي التريديونيونية ... و ما التريديونيونية غير إخضاع العمّال فكريّا للبرجوازية . و لذا فإن واجبنا ، واجب الإشتراكية – الديمقراطية [ الشيوعية ] ، هو النضال ضد العفويّة ، هو النضال من أجل صرف حركة العمّال عن نزرع التريديونيونية العفوي إلى كنف البرجوازية و جذبها إلى كنف الإشتراكية – الديمقراطية [ الشيوعية ] الثورية ". ( نفس الفقرة السابقة ).
----------------------------------------------
6- النقابويّة تنخر الخطّ الإيديولوجي و السياسي للمنظّمة الشيوعية الماويّة تونس :

فى كتابات لنا سابقة ، خضنا فى الموضوع و كشفنا أنّ النقابويّة تنخر عظام اليسار الإصلاحي وحتى عظام الكثير من الماويين أنفسهم . و قد تحوّلت الكثير من العناصر التى كانت تقول عن نفسها ماركسيّة و حتى ماويّة إلى عناصر بيروقراطيّة صلب أهمّ منظّمة نقابيّة بتونس ، الإتحاد العام التونسي للشغل الذى تنهض قيادته العليا البيروقراطيّة المحدّدة للطبيعة المنظّمة بدور أوكلته لها دولة الإستعمار الجديد هو دور رجال المطافئ حسب كلمات البعض و " المعدّل " أو " المحافظ على الإستقرار" حسب آخرين و فى الأخير ، من وجهة نظر البروليتاريا الثورية ، دور يوصف فى أحسن الأحوال بالإصلاحيّ لا غير فى إطار الدولة القائمة خدمة للطبقات الرجعيّة السائدة المتحالفة مع الإمبريالية العالمية .
و عوض نقد البيروقراطية النقابيّة و دورها المهادن و المتاجر بآلام الشغّالين و الجماهير الشعبيّة و فضحها جماهيريّا بما يساهم فى رفع الوعي الطبقي السياسي للعمّال ، لسنوات و سنوات لزم حتى مدعو الماويّة الصمت تجاهها و ساندوها و عملوا تحت إمرتها و ضمن الحدود التى رسمتها و ترسمها لهم و ساروا فى ركابها و صار من صار منهم من ضمن البيروقراطية النقابيّة ذاتها .
و فى نصوص المنظّمة الشيوعية الماويّة بتونس التى بين يدينا صدى لجانب من هذا الإنحراف النقابوي ففى " إنتفاضة 2011 ..." تبلغ النقابويّة و مهادنة البيروقراطيّة النقابويّة حدّ قلب الحقائق و تشويه الوقائع و التاريخ : " شكل إنخراط الإتحاد العام التونسي للشغل تحت ضغط قواعده المناضلة دفعا للإنتفاضة ..." . هكذا قالوا . و تناسوا حقائق أنّ القيادة النقابيّة المركزيّة ندّدت بأوّل مسيرة مساندة لسيدى بوزيد فى 24 ديسمبر بتونس العاصمة نظّمها لفيف من النقابيين و الطلبة و غيرهم من المناضلين و المناضلات و صرحّت جريدة الإتحاد ، " الشعب " ، و بالبند العريض أن من نظّموها لا ينتمون إلى الإتحاد أصلا متبرّأة منهم و مطلقة أيدى نظام بن علي لمزيد القمع و مهدّدة النقابيين المشاركين فيها تهديدا بالتجريد .
صحيح أنّ بعض الإتحادات الجهويّة تفاعلت إيجابيّا مع الأحداث الجارية فى البلاد فى ديسمبر 2010 و بدايات جانفي 2011 بيد أنّ إتحادات جهويّة و محلّية أخرى تخاذلت تماما حتّى لا نقول شيئا آخر . و صحيح أنّ جهة تونس برمجت يوم 14 جانفي إضرابا جهويّا بساعتين لا غير إلاّ أنّ ذلك جاء فعلا " تحت ضغط القواعد " و لم يكن أكثر من مناورة تنفيس عن الضغط و جاء متأخّرا جدّا عن ما كانت تتطلّبه تساقطات أحداث الإنتفاضة .
