الازمة البنيوية للاحزاب الشيوعية في العالم العربي - ج 1


وليد يوسف عطو
2014 / 10 / 7 - 12:52     



(1 ):


الاحزاب الشيوعية بين الجمود والاصلاح ...

الاحزاب الشيوعية غير فاعلة ومؤثرة في مجتمعاتها ...

المثقف العربي ,بصورة عامة , غير فاعل اجتماعيا وهو طائفي النفس,بقدر ماهو ملحد او علماني او يساري او ماركسي او ليبرالي ..

انه نموذج للملحد الطائفي !!!

( الكل مسؤولون بقدر ماهم متورطون , سيما اصحاب المشاريع والاستراتيجيات لانقاذ العالم ,يستوي المحافظون الجدد والاسلاميون الجدد, زعماء الاصلاح وزعماء الارهاب ).

المفكر علي حرب من كتابه : ( ازمنة الحداثة الفائقة : الاصلاح – الارهاب – الشراكة ) – ط 2 – 2008-الناشر: المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب و بيروت – لبنان .

( 2 ):

هل ماتحتاج اليه الاحزاب الشيوعية اليوم هو الاصلاح ام ان الامر فات اوانه ؟

الاحزاب الشيوعية تتلاعب بالمفاهيم بين ادعاء الديمقراطية وبين الحفاظ على الارثوذكسية الستالينية على ارض الواقع..

وبين العداء للامبريالية العالمية وبين الموالاة للمشاريع الامبريالية العظمى من قبل نفس الاحزاب الشيوعية ,العراق انموذجا بعد الاحتلال الامريكي .

في النقد الذاتي

ان الاحزاب الشيوعية في العالم العربي تعودت على عدم المساس بثوابتها وايقوناتها وعقائدها الجامدة .انها تدعي المراجعة والنقد الذاتي , لكنها دومابحساب المصالح الحزبية الضيقة والمصالح الشخصية لقادة هذه الاحزاب ونرجسيتهم العالية تحافظ على طابعها المحافظ في الفكر والايديولوجيا وفي التنظيم وفي اصرار سكرتير الحزب على بقائه في منصبه مدى الحياة وحتى على توريثه لابنائه وبناته من بعده .
هذه الاحزاب الشيوعية في العالم العربي اصبحت الكابح المعطل لعجلة التقدم في مجتمعاتنا ,انها سلفية بقدر ماتدعي التقدمية , وغيبية بقدر ماتدعي ( العلمية ), والنتيجة هي المزيد من التراجع والانكسار.
لاشك ان الثقافة مصدر اساس من مصادر الخلل والعطب , لها جذورها في نظام الفكر ومصادرات العقل ,او في قوالب المعرفة ومنظومة القيم .بهذا المعنى لسنا ضحية اقدارنا والمؤامرات التي تحاك لنا , بل نحن ضحية افكارنا.

ان اسباب تعثر الاصلاح والديمقراطية في الاحزاب الشيوعية في العالم العربي هم قادة نفس الاحزاب ومثقفوها الذين هم الاقل ديمقراطية بقدر مايفكرون بعقلية (الطليعة )و (النخبة )و(الوصاية ) واحتكار القيم .
ازمة الاحزاب الشيوعية انها تفكر في الماضي وفردوسها الضائع بعقلية الماضي المقولبة ,بينما هي تتكلم عن الحاضر والمستقبل السعيد بمفاهيم الديمقراطية والحداثة .
انها تسير على نمط الفكر الاحادي , بينما تدعي انها تسير وفق التعددية الفكرية والثقافية .
ان من اسباب النكوص لدى الاحزاب الشيوعية ومثقفيها هو سطو المثقفين على منتجات زملائهم وعلى ملكيتهم الفكرية , او شحذ الاسلحة الرمزية الفتاكة للحفاظ على المواقع والادوار , او للحصول على الجوائز والمناصب.انهم يمارسون الغاء الاخر , ويفكرون بعقلية الاصطفاء لابعقلية الشراكة , يمارسون التسلط والاستئصال لا الحوار والمبادلة .

ثمرة كل ذلك مزيد من التراجع في عمل الاحزاب الشيوعية والابتعاد عن هموم الناس .
الحل يكمن في التغيير . علينا ان نتغير لكي نغير الاخرين والمجتمع .ان الاحزاب الشيوعية تستخدم عدة قديمة مستهلكة في مواجهة المشكلات المستعصية والمستحدثة .انها تتعامل مع الافكار بصورة صنمية فردوسية , كما لو انها ايقونات مقدسة .

وهكذاتنادي هذه الاحزاب بالحرية لكي تحصد الاستبداد , لانها لاتمارس الحرية بقدر ما تتعاطى مع الحرية بوصفها وصفة جاهزة . انها تدمر صيغ التعايش مع الاحزاب الشقيقة بقدر ماتنصب الحواجز المادية والرمزية والفكرية والتنظيمية فيما بينها .

