اليسار المصرى ..الجذور..الواقع..الآفاق (الأخيرة)


رياض حسن محرم
2014 / 9 / 25 - 17:21     

(لمّا التيران تتناطح..الوز ينداس بالرجول) مثل مصرى
دروس غير مستفادة:
توجد أسباب عديدة لحصار الأفكار الماركسية وعدم تجذرها فى الواقع المصرى يمكن إجمالها فيما يلى:
1- استيراد النظرية الماركسية كوصفة سابقة التجهيز وعدم بذل جهد حقيقى لتمصير الماركسية فكريا ونضاليا.
2- دور اليهود المصريين والأجانب فى تأسيس وقيادة المنظمات الشيوعية خاصة مع بداية الحلقة الثانية فى أوائل الأربعينات.
3- الإتهام المبكر للنظرية الماركسية بالالحاد ووصم الشيوعيين بالكفر من مفتى الديار وشيوخ الأزهر منذ بداية الحركة وحتى الآن.
4- التبعية للمركز باعتباره "فاتيكان" جديد والتأقلم دائما مع مواقف وشروط الاتحاد السوفييتى، عبّر عنها الرأسماليين بالقول (إذا أمطرت السماء فى موسكو..يرفع الشيوعيون فى مصر مظلاتهم).
5- قيام اسرائيل وقرار التقسيم والحرب بين الجيوش العربية واسرائيل والمتطوعون للحرب ضد اسرائيل، مع انحياز الأحزاب الشيوعية العربية لموقف الإتحاد السوفييتى من الموافقة على قرار التقسيم والإعتراف بإسرائيل.
6- الصراع مع سعد زغلزل فى العشرينات، ومع عبدالناصر فى الخمسينات والستينات أدى الى مطاردة الحركة وسجن المنتمين اليها وتشويهها اعلاميا مما أنهكها بشدة وأضعف قدرتها على التواصل مع جماهيرها.
7- الثروة النفطية وهجرة ملايين المصريين الى منطقة الخليج وتسلفهم هناك وغزو الأفكار الوهابية والدعاة المتأثرين بهذا الفكر للعقل المصرى.
8- الصراعات والانقسامات الداخلية والخلافات بين الشيوعيين حول تمثيل صحيح الماركسية وادانة وتخوين الآخرين.
9- إنهيار الإتحاد السوفييتى.
كل ذلك وأسباب أخرى جعلت الحركة الشيوعية فى الواقع المصرى تواجه مصاعب وأفخاخ كثيرة دفع ثمنها بجسارة كوكبة مقاتلة من الشيوعيين منذ عشرينات القرن الماضى وحتى اليوم، لقد حرصوا بإخلاص على تمثل الفكر الماركسى "رغم صعوبته وغربته، لكن معظم التنظيمات الشيوعية بالغت فى ذلك كثيرا وحاولت من خلال برامج التثقيف أن يكون كل أعضائها مدركين بأبعاد النظرية " الفلسفة المادية والتاريخية والديالكتيك.." بل ساهمت بدون قصد فى تحويل العمال والفلاحين الذين نجحت فى تنظيمهم الى دراسة الماركسية وانتقالهم الى صفوف المثقفين وانفصالهم عن طبقاتهم، بل الأنكى أن تلك التنظيمات سعت الى سحبهم من مواقعهم النضالية الى العمل السرى.
كما أدت عدم القدرة "أو الرغبة" فى إستيعاب الشباب "المتمرد دوما" داخل صفوف الحركة وعدم القدرة على خلق "جيل وسيط" بين شيوخ تلك المنظمات والأجيال الشابة الى اندفاع الشباب الى مواقع يسارية متطرفة ذات طابع فاشى " الألتراس والأناركيين" التى تلبى احتياجاته البيولوجية، وكذلك الإنتقال السريع بين صفوف المنظمات الشيوعية "سياسة الباب الدوّار"، وما صاحب ذلك من عزوف عن المعرفة النظرية والإكتفاء بمواقع التواصل الإجتماعى كمصدر للثقافة وإدمان التظاهر والعنف " كحفلات الزار التى يفرغون فيها طاقاتهم المكبوتة".
يضاف الى ذلك أن الشيوعيين بمختلف أطيافهم لم يخططون يوما للإستيلاء على السلطة ولم يطرحوا بوضوح برنامجهم لما بعد الوصول للحكم ولم يذكر أى منهم كيفية إدارة دولاب الحكم بعد الإستيلاء عليه، لقد نقل البعض منهم الاساليب التى طبقتها الشعوب بعد قيامها بثورات اشتراكية منذ كوميونة باريس ومرورا بمجالس السوفيتات وغيرها، دون محاولة بذل جهد لوضع تصور للواقع المصرى، لقد غابت السلطة عقب هزيمة الشرطة إبّان ثورة يناير وحاول الأهالى بجهود ذاتية تكوين "لجان شعبية" لحماية أرواحهم وممتلكاتهم، وكما ذكر أحدهم "كانت السلطة فى الشارع تنتظر من يلتقطها، ولكن الظروف الذاتية لم تكن ناضجة، كما أدان البعض الهجوم على أقسام الشرطة باعتباره مؤامرة إخوانية فى الوقت الذى ثارت فيه الجماهير أساسا ضد مظالم هذا الجهاز وتجاوزاته، ناهيك عن فشل الجميع فى الإمتداد الى الريف المصرى والوصول الى صغار الفلاحين والأجراء الزراعيين رغم بعض المحاولات المحدودة" وما ترتب على ذللك من عدم وجود برنامج فلاحى حقيقى تم طرحه وتجريبه فى الواقع.
فى النهاية ورغم محاولة توجيهى سهام النقد الى الحركة الشيوعية المصرية، إلاّ أن الواقع أكثر غنى وإذدهارا، فأفكار اليسار أصبحت أكثر تجذّرا فى الواقع المصرى كما لم يحدث فى يوم من الأيام، وهذا اليسار بتعريفه الواسع يمتد ليشمل التيار الناصرى والتيارالإجتماعى، ومازال الجمهورفى وعيه الجمعى أن الدولة مسؤولة عن فرض نوع من العدالة الإجتماعية وأن القطاع العام المنتج هو أقل إستغلالا وأكثر إنسانية من القطاع الخاص وأن التعاون الزراعى والتصنيع الثقيل هو مؤشر التقدم والحل لمشاكل البطالة، ولكن وحتى بالتعريف الضيق لليسار لمن يعتقد بالماركسية كمنهج عمل مازال هو التيار الأوسع إنتشارا بين الشباب "خصوصا بعد هزيمة الإسلام السياسى" ويظهر ذلك جليا إذا رصدنا عدد التجمعات والروابط على مواقع التواصل الإجتماعى التى تحمل أسماء جيفارا وماركس ولينين وكيف أن القوى اليسارية النشطة قد تركت بصماتها وتأثيرها على جميع الأحزاب والمنظمات وفى كل فروع الثقافة من فن وأدب ورسم ونحت ومسرح وسينما ورواية وقصة قصيرة والواقع بأكمله، المشكلة أن اليسار مبعثر "فرط" ولكنه سيضطر "كما حدث قبلا" للبحث عن صيغة للوحدة، عندها لن يقف فى طريقه أحد.