وفضلا عن هذا ، كان على أصحاب المنظّمة الشيوعية الماويّة بتونس أن يدرسوا بيانات الإتحاد العام التونسي للشغل ليستخلصوا أنّه لم يكن يتبنّى إلاّ قسطا من مطالب الإنتفاضة و لم يرفع أبدا شعار " الشعب يريد إسقاط النظام " و " الشغل إستحقاق ياعصابة السرّاق " و ما إلى ذلك . لكن هيهات ! بدلا من النهوض بالواجب الشيوعي الثوري و إذاعة الحقائق لرفع الوعي الطبقي للشغّالين و الطبقات الشعبية عموما تركن المنظّمة للتذيّل للسائد بصدد مشاركة الإتحاد فى الإنتفاضة والذى بثّته قراءة البيروقراطية النقابيّة ذاتها .
و لا نستغرب أن يترافق هكذا موقف مناهض للماويّة بالبكاء على الأطلال متى تنهض البيروقراطيّة النقابيّة بدورها الرجعي المتآمر مرّة تلو المرّة و تخذل الجماهير الشعبيّة المرّة تلو المرّة ، فلا يجد أصحاب تلك المنظّمة التى أسقطت فعليّا من خطابها تقريبا تماما و بصفة تكاد تكون دائمة كل مظاهر العداء العملي للقيادة البيروقراطية لإتحاد الشغل سوى قول من قبيل :
- " إنه لمن المؤلم أن يحشر الاتحاد العام التونسي للشغل نفسه في مثل هذه المهام رغم اعتقادنا بأن الاتحاد له رأي و موقف من كل القضايا التي تمس الوضع في القطر في اطار هياكله و في علاقة بمنخرطيه و في علاقة ببقية المنظمات الجماهيرية الفاعلة في البلاد ." ( " بعد عامين و نصف من سقوط مافيا بن علي..." 18 ماي 2013 ).
- " إن الاتحاد يناضل من أجل مسائل اجتماعية و كذلك من أجل التكريس الفعلي لشعارات الانتفاضة السياسية و المطلبية منها و لكنه غير مطالب بتحمل مسؤولية "ادارة حوار وطني" و "التقريب بين الأحزاب المتصارعة "كما أنه ليس معني بالمشاركة في الحملات الانتخابية و غيرها و عليه أن يترك لمناضليه المتحزبين حرية التصرف خارج أطر المنظمة حتى تحافظ المنظمة النقابية على وحدتها و جماهيريتها و تكون أوسع ما يمكن و تبتعد عن القرارات المرتجلة التي نشعر في بعض الحالات أنها تتخذ بدون ترو مما يخلق حالة من اهتزاز الثقة و يعطي للأعداء فرصا لمزيد التشكيك و بث الانشقاق ." ( " لنحافظ على الإتحاد العام التونسي للشغل " ، 14 ديسمبر 2012 ).
و النقابويّة تعنى ضمن ما تعنيه تركيز النضال فى النقابات وهو ما فعلته معظم المجموعات اليساريّة كتعبير من تعبيرات مرض الإقتصادويّة الذى نقده لينين و تصوّروا أين ؟ فى " ما العمل ؟ " مؤّلفه الذى رمى به التحريفيون ، الماركسيون المزيّفون ، فى سلّة المهملات مقابل تقليص النضال أو تغييبه كلّيا على الجبهتين السياسيّة و النظرية . و يسطع نور غياب النضال على الجبهة النظريّة أو الإيديولوجيّة لدى اليسار الإصلاحي و غالبيّة الماويين أيضا ، لا سيما منهم هذه المجموعة التى ننقد فنصوصها تزخر بالمفردات غير الماركسية وبالكاد تتحدّث فى أدبيّاتها عن الشيوعية فما بالك بتولّى نشر علم الشيوعية و إستيعابه و تطبيقه و تطويره و ما بالك بالإعتناء بصراعات الحركة الشيوعية العالمية و الردّ على الهجمات البرجوازية على الشيوعية و تاريخيها و هلمجرّا.