كيف تتغير الاحزاب الشيوعية ؟

ان تكون الاحزاب الشيوعية ديمقراطية معناه ان تعيد ابتكار الفكرة وتقوم بتغيير صورة الواقع .فالديمقراطية هي صيرورة , اي تغيير مستمر تقوم على تشكيل علاقات وقوى جديدة يتغير معها مجرى الاشياء ونظام العلاقات .ان العالم في زمن العولمة والثورة الرقمية والميديا العملاقة يتغير بصورة متسارعة , ونحن نتغير معه ,تراجعا او تقدما . من هنا فان المسالة : كيف نتغير ونغير الاحزاب الشيوعية في ضوء الاحداث والمستجدات؟ وكيف نساهم في صناعة الحدث وادارة التحولات ؟

ان من يتغير يسهم في تغيير سواه .وتغيير الاحزاب الشيوعية لنفسها معناه المساهمة في تغيير الاحزاب الشقيقة والمساهمة في تغيير مجتمعاتها .ان الحديث عن التفاوت في حجوم الاحزاب الشقيقة وعن مشروعيتها وعن قدمها هويمثل عائقا امام تطورها وتعاونها .
لايجدي الحديث عن اصلاح الاحزاب الشيوعية بتبسيط الامور وبطرح الشعارات الفخمة والضخمة والمرفوعة منذ عشرات السنين . ان العمل المشترك بين الاحزاب الشيوعية في العالم العربي يستلزم التعامل فيما بينها بمنطق تداولي وفتح المجالات والعلاقات فيما بينها وبصورة تتيح للحزب الشيوعي الواحد ان يتحول لكي يسهم في تحويل غيره و عبر التفاعلات الديناميكية والتبادلات المثمرة .

المثقف العضوي والمنتج والفاعل ..

الاحزاب الشيوعية المنتجة والفاعلة ..

يجري في عالمنا العربي التعامل مع الفرد بصفته عضو في اسرة او قبيلة او جماعة مؤمنة . حيث يختفي مفهوم الفرد كما نظرت له الادبيات الليبرالية , لصالح الجماعة التي ينتمي اليها . وفي الاحزاب الشيوعية يذوي صوت الفرد لصالح سكرتير او زعيم الحزب بوصفه شيخا للقبيلة تجب طاعته وتنفيذ اوامره .

ان الغرب استبدل هذه المفاهيم منذ فترةطويلة بمفهوم ( المواطن ) والذي تم استبداله اليوم بمفهوم ( الفاعل )الاجتماعي او البشري ,وهو مصطلح ابتكرته العلوم الاجتماعية كعلم الاناسة (الانثروبولوجيا ) وعلم السوسيولوجيا (علم الاجتماع ) وغيرها من العلوم الانسانية .

مفهوم الفاعل يعني , بحسب المفكر علي حرب , التعامل مع كل فرد في المجتمع بصفته مختصا ومنتجا ومؤثرا في المجتمع . فاذا اردنا تفعيل مجتمعاتنا فعلينا استبعاد او تجاوزمفاهيم المتلقي والمستهلك , او حتى المواطن , للتعامل مع بعضنا البعض بصفتنا اصحاب اختصاص وذوي خبرات , وباننا نعمل وننتج او نخلق ونبتكر لكي نفعل ونؤثر . ولايعني ذلك ان من لايعمل او لاينتج هو غير فاعل .بالعكس ان العاطل عن العمل , هو فاعل اكثر مما نظن , لكنه يفعل بصورة سلبية او مدمرة و كما هي حال المهمشين والذين يسهمون في توليدوصناعة العنف .

هكذا هو حال الاحزاب الشيوعية في العالم العربي ,عليها التعامل مع اعضائها ورفاقها في الحزب ومع الاحزاب الشقيقة ليس بصفتهم اعضاء شيوعيين , كارقام مجردة في سجلات الحزب فحسب ,عليهم طاعة قيادة الحزب وفرض الوصاية التنظيمية والفكرية والحزبية عليهم , بل بصفتهم فاعلين اجتماعيين , كل في محل سكناه او عمله , وهم فاعلون منتجون ومثمرون .

ان الكثير من الفاعلين الاجتماعيين يساهمون في صناعة المتغيرات , من غير ادعاء او تنظير (الشهيد البوعزيزي في تونس نموذجا على ذلك ) . في حين ان دعاة الاصلاح من قادة الاحزاب الشيوعية هم الاقل قدرة على الفعل والتاثير بثوابتهم المعيقة وقوالبهم المتحجرة . الامر الذي يجعلهم على هامش الفعل الاجتماعي والحضاري .

(يتبع )...