و من له أدنى شكّ فى التغييب المتعمّد لهذه الجبهة من جبهات النضال الثلاث التى شدّد عليها إنجلز و لينين ( " ما العمل ؟ " – فقرة " إنجلز و أهمّية النضال النظري " ) ، عليه بالإطلاع على أدبيّات الجماعة فى هذه السنوات الأخيرة و حتى قبلها . هذا من ناحية ، و من ناحية أخرى ، لم تقم المجموعة حتّى بالتعريف بالتجارب الإشتراكية و مكاسبها التاريخية و نلفى إعترافا منها بهذا فى " نقد ذاتي " ( 10 جوان 2012 ، علما و أنّ هذا النقد الذاتي لم يتعرّض لا من بعيد و لا من قريب إلى أخطاء المنظّمة هذه بشأن الإسلام و الإسلاميين الفاشيين و لا بشأن التذيّل للبرجوازية الوطنية بتاتا ) :
" لم يتحمل الشيوعيون مسؤوليتهم في التعريف بالتجارب الاشتراكية و ما تحقق لصالح جماهير هذه البلدان اجتماعيا و اقتصاديا و ثقافيا . فلم يقع ترجمة عدة كتب إلى العربية و ترويجها على مستوى واسع حتى يقع التعريف بهذه التجارب و ما أضافته للانسانية ."
و هل جرى ترادك الأمر ؟ لم نر ذلك فى الوثائق التى صدرت حديثا .
إن برهن ما تقدّم على شيء فإنّما يبرهن على أنّ :
" السياسة التريديونيونية لطبقة العمّال هي على وجه الدقّة السياسة البرجوازية لطبقة العمّال "
( لينين - " ما العمل ؟ " ، الفقرة ه ،" الطبقة العاملة مناضل طليعي من أجل الديمقراطية " ؛ الطبعة العربية دار التقدّم موسكو ).
------------------------------------------------

7- ما هذا الخلط فى تحليل الإنتفاضة الشعبيّة فى تونس ؟!

أوّل ما يجلب النظر بهذا لمضمار هو عنوان نصّ " إنفتاضة 2011 : خطوة مهمّة فى طريق النضال الوطني الديمقراطي " ( تونس فى 21 جانفي 2011) . فالإنتفاضة منسوبة لسنة 2011 على وجه الضبط غير أنّه فى ثنايا النصّ نعثر إلى جانب إنتفاضة 2011 ، على مصطلح آخر هو " إنتفاضة ديسمبر / جانفي " فى جملة " تميّزت إنتفاضة ديسمبر / جانفي بخصوصيّات " . فهل يجرى الحديث عن نفس الإنتفاضة ؟ لا شكّ فى ذلك لكن هناك تضارب فالمصطلح الأوّل يحيل على 2011 حصرا و المصطلح الثاني يحيل على 2010 / 2011 . لماذا هذه اللخبطة الفكريّة من أناس لهم عقود من إدعاء الماويّة و لم يستطيعوا هنا أن يعكسوا حقيقة تاريخيّة موضوعيّة بالوضوح المطلوب و الطريقة الصحيحة ؟
و هذه اللخبطة الفكرية يتقاسمونها مع عديد فرق اليسار الإصلاحي كما يتقاسمون مع غيرهم من مشوّهي الماركسيّة ( حزب الكادحين الوطني الديمقراطي ) فى نشر وهم تواصل الإنتفاضة . و سنكتفى هنا بإبراز تهافت الحكم المثالي الذاتي بالإعتماد على معطيات نصّ " إنتفاضة 2011..." عينه أين ورد: " و بما أنّ اللهيب الذى أحرق سلطة عصابة المافيا و الحزب الحاكم بتونس بعد إنتفاضة مجيدة غستمرّت لأكثر من شهر و تتواصل لحدّ اليوم يشكّل منعرجا تاريخيّا فى حركة الصراع الطبقي و الوطني بتونس بعد تراكمات ..." . و تؤكّد هذه الكلمات بلا ريب بأنّ الإنتفاضة " تتواصل لحدّ اليوم " ، يوم كتابة النصّ بينما فى مكان آخر نقرأ " المسار الذى توّج بسقوط عصابة بن علي " بما يفيد أن الإنتفاضة إنتهت بإنتهاء المسار و تتويجه . و إلى هذا نضيف أنّ " إنتفاضة ديسمبر / جانفي " هي إن فصّلناها أكثر إنتفاضة 17 ديسمبر / 14 جانفي ما يعنى أيضا أنّها إنتهت فى 14 جانفي بفرار بن علي و أمّا النضالات التى تلتها فهي إنعكاسات لها و معارك جديدة . مثلها مثل حزب الكادحين الوطني الديمقراطي لا تميّز المنظّمة بين الإنتفاضة و المعارك التى تلها فهذا الحزب " يطرح على الكادحين مواصلة انتفاضتهم " فى نشريّته " طريق الثورة " ، متى ؟ فى ماي 2014 ( أنظروا على الحوار المتمدن - العدد: 4477 - 2014 / 6 / 9 ؛ حول شعار " الشعب يريد إسقاط النظام " ).
و يتجلّى الخبط خبط عشواء بشأن الإنتفاضة فى وقوع المنظّمة إيّاها فى مستنقع الأوهام البرجوازيّة الصغيرة معتبرة فى قراءة مثاليّة ذاتيّة للواقع تعوّدنا عليها الآن ، أنّ ما حدث فى تونس : " منعرجا تاريخيّا فى حركة الصراع الطبقي و الوطني " و الإنتفاضة لم تفعل سوى رجّ دولة الإستعمار الجديدة و إسقاط رمز من رموزها و لم تحطّمها و لم تبن دولة جديدة و لا هي طرحت على نفسها ذلك أصلا . متى ناضلت الجماهير الشعبيّة ضد مثلا الجيش الذى يعدّ ماركسيّا العامود الفقري للدولة ؟ ألم يستوعب هؤلاء المحرّفين للماويّة التصريح الشهير لماو تسى تونغ : " يعتبر الجيش ، حسب النظرية الماركسية حول الدولة ، العنصر الرئيسي فى سلطة الدولة . فكلّ من يريد الإستيلاء على السلطة و المحافظة عليها ، لا بدّ أن يكون لديه جيش قويّ " ( " قضايا الحرب و الإستراتيجيا " 6 نوفمبر - تشرين الثاني 1938 ؛ المؤلفات المختارة ، المجلّد الثاني ، الصفحة 66 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ) ؟

فى الحقيقة لم تناضل الجماهير الشعبيّة ضد الجيش بل كانت ترحّب به و تهلّل له و إنطلت عليها حيلة معارضته لبن علي و كذلك إنطلت عليها وعود قائده رشيد عمّار آنذاك .
أين هو المنعرج التاريخي فى الصراع الطبقي ؟ هل أطاحت طبقة بطبقة أخرى ؟ لا ، فى عالمنا هذا . أين هو المنعرج التاريخي فى الصراع الوطني ؟ هل أنجزت مهمّة التحرّر الوطني الديمقراطي ؟ لا ، فى عالمنا هذا . و لسنا و الناس الذين لهم عيون لترى فى حاجة إلى أمثلة لا تحصى و لا تعدّ من مستجدّات الأحداث فى تونس التى تسفّه ترّهات المنظّمة الشيوعية الماويّة بتونس .
المنظّمة هذه تخال الأماني وقائعا ، و تتمنّى و تتصوّر الأماني حقائقا . إنّها تسبح فى عالم أوهام البرجوازية الصغيرة و قد بلغت بها الهلوسة درجة أنّها تنطق بكلام لو عُرض على الماويين عبر العالم لإنفجروا ضحكا و بكاء فى آن معا لأنّه من المضحكات المبكيات ، من مثل أنّ تلك الإنتفاضة مارست " أشكال تنظّم شعبيّة و فرض إرادات جماهيريّة تشكّل أوّل تجربة لنواة سلطة شعبيّة قاديمة " . هكذا أيّها الماويّون جدّا جدّا ، دون خجل ، " نواة سلطة شعبيّة قادمة " !!! الماويّة براء من تفكير واهم من هذا القبيل يحوّل بعصا سحريّة أشكال تنظيم عفويّة و هشّة لم تصمد أحيانا لأيّام ، و ليس لديها برنامج ثوري و لا قيادة شيوعيّة إلى " نواة سلطة شعبيّة قادمة " وهي فكرة تفوح منها رائحة نزعة مجالسيّة أطلّت برأسها كذلك فى بعض وثائق حزب الكادحين الوطني الديمقراطي و لا نودّ هنا التوغّل فيها لأنّ المجال لا يسمح بذلك .
و عقب رفع هذه الإنتفاضة العفويّة إلى السماء ك" خطوة مهمّة فى طريق النضال الوطني الديمقراطي " ( وهي ليست كذلك حسب شرحنا فى مقال " خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء : أنبذوا الأوهام و إستعدّوا للنضال " الذى صغناه إثر نتائج إنتخابات 23 أكتوبر 2011 )، و ك " انتفاضة ديمقراطيّة شعبيّة أساسا " ، طرحت الوقائع الملموسة لتطوّر الصراع الطبقي الكثير من الذين أفقدتهم نشوة هروب بن علي عقولهم ، طرحتهم أرضا و جعلتهم يركعون ، و بقدر ما كانت الأوهام ضخمة بقدر ما كان فتح العيون على الحقائق العنيدة مؤلما ما أملى على المنظّمة الشيوعية الماويّة بتونس فى نصّ " فى ذكرى 1 ماي 2014 " تتراجع عن مواقفها السابقة و تقرّ ب : " المكاسب القليلة التي تحققت بعد 14 جانفي 2011 " و قبلها فى 24 أكتوبر 2012 فى " هل الإنتخابات هي الحلّ ؟ " ، جرى الحديث عن " محدودية مكاسب انتفاضة 2011 " ؛ هذا بعدما كانت المكاسب سنة 2011 فى " إنتفاضة 2011 ..." " مكاسب عديدة تتعزّز كلّ يوم بمكاسب جديدة " و باتت فى نصّ " لنطورّ مواقف مبدئية في قطيعة مع الإنتهازية والإنعزالية " " مكاسب تاريخية تهيأ في الواقع لمرحلة جديدة من النّضال الوطني الديمقراطي الشّيوعي وتمهّد إذا عرفنا كفية استثمارها الطّريق لإنجاز الثّورة "!!! يا له من إبتذال لعلم الشيوعيّة !
و الذين يتوقّعون نقدا ذاتيّا من المنظّمة لأخطائها هذه سينتظرون لوقت طويل و طويل جدّا بهذا المضمار كما قبلها بصدد الإسلاميين الفاشيين و تجارب " القوى الوطنية " فالجماعة يمرّون من النقيض إلى النقيض مرّ الكرام و كأنّ شيئا لم يقع و يدوسون دوسا المبادئ الشيوعية الثوريّة و يواصلون دوسها بعدم تقديم نقدهم الذاتي و تصحيح أخطائهم .
و ربّما سبقنا البعض إلى ملاحظة أنّ هذه الأوهام البرجوازيّة الصغيرة و هذه المثاليّة الذاتيّة تتكامل وتخدم أوهام نقاط " المهام الملحّة " التى عرّجنا عليها فى ما أنف من الفقرات .
بإختصار شديد قراءة المنظّمة إيّاها لجوانب جوهرية للإنتفاضة الشعبيّة فى تونس ليست من الماويّة فى شيء بل هي ترفع راية الماويّة لإسقاطها و تحلّ محلّها أوهام البرجوازيّة الصغيرة و المثاليّة الذاتيّة .
-----------------------------------------
خاتمة :
بمقدور من أدركوا الحقائق التى عرضنا أن يستوعبوا أكثر الآن لماذا إخترنا عنوانا للمقال " رفع الراية الماوية لإسقاطها : المنظّمة الشيوعية الماويّة بتونس نموذجا " و لماذا هي منظّمة لاشيوعية و لاماوية . على أكثر من صعيد بان لنا أنّها منظّمة شوّهت الماويّة أيما تشويه و حرّفتها أيّما تحريف .
ممّا تقدّم فى نقاط جدالنا هذا نستشفّ و يستشفّ القرّاء الذين يبحثون عن الحقيقة أنّ هذه المجموعة شوّهت و تشوّه الماويّة و حوّلتها و تحوّلها إلى مسخ . بدعوى " الخصوصيّة " ، عاينّا فى كتابنا " حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد حزب ماركسي مزيّف " كيف أفرغ أصحاب ذلك الحزب الطرح الوطني الديمقراطي من مضمونه الثوري و ملؤوه أوهاما ديمقراطية برجوازيّة و تبعاتها ، و بدعوى " تخصيص الشيوعية على الواقع العربي" ، " عاينّا الآن كيف أنّ مجموعة المنظّمة الشيوعية الماوية اللاشيوعية و اللاماوية أفرغت الماويّة من مضمونها الثوري و طفقت تحشوها حشوا بالنزعة القوميّة الضيّقة عوضا عن الأممية البروليتاريّة و بمساندة الإسلاميين الفاشيين ذوى النظرة للعالم و البرنامج الرجعيين و بالتذيّل للجماهير عوض قيادتها شيوعيّا و بالنقابويّة و الديمقراطية البرجوازية ؛ و فى كلّ خطوة فى " تخصيصها " هذا تتكئ على المثاليّة الميتافيزيقيّة عوض المادية الجدلية و التاريخية لذلك هي الأخرى ينسحب علي مواقفها كلامها الذى جاء فى نصّها هي " لنطوّر مواقف مبدئية في قطيعة مع الإنتهازية والإنعزالية " : " ظاهرها مغرقا في الثّورية وجوهرها تصفوي ".
شعار " تخصيص الشيوعية على الواقع العربي " حقيقة أريد بها باطلا . فتطبيق علم الشيوعية على الواقع الملموس الخاص مطلوب و لازم فيما تشويه هذا العلم بإسم التخصيص مرفوض و مدان لأنّه تحريف . و التحريفيّة حسب تعريف لماو تسى تونغ هي إنكار للمبادئ الأساسية الثوريّة للشيوعية التى شيّد صرحها على قاعدة التطوّر فى عدّة مجالات النشاط الإنساني( خاصة الإقتصاد السياسي و الفلسفة و الإشتراكية ) و التجارب العالميّة للبروليتاريا عبر العالم و بالتالي ليست حكرا على بلد أو قوميّة بل هي علم الثورة البروليتارية العالمية بتيّاريها .
و ماديّا جدليّا ، الخاص و العام متحدين فى تناقض / وحدة أضداد و كما قال لينين فى العام يوجد الخاص و فى الخاص يوجد العام أي أنّ مظهري التناقض يتحوّلان كلاهما المظهر إلى الآخر . فالتجارب الخاصّة فى جانبها الصحيح أثرت علم الشيوعية و صارت مبادئا عامّة و الأسس العامّة لعلم الشيوعية تخوّل فهم الواقع الخاص و تطوير نظريّة ثوريّة لتغييره تغييرا راديكاليّا من وجهة نظر البروليتاريا العالمية و مهمّتها التاريخيّة ، الشيوعية على النطاق العالمي .
و لا بدّ للشيوعيين أن يطوّروا هذا العلم لا أن يقولبوه مع القومية أو الديمقراطية البرجوازية و يفرغوه من مضمونه الثوري أو يحوّلوه إلى دين ، لا بدّ للشيوعيين أن يفعلوا ذلك إعتمادا على فهم علمي و صحيح للعلاقة الجدليّة بين الخاص و العام و ليس بنفي أحدهما للآخر نفيا ( هنا بمعنى إلغاء وجوده ) لا يبقى فيه إلاّ الخاص أو العكس ، لا يبقى فيه إلاّ العام . و من الأهمّية بمكان أن يواصل الرفاق و الرفيقات و الباحثين عن الحقيقة التى هي وحدها الثوريّة بكلمات لينين ، الخوض فى المسألة بعقد مقارنة بين ما آل إليه " تخصيص " الشيوعية على الواقع العربي لدى هذه المنظّمة اللاشيوعية و اللاماوية من خط تحريفي من جهة و من الجهة الأخرى ، فهم و تطبيق الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينين – الماوي ) لعلم الشيوعية مثلما طوّرته الخلاصة الجديدة للشيوعية تطويرا ثوريّا و الخطّ البروليتاري الشيوعي الماوي الثوري الذى صاغه و يكرّسه وهو تحت نار قمع الإسلاميين الفاشيين و مذابحهم الجماعية .
الشيوعية كعلم لن تكفّ عن التطوّر و إن فعلت ماتت و تطوير الماركسية – اللينينية – الماوية تطويرا ثوريّا ، لا تحريفيّا ، مهمّة تصدّى للإضطلاع بها القليلون من المنظّرين الشيوعيين الماويين فمنهم بدغمائيّة من يعتبر اليوم الإطار النظري الموجود كافي و لا حاجة لإطار جديد و فضلا عن عدم قيامهم بالمطلوب يقفون حجر عثرة أمام من تحمّلوا لعقود و يتحمّلون مسؤوليّاتهم ليكون الشيوعيون الماويّون الثوريّون طليعة للمستقبل ، لا بقايا الماضي . و كان و لا يزال بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري( الولايات المتحدة الأمريكية )على رأس المتمسّكين بالمظهرأو الجانب الثوري ، وهو الرئيسي ، فى الماركسية – اللينينية – الماوية و فى نفس الوقت الناقدين للمظهر الثانوي أي الأخطاء و بذلك بجهد جهيد لعقود على رأس حزبه و كأحد أهمّ القادة الماويين عالميّا ، توصّل إلى خلاصة جديدة للشيوعية ، كإطار جديد لمرحلة جديدة من الثورة البروليتارية العالمية ، وهي الفهم الشيوعي الماوي الثوري الأكثر تقدّما اليوم و بالتالي على الشيوعيين الماويين الثوريين حقّا أن يدرسوها من مصادرها الأصليّة ويستوعبوها و يطبّقوها و يطوّروها فى سياق سيرورة فهم الواقع فهما علميّا و تغييره تغييرا ثوريّا و الهدف الأسمى هو الشيوعية على النطاق العالمي .
وقد كثّف بوب أفاكيان المقصود بالخلاصة الجديدة للشيوعية فقال :
" تعنى الخلاصة الجديدة إعادة تشكيل و إعادة تركيب الجوانب الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن ، بينما يتمّ التعلّم من الجوانب السلبية لهذه التجربة بابعادها الفلسفية والإيديولوجية و كذلك السياسية ، لأجل التوصّل إلى توجه و منهج و مقاربة علميين متجذّرين بصورة أعمق و أصلب فى علاقة ليس فقط بالقيام بالثورة و إفتكاك السلطة لكن ثمّ ، نعم ، تلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، بطريقة متزايدة الإتساع ، فى المجتمع الإشتراكي – متجاوزة ندب الماضى ومواصلة بعمق التغيير الثوري للمجتمع ، بينما فى نفس الوقت ندعم بنشاط النضال الثوري عبر العالم و نعمل على أساس الإقرار بأن المجال العالمي و النضال العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ، بالمعنى العام – معا مع فتح نوعي لمزيد المجال للتعبير عن الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس ، مفهوما بصورة واسعة ، و مخوّلين سيرورة أكثر تنوّعا و غنى للإكتشاف و التجريب فى مجالات العلم و الفنّ و الثقافة و الحياة الفكرية بصفة عامة ، مع مدى متزايد لنزاع مختلف الأفكار و المدارس الفكرية و المبادرة و الخلق الفرديين و حماية الحقوق الفردية ، بما فى ذلك مجال للأفراد ليتفاعلوا فى " مجتمع مدني " مستقلّ عن الدولة – كلّ هذا ضمن إطار شامل من التعاون و الجماعية و فى نفس الوقت الذى تكون فيه سلطة الدولة ممسوكة و متطوّرة أكثر كسلطة دولة ثورية تخدم مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن وعالميا و الدولة عنصر محوري ، فى الإقتصاد و فى التوجّه العام للمجتمع ، بينما الدولة ذاتها يتمّ بإستمرار تغييرها إلى شيئ مغاير راديكاليا عن الدول السابقة ، كجزء حيوي من التقدّم نحو القضاء النهائي على الدولة ببلوغ الشيوعية على النطاق العالمي .
( " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ، الجزء الأوّل ، جريدة " الثورة " عدد 112 ، 16 ديسمبر 2007 .)
======================================================
ملحق بأهمّ وثائق الشعلة / المنظمة الشيوعية الماوية تونس المعتمدة فى البحث